أثر المراقبة السيبرانية على حرية الصحافة 

مقدمة

لقد أحدث التواصل البشري ثورة كبيرة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. وفيما لاقت الكتب انتشارًا واسعًا منذ بضعة قرون فقط، يعكف الناس حاليًا على استخدام أجهزة تربطهم بأي شخص حول العالم بلمسة زر.

أحدثت وسائل التواصل المتقدمة على نحو ملحوظ طفرة في مجال الصحافة حيث يعمل المراسلون والصحفيون بطرق متنوعة. ومع حلول القرن الحادي والعشرين، ستواصل أشكال متنوعة من المنصات الإعلامية، وكذلك الصحفيون، تطورها استجابةً لمستجدات وتوجهات الصحافة الرقمية. 

بالإضافة إلى ذلك، لقد تبدلت الصحافة على نحو ملحوظ خلال القرنين الماضيين العشرين والحادي والعشرين. تكمن فكرة الصحافة التقليدية في عمل المراسلين كمصادر مستقلة تسعى لتقديم الأخبار بطريقة موضوعية مبنية على الحقائق. وعلى الرغم من اعتماد بعض وسائل الأخبار هذا التقليد، إلا أن إتاحة التقنيات قد أدت إلى تزايد وانتشار الصحفيين، مواطنين وناشطين، ممن لديهم وجهة نظر أو تحيز معلن ولا يزالون بحاجة إلى تطويرها من منظور يستلزم التحرير والتأطير العادل وإعداد التقارير. يعمل الصحفيون في العصر الرقمي في عالم تتسارع فيه وتيرة الأخبار مما يزيد من صعوبة الحصول على تقارير عميقة في الوقت المناسب.

تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على تأثير المراقبة عبر الإنترنت على حرية الصحافة. تناقش الورقة التحديات التي تفرضها المراقبة السيبرانية على الصحافة الاستقصائية وحرية تداول المعلومات. كما تتناول الورقة أثر المراقبة السيرانية على الصحفيين والتحديات التي يواجهونها في العصر الرقمي.

أثر المراقبة السيبرانية على الحرية الصحافية

تعرّف المراقبة السيبرانية على أنها مراقبة نشاط الحاسوب الخاص بالمستخدمين والبيانات المخزنة على القرص الصلب أو البيانات التي يتم نقلها عبر الإنترنت. يعني هذا التعريف أن الأطراف الثالثة، بما في ذلك مقدمو خدمة الإنترنت ومجرمي الإنترنت، والوكالات الحكومية، يمكنهم مراقبة وتسجيل حركة المرور عبر الإنترنت ونشاط الكمبيوتر والبيانات المتصلة وغير المتصلة بالإنترنت عبر تلك الشبكة.

 تستخدم الوكالات الحكومية الأمنية حول العالم شركات التكنولوجيا الكبرى لتسهيل وصولها إلى المعلومات الخاصة. وحتى لو ترددت الشركات في الكشف على المعلومات المتعلقة بعملائها، فليس لديها الخيار في كثير من الحالات؛ حيث تستطيع وكالة كوكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) إخضاع تلك الشركات وإجبارها على الامتثال لمطالبها.

لا تنتهك المراقبة حق الأشخاص في الخصوصية فحسب، بل تتعارض أيضًا مع الحق في اعتناق الآراء والحق في حرية التعبير. أنظمة المراقبة الجماعية والمستهدفة من شأنها تقويض حق الصحفيين في تكوين الرأي خوفًا من التوبيخ أو ما قد يؤدي إلى نتائج قمعية. ويتجلى الحق في حرية التعبير بشكل خاص في سياق الصحفيين وأعضاء وسائل الإعلام الذين يمكن وضعهم تحت المراقبة بسبب أنشطتهم الصحفية.

إن مراقبة المصادر الصحفية من شأنها ترك تداعيات سلبية على الحق في حرية التعبير بسبب انتهاك سرية اتصالاتهم. وعندما يتم تقويض السرية، فمن شبه المستحيل استعادتها. كما أن انتهاك السرية بالمراقبة يتعارض مع مبدأ وأهمية “حماية المصدر” المعتمد في مختلف الولايات القضائية والأحكام.

التحديات التي تفرضها المراقبة السيبرانية على الصحافة الاستقصائية وحرية تداول المعلومات

للمراقبة السيبرانية آثارًا وخيمة على حماية المصادر الصحفية. يعد التشفير أداة مهمة لحرية التعبير الرقمي، حيث تمكّن الصحفيين من التواصل بشكل آمن. إلا أن في الآونة الأخيرة، شهد الصحفيون على مستوى العالم مراقبة رقمية متزايدة. وبشكل أكثر تحديدًا، عادة ما يقع الصحفيون الاستقصائيون الذين يفضحون إساءة استخدام السلطة وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد ضحايا للمراقبة المكثفة والإساءة غير القانونية وجمع البيانات الشخصية.

تستخدم الجهات الفاعلة الخاصة والحكومات البرامج – وخاصة ما يعرف بالأسلحة السيبرانية أو برمجيات التجسس- للوصول إلى المعلومات السرية والمشفرة مما يجعل الصحفيين ومصادرهم وعائلاتهم وأصدقائهم عرضة للخطر. كما يتم تسويق برامج التجسس المتطورة مثل برنامج بيجاسوس التابع لمجموعة (إن إس أو) كأداة رقمية لتمكين الحكومات من مكافحة الجريمة، إلا أنه تم إساءة استخدامها لاستهداف الصحفيين.

