قانون الخدمات الرقمية: الالتزامات والتأثيرات على مزودي الخدمة عبر الإنترنت

مقدمة

قانون الاتحاد اﻷوروبي للخدمات الرقمية Digital Services Act (DSA) مع توأمه، قانون السوق الرقمي Digital Market Act هما بفارق كبير أكثر التشريعات التي أصدرها الاتحاد اﻷوروبي طموحًا، والتي تنطوي على نية واضحة لكبح جماح شركات التكنولوجيا اﻷمريكية العملاقة من أمثال جوجل، فيسبوك، تويتر، ومن على شاكلتهم. سيكون للقانون بشكل شبه أكيد آثار كبيرة على بيئة اﻹنترنت العالمية مع دخوله حيز التنفيذ، بشكل جزئي أولًا، ومن ثم بالكامل خلال الشهور التالية وحتى شهر فبراير عام 2024.

يضع قانون الخدمات الرقمية قواعد لتعريف مقدمي الخدمات الوسيطة، والمحتوى، والبضائع، والسلوك غير القانوني على اﻹنترنت، وقواعد المسؤولية القانونية لمقدمي الخدمات. وهو أيضًا يفرض التزامات متنوعة بناء على نوع وحجم مقدمي الخدمات. وسوف تخلق هذه القواعد والالتزامات حقائق جديدة في سوق الخدمات الرقمية، في كل من الاتحاد اﻷوروبي وكذلك في العالم كله. ومن المتوقع أن تكون ثمة آثار مباشرة على خبرة مستخدمي اﻹنترنت في كل مكان بالعالم. كذلك يرسي القانون سوابق جديدة لن يكون بإمكان أي دولة خارج الاتحاد الأوروبي أن تتجاهلها إذا ما سعت إلى تنظيم الخدمات الرقمية داخل حدودها.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم مقدمة شاملة قدر اﻹمكان لقانون الخدمات الرقمية؛ طريقه خلال عملية استغرقت ثلاث سنوات ونصف، حتى أصبح أخيرًا ساريًا في 16 نوفمبر 2022؛ أهدافه، وأهم قواعده والالتزامات التي يفرضها على أطراف مختلفة في مقدمتها بالطبع مقدمي الخدمات الرقمية، واﻵليات الجديدة والهيئات المنشأة لتنفيذها واﻹشراف عليها ومراقبتها، والحقائق الجديدة المتوقع أن يخلقها وآثارها على من يعيشون خارج الاتحاد اﻷوروبي.

المصدر الرئيسي للمعلومات لهذه الورقة هو نص القانون كما نشرته الجريدة الرسمية للاتحاد اﻷوروبي بتاريخ 27 أكتوبر 2022. نقاط المذكرة اﻹيضاحية، مواد القانون سيتم اﻹشارة إليها بأرقامها داخل أقواس، عند الحاجة.

الخط الزمني لصدور القانون

ظل قانون الخدمات الرقمية في مراحل اﻹعداد والمناقشة والتفاوض لحوالي ثلاث سنوات ونصف السنة، منذ اﻹعلان عن فكرة التقدم بالقانون ﻷول مرة في مايو 2019، وحتى نشره في الجريدة الرسمية للاتحاد اﻷوروبي في أكتوبر 2022.

النية في التقدم بقانون الخدمات الرقمية، أتى على ذكرها وثيقة بعنوان “اتحاد يسعى للمزيد: أجندتي لأوروبا” قدمتها أورزولا فون دير لايين، كمرشحة لرئاسة المفوضية اﻷوروبية في عام 2019. في هذه الوثيقة كان القانون جزءًا من برنامج أوسع بعنوان “أوروبا مستعدة للعصر الرقمي“. لاحقًا تم توزيع ورقة حول الخطوط العريضة للقانون وملامحه الرئيسية بشكل داخلي بين مؤسسات الاتحاد في يونيو 2019، يبدو أنها كانت من إعداد اﻹدارة العامة للتجارة بالمفوضية. وتم تسريبها للجمهور في يوليو من نفس السنة.

في إبريل عام 2020، أصدرت ثلاث لجان بالبرلمان اﻷوروبي هي: لجنة السوق الداخلي وحماية المستهلك، لجنة الشؤون القانونية، ولجنة الحريات المدنية والعدالة والشؤون الداخلية، تقارير تحوي توصيات للمفوضية اﻷوروبية بخصوص قانون الخدمات الرقمية الذي كان حينها في طور اﻹعداد مع توقع تقدم المفوضية به قبل نهاية العام.

كان من المفترض أن تبدأ الاستشارات العامة حول القانون في مارس 2020. ولكنها أجلت بسبب أزمة جائحة الكوفيد 19 حينها. وقد بدأت الاستشارات العامة في النهاية في الثاني من يونيو 2020، وأغلقت في الثامن من سبتمبر من نفس العام. حددت المفوضية سؤالين واسعين كان القانون الجديد معنيا بالتعامل معهما، اﻷول هو تحديث توجيه التجارة الإلكترونية الصادر في عام 2000 منذ أكثر من عقدين، مع التركيز بصفة خاصة على اﻹعفاء من المسؤولية القانونية ومبدأ “دولة المنشأ”. والثاني هو ضمان سوق عادلة، مفتوحة، وتنافسية في وجود المنصات الكبيرة. كما حددت المفوضية ست مجالات لفحصها من خلال الاستشارات تحت العنوانين السابقين. تلك المجالات هي: الأمان على شبكة اﻹنترنت، المسؤولية القانونية، الهيمنة على السوق، اﻹعلان من خلال اﻹنترنت، والتعاقدات الذكية، ومشاكل العمل الحر على اﻹنترنت، والمستقبل المحتمل ﻹطار حوكمة الخدمات الرقمية.

