أعمال الخبرة الفنية في ضوء قانون (الجريمة الإلكترونية)

 

التحقيق في الجرائم المتعلقة بتقنية المعلومات وضبط وإثبات الأدلة الرقمية يعد من الموضوعات المستحدثة، وتلعب أعمال الخبرة التقنية في قضايا تكنولوجيا المعلومات دورًا هامًا، لذلك تهدف هذه الورقة إلى استعراض القواعد والضوابط العامة المتعلقة بأعمال الخبرة، والقوانين المنظمة لها وصلاحيات الخبراء في ضوء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. كما تتطرق الورقة أيضًا لبعض القواعد المنظمة لعمل الخبراء أمام جهات التحقيق والهيئات القضائية والشروط الواجب توافرها في الخبير التقني والسجلات الخاصة بقيد الخبراء التقنيين وقواعد وإجراءات وشروط القيد بها ومدى أهمية وضرورة استعانة المحاكم الجنائية بالخبراء في ضوء تطبيق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

مفهوم الخبرة  

الخبرة هي طريقة من طرق الإثبات، يلجأ إليها القاضي في الدعاوى التي يتطلب بحثها وتحقيقها دراية خاصة ولا تدخل في دائرة علم أو معرفة وثقافة القاضي1، وتعد الخبرة عمومًا وسيلة إثبات استثنائية يتم اللجوء إليها في المسائل التي يستعصي علي جهات التحقيق والمحاكمة كشفها والوصول إلى حقيقتها، والخبرة في قانون الإجراءات الجنائية هي إجراء يتعلق بموضوع يتطلب الإلمام بمعلومات فنية لإمكان استخلاص الدليل منه.2

الخبرة الفنية أو التقنية

تناول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الخبرة التقنية وعرفها بأنها “كل عمل يتصل بتقديم الاستشارات أو الفحص أو المراجعة أو التقييم أو التحليل في مجالات تقنية المعلومات”3، ويمكن القول أن الخبراء التقنيين هم مجموعة من المتخصصين يتم تكليفهم من جهات التحقيق أو الجهات القضائية أو الجهات المعنية بمكافحة جرائم المعلومات بتنفيذ بعض المهام الفنية والتقنية بشأن الجرائم موضوع هذا القانون.

القوانين المنظمة لعمل الخبراء أمام جهات التحقيق والهيئات القضائية 

أفرد الدستور المصري الحالي للخبراء القضائيين وخبراء الطب الشرعي مظلة عامة للحماية4، وتهدف هذه الحماية إلى توفير ضمانات للخبراء للتمتع بالاستقلال والحماية اللازمين لتأدية أعمالهم، وأحال الدستور إلى القوانين المختلفة تنظيم قواعد عملهم في ضوء هذه الضمانة الدستورية.

تناول تنظيم عمل الخبرة الفنية قوانين عدة من بينها المرسوم بقانون “تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء” و”قانون الإجراءات الجنائية” و”قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ولائحته التنفيذية”، وسنتناول في النقاط التالية القواعد المتعلقة بتنظيم أعمال الخبرة الفنية:

  • تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء

يُنظِّم المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 الخبرة أمام جهات القضاء كافة وكذلك لدى النيابة العامة، كما أنه يشير إلي الطوائف المختلفة للخبراء، وهم “خبراء الجدول” و”خبراء وزارة العدل” و”خبراء مصلحة الطب الشرعي”، وخبراء المصالح الأخرى كخبراء التحف الأثرية وخبراء التصوير وغيرهم.5

خبراء الجدول: يُقصَّد بهم، وفقًا للقانون، الخبراء المقيدين في جداول المحاكم وقت العمل بالقانون، ويكون لكل خبير مقيد اسمه في الجدول ملف بالمحكمة التابع لها تودع به الملاحظات الخاصة بعمله.