على سبيل المثال، في الأردن، كانت سهير جرادات، وهي كاتبة عمود مستقلة لدى العديد من وسائل الإعلام، ضحية للمراقبة السيبرانية. كان جرادات متخصصة في التحقيقات الاستقصائية، وكانت من بين المدافعين الأردنيين الأربعة عن حقوق الإنسان الذين استهدفهم برنامج التجسس بيجاسوس بسبب كتاباتهم. ولكونها معلّقة على السياسة الأردنية، فهي تنتقد السلطات في بعض الأحيان. ونتيجة لذلك، أبلغتها فرونت لاين ديفندرز و سيتزن لاب أن أجهزتها قد تم استهدافها ومراقبتها من قبل برامج التجسس والوكالات التابعة للحكومة الأردنية.

في حين نفى المركز الوطني للأمن السيبراني الأردني أي تورط حكومي، فإن هذه القضية تعد جزءّا من توجه عالمي نحو ظهور وانتشار تقنيات المراقبة في الشرق الأوسط حيث تستغل بعض الحكومات هشاشة سيادة القانون والثغرات القانونية. وعليه، يجد الصحفيون الاستقصائيون صعوبة في التحقيق في المواضيع الحساسة ومحاسبة حكوماتهم لأنهم لا يتمتعون بالحماية الكافية من قبل الأطر القانونية المحلية.

حماية سرية المصادر: بين الفرص والتحديات

تقدم المصادر السرية المعلومات للصحفيين بشرط إخفاء هوياتهم أثناء نقل التفاصيل التي يقدموها. تعد سرية المصادر الصحفية أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز قدرة الصحفيين على التحقيق بالطرق المناسبة في القصص، وحماية المبلغين عن الانتهاكات وكذلك الأفراد الذين يقدمون لهم المعلومات.

ينص مبدأ السرية في الصحافة على أنه لا ينبغي إجبار الصحفيين على الكشف عن مصادرهم السرية للمعلومات أو الكشف عن مواد أخرى تستخدم لأغراض الصحافة ما لم يكن الكشف بأمر من المحكمة بعد جلسة استماع علنية عادلة مكتملة. تقوّض المراقبة السيبرانية هذا المبدأ لأنها تجبر الصحفيين على الكشف عن مصادرهم، مما يقيد حرية الإعلام وحرية التعبير، ويعوق حرية تداول المعلومات.

يمكن للمراقبة السيبرانية على الصحفيين أن تقوض حماية المصادر حيث تشعر هذه المصادر بالأريحية في تقديم المعلومات على أساس امتيازات المراسلين – وهي حق الصحفيين والمراسلين في رفض الكشف عن معلوماتهم ومصادرهم في المحكمة.

تجبر المراقبة الحكومية الصحفيين على الشعور بالضغط المتزايد لتبني استراتيجيات تضمن عدم ترك أثر رقمي يمكن مراقبته. حيث يتردد بعض الصحفيين الاستقصائيين في الإبلاغ أو التحقيق في بعض القضايا التي قد تستدعي المراقبة.

عواقب المراقبة على الصحفيين: دراسات حالة

اليونان

اخترق برنامج التجسس “بريداتور” هاتف ثاناسيس كوكاكيس في أبريل 2022، وهو المحرر المالي لشبكة سي إن إن في اليونان ومساهم في وسائل الإعلام الدولية الرائدة. وقعت هذه القرصنة بين يوليو وسبتمبر 2021 عندما كان الصحفي يحقق في موضوعات، أبرزها الفساد وغسيل الأموال. وقد نفت الحكومة اليونانية أي شكل من أشكال التورط في المراقبة، لكنها ألقت باللوم على جهة فاعلة خاصة. كما تبين فيما بعد أن جهاز المخابرات الوطنية اليوناني (EYP) قد قام بالمراقبة في عام 2020 لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كما لم تنجح الحكومة في تقديم ردًا على طلب كوكاكيس بشأن ما حدث قبل مرور عام، مما أثر سلباً على عمله.

السلفادور

تأسست شركة الفارو في السلفادور، وهي منظمة إعلامية مستقلة بالدرجة الأولى. كما أنها إحدى وسائل الإعلام المستهدفة من برنامج بيجاسوس. وفقًا لباحثي الطب الشرعي، تم استهداف إل فارو في عدد من المناسبات ببرمجيات خبيثة. وفي حين أنكرت الحكومة أي صلة لها بشركة بيجاسوس، كان الرئيس معاديًا لوسائل الإعلام المستقلة في البلاد. لقد عانى العديد من العاملين في مجال الإعلام من اللغة العنيفة والترهيب والتهديدات الجسدية. على سبيل المثال، وجدت شركة إل فارو أن 22 هاتفًا محمولًا لموظفيها مصابين ببرامج تجسس. خلال هذه الفترة، كتب مراسلو القناة بشكل موسع حول قضايا حساسة تتعلق بإدارة الرئيس نايب بوكيلي، بما في ذلك فضيحة تعاقد الحكومة مع عصابات الجريمة المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، منذ مارس 2022، وبسبب سلسلة من عمليات القتل المرتبطة بالعصابات الإجرامية، تم وضع السلفادور تحت حالة الطوارئ، حيث تستخدم السلطات هذا لاعتراض الاتصالات. لقد جعل العملاء الرقميون السريون من الصعب على الصحفيين الاحتفاظ بمصادر أو الحصول عليها لسرد القصص المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة مؤخرًا مثل الاعتقالات التعسفية.

