مقدمة
مسار – مجتمع التقنية والقانون، تصدر مذكرة بأهم الدفوع الموضوعية، التي يمكن استخدامها على سبيل الاسترشاد، في التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بجريمة “إنشاء أو إدارة أو استخدام موقع أو حساب بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا” والمنصوص عليها بالمادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
تركز المذكرة على عدد من الدفوع التي توضِّح الضوابط والشروط الواجب توافرها لاكتساب صفة مدير الموقع أو الحساب. اعتمدت الدفوع التي جائت بالمذكرة على تفنيد وقراءة تفسيرات المحاكم الاقتصادية لنص المادة 27 والتي انتهت إلى وضع تعريف ضيق لمن ينطبق عليهم وصف مدير الموقع. تتضمن أيضًا المذكرة بعض الدفوع التي تحاول الفصل بين المسؤوليات الوظيفية لمديري الموقع في حال تعددهم، ودور التقارير الفنية في تحديد مسؤولية كل منهم.
كانت مسار قد أصدرت في نفس السياق مذكرة دفع بعدم دستورية نص المادة (27) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بالإضافة إلى إصدار بعنوان “الأثر التشريعي لجريمة “إدارة موقع أو حساب بهدف ارتكاب جريمة”، وحلقة بودكاست عن المادة 27 في ظل تفسيرات المحكمة الاقتصادية.
مذكرة دفوع موضوعية – المادة (27) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
مقدمة من:
السيد/ (متهم)
ضد
النيابة العامة (سلطة اتهام)
في الدعوى رقم لسنة
المحدد لنظرها جلسة الموافق / /
الوقائع
أحالت النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة في الدعوى الماثلة، بعد أن وجهت إليه الاتهام – على حد زعمها – بارتكاب الجرائم الآتية
وطلبت معاقبته بالمواد 166 مكررًا، 171، 302/1، 303/1، 308 مكررًا/1 من قانون العقوبات، وبالمادتين 70، 76/2 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن الاتصالات، وبالمادة 27 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتحدَّد لنظر الدعوى جلسة اليوم أمام المحكمة الموقرة.
الدفوع
الدفع بعدم توافر صفة مدير الموقع في المتهم
قد ورد نص المادة 27 من مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، ضمن مواد الفصل الرابع تحت عنوان: “الجرائم المرتكبة من مدير الموقع” من الكتاب الثالث “الجرائم والعقوبات” ويفهم من هذا السياق التشريعي أن الرابط المشترك في مواد هذا الفصل في القانون – المواد 27، 28، 29 – هو أنها جرائم لا يتصور المشرِّع ارتكابها إلا ممن يتصف بصفة مدير الموقع؛ من ثم فإن المخاطَب بهذا النص هو كل من تنطبق عليه هذه الصفة دون غيره، حسبما عرَّفها هذا القانون.
وقد عرَّف – هذا القانون – مدير الموقع في مادته الأولى بأنه “كل شخص مسئول عن تنظيم أو إدارة أو متابعة أو الحفاظ على موقع أو أكثر على الشبكة المعلوماتية، بما في ذلك حقوق الوصول لمختلف المستخدمين على ذلك الموقع أو تصميمه أو توليد وتنظيم صفحاته أو محتواه أو المسئول عنه”.
وجاءت المادة (11) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون (الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020) موضحةً للالتزامات التي تقع على مدير الموقع؛ حيث نصَّت على أن “يلتزم كل مسؤول عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني أو نظام معلوماتي سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا وفقًا للمادة رقم 29 من القانون، باتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية الفنية اللازمة وفقًا للالتزامات الواردة في المادة 2 من هذه اللائحة بالنسبة إلى مديري مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات. كما يلتزم مديرو مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات والاتصالات التي تمتلك أو تدير أو تشغل البنية التحتية المعلوماتية الحرجة بالالتزامات الواردة في المادة رقم 3 من هذه اللائحة. ويلتزم الممثل القانوني ومسؤول الإدارة الفعلية لمقدمي الخدمة بإثبات توفيره الإمكانيات التي تمكِّن مديري المواقع من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة لقيامهم بعملهم. وفي جميع الأحوال يلتزم الممثل القانوني ومسؤول الإدارة الفعلية ومدير الموقع لدى أي مقدم خدمة بإتاحة مفاتيح التشفير الخاصة به للمحكمة المختصة أو لجهات التحقيق المختصة في حال وجود تحقيق في إحدى الشكاوى أو المحاضر أو الدعاوى عند طلبها رسميًّا من تلك الجهات”.
ومما تقدم يكون المشرِّع قد صاغ تعريفًا محددًا لوظيفة مدير الموقع، وحدد له عدة مسؤوليات والتزامات فنية وتقنية، أناطه بتنفيذها، ورتب جزاءات جنائية غايتها معاقبته على مخالفة أو إهمال بعضها، أو على إساءة استغلاله لصلاحياته الوظيفية.
