الأبعاد الحقوقية للرعاية الصحية الرقمية

ما هي الرعاية الصحية الرقمية؟

الرعاية الصحية الرقمية هي مجال ممتد وواسع النطاق، فهي تجمع مفاهيم من كل من التكنولوجيا والرعاية الصحية لتحسِّن مجمل المعايير القياسية والكفاءة لعملية تقديم الرعاية الصحية. تستغل الرعاية الصحية الرقمية التقدم السريع في القطاعين التكنولوجي والرقمي لأجل إزالة العوائق التقليدية في طريق الوصول إلى الخدمة الصحية، ولأجل تسهيل الحصول على العلاج لمن يسعون إليه. ثمة عدة أسباب لصعود استخدام التكنولوجيا في تقديم الرعاية الصحية حول العالم، ومن المهم أن نضع هذه الأسباب في سياقاتها.

أولًا، الوصول إلى الرعاية الصحية السليمة هو مشكلة خطيرة، خاصة في الدول النامية. لا تمتلك هذه الدول العديد من المستشفيات المجهزة جيدًا، وهي تفتقر إلى الأطباء المدربين مهنيًا، كما أن تكلفة الدواء مرتفعة للغاية (مقارنة بمتوسط دخل الفرد فيها). ثانيًا، من يعيشون في القرى والمناطق النائية يفتقرون إلى القدرة على الحركة للوصول إلى المراكز العمرانية للحصول على الرعاية الصحية – نتيجة للتكلفة المرتفعة للمواصلات والافتقار بصفة عامة إلى البنية التحتية للحركة. أخيرًا، الفقر هو مشكلة أخرى تمنع الناس من الوصول إلى الرعاية الصحية التقليدية. فحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، على سبيل المثال، نصف سكان العالم تقريبًا يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية، ويعيش قرابة 100 مليون نسمة تحت خط الفقر نتيجة لارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.

المشاكل المذكورة سابقًا والمرتبطة بالرعاية الصحية التقليدية قد واكبها ظاهرة مثيرة للاهتمام – ظاهرة سمحت لخبراء التكنولوجيا الرقمية بالتغلب على المشاكل التي يواجهها من هم في حاجة إلى العلاج الطبي. هذه الظاهرة هي صعود التحولات التكنولوجية والرقمية والتي سمحت بمراجعة الرعاية الصحية التقليدية، خاصة فيما يتعلق بجعلها متاحة أكثر باستخدام التكنولوجيا. إضافة إلى ذلك، تزايد استخدام الناس للتكنولوجيا الرقمية بمعدل كبير. فعلى سبيل المثال، حسب رابطة منظومة الهاتف المحمول (GSMA)، يستخدم 67% من سكان العالم خدمات الهاتف المحمول، مع توقع انضمام 700 مليون إضافيين حتى عام 2025. وهذا يظهِّر أن التكنولوجيات الرقمية يسهل على كثير من الناس التعامل معها في كل مكان من العالم. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن الرعاية الصحية الرقمية ليست بناءً أحاديًا بذاته، وفي حين سنناقش الأنواع الأكبر منها لاحقًا، فمن المهم ملاحظة بعض أصنافها الآن.

هذه الأصناف تضم الرعاية الصحية المحمولة” (Mobile Health – mHealth) والتي تشير بصفة أساسية إلى استخدام الهواتف المحمولة والتكنولوجيات المشابهة لها لتقديم الرعاية الصحية. إضافة إلى ذلك، وعلى وجه شبيه تمام بالرعاية الصحية من خلال الهاتف المحمول، استخدام الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، والتي يمكن أن تتابع وتعاون المرضى. تشمل الأصناف الأخرى الرعاية الصحية عن بعد، والعلاج عن بعد، والتأمين الصحي الرقمي، والعلاج المشخصن.

