السياقات التشريعية لإقرار قوانين الإنترنت

تقرؤون

قانون مكافحة جرائم الإرهاب

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

قانون تنظيم الصحافة والإعلام

مقدمة

مع تسارع وتيرة إصدار القوانين المرتبطة بالحقوق والحريات على الإنترنت، والقوانين المتعلقة بتكنولوجيا الاتصالات بشكل عام، تزداد الأسئلة حول الأسباب والدوافع المرتبطة بإقرار بعض هذه التشريعات. بالإضافة إلى أسئلة أخرى حول توقيت إصدارها، والمشاركين في صناعتها، وارتباط هذه القواعد ببعضها والتأثيرات المترتبة عليها. تسعى هذه الورقة إلى الإجابة على هذه الأسئلة، بهدف فهم التطورات التشريعية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة وتأثيرها على أوضاع الحقوق والحريات. كما أن الإجابة على هذه الأسئلة قد يساهم في فهم طبيعة التغيرات التشريعية. فمع مرور الوقت نصبح أمام نصوص صماء،  يصعب قرائتها أو فهمها بشكل منفصل عن الواقع المرتبط بإقرارها، والظروف والملابسات المتعلقة بإصدارها. معرفة سياقات إقرار تلك القوانين أمر ضروري لفهم رغبة المُشرِّع، كما أنه قد يساعد إذا ما أتيحت الفرصة لطرح بدائل لهذه القواعد، ويساهم في تفسير بعض النصوص التي حملت صياغات غامضة يترتب عليها صعوبات عملية أثناء تطبيقها.

تشير هذه الورقة إلى بعض الملامح العامة المرتبطة بالقوانين ذات الصلة بالحقوق والحريات على الإنترنت، دون التطرق للقراءات التفسيرية لهذه النصوص، ولكن من خلال التطرق لمساحات مختلفة تمر ما بين السياقات المرتبطة بالقوانين. كما تهدف الورقة إلى استعراض ثلاثة نماذج مختلفة للقوانين التي صدرت في الفترة من 2015 حتى 2020، والتي يمكن خلالها رصد التطور في الحالة التشريعية للقوانين المرتبطة أو التي تتماس مع الحقوق والحريات على الإنترنت. تتضمن الورقة نموذج للقوانين ذات الطابع الاستثنائي مثل قانون مكافحة جرائم الإرهاب، رقم 94 لسنة 2015، وقانون آخر يتضمن بعض القواعد العقابية والإجرائية المستقرة مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، رقم 175 لسنة 2018، وأخيرًا قانون تنظيم الصحافة والإعلام، رقم 180 لسنة 2018، والذي  يغلب عليه الطابع التنظيمي بشكل أساسي.

قانون مكافحة جرائم الإرهاب

السياق العام لإصدار قانون مكافحة جرائم الإرهاب

لم يكن صدور قانون مكافحة الإرهاب أمرًا يسيرًا، حيث استمر النقاش حول إصدار القانون سنوات طويلة. كانت هناك دومًا صعوبات تتعلق بتعريف الجريمة الإرهابية وطبيعتها، وتمييزها عن غيرها من الجرائم التقليدية. لكن السلطات المصرية قامت بتمرير القانون عقب مقتل النائب العام المصري في نهاية شهر يونيو 2019 وعقب تصريح رئيس الجمهورية بأن “يد العدالة مغلولة بالقوانين”. حيث صرّح الرئيس أنه يجب تعديل القوانين لمجابهة التطورات التي تحدث وبما يحقق تنفيذ العدالة الناجزة “في أسرع وقت”. تلى تلك التصريحات قرار رئيس الجمهورية بإصدار قانون مكافحة الإرهاب في غيبة مجلس النواب المصري1، حيث لم تستجب السلطة التنفيذية للمناشدات المتعلقة بالتمهل عن إصدار القانون لحين تشكيل البرلمان، والذي كان يفصل بين بدء جلساته وصدور القانون ما يقل عن أربعة أشهر.

أثار قانون مكافحة جرائم الإرهاب موجة انتقادات واسعة، حيث أصدرت عدد من منظمات حقوق الإنسان المصرية بيانات تعرب فيها عن رفضها لما جاء بالقانون. وصفت المنظمات القانون بأنه “صفعة جديدة للدستور ويهدم دولة القانون ويرسخ لحالة الطوارئ غير المعلنة التي يكرسها تحت ذريعة حماية المجتمع والوحدة الوطنية ومنع ترويج أفكار داعية للعنف”. أدانت المنظمات أيضًا توسع القانون في دائرة التجريم “باستخدام تعريفات غير دقيقة، أو بإضافة أفعال غير محددة”، كما اعتبرت أن القانون يشجع القائمين على إنفاذه على استخدام القوة المميتة والقاتلة، بل ويضمن إفلاتهم من العقاب2. لم يتوقف الأمر على الاعتراضات التي أبدتها منظمات حقوق الإنسان، بل امتدت إلى قطاعات أخرى من بينها نقابة الصحفيين المصرية. أصدرت النقابة بيانًا أدانت من خلاله مشروع القانون، وأكدت فيه على “رفضها المطلق للقيود الجديدة التي جاء مشروع قانون مكافحة الإرهاب ليضعها على الصحافة وحريتها، في مخالفة واضحة لنصوص الدستور المصري”. واعتبرت النقابة أن القانون جاء “ليعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها”3. كما طالب المجلس الأعلى للقضاء الحكومة المصرية بإعادة النظر في عدد من نصوص مشروع قانون مكافحة الإرهاب قبل إقراره، رغم موافقته على أغلب ما جاء بمشروع القانون، حيث عبر المجلس عن مخاوفه من تخصيص محاكم الإرهاب لبعض القضايا مُعتبرًا أنه من الممكن أن تنظر فيها محاكم الجنايات العادية.

