استراتيجيات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: قراءة نقدية وتوصيات

مقدمة

وضع الاستراتيجيات المستقبلية لكافة قطاعات العمل والإنتاج ومجالات التفاعل الاجتماعي هي ضرورة من ضرورات التقدم والتنمية في جميع الدول. ومع دخول عالمنا إلى عصر المعلومات والتكنولوجيا أصبح التقدم المتسارع للتكنولوجيا الرقمية هو أحد التحديات الرئيسية لصناع القرار في كل مكان. أحد الجوانب المهمة للتعامل مع هذا التحدي هو وضع استراتيجيات مدروسة بعناية لتحقيق أهداف عامة رئيسية. هذه الأهداف هي استغلال الفرص التي يتيحها التقدم التكنولوجي، وإعداد المجتمع للتعامل معه، وتجنب الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنشأ عنه.

نشرت الحكومة المصرية خلال الأعوام القليلة الماضية عددًا من الوثائق لعرض الاستراتيجيات التي أعدتها، سواء من خلال رئاسة مجلس الوزراء أو الوزارات والهيئات والمجالس المتخصصة. شملت هذه الوثائق مجالات مختلفة من العمل والإنتاج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تأتي جميع هذه الاستراتيجيات المطروحة تحت المظلة العامة لرؤية مصر 2030، والتي تمثل الاستراتيجية الشاملة للدولة المصرية ورؤيتها للأهداف التنموية الواجب تحقيقها خلال خمسة عشر عامًا تمتد منذ الإعلان عن هذه الاستراتيجية في عام 2016 وحتى عام 2030. يمكن ملاحظة أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد حظي بعدد كبير من الوثائق التي تعرض استراتيجيات الدولة المصرية لجوانب عدة من أنشطة هذا القطاع، مثل الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتجارة الإلكترونية.

تتصل جميع سياسات واستراتيجيات الدولة اتصالًا وثيقًا بتمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم والتمتع بحرياتهم الأساسية. من ثم، فإن أي استراتيجية وطنية في أي قطاع يجب أن تركز على ضمان وحماية هذه الحقوق والحريات من أي انتهاك محتمل، خاصة من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة نفسها. ينطبق ذلك بالأخص على الاستراتيجيات ذات الصلة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نظرًا لتنامي دوره في الحياة اليومية للمواطنين.

تعتبر خدمات وتطبيقات هذا القطاع المجال الرئيسي لممارسة العديد من أنشطة الحياة اليومية، بما في ذلك العمل والتعليم والتدريب والترفيه، والحصول على السلع والخدمات، والتواصل الاجتماعي، والوصول إلى المعلومات والتعبير عن الرأي.كذلك تتصف مجالات العمل في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوجود إمكانية واسعة لصور عديدة من الانتهاكات لحقوق المواطنين، وفي مقدمتها الحق في الخصوصية والحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير. لذلك، يُفترض في أي استراتيجية للدولة في أي من هذه المجالات أن توجه عناية خاصة إلى حماية هذه الحقوق وتجنب الانتهاكات التي يمكن أن تطالها.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة نقدية لعدد من الوثائق التي تعرض المؤسسات الحكومية المصرية من خلالها استراتيجياتها المستقبلية في مجالات عملها. تركز الورقة على عدد من الاستراتيجيات ذات الأهمية الخاصة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. تتناول الورقة مدى اهتمام هذه الاستراتيجيات بتوفير ضمانات ممارسة المواطنين لكل من الحق في الخصوصية، والحق في الوصول إلى المعلومات، والحق في حرية التعبير، وقدر ما تفرضه من احتياطات لحماية هذه الحقوق من الصور المختلفة للانتهاك.

في قسمها الأول، تعرض الورقة بشكل مختصر أهم ما جاء في الوثائق المختارة. ثم تنتقل بعد ذلك إلى إيضاح ما توليه هذه الوثائق من اهتمام بالحقوق والحريات مقارنة بالجوانب التي ينبغي توافرها لتقديم الضمانات الكافية لها. وفي الخاتمة، تقدم الورقة مجموعة من التوصيات لما ينبغي لاستراتيجيات الدولة أن تحتويه من ضمانات والتزامات تسمح بتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم الأساسية وتضمن عدم تعرضهم لانتهاكها.


استراتيجية مصر  2030 في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

لا توجد وثيقة مستقلة تعرض بشكل تفصيلي استراتيجية عامة محدثة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. تعود آخر وثيقة عامة حول هذه الاستراتيجية إلى يونيو 2007. بدلًا من ذلك، تنشر وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات على موقعها الإلكتروني بشكل مختصر ملامح عامة لاستراتيجية القطاع في ظل رؤية مصر 2030.

حسب ما جاء على الموقع، “تدعم استراتيجية الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2030 تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 من خلال بناء مصر الرقمية. وتشمل هذه الأهداف تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الشمول الرقمي، وتحقيق الشمول المالي، وتعزيز بناء القدرات وتشجيع الابتكار، ومحاربة الفساد، وضمان الأمن المعلوماتي، وتعزيز مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي.“

يصف موقع الوزارة مبادرة مصر الرقمية بأنها “رؤية وخطة شاملة وتُعد بمثابة حجر الأساس لتحويل مصر إلى مجتمع رقمي.“ يقوم تحقيق هذه الرؤية على “ثلاثة محاور أساسية، وهي التحول الرقمي، والمهارات والوظائف الرقمية، والإبداع الرقمي” وأخيرًا يذكر الموقع أن الأسس التي تعتمد عليها هذه المحاور تشمل كل من: تطوير البنية التحتية الرقمية وتوفير الإطار التشريعي التنظيمي.