قدمت المفوضية اﻷوروبية مشروع قانون الخدمات الرقمية بصفة رسمية إلى كل من البرلمان اﻷوروبي ومجلس الاتحاد اﻷوروبي (مؤسسة صانعي القرار الممثلين للدول الأعضاء بالاتحاد)، في 15 ديسمبر 2020.

في 25 نوفمبر عام 2021، أعلن المجلس عن موقفه الذي توافق عليه أعضاؤه حول مشروع القانون. وخرج بيان المجلس الرسمي تحت عنوان “ما ليس قانونيا خارج اﻹنترنت، ينبغي أن يكون غير قانوني على اﻹنترنت.” أكثر التعديلات التي أدخلها المجلس على مسودة القانون أهمية كانت: النص صراحة على ماكينات البحث على اﻹنترنت، حماية أفضل لمن دون السن القانوني على الإنترنت، التزامات إضافية للأسواق على اﻹنترنت، قواعد أكثر صرامة للمنصات الكبرى على اﻹنترنت، وسلطات جديدة حصرية ﻹنفاذ القانون للمفوضية اﻷوروبية للتعامل مع انتهاكات المنصات الكبيرة للغاية وماكينات البحث الكبيرة للغاية للقانون.

بعد عام كامل من التقدم بمشروع القانون، قدمت اللجنة المختصة داخل البرلمان اﻷوروبي تقريرها حوله، والذي تضمن كثيرًا من التعديلات على المسودة اﻷصلية. من المثير للاهتمام أن غالبية هذه التعديلات وكثيرًا مما أدخله النواب في مناقشاتهم وجلسات الاستماع التي أجروها لاحقًا من تعديلات لم يتم اﻷخذ به في النص النهائي للقانون فيما أُخذ بغالبية إن لم يكن كل التعديلات التي أدخلها المجلس. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن جهات ممثلة لشركات التكنولوجيا الكبرى عبرت عن استيائها البالغ للتقرير الذي أصدرته اللجنة البرلمانية في حين رحبت بالمسودة التي تم التوصل إلى اتفاق سياسي حولها لاحقًا.

من خلال ما يسمى بـ “الترايلوج” (حوار ثلاثي اﻷطراف) وهو آلية غير رسمية للتفاوض حول إقرار مشروعات القوانين بين المؤسسات الثلاث الرئيسية للاتحاد وهي المفوضية اﻷوروبية، البرلمان اﻷوروبي، مجلس أوروبا Council of Europe تم التوصل إلى اتفاق “سياسي” حول مشروع القانون في 23 إبريل 2022. وتبنى البرلمان الأوروبي أخيرًا المشروع بشكل نهائي في 5 يوليو 2022.

نشر قانون الخدمات الرقمية للاتحاد اﻷوروبي في الجريدة الرسمية للاتحاد في 27 أكتوبر 2022. حسب نص القانون نفسه، أصبح القانون ساريًا في 16 نوفمبر 2022 بعد 20 يومًا من نشره. تطبيق القانون على جانب آخر لها مواعيد متدرجة أقربها يبدأ في 17 فبراير 2023، فيما يدخل القانون حيز التنفيذ ويطبق على جميع المخاطبين به في 17 فبراير 2024.

قانون الخدمات الرقمية: الدوافع واﻷهداف

الدافع اﻷول وراء قانون الخدمات الرقمية كان الحاجة إلى كبح الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنشر المعلومات من خلال الخدمات الرقمية الوسيطة، بصفة خاصة منصات اﻹنترنت، وبشكل محدد أكثر المنصات الكبيرة للغاية على اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية أيضًا.

الخسائر الاقتصادية نتيجة لبيع سلع مزيفة أو ذات حقوق تجارية على اﻹنترنت كانت أيضًا أحد الدوافع الهامة وراء القانون. دافع اقتصادي أيضًا كان الحجم الضخم والنفوذ الكبير لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تقدم خدمات المنصات الكبيرة للغاية على اﻹنترنت، وهو ما حولها إلى “حراس بوابات” تتحكم بالدخول إلى سوق الخدمات الرقمية الوسيطة وتجعل المنافسة غير موجودة عمليًا في هذا السوق. الشركات الأوروبية على وجه التحديد ليس لديها فرصة للتنافس مع العمالقة اﻷمريكان أمثال فيسبوك وجوجل، وأمازون، إلخ. وأخيرًا، الانقلابات المجتمعية التي يُخشى منها نتيجة نشر أنواع مختلفة من المعلومات كانت كذلك دافعًا رئيسيًا وراء قانون الخدمات الرقمية.

الدوافع المذكورة سابقًا انعكست في مسودة القانون وفي نصه النهائي. على غير الحال بالنسبة لتشريعات مماثلة، يتبنى قانون الخدمات الرقمية مقاربة تستخدم معايير النوع والحجم لفرض التزامات على الخدمات الوسيطة بشكل مختلف باختلاف أنواعها وأحجامها، بحيث يفرض مزيدًا من الالتزامات على منصات اﻹنترنت، ومزيدًا حتى من الالتزامات على تلك المنصات التي يتم تحديد كونها كبيرة للغاية، أو ماكينات بحث كبيرة للغاية.

أهداف القانون كما نصت عليها الوثائق الرسمية للمفوضية اﻷوروبية، والمادة (1) من القانون تضم:

  • تقديم حماية أفضل للمستخدمين وحقوقهم اﻷساسية على اﻹنترنت، كمتلقين للخدمات الوسيطة وكذلك كمستهلكين لخدمات تتوسط هذه الخدمات بينهم وبينها.
  • تنظيم التزامات واضحة لمقدمي الخدمات الرقمية مما يضمن الشفافية والمحاسبة.
  • التنسيق فيما بين القواعد المطبقة عبر الدول اﻷعضاء بالاتحاد ومنع تشظي السوق الداخلية الموحدة نتيجة للقوانين المختلفة التي تتعامل مع نفس الموضوعات في دول أعضاء مختلفة.