الأصناف المشار إليها من الرعاية الصحية الرقمية تظهِّر التقدم السريع لها في الآونة الأخيرة. ومما يستحق الإشارة إليه أن عديدًا من الحكومات حول العالم قد دفعت في اتجاه الرعاية الصحية الرقمية من خلال الإصلاح وبخلق مساحة للتكنولوجيات الأحدث والأكثر تطورًا في مجال تقديم الرعاية الصحية. على سبيل المثال، أحد الجوانب الأساسية في تشريع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرعاية صحية في المتناول (والمشهورة باسم أوباماكير) كان الترويج لمنصات رقمية للرعاية الصحية. وقد وُجهّت استثمارات خاصة لدعم تكنولوجيا معلومات الرعاية الصحية – والتي بصفة أساسية تتعلق باستخدام تكنولوجيا وخدمات البيانات لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وصحة المريض في العموم. وتسمح معلومات الرعاية الصحية للمرضى بالوصول إلى خدمات الرعاية الصحية بسهولة في بيوتهم وتسمح للمهنيين في مجال الصحة بتقييم مساحات التحسن في الرعاية الصحية.

ما أهمية الرعاية الصحية الرقمية؟

من المهم ملاحظة أهمية الرعاية الصحية الرقمية في وضعها الحالي. فقبل أي شيء، أي مجال – سواء كان البناء، البنوك، أو بالتأكيد الرعاية الصحية – يمكن أن يتطور ويتحسن عبر الزمن إذا ما تم تبني تكنولوجيات أحدث وطرق جديدة بدلًا من التعامل بشكل متشكك مع هذه المتغيرات. الرعاية الصحية، التي كانت سابقًا مليئة بالخطوط الحمراء واستخدام الطرق التقليدية في العمل، قد خطت إلى الأمام باستخدام التكنولوجيات الأحدث – كما هو واضح في الرعاية الصحية الرقمية. ثانيًا، جائحة الكوفيد 19 الحالية قد أظهرت الحاجة الدائمة للوصول إلى الرعاية الصحية، وقد لا يكون من المناسب أو حتى من الممكن دائما الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج. الرعاية الصحية الرقمية، في هذا الشأن، وخاصة خلال الجائحة، قد سمحت للناس بمتابعة الرعاية الصحية والوصول إليها وهم في منازلهم. ولم يتح هذا نشر كفء للرعاية الصحية فقط، بل ومنع أيضًا تدفقًا كبيرًا للمرضى في مناطق بعينها. ثالثًا، مع استخدام الرعاية الصحية الرقمية، يمكن متابعة وتنظيم الوضع الصحي في كل وقت. يمكن لهذا أن يقي من المرض أو على الأقل تشخيصه في وقت مبكر، وبالتالي يؤدي إلى تعافي أفضل.

أخيرًا، تشير بعض الدراسات إلى أن الرعاية الصحية الرقمية ستشهد نموًا قدره 28% حتى عام 2027 – مع قيمة سوقية متوقعة قدرها 833.44 مليار دولار. هذه الأرقام مبشرة، وتظهر العزيمة التي يقارب الخبراء، والمهنيون الطبيون، والناس، بها الرعاية الصحية الرقمية.

أنواع الرعاية الصحية الرقمية

منظومة المعلومات الصحية

النوع الأول من الرعاية الصحية الرقمية الذي سنناقشه يدعى منظومة المعلومات الصحية (health information system – HIS). وهذا يتشكل من الإدارة العاملة للمستشفيات أو منظومة تدعم تشكيل سياسة الرعاية الصحية، وكذلك أنظمة تجمع، وتحفظ، وتنظم، وتوزع السجلات الإلكترونية للمرضى (EMR).

منظومة المعلومات الصحية مصممة بناءًا على افتراض أن المعلومات الصحيحة في الوقت الصحيح يتوافر لها إمكانية إنقاذ الأرواح. مديرو الرعاية الصحية، مثل الأطباء، والمهنيين الطبيين، وطواقم التمريض، يعتمدون على بيانات مهمة تتعلق بصحة المريض حتى يأخذوا القرارات الصحيحة والمجدية. ومن ثم، يجب أن يتوفر لدى هؤلاء المهنيين بيانات كافية ومتاحة في كل وقت أو تقدَّم إليهم بسرعة عند الحاجة إليها. ومن هنا تلعب منظومة المعلومات الصحية المعتمدة على التكنولوجيا دورها.

