- طبيعة جريمة اصطناع الحسابات وشروط تحققها
- توسع جهات التحقيق في تفسير جريمة اصطناع الحسابات
- أثر توسع جهات التحقيق في التفسير على الحسابات الساخرة والمُزيفة
تلقت مسار استفسارًا حول التكييف القانوني لإدارة واستخدام الحسابات الساخرة، والحسابات التي تستخدم أسماء مُستعارة في نشر المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، والمخاطر التي تتعلق بإنشاء وإدارة هذه الحسابات في ظل تطبيق قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات.
أفرد قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، فصًلا خاصًّا، بعنوان: “الجرائم المُرتكبة بواسطة أنظمة وتقنيات المعلومات”، وتضمن هذا الفصل صورتين للجرائم التي تتم بواسطة أنظمة وتقنيات المعلومات، الصورة الأولى التي نصت عليها المادة 23، التي تتعلق بجرائم الاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني، أما الصورة الثانية، فقد نصت عليها المادة 24 من القانون، والمُعنونة بـ”الجرائم المُتعلقة باصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني”، وتُشير التطبيقات الحديثة إلى نص المادة 24 من القانون إلى إمكانية تطبيقها على الحسابات الساخرة أو المُزيفة، وهو ما يحتاج إلى قراءة نص المادة وتوضيح أركانها.
طبيعة جريمة اصطناع الحسابات وشروط تحققها
تنبع أهمية قراءة المادة 24 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات من أن التطبيقات الأولى لنص المادة تُشير إلى توسع جهات التحقيق في تفسير نص المادة بشكل غير مُلائم، ولكن قبل شرح التطورات التي تتعلق بتفسير جهات التحقيق، وأوجه الخلاف حول تفسير “الجرائم المُتعلقة باصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني”، ينبغي استعراض طبيعة هذه الجريمة، وشروط تحققها، وأسباب تشديد العقوبة في حالة ارتكابها، ومن ثم علاقتها بالحسابات الساخرة أو الحسابات المُزيفة.
استخدم المُشرِّع عند صياغة المادة 24 مُصطلح “اصطناع المواقع والحسابات” وهو مُصطلح مُغاير للمُفردات التشريعية الدارجة بقانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث تُستخدم مُصطلحات أخرى مثل استخدام أو إدارة المواقع والحسابات، وقد جاءت المادة مُتأثرة بالصياغات المُستخدمة بأحكام القضاء المصري في قضايا التزوير والتزييف، والتي تُشير بشكل أو بآخر إلى أن المقصود بالاصطناع، هي عملية إنشاء حساب بالكامل على غير الحقيقة، وليس مجرد إجراء تعديل أو تحريف على حساب قائم أو تشابه قد يحدث من قبيل المُصادفة، وتقترب طبيعة جريمة اصطناع المواقع والحسابات في بعض الأوجه من جرائم انتحال الشخصية، وإن اختلفت في الطريقة التي يحددها القانون لوقوع الجريمة وشروط تحققها.
“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من اصطنع بريدًا إلكترونيًّا أو موقعًا أو حسابًا خاصًّا ونسبه زورًا إلى شخص طبيعي أو اعتباري.
فإذا استخدم الجاني البريد أو الموقع أو الحساب الخاص المصطنع في أمر يسيء إلى من نُسب إليه، تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة والغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وإذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، تكون العقوبة السجن، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه”
المادة 24 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018
أما عن شروط تحقق الجريمة، فتفرق المادة 24 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، بين شروط الجريمة في صورتها البسيطة وصورتها المُشدَّدَة:
الصورة البسيطة من جريمة اصطناع موقع أو حساب، تتحقق بعدد من الشروط، أولًا: أن تتم عملية اصطناع حساب (إنشاء) بالكامل، وقد ترد عملية الاصطناع من خلال ثلاث صور، وهي اصطناع لموقع أو بريد إلكتروني أو حساب خاص، وقد ذُكرت هذه الصور على سبيل الحصر، وتتحقق الجريمة بمجرد اصطناع الموقع أو البريد الإلكتروني أو الحساب الخاص دون حاجة إلى استخدامه، طبقًا للفقرة الأولى من المادة 24، ثانيًا: أن يُنسب الحساب المُصطنع زورًا – أي على غير الحقيقة – إلى شخص طبيعي (ويقصد بالشخص الطبيعي أحد الأفراد) أو شخص اعتباري (والشخص الاعتباري يُقصد به الشركات والهيئات والوزارات والأحزاب والنقابات والجمعيات وما في حكمها).