يقدم موقع الوزارة مزيدًا من التفاصيل حول كل من محاور التحول الرقمي وتنمية المهارات والوظائف الرقمية، والإبداع الرقمي في صفحة مستقلة. وتتناول المعلومات الواردة على هذه الصفحة الجهود التي بُذلت حتى الآن لإنجاز التحول الرقمي من خلال مبادرة مصر الرقمية. من أبرز ملامح هذه الجهود هو إنشاء مراكز بيانات كبنية تحتية ضرورية لتوفير الخدمات الحكومية الرقمية، وتوفير سبل الدفع الإلكتروني، وتنظيم ضوابط التوقيع الإلكتروني، وإنشاء منصة مصر الرقمية التي يمكن للمواطنين الوصول إلى الخدمات الحكومية الرقمية من خلالها.

ملاحظات على الاستراتيجية

يُلزم الدستور المصري الدولة بعدد من الالتزامات تجاه حقوق مثل الحق في الخصوصية والحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير. هذه الحقوق ذات صلة وثيقة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خاصة في عالم يعتمد فيه المواطنين على تكنولوجيات مثل الهواتف المحمولة وشبكة اﻹنترنت وتطبيقاتها لممارسة أنشطة حياتهم اليومية. يجعل ذلك بيانات المواطنين الشخصية والحساسة عرضة للاختراق، وهو ما يمثل انتهاكًا لحقهم في الخصوصية.

كما تعتبر شبكة اﻹنترنت اليوم المنفذ الرئيسي لنشر الأفكار واﻵراء ومناقشة القضايا العامة، وهو ما يجعل الفضاء السيبراني المجال الرئيسي لممارسة الحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير. في نفس الوقت، يجعل ذلك كلا الحقين عرضة للانتهاك من خلال ممارسات الرقابة والمراقبة، وكذلك سياسات إدارة المحتوى التي ينتهجها مقدمو خدمات منصات التواصل الاجتماعي وماكينات البحث وغيرها من تطبيقات شبكة اﻹنترنت.

من المتوقع أن الوزارة المعنية بتنظيم هذا القطاع تتحمل نائبة عن السلطة التنفيذية للدولة مسؤولية طرح الاستراتيجية المطلوبة للاستجابة للالتزامات الدستورية في إطار مجال عملها. من ثم، فالملاحظة الرئيسية هنا هي غياب هذه الاستراتيجية. بالرغم من أن الوثائق المختلفة التي تقدمها الوزارة حول استراتيجيات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تتضمن بعض الإشارات المتفرقة لحماية الحق في الخصوصية، إلا أن هذا لا يكفي لتوضيح التوجه العام للحكومة المصرية فيما يتعلق بتحقيق التزاماتها الدستورية بتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم الدستورية في الفضاء السيبراني وحماية هذه الحقوق من مختلف أشكال الانتهاكات.

التوصيات

  1. ينبغي لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن تطرح استراتيجيتها الشاملة لمجالات العمل المختلفة التي تتولى مسؤولية تنظيمها في صورة وثيقة جامعة ترسم المبادئ العامة التي توجه الاستراتيجيات التفصيلية الخاصة بكل مجال على حدة. يمكن ذلك المواطنين من ممارسة حقهم في الوصول إلى البيانات والمعلومات الحكومية.
  2. ينبغي إفراد قسم خاص في الوثيقة التي تطرح الاستراتيجية الشاملة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يوضح نطاق تقاطع هذا القطاع مع الالتزامات الدستورية للدولة تجاه حقوق وحريات المواطنين، وبصفة رئيسية الحق في الخصوصية والحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير، مع إيضاح استراتيجية الوزارة لتمكين المواطنين من ممارسة هذه الحقوق.
  3. الحق في الوصول إلى شبكة اﻹنترنت: ينبغي طرح استراتيجية لتحقيق هدف الوصول العادل لجميع المواطنين إلى شبكة اﻹنترنت بوصفه أحد الحقوق الهامة في العصر الرقمي. ينطوي تحت ذلك استراتيجية لإصلاح الاختلالات المؤدية إلى كل من الفجوة الجندرية، والفجوة بين الحضر والريف والمناطق النائية، والفجوة بين مستويات الدخل والتعليم في الوصول إلى الشبكة. يمكن تحقيق ذلك عن طريق طرح مبادرات ﻹصلاح سياسات التسعير لخدمات اﻹنترنت، ومبادرات للتوسع في تغطية شبكات الاتصالات للمناطق الريفية والنائية، ومبادرات للتوعية ونشر المعرفة بسبل التعامل مع تكنولوجيا المعلومات تتوجه إلى الفئات ذات المستوى التعليمي المنخفض أو من لم يحصلوا على تعليم رسمي.
  4. الحق في الخصوصية: قطعت الدولة المصرية شوطًا لا بأس به في حماية الحق في الخصوصية من خلال إصدار قانون حماية البيانات الشخصية في عام 2020. لكن هذا القانون لا يزال معطلًا نتيجة لعدم إصدار اللائحة التنفيذية له حتى اﻵن. لا يغطي القانون كافة الجوانب الخاصة بالحق في الخصوصية وحمايته في مواجهة التهديدات المختلفة في إطار تعاملات المواطنين مع خدمات الاتصالات وفي الفضاء السيبراني. ينبغي أن تطرح الوزارة في إطار استراتيجيتها الشاملة مبادئ عامة لتوجهات الدولة تجاه حماية الحق في الخصوصية، منها على سبيل المثال طرح سياسات التصريح والترخيص بتوريد وتركيب الشبكات والمعدات، ووضع اشتراطات خاصة لضمان توافر تأمين كاف لها ضد الاختراق، وعدم وجود أبواب خلفية تسهل الوصول غير المصرح به إلى الشبكات واﻷجهزة المتصلة بها. وطرح آلية للتحقيق في الادعاءات بعدم استيفاء بعض اﻷجهزة والمعدات المطروحة في السوق لمتطلبات اﻷمان الكافية أو احتوائها على أبواب خلفية وبرمجيات خبيثة إلخ، والتنسيق مع جهات الدولة ﻹصدار أو تعديل التشريعات واللوائح التنفيذية اللازمة لذلك.
  5. الحق في الوصول إلى المعلومات: لم تحقق الدولة المصرية حتى اليوم الالتزام الدستوري بإصدار قانون لحرية تداول المعلومات وإنشاء المفوضية الخاصة بالفصل في المنازعات الخاصة به. ينبغي أن يكون أحد جوانب استراتيجية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العمل مع بقية جهات الدولة لدفع عملية إعداد وإصدار هذا القانون. كما ينبغي على الوزارة المعنية بالحق في الوصول إلى المعلومات أن توضح في استراتيجيتها الشاملة للقطاع المبادئ العامة المستهدفة لتمكين المواطنين من ممارسة هذا الحق، مع ترك التفاصيل للاستراتيجية الخاصة بكل مجال ذو صلة. وبصفة عامة، يدخل في إطار استراتيجية الوزارة طرح خطط لرفع مستوى منافذ الوصول إلى المعلومات الحكومية من خلال شبكة اﻹنترنت، بما في ذلك توفير البنية التحتية اللازمة، وتوحيد التكنولوجيات والبرمجيات المستخدمة، وضمان سهولة الوصول إلى المعلومات بطرح شروط عامة تتعلق بواجهات الاستخدام وصيغ المحتوى.
  6. الحق في حرية التعبير: تواجه حرية التعبير في الفضاء السيبراني تهديدات وانتهاكات متعددة. لذلك، ينبغي أن تتضمن استراتيجية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مبادئ عامة وتوصيات بخصوص حماية هذا الحق. أحد المجالات ذات الصلة هو العمل على إصدار تشريع يسمح بوضع اشتراطات تتعلق بممارسات إدارة المحتوى التي يطبقها مقدمو خدمات منصات التواصل الاجتماعي (على غرار ما يتضمنه قانون الخدمات الرقمية للاتحاد اﻷوروبي).

الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي

تولي الدولة المصرية في الآونة الأخيرة اهتمامًا خاصًا بمجال الذكاء الاصطناعي. ربما تكون واحدة من مؤشرات هذا الاهتمام أن الوثيقة الخاصة بالاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي تنفرد بين جميع الوثائق الشبيهة بأنها يتصدرها كلمة لرئيس الجمهورية. صدرت هذه الوثيقة في يوليو عام 2021، وقد أعدتها الأمانة الفنية للمجلس الوطني للذكاء الاصطناعي والذي اعتمد مجلس الوزراء تشكيله في نوفمبر من عام 2019. يضم هذا المجلس ممثلين من جميع الهيئات الحكومية ذات الصلة، إضافة إلى خبراء مستقلين في مجال الذكاء الاصطناعي.

تشير الوثيقة في أجزاء متفرقة منها إلى مشاكل ذات صلة بالحقوق الرقمية، كما تقدم بعض التوصيات التي تتعلق بهذه الحقوق. فتنبه الوثيقة إلى اﻷثر المتوقع لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي على التحيز ضد اﻷقليات والمساواة الجندرية (ص 8). كما تشير الاستراتيجية إلى إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي كفرصة ﻹدماج الفئات المهمشة من خلال مبادرات تعزز النهوض باﻹنسان وتنمية الذات (ص 28). في الجزء الخاص بالتوعية العامة للمواطنين لإعداد المجتمع للتعامل مع الذكاء الاصطناعي تشير الوثيقة إلى ضرورة أن تكون برامج ومحتويات حملات التوعية متاحة حتى لمحدودي التعليم أو هؤلاء الذين لم يحصلوا على تعليم رسمي (ص 37).

فيما يتعلق بحماية البيانات والحق في الخصوصية، تشير الوثيقة إلى مصادقة مجلس النواب المصري على قانون حماية البيانات الشخصية (ص 48). وتوصي بأن يكون من مسؤوليات المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي ضمن اﻹعلان عن اﻹطر اﻷخلاقية لاستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي أن تنبني سياسات حماية البيانات على نصوص مواد هذا القانون (ص 46). كذلك توصي الوثيقة بأن يتواصل المجلس مع الجهات الحكومية للتنسيق معها ﻹصدار تشريعات ولوائح تنظيمية بهدف البناء على قانون حماية البيانات الشخصية وكذلك التوسع في مجالات إخفاء هوية البيانات.

الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول

تمثل هذه الوثيقة جانبًا بالغ اﻹيجابية لاهتمام الدولة المصرية بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. تنطوي فلسفة الوثيقة على نظرة تقدمية تجاه المخاطر المختلفة الناجمة عن استخدام نظم الذكاء الاصطناعي والتي قد تهدد الحق في الخصوصية، كما قد تهدد مبادئ المساواة والعدالة.

تضم وثيقة الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول مجموعتين من المبادئ، وهما:

  • المبادئ التوجيهية العامة، وهي قواعد شاملة تنطبق على جميع مكونات النظام البيئي للذكاء الاصطناعي.
  • المبادئ التوجيهية التنفيذية، وهي الاعتبارات التقنية التي تنطبق على الجهات التي تقوم بتطوير أو نشر أو إدارة نظم الذكاء الاصطناعي.

تشمل المبادئ التوجيهية العامة ذات الصلة بحقوق المواطنين كل من:

  • النص على حق المستخدم النهائي في معرفة متى يتفاعل مع نظام ذكاء اصطناعي وليس مع إنسان، تحقيقًا لمبدأي الشفافية وقابلية التفسير.
  • تحقيق مبدأ العدالة من خلال ضمان عدم تضرر أي فرد نتيجة لتطبيق نظم الذكاء الاصطناعي، مع توفير اعتبارات خاصة لحماية الفئات الضعيفة والمهمشة مثل الأطفال، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص ذوي المستوى الاقتصادي أو التعليمي المتدني. تتعلق هذه الاعتبارات بالتحيز المحتمل للبيانات المستخدمة لتدريب نظم الذكاء الاصطناعي، وافتقاد فرق التطوير للتنوع وتمثيل الفئات المجتمعية المختلفة فيها.
  • تحقيق مبدأ العدالة بتوفير سبل الإنصاف للمتضررين المحتملين من تطبيق نظم الذكاء الاصطناعي. يشمل ذلك إتاحة الحق في الطعن على نتائج تم التوصل إليها من خلال تطبيق نظام للذكاء الاصطناعي.
  • تحقيق مبدأ الرقابة البشرية من خلال فرض أن يكون القرار النهائي دائمًا قرارًا بشريًا، وتحقيق مبدأ المساءلة من خلال تحمل البشر المسؤولية تجاه النتائج النهائية لتطبيق نظم الذكاء الاصطناعي.