خبراء وزارة العدل: تناول القانون أيضًا الشروط الواجب توافرها في خبراء وزارة العدل، والذين يتمتعون بصفة رجال الضبطية القضائية، واشترط المشرع تفرغهم فحظر عليهم الجمع بين وظائفهم ومزاولة التجارة أو أي وظيفة بمرتب أو أي عمل لا يتفق وكرامتهم واستقلالهم في عملهم.

خبراء مصلحة الطب الشرعي: كما نظم القانون الشروط التي يجب توافرها في خبراء مصلحة الطب الشرعي وحظر عليهم ما حظره على خبراء وزارة العدل، كما نظم مواد تنحي الخبراء وردهم والواجبات المتعلقة بأداء مأمورياتهم وحساب أتعابهم وتأديبهم.

منح القانون لخبراء وزارة العدل وخبراء مصلحة الطب الشرعي صفة الضبطية القضائية فيما يختص بالجرائم المتعلقة بالأعمال التي يباشرونها وأثناء قيامهم بها، ويحلف كل من خبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي، قبل مزاولة أعمال وظائفهم، يمينًا أمام إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأن يؤدوا هذه الأعمال بالذمة والصدق والأمانة وإلا كان عملهم باطلًا.6

أما بالنسبة للخبراء المقيدين في الجدول، فهم يحلفون يمينًا بمجرد قيدهم في الجدول، وبالتالي لا توجد حاجة لحلف يمين بمناسبة كل مهمة يباشرونها.7

وفقًا لقانون تنظيم الخبرة، فإن لجهات القضاء أن تنتدب للقيام بأعمال الخبرة خبيرًا أو أكثر من خبراء الجدول أو خبراء العدل أو قسم الطب الشرعي أو إحدى المصالح الأخري المعهود إليها بأعمال الخبرة، فإذا رأت لظروف خاصة أن تنتدب من غير هؤلاء وجب أن تبين ذلك في الحكم.

  • الخبرة في قانون الإجراءات الجنائية

تضمن قانون الإجراءات الجنائية في مواده من 85 حتى 89، الضوابط المتعلقة بجواز الاستعانة بأهل الخبرة في دور التحقيق، فأجازه لرجال الضبط القضائي وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق، ولكنه سكت عن ذلك في دور المحاكمة. أوجب القانون أن يحلف الخبير اليمين قبل أداؤه مأموريته على أن يؤديها بالذمة، فإذا لم يسبق له أن حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقًا لأحكام المرسوم بقانون تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء، وجب أن يحلف يمينًا أمام المحكمة على أداء مأموريته بالذمة قبل أن يباشرها، ويترتب البطلان على إغفال حلف اليمين.

يكون ندب الخبراء، وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، بمعرفة قاضي التحقيق ويكون ردهم بمعرفة الخصوم، كما نظم القانون الإجراءات التي يسير عليها الخبراء في أداء مأمورياتهم، فنص على وجوب حضور قاضي التحقيق وقت العمل وملاحظته، ما لم يقتض الأمر القيام بالمأمورية دون حضوره، وأجاز أن يؤدي الخبير مأموريته في جميع الأحوال دون حضور الخصوم.

كما نصت المادتين 292 و293 من قانون الإجراءات الجنائية على حق المحكمة في تعيين خبيرًا واحدًا أو أكثر، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم، وأن تأمر بإعلان الخبراء ليقدموا إيضاحات بالجلسة عن التقارير المقدمة منهم في التحقيق الابتدائي أو أمام المحكمة، ولا يلجأ القاضي الجنائي، وفقًا لهذا القانون، إلي رأي الخبير الفني إلا إذا كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة لفهم بعض الأمور الفنية التي لا تستطيع المحكمة إدراكها.8

  • الخبرة وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري، في أغسطس من عام 2020، اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات9. بصدور اللائحة يكتمل البناء التشريعي المُنظِّم لضوابط عمل جهات الخبرة فيما يتعلق بالجرائم المعلوماتية، حيث تناول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، دور الخبراء في المواد 1 و10، وحددت اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المواد من 4 إلى 9 شروط تعيين الخبراء وقواعد عملهم.