بنية قانون الخدمات الرقمية

يتعامل قانون الخدمات الرقمية مع مشكلة محورية واحدة هي “نشر المعلومات/المحتوى غير القانوني”. حول هذه المشكلة يعمل القانون من خلال ثلاث نطاقات: الإعفاء من المسؤولية القانونية، الالتزامات، والإنفاذ. إلى جانب المذكرة اﻹيضاحية المفصلة للغاية (يبلغ عدد نقاطها 156)، ينقسم نص القانون نفسه إلى خمسة أبواب، كل من اﻷول واﻷخير منها يتعامل مع موضوعات عامة وإجرائية، باستثناء المادة (3) من القانون في الباب اﻷول والتي تعرف المصطلحات المستخدمة فيه وهي في الواقع ذات أهمية قصوى. ويتعامل كل باب من الأبواب (2-4) مع واحد من النطاقات الثلاث الرئيسية المشار إليها سابقا.

المنطق وراء القانون يمكن تلخيصه كما يلي: المعلومات والمحتوى غير القانونيين تشكل مخاطر مختلفة (مذكرة 1). لتقليل هذه المخاطر إلى الحد اﻷدنى ثمة حاجة إلى تحجيم المعلومات والمحتوى غير القانونيين التي يتعرض لها الجمهور من خلال اﻹنترنت إلى الحد اﻷدنى. الخدمات الرقمية الوسيطة مسؤولة عن السماح للمستخدمين بالوصول، وإتاحة، و/أو نشر كل أنواع المعلومات والمحتوى على اﻹنترنت، بما في ذلك تلك التي تعتبر غير قانونية. لتحقيق هدف تحجيم المعلومات والمحتوى غير القانونيين إلى الحد اﻷدنى، ينبغي أن يسلك مقدمو الخدمات الوسيطة بشكل مسؤول ومجتهد. (مذكرة 3)

على هذا اﻷساس، حتى يتحقق الهدف اﻷساسي من القانون بشكل فعال، ينبغي أن تنطبق قواعده على كل الخدمات الوسيطة التي يعيش متلقوها داخل حدود الدول اﻷعضاء في الاتحاد اﻷوروبي، سواء كانوا مواطنين بهذه الدول أو أجانب مقيمين فيها. مع اﻷخذ في الاعتبار بالطبيعة العابرة للحدود للإنترنت، يمكن لمقدمي الخدمات الوسيطة أن يكونوا جهات منشأة أو موجودة في أي مكان في العالم. قصر تطبيق قواعد القانون على الجهات مقدمة الخدمات الوسيطة المنشأة أو الموجودة داخل حدود الاتحاد يفرغ هذه القواعد من الحد اﻷدنى من الفعالية الضروري لتحقيق الهدف منها. ومن ثم أية قواعد يضعها القانون ينبغي تطبيقها على مقدمي الخدمات الوسيطة بغض النظر عن مكان إنشائها أو تواجدها، إذا ما كان لهم “صلة حقيقية بالاتحاد.” (مذكرة 7)

قواعد المسؤولية القانونية

لوقت طويل كانت القاعدة هي أن مقدمي الخدمات الوسيطة من كل اﻷنواع معفيون من المسؤولية القانونية عن المعلومات التي ينقلونها أو يخزنونها أو ينشرونها نيابة عن متلقي الخدمة. ومع ذلك فقد كانت القوانين اﻷوروبية دائما تشترط الجهالة لتطبيق هذه القاعدة. وفي حين أن القاعدة لم تتغير مع قانون الخدمات الرقمية إلا أنها أصبحت أكثر تفصيلا. وقد بذل جهد كبير لتحديد متى ولماذا وكيف يمكن لمقدم خدمة وسيطة أن يحتفظ حصانته ضد المسؤولية القانونية. وقد تم تفصيل القواعد أيضا حسب نوع الخدمة المقدمة.

مقدم الخدمة الوسيطة يمكن أن يتمتع بالحصانة من المسؤولية القانونية طالما لم يتدخل في المعلومات التي يتعامل معها لأي غرض بطريقة تجعل محتوى هذه المعلومات معروفا له. في حال حصل مقدم الخدمة على المعرفة بمحتوى معلومات غير قانونية، بأي سبيل مشروع، يمكن فقط أن يحفظ اعفائه من المسؤولية القانونية باتخاذ إجراء فوري سواء كان بمحو أو تعليق الوصول إلى المعلومات المعنية. إضافة إلى ذلك يضع القانون الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها به كشرط غير مباشر لاحتفاظ مقدمي الحدمة بإعفائهم من المسؤولية القانونية.

ما الذي ينطبق قانون الخدمات الرقمية عليه؟

قانون الخدمات الرقمية له مجال بالغ الشمول ومن ثم فهو مجال شديد الاتساع أيضا. أولا يتأكد القانون من أن تطبق قواعده على كل أنواع الخدمات الوسيطة، والتي تعرفها المادة (3) لتضم كل من:

  • الممرات: وتعني تلك الخدمات التي تنقل المعلومات التي يقدمها متلقو الخدمة، أو تقدم إمكانية الوصول إلى شبكة اتصالات. المثال الشائع لهذه الخدمات هو مقدمي خدمة الوصول إلى شبكة الاتصالات التي نطلق عليها اسم اﻹنترنت.
  • الحفظ المؤقت: وتعني أي خدمة تؤدي بشكل ميكانيكي، ووسيط، ومؤقت عملية تخزين المعلومات قبل نقلها إلى وجهتها النهائية. الغرض من حفظ المعلومات في هذه الحالة هو جعل نقلها أكثر كفاءة.
  • الاستضافة: وتعني أي خدمة تخزن المعلومات التي قدمها متلقي الخدمة وطلب تخزينها.

