حرية تداول المعلومات وأثرها على حرية الإعلام والصحافة

مقدمة

لقد حظي الحق في حرية تداول المعلومات، وخاصةً الحق في الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها سلطات القطاع العام، بقدر كبير من الاهتمام في الآونة الأخيرة. توفر وسائل الإعلام الحرة والمستقلة المعلومات للجمهور، مسهمةً في تمكين الناس من اتخاذ خيارات مستنيرة، وضمان مساءلة القادة، وتوليد مجموعة متنوعة من الآراء غير الخاضعة لتأثير الحكومات. ويستند هذا إلى حقيقة كون المعرفة والمعلومات هي أدوات إحداث تأثير.

تضم الصحافة المستقلة آراء وأصواتًا مختلفة، إذ تُعد قدرة الصحفيين على تقديم التقارير بحرية عن قضايا المصلحة العامة مؤشرًا رئيسيًا عن الديمقراطية. على سبيل المثال، تضمن المجتمعات التي تحترم حرية وسائل الإعلام إبلاغ المواطنين بإخفاقات قادتهم أو نجاحاتهم، ونقل احتياجات الناس ورغباتهم، وتوفر منصة للتبادل الحر للأفكار والمعلومات. وبالتالي، فحرية تداول المعلومات هي عنصر رئيسي في الحكومة المسؤولة والشفافة، للدور الرائد الذي تلعبه هذه الحرية في مساعدة المواطنين على رؤية مجريات الأمور في الحكومة وكشف سوء الإدارة والفساد.

تهدف هذه الورقة إلى التعمق في التفاعل الأساسي بين حرية تداول المعلومات وحرية الإعلام والصحافة، وتدرس كيفية مساهمة هذه الحريات بشكلٍ جماعي في حماية الحقوق والحريات وتعزيز الشفافية والمساءلة والقيم الديمقراطية.

فهم حرية تداول المعلومات وأهميتها

أهمية حرية تداول المعلومات في تعزيز الشفافية والمساءلة

تُمكّن قوانين حرية تداول المعلومات الأشخاص والمنظمات من الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الحكومة. في الظروف المثالية، يعد الحق في الوصول إلى المعلومات عنصرًا بالغ الأهمية في المجتمع الديمقراطي، مما يسمح للمواطنين بالتأكد من أن ممثليهم المنتخبين مسؤولون عن قراراتهم وكيفية إنفاق المال العام. وبالتالي، تسمح قوانين حرية تداول المعلومات للجمهور بالوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها السلطات العامة. وذلك لأن هذه القوانين تجبر السلطات العامة على نشر معلومات معينة تتعلق بأنشطتها، ويحق للمنظمات والأفراد طلب هذه المعلومات.

حتى وقتنا الحاضر، قامت 129 دولة بسنّ قوانين لحرية تداول المعلومات أو قوانين الوصول إلى المعلومات، ويعترف أكثر من 50 دستورًا حول العالم بهذا الأمر كحق. ويدعم ذلك أيضًا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) التي توصي بالحاجة إلى آلياتٍ محددة لضمان احترام الوصول إلى المعلومات والشفافية.

تدرك هذه القوانين أن الانفتاح والشفافية يشكلان أهمية بالغة للصحة السياسية للدولة الحديثة. وبما أن السلطات العامة تنفق الأموال التي تجمعها من دافعي الضرائب وتتخذ قراراتٍ حاسمة يمكن أن تؤثر بشكلٍ كبير على حياة العديد من الأشخاص، فإن الوصول إلى المعلومات يمكّن الجمهور من جعل السلطات العامة مسؤولة عن أفعالها.

تعمل قوانين حرية تداول المعلومات على تعزيز النقاش العام من أجل تحسين عملية صنع القرار والإنتاجية. حيث تؤدي السرية غير الضرورية داخل الحكومة إلى خللٍ في اتخاذ القرارات.

