الاقتصاد التشاركي وحقوق الإنسان

1.0 مقدمة

منذ بداية الحضارة؛ لطالما تشارك الناس وتعاونوا، ولعلّ ظهور الإنترنت كان إيذانًا بفترة جديدة من التشارك بسبب حجم الأنشطة والطرق الجديدة للقيام بهذه الأنشطة. وفقًا لـ Gomez‐Alvarez and & Morales‐Sánchez (2021)، فإن حجم مبيعات الاقتصاد التشاركي أو الاقتصاد التعاوني يبلغ 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز حجم مبيعاته 335 مليار دولار بحلول عام 2025. نظرًا للطبيعة المبتكرة للاتجاه التشاركي وحداثة نشأته، فليس ثمة إجماعٌ أو تعريف مقبول على نطاق واسع داخل الأوساط الأكاديمية لمفهوم الاقتصاد التعاوني. استُخدمت مصطلحات مختلفة للإشارة إلى الاقتصاد التعاوني، والعديد منها لها معاني متنوعة ولكنها جميعًا تتداخل في بعض الجوانب. الاقتصاد التشاركي، الاستهلاك أو الاقتصاد التعاوني، الاستهلاك أو الاقتصاد القائم على الوصول، اقتصاد الند للند، اقتصاد العمل المؤقت، أو اقتصاد الوصول هي بعض المصطلحات الشائعة المستخدمة لوصف الاقتصاد التعاوني. باستخدام تعريف Botsman and Roger’s (2010)، يعرّف Gomez‐Alvarez and & Morales‐Sánchez (2021) الاقتصاد الاستهلاكي بأنه “أنشطة إنتاج أو توزيع أو استهلاك تشترك في الموارد من خلال شبكات موزعة من الأفراد والمجتمعات المترابطة وتعارض الطريقة التقليدية القائمة على أساس مؤسسات مركزية وهرمية”. من ناحية أخرى، يعرّفها باحثون آخرون على أنها سلسلة من المبادرات التي تعزز كفاءة وتوافر الموارد المستخدمة دون المستوى من خلال التبادل بين المشاركين أو تعزيز الوصول إلى الملكية. يوجد كذلك تعريف آخر للاقتصاد التعاوني على أنه اقتصاد يمكّن المشاركين من أن يكونوا متلقين ومزودين للسلع أو الخدمات لتسهيل المعاملات وتقليل تكاليفها. ورغم حقيقة أنه يمكن أن يكون للسلع المشتركة قيمة مادية ومالية كبيرة؛ إلا أن هناك ندرة في الأبحاث حول العلاقة بين هذه الاقتصادات وحقوق الإنسان.

2.0 الاقتصاد التشاركي وحقوق الإنسان

2.1 الخصوصية والاقتصاد التشاركي

في الاقتصاد التشاركي، ينجذب المستهلكون إلى خيارات اجتماعية أكثر استدامة من وسائل التواصل والنقل وأماكن العمل التقليدية. توفر شركات المنصات في الاقتصاد التشاركي للمستهلكين فرصة لتجربة ما يوصف عادةً بأنه خدمة فريدة وشخصية، ذات قيمة مشاركة وقيمة عاطفية عاليتين. تجعل المشاركة المستهلكين يشعرون كما لو أنهم يقدمون مساهمة إيجابية للمجتمع. وبالمثل، يشارك بعض المستهلكين في الاقتصاد من خلال تقديم سلعهم وخدماتهم بدافع إنشاء مجتمعٍ ما والحفاظ عليه. نظرًا للتسهيلات التي توفرها المنصات عبر الإنترنت، يمكن أن تصبح المساهمة في الاقتصاد التشاركي مصدرًا إضافيًا للدخل وكذلك فرصة للاستفادة من شبكات القيمة والمعرفة. مع تغيُّر معنى الملكية، ومشاركة المستخدمين المعلومات والمساحات والبضائع، تبزغ أسئلةٌ حول الخصوصية؛ وذلك لأن عملية المشاركة تستلزم تبادل المعلومات الشخصية، بما في ذلك عادات السفر ومعلومات بطاقة الائتمان وصور المتعلقات الشخصية والمساحات الشخصية. تعتبر مخاوف الخصوصية من العوامل الرئيسية التي تثني بعض الناس عن المشاركة في الاقتصاد التشاركي، فالخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان، لكن معناها ومحدداتها قد تطورا. عندما بدأ الناس في التفاعل عبر الإنترنت، تطور “الحق في أن يترك الشخص بمفرده” ليصبح حقًا تمثُل الخصوصية فيه مصدر قلق كبير. مع أخذ هذا في الاعتبار، سيكون المرء مضطرًا للتساؤل: ما هو تأثير الاقتصاد التشاركي على خصوصية الناس؟ هل تؤثر الخصوصية على الاقتصاد التشاركي؟