من الواضح حتى على هذا المستوى من التجريد، أن اﻷنواع المختلفة من الخدمات الوسيطة تتدخل في التعامل مع المعلومات بصور متنوعة. وذلك هو السبب في أن قانون الخدمات القانونية يتبنى مقاربة متنوعة لكل نوع من الخدمات الوسيطة، مع التزامات تتطور من العمومي المفروض على جميع الخدمات الوسيطة إلى الالتزامات المختصة المفروضة على تلك التي تؤدي دور الاستضافة، ثم تلك المختصة بمقدمي خدمات الاستضافة كمنصات على اﻹنترنت، وأخيرا تختص بالتزامات معينة المنصات الكبيرة للغاية وماكينات البحث الكبيرة للغاية.

القابلية للتطبيق المتجاوزة للسلطة الشرعية

كما ذكر سابقا، ليكون قانون الخدمات الرقمية فعالا بأي طريقة ذات مغزى، يجب تصميه بحيث يطبق على الجهات مقدمة الخدمات الوسيطة غير المنشأة أو الموجودة داخل حدود الاتحاد اﻷوروبي. حسب اللغة القانونية يدعى ذلك بتجاوز السلطة الشرعية، وه غير محبذ في ظل القانون الدولي. ولكن هذه مع ذلك ليست المرة اﻷولى التي تلجأ فيها مؤسسات الاتحاد اﻷوروبي إلى هذا التكتيك المثير للجدل. ومع ذلك، تم بذل كثير من الجهد هذه المرة لوضع قواعد لقابلية تطبيق القانون على المقدمين اﻷجانب للخدمات الوسيطة.

توضح المذكرة رقم (7) من المذكرات اﻹيضاحية أولا لماذا من الضروري أن تطبق قواعد القانون على مقدمي الخدمات الوسيطة “دون اعتبار لمكان إنشائها أو وجودها.” ثم تمضي لوضع شرط هو أن يكون هؤلاء “يقدمون خدماتهم في الاتحاد” وهو ما يمكن إثباته بشرط “الصلة الحقيقية بالاتحاد.”

في التالي، تمضي المذكرة (8) في تفصيل ما يشكل “الصلة الحقيقية بالاتحاد،” مؤسسة لذلك على وجود عدد كبير من متلقي الخدمة في واحدة أو أكثر من الدول اﻷعضاء، “استهداف واحدة أو أكثر من دول الاتحاد بأنشطة تابعة للخدمة،” والتي تتضح من خلال “استخدام لغة أو عملة مستخدمة بصفة عامة في الدولة العضو،” “إمكانية طلب المنتجات والخدمات” في واحدة أو أكثر من الدول اﻷعضاء، “استخدام نطاق من المستوى اﻷعلى” (أي نطاق مخصص لواحدة من الدول اﻷعضاء مثل .fr أو .de المخصصين لكل من فرنسا وألمانيا على الترتيب، أو النطاق المخصص للاتحاد اﻷوروبي نفسه وهو .eu)، اتاحة تطبيق ذو صلة بالخدمة من خلال سوق التطبيقات المحلي بأي دولة من الدول اﻷعضاء، الإعلانات المحلية عن الخدمة داخل أي من الدول اﻷعضاء، أو استخدام لغة مستخدمة في واحدة أو أكثر من الدول اﻷعضاء في اﻹعلانات، أو أداء علاقات بالعملاء من خلال مثلا توفير خدمة للعملاء بلغة مستخدمة بصفة عامة في دولة عضو.

المحتوى غير القانوني

لا يحدد قانون الخدمات الرقمية بشكل كامل، أو حتى بأي شكل، ما يشكل المحتوى غير القانوني. وهو بدلا من ذلك يترك تحديد ما يمثل محتو غير قانوني للقوانين اﻷخرى للاتحاد أو للقوانين المحلية في الدول اﻷعضاء بشرط أن تكون متوافق مع قوانين الاتحاد. ومن ثم، تعرف الفقرة (h) من المادة (3) من القانون المحتوى غير القانوني بأنه يعني:

[…] أي معلومات، هي في ذاتها أو من خلال علاقتها بنشاط ما، بما في ذلك بيع سلع، أو تقديم خدمة، ليست ملتزمة بقانون للاتحاد أو قانون بأي من الدول اﻷعضاء متوافق مع قانون الاتحاد، بغض النظر عن الموضوع المحدد أو طبيعة هذا القانون.

وتمضي المذكرة (12) في تفصيل تعريف “مفهوم” المحتوى غير القانوني. ومقصود بتلك التفاصيل بصفة عامة توفير ملاحظات إرشادية لما يمكن اعتباره متوافقا مع قوانين الاتحاد من بين نصوص القوانين المحلية التي تحدد محتوى ما على أنه غير قانوني.

الالتزامات التي يفرضها قانون الخدمات الرقمية

لمقدمي الخدمات الوسيطة

الالتزامات المفروضة على جميع مقدمي الخدمات الوسيطة بغض النظر عن نوعها أو حجمها تضم: تعيين نقطة تواصل واحدن للاتصال المباشر (بوسيلة إلكترونية) مع سلطات الدول اﻷعضاء، أو المفوضية أو المجلس المنشأ بواسطة هذا القانون. (مادة 11) بشكل مماثل، ينبغي تعيين نقطة تواصل واحدة للاتصال المباشر مع متلقي الخدمة بشرط السماح لمتلقي الخدمة باختيار وسيطة الاتصال، والتي لا ينبغي أن تكون محدودة بأدوات ميكانيكية.

