حوكمة الإنترنت (5): حقوق اﻹنسان وحوكمة اﻹنترنت

حقوق الإنسان وحوكمة الإنترنت هي جزء من سلسة أوراق عن حوكمة الإنترنت. يمكن الإطلاع على الأجزاء الأخرى من هنا:

مقدمة

تطور الاعتراف الدولي باﻷثر الكبير لحوكمة اﻹنترنت على حقوق اﻹنسان  من خلال مشروع القمة العالمية حول مجتمع المعلومات World Summit on the Information Society (WSIS) والذي نُظِم تحت إشراف اﻷمم المتحدة وبدأ في عام 2003. في مراجعتها لنتائج المشروع في عام 2015 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانًا نص على:

نحن نعيد تأكيد رغبتنا والتزامنا المشتركين … ببناء مجتمع معلومات موجه نحو الناس، منفتح وموجه نحو التنمية … بناء على غايات ومبادئ إعلان اﻷمم المتحدة ومحترمًا بشكل كامل وملتزمًا باﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان.

وقد ركز مجلس حقوق اﻹنسان التابع للأمم المتحدة على جوانب مختلفة لأثر اﻹنترنت على التمتع بحقوق اﻹنسان، خاصة الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والحق في الخصوصية، من خلال عدة قرارات ومن خلال تقارير المقررين الخواص لكل من هذين الحقين. وفي “تكليفه للمقرر الخاص لدفع وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير،” طلب المجلس “من المقرر الخاص في إطار تكليفه” أن:

يستمر في تقديم رؤاه، عندما يكون ذلك مناسبًا، حول مزايا وتحديات تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الجديدة، بما في ذلك اﻹنترنت وتكنولوجيات الهاتف المحمول، لممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك الحق في السعي للحصول على، وتلقي، ونقل المعلومات، ولأهمية التنوع الواسع للمصادر، وكذلك حق الجميع في الوصول إلى مجتمع المعلومات.

مجلس حقوق اﻹنسان، اﻷمم المتحدة، 2008

هذا الاعتراف والتأكيد، مع ذلك، لم ينتجا معاهدة ملزمة تضع بشكل تفصيلي التزامات لكل من الدول والقطاع الخاص لحماية حقوق مستخدمي اﻹنترنت. الدول ملزَمة بواسطة أدوات قانونية دولية وإقليمية ومحلية مختلفة بأن تحمي حقوق اﻹنسان لمواطنيها في العموم. هذه اﻷدوات قابلة للتطبيق على اﻷنشطة ذات الصلة بحوكمة اﻹنترنت. ولكن، مثل هذه اﻷدوات لا يأخذ في الاعتبار الطبيعة الخاصة لهذه اﻷنشطة. وعلى الجانب اﻵخر، ليس فاعلو القطاع الخاص ملزَمين بواسطة أية أدوات قانونية بحماية واحترام حقوق اﻹنسان. نتبجة لحقيقة أن كلا المجموعتين هما فاعلان رئيسيان ومسيطران بشكل مباشر على حوكمة اﻹنترنت، من خلال عدد كبير من اﻷدوات، فهذه الورقة ستقوم بالتركيز على النظر في دوريهما.

الدول وحكوماتها

عندما نشير إلى الدول فهذا يعني الأفرع الثلاثة للسلطة في الدولة القومية الحديثة. تلك هي السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. اﻷدوات التي تستخدمها الدولة للحكم موزعة بين هذه اﻷفرع الثلاثة: سن القوانين، وتطبيق القوانين والفصل في النزاعات، وفرض القانون، ووضع التنظيمات التنفيذية، وإدارة الشؤون اليومية للدولة.

مسؤوليات الدول فيما يخص حقوق اﻹنسان تنظمها اﻷدوات الدولية واﻹقليمية مثل اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. كما أن أغلب دساتير الدول تحملها مسؤولية حماية حقوق اﻹنسان لمواطنيها.

الدول أيضًا ملزَمة، في ظل الأدوات القانونية ذاتها، بحماية حقوق مواطنيها في مواجهة انتهاكات أي طرف ثالث.