استجابت الحكومة المصرية بشكل نسبي لهذه المطالبات، حيث استبدلت عقوبة الحبس المنصوص عليها في المادة 35 بغرامة مالية تصل إلى خمسمائة ألف جنيه. لكن ردت السلطات المصرية على باقي الانتقادات بمبررات تتعلق بأن القانون يأتي في الوقت الذي تواجه فيه مصر موجة غير مسبوقة من الإرهاب والعنف الذي أدى إلى استهداف وقتل عدد من المدنيين الأبرياء وكذا أفراد الجيش والشرطة، وأن من ضمن أهداف القانون تبسيط الإجراءات لتسريع عملية تحقيق العدالة. كما أشارت السلطات المصرية إلى أن هذا القانون لا ينشئ محاكم خاصة للنظر في الجرائم المتصلة بالإرهاب، ولكنه يقوم بإنشاء دوائر خاصة في إطار المحاكم العادية (محاكم الجنايات والمحاكم الابتدائية) التي يرأسها قضاة طبيعيون، وهو السبيل الأكثر كفاءة وفعالية في التعامل مع العدد الكبير من القضايا المنظورة أمام القضاء. كما اعتبرت السلطات المصرية أن هذا لا يؤثر علي حقوق المتهمين، وضمانات المحاكمة العادلة لهم، وكذلك حقهم في نقض الأحكام4. وفيما يتعلق باستخدام رئيس الجمهورية لسلطته التشريعية الاستثنائية، ردت وزارة الخارجية المصرية بأن البرلمان الجديد فور انتخابه سيقوم بمراجعة كافة القوانين التي أصدرها السيد الرئيس، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب الجديد.5

خضع قانون مكافحة الإرهاب لعدد من التعديلات المتلاحقة، كان آخرها في شهر نوفمبر من عام 2021. أضافت التعديلات الأخيرة للقانون مادتين جديدتين؛ المادة الأولى تحظر تسجيل أو تصوير أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، والمادة الثانية تعطي لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قرارًا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام. جائت هذه التعديلات بعد إعلان انتهاء حالة الطوارئ في أكتوبر 2021.

تأثير صياغات قانون مكافحة الإرهاب على الحقوق والحريات على الإنترنت

أ- تنظيم الحجب لأول مرة كأداة قانونية استثنائية في قانون مكافحة الإرهاب 

تضمن قانون مكافحة الإرهاب العديد من القواعد ذات الطابع الاستثنائي، من بينها قواعد حجب روابط المواقع والصفحات الإلكترونية6. بهذا يكون إقرار الحجب لأول مرة في التشريعات المصرية، قد أتى من خلال قانون استثنائي بطبيعة الحال. انعكس هذا الأمر بالضرورة على الصياغات المُنظمِّة للحجب، حيث اعطي القانون، عن طريق المادة 49، صلاحية للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، لوقف المواقع، أو حجبها، أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام، كل موقع على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها، وذلك إذا كان الموقع، أنشأ بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة في شأن أية جريمة إرهابية، أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو المعلومات المتعلقة بأعمال أو تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج7. لا يتضح من صياغة نص المادة 49الإجراءات الواجب اتباعها لاتخاذ قرار الحجب، حيث تتضمن المادة عدد من التدابير الاحترازية المؤقتة التي يمكن أن تتخذها النيابة العامة بشكل مؤقت مثل الأمر بغلق المساكن وضبط الأمتعة والأثاث، ويكون قرار النيابة في هذه الحالة مؤقتًا لحين الفصل في الدعوى بشكل نهائي، بينما جائت الفقرة الأخيرة من نص المادة 49 دون ذكر لطبيعة قرار وقف أو حجب الموقع، وما إذا كان قرارًا دائمًا أو مؤقتًا ومدى ارتباط القرار بالفصل في الدعوى، وما هي إجراءات الطعن على القرار.

لم تكن القواعد الاستثنائية التي تم النص عليها بقانون مكافحة الإرهاب كافية لتطبيق عملية الحجب على نطاق واسع. فخلال الأعوام الأربعة الأخيرة تزايدت الممارسات المتعلقة بحجب المحتوى، ولم تعلن أي جهة رسمية مسئوليتها عن هذه الممارسات.  يعني هذا أن تلك الممارسات تمت خارج الأطر القانونية، حيث لم يكن هناك قرار معلن يمكن من خلاله قراءة مدى قانونية هذه الممارسات أو الرقابة على مدى مشروعيتها. هذا النمط الشائع من الممارسات يهدف في الغالب إلى ترسيخ إجراءات غير قانونية بهدف الاعتياد عليها، ومن ثم تقبل تقنين هذه الممارسات من خلال إقرار قواعد قانونية غير دستورية.

مع مرور الوقت، أصبح الحجب أمر طبيعي يواجهه المستخدمون بشكل يومي. ومن هنا صدرت عدد من التشريعات الأساسية واللوائح التنفيذية، ليكون تنظيم عملية الحجب وتصفية المحتوى جزءًا أساسيًا من هذه القوانين واللوائح. استطاعت السلطات تقنين الممارسات، التي بدأت في عام2017، عبر دمج القواعد الاستثنائية المنصوص عليها بقانون مكافحة الإرهاب مع قواعد دائمة  في العديد من التشريعات، خاصة التشريعات التي صدرت في عام 2018، فتم تضمين الحجب في تشريعات تنظيمية  مثل قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وقوانين جزائية مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

ب- تجريم إدارة أو إنشاء المواقع والحسابات الإلكترونية والدخول غير المشروع على المواقع الإلكترونية الحكومية 

من بين الجرائم التي استحدثها قانون مكافحة الإرهاب ما يعرف بجريمة “إدارة أو إنشاء المواقع الإلكترونية”، والتي تم النص عليها لأول مرة في المادة 29 من القانون. يجرِّم نص المادة إنشاء أو استخدم المواقع الإلكترونية بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة في شأن أية جريمة إرهابية. أسس هذا النص لجرائم تم النص عليها لاحقًا  لأول مرة بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مثل جريمة إدارة الحسابات والمواقع بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا، وجرائم الدخول غير المشروع على المواقع الإلكترونية الحكومية. كما انتقلت الصياغات السيئة لقانون مكافحة الإرهاب إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، من حيث غموض المصطلحات وعدم تعريف الجرائم بشكل يمكن تميزه. بالإضافة إلى ما سبق، فقد أدى التوسع في صور التجريم إلى خلق ازدواج تشريعي، فأصبح من الممكن أن يُعاقَّب فعل واحد بأكثر من قانون، ويساعد في ذلك صعوبة تعريف الجريمة الإرهابية أو الجرائم العادية التي تُرتكَّب لغرض إرهابي.

