
مقدمة
شهد العالم تطورًا هائلًا في الرقابة على الإنترنت ومراقبة والاتصالات خلال العقدين الأخيرين، وهو ما جعل التشفير قضية محورية في أي نقاش عن الحقوق الرقمية. فمنذ تسريبات إدوارد سنودن عام 2013، التي كشفت نطاق برامج المراقبة الجماعية، بدأت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تدرك المخاطر المحدقة بالخصوصية في العصر الرقمي. في الوقت نفسه، سعت الحكومات إلى فرض قيود على أدوات التشفير والتواصل المجهول متذرعة بالحفاظ على الأمن القومي ومكافحة الإرهاب. يثير ذلك إشكالية جوهرية عن مسألة التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان في الفضاء السيبراني.
تهدف هذه الورقة إلى الدفاع عن التشفير والمجهولية كحقوق أساسية ينبغي الاعتراف بها وحمايتها. تستعرض الورقة أولًا ماهية التشفير وأهميته التقنية والاجتماعية، ثم تناقش كيف يشكل التشفير امتدادًا للحقوق الإنسانية الأساسية كالخصوصية وحرية التعبير وحرية التنظيم.
تتناول الورقة أيضًا أبرز الحجج التي تتذرع بها الحكومات لتقييد حق التشفير، مثل دعاوى الأمن القومي وضرورة الأبواب الخلفية، مبينة خطورة تلك الممارسات على أمن الأفراد وحقوقهم. كما ستتناول أوضاع التشفير في السياقات القمعية، حيث تُجرِّم بعض القوانين استخدامه أو تستهدف الناشطين والصحفيين الذين يلجأون إليه. أخيرًا، تقدم الورقة توصيات عملية لصنّاع القرار تتضمن دعم تطوير وانتشار أدوات التشفير، إلى جانب المطالبة بالاعتراف القانوني الصريح بهذه الحقوق في التشريعات الوطنية والدولية.
ما هو التشفير ولماذا نحتاجه؟
التشفير هو عملية تقنية تستهدف تحويل المعلومات والبيانات إلى صيغة غير مقروءة لأي طرف غير مخوّل له بالاطلاع عليها، بحيث لا يفهمها إلا من يمتلك المفتاح الصحيح لفك الشيفرة. بعبارة أبسط، تشبه تلك العملية كتابة الرسائل بـ”لغة سرية”، لا يفهمها سوى المرسَل إليه المقصود. مثلًا، عند توجيه رسالة عبر تطبيق آمن يعتمد على التشفير، فإنه يحول النص الأصلي إلى رموز غير مفهومة في أثناء انتقالها عبر الإنترنت. لا تعود الرموز إلى طبيعتها المقروءة إلا على جهاز المستقبل، الذي يملك مفتاح شيفرتها.
هناك أساليب متنوعة للتشفير، من بينها التشفير من طرف إلى طرف (End-to-End) الذي يضمن بقاء محتوى الاتصال سريًا من لحظة إرساله حتى استلامه وعدم قدرة أي جهة وسيطة على قراءته. في العقود الماضية، تطورت تقنيات التشفير من استخدامات حصرية للأجهزة العسكرية والاستخبارية إلى أدوات متاحة للجمهور ومتضمَّنة في كثير من المنتجات الرقمية اليومية.
في الواقع، يستخدم الكثير من الأفراد التشفير دون أن يشعروا بذلك في أغلب الأحيان. فعند التسوق عبر الإنترنت، أو تصفح البريد الإلكتروني، أو التراسل عبر تطبيقات مثل وآتساب وسيجنال، فإن بروتوكولات التشفير هي التي تحمي المعلومات الشخصية الحساسة للمستخدمين (مثل بيانات البطاقات المصرفية والرسائل الخاصة) من تطفل الآخرين.
مثلًا، يظهر القفل الأخضر في شريط عناوين المتصفح إلى جانب رمز “https” عند زيارة موقع ويب آمن، ليدل على أن الاتصال بين المتصفح والخادم مشفر ومحمي. كذلك تعتمد المؤسسات المالية والحكومات نفسها على التشفير لحماية اتصالاتها وملفاتها السرية. يعني ذلك أن التشفير ليس أداة يلجأ إليها ذوو “النوايا الخبيثة”، بل حجر الأساس في بناء الثقة الرقمية وتأمين البنية التحتية للمعلومات في العصر الحديث.
وعلاوة على حفظ سرية المحتوى يمتلك التشفير فوائد تقنية أخرى بالغة الأهمية. يضمن التشفير سلامة البيانات، ويحمي محتواها من التخريب في أثناء النقل (Data Integrity). إذ يستطيع المستقبِل التأكد من أن الرسالة لم تُعدّل أو تُزور، بفضل تقنيات التوقيع الرقمي المرتبطة بالتشفير.