تطرق كلًا من القانون واللائحة التنفيذية إلى القواعد المتعلقة بعمل الخبراء، حيث تناولا تعريف الخبرة التقنية، وتنظيم عمل الخبراء التقنيين، وإنشاء سجلات مستحدثة لقيد الخبراء، كما حددوا الشروط الواجب توافرها في الخبراء الفنيين والتقنيين للقيد في السجلات الخاصة بالخبراء، وطبيعة مهامهم، وكيفية الحفاظ على سرية البيانات الواردة بسجلات الخبراء، انتهاءًا بكيفية جمع واستخراج الأدلة وحفظها وتحريزها وتوثيقها.

أهمية استعانة المحاكم المصرية بالخبراء الفنيين والتقنيين في  قضايا تكنولوجيا المعلومات

الإجراءات المتعلقة بالتحقيق والمحاكمات في جرائم تقنية المعلومات وضبط وجمع أدلة الإثبات ذات الطابع الرقمي، تتطلب وجود خبرة فنية متخصصة، وذلك لاختلاف طبيعة أدلة الإثبات في تلك الجرائم عن دلائل الإثبات في الجرائم الأخرى10، لا سيما وأن سلامة الدليل الرقمي هو أمر مهم في الدعاوى والقضايا المتعلقة بجرائم تقنية المعلومات، فإذا لحقه عبث أو تغيير في طبيعته لا يكون مقبولًا، وهو ما يزيد من أهمية الخبرة الفنية والتقنية في إثبات الجرائم أو نفيها.

كما نص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المادة 11 على أن “يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط الدعامات الإلكترونية، أو النظام المعلوماتي أو من برامج الحاسب، أو من أي وسيلة لتقنية المعلومات ذات قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي متى توافرت فيها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية لهذا القانون”.

إن الخبرة التقنية تساهم وتعاون جهات التحقيق والمحاكم في البحث عن الحقيقة، ولا تستطيع المحكمة في المسائل الفنية البحتة، كجرائم تقنية المعلومات، أن تبسط سلطتها كاملة في تقدير قوة الدليل الرقمي في جرائم تقنية المعلومات إلا بعد الاستعانة بخبير فني يخضع رأيه وتقريره لتقدير المحكمة، وتكون المحكمة في هذه الحالة مُلزَّمة بندب خبير فني وإلا قد يكون حكمها معيبًا بالقصور والإخلال بحق الدفاع.11

السجلات الخاصة بالخبراء التقنيين والفنيين

أفرد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات نصًا خاصًا، في المادة العاشرة منه، بإنشاء وإعداد سجلان خاصان بقيد الخبراء الفنيين والتقنيين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، حيث يُقيَّد بالسجل الأول الفنيون والتقنيون العاملون بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، و يُقيَّد بالسجل الثاني الخبراء الفنيين والتقنيين من غير العاملين بالجهاز.

لم ينظم القانون المشار إليه القواعد والأحكام الخاصة بممارسة عمل هؤلاء الخبراء وتحديد التزاماتهم وحقوقهم، وأحال بشأن تحديدها وتطبيقها إلى المرسوم بقانون تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء، على أن يكون تطبيق هذا القانون مقتصر فقط على الخبراء التقنيين العاملين بالجهاز، بينما الخبراء المقيدين بالسجل الثاني من غير العاملين بالجهاز فتسري بشأنهم القواعد والأحكام الخاصة بالمساءلة الإدارية والتأديبية الواردة بالقانون المنظم لعملهم إن وجد.