كل مقدمة لخدمة وسيطة مطالب أيضا بتعيين ممثل قانوني له في واحدة على اﻷقل من الدول اﻷعضاء (مادة 13). وهذا ببساطة للسماح للسلطات بأن تجد موضعا لتطبيق الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد مقدم الخدمة في حال خرقه للقانون.

على جانب الشفافية تضع المادة (14) التزاما يكون مقدم الخدمة الوسيطة مطالبا من خلاله بأن يتيح بشكل علني شروط وأحكام استخدام الخدمة بطريقة واضحة ومناسبة. وتضع المادة (15) التزاما يتطلب من مقدمي الخدمات الوسيطة نشر تقارير شفافية دورية، وتمضي في تفصيل دقيق لما ينبغي أن تضمه هذه التقارير حسب كل نوع من الخدمات الوسيطة.

خدمات الاستضافة

تضع المواد (16، 17 و18) الالتزامات المطبقة على مقدمي خدمات الاستضافة وتضم:

  • إنشاء آلية للإخطار والمتابعة، حيث ينبغي على مقدمي الخدمات “أن يسمحوا للأفراد أو الجهات بإخطارهم بوجود عناصر بعينها على خدماتهم يعتبرها الفرد أو الجهة غير قانونية.” مثل هذه اﻹخطارات لها قيمة حيث تمنع مقدم الخدمة من الاستفادة باﻹعفاء من المسؤولية القانونية بناء على الجهل.
  • بيان باﻷسباب، وهو إلزام لمقدم الخدمة بأن يقدم “بيانا واضحا ومحددا للأسباب” إلى أي متلقي للخدمة اعتبر محتوى خاص به غير قانوني مما استتبع قرارات بالحد، أو الوقف، أو اﻹنهاء للخدمة أو تعليق أو إنهاء حساب متلقي الخدمة.

منصات اﻹنترنت

منصات اﻹنترنت، بحسب القانون، هي خدمات استضافة تقوم بنشر المعلومات للجمهور، إلى جانب تحزينها، حسب طلب متلقي الخدمة. (مادة 3) النشر للجمهور يعني جعل المعلومات متاحة لعدد قد يكون غير محدود من المتلقين. وتخضع منصات اﻹنترنت لطبقة إضافية من الالتزامات تحددها مواد كل من الفصلين الثالث والرابع من الباب الرابع في القانون. يتعامل الفصل الثالث مع كل مقدمي خدمات منصات اﻹنترنت، فيما يتعامل الفصل الرابع مع نصوص إضافية تنطبق على مقدمي خدمات منصات اﻹنترنت إذا ما كانوا يسمحون للمستهلكين بعقد تعاقدات عن بعد مع بائعي السلع أو الخدمات.

الالتزامات التي تخص كل مقدمي خدمات منصات اﻹنترنت تشمل:

  • التعامل مع الشكاوى: يلزم القانون مقدمي خدمات منصات الإنترنت بإنشاء نظام داخلي للتعامل مع شكاوى متلقي الخدمة بما في ذلك اﻷفراد أو الجهات الذين قدموا سابقا إخطارات باﻹبلاغ عن محتوى غير قانوني. ينبغي أن يقدم نظام الشكاوى خيار الاستئناف على قرارات مقدم الخدمة لمدة لا تقل عن ستة أشهر بعد اتخاذ هذه القرارات. ينبغي على مقدم الخدمة أن يخطر الشاكي برده على شكواه دون أي تأخير غير مبرر. وينبغي عليه أيضا أن يخطر الشاكي بإمكانية اللجوء إلى تسوية النزاع خارج المحكمة.
  • تسوية النزاعات خارج المحكمة، هي آلية غير ملزمة تسمح لجهات “طرف ثالث”، مرخص لها من قبل منسق الخدمات الرقمية في الدولة المنشأ بها هذه الجهات، بتقديم خدمات تسوية النزاعات خارج المحكمة، بناء على طلب الشاكين الذين يرغبون في الاستئناف على قرار لمقدم خدمة منصة على اﻹنترنت. لا يفرض القانون على مقدم خدمة منصات اﻹنترنت أن يقبل اللجوء إلى التسوية خارج المحكمة، أو أن ينفذ ما تتوصل إليه. كذلك، لا تملك الجهة التي تقوم بالتسوية خارج المحكمة سلطة فرض تسوية ملزمة على أي من طرفي النزاع.
  • المخبرون الموثوقون، هم أفراد أو جهات (يمكن أن تكون سلطات رسمية للدولة العضو المعنية)، يرخص لهم منسق الخدمات الرقمية، بناء على أن لهم نوع من الخبرة تسمح بالتعرف على المحتوى غير القانوني. ويلزم القانون مقدمي خدمات المنصات على اﻹنترنت بإيلاء الإخطارات التي يقدمها المخبرون الموثوقون أولوية في التعامل مع ما يحددون كونه محتوى غير قانوني.
  • إجراءات متعلقة باﻹعلانات: إذا ما كان مقدم خدمة منصات اﻹنترنت يقدم إعلانات بالنيابة عن بعض متلقي خدماته، فهو ملزم قبل أي شيء بأن يجعل من السهل على متلقي خدمته اﻵخرين أن يلاحظوا أن المعلومات المقدمة لهم هي إعلان. وهو أيضا ملزم بتوفير معلومات لمتلقي خدمته تشمل هوية مقدم اﻹعلان، وهوية من دفع مقابل نشر اﻹعلان إن كان شخصا أو جهة مختلفة عن مقدم الإعلان، والمعايير التي استخدمت لتحديد متلقي الخدمة المستهدفين بهذا اﻹعلان.
  • شفافية نظام الترشيح، وتشمل إعلان الاستراتيجية التي تستخدمها هذه اﻷنظمة لاستهداف متلقين بأعينهم بترشيحاتها. على نحو بالغ اﻷهمية، ثمة إلزام بالسماح لمتلقي الخدمة باختيار ألا يتم استهدافه بناء على معايير بعينها. إلى جانب ذلك ثمة حظر لاستهداف الأشخاص بناء على مواصفات هويتهم، وحظر عام لاستهداف من هم دون السن القانوني بناء على أي معلومات شخصية على اﻹطلاق.
  • التزامات أخرى خاصة بمقدمي خدمات منصات اﻹنترنت وتشمل إجراءات للحماية من إساءة استخدام الخدمة أو نظام اﻹخطار بالمحتوى غير القانوني، التزامات إضافية تتعلق بتقارير الشفافية، وحماية من هم تحت السن القانون على اﻹنترنت.