2.2 تأثير الاقتصاد التشاركي على الخصوصية

2.2.1 الخصوصية وعملية التبادل

تشبه المشاركة في الاقتصاد التشاركي التفاعلات التي تحدث على مواقع الشبكات الاجتماعية. غالبًا ما يكشف المستخدمون على منصات المشاركة عن معلومات تمكّنهم من تقديم أنفسهم بطريقة جذابة ومرغوبة (Tussyadiah, 2016). في الاقتصاد التشاركي، يمكن للمستخدمين دعوة الآخرين إلى مساحاتهم الخاصةمثل السيارات أو المكاتب أو الشقق أو السماح للمستخدمين الآخرين بالوصول إلى سلعهم، بما في ذلك المثاقب الكهربائية أو الملابس أو الكتب. عندما يفعلون ذلك، يعيد المستخدمون التفاوض بشكل فعال حول حدودهم الخاصة ويحققون مستوى تفاعل اجتماعي جديد متسق مع السياق. تستلزم المشاركة في الاقتصاد التشاركي مزج الحدود بين المشاركة خارج الإنترنت والمشاركة عبر الإنترنت بعدة طرق. في واقع الأمر، فإن تبادل المعلومات عبر الإنترنت يمكّن المستخدمين من التأكد مما إذا كانوا سيشاركون سلعهم المادية ومساحاتهم الشخصية. نظرًا لأن استصواب أصول المستخدمين يتحقق من خلال قدرتها على مطابقة أصول الآخرين، يصبح الكشف عن المعلومات الشخصية أمرًا بالغ الأهمية لاستمرار العملية. تتطلب العملية قفزةً من الثقة ليثق أحد الأشخاص بالمستخدمين الآخرين ويستأمنهم على معلوماته. يمكن لمثل هذه القفزة من الثقة أن تمكنهم ربما من الحصول على مستوى معين من الثقة قد يعوض عن المخاطر المرتبطة بالمعلومات المفقودة عند الانتقال من التواصل والتفاعل عبر الإنترنت إلى التواصل والتفاعل على أرض الواقع.

2.2.2 الخصوصية والمستخدمون

يفرض استخدام منصات المشاركة تهديدات معينة للخصوصية كونه يجعل المعلومات والبيانات الشخصية عرضة للضرر المتعمد والعرضي الذي قد يسببه المستخدمون الآخرون. تعد مستويات قلق المستخدمين العالية بشأن الخصوصية من العوائق الرئيسية أمام تطوير المعاملات عبر الإنترنت. تسمح مشاركة الخدمات بمشاركة المعلومات الشخصية أو البيانات والخدمات المادية والسلع خارج دائرة الأصدقاء المقربين للمستخدم، وبالتالي، يتردد المستخدمون بخصوص استخدام خدمات المشاركة بسبب المخاوف المعقدة المتعلقة بالخصوصية.