تشمل المبادئ التوجيهية التنفيذية ذات الصلة كل من:

  • اتخاذ تدابير إضافية للنظم والتطبيقات التي تتعامل مع بيانات حساسة أو تنفذ مهام حرجة وذلك لضمان الحفاظ على البيانات وإشراك المستفيدين وتجنب الأضرار المحتملة.
  • توفير إمكانية وصول الأوساط العلمية إلى البيانات المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
  • النص على ضرورة أن يصرح مالك البيانات مسبقًا باستخدام ما يخصه من بيانات، ويستثنى من ذلك البيانات المتاحة في المجال العام. بالإضافة إلى تجهيل بيانات التعريف الشخصية أو/و تشفيرها. والحصول على موافقة خطية صريحة من مالك البيانات.

ملاحظات على الاستراتيجية

ربما تكون وثيقة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في حال إلحاق الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول بها هي اﻷفضل من حيث الاهتمام بالجوانب ذات الصلة بالحقوق الرقمية للمواطنين. يتضمن الميثاق مبادئ هامة لضمان ألا تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين نتيجة انتشار استخدام نظم الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة. تأخذ هذه المبادئ في الاعتبار اﻹشكاليات التي كشفت عنها التجربة العملية في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تستخدم تكنولوجيات التعلم العميق والشبكات العصبية الاصطناعية.


استراتيجية الحوسبة السحابية

توفر الحوسبة السحابية فرصًا لتوفير تطبيقات وخدمات يمكن استخدامها من خلال شبكة الإنترنت. يتيح ذلك حلولًا عالية الجودة ومنخفضة السعر في نفس الوقت؛ لأن التكلفة تعتمد على الاستخدام الفعلي للتطبيقات والخدمات، مما يوفر على المستخدم تكلفة تطوير التطبيق أو الخدمة والبنية التحتية اللازمة لتشغيلها. تعتبر حلول الحوسبة السحابية مناسبة بصفة خاصة لحكومات الدول النامية التي ترغب في تحقيق التحول الرقمي، سواء لرفع كفاءة مؤسساتها، أو تطوير الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.

أصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في نوفمبر عام 2014، وثيقة بعنوان استراتيجية الحوسبة السحابية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. تشير مقدمة الوثيقة إلى حاجة الحكومات إلى إتاحة خدمات إلكترونية أكثر شفافية. وفي مناقشتها للتحديات التي تواجه الحكومة حاليًا، تشير الوثيقة إلى تطلب الأنظمة المعلوماتية الحكومية لبيئة تشغيل آمنة لضمان خصوصية البيانات، وهو ما تفتقده الأنظمة المستخدمة حاليًا. في حين أن الحوسبة السحابية يمكن أن تقدم حلولًا للتغلب على تحديات أمن المعلومات فهي في نفس الوقت تفتح الباب أمام تحديات جديدة في هذا المجال. (ص 8) وتكرر الوثيقة الإشارة إلى غياب أمن البيانات في التطبيقات الحكومية الحالية ضمن نقاط الضعف للبيئة الداخلية (ص 13).

على جانب آخر، تعرض الوثيقة بين اﻷخطار المتعلقة بالبيئة الخارجية كل من مخاوف أمن البيانات الحكومية، والحاجة إلى إجراء تغييرات تشريعية، وكذلك الحاجة إلى تجاوز الفجوة الرقمية، إضافة إلى الأخطار على البيانات الحكومية من حيث الأمن والخصوصية وغيرها (ص 13).  وفي عرضها للبعد الاستراتيجي الأول المتعلق بحوكمة الحوسبة السحابية المصرية، تتناول الوثيقة الحاجة إلى التعامل مع التحديات الأمنية بدقة. يتعلق ذلك بسرية المعلومات، والنفاذ غير الملائم إلى المعلومات الخاصة والسرية. كما توصي الوثيقة باستخدام إجراءات مناسبة للخصوصية والأمن مع متابعة حكومية دورية (ص 16).

في إطار البعد الاستراتيجي الأول، تتناول الوثيقة أثر موقع البيانات على اعتبارات ملكية البيانات والنفاذ إليها وخصوصيتها وأمنها (ص 16). جدير بالذكر أن هذه الاعتبارات قد تعامل مع معظمها قانون حماية البيانات الشخصية الذي صدر في عام 2020 وذلك بعد صدور هذه الوثيقة. يشير ذلك إلى الحاجة لتحديث استراتيجية الحوسبة السحابية لاستدراك التطورات المختلفة في الأعوام الأخيرة والبناء عليها لتطوير الرؤية المستقبلية للأعوام القادمة.

ملاحظات على الاستراتيجية

الملاحظة اﻷولى هي تقادم الوثيقة المتاحة حاليًا لاستراتيجية الحوسبة السحابية، فقد صدرت هذه الوثيقة في عام 2014. منذ ذلك الحين طرأت تطورات كبيرة على تكنولوجيات الحوسبة السحابية ومدى انتشارها والإقبال على استخدامها. كذلك فإن المدى الزمني للخطط التي طرحتها الوثيقة يفترض معه أن عديدًا من مبادراتها وبرامجها قد تم بالفعل.