التشفير كامتداد للحقوق الأساسية
لا يقتصر التشفير على كونه تقنية تضمن سرية المعلومات، بل يشكل في جوهره امتدادًا للحقوق الإنسانية الأساسية في العصر الرقمي. إذ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإدراك الحق في الخصوصية، وحماية الحياة الشخصية، وكذلك بتمكين الأفراد من التمتع بحرية التعبير وحرية تبادل المعلومات. يعزز أيضًا التشفير الحق في حرية التنظيم والتجمع السلمي عبر الإنترنت.
الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة
يُشَبَّه حظر التشفير بـ”حظر الستائر في المنزل”، فهو يسلب الأفراد أداة أساسية للإبقاء على خصوصية حياتهم الخاصة. يُعد الحق في الخصوصية من الحقوق الأساسية المعترف بها عالميًا (تنص المادتان 12 من الإعلان العالمي و17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حماية خصوصية الفرد ومراسلاته). لذلك، التشفير في العصر الحالي هو أحد أهم الوسائل العملية لضمان هذا الحق. فيتيح التشفير الحفاظ على سرية الاتصالات الشخصية بين الأفراد، بالإضافة إلى الرسائل والمكالمات والصور المخزنة سحابيًا، بعيدًا عن أعين المتطفلين والحكومات والشركات.
شددت الأمم المتحدة في قراراتها على أن التشفير ضروري للتمتع بالحق في الخصوصية وغيرها من حقوق الإنسان في العصر الرقمي. إذ يُعد وجود “منطقة خصوصية” محمية أمرًا جوهريًا لضمان كرامة الإنسان، ويوفر التشفير هذه المنطقة في الفضاء الإلكتروني. بالتالي، يُعد التشفير امتدادًا طبيعيًا للحق في الخصوصية، فهو ترجمة تقنية لضمان سرّية المراسلات، التي لطالما اعتُبرت جزءًا لا يتجزأ من الخصوصية.
حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات
يرتبط التشفير ارتباطًا وثيقًا بحرية التعبير. ففي البيئات التي تتعرض فيها الأصوات المعارضة أو المستقلة للمراقبة والملاحقة، يصبح التشفير درعًا يحمي أصحاب الرأي والفكر في تواصلهم ونشر آرائهم.
يوضح المقرر الأممي الخاص لحرية التعبير، ديفيد كاي، أن التشفير يخلق “منطقة خصوصية” تمكّن الأفراد من تكوين آرائهم والتعبير عنها بدون خوف من التتبع أو العقاب. فمن خلال اتصال مشفر، يستطيع الصحفي التحدث مع مصادره بسرية، ويستطيع المواطن التعبير عن رأيه الحساس من دون كشف هويته أو محتوى رسالته.
يوفر التشفير الفضاء الآمن اللازم لتنمية الحوار الحر على الإنترنت. كما أن العديد من شرائح المجتمع تعتمد على التشفير لضمان حرية التعبير: الصحفيون لحماية مصادرهم، والمدافعون عن حقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات وإرسال التقارير، والمبلّغون عن الفساد (Whistleblowers) لكشف المعلومات من دون افتضاح أمرهم. يحتاج هؤلاء جميعهم إلى التشفير وإخفاء الهوية لضمان حرية التعبير الفعلية من دون التعرض لخطر فوري.
بالإضافة إلى ذلك، غياب التشفير أو إضعافه قد يؤدي إلى تأثير مُثبِّط (Chilling Effect) على ممارسة الناس لحقوقهم. فشعور الأفراد بتهديد خصوصيتهم قد يدفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية وتجنب التعبير عن آرائهم، أو البحث عن معلومات حساسة.
حرية التنظيم والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات
في عصر يعوّل فيه النشطاء ومنظمات المجتمع المدني على الإنترنت للتنسيق وتنظيم الحملات والتظاهر السلمي، يؤدي التشفير دورًا حيويًا في التمكين من الحق في التنظيم. تتيح أدوات التشفير للفاعلين المدنيين والسياسيين التواصل فيما بينهم بسرية، وتبادل الخطط والمعلومات من دون أن ترصدها أجهزة أو سلطات قمعية.