تستند مخاوف الخصوصية الاجتماعية والمؤسسية على الإنترنت إلى مشاركة البيانات الشخصية على المنصات عبر الإنترنت. بالنسبة لمشاركة الخدمات، ترتبط مشاركة السلع المختلفة أو الممتلكات الشخصية بمزيدٍ من تهديدات الخصوصية الفريدة المتعلقة بالخصوصية المادية (Smith et al., 2011). الخصوصية المادية هي إحساس المرء بأن لديه مساحة خاصة لا يمكن للآخرين التدخل فيها متى شاؤوا، وهذا يتعلق بحماية المساحة الشخصية للمستخدم من التطفل والمراقبة. على النقيض من ذلك، يتم تعريف خصوصية المعلومات على أنها المعلومات الشخصية وحمايتها من الاستخدامات غير المرغوب فيها. يمكن التمييز بين الخصوصية المادية وخصوصية المعلومات، إلا أنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، لأن اختراق الخصوصية الجسدية هو بمثابة انتهاك لخصوصية المعلومات أيضًا. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي مشاركة غرفة مع شخص غريب عبر موقع Airbnb إلى انتهاك الخصوصية الجسدية، حيث يشارك الضيوف المساحة الشخصية المادية للمضيف. السيناريو الآخر في سياق المشاركة هو الضرر الذي يلحق بالممتلكات الفردية، وما ينتج عنه من أذىً عاطفي وجسدي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعثر المضيف على خصوصية المعلومات منشورةً بين الضيوف الذين يودون أن يتعرفوا على الظروف المعيشية لمضيفيهم وأذواقهم واهتماماتهم الشخصية، ومن المحتمل أن يكشفوا عن معلومات حميمة داخل الشقة. يمكن كذلك فهم مخاوف الخصوصية المادية المتعلقة بالمشاركة على أساس مفهوم الذات الممتدة حيث أنّ الأضرار والخسائر المادية والتدخلات الجسدية تنتهك الذات الممتدة. وفي سياق المشاركة، من المحتمل أن تكون مخاوف الخصوصية بسبب التهديد بمثل هذه الانتهاكات واضحة بشكل خاص لأن المستخدمين غالبًا ما يتفاعلون مع غرباء. باختصار، ربما تمتد مخاوف الخصوصية التي تؤثر على نشر منصات المشاركة إلى ما هو أبعد من تلك الموجودة في سياقات وسائل التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية، حيث يصارع المستخدمون تهديدات مثل فقدان البيانات أو إساءة استخدامها، والتمييز، والمطاردة، والمضايقات. تتضمن هذه المخاوف الإضافية تهديدات الخصوصية المادية بسبب مشاركة المساحات الشخصية المادية والكشف عنها.

2.2.3 الخصوصية داخل السلع والمساحات المشتركة

نظرًا لأن الأشخاص يشاركون سلعهم مع الآخرين، فقد تظهر مخاوف تتعلق بالخصوصية وممارسات جديدة لإدارة الخصوصية للأسباب التالية: أولاً، الاستخدام المادي للبضائع من قبل أشخاص آخرين، وعرض البضائع عبر الإنترنت. وفقًا لـ Teubner and Flath (2016)، فعندما يستخدم الآخرون البضائع، يمكن اعتبارها تدخلًا في المساحات المادية الشخصية والخاصة. تتطور مخاوف الخصوصية أيضًا نظرًا لأن الأشخاص يعتقدون عن قصد أو عن غير قصد أن هذه الممتلكات هي جزء من أنفسهم، وهذا يعني أن الذات تتجسد في أشياء، مقدمةً تلميحاتٍ عنها للأشخاص الآخرين. ثانيًا، يمكن اعتبار عرض سلع شخصٍ ما للآخرين تدخلًا في المجال الرقمي الشخصي والخاص حيث قد يقوم الآخرون بتقييم هذه السلع عبر الإنترنت من خلال مقاطع الفيديو أو التقييمات أو الصور الفوتوغرافية. يحدث هذا العرض الذي تقوم به أطراف ثالثة دون موافقة مسبقة أو مفاوضات مع المزود لهذه البضائع. في عصر التصوير الذاتي، يؤثر الآخرون على الطريقة التي نقدم بها ذواتنا الممتدة والمثالية، والتي يمكن أن تؤثر أيضًا على بناء ماضي المرء؛ وذلك لأن الصور تمكننا من نشر أنفسنا عبر الإنترنت ونوع السيارة التي نقودها بينما نعرض أنفسنا ليرانا العالم بأسره. نظرًا لصعوبة التحكم في جميع تمثيلاتنا الرقمية الذاتية، يمكن أن يؤدي فقدان التحكم في الأشياء إلى إثارة مخاوف تتعلق بالخصوصية وآليات جديدة للتكيف. على الرغم من قدرتنا على ضبط النفس، إلا أن من الصعب التحكم في جميع الإنشاءات الذاتية الرقمية الخاصة بنا عندما يشارك أشخاص آخرون صورًا لأشيائنا مع تداعيات غير مقصودة.