المجر

وثقت منظمات حقوق الإنسان مؤخرًا تدهورًا على الصعيد الإعلامي في المجر. أكد رئيس الوزراء فيكتور أوربان سيطرته على وسائل الإعلام في البلاد على نحو غير مسبوق مستخدمًا قوانين المراقبة المجرية التي تمكن الدولة من التذرع بحماية الأمن القومي للتجسس على أي شخص. استهدفت شركة بيجاسوس العديد من الصحفيين المجريين من بينهم بانيي الذي يعمل في مركز الصحافة الاستقصائية دايريكت36 والذي أصبح ضحية هذا الاستهداف. وقد أكد باني أنه يشعر بالقلق تحديدًا بشأن انتهاك حقوق حماية مصادره.

المراقبة الحكومية وحماية المصادر الصحفية: الاعتبارات القانونية والأخلاقية

من المرجح أن تتزايد المخاوف الأخلاقية المرتبطة بالمراقبة الحكومية مع التقدم والابتكارات الناجمة عن التكنولوجيا، مما يسلط الضوء على حاجة المنظمات والحكومات إلى أخذ ذلك في الاعتبار أثناء اتخاذ القرار بشأن المراقبة الإلكترونية. يمكن جمع البيانات بطرق مختلفة، ولكن يجب أن يتم ذلك بشكل أخلاقي وقانوني. إن المراقبة وجمع المعلومات وتخزينها بشكل مناسب كلها أمور تحف الخصوصية بالمخاطر. فعندما يتم استخدام المعلومات عن غير قصد، فإنها تنتهك الخصوصية وتثير مخاوف أخلاقية. يمكن أن تنتهك المراقبة الحكومية خصوصية الصحفيين عند استخدام المعلومات لأغراض أخرى غير مقصودة. ويؤدي هذا أيضًا إلى خطر التعرض للضرر حيث يمكن للوكالات الحكومية استخدام المعلومات لمراقبة سلوك الصحفيين. فعلى سبيل المثال، تخلق المراقبة الحكومية بيئة من التهديد من شأنها أن تجبر الصحفيين والمصادر الصحفية من غير المتورطين في أي مخالفات على تغيير سلوكهم، بما في ذلك طرق التحدث والتواصل والتصرف – فيما يعرف بالتأثير المروع للمراقبة الجماعية.

يتجلّى انتهاك الخصوصية فيما تتعارض المراقبة الجماعية العشوائية مع الحق الأساسي في الخصوصية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخل غير المبرر في خصوصية الصحفيين يقيد حرية تبادل وتطوير الأفكار. في مجال الصحافة والاتصالات، تشكل القيود المتعلقة بعدم الكشف عن الهوية تأثيرًا مروعًا على الصحفيين والمبلغين الذين قد يترددون في الإبلاغ خوفًا من التعرض للإيذاء المزدوج.

أثر المراقبة السيبرانية على الصحفيين

إن المراقبة السيبرانية من شأنها ردع المبلغين عن المخالفات وإعاقة كشف انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد أو غير ذلك من أشكال إساءة استخدام السلطة. ومن الجدير بالذكر أن الصحافة الاستقصائية ووسائل الإعلام تلعب دورًا حاسمًا في تسليط الضوء على ذرائع الفساد ومكافحة الإفلات من العقاب. تعد التقارير الإعلامية أيضًا وسيلة حاسمة للكشف عن حالات الفساد. يرى الصحفيون أن كشف الفساد في أنظمة المراقبة يعني إزعاج الأشخاص الأقوياء العتاه، وهو خطر يتعايشون معه. يهتم الصحفيون أكثر بالإجراء القانوني الفعلي المهدَّد في سياق الدعاوى المدنية بتهمة التشهير أو الملاحقة الجنائية لنشر معلومات سرية. إن الإجراءات القانونية التي لا أساس لها من الصحة تهدد الصحفيين و تثنيهم عن فضح الفساد لما تستغرقه من وقت طويل لحسمها، وما تكبده من تكاليف نفسية وقانونية بالغة. وفي بعض الحالات، تهدد الشركات الكبرى بمقاضاة الصحفيين، مما يجعل الصحفيين بصدد اتخاذ قرار ما إذا كان نشر قصة ما يستحق المخاطرة من عدمه. تتعلق المخاوف الأخرى بالتنكيل السياسي والهجمات على المصداقية المهنية. ويتلقى بعض الصحفيين تهديدات بالقتل وبلاغات عن مقتل زملاء لهم بسبب تقاريرهم وتحقيقاتهم في الفساد، مما ينتهك حقهم في الحياة وحرية التعبير. إن الصحفيين المستقلين هم الأكثر عرضة للخطر. فعلى سبيل المثال، قُتلت دافني كاروانا جاليزيا، وهي صحفية استقصائية مالطية، بسبب تحقيقاتها في الجريمة المنظمة والفساد، مما خلف موجات صادمة اجتاحت جميع أنحاء أوروبا. أفاد مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2017 أن 368 صحفياً قُتلوا منذ عام 2012 أثناء متابعتهم لقصص إخبارية. تروع مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان المراسلين الاستقصائيين وتحد من قدرتهم على فضح إساءة استخدام السلطة. وفي نفس الوقت، يمكن لمثل هذه الانتهاكات الحقوقية أن تحد من قدرة الصحفيين على محاسبة الحكومة على أفعالها. وبما أن دور الصحفيين كجهة رقابية أصبح معرضًا للخطر، فهذا يعني أن استدامة الديمقراطية السياسية تواجه تحديًا.