كذلك طرأت على الواقع المصري تغييرات هامة، منها إصدار عديد من التشريعات ذات الصلة، في مقدمتها قانون حماية البيانات الشخصية. ترتب على إصدار القانون التزامات للجهات التي تجمع البيانات وتتحكم فيها وتعالجها، وهو ما يتطلب أن تتوافق سياسات استخدام الحوسبة السحابية لإدارة البيانات الحكومية مع هذه الالتزامات. يأتي في مقدمة هذه الالتزامات التوافق مع اشتراطات خروج البيانات التي يتم جمعها داخل مصر إلى خارجها. يترتب على ذلك ضرورة وضع سياسات لمحلية البيانات وبالتالي يؤثر ذلك على لجوء جهات حكومية إلى استخدام خدمات حوسبة سحابية تعتمد على بنية تحتية خارج مصر.

على جانب آخر، لا تضع الاستراتيجية في اعتبارها من بين أغراض استخدام الحوسبة السحابية هدف إتاحة البيانات الحكومية وتمكين وصول المواطنين إليها. يأتي ذلك على الرغم من كون هذا التزامًا دستوريًا وبالرغم من أن الحوسبة السحابية تعد حلًا مثاليًا لتحقيقه بتكلفة منخفضة. 

يغيب عن الاستراتيجية أيضًا وضوح الرؤية فيما يتعلق بأي من الحقوق اﻷساسية للمواطنين ذو صلة بموضوعها، وكيف يمكن لاستخدام تكنولوجيا الحوسبة السحابية أن يؤثر إيجابًا أو سلبًا على تمكين المواطنين من ممارسة هذه الحقوق. وبرغم وجود إشارات متفرقة تتعلق بأمن وخصوصية البيانات، فليس من بين هذه اﻹشارات ما يوضح الفرق بين البيانات المملوكة لجهات حكومية والبيانات المملوكة للمواطنين والتي تحتفظ بها الجهات الحكومية بحكم عملها، وهو ما يترتب عليه حقوق للمواطنين في الوصول إلى بياناتهم الشخصية ويمكن لاستخدام الحوسبة السحابية أن يجعل ذلك أكثر سهولة.

التوصيات

  1. ضرورة تحديث إستراتيجية الحوسبة السحابية بحيث تبدأ من حيث انتهى إليه العمل على تنفيذ المقترحات والتوصيات في الاستراتيجية الصادرة قبل تسع سنوات تقريبًا. ينبغي أن يتدارك التحديث التطورات الطارئة على تكنولوجيات الحوسبة السحابية وكذلك على السياق المصري، وبصفة خاصة اﻹطار التشريعي بعد صدور قانون حماية البيانات الشخصية.
  2. ينبغي أن تتضمن الاستراتيجية رؤية واضحة لتقاطع استخدام الحوسبة السحابية مع الحقوق اﻷساسية للمواطنين، وفي مقدمتها الحق في الخصوصية، والحق في الوصول إلى المعلومات الحكومية. تتعلق هذه الرؤية بكل من الأخطار الواجب التعامل معها والمتعلقة بأمن البيانات والخصوصية، والفرص المتاحة من خلال تكنولوجيا الحوسبة السحابية لتمكين الجهات الحكومية من الوفاء بالتزاماتها الدستورية التي تفرض عليها إتاحة بياناتها لوصول المواطنين إليها.

الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني

يأتي الأمن السيبراني في الوقت الحالي في مقدمة أولويات عديد من دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين. يحتل الأمن السيبراني هذه المكانة نظرًا لما أثبتته عديد من الأحداث خلال العقد الماضي من قدر الأثر الذي يمكن أن تحدثه الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الاقتصادية والعسكرية للدول.

إضافة إلى ذلك، تصاعدت صور الحرب والجاسوسية السيبرانية التي انخرطت فيها عدة دول سواء بشكل مباشر أو من خلال جماعات متخصصة في الجريمة الإلكترونية المنظمة، وتعمل عديد من هذه الجماعات اليوم في ظل رعاية وحماية عدد من الدول. مع هذه الأهمية الكبيرة للأمن السيبراني على المستوى الدولي والوطني للدول فهو أيضًا بالغ الأهمية بالنسبة للمؤسسات بجميع أحجامها وكذلك بالنسبة للأفراد. ليس ثمة نظام معلومات متصل بشبكة الإنترنت بمنأى عن المخاطر الأمنية المختلفة، ومن ثم فالحاجة إلى الأمن السيبراني هي حاجة عامة للجميع.

صدرت وثيقة “الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني” في ديسمبر عام 2018، وقد قام بإعدادها المجلس الأعلى لتأمين البنى التحتية للاتصالات والمعلومات (المجلس الأعلى للأمن السيبراني). يمكن تلخيص أهم ما اشتملت عليه الوثيقة في النقاط التالية:

يقدم القسم الأول من الوثيقة خلفية تتضمن التحديات والأخطار السيبرانية، ومنها خطر سرقة الهوية الرقمية والبيانات الخاصة. ويتناول القسم الثاني الهدف الاستراتيجي وهو “مواجهة المخاطر السيبرانية وتعزيز الثقة في البنى التحتية للاتصالات والمعلومات وتطبيقاتها وخدماتها في شتى القطاعات الحيوية وتأمينها من أجل تحقيق بيئة رقمية آمنة وموثوقة للمجتمع المصري بمختلف أطيافه.” ثم يقدم هذا القسم ركائز التوجه الاستراتيجي لمواجهة الأخطار السيبرانية، ومنها الإطار التشريعي. يشمل ذلك تشريعات لأمن الفضاء السيبراني، ومكافحة الجرائم السيبرانية، وحماية الخصوصية، وحماية الهوية الرقمية وأمن المعلومات، إضافة إلى التوعية المجتمعية.

تقدم الوثيقة آلية تنفيذ استراتيجية الأمن السيبراني في هيئة المجلس الأعلى لتأمين البنى التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (المجلس الأعلى للأمن السيبراني). تتبع الهيئة مجلس الوزراء ويرأسه وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتمثل فيه الأطراف المعنية بكل من الأمن القومي، وإدارة وتشغيل البنى التحتية في القطاعات الحيوية والمرافق العامة، وذوي الخبرة في القطاع الخاص والجهات البحثية والتعليمية. بدأ المجلس عمله التمهيدي في يناير 2015، وقام رئيس مجلس الوزراء باعتماد تشكيل المكتب التنفيذي للمجلس ولجنته التنفيذية وتوصيف مهامه في يونيو 2016.