ج- حظر استخدام وسائل الاتصال كعقوبة تكميلية

يحق للمحكمة التي تنظر أحد المحاكمات في الجرائم المرتبطة بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب أن توقع عقوبة تكميلية إضافية إذا ما ارتأت ضرورة لذلك. فتضمنت المادة 37 من قانون مكافحة الإرهاب، لأول مرة، عقوبة تكميلية مفادها “حظر استخدام وسائل اتصال معينة أو المنع من حيازتها أو إحرازها”. يمكن تطبيق هذه العقوبة لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، وتمتلك المحكمة سلطة تقديرية كبيرة في تطبيق عقوبة حظر استخدام وسائل الاتصال وكذلك في تحديد مدة تطبيق العقوبة. ولهذه العقوبة أثر بالغ، حيث أن نص العقوبة شديد العمومية لدرجة قد تسمح بحظر حيازة الهاتف المحمول، أو استخدام البريد الإلكتروني أو الولوج لأي نظام معلوماتي، وهو أمر لا يمكن تصوره في ظل الدور الكبير الذي تلعبه التكنولوجيا في جميع شؤون الحياة، حيث أن ممارسة أي وظيفة أو الحصول على أي خدمات حكومية يستلزم بالضرورة استخدام وسائل الاتصال.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

السياق العام لإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

تأتي أغلب الحقوق المرتبطة بحرية الإنترنت في سياقات مختلفة بالدستور المصري. فتناول الدستور المصري، الصادر في عام 2014، من خلال المادة 57 العديد من الجوانب المتعلقة بالحق في استخدام وسائل الاتصال العامة وما قد يرتبط بها من حقوق وحريات لازمة لضمان هذا الحق، وخاصة الضمانات المتعلقة بخصوصية مستخدمي وسائل الاتصال والضمانات المتعلقة بالإجراءات الواجب اتباعاها أثناء تفتيش الأفراد والمنازل، وعلاقتها بحرمة الحياة الخاصة وما يرتبط بذلك من ضوابط وإجراءات من جانب آخر، بالإضافة إلى وجود نص خاص يتعلق بسبل التعويض والإنصاف عن الضرر المترتب على الاعتداء على الحياة الخاصة.

يتضح من صياغة نص المادة 57 من الدستور المصري وجود ارتباط وثيق بين حرية الاتصال والحق في خصوصية المستخدمين. إلا أن النص الخاص بحماية الحياة الخاصة كان قاطعًا، دون ذكر لاستثناءات أو الحاجة إلى الإحالة إلى القانون لوضع تفصيلات تنظيمية. يعني هذا أنه لا يوجد مجال للمُشرِّع البرلماني بالتدخل لوضع ضوابط تشريعية يمكن من خلالها وضع قيود على هذا الحق. تقف صلاحية المُشرِّع البرلماني عند حد وضع نصوص قانونية تراعي حماية الحياة الخاصة، تفعيلًا لنص المادة 57 من الدستور. كما لم يتضمن نص المادة ما يسمح بالخروج عن هذه القاعدة، إلا في حالة تنفيذ الأوامر القضائية، والتي أيضًا خضعت لضوابط زمنية ومبررات يجب أن تكون واضحة. بينما نصت الفقرة الثانية من ذات المادة على أن  الدولة تلتزم “بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك”. يتضح من ذلك أن نص المادة يسمح للمُشرِّع البرلماني بوضع ضوابط تتعلق بتنظيم عملية تعطيل أو وقف وسائل الاتصال، ولكن لم  يضع سوى قيد واحد للمُشرِّع، وهو ألا يكون وقف أو تعطيل الاتصالات بشكل تعسفي. تضمن أيضًا الدستور المصري إشارة تتعلق بعملية التفتيش وعلاقتها بحرمة الحياة الخاصة. تمت هذه الإشارة في موضعين مختلفين؛ الموضع الأول يتعلق بتفتيش الأفراد، والآخر يتعلق بتفتيش المنازل. بجانب الضمانات المتعلقة بالحق في استخدام وسائل الاتصال وعدم جواز التعسف في تعطيل هذا الحق أو حرمان الأشخاص من استخدامها، فقد تضمن الدستور العديد من النصوص ذات الصلة بهذا الحق، مثل حرية التعبير والنشر واستخدام وسائل الإعلام الرقمية بكافة أشكالها، وعدم جواز تقييد هذه الحقوق.

استمرت المحاولات التشريعية لإصدار قانون “الجريمة الإلكترونية”، عقب صدور الدستور، لقرابة ثلاثة أعوام. انتهت هذه المحاولات في عام 2018 بصدور قانون “مكافحة جرائم تقنية المعلومات”. حاولت السلطة التنفيذية خلال تلك المحاولات الوصول إلى مقترح لقانون الجريمة الإلكترونية، فصدرت ثلاث مسودات عن وزارات مختلفة، من بينها وزارة العدل ووزارة الاتصالات. واجهت هذه المسودات أزمات عديدة تتعلق بعدم وضوح الفلسفة التشريعية التي بنى عليها مشروع القانون. يتضح هذا الأمر من خلال محاولة التوسع في صور التجريم دون مبرر أو حاجة، وذلك للخلط الدائم بين وجود جرائم استحدثها التطور التكنولوجي، وبين الأبعاد الجديدة للجرائم التقليدية المنصوص عليها في القوانين العقابية المختلفة وتطور الوسائل التي تتم من خلالها الجرائم. بالإضافة إلى عدم وضوح ودقة المصطلحات التقنية التي وردت بالمسودات المختلفة للقانون، وعدم وضوح المقاصد التشريعية لعدد من نصوص القانون.