كذلك تحتاج منظمات المجتمع المدني التي تعمل في بيئات قمعية إلى تشفير بريدها الإلكتروني وملفاتها لحماية أعضائها وشبكات دعمها. من دون التشفير، يصبح سهلًا اختراق اتصالات هؤلاء الفاعلين والتعرف على تحركاتهم، ومن ثم إحباط جهودهم وربما ملاحقتهم، مما يقوّض حرية التجمع والتنظيم من أساسها. لذا يعد التشفير امتدادًا لحرية التنظيم بقدر ما هو امتداد لحرية التعبير: كلاهما يوفّر الحماية اللازمة لممارسة حق المشاركة في الشأن العام.
إلى جانب هذه الحقوق الرئيسية، يُسهم التشفير كذلك في حماية حقوق أخرى بشكل غير مباشر. فهو ضروري لضمان حق الأفراد في الأمن الشخصي وحرمة بياناتهم، وبالتالي ينعكس على حقوقهم الاقتصادية (حماية بيانات الحسابات المصرفية والمعاملات التجارية)، وحقوقهم القانونية (سرية الاتصالات بين الموكل ومحاميه كمثال).
الرد على حجج الحكومات ضد التشفير
على الرغم من الفوائد الجوهرية للتشفير في حماية الحقوق والأمن السيبراني، تواجه مسألة اعتباره حقًا إنسانيًا أساسيًا معارضة من حكومات وجهات أمنية عديدة حول العالم. ترتكز هذه المعارضة في أغلبها على مبررات تتعلق بالأمن القومي ومكافحة الإرهاب والجريمة. يُصوِّر المعارضون التشفير على إنه عائقًا أمام أجهزة إنفاذ القانون في تعقب المجرمين، أو يصفوه بـ”المساحة المظلمة” التي يختبئ فيها الخارجون على القانون.
يعرض هذا القسم أبرز الحجج التي تطرحها الحكومات لتقويض الحق في ممارسة التشفير مع توضيح الحقائق التقنية والاعتبارات الحقوقية.
الحجة 1: “يعيق التشفير مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ويهدد الأمن القومي”.
تزعم بعض الحكومات إن انتشار أدوات تشفير قوية يمنح الإرهابيين ومجرمي الإنترنت “مساحة آمنة” للتخطيط والتواصل بعيدًا عن أعين السلطات. على سبيل المثال، برر مسؤولون أمنيون في دول غربية سعيهم للحد من التشفير بتضييق الخناق على الإرهابيين، فلا يصبح لهم “مكان للاختباء” إلكترونيًا. فيما أشار تقرير أوروبي صدر بعد هجمات إرهابية تعرضت لها القارة، إلى أن تنظيم داعش استفاد من تطبيقات مشفرة مثل واتساب وفايبر لتصبح اتصالاته “غير قابلة للوصول” أمام أجهزة الأمن.
بناءً على ذلك، ترى تلك الحكومات أن السماح بالتشفير المعزز من دون قيود “يكبل أيدي” الأجهزة، فتعمل “ويدها مغلولة وراء ظهرها” في مواجهة خطر الإرهاب. هذا المعنى عبّر عنه مدعٍ عام أميركي، قائلًا: “لماذا نسمح بنشاط إجرامي في فضاء لا تستطيع أجهزة إنفاذ القانون الوصول إليه؟”.
تعتمد هذه الحجة على أسانيد مبالغ فيها، وتتغاضى عن جوانب أخرى للمسألة. أولًا، تمتلك أجهزة الأمن العديد من الأساليب التقنية والقانونية لملاحقة المجرمين حتّى في وجود التشفير. فعلى سبيل المثال، لا يخفي التشفير كل شيء؛ إذ تظل البيانات الوصفية (كعناوين الإنترنت وأوقات الاتصال وحجم البيانات) متاحة عادة، وهي تكفي لرسم صورة واضحة لأي تحركات مشبوهة والتحقيق فيها.
ثانيًا، غالبًا ما يستطيع المحققون الوصول إلى محتوى الأجهزة بموجب أمر قضائي عبر وسائل أخرى، مثل اختراق الجهاز ذاته أو استغلال ثغرات في تطبيقات التواصل، من دون حاجة إلى كسر التشفير القياسي العام. ثالثًا، لم تثبت أجهزة إنفاذ القانون أن استخدام مجرم للتشفير يشكّل حاجزًا مطلقًا لا يمكن تجاوزه. في هذا السياق، تحدى ديفيد كاي السلطات الأمنية، في تقرير أعده لصالح الأمم المتحدة، أن تثبت حالة واحدة تعذّر فيها تمامًا الوصول إلى محتوى ضروري لاستكمال أي من التحقيقات بسبب التشفير وحده.
الواقع أن الكثير من القضايا البارزة استطاعت الشرطة حلها حتى مع استخدام المشتبه فيهم تطبيقات مشفرة، عبر مزيج من العمل الاستخباراتي التقليدي والأدلة الرقمية الأخرى. وبالتالي فإن تصوير التشفير على أنه عقبة لا يمكن للعدالة التغلب عليها طرح مضلل ومخل.