وعلاوةً على ذلك، يمكن لحرية الوصول إلى المعلومات الرسمية التي تضمنها قوانين المعلومات أن تعزز ثقة الجمهور الذي سينظر إلى القطاع العام والهيئات الحكومية باعتبارها شفافةً ومنفتحة. يعد الوصول إلى المعلومات أيضًا أداة مهمة في مكافحة الفساد لأنه يعزز الشفافية الديمقراطية والمساءلة، ويتعرّف على الممارسات الفاسدة ويكشفها، ويضمن مشاركة المواطنين في تطوير قوانين وسياسات مكافحة الفساد.

كشف كابونو وغارسيا (2010) أن المعلومات المتعلقة بأداء الحكومة المحلية يمكن أن تحفّز المشاركة المدنية. وبدورها، يمكن للمشاركة المدنية المتزايدة أن تؤدي إلى تحسين الرعاية الاجتماعية وتحسين تقديم الخدمات من خلال ضمان خضوع القادة المحليين للمساءلة عن أدائهم.

وبالتالي، فهذا يعني أن هناك حاجة إلى المزيد من السياسات الموجهة نحو تعزيز قدرٍ أكبر من الشفافية داخل الحكم من أجل تعميق المساءلة.

توضح العديد من الأمثلة كيف أدّت حرية تداول المعلومات إلى كشف الفساد، وفضح المخالفات، وضمان ثقة الجمهور. ومن هذه الأمثلة:

  • إفيوما أوزوما: التي كشفت عن العنصرية الممنهجة والتمييز الجنسي في موقع Pinterest لولاية كاليفورنيا؛ إذ مكّنتها قدرتها على استخدام حرية تداول المعلومات من العثور على مستشار قانوني، وتقديم شكوى إلى حكومة الولاية، والتعاون مع وسائل الإعلام، وتأمين المعلومات الشخصية. كما ساهم كشفها عن المخالفات بشكل كبير في سنّ قانون “لا مزيد من الصمت”، الذي دفعت باتجاهه بشدة؛ وهو مشروع قانونٍ لحماية العمال الذين يتحدثون علنًا عن التمييز والتحرش.
  • برادلي بيركنفيلد: كان أول مصرفيٍ عالمي يكشف الحسابات المصرفية السرية في سويسرا، مما أدى إلى تغييرٍ كبير في الصناعة. وأدت اكتشافاته إلى استرداداتٍ غير مسبوقة لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة، حيث دفع بنك الاتحاد السويسري أكثر من 780 مليون دولار من العقوبات والغرامات المدنية. وبسبب إبلاغه عن المخالفات، فإن هذه الحسابات السرية لم تعد متاحة لدافعي الضرائب الأمريكيين الفاسدين لإخفاء أرباحهم، ما أجبر الحكومة السويسرية على تغيير معاهدتها مع الولايات المتحدة.

دور حرية تداول المعلومات في تسهيل وصول وسائل الإعلام والصحافة إلى المعلومات

تلعب قوانين حرية تداول المعلومات دورًا حاسمًا في تمكين المؤسسات الإعلامية والصحفيين من الحصول على المعلومات المهمة اللازمة لإعداد التقارير. يؤدي الوصول إلى المعلومات إلى تعزيز الشفافية الحكومية، مما يُمكّن وسائل الإعلام من المشاركة بشكلٍ هادف في عملية صنع القرار وفي مساءلة الجهات الحكومية على القرارات التي تتخذها.

تُمكّن القوانين التي تضمن الحق في الحصول على المعلومات المؤسسات الإعلامية من الإبلاغ عن الفساد أو الاحتيال عن طريق إزالة الحواجز التي قد تمنعهم من الوصول إلى هذه المعلومات. وبالتالي، فهي أداةٌ بالغة الأهمية للصحفيين لكونها تُمكّنهم من الوصول إلى المصادر الصحيحة التي يمكنها أن توفّر المعلومات الدقيقة.