من ثم فقد أصبح من المسلَّم به أن الجرائم المنصوص عليها في مواد الفصل الرابع من الكتاب الثالث – المواد 27، 28، 29 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات باتت من جرائم ذوي الصفة، فيشترط لمساءلة الفرد جنائيًّا عن ارتكاب أيٍّ منها، أن يتوافر فيه قبل ارتكاب الجريمة شرط مفترض، يتكون من عنصرين:
- العنصر الأول: صفة مدير الموقع، وهي حالة خاصة قانونية أو واقعية وفق ما تقدم من تعريف لها.
- العنصر الثاني: أن يتمتع من يتصف بصفة مدير الموقع بصلاحيات هذه الوظيفة، التي تحمَّلها بأعبائها ومسؤولياتها والتزاماتها.
وفي كل الأحوال تخضع هذه الصفة في إثباتها للقواعد والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية، باعتباره القانون المنظِّم لها.
وكان من المقرر فى قضاء النقض في شأن جرائم ذوي الصفة أن “تحقق صفة الموظف العام أو من في حكمه ركن من أركان جنايتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق على مال للدولة أو ما في حكمه – المنصوص عليهما في المادتين ١١٢ و١١٣/١ من قانون العقوبات. ومتى كان الحكمُ لم يستظهِر هذه الصفة في الطاعن، فإنه يكون معيبًا بالقصور في البيان”.
(الطعن رقم ١٦٣٣ لسنة ٣٨ ق – جلسة 11/11/1968 – مكتب فنى – س١٩ – ق١٩٣ – ص٩٦١)
ومن المقرر أيضًا في قضائها أنه “لمَّا كان تحقق صفة الموظف العام ركنًا في جناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة ١١٢ من قانون العقوبات لا تقوم هذه الجريمة إلا بتوافره، فإن الدفاع السالف يعد دفاعًا جوهريًّا في الدعوى المطروحة لما يترتب عليه من اختلاف التكييف القانوني لوقائع الاختلاس المسندة إلى الطاعن وما إذا كان ينطبق عليها وصف الجناية المتقدم ذكرها أم تعتبر جنحة تبديد منطبقة على المادة ٣٤١ من قانون العقوبات، ومن ثمَّ فقد كان يتعين على المحكمة أن تمحِّص هذا الدفاع بلوغًا إلى غاية الأمر فيه وأن ترد عليه بما يدفعه إن رأت الالتفات عنه، أمَا وهي لم تفعل واكتفت باطراحه مع غيره من أوجه دفاع الطاعن جملة – دون أن تقسطه حقه – رغم ما انتهت إليه من اعتبار الواقعة جناية اختلاس مرتبطة بجريمتي تزوير واستعمال وفقًا للمادة ١١٢ من قانون العقوبات، فإن حكمها يكون قاصر البيان”.
(الطعن رقم ٦٩٨٠ لسنة ٥٨ ق – جلسة 11/05/1989 – مكتب فنى – س٤٠ – ق٩٦ – ص٥٧٨ )
ويتبين من ذلك أن توافر هذه الصفة بات شرطًا مفترضًا، ولازمًا لقيام الجريمة المسندة إلى المتهم، المنصوص عليها بالمادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ فلا تقوم هذه الجريمة إلا بتوافره، والتأكد من تحققه قبل ارتكابها، ولا يتصور ارتكابها من غير مدير الموقع الذي يتمتع بصلاحيات وظيفته؛ حيث أن نص المادة يخاطب ذوي الصفة من مديري المواقع – وفقًا لأحكام القانون ولائحته التنفيذية – دون غيرهم؛ فيخرج من دائرة التأثيم والعقاب كل من لا تتوافر فيه هذه الصفة قانونيًّا أو واقعيًّا، وينحصر مجال المسؤولية الجنائية على ذوي صفة مدير الموقع دون أي تمتد عناصر المسؤولية الجنائية إلى غيرهم إلا كشركاء في الجريمة فحسب.