2.2.4 الخصوصية والثقة

يتطلب أي نوع من المشاركة بين الأشخاص درجة معينة من الثقة، إذ تلعب الثقة دورًا مهمًا في حسابات الخصوصية للأشخاص الذين يعملون عبر الإنترنت، فعندما يقوم المستخدمون بتقييم مستخدمين آخرين على أنهم جديرون بالثقة، فإنهم يستخدمون هذه الثقة كوسيلة للتغلب على القلق. يحدد McKnight et al. (2002) أربعة أنواع من الثقة في سياق الإنترنت: نية الثقة، والاستعداد للثقة، ومعتقدات الثقة، والثقة القائمة على المؤسسة. يوفر الاستعداد للثقة وصفًا لثقة الناس العامة ويُنظر إليه على أنه سمة ثقافية، مما يعني أن بعض الثقافات تميل إلى أن تكون أكثر ثقة مقارنة بالآخرين. من ناحية أخرى، تستند الثقة المستندة إلى المؤسسة على فكرة أنه عندما تكون هناك ظروف هيكلية على الإنترنت، يكون هناك احتمال أكبر بحدوث معاملة مطابقة للمتوقع. معتقدات الثقة هي تصورات المستخدم أن الشخص الذي يتم الوثوق به يمكن أن يكون له سمات مفيدة. بينما تم استخدام معتقدات ثقة مختلفة، تم تلخيص ثلاثة منها على أنها الكفاءة والنزاهة والإحسان. أخيرًا، توضح نوايا الثقة رغبة المستخدمين في الاعتماد على الشخص الذي يثقون به، والجدير بالذكر أن نوايا الثقة تؤدي إلى سلوكيات قائمة على الثقة. في سياق الاقتصاد التشاركي، يمكن أن تدفع نوايا الثقة المشتري لتوقع الدفع للبائع قبل استلام السلعة المتبادلة. يتمثل أحد الجوانب الحاسمة للاقتصاد التشاركي في اعتماده على شبكة من الأقران. وهكذا، يتم إنشاء الثقة الشخصية في مجتمع من الأقران لتحفيز الإيثار وتبادل المعلومات. في سياق مواقع الشبكات الاجتماعية، وُجد أن العلاقة بين الثقة والكشف عن المعلومات أكثر تعقيدًا بشكل ملحوظ. فعلى العكس من ذلك، يلزم مستوى معين من الثقة الشخصية للمستخدمين ليقرروا كشف معلوماتهم. ومع ذلك، يجب أن يتم الكشف عن المعلومات كي يتمكن المستخدمون من الوثوق بالآخرين. في سياقٍ يجب أن يتفاعل فيه المستخدمون مع الآخرين لشراء شيء ما أو الاتجار بالسلع، يمكن أن تحفز الثقة التي يتمتع بها المستخدمون تجاه بعضهم البعض التفاعلات عندما تكون هناك مخاوف تتعلق بالخصوصية. في حين يمكن تقليل الثقة في مؤسسة عبر الإنترنت بشكل كبير من خلال مخاطر الخصوصية المتصورة للمستخدمين، فإن الثقة في مؤسسة أو في الإنترنت تؤثر بشكل إيجابي على مواقف المستخدمين بشأن المعاملات، ويبدو أن هذا التأثير قوي بشكل خاص للأشخاص الذين لديهم الكثير من مخاوف الخصوصية، مما يشير إلى أن الثقة يمكن أن تدخل في حسابات الخصوصية وتوفر حافزًا قويًا للمستخدمين الأكثر قلقًا. وبالنسبة للشركات في الاقتصاد التشاركي، يشير هذا إلى أن مخاوف الخصوصية قد تمنع المستخدمين من المشاركة في مثل هذه المنصات، خاصةً إذا فشلت المؤسسات في تقديم معلومات كافية للمستخدمين ليروها جديرة بالثقة.