الحجة 2: “نحتاج إلى أبواب خلفية (Backdoors) في أنظمة التشفير لتمكين السلطات من الوصول عند الضرورة”.
ربما تكون هذه الحجة الأكثر انتشارًا بين الحكومات الغربية تحديدًا. فبدلًا من حظر التشفير -المهم للأمن الاقتصادي- تدعو بعض الأصوات إلى البحث عن وسيلة تقنية استثنائية تسمح من خلال قرار رسمي بفك تشفير المحتوى عند الحاجة. يُطلق الداعون إلى هذه الفكرة عليها أسماء مثل “الوصول الاستثنائي” أو “التشفير مع مفتاح رئيسي خاضع لسيطرة الحكومات”.
يعني ذلك إجبار الشركات المزودة لخدمات التواصل (مثل آبل وفيسبوك وغيرها) على إيجاد ثغرة في أنظمتها تمكن الجهات الأمنية الدخول من اختراق الرسائل المشفرة إذا استصدرت أمرًا قضائيًا. يجادل أصحاب هذا الاقتراح بأنه يُحقق المعادلة المطلوبة: الاحتفاظ بفوائد التشفير وضمان عدم إفلات المجرمين من قبضة العدالة. على سبيل المثال، أثارت حكومة المملكة المتحدة هذه القضية مرارًا، حتى أن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون صرّح عام 2015 بأنه “لن يسمح بتشفير لا يمكن للحكومة اختراقه”.
كذلك ضغط مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) على شركات التقنية الأميركية لسنوات حتى تترك منفذًا خلفيًا في أجهزتها، خاصة بعد حادثة سان برناردينو الشهيرة. طلبت المحكمة من شرطة آبل بعد الحادثة فك تشفير هاتف الآيفون الخاص بأحد الإرهابيين عام 2016. مثل هذه المطالب ترى أنه “يجب أن يكون للقفل مفتاح بيد السلطات”.
مفهوم “الباب الخلفي الآمن” هو وهم خطير. فالتشفير تقنية رياضية لا يمكن تطبيقها انتقائيًا لصالح طرف دون آخر. أي ثغرة توضع في نظام مشفر ستكون قابلة للكشف والاستغلال من جهات أخرى، سواء كانت قراصنة أو حكومات استبدادية أو عصابات سيبرانية.
بمعنى آخر، لا يوجد ثقب يمكن أن يمر منه “الأخيار” فقط. فإذا وُجد باب خلفي، سيدخل منه الجميع. وهو ما يؤكده المقرّر الأممي ديفيد كاي، بقوله: “التشفير المخترَق لن يبقى سرًا على من يمتلك المهارة لاستغلال نقاط الضعف (…) فأي اختراق متعمد للتشفير يُضعف أمن الجميع”. ما يعني إضعاف البنية التحتية للأمن الرقمي العالمي وجعلها عرضة للهجمات.
حذّرت منظمة العفو الدولية صراحة من أن مثل هذه الإجراءات تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان لأنها تقوّض أمن وخصوصية الجميع عشوائيًا. فالمسألة لا تتعلق بمجرم بعينه يمكنك مراقبته، بل بتعريض مليارات الاتصالات الخاصة للخطر. فتح منفذ استثنائي للحكومة اليوم قد يعني فتحه غدًا أمام القراصنة أو الأنظمة قمعية لاستغلاله ضد المعارضين.
شددت منظمات مثل EFF على أنه من منظور قانوني، إن كان لا بد من كشف محتوى مشفر لسبب مشروع، فيجب أن يتم ذلك عبر آليات قضائية وضمانات دقيقة وضيقة النطاق (مثال: استهداف جهاز مشتبه به محدد عبر أمر محكمة، بدلًا من مدخل عام لكل الأجهزة).
هناك مخاوف عميقة من أن وجود منفذ خلفي سيُغري السلطات نفسها بالتجسس خارج نطاق القانون، أو مد نطاق تعريفات “الضرورة الأمنية” لتشمل مراقبة النشطاء والصحفيين. فسوابق تورط الحكومات في المراقبة الجماعية موجودة، ووجود مفاتيح رئيسية تفك التشفير سيكون أداة قوية قد يُساء استخدامها ضد حقوق الإنسان.
الحجة 3: “لا بد من الموازنة بين الحرية والأمن؛ قليل من التنازل في الخصوصية مقابل الأمان العام”.