تستعرض الوثيقة أهم البرامج الاستراتيجية في الفترة بين 2017 و2021، ومنها برنامج تطوير الإطار التشريعي الملائم لأمن الفضاء السيبراني، ومكافحة الجرائم السيبرانية، وحماية الخصوصية، وحماية الهوية الرقمية، وبرنامج لحماية الهوية الرقمية (برنامج المواطنة الرقمية). وكذلك برنامج للتوعية المجتمعية بالفرض والمزايا التي تقدمها الخدمات الإلكترونية للأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية وبأهمية الأمن السيبراني لحماية تلك الخدمات من المخاطر والتحديات التي قد تواجهها.

ملاحظات على الاستراتيجية

يتقاطع اﻷمن السيبراني بصفة أساسية مع كل من الحق في الخصوصية والحق في أمن البيانات. يُعد الحق اﻷخير أكثر شمولية، حيث يتعلق بحماية البيانات الشخصية والبيانات المملوكة للأفراد والمؤسسات من عدد من اﻷخطار إضافة إلى انتهاك خصوصيته. تتعلق كافة هذه الأخطار بالوصول غير المصرح به إلى الأنظمة المعلوماتية بحيث يمكن لمنفذ الهجوم السيبراني الاطلاع على البيانات ونشرها أو مشاركتها/بيعها أو حرمان مالكها من الوصول إليها أو العبث بها وتعديلها أو محوها أو التهديد بأي من ذلك كوسيلة لابتزاز مالك البيانات في مقابل عدم تنفيذ هذه التهديدات وإعادة السيطرة على البيانات إليه.

كذلك يمكن للهجمات السيبرانية أن تحدث أضرار مادية مباشرة بأنظمة المعلومات التي تخترقها، أو تحدث أضرارا مادية بالبنى التحتية والمرافق وأدوات اﻹنتاج التي قد تستخدم أنظمة المعلومات للتحكم فيها. لكل ما سبق فإن الحق في أمن البيانات هو ضرورة حيوية للأفراد والمؤسسات وكذلك الدول.

ما تفتقد إليه وثيقة استراتيجية اﻷمن السيبراني هو أولًا مواكبتها ﻷحدث التغيرات الطارئة في مجال اﻷمن السيبراني، وكذلك المتغيرات الطارئة على البيئة التشريعية المصرية التي شهدت إصدار قانون لمكافحة الجرائم اﻹلكترونية إضافة إلى قانون حماية البيانات الشخصية. لذلك، تفتقد هذه الوثيقة إلى طرح رؤية مستقبلية تبدأ من الوضع القائم حاليًا وتبني عليه لتعديل ما ورد فيها من مبادئ عامة وتوصيات ومقترحات بخطط تنفيذية. 

كما تفتقد الوثيقة وضوح التقسيم الهرمي لأنظمة المعلومات التي تتراوح بين الشبكات المحلية الكبرى وصولًا إلى اﻷجهزة الشخصية (الحواسيب والهواتف الذكية). فالحقيقة أن المتطلبات اﻷمنية للمستويات المختلفة لأنظمة المعلومات متباينة. وفي حين أن الاستراتيجية من خلال مقترحاتها وتوصياتها تتناول توجهات يتصل كل منها بمستوى مختلف لأنظمة المعلومات فإن عدم التمييز بينها يحول دون تقييم كفايتها لكل مستوى، وبصفة خاصة على مستوى اﻷفراد. 

ما يمكن اعتباره متعلقًا بحماية حق اﻷفراد في أمن البيانات هو المبادئ والخطط التي تتعلق بحماية أنظمة المعلومات التي تحوز بيانات اﻷفراد ﻷغراض مختلفة. إضافة إلى ذلك، تكتفي الاستراتيجية بهدف نشر الوعي بأهمية اﻷمن السيبراني بين المواطنين، وهو هدف ضروري بلا شك، ولكن مسؤولية الدولة تجاه حماية أمن البيانات والخصوصية للأفراد تمتد إلى أكثر من ذلك. 

بصفة خاصة يغيب عن الاستراتيجية الحديث عن الرقابة على المعدات والبرمجيات المتاحة في السوق المحلي لاستخدام اﻷفراد، والتي يمكن ألا تتحقق بها اشتراطات اﻷمان الكافي أو أن تكون مصممة بحيث تتيح إمكانية اختراق الأنظمة المعلوماتية التي تتصل بها. من بين أكثر اﻷجهزة عرضة لمثل هذه المشاكل أجهزة الراوتر المنزلية والهواتف الذكية والبرمجيات سابقة التثبيت عليها. الكثير مما هو متاح بالسوق المصري من هذه الأجهزة إما يفتقر إلى اشتراطات الأمان المطلوب، أو يحتوي على أبواب خلفية تسهل لمن هو على علم بها اختراقه أو يحتوي على برمجيات خبيثة.

التعامل مع التهديدات التي يمثلها وجود مثل هذه المعدات والبرمجيات في السوق هو من بين اﻷدوار التي ينبغي للدولة الاضطلاع بها، أولًا التزاما بدورها في حماية حقوق المواطنين في الخصوصية وأمن البيانات، وثانيًا لأن تهديد هذه المعدات والبرمجيات لا يقتصر على المستخدم المباشر لها، ولكن يمتد إلى أنظمة المعلومات التي قد يكون له حق النفاذ إليها بحكم عمله على سبيل المثال.