تعمل منظومة المعلومات الصحية على ثلاثة مستويات لدعم إدارة الرعاية الصحية في مساحات بعينها. أولًا، تعمل على المستوى الفردي، حيث يتابع طبيب أو ممرضة التاريخ الصحي لمريض وسجلات طبية أخرى حتى يساعدوا المريض بأفضل طريقة ممكنة. ثانيًا، تعمل منظومة المعلومات الصحية جيدًا على المستوى المؤسسي أيضًا، حيث يمكن لمستشفى أن يتابع، على سبيل المثال، عدد الأشخاص الوافدين، عدد الوفيات، وأداء مهنيون طبيون، وأقسامًا عدة. ويسمح هذا لمستشفيات بعينها بإعادة تنظيم مواردها بطريقة ترفع من مستوى الأقسام صاحبة المستويات الدنيا من الأداء. وأخيرًا تساعد منظومة المعلومات الصحية المهنيين الطبيين في تقييم التوجهات الأكبر في مجال الصحة، خاصة فيما يتعلق بالمجتمع الذي توجد به المستشفى. هذا بشكل تجميعي يسمح للمستشفيات بأن تكون أفضل استعدادًا حتى تواجه تفشي المرض، والمشاكل الصحية الخاصة بمجتمع بعينه، والمشاكل الأخرى المتعلقة بالمستوى الأعم للصحة.

العلاج عن بعد

نوع آخر مهم من الرعاية الصحية الرقمية هو العلاج عن بعد (telemedicine)، والذي يسمح للأطباء والممرضات بتقييم، وتشخيص، وعلاج المرضى باستخدام تكنولوجيا الاتصالات. وفي حين أن الرعاية الصحية الرقمية تضم في حد ذاتها طيفًا من الخدمات، يشير العلاج عن بعد عادة إلى تقديم خدمات رعاية صحية علاجية. العلاج عن بعد، في جوهره، هو طريقة لتقديم علاجات للمرضى دون حضور شخصي من خلال استخدام تكنولوجيا الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية. زيارات المتابعة، إدارة المرض المزمن، متابعة الدواء، استشارة الخبراء، وخدمات صحية أخرى متنوعة يمكن تقديمها افتراضيًا من خلال الاتصال الشخصي المرئي والمسموع، وتُقدَّم جميعًا غالبًا من خلال استخدام تكنولوجيا العلاج عن بعد.

الرعاية الصحية المحمولة

إضافة إلى ما سبق، ثمة نوع آخر للرعاية الصحية الرقمية هو الرعاية الصحية المحمولة (mHealth). وهو قطاع سريع النمو ويقدم الدعم، والتوصيل، والعلاج للمرضى من خلال التكنولوجيا المحمولة بما في ذلك الهواتف الذكية، الحواسيب اللوحية، والمعدات القابلة للارتداء. والهواتف المحمولة هي اليوم المنصات الأكثر استخدامًا على نطاق واسع لتقديم الرعاية الصحية المحمولة، برغم أن مصطلح الرعاية الصحية المحمولة ينطبق على كل الأجهزة المحمولة التي يمكن أن تتلقى وأن تنقل البيانات.

امتداد آخر للرعاية الصحية المحمولة هو تطبيقات التأمين الصحي. تُخزِّن تلك التطبيقات التاريخ الطبي للمرضى، ومطالباتهم الخاصة بالتأمين الصحي، والبيانات الأخرى ذات الصلة. وهي مفيدة بصفة خاصة للشركات حيث أنها تسمح لها بمتابعة وتقييم وتنظيم باقات التأمين الصحي المقدمة للموظفين، والتي بدورها تخلق منظومة أكثر إحكامًا ومهنية لتقديم خدمات الرعاية الصحية كما يتطلبها الموظفون.

أخيرًا، مما يستحق الذكر أن أنواعًا مختلفة من خدمات الرعاية الصحية الرقمية قد أدت كذلك إلى تزايد المراقبة الصحية (health surveillance)، والتي تشير بالأساس إلى الفحص والمتابعة المستمرة للبيانات الصحية بغرض التخطيط، والتنفيذ، والتقييم للأداء الصحي. المراقبة الصحية مهمة بصفة خاصة لأنظمة الصحة العامة، وهي المسؤولة عن تقييم التوجهات الأكبر المتصلة بالصحة للاستجابة للمشاكل الصحية التي يواجهها الناس. وفي حين أن الحكومات وشركات صناعة الدواء قد اعتمدت سابقًا على السجلات الورقية لفحص التوجهات المتعلقة بالصحة، فإن دعم تكنولوجيات الصحة الرقمية قد مهد الطريق لأن تجمع هذه المنظمات العامة والخاصة البيانات بشكل أكثر كفاءة. سهولة المراقبة الصحية الذي أنتجته الصحة الرقمية يعني أن المشاكل المتعلقة بالصحة بمكن التعامل معها بسرعة أكبر، كما أن الدواء والأمصال يمكن صنعها بمعدل أسرع كثيرًا.