يروّج صانعو السياسات أحيانًا إلى فكرة أن الحرية والأمن ككفتي ميزان، يستلزم ترجيح إحداهما التضحية بجزء من الأخرى. وفي سياق التشفير، يُطرح ضمنيًا القبول بتقليص خصوصية الاتصالات عبر السماح بالمراقبة المنظمة أو تقييد التشفير لتمكين أجهزة الأمن من أداء واجبها وحماية المواطنين.
تستغل هذه خوف العامة الطبيعي من التهديدات الإرهابية والإجرامية، لتطرح نفسها كخيار من اثنين لا ثالث لهما: إما “حرية رقمية مطلقة يستخدمها الأشرار” أو “رقابة محكمة تحمينا منهم”.
بيد أن هذه المعادلة زائفة وخطيرة. فليست العلاقة صفرية بين الأمن والحرية، بل يمكن تحقيق الأمرين كلاهما بتعزيز الأمن الرقمي نفسه. فالتشفير يدعم الأمان لا يضعفه، حيث يحمي المواطنين من جرائم اختراق البيانات وسرقة المعلومات المالية والشخصية. كما أنه يحمي الشركات والحكومات كذلك من التجسس وهجوم القراصنة. بالتالي، قد يؤدي إضعاف التشفير بدافع الحرص الأمني إلى نتائج عكسية تمامًا.
تصف منظمة Access Now أي سياسة تُضعف التشفير بأنها في الحقيقة “سياسة لإضعاف الأمن”. أكدت المنظمة أن تقويض التشفير يساوي تقويض الأمن الرقمي للجميع. مثال على ذلك: إذا أُلزمت شركة تقنية بصنع باب خلفي داخل هواتفها الذكية، فإن أول من سيسعى لاستغلاله هم مجرمو الإنترنت أنفسهم. سيصبح حينها الجميع -بمن فيهم المستخدمون العاديون والمسؤولون الحكوميون– أقل أمنًا. فالتضحية بالخصوصية الرقمية والتشفير بدعوى تحقيق الأمن، قد تؤدي إلى انعدامه وانتشار الثغرات التي تهدد البنية المعلوماتية للدولة والقطاع الخاص معًا.
من زاوية حقوق الإنسان، تُعد الحريات حليفة الأمن لا عدوته، فلا يمكن ضمان أمن المجتمع على المدى الطويل من دون احترام حقوق أفراده. تُظهر التجارب أن المجتمعات التي بالغت في المراقبة الشاملة لأفرادها بدعوى الأمن، لم تحقق أمنًا مستدامًا، بل قوّضت ثقة المواطنين فيها، وأنتجت انتهاكات جسيمة. حرمان الأفراد من وسائل التواصل الآمنة (بالتشفير والمجهولية) يجعل من المجتمع أقل حرية وأقل أمانًا معًا.
بالتالي، لا ينبغي تصوير الأمر كتنازل عن الحرية مقابل الحصول على الأمن، بل كسبيل لتعزيز الأمن والحرية جنبًا إلى جنب. يتحقق ذلك عبر سياسات تحمي الخصوصية، وتستخدم في الوقت نفسه وسائل مشروعة لملاحقة الجرائم الحقيقية من دون المساس بأمن المؤسسات أو الأفراد.
الحجة 4: “انتشار التشفير يعرقل القدرة على التحقيق في مواد الاستغلال الجنسي للأطفال”.
تطرح هذه الحجة الحساسة بعض الوكالات عند الاعتراض على خطط شركات مثل فيسبوك لتعميم التشفير في منصاتها. إذ تخشى تلك الجهات من تواصل المتحرشين بالأطفال ببعضهم البعض وتبادل المحتوى الاستغلالي عبر منصات مشفرة من دون إمكانية كشفهم. ظهرت من قبل حملات ضد تشفير تطبيق Messenger بحجة أنه سيمنع كشف شبكات استغلال الأطفال.
هذا التخوف مشروع في ظاهره (حماية الأطفال أولوية)، لكنه يجب أن يوزَن أيضًا بحقيقة أن رصد أغلب تلك الجرائم يتم عبر أساليب استباقية تعتمد على تفتيش رسائل الجميع. كما أن حلول مثل تقنية فحص الجهاز (Client-side scanning)، هي محل جدل لاحتمال انتهاكها للخصوصية. لكن من منظور المبادئ، حتى أخطر الجرائم لا تعالج بإضعاف نظام الأمن للجميع. بل يجب التركيز على تتبع الجناة بوسائل تقنية وقانونية مركزة بدل استخدام ذلك كذريعة لخرق عالمي للخصوصية.