التوصيات

  1. ينبغي تحديث الاستراتيجية الوطنية المصرية للأمن السيبراني بحيث تواكب المستجدات من حيث تطور اﻷخطار والتهديدات، وكذلك تطور تكنولوجيات الحماية. إضافة إلى التعامل مع مستجدات واقع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر والبيئة التشريعية ذات الصلة به وذلك بهدف طرح رؤى التطوير على أساس هذه المستجدات.
  2. ينبغي أن يستمر تحديث هذه الاستراتيجية بشكل دوري كل عدة أعوام نظرًا لتسارع معدل التغيرات الطارئة على مجال اﻷمن السيبراني.
  3. ينبغي للاستراتيجية أن تكون أكثر وضوحًا في تمييزها لأنظمة المعلومات ومستوياتها المختلفة حتى يسهل للمطلع عليها تقييم تغطيتها للمتطلبات اﻷمنية المتباينة بين هذه المستويات، وكذلك حتى لا يتم إغفال بعض المستويات، كما هو الحال بالنسبة لمستوى أنظمة المعلومات للاستخدام الشخصي للأفراد.
  4. ينبغي أن تحتوي الاستراتيجية على مبادئ عامة لفرض رقابة على سوق المعدات والتجهيزات والبرمجيات، وأن تقدم توصيات باﻵليات المطلوبة لذلك، سواء كانت في هيئة تشريعات أو لوائح وقرارات إدارية. هذه الرقابة ينبغي أن تعتمد على مبادئ توصي بها الاستراتيجية تتعلق بتحديد هيئة أو جهاز حكومي يكون من مهامه وضع اشتراطات اﻷمان الواجب توافرها في المعدات والبرمجيات التي يصرح أو يرخص بتسويقها داخل مصر. وكذلك التوصية بآليات للإبلاغ عن المعدات والبرمجيات التي يٌكتشف بها ثغرات أمنية، سواء نتيجة أخطاء في الصناعة، أو الشفرة الخاصة بها، أو نتيجة لتعمد الوصول غير المصرح به إلى بيانات شخصية أو حساسة.

الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية

أُعدت الاستراتيجية الوطنية المصرية للتجارة الإلكترونية في إطار برنامج مراجعة سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD. صدرت الوثيقة الخاصة بها عن الأمم المتحدة في عام 2017. حسب الوثيقة، كانت مصر هي الدولة الأولى المستفيدة من الإطار التشخيصي لتكامل التجارة الإلكترونية في برنامج مراجعة السياسات. وقد أعدت الـ UNCTAD هذه الاستراتيجية بناء على طلب من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية.

وثيقة الاستراتيجية الوطنية للتجارة اﻹلكترونية تقع في 94 صفحة وينصب اهتمامها على متطلبات دفع وتنشيط التجارة اﻹلكترونية بهدف أن تسهم بشكل فعال في النمو الاقتصادي. على جانب آخر، تنحصر اﻹشارة إلى حقوق المواطنين في توصيات الوثيقة بإصدار تشريع خاص بحماية المستهلك حال حصوله على السلع والخدمات من خلال منصات التجارة الإلكترونية المتخصصة،  أو تسهيلات التجارة اﻹلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي. وكذلك قانون بالمسؤولية الجنائية المحدودة لمقدمي الخدمات الوسيطة على اﻹنترنت، جدير بالذكر أن كلا القانونين لم يصدر بعد. في المقابل، أوصت الوثيقة بعدة تشريعات أخرى صدرت فعليًا خلال الأعوام الماضية، ومنها قانون التوقيع اﻹلكتروني، وقانون مكافحة الجرائم اﻹلكترونية، وقانون حماية البيانات الشخصية.

ملاحظات على الاستراتيجية

تتقاطع التجارة اﻷلكترونية مع حقوق الأفراد في كل من جانب حمايتهم كمستهلكين من التعرض للغش التجاري بصوره، وفي جانب الخصوصية فيما يتعلق بالبيانات الشخصية التي قد يحصل عليها بائع السلعة أو الخدمة أو المنصة التي تتم من خلالها عملية التبادل التجاري. وكلا الجانبين قد تعرضت له الاستراتيجية من خلال التوصية بالتشريعات المطلوبة لتحقيقه.

في توصيتها بإصدار قانون للمسؤولية المحدودة لمقدمي الخدمات الوسيطة (المنصات التجارية ومنصات التواصل الاجتماعي التي يتم من خلالها عرض السلع والخدمات)، تتبنى الوثيقة الفلسفة المتبعة في الولايات المتحدة اﻷمريكية. تعفي هذه الفلسفة مقدمي الخدمات الوسيطة من أية مسؤولية جنائية في حال ارتكب أحد من يقدمون السلع والخدمات من خلال مواقعهم جرائم تتعلق بالغش التجاري.

من ثم، يعفي ذلك مقدمي الخدمات الوسيطة من أي التزام بالتثبت من صحة المعلومات التي يقدمها البائع، بما في ذلك صحة وسائل التواصل معه أو صحة وضعه القانوني. هذه الفلسفة هي على خلاف ما تبنته دول أخرى وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي. يفرض قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية على مقدمي الخدمات الوسيطة مسؤوليات جنائية في حال أهملوا في التثبت من البيانات اﻷساسية للبائع لضمان الحد اﻷدنى من مصداقيته.