3.0 تأثير الاقتصاد التشاركي على حرية التعبير

إن حرية التعبير لجميع الأشخاص المتعلقة بالبحث عن الأفكار والمعلومات بجميع أشكالها والحصول عليها ونقلها هي حجر الزاوية في التنوع في الابتكار والإبداع والتعبير الثقافي. وبالتالي، فهو جانب أساسي من جوانب الحق في المشاركة بحرية في الحياة الثقافية للمجتمع. لقد غيرت الإنترنت بشكل كبير الطريقة التي يتبادل بها الناس الأفكار والمعلومات، ولكنها قدمت في الوقت نفسه عددًا لا يحصى من التحديات للطريقة التي تم بها إنفاذ حقوق التأليف والنشر والحقوق المشابهة في الماضي. يجب أن تتكيف قوانين حقوق التأليف والنشر من أجل مواكبة التكنولوجيا الرقمية؛ يجب أن تتكيف مع الممارسات الثقافية وطلب المستهلك داخل الاقتصاد العالمي القائم على الابتكار والأفكار.

تفرض التطورات الأخيرة لمدونات السلوك وكذلك القواعد واللوائح الجديدة الملزمة قانونًا، مثل التوجيه الجديد لخدمات الوسائط السمعية والبصرية على سبيل المثال، والذي تم اعتماده مؤخرًا، واجبات جديدة على منصات المشاركة، إذ يجب على هذه المنصات فرض هذه القواعد وحماية حرية التعبير. إنهم يقيدون هذا الحق فقط إذا تضمن المحتوى خطاب الكراهية أو الإرهاب أو المواد الإباحية للأطفال أو لأجل حماية القاصرين. لذلك، يقع على عاتق منصات المشاركة واجب حماية الحق في حرية التعبير. على الرغم من ذلك، لا يزال بإمكان المنصات التحايل على هذه الالتزامات لأن قراراتها تستند إلى شروط الخدمة التي تنتج عن تطبيق القانون، حيث تتوفر آليات المراجعة. وبعبارة أخرى، فإن واجب منصات المشاركة تجاه حماية حرية التعبير لدى للمستخدمين هو التزام حقيقي يعتمد على اتساع النطاق الذي يمنحه المجتمع لهذا الحق بالإضافة إلى الظروف القانونية المحيطة بتطبيقه.

4.0 الاقتصاد التشاركي وحقوق العمال

4.1 الآثار الإيجابية

توفر المنصات التعاونية للعمال فرصة لتحويل مهاراتهم ووقتهم إلى نقود. بحكم التعريف، فإنها تميل إلى المرونة حيث يمكن لكل عامل أن يقرر متى يوفر وقت العرض دون قيود. تتوق شركات المنصات إلى منع تصويرها على أنها تسيطر على العمال. وُجد أيضًا أن مزايا مثل التحكم الشخصي ومرونة المنصات إلى جانب التعويض النقدي هي الدوافع الأساسية للعمال للانضمام إلى القوى العاملة التعاونية. تتضمن المرونة أو التحكم الشخصي إمكانية تحديد المرء جدوله الزمني، والتفاوض على الأسعار، واختيار الوظائف. بالنسبة للعاملين على منصات العمل الافتراضي الوسيطة، فإن إمكانية العمل من المنزل يعد دافعًا إضافيًا مهمًا. فعلى سبيل المثال، ذكر العمال في CrowdFlower وMechanical Turk، وهما منصات توفر فرصًا للعمل عن بُعد، في تقرير لـ Berg (2016) أن إمكانية عملهم من المنزل كانت ثاني أكثر الأسباب حسمًا بالنسبة لهم للانخراط في العمل التشاركي بعد الرغبة في استكمال دخلهم. هذا يعني أن الناس يقررون مكان ووقت عملهم، ما يسمح للأشخاص الذين لم يتمكنوا من العمل بسبب مشاكل التنقل أو بسبب قيود أخرى بالعمل بالانخراط في الاقتصاد التشاركي. علاوة على ذلك، فإن تكلفة الدخول المنخفضة تمكن الأشخاص الذين تم استبعادهم سابقًا من سوق العمل من الدخول. فعلى سبيل المثال، تذكر أوبر أن 25٪ من سائقيها في باريس لم يكونوا موظفين قبل بدء العمل معهم، وأن العديد منهم يقيمون في ضواحٍ محرومة تميل فيها البطالة إلى الارتفاع. باستخدامهم تطبيقات الاقتصاد التشاركي، تمكنوا من الحصول على وظائف وتحصيل مداخيل في أوقات هم في أمس الحاجة إليها.