التشفير في السياقات القمعية
تتعاظم أهمية الاعتداد بالتشفير حقًا من حقوق الإنسان عند النظر إلى السياقات القمعية في بعض الدول. في هذه البيئات، لا يقتصر الأمر على نقاشات نظرية عن الموازنة بين الأمن والخصوصية، بل يصل إلى تجريم التشفير نفسه أو ملاحقة مستخدميه، واستغلال غيابه كأداة لقمع المعارضة والمجتمع المدني.
قيود وتشريعات تجرّم أو تحد من التشفير
تقوم بعض الحكومات بسن قوانين تمنع أو تقيّد استخدام الجمهور لأدوات التشفير القوية. فعلى سبيل المثال، فرضت باكستان والهند قيودًا على التشفير، لا تسمح إلا باستخدام الضعيف من أدواته، أو الحصول على ترخيص رسمي لاستخدام أنظمة قوية.
هذه القيود تجعل أي شخص يستخدم تطبيقات تعتمد على تشفير معقّد عرضة للمساءلة. بل ذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك، وحظرت التشفير تمامًا في فترات معينة، أو قصرته على فئات محددة. انتشرت معلومات عن حظر روسيا، وكازاخستان، وباكستان وغيرهم، في بعض الفترات برامج أو بروتوكولات تشفير بالكامل.
استهداف الأفراد بسبب استخدام التشفير
في البيئات القمعية، قد يُنظر إلى استخدام الشخص لتقنيات حماية الخصوصية كدليل على تورطه في نشاط معادٍ للسلطة. على سبيل المثال، اعتُقل صحفيون في تركيا عام 2015 من قناة (Vice)، ووُجهت لهم تهمة “دعم منظمة إرهابية”، فقط لأن المترجم كان يستخدم برنامج تشفير على حاسوبه الشخصي.
اعتبرت السلطات التركية آنذاك أن استخدام برنامج شائع للتشفير دليل على تواصل المشتبه بهم مع جماعات متطرفة (وزعمت أن البرنامج نفسه يستخدمه تنظيم داعش). هذا النموذج يوضح كيف يُجرَّم التشفير بحد ذاته، بحيث يصبح أي شخص يستخدم تشفيرًا معقدًا مشتبهًا به.
في حالة أخرى، في تركيا أيضًا، اُحتجز عدد من نشطاء حقوق الإنسان خلال مشاركتهم في ورشة تدريبية عن الأمن الرقمي. لفقت لهم السلطات تهمًا تتعلق بالإرهاب لمجرد “جرأتهم على تعلم التشفير وأدوات الحماية الرقمية”. مثل هذه الحوادث تبعث رسالة ترهيب لجميع مستخدمي الإنترنت، مفادها أن استخدام التشفير يضع الفرد تحت طائلة الشبهات.
لا تقتصر هذه الممارسات على تركيا، ففي دول أخرى سُجن أشخاص، أو خضعوا للتحقيق فقط لأنهم استخدموا تطبيقات مثل Tor أو VPN لتجاوز الرقابة. مثلًا، تُصنِف إيران استخدام أدوات التخفي على شبكة الإنترنت كجريمة إلكترونية. وفي الصين يُصعب حظر الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وإلزام مزودي الخدمة بمراقبة الاتصالات، على النشطاء استخدام أي شكل من أشكال التشفير من دون اكتشاف.
أما في إثيوبيا، فكشفت لائحة الاتهامات في قضية مجموعة مدوّني Zone 9 عام 2014 عن توجيه اتهام جزئي بالخيانة لاستخدام المدونين أدوات تشفير وتخفي في عملهم الإعلامي. يُظهر كل هذا نهجًا قمعيًا يجعل من التواصل الرقمي غير آمن عن عمد حتى يسهل رصد المعارضة.
الأثر على المجتمع المدني والصحافة
عندما يصبح استخدام التشفير محفوفًا بالمخاطر القانونية أو التقنية، يدفع المجتمع المدني كله الثمن. الصحفيون في تلك البيئات سيجدون صعوبة في حماية مصادرهم، مما يعرضهم ومصادرهم للخطر ويثني الناس عن تزويدهم بالمعلومات. كذلك ستصبح اتصالات الناشطين الحقوقيين مراقبة، ما قد يكشف استراتيجياتهم، ويُعرض أفرادًا من شبكاتهم إلى الخطر.
كما أن تحركات المعارضين السياسيين تصبح مرصودة وسهلة الإحباط. ينتج عن ذلك مناخ من الخوف يؤدي بدوره إلى لجوء الكثير إلى الرقابة الذاتية وتقليص نشاطهم المشروع.