الشروط الواجب توافرها في الخبير التقني وإجراءات القيد في السجلات

حددت اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قواعد وشروط وإجراءات القيد في كل من السجلين السابق ذكرهما، فوضعت ثلاثة شروط لقيد الخبراء الفنيين والتقنيين في السجل الأول الخاص بالعاملين بالجهاز وهي:

  • أن يكون طالب القيد في سجل الخبراء حاصلًا على مؤهل علمي أو فني أو تقني يتناسب ومجال الخبر.
  • أن يكون قد مضى على عمله بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات سنة ميلادية على الأقل.
  • أن يجتاز الاختبارات الفنية التي يجريها جهاز تنظيم الاتصالات للمتقدم بطلب القيد في سجلات الخبراء.

كما حددت اللائحة شروط للقيد في السجل الثاني من الخبراء التقنيين والفنيين من غير العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ويترتب على تخلف أي من الشروط الخمس شطب طالب القيد بقرار من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والشروط هي:

  • أن يكون المتقدم مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية كاملة، وأجازت اللائحة قيد الأجانب شرط التعهد كتابة بالخضوع للقوانين المصرية.
  • أن يكون المتقدم بطلب القيد محمود السيرة وحسن السمعة.
  • ألا يكون قد سبق الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف.
  • أن يكون لديه خبرة علمية مناسبة.
  • الحصول على موافقة الجهات المعنية من جهات الأمن القومي بالقيد في هذا السجل.

وحددت المادة الثامنة من اللائحة  التنفيذية كيفية التقدم بطلب القيد في سجل الخبراء، فنصت على أن يُقدَّم طلب القيد كتابيًا إلى الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، موضَّحًا بالطلب التخصص الذي يرغب مُقدِّم الطلب العمل فيه كخبير، مع إرفاق صور المستندات والشهادات المؤيدة لطلبه. يُعدّ عدم الرد على الطلب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تقديمه رفضًا له، و أجازت اللائحة لمُقدِّم الطلب التظلم من الرفض وفقًا للإجراءات المقررة قانونًا.

دور الخبير التقني في القضايا المتعلقة بجرائم تقنية المعلومات 

ينحصر دور الخبير الفني أو التقني، وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، في تنفيذ المهام الفنية والتقنية التي يتم تكليفه بها من جهات التحقيق أو الجهات القضائية المختصة أو من الجهات المعنية بمكافحة جرائم المعلومات، وذلك في الجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والجرائم المرتبطة به.

للخبير الفني والتقني جمع واستخراج واستنباط الأدلة الرقمية محل الواقعة باستخدام التقنيات التي تتضمن عدم تغيير أو تحديث أو محو أو تحريف أو إتلاف الأدلة التي يجمعها، ويتم جمع الدليل بمعرفة الخبير واستخراجه وحفظه، مع بيان في التقارير الفنية نوعية ومواصفات البرامج والأدوات والأجهزة والمعدات التي تم استخدامها، وتوثيق كود وخوارزم hash الناتج عن استخراج نسخ مماثلة ومطابقة للأصل من الدليل الرقمي بالتقرير الفني.12

مدى تأثير الخبير التقني على الحكم في الدعوى 

القاعدة هي أن المحكمة هي الخبير الأعلى، ووفقًا لما تواترت عليه أحكام محكمة النقض، فإن تقارير الخبراء تخضع دائمًا لتقدير المحكمة، فلها أن تطرحها كليًا ولها أن تأخذ ببعض ما ورد بها وتطرح الجزء الأخر دون إبداء أسباب لذلك.