لدى الدول أدوات عدة يمكنها من خلالها أن تتدخل في حوكمة اﻹنترنت ومؤثرة بذلك في تمتع مواطنيها بحقوقهم اﻷساسية. هذه اﻷدوات هي التشريع، والسياسات التنظيمية والممارسات الحكومية، والتدخل المباشر وغير المباشر (من خلال أطراف تعمل كواجهة) لوكالات الدولة في عمل الشبكة وتدفق البيانات خلالها، إما بالحجب، أو إعادة التوجيه، أو التصيد، أو التنقيب، أو التحليل.

التشريع

القوانين واللوائح التنفيذية لها هي اﻷدوات الرئيسية لتنظيم تقريبًا كل أنواع التفاعل في المجتمع. وفي حين ان كل الدول لديها بالفعل ترسانات ضخمة من القوانين التي تؤثر في سلوكيات الناس وحقوقهم في الحياة الواقعية وعلى اﻹنترنت، وهي تستخدمها بالفعل لتنظيم التفاعلات على الإنترنت، إلا أنه لم يكن ثمة نقص في القوانين المشرَّعة خصيصًا بغرض تنظيم أوجه مختلفة لعمل اﻹنترنت وللتفاعلات عليها. أغلب، إن لم يكن كل، هذه القوانين يؤثر إما إيجابًا أو سلبًا على ما إذا كان الناس يستمتعون بحقوقهم اﻷساسية وعلى كيفية استمتاعهم بها، وخاصة الحق في حرية التعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات، والحق في الخصوصية.

أمثلة القوانين القائمة التي تؤثر على الاستمتاع بالحقوق على اﻹنترنت هي قوانين السب والقذف، والتي تؤثر مباشرة على الحق في حرية التعبير، وفي كثير من اﻷحيان على الحق في التبادل الحر للمعلومات، خاصة في ظل النظم الاستبدادية التي تستخدم مثل هذه القوانين لمعاقبة من يفضحون مخالفاتها وانتهاكاتها.

بعض القوانين قد شُرِّعت خصيصًا لتنظيم عمل الشبكات والتحكم في البيانات التي تمر بها والمخزنة على الأجهزة المتصلة بها. مثل هذه القوانين تضم تلك المتعلقة بتنظيم أعمال تقديم خدمات اﻹنترنت. من أمثلة هذه القوانين ما يسمى بقوانين “توطين البيانات“. يطلق على “توطين البيانات” أيضًا “إقامة البيانات”، وهي قوانين معنية بالبيانات الخاصة بمواطني الدولة أو المقيمين فيها. وتتطلب هذه القوانين أن يتم جمع وتحليل و/أو تخزين مثل تلك البيانات أولًا داخل البلد عادة قبل نقلها إلى خارجها. وهذا عادة بغرض أن تنتقل البيانات بشكل دولي فقط بعد التأكد من أنها تلتزم بالقوانين المحلية المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات. وهي أيضًا تضمن أن مثل هذه البيانات محفوظ ماديًا داخل البلد وفي إطار السلطة التشريعية التي تسمح لتنظيماتها بأن تطبَق عليها. قوانين توطين البيانات السارية حاليًا تتراوح ما بين الضيق من حيث مجال تطبيقه مثل قوانين نيجيريا وفييتنام، وما بين الشامل والصارم كثيرًا مثل قوانين روسيا والصين.

تتطلب قوانين أخرى من مقدمي الخدمة أن يتعاونوا مع مؤسسات ووكالات مختلفة تابعة للدولة، وتلك عادة هي المؤسسات العسكرية ووكالات اﻷمن والمخابرات. ويكون هذا التعاون عادة بصور تنتهك حقوق مستخدمي الخدمة، خاصة حقهم في الخصوصية. وقد تتطلب القوانين من مقدمي الخدمة أن يحصلوا على بيانات شخصية من عملائهم، أو أن يحتفظوا ببيانات التفاعلات الشخصية السرية على اﻹنترنت لوقت طويل، أو أن يشاركوا بيانات شخصية لعملائهم مع الجهات اﻷمنية أو حتى أن يوفروا لهذه الوكالات وصولًا مباشرًا إلى بيانات عملائهم. وقد يتم إهمال سلامة وقانونية اﻹجراءات لمثل هذه الممارسات، مثل الحصول على تصريح قضائي مسبق، أو يصاغ النص عليها بطريقة تجعلها غير قابلة للتطبيق.