وتوضح الفقرة الثانية من المادة 24 الصور المُشدَّدَة لجريمة اصطناع الحسابات، والتي تتحقق في حالتين وهما، أن يتم استخدام الموقع أو البريد الإلكتروني أو الحساب الخاص المصطنع في أمر يسيء إلى من نُسب إليه، والإساءة لا يُشترط لتحققها حدوث ضرر، لذلك يخضع مفهوم الإساءة هنا لتقدير جهات التحقيق والتقاضي، والتي سوف يرتبط تقديرها بالسياقات التي تم خلالها استخدام الحساب المُصطنع، ونشر المُحتوى المُسيء، أما الحالة الثانية التي تتعلق بتشديد العقاب، فتتمثل في اصطناع موقع أو بريد إلكتروني أو حساب خاص وتتم نسبته زورًا إلى أحد الأشخاص الاعتبارية العامة (ويُقصد بالأشخاص الاعتبارية العامة كافة الجهات الحكومية والجهات الرسمية التابعة للدولة مثل الوزارات والهيئات العامة والمُحافظات وما في حكمها)، وتشديد الجريمة في صورتيها يترتب عليه عقوبة مُغلَّظة، تصل في الصورة المُشدَّدَة الأولى إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي الصورة المُشددة الثانية تكون العقوبة السجن، والغرامة التي لا تقل عن مئة ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاث مئة ألف جنيه.
توسع جهات التحقيق في تفسير جريمة اصطناع الحسابات
القراءة الأولى لنص المادة 24 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، تعطي انطباعًا واضحًا بأن جريمة اصطناع الحساب تتشابه مع الجرائم المُتعلقة بالاحتيال والتزييف والتزوير، أو انتحال الشخصية، أو طائفة الجرائم المُتعلقة بالإساءة إلى الأفراد والجهات، ولكن صياغة المادة تُركز بالأساس على طبيعة الوسيلة المُستخدمة في ارتكاب الجريمة (الموقع/البريد الإلكتروني/الحساب الخاص)، مع إغفال شديد لطبيعة الجريمة وأركانها، كما غاب عن نص المادة العوامل المُميزة للجريمة وأثر تشابهها مع جرائم أخرى منصوص عليها بالقوانين العقابية الأخرى وخاصة قانون العقوبات المصري.
وتُعتبر هذه الصياغة سمة عامة لأغلب نصوص قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتُشير إلى الفلسفة التشريعية التي تم الاعتماد عليها أثناء صياغة القانون، حيث عمد المُشرِّع إلى استنساخ بعض الجرائم التقليدية وإعادة إنتاجها في صورة جرائم رقمية، متى اقترن تنفيذ هذه الجرائم بإحدى الوسائل الرقمية، والتعامل مع هذه الجرائم على أنها جرائم جديدة استحدثها التطور التكنولوجي.
وللاضطراب التشريعي بعض المظاهر المُتعلقة بعدم وضوح صياغة النص، والتي يُمكن مُلاحظتها من خلال قراءة جريمة اصطناع الحساب في صورتها البسيطة، حيث تنشأ الجريمة بمجرد اصطناع الموقع أو البريد الإلكتروني أو الحساب الخاص، ونسبه إلى شخص طبيعي أو اعتباري، دون الحاجة إلى استخدام هذا الحساب، وهو أمر يصعب فهمه في الواقع العملي، ويطرح أسئلة حول طبيعة هذه الجريمة، وهل هي من الجرائم التي تتطلب شكوى الشخص أو الجهة التي تم اصطناع حساب باسمها، أم لا يُشترط ذلك.
فإن كانت من الجرائم التي تتطلب تقديم شكوى، فهو أمر يحتاج إلى استخدام الحساب المُصطنع حتى يتصل علم الشخص أو الجهة المنسوب إليها الحساب بهذا الأمر، وإن لم تكن هذه الجرائم من جرائم الشكوى فكيف ستتحقق جهات التحري وجهات التحقيق من الحسابات المُصطنعة بأسماء الأشخاص الطبيعيين، التي لا يُمكن حصرها، أو التفرقة بين حالات الأسماء المُختصرة وأسماء الشهرة والتشابه بين الأسماء.
هذه المخاوف تزايدت مع دخول القانون حيز التطبيق، وبيان أثر الصياغة في توجيه الاتهامات، حيث وجهت النيابة العامة في أحد الوقائع محل التحقيق – ما زالت الوقائع قيد التحقيق حتى الآن – إلى أحد المُستخدمين تهمة اصطناع حساب على موقع فيسبوك، حيث قام المُستخدم/المُستخدمة بإنشاء حساب باسم الشهرة ونشر من خلاله بعض الآراء، وهو ما اعتبرته النيابة العامة، اصطناع حساب ونسبه إلى شخص طبيعي.