تحديات يواجهها الصحفيون في العصر الرقمي

نقاط الضعف التكنولوجية ومخاطر الأمن السيبراني

تعرّض منصات الاتصال الرقمية التي يستخدمها الصحفيون، بما في ذلك تطبيقات المراسلة والتخزين السحابي والبريد الإلكتروني، الصحفيين لنقاط ضعف معينة أثناء عملهم. وبما أن الأجهزة الرقمية تتيح سهولة الوصول إلى الاتصالات الرقمية للصحفيين كل يوم، فهذا يعني أنهم يجمعون بيانات عن هوياتهم الشخصية وعملهم. كما أن خدمات الإنترنت، مثل رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي، تعرض أنشطة الصحفيين لرقابة الجهات الخبيثة والحكومات. تهدد هذه الأشكال من المراقبة الرقمية السلامة الشخصية للصحفيين كما أن لها عواقب وخيمة بعيدة المدى. تميل غرف الأخبار والصحفيون إلى فرض رقابة على محتويات أخبارهم، مما يؤدي إلى انتهاك حرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، تنتهك المراقبة الرقمية الحقوق المدنية مثل الحقوق الرقمية وحقوق الخصوصية.

تعد السحب الخاصة و البنية التحتية والبرمجيات الخدمية من أكثر خدمات قواعد البيانات السحابية شيوعًا. تعمل قاعدة البيانات السحابية من خلال منصة سحابية تسمح للمؤسسات المستخدمة باستضافة البيانات دون شراء أجهزة مخصصة لذلك. أصبحت قواعد البيانات السحابية سهلة الاختراق على نحو متزايد للأطراف الخارجية الثالثة، ما يعني كشف وجمع وتخزين الهويات الشخصية للمستخدمين وبيانات اتصالاتهم لأسباب متنوعة. أولاً، تفشل العديد من قواعد البيانات السحابية في تحسين مستوى الأمان في حالة وجود بيانات حساسة داخل مساحة تخزينها. قد تكون البيانات الحساسة في شكل معلومات تعريف شخصية، والتي تعطى الإشارة للأطراف الثالثة الفاعلة لتتبع فرد ما، أو تتبع بيانات الأنشطة السرية والاتصالات الخاصة. عادةً ما يتم تخزين هذه البيانات مع معلومات عادية شائعة لا تتمتع سوى بالحد الأدنى من الحماية. ثانيًا، عادةً تفتقر قواعد البيانات السحابية للرؤية الواضحة لما يجب تخزينه في التطبيقات السحابية كما تنقصها القدرة على ردع البرمجيات الخبيثة للأطراف الخارجية الفاعلة ومنعها من الوصول للمعلومات الحساسة. وعليه، تصبح أنظمة الدفاع الخاصة بخدمات الحوسبة السحابية عرضة للهجمات الضارة والوصول القسري (القرصنة) للبيانات الحساسة المخزنة داخل السحابة.

تظهر الأدلة القائمة أيضًا أن مقدمي خدمات الإنترنت، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الرقمية والحوسبة السحابية ومقدمي تطبيقات الهاتف المحمول، أصبحوا أكثر عرضة لأهواء الجهات الفاعلة الخبيثة والحكومية لجمع بيانات الأشخاص والاحتفاظ بها. وإلى جانب الحوسبة السحابية، فإن خدمات الإنترنت الأخرى مثل تطبيقات الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي تزيد أيضًا من ضعف مستخدمي الإنترنت، بما في ذلك الصحفيين ومصادرهم. على سبيل المثال، ثمة مزاعم بأن فيسبوك يجمع معلومات التعريف الشخصية ويخزنها سرًا عن طريق إنشاء وإطلاق عدد من تطبيقات الهاتف المحمول. تستخدم هذه التطبيقات خاصية تتبع الموقع أو المساعدة الصوتية أو خدمات التسجيل لتتبع المستخدمين دون موافقة.

وتشكل مثل هذه المراقبة مخاوف جدية ومخاطر أمنية، بما في ذلك اختراق البيانات والقرصنة واعتراض الاتصالات. على سبيل المثال، تقوم الجهات الخبيثة والحكومية بنشر برامج ضارة لشن هجمات رقمية والتلاعب باستخدام الإنترنت المبهم والمشفر. بعض البرمجيات الخبيثة الأكثر شيوعًا هي البرامج الضارة للوسائط أو التحكم عن بعد أو رفض الخدمة أو التصيد الاحتيالي أو هجمات الوسيط أو هجمات الخادم الوكيل. توضح العديد من الأمثلة أن البرمجيات الخبيثة ما هي إلا وسيلة تستخدمها الحكومة لإجراء المراقبة الرقمية للصحفيين.