التوصيات

  1. مرة أخرى، وعلى غرار أغلب الوثائق التي تتيحها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للاستراتيجيات المتعلقة بالقطاع، ينبغي العمل على تحديث الاستراتيجية الوطنية للتجارة اﻹلكترونية. شهدت السنوات اﻷخيرة تطورًا كبيرًا في حجم وتنوع هذه التجارة في مصر، كما أن عديدًا من التشريعات التي اقترحتها الاستراتيجية قد صدرت بالفعل وهو ما يجعل الفائدة العائدة من الوثيقة المتاحة حاليًا أدنى من المطلوب.
  2. مراجعة توصيات الاستراتيجية فيما يخص التشريعات المطلوب إصدارها على ضوء تطور البيئة التشريعية العالمية، مع اﻷخذ في الاعتبار أن التشريعات المتعلقة بتنظيم الأنشطة في الفضاء السيبراني هي بطبيعتها عابرة للحدود، بغض النظر عن نطاق نفاذ القوانين وسلطة تطبيقها. يتعلق هذا بصفة خاصة بمجال التجارة اﻹلكترونية أكثر من غيره، إذ أنه يغطي تعاملات مالية وتبادل تجاري قد يكون أحد أطرافها فقط مقيمًا داخل مصر في حين يوجد الطرف اﻵخر خارجها. من ثم، تحتاج أية استراتيجية للتجارة اﻹلكترونية إلى طرح مقترحات بسياسات لحل مشاكل تعارض البنى التشريعية بين مصر وبين الدول التي قد يكون اﻷطراف اﻵخرين للتبادل التجاري مقيمين فيها، وذلك لضمان ألا يؤدي هذا التعارض إلى الافتئات على حقوق الطرف أو اﻷطراف المصرية.
  3. ينبغي مراجعة الاقتراح بمحدودية مسؤولية مقدمي الخدمات الوسيطة، حيث أن الثقة التي يوليها المستخدمون للمنصات المختلفة هي بالضرورة تؤثر على مدى إقبالهم على شراء السلع والخدمات المعروضة من خلالها. لذلك، ينبغي أن يتحمل مقدمو خدمات هذه المنصات مسؤولية تعادل هذه الثقة. يمثل ذلك التوجه الأكثر حرصًا على إحداث التوازن بين حقوق المواطنين وبين تيسير سبل التبادل التجاري.

استراتيجيات البرمجيات مفتوحة المصدر والمحتوى العربي والمسؤولية المجتمعية

هذه المجموعة من الاستراتيجيات تمثل مبادرات محمودة للحكومة المصرية ورؤى تقدمية في معظمها للاهتمام بتنمية مجالات العمل في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وخلق بيئة مواتية لدفع تفاعل المواطنين مع الخدمات والتطبيقات المتاحة من خلال تكنولوجيا المعلومات وشبكة اﻹنترنت. 

البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر تسمح بدفع تطور صناعة البرمجيات في مصر مع خفض حاجز التكلفة الذي يحول دون انخراط الكيانات الصغيرة ومتناهية الصغر في هذه الصناعة. كما أن وثيقة الاستراتيجية الخاصة بهذا المجال تكشف عن رؤى تقدمية ﻷثر تشجيع البرمجيات الحرة لإشاعة مناخ أكثر شفافية وبصورة خاصة بتمكين المواطنين من ممارسة الحق في الوصول إلى المعلومات.

كذلك تؤثر سياسات تشجيع نمو المحتوى العربي على اﻹنترنت على تضييق الفجوة في الوصول إلى المعلومات بين الفئات ذات المستويات الاقتصادية والتعليمية المرتفعة وبين فئات المجتمع اﻷقل حظا، أو التي تعاني من التمييز على أساس الجندر أو الموقع الجغرافي. وتستشرف وثيقة المسؤولية المجتمعية إمكانيات الوصول إلى التزامات طوعية للكيانات الاقتصادية الربحية العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تجاه اﻷثار المترتبة على سياساتها وممارساتها. يصب هذا بالضرورة في صالح حماية حقوق وحريات المواطنين ذات الصلة.

ملاحظات على الاستراتيجيات

الملاحظة الوحيدة والمتكررة هي الحاجة إلى تحديث هذه الاستراتيجيات والعمل على أن يتم هذا التحديث بصورة دورية على فترات مناسبة تسمح بالتعامل مع المستجد في كل مجال ومتابعة ما أمكن تحقيقه من توصيات وخطط وبرامج الاستراتيجيات اﻷقدم.

التوصيات

بناء على الملاحظات المذكورة سابقا فالتوصية اﻷساسية الخاصة بهذه الاستراتيجيات تتعلق بضرورة وضع سياسة عامة للتحديث الدوري للاستراتيجيات.كما ينبغي متابعة ما تم بالفعل تنفيذه من توصيات وخطط وبرامج وتقييم آثارها وجوانب النجاح واﻹخفاق للبناء عليها في سبيل أعداد الاستراتيجيات اﻷحدث.


خاتمة

اهتمام الدولة المصرية بتطوير وإعداد استراتيجيات وخطط تنفيذية في المجالات المختلفة لإيضاح توجهاتها في المدى القصير والمتوسط هو بلا شك أمر ينبغي الإشادة به والدعوة إلى التوسع فيه مع معالجة أوجه القصور الحالية. بصفة خاصة يندرج توفير سبل ميسرة للوصول إلى الوثائق الصادرة عن الحكومة بهذا الصدد أحد الجوانب التي ينبغي الاهتمام بها.

من الملاحظ أنه بخلاف وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تتيح الوصول إلى عديد من الوثائق ذات الصلة من خلال موقعها على شبكة الإنترنت، فإن الجهات الحكومية الأخرى لا تتيح إمكانية وصول ميسرة إلى الوثائق المشابهة. وفي الواقع، ينبغي إتاحة نافذة موحدة للوثائق ذات الصلة باستراتيجيات وخطط الحكومة توفر للمواطنين إمكانية الوصول إلى هذه الوثائق والاطلاع غليها في صيغ مناسبة.

سعت هذه الورقة إلى تقديم قراءة مختصرة لعدد من الوثائق المتاحة والتي قدمت الحكومة المصرية من خلالها استراتيجياتها المستقبلية في عدة مجالات. تم اختيار الوثائق على أساس تعلقها بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالحقوق الرقمية للمواطنين مع التركيز على الحق في الخصوصية والحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير. 

من خلال هذه القراءة يمكن القول بأن النقد الأساسي الموجه إلى هذه الوثائق لا يتعلق بالمتضمن فيها بقدر ما يتعلق بما أغفلته، وهو بصفة عامة إيضاح سياسات الدولة المصرية تجاه الضمانات الحقوقية لمواطنيها فيما يتعلق بمجالات العمل والتطبيقات والخدمات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقد قدمت الورقة أمثلة للجوانب ذات الصلة بالحقوق الرقمية التي ينبغي لاستراتيجيات الدولة المتعلقة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن تتضمن إيضاحات بخصوصها لعرض سياسات الدولة تجاه توفير الضمانات الكافية لحماية هذه الحقوق ولتمتع المواطنين بها.