قوانين مكافحة الجرائم السيبرانية هي أمثلة على القوانين الموجهة خصيصًا للتفاعلات على اﻹنترنت. في أحيان كثيرة تستخدِم هذه القوانين تعريفات شديدة الاتساع للأفعال المُجرّمة أو تورط أطراف لها علاقة عابرة باﻷفعال اﻹجرامية. قوانين أخرى تسبغ الشرعية على انتهاكات مباشرة للحقوق على اﻹنترنت، مثل حجب المواقع بإشراف قضائي محدود أو بدون هذا اﻹشراف، أو الحرمان من الوصول إلى اﻹنترنت للأفراد أو المجموعات بمبررات مثل التعدي على حقوق النشر، أو تتطلب ترخيص لإنشاء مواقع على الوب أو حتى لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي.

للممارسات القضائية أيضًا أثر كبير على تمتع مستخدمي اﻹنترنت بحقوقهم الرقمية، إما بشكل مباشر من خلال اﻷحكام الصادرة في قضايا بعينها أو من خلال مبادئ ترسيها هذه اﻷحكام. أحد تلك المبادئ هو “مبدأ تحديد مجال سريان التشريع على أساس إمكانية الوصول“. حسب هذا المبدأ، يمكن لمحكمة إدعاء حقها في نظر قضية متعلقة بأنشطة على اﻹنترنت حتى ولو كان المدعى عليه، سواء كان شخصًا طبيعيًا أو قانونيًا، مقيم خارج الحدود الجغرافية التي تسري فيها سلطة هذه المحكمة، بناء على إذا ما كان المحتوى ذو الصلة يمكن الوصول إليه داخل هذه الحدود الجغرافية. فعلى سبيل المثال، إذا أقام أحدهم دعوى أمام محكمة في الولايات المتحدة ضد شخص في فرنسا، فسوف ينجح في جعل المحكمة تنظر في دعواه طالما كان المحتوى الذي تتعلق به الدعوى منشور على موقع يمكن الوصول إليه داخل الولايات المتحدة.

التدخل المباشر وغير المباشر

في كثير من اﻷحيان تتدخل وكالات الدولة في عمل الشبكة بشكل مباشر باستخدام البنية التحتية للشبكة التي تحتكرها جهات مملوكة للدولة، أو بشكل غير مباشر من خلال التعاون القسري أو الطوعي لمقدمي خدمات الإنترنت من القطاع الخاص. مثل هذه الوكالات قد تقوم بمراقبة موجهة أو جماعية للاتصالات الخاصة بمستخدمي اﻹنترنت، أو بتصفية المحتوى وحجب بعض منه بناء على معايير محددة، أو تعيد توجيه تدفق البيانات محولة الوصول إلى مقاصد معينه أو لتحصل على بيانات شخصية للمستخدم بواسطة صفحات مزيفة.

في بداية تقرير موضوعي في عام 2017 قدمه ديفيد كاي، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول دعم وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، يشير إلى توجه متنام للدول نحو استخدام “صناعة الوصول الرقمي”، أي مقدمي خدمات اﻹنترنت بصفة رئيسية، “للسيطرة على، أو الحد من، أو مراقبة، التعبير على اﻹنترنت”. بواسطة الدعم القسري أو الطوعي لمقدمي خدمات اﻹنترنت تتدخل دول كثيرة في نقاط تبادل اﻹنترنت Internet exchange points (IXPs) التي تتحكم في حركة بيانات اﻹنترنت إلى داخل الدولة. وهم أيضًا يحصلون على الوصول إلى الاتصالات الشخصية المارة بشبكات مشغلي الاتصالات والبيانات الخاصة لعملائهم. وحذر المقرر الخاص من الأثر المعوق اﻷكيد لهذه الممارسات على الحق في التبادل الحر للمعلومات. وهي أيضًا تحد من قدرة الصحفيين على التحقيق في اﻷخبار وهم آمنون من التعقب. وأخيرًا، هذه الممارسات رادعة لفاضحي الانتهاكات وللمدافعين عن حقوق اﻹنسان.