ولا يوجد قيدًا على سلطة المحكمة التقديرية في تقدير الدليل، إلا في حالة ما إذا كانت الخبرة متعلقة بمسائل فنية بحتة، فهنا لا يجوز للمحكمة تفنيدها إلا بأساليب فنية، وتُوضِّح محكمة النقض المصرية في هذا الشأن أن “المحكمة إذا اعترضها واقعة فنية، وإن كان لها أن تتخذ ما تراه بشأنها من وسائل لبحثها وفهمها مستعينة في ذلك بالحقائق العلمية الثابتة، إلا أنه يجب أن يكون استناد المحكمة إلي تلك الحقائق مبنيًا على أسس علمية سليمة ثابتة بمصادر المعرفة بالمسألة موضوع البحث ثبوتًا لا يحتمل تفسيرًا أو تأويلًا “.13

إذن، فمتى واجهت المحكمة مسألة فنية بحتة يتعذر عليها إدراكها وكشف حقيقتها فلا بد من الاستعانة بأهل الخبرة الفنية، وللمحكمة مطلق الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، فإن هي اطمأنت إليه ورأت فيه منطق علمي سائغ التعويل عليه فتحكم بموجب ما توصل إليه هذا التقرير، وفي حالة إذا ما تشككت المحكمة فيما ورد بتقرير الخبراء فلها مطلق الصلاحية بطرحه كليًا.

وفي ضوء القواعد التي أرستها محكمة النقض المصري، يمكننا القول أن الخبير الفني والتقني مثله مثل كافة الخبراء، يقتصر دوره فقط  على معاونة  جهات التحقيق والتقاضي، يبسط لهم الرأي ويضع تحت تصرفهم معارفه وتجاربه العلمية، فعمل الخبرة الفنية مجرد وسيلة يستعين بها القاضي في كشف الأمور الفنية التي تخفى عليه ولا يستطيع إدراكها، فعمله ليس إلا إجراءًا تمهيديًا لا يقيد المحكمة بشيء عن البت في الموضوع، فلها في حدود سلطتها التقديرية أن تأخذ بالتقرير كله، أو ببعض ما جاء به وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة، إذ هي لا تقضي إلا على ما تطمئن إليه دون أن يشوب حكمها البطلان طالما بنى على أسباب علمية وفنية ثابتة.

مدى استقلالية عمل الخبراء  في القوانين المصرية

منح الدستور المصري، في مادته رقم 199، الاستقلال لكل من الخبراء القضائيين، وخبراء الطب الشرعي، والأعضاء الفنيين بالشهر العقاري، وكفلت المادة الحماية والضمانات اللازمة لهم لتأدية عملهم على النحو الذي ينظمه القانون.14

وفقًا للقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء، يعد الخبراء عاملين مدنيين بالدولة خاضعين لوزارة العدل، مما يعني أنهم تابعون للسلطة التنفيذية.

وقد نظمت أيضًا اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات عمل الخبراء التقنيين والفنيين، وبموجب هذا القانون يعد الخبراء الفنيين والتقنيين المقيدين في سجلات الخبراء تابعين للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وهو هيئة قومية مستقلة لإدارة مرفق الاتصالات، وله الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص. كما تناولت المادة الثامنة من اللائحة وجوب مراعاة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الحفاظ على سرية البيانات الواردة بسجلات الخبراء وعدم الإفصاح عنها إلا بموجب أمر قضائي.15

صلاحيات الخبراء في ضوء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

كما ذكرنا في السابق، فالخبير الفني وفقًا لجميع القوانين المُنظِّمة لعمل الخبرة، هو مجرد معاون للمحاكم والقضاء، وتستعين المحكمة بالخبراء الفنيين للاستنارة برأيهم في المسائل الفنية التي تستدعي خبرة خاصة. وبموجب القوانين التي تناولت الخبرة الفنية، فليس للخبير صلاحيات إلا في الحدود التي تسمح بها المحكمة التي تنظر الدعوى، والقاضي هو الذي يحدد صلاحيات الخبير وسلطاته، وكذلك فإن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير.