بالنسبة لمقدمي خدمات المنصات على اﻹنترنت الذين يسهلون عقد تعاقدات عن بعد مع بائعين لسلع أو خدمات تنطبق الالتزامات التالية عليهم:

  • القابلية للتتبع: مقدمو خدمات المنصات على اﻹنترنت ملزمون بالحصول على معلومات تعريفية بأي بائع يسمحون للمستهلكين بعقد تعاقدات عن بعد معه، بما في ذلك الاسم، العنوان، رقم الهاتف، وعنوان البريد اﻹلكتروني؛ وثيقة تعريف، تفاصيل حساب الدفع، السجل التجاري، رقم التسجيل أو ما يكافئه إن كان متاحا. مقدمو الخدمة ملزمون أيضا بفحص صحة المعلومات التي قدمها البائع إليهم. وبدءا من 17 فبراير 2024، ينبغي أن يحصل مقدمو خدمات منصات اﻹنترنت خلال 12 شهرا على المعلومات المذكورة من البائعين الذين يستخدمون منصاتهم بالفعل. وفي حالا أخفق البائع في تقديم هذه المعلومات، ينبغي على مقدم الخدمة أن يوقف تقديمها إليه.
  • الحق في المعلومات: في حال أصبح مقدم خدمة منصات الإنترنت على علم بأن سلع أو خدمات غير قانونية قد تم تقديمها من قبل بائع إلى مستهلكين (مقيمين داخل حدود الاتحاد اﻷوروبي)، فعلى مقدم الخدمة اخطار هؤلاء المستهلكين بهذه الحقيقة، وهوية البائع وأية وسيلة متاحة لتعويضهم. إذا لم يكن لدى مقدم الخدمة تفاصيل التواصل مع جميع المستهلكين المعنيين، فعليه أن يجعل هذه المعلومات المشار إليها علنية بنشرها بشكل واضح يسهل الوصول إليه.

منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية

منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية هما فئتان خلقهما قانون الخدمات الرقمية بناء على عدد المتلقين النشطين للخدمة شهريا من المقيمين داخل الاتحاد اﻷوروبي. هذا الرقم تنص المادة (33) على أنه 45 مليون متلق أو أكثر. يتم تعريف منصة على اﻹنترنت أو ماكينة للبحث على أنها كبيرة للغاية من خلال قرار تصدره المفوضية اﻷوروبية والذي ينبغي أن تخطر به مقدم الخدمة المعني، والمجلس، ومنسق الخدمات الرقمية ببلد المنشأ (أي الخاص بالدولة العضو حيث مكان إنشاء مقدم الخدمة إذا كان منشأً بإحدى الدول اﻷعضاء). تنشر قائمة بمقدمي خدمات منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية في الجريدة الرسمية للاتحاد اﻷوروبي ويتم تحديثها كلما طرأ عليها أي تعديل.

الالتزامات الإضافية التي يضعها القانون لكل من منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية يبدأ تطبيقها على أي منها بعد مرور 4 أشهر من تاريخ إخطار مقدم الخدمة بقرار المفوضية باعتبار الخدمة كذلك. وتضم هذه الالتزامات:

  • تقييم المخاطر: مقدمو الخدمة مطالبون بأن يجروا تقييما دوريا ﻷي مخاطر منهجية ناشئة عن تصميم أو عمل خدماتهم والنظم المتعلقة بها. يحدد القانون عددا من العوامل التي ينص عليها، والتي ينبغي تقييم آثارها. تلك هي: تصميم نظام الترشيحات الخاص بالخدمة ونظم اﻷلجوريزمات اﻷخرى ذات الصلة؛ نظام إدارة المحتوى؛ شروط وأحكام استخدام الخدمة ومدى إنفاذها؛ اختيار وطريقة تقديم اﻹعلانات؛ والممارسات ذات الصلة بالبيانات. وسيكون على مقدمي الخدمة تقديم هذا التقييم في تاريخ تطبيق القانون عليهم ﻷول مرة (4 أشهر بعد اخطارهم بقرار المفوضية)، وبصفة سنوية على اﻷقل بعد ذلك. وسيحتفظون بالوثائق المستخدمة ﻹعداد هذا التقييم لمدة لا تقل عن ثلاثة أعوام بعد إعداده، وهو ملزمون بتقديمها عند الطلب إلى المفوضية وإلى منسق الخدمات الرقمية ببلد المنشأ. (مادة 34)
  • تخفيف حدة المخاطر: بناء على تقييم المخاطر الذي يجريه مقدم خدمة منصات اﻹنترنت أو ماكينات البحث الكبيرة للغاية تنفيذا للمادة (34)، يكون هؤلاء مطالبون باتخاذ إجراءات بغرض التخفيف من حدة المخاطر التي تم تحديدها. مثل تلك الإجراءات قد تشمل تعديل عناصر مختلفة من الخدمة. هذه العناصر قد تضم تصميم وخواص الخدمة، الشروط واﻷحكام، عمليات إدارة المحتوى، نظم اﻷلجوريزمات (خاصة نظم الترشيحات)، نظم اﻹعلانات، التعاون مع المخبرين الموثوقين وتنفيذ التسويات التي أصدرتها جهات تسوية النزاعات خارج المحكمة، وضمان أن المواد متعددة الوسائط المزيفة يمكن تمييزها عن اﻷصلية بعلامات واضحة.
  • التدقيق المستقل: مقدمو خدمات منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية مطالبون بالخضوع، مرة واحدة سنويا، لتدقيق تجريه منظمات مستقلة، وعلى نفقتهم المالية. سيغطى هذا التدقيق مدى وفاء مقدم الخدمة بالالتزامات المنصوص عليها بالقانون والالتزامات التي تضعها أكواد السلوك، وبروتوكولات التعامل مع اﻷزمات. المنظمات التي ستجري التدقيق ينبغي أن يكون لها استقلالية تامة عن مقدم الخدمة وأن تضمن من خلال شروط معينة كونها حيادية ﻷقصى درجة ممكنة. في حال تلقي تقرير تدقيق غير إيجابي، ينبغي على مقدم الخدمة أن يتبنى، خلال شهر، تقريرا لتنفيذ توصيات التدقيق بما في ذلك إجراءات سيقوم مقدم الخدمة باتخاذها بناء على التوصيات التشغيلية التي قدمها تقرير التدقيق.
  • نظم الترشيحات: إضافة إلى الالتزامات المتصلة بنظم الترشيحات المفروضة على جميع مقدمي خدمات منصات اﻹنترنت، يلتزم مقدمو خدمات منصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية بتقديم خيار واحد على اﻷقل لكل نظام ترشيحات لا يكون مبني على أساس البيانات الشخصية لمتلقي الخدمة المستهدف بالترشيحات.

السلطات المختصة وهيئات اﻹشراف

تنفيذ وإنفاذ أحكام قانون الخدمات الرقمية في كل دولة عضو بالاتحاد اﻷوروبي هو مسؤولية السلطات المختصة في كل دولة. ويلزم القانون كل دولة عضو بتحديد واحدة أو أكثر من هيئاتها المختصة لتكون مسؤولة عن اﻹشراف على مقدمي الخدمات الوسيطة وإنفاذ أحكام القانون. كما ينبغي على كل منها تعيين أحد هذه السلطات المختصة كمنسق للخدمات الرقمية بها، وذلك في تاريخ تنفيذ القانون وهو 17 فبراير 2024. إلى جانب منسقي الخدمات الرقمية، يعطي القانون المفوضية اﻷوروبية سلطات جديدة للإشراف على وتنفيذ اﻷحكام المتعلقة بمنصات اﻹنترنت وماكينات البحث الكبيرة للغاية المتضمنة في الفصل الخامس من الباب الثالث من القانون. (مادة 56) وينشئ القانون أيضا هيئة جديدة هي المجلس اﻷوروبي للخدمات الرقمية.

منسقو الخدمات الرقمية

كل دولة عضو بالاتحاد اﻷوروبي سوف تعين هيئة مختصة قائمة بالفعل أو منشأة حديثا لهذا الغرض، لتكون منسق الخدمات الرقمية الخاص بها. وتلتزم الدول اﻷعضاء بضمان أن يكون لمنسقي الخدمات الرقمية بها الموارد الضرورية الفنية والمالية والبشرية لتقوم باﻹشراف على مقدمي الخدمات الوسيطة الداخلين في اختصاصها. وينبغي أن يكون لمنسقي الخدمات الرقمية الاستقلالية التامة، بما في ذلك في إدارة ميزانياتها لضمان أن تعمل بشكل مستقل ومتحرر من النفوذ الخارجي.

ﻷداء مسؤولياتها، سيكون لمنسقي الخدمات الرقمية سلطات للتحقيق والتي إما ستستخدمها بشكل مباشر لأداء التصرفات ذات الصلة أو ستتقدم بطلب للسلطة القضائية لتأمر بهذه التصرفات. مثل هذه التصرفات قد تشمل مطالبة مقدم الخدمة أو أفراد أو هيئات أخرى بتسليم معلومات بحوزتهم ذات صلة بالتحقيق في تجاوز، وتفتيش أماكن العمل، بما في ذلك تحريز، أو أخذ، أو الحصول على نسخ من المعلومات.

كذلك أعطي منسقي الخدمات الرقمية سلطات ﻹنفاذ القانون، بما في ذلك قبول الالتزامات التي يقدمها مقدمو الخدمات الوسيطة المتعلقة بتوفيق أوضاعهم حسب أحكام القانون، اﻷمر بوقف التجاوزات، فرض تعويضات وغرامات، ودفعات عقابية دورية، والطلب من السلطة القضائية أن تصدر أمرا بتقييد وصول متلقي الخدمة إليها عند اخفاق مقدمها في الانصياع لأحكام القانون.

المجلس اﻷوروبي للخدمات الرقمية

ينشئ القانون مجموعة استشارية مستقلة تدعى المجلس اﻷوروبي للخدمات الرقمية، وهو المشار إليه في العديد من مواد القانون بلفظ المجلس (Board). يقدم المجلس مشورته إلى منسقي الخدمات الرقمية وإلى المفوضية فيما يتعلق بالتطبيق المتسق للقانون، كما ينسق ويشارك في التوجيهات والتحليل الذي تصدرها المفوضية ومنسقو الخدمات الرقمية حول الأمور الطارئة، كما يقدم الدعم في اﻹشراف على منصات اﻹنترنت الكبيرة للغاية.