تصفية المحتوى هي واحدة من العمليات التي بدأت مبكرًا والتي تمارَس على نطاق واسع. تقوم بهذه الممارسات كل من الدول الغربية الديموقراطية وكذلك اﻷنظمة المستبدة في الدول غير الديموقراطية. وهي تحجب بصفة منتظمة الوصول إلى آلاف المواقع من كل اﻷنواع. المعايير التي تحدد أي مواقع أو أي خيارات أخرى للإنترنت يتم حجبه هي باﻷحرى عشوائية وعلى صلة بالمصالح السياسية للحكومات أو للمجموعات المهيمنة في الدولة المعنية. وللميول المحافظة السائدة أيضًا أثر كبير في تحديد ما هو “غير أخلاقي” أو “مسيء”. وحسب مبادرة الشبكة المفتوحة OpenNet Initiative (ONI)، مورست تصفية المحنوى منذ عام 2002، وحينها مارسها عدد محدود من الدول، ولكن في عام 2007 ذكر تقرير للمبادرة أنها “كانت مستخدمة في 25 من أصل 41 دولة شملها التدقيق.”

إلى جانب انتهاك الحق في الخصوصية لمواطنيها، تؤكد الدول في عديد من الحالات “أن بإمكانها بشكل منفرد أن ترغم مقدمي خدمات اﻹنترنت العاملين في إطار حدودها التشريعية على أن يقدموا لها البريد اﻹلكتروني والاتصالات الشخصية اﻷخرى المخزنة في داخل النطاق التشريعي لدول أخرى، دون اعتبار لموقع أو جنسية الهدف.” هذا يعني ببساطة أن بعض سلطات الدول لا تقف عند الحدود التشريعية لها وتستخدم حجة الأمن القومي لتنتهك حقوق مواطنين أجانب.

الفاعلين في القطاع الخاص

في التقرير السنوي الموضوعي لعام 2016 بعنوان “حرية التعبير، والدول والقطاع الخاص في العصر الرقمي” يصف ديفيد كاي أولًا دول القطاع الخاص في العصر الرقمي بأنه “غالب ومتنام دائما”. في نفس التقرير يطرح كاي الأسئلة المفتاحية حول مسؤولية القطاع الخاص فيما يتعلق بحقوق اﻹنسان وهي:

هل ينبغي أن يتحمل الفاعلون بالقطاع الخاص نفس المسؤولية عن حقوق عملائهم مثل تلك التي تتحملها السلطات فيما يخص حقوق مواطنيها؟

أية التزامات قانونية ينبغي تطبيقها أو وضعها كأولوية، قانون حقوق اﻹنسان، أو شروط الخدمة التعاقدية الملزمة والتي تعدها الشركات نفسها ويوافق عليها العملاء بشكل صوري عادة؟

كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الفاعلين في القطاع الخاص وبين الدول؟ ماذا يفعل هؤلاء الفاعلون عندما تطالبهم الحكومات بانتهاك حقوق مواطنيها لخدمة أغراضها؟

هذه الأسئلة لم تتم اﻹجابة عنها بعد، بغض النظر عن جهود مجلس حقوق اﻹنسان التابع للأمم المتحدة والذي دعم في عام 2011 “المبادئ الإرشادية للأعمال وحقوق اﻹنسان: تنفيذ إطار “الحماية، الاحترام، وجبر الضرر” للأمم المتحدة” ولكن المبادئ اﻹرشادية ليست ملزمة للشركات. بدلًا من ذلك تعيد تلك المبادئ تأكيد مسؤولية الدول عن حماية حقوق مواطنيها ليس فقط بالامتناع عن انتهاكها بنفسها، ولكن أيضًا بضمان ألا ينتهكها أي طرف ثالث وخاصة الشركات العاملة داحل حدودها. ومع ذلك، عندما يتعلق اﻷمر بالانتهاكات التي ترتكب في الفضاء السيبراني، لا يكون الفاعل المنتمي إلى القطاع الخاص، في أغلب اﻷحيان، خاضعًا للسلطة التشريعية للدولة التي انتهكت حقوق مواطنيها. وبالتالي يصعب إن لم يكن يستحيل الوفاء بتلك الالتزامات حتى إذا كانت الدولة راغبة في الوفاء بها، وهو ما ليس صحيحًا في حالات كثيرة إما لاعتبارات اقتصادية أو بسبب المصالح المشتركة التي يحققها الانتهاك نفسه.