دور الخبير في جمع وحفظ الدليل الرقمي 

نظمت اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المادة التاسعة منها حجية الأدلة الرقمية، ومنحتها قوة الدليل المادي في الإثبات الجنائي إذا توافرت فيها بعض الشروط16، وهي أن يتم جمع الأدلة باستخدام تقنيات تضمن عدم تغيير أو تلف أو محو أو تحريف البيانات والمعلومات الرقمية أو البرامج والمعدات التي تم تحريزها، ويجب أن تكون الأدلة الرقمية ذات الصلة بالواقعة وفي إطار الموضوع المطلوب إثباته أو نفيه، وفقًا للنطاق الذي حددته المحكمة المختصة. كما أوجبت اللائحة أن يتم جمع الدليل الرقمي وحفظه وتحريزه بمعرفة الخبراء التقنيين أو المتخصصين المنتدبين من جهات المحاكمة أو التحقيق، على أن يبين في تقريره الفني نوع ومواصفات البرامج والأدوات والأجهزة والمعدات التي تم استخدامها، مع توثيق كود وخوارزم hash الناتج عن استخراج نسخ مماثلة ومطابقة للأصل من الدليل الرقمي بالتقرير الفني، مع الحفاظ على الأصل دون العبث به. في حالة تعذر فحص نسخة الدليل الرقمي وعدم إمكانية التحفظ على الأجهزة محل الفحص لأي سبب يتم فحص الأصل، ويجب أن يثبت ذلك كله في تقرير الفحص والتحليل، كما يجب أن يتم توثيق الأدلة الرقمية بمحضر إجراءات من قبل المختص قبل عمليات الفحص والتحليل له وكذا توثيق مكان ضبطه ومكان حفظه ومكان التعامل معه ومواصفاته.

الهوامش

1 المختصر في التعليق على قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية بين القانون والشريعة الإسلامية – نجاتي عبد الغني إبراهيم ص 223.
2 مأمون سلامة – الإجراءات الجنائية في التشريع المصري – الجزء الأول ص 641 ط 1998
3 الخبرة من التعريفات الواردة بالمادة 1 من باب الأحكام العامة بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018
4 المادة 199 من الدستور المصري الحالي الصادر في عام 2014 ” الخبراء القضائيون، وخبراء الطب الشرعي، و الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم، على النحو الذي ينظمه القانون “
5 المذكرة الإيضاحية لمشروع المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 الصادرة بتاريخ بتاريخ 15 يونيو 1952.
6 الطعن رقم 74 لسنة 43 ق جلسة 9 فبراير 1977 مكتب فني 28 ج 1 ق
7 د.فتحي والي – المبسوط في قانون القضاء المدني علما وعملًا – طبعة 2017 دار النهضة العربية – الجزء الثاني
8 المعاينة وندب الخبراء – المستشار أحمد هاني مختار – الطبعة الثالثة 2008 – دار الكتاب الذهبي
9 اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020، والمنشورة بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 35 تابع (ج) في 27 أغسطس 2020
10 المادة 1 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ” الدليل الرقمي : أى معلومات إلكترونية لها قوة أو قيمة ثبوتية مخزنة أو منقولة أو مستخرجة أو مأخوذة من أجهزة الحاسب أو الشبكات المعلوماتية وما فى حكمها، ويمكن تجميعها وتحليلها باستخدام أجهزة أو برامج أو تطبيقات تكنولوجية خاصة “
11 دكتور مأمون سلامة – الإجراءات الجنائية في التشريع المصري طبعة 1998 صفحة 228 وما بعدها، نقض 21 أكتوبر 1946، مجموعة القواعد ج2، 675، رقم 190.
12 المادة 9 من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
13 محكمة النقض المصرية – نقض 2 مايو 1967، مجموعة الأحكام س 18، رقم 134.
14 مقال بعنوان “استقلال خبراء وزارة العدل: حقٌّ أم عرقلةٌ لسير العدالة ” موقع منشورات قانونية – بتاريخ 15 سبتمبر 2017 – يمني يوسف.
15 المادة رقم 7 من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
16 ورقة بحثية بعنوان “مدخل إلى مفهوم الدليل الجنائي الرقمي وحجيته في الإثبات” صادرة عن مسار- مجتمع التقنية والقانون بتاريخ 29 يوليو 2021