4.2 الآثار السلبية

في الاقتصاد التشاركي أو التعاوني، غالبًا ما يتصرف العمال كما لو كانوا يعملون لحسابهم الخاص، والافتراض هو أن لديهم استقلال اقتصادي، وفي هذا الصدد، لا يتم تطبيق قانون العمل، ولا يحق للعمال الحصول على إجازة سنوية أو على الحد الأدنى للأجور أو إجازة مرضية مدفوعة. وبشكل عام، تقوم علاقة العمل بين العامل والعميل على أساس اتفاق فردي، وبالتالي يتم تحديد ظروف العمل والأجور وغيرها من القضايا مثل حقوق الملكية الفكرية من خلال شروط وأحكام منصة المشاركة أو باتفاق الطرفين. في كثير من الحالات، يتم تصنيف عمال المنصات على أنهم يعملون لحسابهم الخاص، مما يعني أن الحكومات لا تنظم هذه المنصات كثيرًا من حيث حقوق العمال.

لطالما كانت حالة توظيف الأشخاص الذين يؤدون عملًا عند الطلب مثيرة للجدل. حاليًا، يُنظّر قانونيًا إلى العمل المنجَز في الاقتصاد التشاركي على أنه عمل مستقل لأنه يشترك في العديد من العناصر المميزة. فبينما يختار الأفراد وقت العمل وعدد الساعات، فإن بعض جوانب عملهم تشبه تلك الخاصة بالموظف، خاصة فيما يتعلق بشروط الأسعار والخدمة، التي تمليها التطبيقات. تعمل هذه الشركات أيضًا من خلال أدوات السمعة عبر الإنترنت مثل خوارزميات التقييم والتصميم التي تؤثر على احتمال اختيار الفرد لتقديم خدمة والسلطة على استبعادهم من المنصة.

تلعب التقييمات دورًا حاسمًا في تخصيص المهام واختيار العاملين. يتم معايرة هذه التقييمات إما من ملاحظات المستخدمين أو من خلال المنصة. فعلى سبيل المثال، TaskRabbit، وهو سوق عبر الإنترنت وتطبيق هاتفي يقوم بمطابقة العمل المستقل مع الطلب المحلي، يحتاج من العمال أن يوافقوا على قبول 75٪ على الأقل من العروض على المناسبات وأنواع الوظائف التي أشاروا إلى أنهم سيكونون متاحين لها. يجب على العمال أيضًا إكمال ما لا يقل عن 85٪ من المهام المقبولة المعروضة عليهم والرد في غضون 30 دقيقة بعد تلقي العرض. قد يؤدي عدم الامتثال لأي من هذه المتطلبات إلى عدم ظهور العامل في نتائج البحث، وبالتالي عدم تمكنه من الحصول على عروض. في المقابل، تستخدم أوبر ملاحظات المستخدم للتأكد من حصول السائقين على عروض أم لا. وبالتالي، يتم تعطيل حسابات السائقين عندما يحصلون على تقييمات كثيرة منخفضة. وبشكل عام، يمكن أن تقيد هذه التقييمات إمكانية المشاركة في الاقتصاد التعاوني وتحريف الأرباح على منصات المشاركة هذه. وبهذا، تمارس منصات المشاركة آليات تحكم على مزودي الخدمة مماثلة لتلك المستخدمة على الموظفين، وكما هو الحال مع الموظفين، يتعين على مقدمي الخدمات الالتزام بها.

والعيب الآخر لهذه المنصات هو أن ظروف العمل أسوء لوظائف حسب الطلبمقارنة بأشكال التوظيف الأخرى. وعلى وجه التحديد، فمتوسط ​​أجر الوظائف أقل من الحد الأدنى للأجور. وفيما يتعلق بالعمل في وظائف مختلفة أو العمل الإضافي، فإن القيام بمهام مختلفة يجعل من الصعب التخصص وتطوير مهنة. علاوةً على ذلك، يمكن أن يؤدي الانعدام الكبير للأمن الوظيفي المرتبط بهذا الشكل من العمل إلى تداعيات صحية مثل التوتر والقلق.