قرر مجلس الوزراء، في بداية عام 2015، تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات برئاسة أحد وزراء العدل السابقين مع تمثيل عدد من الجهات الأمنية. في مارس 2015  ناقشت الحكومة المسودة الأولى التي طُرحّت من وزارة العدل. مناقشة هذه المسودة لم تكتمل لأسباب غير مفهومة. وفي مايو 2016  تقدمت لجنة الدفاع والأمن القومي بمقترح آخر مكون من 29 مادة. لم يختلف هذا المقترح كثيرًا عن مشروع القانون الذي عملت عليه الحكومة خلال السنوات السابقة، وذلك لتأخر الحكومة في طرح مسودة القانون. صرّح حينها النائب تامر الشهاوي، أحد نواب لجنة الدفاع والأمن القومي، أن فلسفة وأهداف القانون تأتي في إطار “المهمة المنوط بها مجلس النواب، كونه السلطة التشريعية، وارتباطا بالتهديدات المتلاحقة للأمن القومي المصري في كافة دوائره المحلي والإقليمي والدولي، ونظرًا لتغير طبيعة التهديدات خلال السنوات الأخيرة واعتمادها على التقنيات الحديثة والفضاء الإلكتروني والمعلوماتي، أصبح من الضرورة وضع الأطر والتشريعات القانونية، التي تكفل حماية كل ما يهدد الدولة في هذا الشأن”.

في سبتمبر 2016،  وافقت اللجنة العليا للإصلاح التشريعي على مشروع قانون جديد بشأن جرائم تقنية المعلومات، وفى مقدمتها الجرائم المتعلقة بالإرهاب. تضمن المقترح الذي تم إرساله إلى مجلس الوزراء 59 مادة. نصت المواد على معاقبة كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا أو بريدًا إلكترونيًا، بغرض إنشاء كيان أو عصابة إرهابية، أو الترويج لأفكارها، أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو المعلومات المتعلقة بأعمال تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج، وكذلك إتاحة أو نشر بيانات أو معلومات أو تحركات القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، أو عن أي من العاملين بهذه الجهات، أو الأعضاء بأي سلطات الدولة، بغرض ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب.

الأهداف المتعلقة بإقرار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

بصدور المسودة الأخيرة من مشروع القانون، حاول المُشرِّع أن يتفادى الإشكاليات التي وقعت فيها المسودات السابقة. وجاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي8، أن الفلسفة والهدف من مشروع القانون هو الآتي:

  • مكافحة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات وتقنيات المعلومات، وما يرتبط بها من جرائم، مع التزام الدقة في تحديد الأفعال المعاقب عليها، وتجنب التعبيرات الغامضة بوضع تعاريف دقيقة لها، وتحديد عناصر الأفعال المجرَّمة بكثير من العناية، ومع مراعاة الاعتبارات الشخصية للمجنى عليهم.
  •  ضبط الأحكام الخاصة بجمع الأدلة الإلكترونية وتحديد حجيتها في الإثبات.
  •  وضع القواعد والأحكام والتدابير اللازم اتباعها من قبل مقدمي الخدمة لتأمين خدمة تزويد المستخدمين بخدمات التواصل بواسطة تقنية المعلومات، وتحديد التزاماتهم في هذا الشأن.
  •  حماية البيانات والمعلومات الحكومية، والأنظمة والشبكات المعلوماتية الخاصة بالدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، من الاعتراض أو الاختراق أو العبث بها، أو إتلافها، أو تعطيلها بأي صورة كانت.
  •  حماية البيانات والمعلومات الشخصية، من استغلالها استغلالًا يسيء إلى أصحابها، وخاصة في ظل عدم كفاية النصوص التجريمية التقليدية المتعلقة بحماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة في مواجهة التهديدات والمخاطر المستحدثة باستخدام تقنية المعلومات.
  •  وضع تنظيم إجرائي دقيق ينظم إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة المتعلقة، بالإضافة إلى تحديد حالات التصالح وإجراءاته وتنظيم عمل الخبراء المتخصصين العاملين في مجال جرائم مكافحة تقنية المعلومات، والقرارات والأوامر الجنائية المتعلقة بتنفيذ أحكام القانون.

يتضح  من المذكرة الإيضاحية والتقرير البرلماني المشترك، أن كلًا منهما أكد على أن الهدف الأساسي من القانون هو “حماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة”.  ورغم ذلك، فإن القانون في صورته الأخيرة قد صدر معيبًا، ومحملًا بعيوب موضوعية وإجرائية، تنتقص بشكل مباشر من الضمانات التي نص عليها الدستور المصري.

تأثير صياغات قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على الحقوق والحريات على الإنترنت

يُعتبّر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بصورته الأخيرة، القانون الرئيسي الذي ينظم مساحة التجريم والعقاب لكل ما يرتبط بالأجهزة والشبكات. وهو تنظيم قانوني موازي، بشكل أو بآخر،  لقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، مع إضفاء تعديلات بسيطة ذات طابع رقمي، ولكن مع صياغات أقل وضوحًا. يحتوي القانون على ثلاثة أقسام رئيسية يوجد بينها رابط عضوي، حيث يكمل كل منهم الآخر، ولكن لكل قسم منهم تأثير مختلف على أوضاع الحقوق والحريات على الإنترنت، لذا يمكن سرده في نطاق مختلف.