من المفهوم، أن الرعاية الصحية الرقمية قد أصبحت جزءًا مهما من حياتنا اليومية، برغم أن لها بعض المساوئ والتحديات.

تحديات الرعاية الصحية الرقمية

لا يوجد شك في حقيقة أن الرعاية الصحية الرقمية قد قدمت اسهامات مهمة في مجال الطب وقد أصبحت جزءًا مهمًا من حياتنا. ولكن لا يمكن أيضًا إنكار التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة في مجال الرعاية الصحية الرقمية والتي تعوق تقديم الرعاية الصحية والوصول إليها بشكل صحيح. هذا القسم يسلط الضوء على بعض من هذ التحديات.

حماية البيانات والآثار السلبية لاختراقها

واحد من أكبر التحديات التي تواجه الرعاية الصحية الرقمية يأتي من حماية البيانات. هؤلاء الذين يستخدمون الرعاية الصحية الرقمية يشاركون بيانات حساسة – تتضمن تاريخهم الصحي، سجلاتهم الصحية، وبيانات أخرى تخص المشاكل الصحية التي يواجهونها – والتي يمكن أن تتسرب أو يساء استخدامها في حال عدم وجود قوانين وإعدادات تكنولوجية صارمة. وثمة قسمين لهذه المشكلة، الأول يتعلق بالتكنولوجيا نفسها. برغم أن من المفهوم أن التطورات التكنولوجية مرحب بها وأنها في أغلب الأحيان ستستمر، ثمة القليل الذي يشير إلى أن التكنولوجيا محمية بشكل كامل. في الحقيقة، أغلب التكنولوجيات التي نستخدمها، بما في ذلك تلك المستخدمة في الرعاية الصحية الرقمية، لها عيوب متنوعة تتبدى في اخفاق البرمجيات في عملها، تسريب البيانات، وإساءة استخدامها. فإن لم تكن التكنولوجيا المستخدمة في الرعاية الصحية الرقمية كاملة الحماية، يمكن لبيانات طبية مهمة ألا تكون محمية مما يدفع الناس إلى اختيار الممارسات التقليدية للرعاية الصحية بدلًا من الرقمية – مما يعني عمليًا التراجع عما تحقق في الأعوام الأخيرة.

ثانيًا، حيث أن الرعاية الصحية الرقمية هي ظاهرة حديثة، فالقوانين التي سنتها الحكومات والحاكمة لهذا المجال، ليست محكمة النصوص بعد. هذه القوانين تتعلق بسرية المعلومات بين الطبيب ومريضه، الخصوصية، وحماية البيانات.

إضافة إلى ذلك، تطبيقات الرعاية الصحية كثيفة البيانات تشكل تحديًا آخر للرعاية الصحية الرقمية. هذه التطبيقات تعتمد على التاريخ الصحي ومعلومات خلفية عن المستخدمين، وواجهة المستخدم مبنية على البيانات الشخصية التي يتم رفعها للتطبيق. كثير من هذه التطبيقات يواجه مشاكل مما ذكرناه سابقًا بخصوص تسرب البيانات، الاختراق، والهجمات السيبرانية. ومع ذلك، ثمة مشكلة أخرى تتعلق بصفة خاصة بتطبيقات الصحة كثيفة البيانات. وهي أن كثير من هذه التطبيقات يتضمن شروط استخدام تتيح للشركة المطورة له مشاركة البيانات الشخصية والمعلومات مع جهات أخرى حتى تسوق تطبيقها. هذه المشاركة للبيانات تتم لأغراض التسويق تحت مظلة صنع محتوى مشخصن للمستخدمين –والذي بدوره—يخلق مأزقًا أخلاقيًا كبيرًا لدعاة الرعاية الصحية الرقمية. فمن المفهوم أن البيانات سيتم مشاركتها أحيانًا مع المهنيين الطبيين الذي يقيمون المرضى أو مع الأجهزة الحكومية التي تفحص التوجهات العامة للصحة. ولكن، في كل الظروف الأخرى، ينبغي وقف مشاركة البيانات من خلال تمرير وتطبيق قوانين خصوصية البيانات والأمن السيبراني.