إضافة إلى ذلك، سيتضرر المواطن العادي أيضًا، ففي غياب إمكانية التشفير وأدواته، ستكون بياناته عرضة للاختراق عن طريق جهات إجرامية لا الحكومة وحدها. فيقع المواطن بين خيارين كلاهما سيئ: أن يصبح مجرمًا في نظر السلطة إذا قرر حماية خصوصيته بتشفير قوي، أو التخلي عن الحماية ليصبح صيدًا سهلًا للقراصنة ولسلطات قد تتجسس على حياته الخاصة بلا حسيب.
التشفير كحق إنساني
في ضوء ما تقدم من أدوار جوهرية للتشفير في حماية الحقوق، ومواجهة المساعي لقمعه أو تقويضه، برز توجه متنامٍ في الأوساط الحقوقية والدولية يطالب بالاعتراف به كحق من حقوق الإنسان أو جزء لا يتجزأ من تلك الحقوق. يقصد بذلك الإقرار بأن استخدام تقنيات التشفير وإخفاء الهوية ممارسة مشمولة بالحماية، بموجب حقوق الإنسان المعترف بها (خصوصًا الحق في الخصوصية وحرية التعبير)، ولا ينبغي التضييق عليها إلا وفق ضوابط صارمة واستثناءات محدودة للغاية.
سلطت الأمم المتحدة الضوء كثيرًا على أهمية التشفير. ففي عام 2015، قدّم المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير ديفيد كاي، تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ارتكز على دور التشفير وإخفاء الهوية في ضمان حرية التعبير. خلص التقرير إلى توصيات واضحة في هذا الشأن، أبرزها: ينبغي عدم منع الأفراد من استخدام التشفير، وعلى الدول الامتناع عن فرض أدوات تضعف التشفير أو تطالب بمفاتيح فكّه إلا في أضيق الحدود القضائية.
أكد كذلك التقرير على أن حرية التعبير في العصر الرقمي تشمل ضمنًا حرية استخدام التشفير، وأن أي قيود عليه يجب أن تُعد استثناءً يتطلب تبريرًا قويًا وفق المعايير الدولية (الشرعية والضرورة والتناسب). هذا الموقف عزز فكرة أن التشفير حق ينبغي احترامه لا منتجًا تجاريًا.
في السنوات التالية، تبنّت كيانات أممية أخرى هذه الرؤية. أصدر مجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة بيانات تؤكد “الأهمية الأساسية للتشفير والأدوات المجهِّلة لضمان التمتع بحقوق الإنسان في العصر الرقمي”. وفي عام 2017، اعتمد مجلس حقوق الإنسان لأول مرة قرارًا يذكر التشفير صراحة، داعيًا الدول إلى عدم التدخل تعسفيًا في التقنيات التي تؤمّن خصوصية الاتصالات الرقمية.
أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذا القرار في عام 2020. دعت الجمعية الدول بشكل صريح لاتباع “سياسات تشفير تضمن وتحمي خصوصية اتصالات الأفراد الرقمية”. كما حثّ القرار الدول على عدم فرض قيود فنية تضعف أمن التقنيات الرقمية، وشجّع القطاع الخاص على توفير منصات آمنة ومشفرة. هذه اللغة تعني ضمنًا اعتراف المجتمع الدولي بأن التشفير ضروري لتحقيق جملة من الحقوق وليس عقبة أمامها.
ربطت أيضًا تلك القرارات التشفير بقضايا مثل الجندر والفئات المستضعفة. فأشارت القرارات إلى أن تمكين النساء والفئات المهمشة من الوصول إلى التشفير والمجهولية يساهم في سد الفجوات الرقمية وضمان مشاركتهن الآمنة على الإنترنت. وذلك بعدٌ حقوقي مهم، فحرمان شرائح معينة من التشفير (سواء عبر القانون أو نقص الوعي) قد يؤدي إلى حرمانها من حرية التعبير والمشاركة، خاصة إن تعرضت لمراقبة أو مضايقات إلكترونية (مثل الناشطات والصحفيات).
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) ومنظمات أممية أخرى تقارير تدعو لاحترام التشفير. كما نبهت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى خطورة تقنيات التجسس الحديثة، ودعت إلى تعزيز استخدام التشفير كوسيلة لحماية الخصوصية.
شددت أيضًا منظمات دولية رائدة في مجال الحقوق الرقمية على ضرورة الاعتداد بالتشفير حقًا أصيلًا. كما أصدرت منظمة العفو الدولية في عام 2016 تقريرًا بعنوان “التشفير: مسألة حقوق إنسان”، ويظهر من عنوان التقرير موقف المنظمة من تلك القضية. نص التقرير على أنه “ينبغي أن يكون بمقدور الناس في كل مكان تشفير اتصالاتهم وبياناتهم الشخصية كحماية أساسية لحقوقهم في الخصوصية وحرية التعبير”.