البيانات الضخمة ورأسمالية المراقبة

يستدعي مصطلح البيانات الضخمة دائمًا صورة كميات هائلة من البيانات تجمعها وتحللها خوادم بالغة القوة. وفيما يتعلق اﻷمر بحقوق اﻹنسان، يُرى دائما أن البيانات الضخمة على علاقة بالحق في الخصوصية.

كل ما سبق حقيقي. البيانات الضخمة هي عادة كبيرة للغاية. أكبر من أي شيء اختبرته المعرفة اﻹنسانية في تاريخها. وهي مسؤولة عن حقيقة أن أكثر من 90% من البيانات المتاحة اليوم قد تم جمعه في الحقيقة في إطار العام أو العامين اﻷخيرين. هذا هائل بحق!

حقيقي أيضًا أن البيانات الضخمة على صلة وثيقة بالحق في الخصوصية، فهي يتم الحصول عليها من أنشطة الناس، وفي اﻷغلب اﻷنشطة اليومية الخاصة. بداية بعمليات البحث الذي يقوم بها الشخص من خلال جوجل، وما يختاره أثناء التجوال في الوب، وأماكن تواجده خلال اليوم، ولا ينتهي ذلك بعمليات سحب وإيداع اﻷموال من خلال تطبيقات العمليات البنكية أو الشراء على اﻹنترنت. ويشرح جوزيف كاناتاشي المقرر الخاص للأمم المتحدة عن الحق في الخصوصية المدى الهائل لتنوع البيانات التي يمكن جمعها من خلال اﻹنترنت قائلًا في تقرير أعده في عام 2017: “يمكن للبيانات أن تكون زمنية، مكانية، أو ديناميكية؛ ذات تنظيم هيكلي أو بدونه؛ المعلومات والمعرفة المستمدة من البيانات يمكن أن تختلف في تمثيلها، تركيبها، وحدتها الأساسية، سياقها، أصلها، موثوقيتها، الثقة بها، ومجالها. ويمكن أيضًا للبيانات أن تختلف من حيث المعدل الذي يمكن به توليدها والوصول إليها.”

جزء ضئيل فقط من البيانات يتم جمعه بشكل مجهل، إذا كان ذلك يحدث فعلًا على اﻹطلاق، وفقط إذا ما وثقنا فيما تدعيه الشركات. معظم البيانات المجموعة يحتوي على تعريفات بصاحبها بهدف معلن هو تقديم خبرة وخدمات “شخصية مخصصة” له. بالنسبة لمعظم الناس ذلك هو أبعد ما تصل إليه البيانات الضخمة، ومع خطورة التخلي عن السيطرة على مثل تلك البيانات الشخصية، وخطورة الثقة في شركة ما من خلال الحماية التي تقدمها شروط الاستخدام التي لا قيمة عملية لها، والمكتوبة بخط لا يكاد يرى وبلغة قانونية ملتفة، والمعدة من قبل الشركة نفسها، يميل الناس إلى ألا يروا مشكلة في ذلك في مقابل الحصول على الخدمة المجانية، والتي لا يتصور أغلبنا حياتهم بدونها، مثل حساب على الفيسبوك أو البحث من خلال جوجل.

ولكن الحقيقة أن البيانات الضخمة لا تتعلق بالضخامة ولا حتى بالبيانات نفسها. ولكنها تتعلق بكيف ولماذا يتم جمع البيانات وتحليلها. هذا ما يحول البيانات الشخصية الخام إلى معلومات شخصية. وكما يقول، جوزيف كاناتاشي، في نفس التقرير الذي سبقت اﻹشارة إليه إن البيانات الضخمة “تلتقط فرادتنا كبشر.” القدرة على التعرف هي ما يعطي المعلومات الشخصية قيمتها، وهذا ما يسعى إليه جامعو البيانات الضخمة. وهي ليست ببساطة للغرض المباشر لبيعنا مزيدًا من الأشياء التي نحتاجها أو نريدها.