وهو ما أيدته وتواترت عليه أحكام المحاكم الاقتصادية؛ حيث جاء في قضاء محكمة القاهرة الاقتصادية “أن المشرع طبقا لنص المادة 27 – المطعون عليه – قصد بمديري المواقع المختصين بإدارة وتشغيل المواقع التي يستخدمها المستخدمين العاديين، ولم يتطرق المشرع في تلك المادة إلى معاقبة المستخدمين العاديين الذين يستخدمون حساباتهم الشخصية الخاصة، ومن ثم ينتفي ركني تلك الجريمة المادي والمعنوي، ومن ثم يكون استخدام المتهم لحسابه الشخصي الخاص على تطبيق التواصل الاجتماعي “واتس اب” غير مؤثم بالمادة 27 من القانون 175 لسنة 2018 حال كونه مستخدم لحسابه الشخصي الخاص”
(حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 29 يناير 2022، الدعوى رقم 2084 لسنة 2021 جنح اقتصادية)
وجاء أيضًا – في قضاء نفس المحكمة – أنه “يجب على المحكمة قبل بحث توافر الركن المادي المعنوي في تلك الجريمة التأكد من توافر الشرط المفترض، وهو الركن المفترض والأساسي لقيام تلك الجريمة تقوم بقيامها في المتصف بها، كونها من جرائم ذوي الصفة التي استلزم القانون لقيامها توافر صفة خاصة في الجاني، وهو أن يكون مدير للموقع، وهو الأمر غير المتوافر في حق المتهم، كونه لا يعدو إلا أن يكون مستخدم لحساب على موقع تواصل اجتماعي (فيس بوك – واتس آب ….) وليس مديرًا لهذا الموقع لديه الصلاحيات على المنصة المعلوماتية أو على موقع واتسآب ولا حتى على الحسابات الخاصة، وإنما حسابه لا يتعدى صفة المستخدم أو المستفيد من مقدمي خدمة هذا الموقع والتي تدار بواسطة مديريها المسئولين عن سياسة الموقع وأمنه، وغيرها من المسئوليات المنصوص عليها باللائحة التنفيذية للقانون، الأمر الذي ينهار معه ذلك الركن، وهو شرط مفترض لقيام تلك الجريمة، وبانهيار ذلك الركن يخرج الفعل المرتكَب من قبل المتهم من دائرة التأثيم المنصوص عليها بالمادة 27 من القانون رقم 175 لسنة 2018، حيث أن المتهم من غير المخاطبين بها، ولا يخضع لأحكام هذا الفصل، وينعدم أصلها بالأوراق، وهو الأمر الذي تقضي معه المحكمة ببراءة المتهم من ذلك الاتهام على نحو ما سيرد بمنطوق ذلك الحكم.
(حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 24 يناير 2022، الدعاوى رقم 2262 لسنة 2021 جنح اقتصادية، حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 29 مارس 2022، الدعوى رقم 199 لسنة 2022 جنح اقتصادية)
كما جاء أيضًا – في قضاء نفس المحكمة – أنه “لمَّا كان من الثابت للمحكمة من مطالعتها لأوراق الدعوى وما ارتكبه المتهم من جرم يخرج عن نطاق تطبيق حكم المادة 27 من القانون 175 لسنة 2018 الخاص بجرائم مكافحة تقنية المعلومات حيث أن القانون سالف البيان قد بين في الباب المتعلق بالأحكام العامة من إنه قد وضح المصطلحات الواردة بالقانون سالف البيان بأن عرف المستخدم: من إنه كل شخص طبيعي أو اعتباري، يستعمل خدمات تقنية المعلومات، أو يستفيد منها بأي صورة كانت، والموقع: من إنه عبارة عن مجال أو مكان افتراضي له عنوان محدد على شبكة معلوماتية، يهدف إلى إتاحة البيانات والمعلومات للعامة أو الخاصة، ومدير الموقع: هو كل شخص مسئول عن تنظيم أو إدارة أو متابعة أو الحفاظ على موقع أو أكثر عى الشبكة المعلوماتية، بما في ذلك حقوق الوصول لمختلف المستخدمين على ذلك الموقع أو تصميمه أو توليد وتنظيم صفحاته أو محتواه أو المسئول عنه، والحساب الخاص: هو عبارة عن مجموعة من المعلومات الخاصة بشخص طبيعي أو اعتباري، تخول له دون غيره الحق في الدخول على الخدمات المتاحة أو استخدامها من خلال موقع او نظام معلوماتي، وهو ما أكد ذلك ما بينته اللائحة التنفيذية الخاص بالقانون الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020 بشأن الإجراءات التي على مديرو المواقع ومقدمي الخدمات اتباعها واتخاذها والمبينة في المادتين الثانية والثالثة من اللائحة، ولما كان المتهم وفق الثابت بالأوراق بوصفه مستخدمًا حسابًا خاصًّا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك، يوتيوب” مما تكون صفته وفق المصطلحات المبينة بالقانون سالف البيان “مستخدم” “حساب خاص” داخل موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك، يوتيوب” فمن ثم ما يقع منه من جرائم لا تندرج تحت الجرائم المرتكبة من مدير الموقع والتي نصت عليها المادة 27 من القانون سالف البيان إذ أن تلك المادة قد خاطبت مدير الموقع بصفته التعريفية المبينة سلفًا والتي أكدت اللائحة التنفيذية