يدعم الوصول إلى المعلومات التقارير المتعمّقة والصحافة الاستقصائية بعديد الطرق. ينبع جزءٌ كبيرٌ من أهمية الصحافة الاستقصائية من كونها تفضح الفساد والمخالفات، وبالتالي فدورها هو الوصول إلى الحقيقة، وكشف الحقائق التي يخفيها الكثيرون، وإعادة تحقيق العدالة.

وعلاوةً على ذلك، تعمل الصحافة الاستقصائية كضابطٍ للحفاظ على التوازن ضد الحكومات والشركات المتعطشة للسلطة، وتقدّم الحقيقة فيما يتعلق بأنشطة الحكومة بطريقة أكثر شمولًا وتفصيلًا من الصحافة العادية.

منذ قضية فريسوز وروار (Fressoz & Roire) ضد فرنسا، أكّدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه لا ينبغي معاقبة الصحفيين أو محاكمتهم بسبب انتهاك السرية أو استخدام المستندات التي تم الحصول عليها بشكلٍ غير قانوني؛ لا سيما عندما يتعلق الأمر بالكشف عن معلومات سرية في التقارير الصحفية المتعلقة بقضايا المصلحة العامة والتي تم إعداد تقاريرها وفقًا لمعايير أخلاقيات مهنة الصحافة. لذلك، يلعب الوصول إلى المعلومات دورًا حاسمًا في دعم التقارير المتعمّقة.

تؤثر حرية تداول المعلومات إيجابيًا على حرية الصحافة وعلى قدرة وسائل الإعلام على تقديم تغطيةٍ إخبارية دقيقة وشاملة. ومن المعلوم أن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة تُنبئ عن مستوى النضج الديمقراطي للمجتمع.

يرتبط الحق في الحصول على المعلومات ارتباطًا وثيقًا بحق المواطنين في المعرفة، وهو ما يمثّل حجر الأساس لاتخاذ قراراتٍ سليمة. إن حق كل فرد في التعبير عن نفسه، بما في ذلك حرية وسائل الإعلام في اعتناق الآراء وتلقي ونقل المعلومات والأفكار دون تدخلٍ من السلطة العامة، يعني احترام تعددية وحرية وسائل الإعلام.

تضمن حرية تداول المعلومات قيام وسائل الإعلام بتوفير معلوماتٍ دقيقة وموثوقة للجمهور، ما يساعد على منع الذعر وتعزيز فهم الناس للتقييدات المناسبة والتعاون معها. تسهم التغطية الإعلامية الدقيقة في تمكين الناشطين والأشخاص وغيرهم من المختصين من انتقاد السلطات بسبب المخالفات. وبالتالي، فالوصول إلى المعلومات هو أحد المبادئ المهمة لحرية الإعلام والقدرة على تقديم تغطيةٍ شاملة ودقيقة وتفصيلية.

حرية تداول المعلومات وأثرها على حرية الإعلام والصحافة

تعزيز الصحافة الاستقصائية والقدرة على إعداد وتقديم التقارير عن القضايا الهامة

يُفسح الوصول إلى المعلومات من خلال حرية تداول المعلومات المجال للصحفيين لإجراء تحقيقاتٍ شاملة وكشف القصص المهمة؛ فعلى مدار عقود، استخدم العديد من الصحفيين التقارير الاستقصائية لنشر قصصٍ عن الجريمة وانتهاكات حقوق الإنسان وقضايا العدالة الاجتماعية والفساد السياسي.

غالبًا ما تسلّط الصحافة الاستقصائية الضوء على إساءة استخدام السلطة من خلال العثور على القصص المنسيّة التي يتم تجاهلها، ومشاركتها لصالح الجمهور. يركّز هؤلاء الصحفيون عادةً على قضايا محددة تتطلب المساءلة العامة من أجل إنشاء قصص إخبارية متعمّقة بناءً على مقالاتٍ سابقة في وسائل الإعلام، وصور الأقمار الصناعية، والمقابلات.

هناك أمثلة مختلفة للصحافة الاستقصائية التي كان لها تأثيرٌ كبير على المجتمع وعلى الحكومات، إحداها هي فضيحة ووترجيت (Watergate Scandal).