القسم الأول يتضمن القواعد ذات الطابع الإجرائي، يحاول المُشرِّع من خلال هذا القسم أن يضع عدد من القواعد الإجرائية المستقلة والتي تضمن أن يُطبّق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بشكل ذاتي، دون الحاجة إلى تطبيق القواعد الإجرائية العامة المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجنائية المصري. يشمل هذا القسم قواعد البحث والنفاذ للأجهزة والشبكات والأنظمة المعلوماتية المختلفة، وتحديد الفئات الوظيفية التي تتمتع بصفة الضبطية القضائية لتنفيذ هذه الإجراءات. كما يتضمن هذا القسم قيودًا جديدة تتعلق  بالتبعات الإجرائية التي ترتبط بالتحقيق في إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون، مثل المنع من السفر. واستحدث القانون لأول مرة تنظيمًا إجرائيًا لحجب المواقع والصفحات، وتدابير إلزامية تُطبّق على كافة مقدمي الخدمة وتتمثل في إلزامهم بجمع والاحتفاظ ببيانات المستخدمين. هذا بجانب بعض التفصيلات المحدودة عن دور الخبراء والدليل الجنائي الرقمي في القضايا المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. بشكل عام، تفتقد أغلب الإجراءات بالقانون إلى عناصر هامة ترتبط بحدود مشروعية ممارسة هذه الإجراءات وكذلك الأثر المترتب على عدم التقيد بها من بطلان. كما أحال القانون بعض القواعد ذات الطابع الجوهري إلى اللائحة التنفيذية، والتي تختص السلطة التنفيذية بإصدارها، وهو ما يعطي للسلطة التنفيذية بعض الصلاحيات التشريعية غير الخاضعة لمراجعة المُشرِّع. من بين هذه القواعد، الضوابط المتعلقة بتعيين واختيار الخبراء المختصون، والذي يمنحهم القانون صلاحية في جمع وتوثيق الأدلة الرقمية وإصدار التقارير الفنية ذات الصلة بقضايا تقنية المعلومات.

القسم الثاني يتضمن صور الجرائم التي يمكن ارتكابها عبر الأجهزة أو الشبكات أو الأنظمة المعلوماتية، مثل الجرائم المتعلقة بالاعتداء على البطاقات البنكية، وجرائم الاعتداء على الحياة الخاصة، والجرائم التي يمكن أن تحدث على أي نظام معلوماتي مملوك لفرد أو مملوك ويدار لصالح الدولة،  مثل أختراق بريد أو موقع إلكتروني. بشكل عام، فإن السمة الغالبة على الجرائم هي أنها مستنسخة بشكل كبير من الجرائم التقليدية التي تم ذكرها بقوانين جزائية مختلفة، وأن المُشرِّع يتعامل مع الوسيلة التي يتم بواسطتها ارتكاب الجريمة على أنها صور جديدة من الجرائم استحدثها التطور التكنولوجي وهو أمر غير صحيح. يتوسع القانون أيضًا بشكل كبير في التعريفات والأركان المرتبطة بالجرائم، حيث يصعب فهم أو تمييز المصطلحات المختلفة، كما أن الجرائم تضع قيودًا كبيرة على مديري الصفحات ووسائل الإعلام والشركات التقنية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مما قد يعرضهم لعقوبات سالبة للحرية أو غرامات باهظة.

القسم الثالث يتضمن العقوبات، وتصل العقوبات إلى الحبس 3 سنوات وغرامات مالية تتجاوز 500 ألف جنيه مصري. يضع القانون بعض الحالات التي قد تشدد فيها العقوبات لتصل إلى السجن ولكن لم يعتمد المُشرِّع على ضوابط واضحة لهذا التشديد فاكتفى أن تكون الجريمة قد ارتُكبّت بغرض “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الإضرار بالأمن القومى للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي”. تلك العبارات شديدة النسبية ولا يمكن تحديدها بشكل ثابت. تضمن القانون أيضًا عدد من العقوبات التبعية مثل عزل الموظف العام إذا أرتكب أحد الجرائم المنصوص عليها بقانون العقوبات وكانت هذه الجريمة مرتبطة بوظيفته.

 قانون تنظيم الصحافة والإعلام 

السياق العام لقانون تنظيم الصحافة والإعلام 

وضع الدستور المصري الصادر في عام 2014 الملامح العامة المتعلقة بتنظيم وسائل الإعلام بكافة صورها. يكفل الدستور حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام، كما يكفل الحق في إصدار الصحف بمجرد الإخطار، وأحال إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية إلى القانون. كما يحظر الدستور توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، بشكل عام، واستثناء من هذا الأصل، أجاز الدستور تطبيق عقوبات في حالة أن يترتب على عملية النشر التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد. كما اقر الدستور المصري أطر تنظيمية جديدة، استحدث من خلالها هياكل إدارية وتنظيمية لثلاث هيئات رئيسية معنية بكل ما يتعلق بالإعلام والصحافة بصورهم المُختلفة. قسم الدستور الأدوار التنظيمية وعهد بها إلى ثلاث هيئات مستقلة “المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام، الهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة”. أقتصر دور الهيئتين الوطنيتين على إدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة، بينما بُسطّت يد المجلس الأعلى للإعلام في تنظيم كل ما يتعلق بوسائل الإعلام بكافة أشكالها.9

عقب إصدار الدستور تم تشكيل “اللجنة الوطنية للإعلام “، المنبثقة من اللجنة الوطنية العليا المكلفة بوضع التشريعات الإعلامية في مصر «لجنة الخمسين»، والتي تم تشكيلها من المؤسسات الإعلامية والصحفية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، بجانب لجنة حكومية مكونة من 8 وزراء. تولت اللجنة الوطنية للإعلام مهمة وضع مشروع قانون “الإعلام الموحد”، وضمت في عضويتها ممثلين للمجلس الأعلى للصحافة، ونقابة الصحفيين، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، ونقابة الإعلاميين “تحت التأسيس”، والنقابة العامة للعاملين بالطباعة والصحافة، وممثلين للهيئات والقنوات الإعلامية الخاصة، وأساتذة الإعلام والصحافة في الجامعات المصرية. استمرت اللجنة في أعمالها في الفترة من  سبتمبر 2014 وحتى أغسطس من عام 2015، عُقدّت خلالها اجتماعات ولجان استماع في جميع المؤسسات الصحفية لتعلن عن مشروع قانون الإعلام الموحد. أُرسلّت نسخة من مشروع القانون لرئيس الجمهورية وآخرى لرئيس الحكومة، إلا أن الحكومة أدخلت عدد من التعديلات على مشروع القانون وانتهت إلى تقسيمه إلى مشروعين؛ الأول يتعلق بتشكيل الهيئات الوطنية للإعلام والصحافة والمجلس الأعلى للإعلام، والثاني يتعلق بتنظيم العمل الصحفي والإعلامي. بررت الحكومة المصرية هذا المسلك بأنه لابد من تشكيل الهيئات الإعلامية أولًا  لأن الدستور يُلزم أخذ رأيها في مشاريع القوانين المتعلقة بتنظيم الصحافة والإعلام.