تجادل شوشانا زابوف أن تعريفًا معقولًا للبيانات الضخمة لا يمكن التوصل إليه طالما فكرنا فيها على أنها “موضوع تكنولوجي، أو أثر، أو مقدرة.” بدلًا من ذلك تقترح زابوف أن “البيانات الضخمة هي قبل أي شيء المكون التأسيسي في منطق جديد للتراكم الرأسمالي، هو مقصود بعمق وذو عواقب هامة،” وهي تدعو هذا التراكم الرأسمالي الجديد برأسمالية المراقبة. وتقدم زابوف رأسمالية المراقبة “كصورة جديدة من رأسمالية المعلومات.” وهي تسعى إلى “التنبؤ بالسلوك البشري وتعديله” بغرض تحقيق العوائد والحصول على السيطرة على السوق. باختصار البيانات الضخمة في ظل نموذج الأعمال لرأسمالية المراقبة لا تصادر ببساطة حقنا في السيطرة على بياناتنا الشخصية، بل تسرق منا حق تقرير مصائرنا، والحق في المشاركة في تشكيل العالم بالطريقة التي تسمح لنا بالتمتع ببقية حرياتنا وحقوقنا.

حرية التعبير، وحرية الوصول إلى المعلومات وتبادلها

إلى جانب الحق في الخصوصية، فالحق الذي يدور حوله النقاش أكثر من غيره عندما يتعلق اﻷمر بدور القطاع الحاص في حوكمة اﻹنترنت هو الحق في حرية التعبير. على غير ما هو عليه الحال مع الحق في الخصوصية ثمة فيما يبدو عدد أكبر من الناس حول العالم مهتمون بالطريقة التي يدير بها وسطاء المعلومات مثل فيسبوك، وتويتر، وجوجل، ما يمكن قوله من خلال منصات التواصل الاجتماعي وخدمات نشر المحتوى اﻷخرى مثل يوتيوب. وقد تم التركيز بصفة خاصة على امتلاك وسطاء المعلومات سلطة كبيرة من خلال الحرية المتاحة لهم والقرارت غير المحاسب عليها التي يمكنهم اتخاذها فيما يتعلق بما يمكن ولا يمكن نشره من خلال مواقعهم.

حق آخر يتم عادة تخطيه هو الحق في التبادل الحر للمعلومات. في الحقيقة يبدأ إهمال هذا الحق باﻹشارة إليه تقريبا طيلة الوقت على أنه الحق في الوصول الحر إلى المعلومات. الفارق بين اﻷمرين شديد اﻷهمية. الوصول الحر هو حق في اتجاه واحد. إنه حقك في الوصول الحر إلى المعلومات “المتاحة” من خلال اﻹنترنت. على الجانب اﻵخر، التبادل الحر للمعلومات هو حق في الاتجاهين، فإلى جانب امتلاك الحق في الوصول الحر إلى المعلومات المتاحة، لك الحق في أن تكون قادرًا على نقل المعلومات إلى اﻵخرين بحرية. ذلك على وجه التحديد هو سبب أن هذا الحق مرتبط بشكل وثيق مع الحق في حرية التعبير، حيث إن اﻷخير يصبح فارغًا من معناه إذا لم يكن المرء قادرًا على إيصال تعبيره إلى اﻵخرين.

ينتهك وسطاء المعلومات الحق في التبادل الحر للمعلومات بطرق عديدة، بالحد من، وتصنيف، وإعطاء أولويات مختلفة ما هو متاح من خلال عمليات البحث، ومن خلال الخط الزمني لوسائل التواصل الاجتماعي، ومقترحاتها، وما تركز عليه، إلخ.