بعد اقتحام ووترجيت عام 1972، بدأ الصحفيان الاستقصائيان كارل بيرنشتاين (Carl Bernstein) وبوب وودوارد (Bob Woodward) في جمع أجزاء لغز متسللي ووترجيت. في البداية، لم تحظَ قصصهم باهتمام كبير، خصوصًا مع رفض البيت الأبيض للتعاون. ورغم ذلك، فمع تزايد الأدلة، ساعدت تقارير الفريق في كشف مؤامرةٍ إجرامية ضخمة مليئة بالحيل السياسية والتجسس غير القانوني وعرقلة العدالة وغسيل الأموال.

كتب الصحفيان أن نيكسون حوّل البيت الأبيض إلى مشروعٍ إجرامي. من خلال الجمع بين المصادر الداخلية، والسجلات العامة، وأساليب إعداد التقارير التقليدية المُضنية، ومصدر وودوارد فائق السرية، مارك فيلت، أحد كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد واصل الفريق إعداد ونشر تقاريره حتى بعد إعادة انتخاب نيكسون، مما جعل الفضيحة ذات صدى وضجة كبيرة على المستوى الوطني؛ لينتهي الأمر بريتشارد نيكسون ليصبح الرئيس الأمريكي الأول والوحيد في التاريخ الذي يستقيل.

تُمكّن حرية تداول المعلومات الصحفيين من التعمق في القضايا المعقدة وتقديم تقارير متعمّقة للجمهور. وبشكل أكثر تحديدًا، تتيح حرية تداول المعلومات للصحفيين قضاء فترة طويلة في متابعة الخيوط وإجراء المقابلات مع المصادر لكتابة مقالاتهم الصحفية. وفي حين قد تكون بعض المعلومات موجودةً في السجلات العامة، إلا أنها تحتاج إلى الاهتمام لوضعها في سياقها الفعلي. كما يستفيد الصحفيون من هذه الحرية في تتبع الأشخاص ذوي النفوذ والتدقيق فيهم، وكشف الفضائح السرية وإجبار المسؤولين على الاستقالة، كما هو موضح في فضيحة ووترجيت أعلاه.

مكافحة الرقابة وضمان استقلالية وسائل الإعلام

تحمي حرية تداول المعلومات من الرقابة والأفعال المُوجّهة نحو السيطرة على وسائل الإعلام أو التلاعب بها، كما أنها تمكّن الأشخاص ووسائل الإعلام من التحدث والنشر والمشاهدة والقراءة دون أي شكلٍ من أشكال الرقابة.

يحمي الحق في النشر والتحدث الإنسان والمجتمع من الرقابة ومحاولات قمع المعلومات والأفكار. فيما يتعلق بالرقابة، تحظر حرية تداول المعلومات فرضَ رقابةٍ حكومية على الصحف والمجلات والمواد الموجودة على الإنترنت.

تمنع حرية تداول المعلومات المؤسسات العامة من المساس بحريات الناس ووسائلِ الإعلام من خلال أُطر تحدد المسؤوليات والحقوق الهامة المتعلقة بحرية المعتقد وحرية التعبير.

إن وجود وسائل إعلام مستقلة يمكنها الوصول بحريةٍ إلى المعلومات لتقديم تقارير موضوعية أمرٌ مهم لعديد الأسباب، والتي تشمل تعزيز الديمقراطية، والتدفق الحر للمعلومات دون رقابة، وتبادل الأفكار، والكشف عن الفساد والمخالفات.

يُقصد بكون وسائل الإعلام مستقلةً أنه لا ينبغي لأحد أن يؤثر أو يتحكم في تغطياتها الإخبارية، ما يعني أيضًا أن بإمكان وسائل الإعلام تقديم تقاريرها بحريةٍ وموضوعية، دون وجود ضغط لتغطية التقارير بطريقة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، توفر وسائل الإعلام المستقلة المعلومات والأخبار التي يحتاجها الناس لتكوين رأيٍ خاص بهم في الحكم، إذ تعمل وسائل الإعلام الحرة والمستقلة على مساءلة السلطات، وكشف الفساد، وتوفير منصة للنقاش.