نجحت المساعي الحكومية لتمرير قانون “التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام” في ديسمبر من العام 2016، بينما تأخر إصدار قانون تنظيم العمل الصحفي والإعلامي. تم تشكيل الهيئات الثلاثة بموجب قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، ومارست هذه الهيئات اختصاصاها التي حددها قانون التنظيم المؤسسي، إلى جانب الجزء المتبقي من قانون تنظيم الصحافة الذي ظل ساريًا. مارس المجلس الأعلى للإعلام برئاسة السيد مكرم محمد أحمد، دوره الرقابي خلال هذه الفترة، وهو ما هيأ الساحة الإعلامية والصحفية لدور المجلس ولطبيعة قرارته المستحدثة. تمكن المجلس الأعلى للإعلام خلال هذه الفترة من توقيع جزاءات متنوعة من خلال توقيع عقوبات بمنع ظهور الإعلامين والأفراد، وحذف المحتوى، ومنع الكتابة في بعض الموضوعات. وتزايد هذا الدور  في ظل غياب قانون يوفر حماية للمؤسسات الصحفية والإعلامية.

ظلت النقاشات البرلمانية حول إقرار القانون الموحد لمدة عام ونصف من تاريخ العمل بقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، حتى وافق البرلمان على “قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” في يونيو من العام 2018. دخل القانون حيز النفاذ بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه في شهر أغسطس 2018. يتضمن القانون محاور أساسية يمكن إجمالها في النقاط التالية:

تأثير صياغات قانون تنظيم الصحافة والإعلام على الحقوق والحريات على الإنترنت

لم تعكس الصياغات التي أنطوى عليها قانون تنظيم الصحافة والإعلام الأهداف التي شُرِّع من أجلها القانون، والتي  أشارت إليها المذكرة الإيضاحية للقانون10. فنصوص القانون، خاصة التي تكفل  الضمانات المتعلقة بحرية إنشاء وتملك وسائل الإعلام أو التي تضمن استقلال عمل المؤسسات الإعلامية، جاءت متحيزة بشكل كبير لوسائل الصحافة والإعلام التقليدية على حساب وسائل الإعلام والنشر الإلكترونية، متأُثرة في ذلك بصياغات الدستور المصري. قد يكون مفهومًا أن الفترة التي أُقرّ خلالها الدستور المصري الحالي – عام 2014 – كانت وسائل الصحافة والإعلام التقليدية هي الأكثر أنتشارًا11، ولكن الأمر قد أختلف بشكل كبير عن الفترة التي صدر خلالها قانون تنظيم الصحافة والإعلام – عام 2018 –  حيث أصبح الاعتماد بشكل أساسي على وسائل الصحافة الإعلام الإلكترونية. كما يغيب عن القانون الضمانات المتعلقة بحماية وسائل الصحف والإعلام الإلكترونية، فقد فرض المُشرِّع بعض القيود المتعلقة بالرقابة على المواقع والصفحات الشخصية، وهو ما لا يمثل تعارضًا فقط مع الأهداف العامة لإصدار القانون، بل مع القواعد التنظيمية التي ذكرها قانون تنظيم الصحافة والإعلام في مواد إصداره.

الرقابة على المواقع الشخصية وصفحات التواصل الاجتماعي

يهدف قانون تنظيم الصحافة والإعلام بشكل رئيسي إلى تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. تسري  قواعد القانون على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية، حسب ما جاء بالمادة 1 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام. ذكرت المادة 1 صراحة أن يتم أستثناء  الموقع أو الوسيلة أو الحساب الإلكتروني الشخصي من تطبيق أحكام هذا القانون، ولكن ذُيلت المادة بعبارة ” ما لم ينص القانون المرافق على خلاف ذلك”. وبالفعل، أعطت الفقرة الثانية من المادة 19 صلاحية للمجلس الأعلى للإعلام بوقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب الشخصي متى نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد، أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية، ويلتزم بأحكام الفقرة السابقة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.

كما أعطت المادة 19 من القانون صلاحية للمجلس باتخاذ “الإجراء المناسب حيال المخالفة” وله في سبيل ذلك، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب. يعتبر نص المادة 19 من النصوص المقيدة بشكل كبير لقدرة الأفراد في التعبير الحر عن آرائهم، كما أن نص المادة بصياغته يُثير مخاوف تتجاوز فكرة الرقابة على الصفحة أو الموقع من خلال حجب رابط الوصول، فهناك مخاوف تتعلق بأن نص المادة قد فتح صلاحيات للمجلس باتخاذ الإجراء المناسب، والذي لا يقتصر على الحجب فقط، حيث تعطي المادة 96 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام صلاحية للمجلس الأعلى للإعلام من تلقاء ذاته، أو بناء على شكوى تقدم إليه، أن يقيم الدعاوى القضائية عن أي مخالفة لأحكام هذا القانون وتشكل جريمة.

قيود على تأسيس وتملك وسائل الصحف والإعلام الإلكترونية

يفرق قانون تنظيم الصحافة والإعلام بين ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بتأسيس وملكية الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية التي تعمل كظهير إلكتروني  للصحف الورقية من جهة، وبين الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تعمل كظهير إلكتروني  للوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية بشكل عام من جهة أخري. ورغم أرتفاع التكلفة المتعلقة بإنشاء الصحف الورقية فإن القانون يعطي العديد من المميزات للصحف الورقية، على خلاف وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. يمكن أن نشير إلى هذه الفروقات من خلال الجدول التالي:

الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية التي تعمل كظهير إلكتروني للصحف الورقية الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تعمل كظهير إلكتروني  للوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية بشكل عام
من لهم حق التملك للمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية (الشركات وما في حكمها)، عامة أو خاصة، الحق في تملك الصحف أوالمواقع الإلكترونية الصحفية. للمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة (الشركات وما في حكمها)، الحق في تملك الوسائل الإعلامية أو المواقع الإلكترونية الإعلامية.
شروط تملك الأجانب لا يجوز أن يتملك المساهمون من غير المصريين، من الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية، نسبة من الأسهم تخول لهم حق الإدارة. لا يجوز أن يتملك المساهمون غير المصريين من الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية نسبة غالبة من الأسهم، أو تخول لهم حق الإدارة.
موانع التملك أو المشاركة في الملكية يشترط في من يتملك صحيفة أو موقع إلكتروني أو يشارك في ملكيته ألا يكون محرومًا من مباشرة الحقوق السياسية، أو صدر ضده حكم في جناية، أو في جنحة مخلة بالشرف، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. يشترط في من يتملك وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني أويساهم فى ملكيته ألا يكون محرومًا من مباشرة حقوقه السياسية أو صدر ضده حكم فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
الجمع بين ملكية أكثر من وسيلة/ المشاركة في ملكية أكثر من وسيلة لا يجوز للفرد أو الأسرة أو الشخص الاعتباري ( الشركات وما في حكمها ) الجمع بين ملكية صحيفة يومية والمساهمة في صحيفة يومية أخرى، ولا يجوز تملك نسبة من الأسهم تخول حق الإدارة في أكثر من جريدة يومية، ويسرى هذا الحكم على الصحف الإلكترونية. لا يجوز أن تتملك الشركة أكثر من سبع قنوات تليفزيونية، ولا يجوز أن تشتمل على أكثر من قناة عامة وأخرى إخبارية.
البيانات اللازمة للتأسيس يضع المجلس الأعلى نموذجًا لنظام تأسيس الصحيفة ونظامها الأساسي، على أن يحدد نظام التأسيس أغراض الصحيفة، وأسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة المؤقتين من بين الملاك أو المساهمين، وتكون مدة هذا المجلس ستة أشهر على الأكثر من تاريخ استكمال إجراءات التأسيس، يشكل خلالها مجلس الإدارة وفقًا للنظام الذي حدده عقد التأسيس. يُعِدُّ المجلس الأعلى نموذجًا لترخيص ممارسة العمل الإعلامي للوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني،ويجب أن تحدد فى النموذج أغراض الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، والفئة المستهدفة من الجمهور، والسياسة التحريرية، وأسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، ونظامها الأساسي.
طريقة التأسيس (ما بين الإخطار والتسجيل) على من يرغب في إصدار صحيفة أن يخطر المجلس الأعلى بكتاب موقع منه أو من ممثله القانوني، يشمل اسم الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، واسم ولقب وجنسية مالكه، ومحل إقامته، واللغة التي تنشر بها الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، ونوع المحتوى، والسياسة التحريرية، ومصادر التمويل، ونوع النشاط، والهيكل التحريري والإداري، وبيان الموازنة، والعنوان، واسم رئيس التحرير، وعنوان المطبعة التي تطبع بها الصحيفة ومكان بث الموقع الإلكتروني. – لا يجوز إنشاء أو تشغيل أية وسيلة إعلامية، أوموقع إلكتروني، أو الإعلان عن ذلك، قبل الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى، ويحدد المجلس الأعلى شروط ومتطلبات الترخيص.- يقدم طلب إنشاء أو تشغيل الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، إلى المجلس الأعلى على النماذج التي يضعها، مستوفيًا البيانات والمستندات التي يحددها
مواعيد الرد على طلب الترخيص على المجلس الأعلى إعلان مُقدم الإخطار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول باكتمال بياناته أو باستيفاء البيانات الناقصة، وذلك خلال 30 يومًا من تاريخ ورود الإخطار إليه، وإذا لم يقم المجلس الأعلى بالرد خلال المدة المشار إليها أعتبر الإخطار مكتملًا.

وعلى مقدم الإخطار موافاة المجلس الأعلى بالبيانات المطلوبة خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانه باستيفائها، وإلا اعتبر الإخطار كأن لم يكن، وفى جميع الأحوال، لا يجوز إصدار الصحيفة أوإنشاء الموقع الإلكتروني قبل استيفاء كامل بيانات الإخطار.

يُقدم طلب إنشاء أو تشغيل الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، إلى المجلس الأعلى على النماذج التي يضعها، مستوفيًا البيانات والمستندات التي يحددها، ويبت المجلس في الطلب في مدة لا تجاوز تسعين يومًا من تاريخ استيفاء الطلب، وذلك مقابل رسم لا يجاوز مائتين وخمسين ألف جنيه للوسيلة الإعلامية وخمسين ألف جنيه للموقع الإلكتروني، يتم تحصيله نقدًا أو بأى طريقة دفع أخرى.
شروط وضوابط تتعلق بفريق عمل الوسيلة – يشترط في كل صحيفة تطلب ممارسة النشاط الصحفي ألا تقل نسبة المحررين بها من المقيدين بنقابة الصحفيين ابتداء عن 70% من طاقة العمل الفعلية.

– يشترط أن يكون لكل صحيفة أو موقع إلكتروني رئيس تحرير مسئولًا يشرف إشرافًا فعليًا على ما ينشر بها، وعدد من المحررين المسئولين، يشرف كل منهم إشرافًا فعليًا على قسم معين من أقسامها. ويُشترط في رئيس التحرير والمحررين المسئولين فى الصحيفة أن يكونوا من المقيدين بجدول المشتغلين بنقابة الصحفيين، وألا يكون قد صدر ضد أي منهم حكم في جناية، أو في جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، وألا يكون ممنوعًا من مباشرة حقوقه السياسية.

فيما يتعلق بوسائل الإعلام :تعين الوسيلة الإعلامية مديرًا لبرامج القناة المرئية أو المسموعة أو الإلكترونية يكون مسئولًا عن المحتوى، ويشترط فيه أن يكون مصريًّا مقيدًا فى جدول المشتغلين بنقابة الإعلاميين أو الصحفيين، وألا يكون قد صدر ضده حكم فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره، وألا يكون ممنوعًا من مباشرة حقوقه السياسية، كما تُعين مسئولًا عن البث يشترط أن يكون متفرغًا لعمله، وأن يتمتع بالأهلية القانونية.