للقانون على اختصاصاته والإجراءات الإلزامية التي عليه أن يتبعها ويتخذها والمبينة على ضوء المواد الثانية والثالثة والحادية عشر من اللائحة التنفيذية، لا سيما أن متهم دعوانا بصفته مستخدم لحساب على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أو أي شخص طبيعي يمتلك حسابًا خاصًّا على مواقع التواصل الاجتماعي ليس من صلاحياته تنفيذ ما تطلبه المادتين الثانية والثالثة من اللائحة التنفيذية سالفة البيان، وهو ما تستخلص المحكمة وفق القواعد المقررة سلفًا من أن المعني بتطبيق حكم المادة 27 من القانون سالف البيان هو مديرو مواقع الإنترنت ومديرو مقدمي خدمة تقنيات المعلومات والاتصالات التي تمتلك أو تدير أو تشغل البنية التحتية المعلوماتية الحرجة حال الجرائم التي يرتكبونها بشخصهم أو بصفتهم الإشرافية المبينة بالمادة سالفة البيان وباللائحة التنفيذية، مما تكون الجرائم التي ارتكبها متهم دعوانا محل الواقعة معاقب عليها تحت مظلة قانون العقوبات المصري والقانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات، الأمر الذي تنتفي معه إعمال حكم المادة 27 من القانون سالف البيان التي أسندتها النيابة العامة قبله، وهو ما تقضي معه المحكمة ببراءته عن تلك التهمة على نحو ما سيرد بالمنطوق”.
(حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 29 نوفمبر 2021، الدعاوى رقم 1592 لسنة 2021 جنح اقتصادية)
واستنادًا إلى ما تقدم، ولمَّا كانت عناصر النموذج القانوني للجريمة المؤثَّمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد تضمنت أركانها العامة، والتي يأتي على رأسها هذا الشرط المفترض المتمثل في صفة مدير الموقع، وتمتع المتصف بها تمتعه بصلاحيات هذه الصفة الوظيفة دون حائل؛ وحيث إنه قد خلت أوراق الدعوى كافة، مما يفيد توافر صفة مدير الموقع بحق المتهم، كما خلت مما يفيد تمتعه بصلاحيات هذه الصفة الوظيفة دون حائل، وكان من المقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تُكفَل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
وهو ما تكون معه الجريمة المؤثَّمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات غير متحققة في وقائع هذه الدعوى لانعدام الشرط المفترض اللازم لقيامها، ما يلزم معه القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بموجب هذه المادة.
الدفع بانتفاء الجريمة بركنيها المادي والمعنوي لعدم تمتع المتهم بصلاحيات وظيفته/ لانعدام السيطرة الفعلية للمتهم على الموقع/ الحساب الخاص (لوجود مانع يحول دون تمتع المتهم بصلاحياته كمدير للموقع/ حادث فجائي/ ……)
عرَّف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 في مادته الأولى مدير الموقع بأنه “كل شخص مسئول عن تنظيم أو إدارة أو متابعة أو الحفاظ على موقع أو أكثر على الشبكة المعلوماتية، بما في ذلك حقوق الوصول لمختلف المستخدمين على ذلك الموقع أو تصميمه أو توليد وتنظيم صفحاته أو محتواه أو المسئول عنه”.
وجاءت المادة (11) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون (الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020) موضحة للالتزامات التي تقع على مدير الموقع؛ حيث نصت على أن “يلتزم كل مسئول عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني أو نظام معلوماتي سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا وفقًا للمادة رقم 29 من القانون، باتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية الفنية اللازمة وفقًا للالتزامات الواردة في المادة 2 من هذه اللائحة بالنسبة لمديري مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات. كما يلتزم مديرو مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات والاتصالات التي تمتلك أو تدير أو تشغل البنية التحتية المعلوماتية الحرجة بالالتزامات الواردة في المادة رقم 3 من هذه اللائحة. ويلتزم الممثل القانوني ومسئول الإدارة الفعلية لمقدمي الخدمة بإثبات توفيره الإمكانيات التي تمكن مديرو المواقع من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة لقيامه بعمله. وفي جميع الأحوال يلتزم الممثل القانوني ومسئول الإدارة الفعلية ومدير الموقع لدى أي مقدم خدمة بإتاحة مفاتيح التشفير الخاصة به للمحكمة المختصة أو لجهات التحقيق المختصة في حال وجود تحقيق في إحدى الشكاوى أو المحاضر أو الدعاوى عند طلبها رسميًّا من تلك الجهات”.