علاوة على ذلك، أدت المراقبة الرقمية إلى تفاقم التهديدات المتزايدة للسلامة الشخصية للصحفيين، حيث تستخدم هذه الجهات الفاعلة عادةً، سواء كانت حكومية أو تابعة لجهات تخريبية، خاصية التعرف على الوجه وتتبع الموقع لمراقبة الحركات الجسدية للصحفيين و عناوين بروتوكولات الإنترنت. على الصعيد العالمي، أصبحت التكنولوجيا الجديدة أداة قوية لدى الجهات الفاعلة غير الخيرية والحكومات لتتبع حركة الصحفيين الجسدية. كما أن خدمات الإنترنت مثل الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي تجعل أنشطتها عرضة لمراقبة الجهات الحكومية والجهات الفاعلة ذات النوايا الخبيثة.

ثمة وقائع محددة ودراسات حالة عديدة توضح كيف تم اختراق قنوات الاتصال الرقمية لاعتراض الاتصالات وتتبع أنشطة مستخدمي الإنترنت، ما أدى إلى انتهاك الحرية الصحفية. على سبيل المثال، تتبعت شركة جوجل عناوين بروتوكولات الإنترنت لأحد نشطاء القرصنة من خلال خدمة البريد الإلكتروني لجوجل وسجلت محتوى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به بموجب طلب سلطات إنفاذ القانون الأمريكية. والمثال الآخر هو برنامج وكالة الأمن القومي الذي جمع واعترض بيانات المستندات والاتصالات الرقمية وأنشطة المستخدم من تسع شركات رقمية، بما في ذلك فيسبوك وجوجل وأبل ومايكروسوفت. وأخيرا، يعد الصحفي السعودي جمال خاشقجي مثالا بارزا آخر. فقبل شهرين من مقتله في السفارة السعودية بتركيا، تم التنصت على رسائل خاشقجي المشفرة من قبل حكومة المملكة العربية السعودية. يوضح هذا المثال كيف تُستخدم هجمات البرمجيات الخبيثة في مراقبة الصحفيين و تهديد سلامتهم الشخصية و إعاقتهم عن القيام بعملهم بطريقة مريحة.

يمكن أيضًا أن يُعزى تعرض الصحفيين للمراقبة الرقمية بشكل مباشر إلى حساسية المواضيع التي يغطونها. فمن المرجح جدًا أن يتم مراقبتهم عند تغطية القضايا المثيرة للجدل أو القضايا البارزة و الحساسة، بما في ذلك الإرهاب ووكالات الاستخبارات والجرائم المنظمة والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية والإجراءات الحكومية والأمن القومي والنزاعات الدينية. فعلى سبيل المثال، أفاد صحفيون في هونج كونج أن تغطيتهم لقضايا تتعلق بالسياسة الصينية قد يعرضهم للمراقبة عبر تطبيق وي تشات. تتأثر نقاط الضعف أيضًا بأنواع غرف الأخبار وتنسيقات الوسائط الإعلامية. يتوقف ذلك على الدعم المنهجي الذي توفره غرف الأخبار للصحفيين لحماية سلامتهم الرقمية، بما في ذلك قسم الأمن السيبراني الذي يقدم أدوات الأمن السيبراني والتدريبات اللازمة. أما العامل الثالث، فإنه يتوقف على الوضع الوظيفي للصحفي في غرفة الأخبار؛ على سبيل المثال، يعتبر الصحفيون أكثر عرضة للخطر مقارنة بأقرانهم من المحررين، حيث يتطلب عملهم المواجهة والاتصال المباشر بالمصادر السرية على عكس المحررين الذين يقومون بعملهم خلف الكواليس. في الوقت ذاته، يعد المراسلين الاستقصائيين أكثر عرضة للخطر من أقرانهم الآخرين من المراسلين نظرًا لتغطيتهم لقضايا بارزة و حساسة ومثيرة للجدل. وبمد الخط على استقامته، قد يعاني الصحفيون المستقلون والعاملون  منهم بدوام جزئي من تهديدات المراقبة الرقمية أكثر من أقرانهم الذين يعملون بدوام كامل بسبب نقص الحماية التي توفرها لهم المؤسسات الإخبارية. وأخيرًا، تؤثر المهارات الفنية للصحفيين أو كفاءتهم فيما يتعلق بمهارات الحوسبة أيضًا على استخدامهم لوسائل الحماية الرقمية. يصبح الصحفيون الفئة الأكثر احتمالا لاستخدام وسائل الحماية الرقمية طالما كانت لديهم المعرفة اللازمة للحوسبة نتيجة لوعيهم بعواقب وتهديدات المراقبة الجماعية للمدنيين. وفي هذا الصدد، قد يصبح الصحفيون قليلي المهارات الحاسوبية أكثر عرضة للخطر لما يفتقرونه من  الوعي والمعرفة بشأن طرق حماية سلامتهم الرقمية.