فيما يتعلق بالمواقع الإلكترونية:

لا يوجد تنظيم واضح

شروط وضوابط بث المحتوى عبر التطبيقات الإلكترونية لا يوجد لا يجوز بث المحتوى الخاص بالوسيلة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية على الهواتف الذكية، أو غيرها من الأجهزة أو الوسائل المماثلة قبل الحصول على موافقة بذلك من المجلس الأعلى
مدة الترخيص لا توجد مدة الترخيص خمس سنوات، ويجوز تجديده بناء على طلب يقدمه المرخص له إلى المجلس الأعلى قبل ستة أشهر من انتهائه.
نشر الميزانيات تلتزم المؤسسات الصحفية بنشر ميزانياتها، وحسابتها الختامية، المعتمدة، خلال الثلاثة أشهر التالية لانتهاء السنة المالية.

ومع عدم الإخلال باختصاصات الجهاز المركزي للمحاسبات، تلتزم المؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة بإرسال نسخة من ميزانياتها للمجلس الأعلى لفحصها وإعداد تقرير بنتيجة الفحص، وللمجلس أن يستعين في ذلك بمن يراه فى هذا الشأن

مع عدم الإخلال باختصاصات الجهاز المركزي للمحاسبات، تلتزم الوسيلة الإعلامية بنشر ميزانياتها، وحساباتها الختامية، المعتمدة، فى جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار خلال الأشهر الأربعة التالية لانتهاء السنة المالية، و تلتزم بتمكين المجلس الأعلى من مراجعة الحسابات الختامية ودفاتره ومستنداتها، وللمجلس أن يستعين فى ذلك بمن يراه.
إجراءات الاحتفاظ بالمحتوى لأغراض المراجعة تطبع الصحف في مطابع داخل مصر، على أن توجد نسخه من الخوادم الإلكترونية التي تستضيف النسخة الإلكترونية. تلتزم الوسيلة الإعلامية والمواقع الإلكترونية المرخص لها بالاحتفاظ بتسجيلات توثيقية كاملة لكل البرامج والمواد المسموعة والمرئية والإلكترونية التي تبثها وذلك لمدة لا تقل عن الإثني عشر شهرًا الأخيرة من نشاطها، وعليها إيداع نسخة منها فى المجلس الأعلى.

 

الهوامش

1 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 94 لسنة 2015 بإصدار قانون مكافحة الإرهاب – الجريدة الرسمية العدد 33 ( مكرر ) في 15 أغسطس 2015.
2 المبادرة المصرية ومركز القاهرة في تعليق قانوني يفند أسباب الاعتراض ومَواطِن تعارضه مع الدستور – بيان صحفي بتاريخ 26 أغسطس 2015 https://bit.ly/37o29BO
3 بيان من نقابة الصحفيين المصرية، مشروع قانون “مكافحة الإرهاب” للدستور وتدعو لاجتماع طارئ لمجلسها لبحث قيود القانون على حرية الصحافة بتاريخ 5 يوليو 2015 http://www.ejs.org.eg/page.php?id=1625260
4 بيان من وزارة الخارجية المصرية- الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية على موقع فيسبوك بتاريخ 19 أغسطس 2015 shorturl.at/hzABU
5 وافق البرلمان المصري في شهر يناير عام 2016 على 341 قرار بقانون قد أصدروا خلال 3 سنوات في غيبة السلطة التشريعية، من بينهم قانون مُكافحة الإرهاب، وقد تمت الموافقة على هذه القوانين بالكامل دون مُناقشة لنصوص القوانين، باستثناء الاعتراض على قانون الخدمة المدنية حيث تم تمرير كافة هذه القوانين خلال مدة لم تتجاوز 15 يوم. shorturl.at/rvw59
6 المادة 49 من القانون 94 لسنة 2015 بشان مُكافحة الإرهاب “للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، في الجرائم المنصوص عليها بالمواد (12، 15، 19، 22) من هذا القانون، أن تصدر أمراً مؤقتاً بغلق المقار، والأماكن، والمساكن، ومحال الإيواء على أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل، وتعتبر الأمتعة والأثاث المضبوط فيها في حكم الأشياء المحجوز عليها إدارياً بمجرد ضبطها حتى يفصل في الدعوى نهائياً، وتسلم بعد جردها وإثباتها في محضر إلى حارس يكلف بحراسة الأختام الموضوعة على المقر أو المكان أو المحل أو المسكن المغلق، فإن لم توجد مضبوطات كلف بالحراسة على الأختام وبالطريقة ذاتها، ويترتب على صدور الحكم بالبراءة سقوط أمر الغلق. وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة وقف المواقع المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (29) من هذا القانون، أو حجبها، أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام المنصوص عليها في هذه المادة، والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة”.
7 المادة 29 من القانون 94 لسنة 2015 بشان مُكافحة الإرهاب “يُعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين، كل من أنشأ أو استخدم موقعاً على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها، بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة في شأن أية جريمة إرهابية، أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو المعلومات المتعلقة بأعمال أو تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج. ويُعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين، كل من دخل بغير حق أو بطريقة غير مشروعة موقعاً إلكترونياً تابعاً لأية جهة حكومية، بقصد الحصول على البيانات أو المعلومات الموجودة عليها أو الاطلاع عليها أو تغييرها أو محوها أو إتلافها أو تزوير محتواها الموجود بها، وذلك كله بغرض ارتكاب جريمة من الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة أو الإعداد لها”.
8 تقرير صادر عن اللجنة المُشتركة من لجنة الاتصالات ومكتبي الشئون الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي، بتاريخ مايو 2018.
9 المواد أرقام 70،71،72 من الدستور المصري الصادر في العام 2014 https://cutt.ly/8h4VvnI
10 نص المذكرة الإيضاحية لـ”إعلام النواب” بشأن قانون “تنظيم الصحافة”، بتاريخ 12 ديسمبر 2016 – https://bit.ly/3KfiSGk
11 دراسة بعنوان ” أزمة غياب الحماية الدستورية للمواقع الصحفية الإلكترونية ” صدرت عن مسار- مجتمع التقنية والقانون بتاريخ 12 إبريل 2021 – https://bit.ly/3uPg79o