ومما تقدم يكون المشرِّع قد صاغ تعريفًا محددًا لوظيفة مدير الموقع، وحدد له عدة مسؤوليات والتزامات فنية وتقنية، أناطه بتنفيذها، ورتب جزاءات جنائية غايتها معاقبته على مخالفة أو إهمال بعضها، أو على إساءة استغلاله لصلاحياته الوظيفية؛ وعليه فيشترط لمساءلة مدير الموقع جنائيًّا عن ارتكاب الجريمة المؤثَّمة بنص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أن يتمتع قبل وأثناء ارتكاب الجريمة – التى تزعم النيابة العامة ارتكابها – بصلاحيات هذه الوظيفة، التي تحمَّلها بأعبائها ومسؤولياتها والتزاماتها.
واستنادًا إلى ما سبق؛ فإذا كنا بصدد مساءلة مدير الموقع بشأن اتهامه بارتكاب الجريمة – سالفة البيان – فيلزم قبل ذلك، التيقن – على نحو قاطع لا يقبل الاحتمال أو التأويل – من تمتعه بصلاحيات وظيفته قبل وأثناء ارتكابها.
وإذا كان اتصاف المتهم بصفة مدير الموقع لا يشترِط بالضرورة تمتعه بصلاحيات هذه الوظيفة، إلا إذا ثبت ذلك على نحو يقيني قاطع لا يحتمل الشك أو الاحتمال، كما لا تعد تلك الصفة – بأي حال من الأحوال – قرينة قانونية على تمتعه بصلاحياته الوظيفية؛ إذ أن الأصل في المتهم البراءة، وتطبيقًا لذلك لا يملك المشرِّع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو نقل عبء الإثبات على عاتق المتهم، فإن إثبات التهمة يقع على عاتق النيابة العامة بصفتها سلطة الاتهام.
(د. أحمد فتحي سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – ط 2000 – دار الشروق – ص 609)
وإذا كان من المستقَر عليه في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن “افتراض براءة المتهم يمثل أصلًا ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقرَّرة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من جماعها عقيدتها”.
(حكم المحكمة الدستورية العليا – جلسة 3/7/1995 الدعوى رقم 25 لسنة 16 ق دستورية)
وحيث أن الثابت من أوراق الدعوى أنها جاءت خالية مما يفيد على نحو جازم ويقيني بتمتع المتهم بصلاحيات وظيفته كمدير للموقع، وانعدام اليقين يفتح معه أبواب الاحتمال والشك، وإذا كان من المسلَّم به أن كل شك في إثبات الجريمة يجب أن يفسَّر لمصلحة المتهم إعمالًا لأصل البراءة المفترض في المتهم، ولكون الحكم بالإدانة يبنى على اليقين والجزم لا على الشك أو الاحتمال أو الظن.
وكان من المقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون؛ من ثم فالجريمة المؤثمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات غير متحققة في وقائع هذه الدعوى لخلو الأوراق مما يفيد على نحو يقيني وجازم بتمتع المتهم بصلاحيات وظيفته كمدير للموقع قبل وأثناء ارتكاب الجريمة التي تزعم النيابة العامة ارتكابها، وهو ما يلزم معه القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بموجب هذه المادة.
الدفع بانتفاء القصد الجنائي لعدم توفير الممثل القانوني/ مسؤول الإدارة الفعلية الإمكانيات التي تمكن مدير الموقع من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة لقيامه بعمله.
تنص المادة (11) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون (الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020) على الالتزامات التي تقع على مدير الموقع؛ وذلك على النحو الآتي:
“يلتزم كل مسئول عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني أو نظام معلوماتي سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا وفقًا للمادة رقم 29 من القانون، باتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية الفنية اللازمة وفقًا للالتزامات الواردة في المادة 2 من هذه اللائحة بالنسبة لمديري مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات. كما يلتزم مديرو مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات والاتصالات التي تمتلك أو تدير أو تشغل البنية التحتية المعلوماتية الحرجة بالالتزامات الواردة في المادة رقم 3 من هذه اللائحة. ويلتزم الممثل القانوني ومسئول الإدارة الفعلية لمقدمي الخدمة بإثبات توفيره الإمكانيات التي تمكن مديرو المواقع من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة لقيامه بعمله…”
ومما تقدم يكون المشرع قد حدد لمدير الموقع عدة مسؤوليات والتزامات فنية وتقنية، أناطه بتنفيذها، ورتب جزاءات جنائية غايتها معاقبته على مخالفة أو إهمال بعضها، أو على إساءة استغلاله لصلاحياته الوظيفية؛ إلا أن تحمله ما يترتب على هذه المسؤوليات والالتزامات من جزاءات مشروط بأن يُمكِّنه المسؤول عن الإدارة الفعلية أو الممثل القانوني من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة للقيام بمهام عمله، وذلك من خلال توفير الإمكانيات اللازمة سواء كانت تقنية أو فنية أو لوجستية أو غيرها حسب طبيعة وظروف العمل.