سلامة الصحفيين بين الترهيب والمضايقة والتهديد

  • مخاطر يواجهها الصحفيون في العالم الرقمي:الملاحقة والمضايقة السيبرانية والتهديد الجسدي

يواجه الصحفيون عبر الإنترنت أشكالاً مختلفة من الترهيب والمضايقة، مثل حملات التحرش عبر الإنترنت، والتشهير، والتصيد، وتشويه السمعة. في بعض الأحيان، يمكن اعتبار العنف عبر الإنترنت أقل خطورة مقارنة بالعنف الواقع خارجه. ومع ذلك، ترتبط المضايقات والعنف عبر الإنترنت بالتهديدات خارجه، بل يمكن أن تتنبأ بتهديد حقيقي أو تتحول إلى هجمات حقيقية خارج واقع الانترنت الافتراضي. على سبيل المثال، أثبتت دراسة استقصائية لعدد من الصحفيات أن 20% من المشاركات أبلغن عن إساءة معاملة أو هجمات مرتبطة بعنف سيبراني قد تعرضن لها. بالإضافة إلى ذلك، بما أن معظم الاتصالات الحديثة تتم عبر الإنترنت، فإن المضايقات عبر الإنترنت يمكن أن تؤثر بشكل هائل على ممارسة الصحفيين لحرية التعبير، لا سيما في حال قيامهم بممارسة الرقابة الذاتية في مواجهة ذلك. يواجه الصحفيون أشكالًا متنوعة من المضايقات والعنف التي تسهلها الاتصالات الرقمية، بما في ذلك التشهير أو مشاركة معلومات تحديد الهوية الشخصية عبر الإنترنت بما في ذلك العنوان والموقع والاسم، مما يشكل خطورة كبيرة على الصحفيين؛ إذ من شأنها تمكين المهاجمين المحتملين من تحديد مكانهم وإيذائهم. ومن ناحية أخرى، فإن التصيد أو إرسال أو نشر رسائل تحريضية أو مهينة لشخص ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على صحة وسلامة الصحفيين، حيث يمكن لحملات التشهير أيضًا أن تدمر سمعة الصحفي. إن مصدر القلق الأساسي لمثل هذه الهجمات على الصحفيين هو مستوى تخطيط أو تنسيق الجهات الفاعلة الخبيثة بهدف إيذاء الصحفي أو تشويه سمعته.

أمثلة

قضية رنا أيوب: تصاعدت المضايقات الوحشية التي تعرضت لها الصحفية الهندية رنا أيوب من التصيد عبر الإنترنت إلى الاضطهاد الذي احتل العناوين الرئيسية. وقد مُنعت من السفر إلى أوروبا للحديث عن تهديد الصحفيين. كانت رنا أيوب ناقدة حادة لحكومة ناريندرا مودي. كما عرّضتها تقاريرها للمضايقات من قبل الجماعات الهندوسية اليمينية المتطرفة. توضح هذه الحالة كيف تتعرض الصحفيات للمضايقات والاستهداف عن طريق العنف السيبراني. كما يوضح ذلك كيف كان يتعرّض الصحفيون في ظل حكم مودي للمضايقة وانتهاك الحقوق. 

مراسل آيرش تايمز: استهدفت حملة تشهير سيبرانية كيتي هولاند و دارا ماك بهدف تشويه السمعة. كان الصحفيان يقومان بتغطية حملة المهاجرين في أشتاون، عندما شهدا عملاً من أعمال العنف. وبعد نشر القصة، أصبحت هولند ضحية لحملة منظمة عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تم رصد مثل هذه الحالات بشكل بارز من قبل منظمة Mapping Media Freedom.

  • الآثار المروعة للتهديدات على الممارسات الصحفية وحرية التعبير

خلفت التهديدات والمضايقات التي يتعرض لها الصحفيون شعورًا بالترويع لدى زملائهم. وهذا ما يدفع بالأساس نحو الرقابة الذاتية أثناء الاستخدام اليومي لوسائل الإعلام، مما يؤثر سلبًا على حرية الصحفيين في التعبير وصحتهم و استقلاليتهم. يدرك الصحفيون أنهم قد يتعرضون أيضًا إلى التهديد أو المراقبة. وفي هذا النطاق، يعيش البعض منهم بيئة مهنية محفوفة بالمخاطر قد تجبرهم على ترك عملهم. وإلى جانب الحذر، فإنهم مطاردون بالقلق والبارانويا والصدمات والهلع الناجم عن المراقبة الرقمية، وتؤدي هذه المشاعر إلى تفاقم مشاكل صحتهم العقلية. لقد تغلغل الخوف من التعرض لمراقبة “الأخ الأكبر” في عمق الحياة الشخصية للصحفيين. فهم في افتراض دائم أن ثمة جهات فاعلة تتنصت عليهم أو تعترض اتصالاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم متورطون في شعور بالعجز والضعف وعدم امتلاك القدرة على السيطرة على حياتهم بسبب الاعتقاد بأنها تخضع للمراقبة المستمرة. يفيد تقرير مؤسسة الحقوق الرقمية (2017) أن المراقبة الرقمية تؤدي إلى مشاعر الخزي والخوف لدى الصحفيين. إن الافتقار لثقافة داعمة لمعالجة هذه القضايا يعني أنه يتعين على الصحفيين أن يواجهوا الهجمات السيبرانية والمراقبة الرقمية وحدهم، مما يؤدي إلى تفاقم وتدهور صحتهم العقلية.