تعزيز ثقة الجمهور من خلال الوصول إلى المعلومات الموثوقة

يؤدي الوصول إلى معلوماتٍ موثوقة إلى بناء ثقة الجمهور في دور وسائل الإعلام كمصدرٍ موثوق للأخبار. في الظروف المثالية، يكون الوصول إلى مصادر معلومات موثوقة الترياق الشافي لسموم المعلومات المضللة، ما يعمل على بناء ثقة الجمهور في مصداقية وسائل الإعلام كمصدرٍ للأخبار. ومن خلال وقوف وسائل الإعلام كحارسٍ على بوابات المعلومات ومكافحتها للمعلومات المضللة، يمكن للمواطنين الحصول على المعلومات ذات الصلة حول ما يحدث في سياسة الحكومة لتشكيل تفضيلاتِهم المستنيرة ومساءلة السياسيين.

ثمة علاقةٌ بين حرية تداول المعلومات ومصداقية وسائل الإعلام وتصور العامة لدور وسائل الإعلام في المجتمعات الديمقراطية. تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في خلق وتطوير الثقافة الديمقراطية داخل أي بلد.

توفر وسائل الإعلام للناس المعلومات التي تؤثر على مواقفهم وآرائهم واتخاذهم قراراتهم السياسية. ومن ثم، ينبغي لوسائل الإعلام أن تكون تعدديةً ومستقلة وحرة، وتتحمل في الوقت نفسه المسؤولية الاجتماعية طوعًا، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا في وجود حرية إعلام ووسائل إعلامٍ تلتزم بأخلاقيات الصحافة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن دور وسائل الإعلام في المجتمع الديمقراطي هو إطلاع الجمهور على الأحداث من خلال توضيح القضايا المعقدة، خاصةً في عصرٍ أصبحت فيه المعلومات جانبًا مؤثرًا في التقدم الاقتصادي.

تمكين الصحفيين من المراقبة الحثيثة ومساءلة السلطة

تمكن حرية تداول المعلومات الصحفيين من العمل كمراقبين من خلال منحهم القدرة على الوصول إلى المعلومات التي تمكنهم من مساءلة مَن هم في السلطة بطرقٍ مختلفة. وبشكل أكثر تحديدًا، تجسّد الصحافة الاستقصائية دور الصحافة الرقابية، وبالتالي فهي تلعب دورًا وثيق الصلة في الحكم الديمقراطي، خصوصًا من خلال التحقيق في الإجراءات الحكومية، ومراقبة الإنفاق العام، وكشف الفساد أو المخالفات.

هذا يسلط الضوء على دور وسائل الإعلام في الديمقراطيات، وخاصةً في سد الفجوة بين الحكومات والمواطنين كما هو موضح في دورها الرقابي الاجتماعي. ومن أهم الشروط الأساسية اللازمة لتقارير الصحافة الرقابية هي الحزم الصحفي والاستقلالية.

تشير الاستقلالية إلى الاستقلال المؤسسي والتنظيمي الذي يسمح للصحفيين بمراقبة الهيئات العامة والمسؤولين العموميين ورجال الأعمال، أما الحزم الصحفي فيشير إلى قدرة الصحفيين على التحقيق وتسليط الضوء على المعلومات التي كان من الممكن أن تظل غير مكشوفة أو مخفيةً.