خاتمة

هدفت هذه الورقة إلى تقديم صورة عامة لكيف تتصل حقوق اﻹنسان بحوكمة اﻹنترنت. وقد استكشفت كيف يستخدم اللاعبان الرئيسيان في مجال حوكمة اﻹنترنت وهما الدول والفاعلين من القطاع الخاص، اﻷدوات المتاحة لهما لحفظ مصالحهما، وتعظيم عوائدهم، عادة على حساب حقوق اﻹنسان لمواطنيهم وعملائهم على الترتيب. وفي حين أن قدرًا كبيرًا من الجهد يبذل للتوصل إلى اتفاقية ملزمة تضمن أن يكون القطاع الخاص مسؤولًا وقابلًا للمحاسبة فيما يتعلق بحقو اﻹنسان كما هو الحال مع الدول القومية، فمن الواضح أن هذا لا يمكن أن يضمن في الحقيقة هذه الحقوق. فاتفاقيات ومواثيق حقوق اﻹنسان المتضمنة في القانون الدولي لم تمنع الحكومات من انتهاك حقوق مواطنيها، ولا هي سوف تمنع الشركات من فعل الشيء نفسه. وحدها اﻹنترنت التي يسيطر عليها مستخدموها يمكن أن تضمن تمتعهم بحقوقهم وحرياتهم.

المصادر

Boyd, Danah, and Kate Crawford. 2012. “Critical Questions for Big Data: Provocations for a Cultural, Technological, and Scholarly Phenomenon.” Information, Communication & Society 15 (5): 662–79.

Cannataci, Joseph. 2017. “Big Data and Open Data interim report.” Report A/72/540. Report of the Special Rapporteur on the right to privacy. UN General Assembly. https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N17/335/64/PDF/N1733564.pdf?OpenElement.

Daskal, Jennifer. 2015. “Law Enforcement Access to Data Across Borders: The Evolving Security and Rights Issues.” J. Nat’l Sec. L. & Pol’y 8: 473.

Deibert, Ronald, ed. 2008. Access Denied: The Practice and Policy of Global Internet Filtering. The Information Revolution and Global Politics. Cambridge, Mass: MIT Press.

Deibert, Ronald, John Palfrey, Rafal Rohozinski, and Jonathan Zittrain, eds. 2010. Access Controlled: The Shaping of Power, Rights, and Rule in Cyberspace. Information Revolution and Global Politics. Cambridge, Mass: MIT Press.

Kaye, David. 2016. “Freedom of Expression, States and the Private Sector in the Digital Age.” A/HRC/32/38. Report of the Special Rapporteur on the Promotion and Protection of the Right to Freedom of Opinion and Expression. Human Rights Council.

———. 2017. “The Roles Played by Private Actors.” A/HRC/35/22. Report of the Special Rapporteur on the Promotion and Protection of the Right to Freedom of Opinion and Expression. Human Rights Council.

Mayer-Schönberger, Viktor, and Kenneth Cukier. 2013. Big Data: A Revolution That Will Transform How We Live, Work, and Think. Boston: Houghton Mifflin Harcourt.

Ruggie, John. 2011. “Guiding Principles on Business and Human Rights: Implementing the United Nations ‘Protect, Respect and Remedy’ Framework.” A/HRC/17/31. Report of the Special Representative of the SecretaryGeneral on the issue of human rights and transnational corporations and other business enterprises. Human Rights Council. https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Issues/Business/A-HRC-17-31_AEV.pdf.

UNHRC. 2008. “Mandate of the Special Rapporteur on the promotion and protection of the right to freedom of opinion and expression.” Resolution 7/36. Human Rights Council. https://ap.ohchr.org/documents/E/HRC/resolutions/A_HRC_RES_7_36.pdf.

———. 2011. “Human rights and transnational corporations and other business enterprises.” Resolution A/HRC/RES/17/4. Resolutions adopted by the Human Rights Council. Human Rights Council. https://media.business-humanrights.org/media/documents/5a5ec2dffb1a6e386f573315220b462dc092e0d8.pdf.

Zuboff, Shoshana. 2015. “Big Other: Surveillance Capitalism and the Prospects of an Information Civilization.” Journal of Information Technology 30 (1): 75–89. https://doi.org/10.1057/jit.2015.5.