في حين أنه من المفترض أن هؤلاء العمال يتمتعون بالمهارات الكافية لإملاء مطالبهم من حيث الدفع وساعات العمل، فإن بعضهم مثل السائقين عند الطلب لا يستخدمون أي مهارات خاصة أثناء القيام بالتوصيلات. وبسبب افتقار أولئك الذين يعملون في شركات المنصات مثل Lyft، مزود خدمة النقل، إلى مهارات معينة، فإنهم يفتقرون إلى القدرة على التفاوض على أسعار محددة للعملاء المحتملين، فرسومهم محدودة بما تنص عليه منصة المشاركة، ولا يزال يتعين عليهم دفع عمولات لهذه الشركات. وعادةً ما يكون لشركات المنصات سيطرة أكبر على الموظفين، على عكس المتعاقدين المستقلين الذين لديهم سيطرة أقل. وفيما يتعلق بحقوق العمال، فالعاملون في الاقتصاد التشاركي يفتقرون إلى الحق في المفاوضة الجماعية أو الحق في تكوين الجمعيات للتفاوض بشأن شروط تقديم الخدمات مع المنصات. وبالإضافة إلى ذلك، فهم غير مشمولين في حقوق عمالية أساسية أخرى، بما في ذلك الحق في عدم التمييز. وفي الوقت نفسه، فإن خصوصية العمل المنجز، والتي تنطوي على العديد من الخدمات أو العملاء، تقيّدُ تغطية الضمان الاجتماعي التي يمكنهم التمتع بها وكذلك تراكم حقوقهم. بلغت هذه القضايا مؤخرًا ذروتها في النقاش حول ما إذا كانت هناك حاجة لسن قانون معين، وفي هذا الصدد، أوصى بعض الخبراء بضرورة إنشاء قانون للعاملين لحسابهم الخاص يتضمن حقوقًا معينة مثل الحق في التنظيم.

5.0 الخاتمة

بينما يستمر الجدل حول تأثير الاقتصاد التشاركي على حقوق الإنسان، فإن العديد من خصائص هذا الاقتصاد تتعلق بالأعمال الأخرى غير القياسية، ما يعني أن العديد من قضايا الحقوق التي يواجهها قطاع الاقتصاد العادي تتم مواجهتها على منصات المشاركة. الخصوصية وحقوق العمال هي الاهتمامات الرئيسية المرتبطة بهذه المنصة، وهناك حاجة لإعادة تصميم هذه المنصات بطريقة تعكس حقوق العمال والمالكين. يقع على عاتق المالكين التزامٌ رئيسي بقيادة الإصلاحات في هذه المنصات لتتماشى مع لوائح أخلاقية أساسية محددة ولوائح حقوق الإنسان، كما أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول تأثير الاقتصاد التشاركي على حرية التعبير حيث لا يزال هذا المجال قيد البحث. وبعبارة أخرى، فإن الحاجة إلى تكييف الرعاية الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان في الاقتصاد التشاركي أمران أساسيان لأن التطورات التكنولوجية والعولمة ستستمر في تغيير طريقة إنتاج الناس وعملهم.

References

Acquier, A., Carbone, V., & Massé, D. (2019). How to create value (s) in the sharing economy: Business models, scalability, and sustainability. Technology Innovation Management Review, 9(2).

Botsman, R., & Rogers, R. (2010). What’s mine is yours. The rise of collaborative consumption, 1.

Gomez‐Alvarez, R., & Morales‐Sánchez, R. (2021). How does collaborative economy contribute to common good?. Business Ethics, the Environment & Responsibility.

Hellwig, K., Morhart, F., Girardin, F., & Hauser, M. (2015). Exploring different types of sharing: A proposed segmentation of the market for “sharing” businesses. Psychology & Marketing, 32(9), 891-906.

https://www.researchgate.net/publication/316596483_Privacy_in_the_Sharing_Economy

Liu, S. Q., & Mattila, A. S. (2017). Airbnb: Online targeted advertising, sense of power, and consumer decisions. International Journal of Hospitality Management, 60, 33-41.

McNamara, B. (2015). Airbnb: A not-so-safe resting place. Colo. Tech. LJ, 13, 149. https://ctlj.colorado.edu › McNamara-final

Menor-Campos, A., García-Moreno, M. D. L. B., López-Guzmán, T., & Hidalgo-Fernández, A. (2019). Effects of collaborative economy: A reflection. Social Sciences, 8(5), 142.