هناك أمثلة مختلفة لحالات مكّنت فيها حرية تداول المعلومات الصحفيين من تسليط الضوء على قضايا كانت لتظل مخفيةً لولاها، ومنها:

  • اغتصاب الأطفال في سوريا: بحثت مؤسسة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) في قضية اغتصاب الأطفال في مخيمات اللاجئين في سوريا. وسلّط الجزء الثاني من التحقيق الضوء على الثغرات القانونية التي تساعد الجناة على الإفلات من العدالة؛ إذ كشفت أنّ القانون السوري يُعرّف الاغتصاب بأنه فعل يدبره رجلٌ تجاه أنثى فقط، مما يُصعّب من اللجوء إليه في حالات الاعتداء على الأطفال الذكور.
  • أوراق باندورا: بالتنسيق مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، فقد شهد تسرُّب أوراق باندورا تعاونَ أكثر من 600 صحفي على مستوى العالم للتحقيق في أسرار الشركات الخارجية (offshore) للنخب الثرية من أكثر من 200 دولة وإقليم. وساهمت منظمات مختلفة من العالم العربي في هذا الجهد. وكشف التسريب الفساد المستشري والملاذات الضريبية التي تستخدمها الشخصيات المؤثرة على مستوى العالم.

حرية تداول المعلومات والتعددية الإعلامية والمجتمعات الديمقراطية

دور حرية تداول المعلومات في تعزيز التعددية الإعلامية

تؤدي حرية تداول المعلومات إلى توافر الأخبار والآراء البديلة، ويساهم الحق في الحصول على المعلومات في خلق بيئةٍ إعلامية تعددية تسمح باختلاف وجهات النظر الأيديولوجية والسياسية، مما يتيح تمثيلًا أفضل للفئات الاجتماعية والثقافية المتنوعة.

كما تضمن التعددية المنافسة في البيئة الإعلامية، وبالنسبة للمواطنين فهذا يعني زيادة الوصول إلى مختلف المعلومات والمحتويات الترفيهية بالإضافة إلى المزيد من الفرص للتعريف بآراء الناس.

ضمان تنوع وجهات النظر في المشهد الإعلامي

من المهم تمثيل وجهات النظر الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية المختلفة في وسائل الإعلام لأنها تساعد على تمثيل الناس ووجهات نظرهم بدقة. تلعب وسائل الإعلام دورا مهمًا في تثقيف الناس بشأن الثقافات المختلفة والتأكيد على الجوانب الإيجابية، وبالتالي بناء ثقافات المجتمعات المتنوعة على مستوى العالم بجانب دورها في تجنب القوالب النمطية والأحكام المسبقة.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتع وسائل الإعلام بجمهورٍ كبير مما يمنحها الكثير من القوة للتأثير على العديد من القضايا المجتمعية والثقافية. وبالتالي، فإن تمثيل وجهات النظر الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية مفيدٌ لتمكين التواصل وتبادل القيم الثقافية الإيجابية. يمكن لحرية تداول المعلومات أن تتحدى الخطابات السائدة وتوفر منصة للأصوات المهمَّشة.

علاوة على ذلك، تصوّر وسائل الإعلام معايير وقيمًا مختلفة، مسهمةً في نقل المعرفة للناس حول كيفية التصرف والتواصل.

أهمية حرية الإعلام للمجتمعات الديمقراطية

حرية الإعلام مهمة من أجل ديمقراطية صحية، ولإعلام الجمهور، وتحسين الخطاب العام، وتعزيز المواطنين المستنيرين، وحماية حقوق الإنسان. تكشف الصحافة الحرة الحقيقة، إذ يتم عادةً تدريب الصحفيين على تحليل وشرح القضايا المعقدة.

وفي غياب البرامج الإذاعية والتلفزيونية والصحف والمنتديات الإعلامية الأخرى، فإن الإنسان العادي سيواجه صعوبة في فهم ما يحدث حوله. يفتقر العديد من الأشخاص إلى الموارد والوقت اللازمين للتحقيق في القصص والقضايا التي تؤثر عليهم وعلى مجتمعاتهم، مما يجعل الصحافة مهمةً لسد هذه الفجوة.

إن الصحفيين الأكثر خبرة، المجهزين بمهارات مثل التفكير النقدي والبحث، يفهمون الأسئلة التي ينبغي طرحها على القادة للتحري عنها وتدقيق الحقائق.