واستنادًا إلى ما سبق؛ فإذا كنا بصدد مساءلة مدير الموقع بشأن اتهامه بارتكاب الجريمة المؤثمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فيلزم قبل ذلك، التيقن – على نحو قاطع لا يقبل الاحتمال أو التأويل – من التزام الممثل القانوني أو مسؤول الإدارة الفعلية بواجباته القانونية، المتمثلة في توفير الإمكانيات – سالفة البيان – ويقع عليه عبء إثبات ذلك، إعمالًا لنص الفقرة الثالثة من المادة 11 من اللائحة التنفيذية للقانون.
وإذا كان القصد الجنائي هو الإرادة المتجهة – عن علم – إلى إحداث نتيجة يجرِّمها الشارع ويعاقب عليها، ومفاد ذلك أن القصد يقوم على العلم والإرادة معًا، فالجاني لا يسأل عن مسؤولية عمدية ما لم يكن عالمًا بعناصر الواقعة الإجرامية وفوق ذلك فمن اللازم أن تتجه إرادته إلى إحداثها وإحداث نتيجتها الإجرامية.
(د. نبيل مدحت سالم، الخطأ غير العمدي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي في الجرائم غير العمدية، 1984، رقم 69 ص 131 – د. إبراهيم عيد نايل، شرح قانون العقوبات، القسم العام، النظرية العامة للجريمة، ط 2014، ص223)
وحيث أن الثابت من أوراق الدعوى أن المتهم طالب الممثل القانوني بتوفير تلك الإمكانيات، وإضافة إلى ذلك، فقد خلت أوراق الدعوى كافة، من أي إثبات يؤكد أو يفيد بتوفير الممثل القانوني أو مسؤول الإدارة الفعلية لهذه الإمكانيات، حتى يتسنى لمدير الموقع ممارسة مهامه والتزاماته المنوطة به قانونيًّا، وهو ما ينتفي معه القصد الجنائي لارتكاب الجريمة محل الاتهام، لعدم اتجاه إرادة المتهم إلى ارتكابها، وكان من المقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تُكفَل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
وهو ما يكون معه إسناد الاتهام إلى المتهم بارتكاب الجريمة المؤثَّمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد جاء على نحو مخالف للقانون، وهو ما يلزم معه القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بموجب هذه المادة.
الدفع بانتفاء الركن المادي للجريمة لانعدام رابطة السببية لاقتصار مسؤولية المتهم على إنشاء الموقع دون إدارته.
إذا كان الثابت من نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أن المشرع قد قصر النشاط الإجرامي لمدير الموقع في هذه المادة على ثلاثة صور: الإنشاء والإدارة والاستخدام؛ لموقع أو حساب خاص على شبكة معلوماتية.
كما عرَّف – هذا القانون – مدير الموقع في مادته الأولى بأنه “كل شخص مسئول عن تنظيم أو إدارة أو متابعة أو الحفاظ على موقع أو أكثر على الشبكة المعلوماتية، بما في ذلك حقوق الوصول لمختلف المستخدمين على ذلك الموقع أو تصميمه أو توليد وتنظيم صفحاته أو محتواه أو المسئول عنه”.
وحيث أن المتهم يعمل كمتخصص في مجال إنشاء وتصميم المواقع الإلكترونية، وحسب الثابت من التعاقد معه، بموجب العقد المؤرخ فقد اقتصرت مهمته على إنشاء الموقع الإلكتروني فقط، دون أن تمتد صلاحياته إلى إدارته أو استخدامه أو التحكم فيه بأي صورة من الصور بعد إتمام الإنشاء، من ثم فلم يُضِف إليه أي محتوى بأي صورة من الصور، إنما يختص بذلك القائم على إدارته واستخدامه.
وحيث أن النيابة العامة قد أسندت إليه الاتهام – على نحو مخالف للواقع – حسبما ورد في أمر الإحالة بإدارة موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت يهدف إلى ارتكاب جريمة، وكان الثابت من تقرير الخبرة وجود أكثر من شخص يباشر مهام مدير الموقع وقت ارتكاب الجريمة – التى تزعم النيابة العامة ارتكابها – وليس من بينهم المتهم في هذه الدعوى.
وإذا كان من المستقر عليه في بيان الركن المادي للجريمة أن فكرة النشاط الإجرامي لا تنفصل عن النتيجة، ولا تقوم الجريمة إلا إذا كانت النتيجة بناء على النشاط الإجرامي، ويحقق هذا التلازم القانوني بينهما رابطًا ماديًّا لإسناد الجريمة، وهو ما يعبر عنه بعلاقة السببية.