أهمية حماية المصادر في الصحافة

أهمية حماية سرية المصادر

يشترط مؤيدو حماية المصادر السرية تمتع الصحفيين بامتياز قانوني راسخ لحمايتهم من الإكراه على الكشف عن معلومات سرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن حماية المصادر السرية تشكل أساس إعداد التقارير على النحو الأخلاقي. فعند موافقة الصحفيين على حماية هوية شخص ما، من المهم أن يبذلوا قصارى جهدهم للقيام بذلك، لا سيما في الظروف التي قد يتعرض فيها المصدر للأذى. تعد سرية المصادر الصحفية أمرًا أساسيًا لتمكين الصحفيين من التحقيق بشكل مناسب في القصص الإخبارية وحماية المبلغين عن الانتهاكات والأفراد المعنيين بتقديم المعلومات. تشكل الجهود المبذولة لفرض الكشف عن المصادر تأثيرًا مروعًا على حرية الإعلام وحرية التعبير، وتعيق حرية تداول المعلومات. أصبحت حماية المصادر أكثر أهمية في العصر الرقمي حيث يتم تبرير تقنيات المراقبة لأسباب تتعلق بالأمن القومي بينما الهدف الفعلي هو استهداف الصحفيين ومصادرهم السرية. وعليه، تعد حماية المصادر مبدأً بالغ الأهمية في الصحافة حيث تساعد الصحفيين على التواصل مع مصادرهم وتطوير الأفكار ومشاركتها، مما يضمن عدم دخول الصحفيين في الرقابة الذاتية. كما تتجلى أهميتها أيضًا في دعم مبادئ الخصوصية وضمان استخدام الصحفيين لأدوات إخفاء الهوية والتشفير لتأمين اتصالاتهم والحفاظ على سرية مصادرهم. علاوة على ذلك، تساعد حماية المصادر في الحفاظ على المصداقية والثقة وحرية تداول المعلومات لأنها تضمن السلامة والأمن الرقمي للصحفيين ومصادرهم.

دور المبلغين والمصادر المجهولة في كشف الفساد والانتهاكات

يلعب المبلغون عن الانتهاكات دورًا حاسمًا في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالفساد أو إساءة استخدام السلطة أو المخالفات المرتكبة. يعد الإبلاغ عن الانتهاكات من بين أكثر الطرق فعالية لكشف ومنع الفساد وغيره من أشكال سوء ممارسة المهنة. يمكن منع ارتكاب المخالفات إذا تقدم المزيد من الأشخاص لكشف القضايا لوسائل الإعلام أو لمنظماتهم. تعد قضية تشيلسي مانينج واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بالمبلغين عن انتهاكات حقوق الإنسان. ففي عام 2010، أطلق المحلل الاستخباراتي للجيش الأمريكي مانينج أكبر سلسلة من الوثائق السرية في تاريخ الولايات المتحدة، والتي نشرتها بشكل رئيسي ويكيليكس. تضمنت الوثائق أوراقًا تصف الانتهاكات وتعذيب السجناء والاحتجاز وغيرها من الانتهاكات، مما أثار جدلا بشأن دور التكنولوجيا والشفافية والأخلاق داخل الجيش الأمريكي. وقد أدين بانتهاك قانون التجسس، وحُكم عليه بالسجن لمدة 35 عامًا قبل أن يمنحه الرئيس أوباما الرأفة في أيامه الأخيرة كرئيس. وقد واصل الدفاع عن حقوق العابرين جنسيًا و عن حرية المعلومات كما قدم مساهمات كبيرة ومعلومات تهدف للمصلحة العامة. وبالإضافة إلى ذلك، يعزو الفضل لظهور بعض القصص الإخبارية الرئيسية للمبلغين عن الانتهاكات. عادةً ما تخدم مثل هذه القصص سلامة المجتمع و المصلحة العامة من خلال الكشف عن الانتهاكات أو سوء ممارسات المهنة. ومن الأمثلة على ذلك قضية “طبيب الموت” في كوينزلاند حيث كشف توني هوفمان، مدير وحدة تمريض العناية المركزة، في عام 2005، أن الجراح جايانت إم باتيل قد تورط في مخالفات على إثر فضيحة هزت حكومة كوينزلاند، مما أدى إلى تشكيل لجنة تحقيق رئيسية، وتصدر الواقعة عناوين الصحف الدولية. تم ربط باتيل في النهاية بوفاة 80 شخصًا في مستشفى بوندابيرج بيس، ولم تكن الصورة الكاملة للقضايا لتظهر لولا الإبلاغ عن الانتهاكات. 

آليات وممارسات حماية سرية المصادر

هناك حاجة إلى دعم تشريعات لصالح المبلغين عن الانتهاكات تدعمها جهود التدريب والتقييم والتوعية الفعالة للصحفيين فيما يتعلق بأفضل ممارسات الأمن الرقمي والحفاظ على الخصوصية. يجب على الدول أن تعمل بنشاط على تعزيز برامج الإبلاغ عن المخالفات في الشركات المملوكة للدولة والوكالات الحكومية. وبالمثل، ينبغي تطوير المعرفة بالحقوق الرقمية في غرف الأخبار. يستلزم ذلك الانخراط في التدريب لخلق الوعي بما ينبغي أن يتوقعه الصحفيون وما يشكل إساءة: التحرش عبر الإنترنت والتشهير والتصيد وما إلى ذلك. وبما أن الإساءة ديناميكية (بمعنى أنها تتطور بسرعة)، فمن المهم عقد اجتماعات منتظمة للتحدث حول قضايا التحرش عبر الإنترنت. يحدد الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين العديد من أدوات وتقنيات الاتصال الآمنة التي يمكن للصحفيين استخدامها لحماية بياناتهم واتصالاتهم مع وجود تطبيقات مراسلة آمنة، وخدمات بريد إلكتروني واتصالات مشفرة. تعد التطبيقات المشفرة بالكامل من أولى أدوات وتقنيات الاتصال الآمن. على سبيل المثال، يمكن للتطبيق “سيجنال” أن يساعد في تأمين الرسائل والمكالمات بين الصحفيين والمحررين ومصادرهم. كما يجب تأمين تخزين الملفات وتشفير مشاركتها. وللمزيد من الحماية، يمكن استخدام برنامج فيرا كريبت، وهو برنامج مفتوح المصدر، للتأكد من أن المتسللين الذين يصلون إلى القرص الصلب يجب عليهم الدخول إلى مجلد محصن للغاية للوصول إلى المعلومات الأكثر حساسية.