بهذا الخصوص، من المهم للحكومات والموظفين الرسميين أن يفهموا أن القوانين مهمة، وينبغي أن توجد خصيصًا لتحسين الخصوصية والأمن. ومع ذلك، مثل تلك القوانين لا ينبغي أن تتوسع أكثر من اللازم وينبغي أن تسمح لشركات الرعاية الصحية الرقمية بأن تدعم أفكارها في عالم الطب. أي قوانين واسعة النطاق أو مانعة بشكل مبالغ فيه يمكن أن تقضي على فعالية كثيرًا من التغيرات ذات القيمة والتي أنتجتها الرعاية الصحية الرقمية. ومن ثم فمن مصلحة جميع الأطراف المعنية أن تجد الأجهزة الحكومية حول العالم التوازن الصحيح في دفع الرعاية الصحية الرقمية مع مواجهة مشاكل الخصوصية والأمن السيبراني في نفس الوقت.

الانحياز والتمييز

أظهرت جائحة كوفيد-19 أن الانحياز والتمييز هما جزء شائع من أنظمة رعاية صحية متنوعة حول العالم. ويظهِّر بحث من الولايات المتحدة أن المنتمين إلى مجموعات الأقليات هناك هم أقرب بمعدل الضعف إلى أن يتم حجزهم بالمستشفيات بسبب كوفيد-19، كما أن احتمال وفاتهم بسببه هي الضعف أيضًا. المستشفيات في مناطق الأقليات متدنية التمويل، وتفتقر إلى التجهيزات الأساسية، وليس بها فريق عمل ماهر، وذلك كله يحول دون أن يحصل المنتمون إلى الأقليات على الرعاية الصحية الكافية. وحتى في المناطق الغنية، يتم التمييز ضد الأقليات في المستشفيات من خلال التصنيف العرقي، أوقات الانتظار الطويلة، والعلاج الخاطئ. وقد امتد الانحياز والتمييز في الرعاية الصحية إلى المجال الرقمي كذلك.

بهذا الخصوص، جمع البيانات الذي يجعل التمييز ممكنًا هو واحد من أكبر التحديات. فمن المفهوم أن الاحتفاظ بسجل رقمي يتم دعمه من خلال جمع وتخزين التاريخ الصحي. ولكن، في كثير من الأحيان تطلب السجلات الصحية الرقمية، بما في ذلك تطبيقات الهاتف المحمول، تفاصيل ممتدة حول الخلفية العرقية للناس. وتشير الدلائل إلى أن هذه البيانات الشخصية حول الخلفية العرقية يساء استخدامها على نطاق واسع. يمكن لذاك أن يحد من الوصول إلى الرعاية الصحية على أساس العرق، اللون، والإثنية، وهو أمر لا يتماشى مع فكرة تقدمية مثل الرعاية الصحية الرقمية نفسها.

إضافة إلى ذلك، أصبح معلومًا أن الانحياز يمكن أن يكون وهو بالفعل متضمن في الخوارزميات التي تعمل بها التطبيقات الرقمية. على سبيل المثال، الخوارزميات التي تُشغِّل التطبيقات الرقمية ينبغي أن توجّه إلى كثير من الفئات المتنوعة بغض النظر عن العرق، الطبقة، والقدرة المالية. ولكن مثل هذه الرؤية بعيدة المنال ليست حاضرة دائمًا في التطبيقات، حيث أن تطوير الخوارزميات لا يقوم به دائمًا مجموعة متنوعة من الناس. لذا، على سبيل المثال، قد لا يكون لعلماء الحاسوب في عشرينياتهم رؤية متنوعة مقارنة بمجموعة من الناس أو عينات مبنية على حزم بيانات كبيرة ومتنوعة. ثانيًا، الخوارزميات تعتمد على البيانات، وعندما تُبنّى البيانات نفسها على عينات محدودة فالخوارزميات قد لا تكون قادرة على خدمة كثير من الناس بخلفيات متنوعة. هذا بشكل طبيعي يوجِّد الانحياز في الخوارزمية، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى التمييز. لقد أصبح معروفًا أن شركات الرعاية الصحية الرقمية قد سوقت خدماتها وعلاجاتها للناس بطريقة استهدفت فقط قطاعات بعينها من مجتمع محدد – مكررة بذلك التمييز على أساس الطبقة، اللون، والإثنية.