(د. أحمد فتحي سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – ط 2000 – دار الشروق – ص 545)
وأن الشخص كي يُسأل عن نتائج تحدث في العالم الخارجي لا بد أن يكون قد تسبب في إحداثها بسلوكه، فلا بد أن يكون الجاني هو مرتكب السلوك المادي والنتائج الخارجية الناشئة عنه في نفس الوقت، لأنه لا يمكن مساءلته عن الجريمة إذا لم يرتكب السلوك المكون لها، كذلك لا يمكن مساءلته عن نتيجة معينة إذا لم تكن ناشئة عن ذلك السلوك المرتكب، فوجود رابطة سببية بين سلوك المتهم والنتيجة الإجرامية هي شرط أساسي لمساءلته جنائيًّا ومدنيًّا.
(د. مصطفى فهمي الجوهري – شرح قانون العقوبات – القسم العام – النظرية العامة للجريمة – ط 2016 – دار النهضة العربية – ص 70)
وإذا كان من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه “لا يتصور وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونيًّا. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة”.
(حكم المحكمة الدستورية العليا – جلسة 3/7/1995 الدعوى رقم 25 لسنة 16 ق دستورية)
واستنادًا إلى ما تقدم، فإذا كانت الجريمة المزعومة حسبما صورتها النيابة العامة يستحيل تصور ارتكابها إلا من خلال إدارة الموقع بصورة مستمرة، وليس مجرد إنشاء واستخدام عرضي سابق على الإدارة الفعلية له وسابق على تضمينه محتواه؛ من ثم تنعدم أية صورة لرابطة السببية بين فعل المتهم – الخارج بطبيعته عن دائرة التأثيم – والنتيجة الإجرامية التي تزعم تحققها النيابة العامة، لاقتصار مسؤولية المتهم على إنشاء الموقع دون إدارته، وهو ما ينتفي معه الركن المادي للجريمة، ويكون إسناد الاتهام إلى المتهم بارتكاب الجريمة المؤثمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد جاء على نحوٍ مخالف للقانون، وهو ما يلزم معه القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بموجب هذه المادة.
الدفع بانتفاء القصد الجنائي الخاص للجريمة
وإذا كان القصد الجنائي في هذه الجريمة لا يتحقق إلا إذا ثبت على نحو قاطع وجازم أن المتهم قد قصد من إنشائه أو إدارته أو استخدامه للموقع أو الحساب الخاص ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونيًّا في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون.
أما إذا اتجهت إرادة المتهم إلى إنشاء أو إدارة أو استخدام الموقع أو الحساب الخاص، وكانت تلك الإرادة مجردة من القصد الخاص، المتمثل فيه نية ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونيًّا في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون، فإن هذا الفعل يظل مباحًا ولا يخرج إلى دائرة التأثيم والعقاب، فلا ينطبق عليه نموذج الجريمة المؤثمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ إذ لا عقاب على الأفعال المباحة، وذلك إعمالًا لأصل البراءة، ولشرعية الجرائم والعقوبات، فمن المقرر أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
……… وإذا كانت النيابة العامة قد أسندت الاتهام إلى المتهم مكتفية بكونه مديرًا للموقع، وقائمًا بإدارته، دون أن تتبين على نحو جازم ويقيني توافر القصد الجنائي الخاص اللازم لقيام الجريمة، وأحالت أوراق الدعوى إلى المحكمة الموقرة خالية مما قد يفصح عن وجود أية إرادة آثمة لدى المتهم تتمثل في وجود نية مؤكدة لديه في إدارة أو استخدام الموقع بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونيًّا في غير هذا القانون.
ولما كانت النيابة العامة باعتبارها هي المكلفة بإثبات ما تدَّعيه، وكان المتهم غير مكلف بإثبات براءته، فإن قعودها عن إثبات ما تدَّعيه من اتهامات هو إحدى مظاهر الشك التي تنفي أي وجود لجزم ويقين في تلك الاتهامات………….
الدفع بشيوع الاتهام بين مديري الموقع لقصور التقرير الفني في تحديد مرتكِب الجريمة
أحالت النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة في الدعوى الماثلة، بعد أن وجهت إليه الاتهام – على حد زعمها – بارتكاب الجريمة المؤثمة بنص المادة 27 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وإذا كان الثابت من نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أن المشرع قد قصر النشاط الإجرامي لمدير الموقع في هذه المادة على ثلاثة صور: الإنشاء والإدارة والاستخدام؛ لموقع أو حساب خاص على شبكة معلوماتية، كما عرَّف – هذا القانون – مدير الموقع في مادته الأولى بأنه “كل شخص مسئول عن تنظيم أو إدارة أو متابعة أو الحفاظ على موقع أو أكثر على الشبكة المعلوماتية، بما في ذلك حقوق الوصول لمختلف المستخدمين على ذلك الموقع أو تصميمه أو توليد وتنظيم صفحاته أو محتواه أو المسئول عنه”.