بالنسبة للتخزين السحابي، تعد البرامج المستخدمة لتشفير الملفات محليًا على الأجهزة قبل تحميلها على الخوادم السحابية من أهم المميزات للتخزين الآمن. تقدم العديد من الخدمات تشفيرًا محليًا قبل التحميل، بما في ذلك خدمات جانجل ديسك Jungle Disk و سبايدر أوك SpiderOak و تريزوريت Tresorit ونظم الملفات المشفرة كي بيز Keybase. علاوة على ذلك، بالنسبة للمراسلين الذين يستخدمون العديد من قواعد البيانات والخدمات عبر الإنترنت، قد يصبح من الصعب الحفاظ على كلمات مرور محدثة لا يتم إعادة استخدامها عبر الخدمات المختلفة. يوصى باستخدام برنامج إدارة كلمات السر/المرور المشفر لإنشاء وتحديث وتخزين كلمات المرور السرية للصحفيين. تشمل الأدوات المهمة لإدارة كلمات المرور برنامج كي باس إكس سي KeePassXC، وهو برنامج مجاني ومفتوح المصدر يتم صيانته جيدًا، وبرنامج لاست باس Lastpass. في نفس الوقت، ينبغي الإشارة إلى أن حتى كلمات المرور المدارة على أكمل وجه تتطلب استخدامها، جنبًا إلى جنب، مع المصادقة الثنائية أثناء تسجيل الدخول إلى الخدمات السيبرانية مثل الفيسبوك وتويتر والبريد الإلكتروني والحسابات المصرفية. 

وأخيرا، فإن بناء الشراكات والشبكات أمر شديد الأهمية للدعم والتضامن. توفر الشبكات التعاونية والشراكات بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية صوتًا تعاونيًا وقويًا لكشف الانتهاكات وتعزيز التواصل الذي يتيح التوجيه والإرشاد وتعزيز المهارات وتبادل المعرفة. وعليه، ينبغي على الصحفيين الانضمام إلى الجمعيات والمنظمات المهنية التي تدافع عن حرية الصحافة والحقوق الرقمية. فهذه الجمعيات من شأنها أن تلعب دورًا محوريًا؛ إذ توفر هذه الروابط منصات لتبادل الخبرات والمعرفة والموارد داخل مجتمع الصحافة لمعالجة التحديات المشتركة التي يواجهها الصحفيون. على سبيل المثال، أقامت شبكتى Bureau Local و ‘L’Italia Delle Slot شراكة مع المنظمات والأفراد المتضررين من القضايا التي يغطونها، بينما يسعى صحفيو Lännen Media إلى تغطية جاذبة على نطاق أوسع لا تحابي مناطق معينة.

خاتمة

تشكل المراقبة الرقمية تحديات مختلفة للسلامة الشخصية للصحفيين، كما تقيد حرية التعبير، وتنتهك الخصوصية، وتعيق حرية تداول المعلومات، مما يفضي إلى الرقابة الذاتية على غرف الأخبار والصحفيين. كما أنها أدت إلى عواقب مختلفة، بما في ذلك انتهاك الحقوق المدنية والديمقراطية السياسية، وتقليص مساحات الحرية. لا يزال هناك مستويات متدنية من  الوعي بالسلامة الرقمية واستخدام وسائل وتدابير الحماية الرقمية اللازمة. وبالتالي، تصبح حماية الحرية الصحفية في عصر المراقبة الرقمية أمرًا شديد الأهمية لحماية مصادر المعلومات وضمان سلامة الأخبار المقدمة. ومن المهم أيضًا دعم عملية الإبلاغ عن الانتهاكات وحماية المصادر التي تقدم المعلومات ذات الصلة. ولتحقيق هذه الغاية، يمكن الاستعانة بالتدريب والتوعية والشراكات والتعاون، فذلك من شأنه تزويد الصحفيين بالموارد والمعرفة اللازمة للعيش والتنقل في بيئة المراقبة السيبرانية الصعبة.

يعد إجراء المزيد من الأبحاث حول تأثير التكنولوجيا على الإبلاغ عن الانتهاكات لوسائل الإعلام مجالًا حيويًا للدراسة يمكن أن يساعد في حماية حرية تداول المعلومات بين مصادر المعلومات الصحفية الهامة. وينبغي أن تسعى تغييرات السياسات إلى تضمين أطر حماية المبلغين عن الانتهاكات لتشجيع التقارير الحرة ذات الثقة وتحفيز حرية الصحافة في العصر الرقمي.