ويتشكل المجلس من منسقي الخدمات الرقمية بالدول اﻷعضاء، يمثل كل منها مسؤول رفيع المستوى. وترأس المفوضية المجلس، وتدعو إلى اجتماعاته وتعد أجندتها. ولكل عضو بالمجلس صوت واحد فيما عدا المفوضية التي لن يكون لها حق التصويت، وستتخذ قرار المجلس بالأغلبية البسيطة.

اﻵثار المتوقعة لقانون الاتحاد اﻷوروبي للخدمات الرقمية على حقوق اﻹنسان وحوكمة اﻹنترنت

حسب ما ينص القانون نفسه عليه، تمثل حماية الحقوق اﻷساسية لمواطني الاتحاد الأوروبي أحد أهدافه الرئيسية. ويمكن من خلال قراءة نصوص القانون ملاحظة أنه بالفعل يرفع من مستوى حماية بعض الحقوق، وعلى رأسها حقوق المستهلك الذي يضمن القانون له توافر أكبر قدر من الشفافية حول السلع والخدمات التي يمكنه شرائها من خلال منصات اﻹنترنت وحول بائعيها، مع قدر من ضمان ألا تكون هذه السلع أو الخدمات غير قانونية. فيما يتعلق بالحق في الخصوصية يحرز القانون بعض التقدم عن الوضع القائم حيث يحظر على سبيل المثال استخدام بعضًا من البيانات الشخصية لمتلقي الخدمة في خوارزميات ترشيح المحتوى واﻹعلانات لهم، كما يحظر مطلقًا استخدام البيانات الشخصية الخاصة بمن هم دون السن القانوني. ولكن القانون لم يلغ بشكل كامل بناء الصورة الشخصية للمتلقي من خلال بياناته واستخدامها في ترشيح المحتوى أو اﻹعلانات له، وذلك بدعوى احداث توازن بين الحق في الخصوصية من جانب وحق مقدمي الخدمة في تحقيق اﻷرباح من جانب آخر.

الحق في حرية التعبير هو صاحب الموقف اﻷكثر التباسًا بالرغم من تعهد القانون بحمايته، فعلى جانب مهم للغاية يخضع القانون متلقي الخدمات الوسيطة لقوانين جميع الدول اﻷعضاء في الاتحاد فيما يتعلق بتحديد ماهية المحتوى غير القانوني. هذا التوسع يؤدي إلى أن يكون أي متلق للخدمة عرضة لتطبيق قانون يؤدي إلى تضرره بشكل ما دون أن يكون لهذا القانون الشرعية الكافية للتطبيق عليه كونه غير سار في الدولة التي يقيم بها أو يحمل جنسيتها. اﻷكثر خطورة أن إنفاذ هذه القوانين أصبح مهمة مقدمي الخدمات الوسيطة، مع تدخل جهات أخرى مثل المخبرين الموثوقين، وهيئات تسوية النزاعات خارج المحكمة، إلى جانب أي فرد أو جهة يقرر اﻹبلاغ عن محتوى حسب تقييمه له. في جميع الحالات يتصرف مقدم الخدمة تجاه ما يظن أنه محتوى غير قانوني كجهة تحقيق وفصل وتنفيذ أيضًا، فيتخذ قرار بمحو محتوى أو الحد من إمكانية الوصول إليه أو وقف حساب متلقي الخدمة أو حتى حذف هذا الحساب. وفي حين أن سبل الانصاف متاحة، إلا أن اتخاذ القرار من اﻷساس يشوبه الشك في مشروعيته الدستورية.

اﻷمر يصبح أكثر سوءًا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن يتخذ مقدم الخدمة قرارات مثل تلك ضد متلقي الخدمة خارج الاتحاد اﻷوروبي. صحيح أن القانون لا يفرض على مقدم الخدمة عند محو أو تقييد محتوى أن يقوم بذلك عبر خدماته عالميًا، مما يعني أن مقدم الخدمة يمكنه تنفيذ هذه اﻹجراءات داخل حدود الاتحاد فقط، ولكن ثمة دائمًا إمكانية ﻷن يتجه بعض مقدمي الخدمات الوسيطة إلى تعميم قراراتهم بخصوص المحتوى غير القانوني حسب قوانين الاتحاد الأوروبي على خدماتهم عالميًا. ومن ثم يؤدي ذلك إلى إخضاع متلقين للخدمة لقوانين لا شأن لهم بها، واحتمال تضررهم نتيجة لها، وهذه المرة دون توافر أي سبل للإنصاف، ﻷن نصوص القانون المتعلقة بذلك غير سارية في بلادهم، وليس للسلطات المختصة بإنفاذها صفة شرعية بها.

فيما يتعلق بحوكمة اﻹنترنت يمثل قانون الخدمات الرقمية أحد أهم الاختراقات التي حققتها حكومات الدول والهيئات الشبيهة بها للاستقلال شبه التام للقطاع الخاص في مجال إدارة المحتوى الذي يعد اليوم واحدًا من أهم مجالات حوكمة اﻹنترنت. القانون أيضًا يرسي سوابق لن يكون باﻹمكان تجاهلها في هذا المجال وهو ما يعني بصورة ما أن الاتحاد اﻷوروبي ينفرد عمليًا بوضع قواعد حوكمة وظائف رئيسية للإنترنت سيكون لها أثر بالغ على مستخدميها وعلى الشركات العاملة بها في كل مكان من العالم، وهو بالضرورة أمر يضر بنموذج تعددية أصحاب المصلحة الذي لا يزال السائد في حوكمة اﻹنترنت.