وجاءت المادة (11) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون (الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020) موضحة للالتزامات التي تقع على مدير الموقع؛ حيث نصت على أن “يلتزم كل مسئول عن إدارة موقع أو حساب خاص أو بريد إلكتروني أو نظام معلوماتي سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا وفقًا للمادة رقم 29 من القانون، باتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية الفنية اللازمة وفقًا للالتزامات الواردة في المادة 2 من هذه اللائحة بالنسبة لمديري مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات. كما يلتزم مديرو مواقع مقدمي خدمات تقنية المعلومات والاتصالات التي تمتلك أو تدير أو تشغل البنية التحتية المعلوماتية الحرجة بالالتزامات الواردة في المادة رقم 3 من هذه اللائحة. ويلتزم الممثل القانوني ومسئول الإدارة الفعلية لمقدمي الخدمة بإثبات توفيره الإمكانيات التي تمكن مديرو المواقع من اتخاذ التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة لقيامه بعمله. وفي جميع الأحوال يلتزم الممثل القانوني ومسئول الإدارة الفعلية ومدير الموقع لدى أي مقدم خدمة بإتاحة مفاتيح التشفير الخاصة به للمحكمة المختصة أو لجهات التحقيق المختصة في حال وجود تحقيق في إحدى الشكاوى أو المحاضر أو الدعاوى عند طلبها رسميًّا من تلك الجهات”.
وحيث أن المتهم ليس وحده هو من يتمتع بصفة مدير الموقع، بل يشترك معه آخرون في إدارة هذا الموقع، وكل منهم يتمتع بصفة مدير الموقع، ويباشرون مهام عملهم في هذه الوظيفة، وعلى النحو الثابت من أوراق الدعوى، فقد شاب التقرير الفني للخبير المختص قصور في تحديد شخص مرتكب الجريمة من بين مديري هذا الموقع، فانتهت نتيجته إلى ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام، دون الإشارة إلى ما يفيد ارتكاب أي من مديري الموقع القائمين على إدارته – ومن بينهم المتهم – للجريمة موضوع اتهام.
من ثم فلا يعد ما انتهى إليه التقرير الفني دليلًا أو قرينة أو حتى دلالة على ارتكاب المتهم للجريمة موضوع الاتهام، إنما هو محض إثبات لواقع، دون التعرض لشخص مرتكبها.
وإذ جاءت أوراق الدعوى كافة خالية مما يؤكد أو يعزز أو يدلل على ارتكاب المتهم للواقعة، واقتصرت النيابة العامة في إسناد ارتكاب الجريمة المؤثمة بنص المادة 27 من القانون رقم 175 لسنة 2018 للمتهم وإحالته إلى المحاكمة على صفته كمدير للموقع، على الرغم من توافر هذه الصفة لآخرين على النحو سالف البيان، مما يتحقق شيوع الاتهام بين المتهم وآخرين من مديري الموقع.
وحيث تنص المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “لا يجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التى وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور، كما لا يجوز الحكم على غير المتهم المقامة عليه الدعوى”.
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه “لما كان من المقرر طبقًا للمادة ٣٠٧ من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا تجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور، فإذا كانت التهمة الموجهة فى أمر الإحالة إلى المتهم وتمت المرافعة فى الدعوى على أساسها قد بين فيها على وجه التحديد الفعل الجنائي المنسوب إليه ارتكابه، ولم يثبت لدى المحكمة ارتكاب المتهم هذا الفعل، فإنه يكون من المتعين عليها أن تقضي ببراءته من التهمة التي أحيل إليها من أجلها”.
(الطعن بالنقض رقم ٦٢٦٩ لسنة ٧٨ ق – الدوائر الجنائية – جلسة 11/01/2017)
كما تنص الفقرة الأولى من المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة، التى تكونت لديه بكامل حريته، ومع ذلك لا يجوز له أن يبنى حكمه على أى دليل لم يطرح أمامه فى الجلسة”، وتنص الفقرة الأولى من المادة 304 من نفس القانون على أنه “إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسًا من أجل هذه الواقعة وحدها”.
وكان من المقرر أيضًا في قضاء محكمة النقض أنه “يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي بالبراءة ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي ورجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاتهام”
(الطعن بالنقض رقم ١٦٦٨ لسنة ٩٠ ق – الدوائر الجنائية – جلسة 25/09/2021)
ومما تقدم يكون إسناد الاتهام إلى المتهم بارتكاب الجريمة المؤثمة بموجب نص المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد جاء على خلاف الثابت بالأوراق، وعلى نحو مخالف للقانون، وهو ما يلزم معه القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بموجب هذه المادة.
بناء عليه
يلتمس الدفاع الحاضر القضاء ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه
وكيل المتهم