ثقافة حملات التسويق الموجهة عبر الإنترنتهذه ليست فقط حاضرة في مجال الرعاية الصحية الرقمية – بل تمتد إلى كل قطاع. على سبيل المثال، يمارس تويتر وفيسبوك التمييز أحيانًا من خلال حملاتهم الموجهة. ما تقوم به تلك الحملات هو استبعاد مجتمعات بعينها من الإعداد للحملة بأكمله، فلن يكون بإمكانهم معرفة وجود اكتشاف جديد في مجال الصحة، دواء جديد، أو أشياء أخرى يسعون إليها. هذا الاستبعاد يزيد فقط من التمييز في مجال الرعاية الصحية في مجمله، ولابد من وضع آليات لضمان أن يتم استيعاب الجميع في حملات الدعاية.

صور أخرى من التمييز توجَّد أيضًا في مجال الرعاية الصحية الرقمية، والتي تضم انحيازًا على أساس النفوذ الاقتصادي، اللا مساواة على أساس سرعة الإنترنت، والحكم المسبق في ممارسات التوظيف، كل هذه هي تحديات رئيسية في حاجة إلى الاختفاء إذا ما كان للرعاية الصحية الرقمية أن تزدهر.

كيف نتغلب على تحديات الرعاية الصحية الرقمية؟

بعض من هذه التحديات المتصلة بالانحياز والتمييز يمكن الحد منها إذا ما فهم المعنيون بالخدمة أن التنوع هو وجه أساسي موجود في كل المجتمعات تقريبًا. بدلًا من رفض التنوع وجعل الربح هو أساس تقديم الرعاية الصحية، ينبغي على مهنيو الرعاية الصحية الرقمية وشركاتها أن يعتنقوا التنوع الحاضر في العولمة الحالية. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن توضع معايير فيما يخص جمع البيانات بحيث تضمن ألا يُستبعَّد الناس على أساس اللون، الطبقة أو الإثنية. وكذلك ممارسات التوظيف في كل فرع للرعاية الصحية الرقمية – من المهنيين الطبيين إلى مطوري البرمجيات – ينبغي أن تعكس تنوع مجتمعاتنا الحديثة. إذا ما كان ثمة تنوع في مكان العمل فسوف ينعكس هذا في السياسات والممارسات أيضًا. وأخيرًا ينبغي على الحكومات حول العالم أن تنظم الرعاية الصحية الرقمية وتضمن تجريم الممارسات التمييزية.

خاتمة

غطت الورقة أوجهًا متنوعة فيما يخص الرعاية الصحية الرقمية بما في ذلك التعريف بمجال الرعاية الصحية الرقمية نفسه، أسباب صعوده، أهميته، أنواعه المختلفة، والتحديات المرافقة لهذا القطاع النامي وكيف يمكن التغلب عليها.

الرعاية الصحية الرقمية مثال لكيف أن استخدام التكنولوجيات الأحدث قد طور صناعة الرعاية الصحية. جائحة الكوفيد-19 الحالية قد أظهرت الحاجة إلى توافر الوصول إلى الرعاية الصحية، حتى إذا لم يكن عمليًا أو حتى من الممكن دائمًا السعي للعلاج في مستشفى.

طورت الرعاية الصحية الرقمية بشكل كبير من مهنة الطب وأثرت كثيرًا في حياتنا. ولا يمكن كذلك إنكار أنه لا يزال ثمة عوائق رئيسية في طريق تقديم الرعاية الصحية الصحيحة والوصول إليها في مجال الصحة الرقمية. بهذا الخصوص تناولت الورقة تحديات مختلفة تواجهها صناعة الرعاية الصحية الرقمية مثل الانحياز والتمييز، والمشكلات المتعلقة باختراق البيانات والأمن السيبراني. هذه التحديات تظهِّر أن تكنولوجيا الرعاية الصحية الرقمية ليست منيعة بشكل كامل، وثمة حاجة إلى مزيد من التنظيم والجهود حتى يمكن الانتفاع بمزاياها المتعددة بشكل كامل. وبصفة عامة، لقد أحدثت الرعاية الصحية الرقمية ثورة في طريقة تقديم الرعاية الصحية، وسوف تتجذر أكثر وتمتد إذا ما تعاملت الصناعة بشكل صادق مع التحديات المختلفة التي تواجهها.