تظل الحقيقة مدفونة ما لم تتمكن الصحافة من تدقيق الحقائق بشكلٍ فعال وآمن، في الوقت الذي تستفيد فيه العديد من الكيانات -بما في ذلك الحكومات- من عدم الكشف عن الحقيقة.

وفي حال كانت الصحافة تابعةً للسلطة أو مواليةً لها بدلًا من أن تكون حرة، فإنها ببساطة تعمل كامتداد لتلك السلطة. وبالتالي، تلعب الصحافة الحرة دورًا حاسمًا في فضح إساءة استخدام السلطة، وخاصة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد. تعد وسائل الإعلام الحرة بالغة الأهمية لحقوق الإنسان؛ لأن الناس في حالة غياب المعلومات لن يفهموا الأحداث المحلية أو الوطنية أو الدولية.

وعلاوةً على ذلك، تعمل حرية الإعلام على تعزيز الديمقراطية وإعلام الناخبين. تزدهر الديمقراطيات وتصبح أفضل فقط عندما يكون الناخبون مطّلعون بشكلٍ جيد. يضمن الاطّلاع على المعلومات فهم الناس للقضايا السائدة وما يمثله السياسيّون وسياساتهم على أفضل وجه. عندما يكون هناك المزيد من الحرية الإعلامية، يصبح الناخبون أكثر اطلاعًا ولا يخضعون لأهواء أو رحمة أصحاب المصالح الخاصة أو السياسيين الذين يرغبون في الترويج لتشريعات محددة والفوز بالانتخابات.

خاتمة

حاولت هذه الورقة إثبات أن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة مهمة لتوفير المعلومات للجمهور، ولتوجد مثل هذه الوسائل الإعلامية، هناك حاجةٌ إلى حرية تداول المعلومات، وخاصة الوصول إلى المعلومات. تعمل قوانين ولوائح حرية تداول المعلومات على تعزيز المساءلة والشفافية، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات التي بحوزة الحكومة، كما تجبر هذه القوانين الموظفين العموميين على الكشف عن معلومات معينة حول أنشطتهم.

وبالإضافة إلى ذلك، تعزز حرية تداول المعلومات وصول الصحافة ووسائل الإعلام إلى المعلومات. وبدوره، فالوصول إلى المعلومات يدعم الصحافة والتحقيقات الصحفية ويعزز قدرة وسائل الإعلام على تغطية الأخبار بدقةٍ وشمولية. علاوة على ذلك، تساهم حرية تداول المعلومات في خلق مشهدٍ إعلامي تعددي حافلٍ بتشعُّب وتباين وجهات النظر السياسية والأيديولوجية.

والأهم من ذلك، يمكن للحق في الحصول على المعلومات أن يمكّن وسائل الإعلام من تحدي الخطابات السائدة وتوفير منصةٍ للأصوات المهمشة. وأخيرًا، تعد حرية الإعلام ضروريةً لديمقراطية صحيّة ونابضةٍ بالحياة ولحماية حقوق الإنسان وتعزيز الخطاب العام وإعلام الجمهور.

بعبارةٍ أخرى، فإن حرية تداول المعلومات وحرية الصحافة والإعلام أمران مترابطان، ونتيجةً لهذا الارتباط فمن المهم أن تقوم الحكومات بوضع قوانين ولوائح حرية تداول المعلومات وأن تمتثل لها. تمثل هذه القوانين أهميةً بالغة لحماية حقوق الإنسان وتعزيز الرفاهية المجتمعية. وبما أن حرية الإعلام هي انعكاس لنضج الديمقراطية؛ فتجب حماية وسائل الإعلام والصحافة ومنحهما إمكانية الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها الجمهور لاتخاذ قراراته الهامة؛ وهذا يعني بالضرورة أن على الوكالات والحكومات أن تكفّ وتمتنع عن أعمال الرقابة التي تعرقل حرية الإعلام وحرية تداول المعلومات.