وقد اعتمدت النيابة العامة في توجيه تهمة اصطناع حساب على ما جاء بالتحريات الشرطية، والتي أفادت بأن المُستخدم/ المُستخدمة اصطنع حسابًا باسم الشهرة، وهو ما اعتبرته النيابة العامة اصطناع حساب ونسبه زورًا إلى أحد الأشخاص الطبيعية، رغم أن التحريات انتهت إلى أن مُنشئ ومُستخدم الحساب يستخدم اسم شهرته، وهو ما يعني أن الحساب لم يُنسب إلى الغير، ولكن النيابة توسعت في تفسير النص لتنتهي إلى نتيجة مُغايرة يُفهم منها أنه لا يُشترط أن يكون الحساب المُصطنع منسوبًا إلى شخص طبيعي أو اعتباري قائم بالفعل، بل يكفي أن يتضمن الحساب أو البريد الإلكتروني أو الموقع أي اسم بخلاف اسم مالك أو مُدير الحساب المُصطنع.
أثر توسع جهات التحقيق في التفسير على الحسابات الساخرة والمُزيفة
توسع جهات التحقيق في تفسير نص المادة 24 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات عزَّز المخاوف التي أثيرت عقب إقرار القانون، والتي ارتكزت بشكل أساسي على عدم وضوح أركان الجرائم، ومدى إمكانية استغلال هذا الأمر للتوسع في توجيه الاتهامات، ويزداد الأمر وضوحًا فيما يتعلق بالحسابات التي يتم إنشاؤها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تستخدم أسماء مُزيفة أو حسابات تعتمد على نشر المحتوى الساخر.
- فمن ناحية، نجد أن التطبيقات الأولى للمادة 24 اعتبرت استخدام اسم الشُهرة شكلًا من أشكال اصطناع الحساب، حتى لو لم يُنسب الحساب إلى شخص طبيعي مُحدد بخلاف المُستخدم الأساسي، وهنا يتضح أن جهات التحقيق قد فسرت نص المادة 24 تفسيرًا خاطئًا، فالنص يشترط بشكل واضح أن يُنسب الحساب إلى شخص طبيعي أو اعتباري قائم بالفعل، والأمر لا يتعلق بمجرد استخدام حساب مُزيف، والدليل على ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 24 تحدثت عن تشديد العقاب في حالة استخدام الحساب في أمر يُسيء إلى من نُسب إليه، وهذا يتعارض مع فكرة أن يُطبق نص المادة على الحسابات المُزيفة والتي قد تحمل أسماء وهمية أو أحد أسماء الشهرة، لأن بهذا المعنى قد يُحاكم المُستخدم لأنه أساء إلى نفسه، أو إلى أحد الأشخاص غير المُعينين على وجه التحديد.
ومن ناحية أخرى، فإن نص المادة 24 وخاصة الفقرة الثانية من نص المادة، قابلة للتطبيق على الحسابات الساخرة، والتي قد تتخذ من اسمها ومن المحتوى المنشور لديها أسماء مُستعارة أو أسماء منسوبة إلى رؤساء سابقين أو شخصيات عامة، أو إحدى الجهات الحكومية، إلا أن المحتوى المنشور يتضح منه طابع السخرية كأحد أشكال النقد، لأن استخدام المُشرع عبارة أن يُستخدم “الحساب الخاص المصطنع في أمر يسيء إلى من نُسب إليه” عبارة واسعة تغلق الباب أمام حرية النقد المُباح عن طريق السخرية بأشكالها المُختلفة، والتي قد تأتي في صورة محتوى مكتوب، أو قصص مصورة، أو مقاطع صوتية وغيرها من الصور.
وبعد هذا الاستعراض نجد أننا لا نستطيع الوقوف على الهدف العام من النص، والغرض من إصداره، فإذا كان أحد أهداف نص المادة 24 حماية الغير من التعامل مع أشخاص طبيعية أو اعتبارية على خلاف الحقيقة، فالعبرة هنا يجب أن تنصرف إلى طبيعة الاستخدام والهدف الذي خُصص من أجله الحساب المزيف، وإذا كان الهدف من تشديد عقوبة الحسابات المنسوبة إلى الأشخاص الاعتبارية العامة، حماية الأفراد وتوطيد ثقة الجمهور فيما يُنسب إلى الجهات الحكومية، فلا هدف من ذلك في ظل وجود الحسابات الرسمية الموثقة، بالإضافة إلى وضوح طبيعة المحتوى المنشور، وبجانب كل ذلك لا توجد إضافة تشريعية مُستفادة من نص المادة 24 إذا كانت هناك نصوص عديدة بقانون العقوبات تُجرِّم عمليه انتحال الصفة، أو الإساءة إلى بعض الجهات والمؤسسات، فربما يتضح من المُمارسات أن نص المادة يلعب دورًا عكسيًّا في عملية تنظيم إنشاء واستخدام الحسابات والبريد الإلكتروني، فإن لم يُكن هناك نصٌّ تنظيميٌّ يتعلق بضوابط إنشاء الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وإنشاء البريد الإلكتروني، فهناك نصوص قد تُعرِّض المُستخدمين لتطبيق عقوبات في حالة عدم وضوح هوية المُستخدم.