كذلك جعلت منظمة Access Now الدفاع عن التشفير أحد محاور عملها العالمية. أطلقت المنظمة حملات وشاركت مع عشرات المؤسسات للدفاع عنه دوليًا، للتأثير في السياسات العالمية لصالح الاعتراف به. أكدت المنظمة على إنه “حينما ندافع عن التشفير فإنما ندافع عن حقوق الإنسان. فالتشفير يمكّننا من البقاء آمنين إلكترونيًا والتواصل بحرية وبخصوصية”. كما وصفت التشفير كمسألة حياة أو موت لبعض الفئات مثل المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمعات الضعيفة.
اتخذت منظمة الخصوصية الدولية (Privacy International) ومؤسسة الجبهة الإلكترونية (EFF) مواقف مشابهة. قدمت EFF مثلًا إفادات إلى الأمم المتحدة تؤكد فيها أن التشفير وإخفاء الهوية “حراس لحرية التعبير”، ويجب عدم المساس بهما. كما طورت دليلًا بعنوان “الدفاع عن التشفير” لتزويد النشطاء بحجج لدحض مساعي الحكومات لإضعافه.
أصدرت كذلك منظمة Article 19، المعنية بحرية التعبير، ورقة سياسات مفصلة اعتبرت فيها أنه “لا معنى لحرية التعبير في العصر الرقمي بدون الحق في إخفاء الهوية واستخدام التشفير”. دعت المنظمة الدول إلى الاعتراف صراحة في قوانينها بأن حرية التعبير تشمل الحق في التشفير والمجهولية.
الحاجة إلى اعتراف قانوني صريح
على الرغم من هذه المواقف القوية، لم تترجم الدول أي منها إلى ضمانات قانونية صريحة. لا يوجد حتى الآن معاهدة دولية تلزم الدول باحترام حق التشفير بصفته حقًا مستقلًا. يستلزم ذلك العمل على عدة أصعدة، منها:
- أن يدفع المجتمع الدولي، على الصعيد العالمي، نحو قرار أممي أقوى أو حتى تعليق قانوني من محكمة العدل الدولية، أو مجلس حقوق الإنسان، يوضح حدود المشروعية في تقييد التشفير. يوجد اقتراحات بضرورة إصدار تعليق عام من لجنة حقوق الإنسان الأممية يفسر المادة 17 (الخصوصية) من العهد الدولي لتشمل بوضوح حماية التشفير.
- على الصعيد الإقليمي والوطني، يمكن إدماج حق التشفير في دساتير أو قوانين الدول. على سبيل المثال، تمتلك البرازيل قانون الحقوق على الإنترنت، الذي ينص على حماية حيادية الشبكة وحرية التعبير، ويمكن توسعته لضمان عدم حظر التشفير. كذلك تمتلك بعض الدول الأوروبية قوانين تعزز استخدام التشفير (كجزء من النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، الذي يشجع التشفير). لكن إصدار نصوص صريحة مثل “للمستخدمين الحق في حماية اتصالاتهم وبياناتهم بتقنيات التشفير دون تدخل إلا وفق القانون”، ستكبل أي محاولة مستقبلية لسن قوانين تجرّم أو تحد من التشفير.
- يُعد الاعتماد على سوابق الأحكام في القضايا ذات الشأن المشترك مهمًا. فمثلًا يدور في الولايات المتحدة جدلًا قانونيًا حول ما قد يمثله إجبار الشخص على إفشاء كلمة مروره، أو مفتاح التشفير الخاص به، من انتهاك للتعديل الخامس (الحق في عدم تجريم الذات). ومن المحتمل أيضًا أن تنظر محاكم حقوق الإنسان (مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) قضايا تتعلق بشرعية حجب مواقع آمنة، أو ملاحقة مشفري الاتصالات.
إطار حقوقي وأخلاقي مقترح
بناءً على المواقف السابقة، يمكن صياغة إطار حقوقي يقر ما يلي:
- حق الأفراد في التشفير. يعني ذلك الحق في استخدام أدوات وبرامج التشفير لحماية سرية بياناتهم واتصالاتهم، كامتداد للحق في الخصوصية وحرية التعبير، يكفله القانون الدولي العرفي (من خلال التفسيرات الحديثة).
- منع التشفير أو فرض فكّه تعسفيًا يعد انتهاكًا، ما لم يتوافق مع شروط صارمة (شرعية الهدف، والضرورة الملحة، والتناسب، وإشراف القضاء). ينبغي أن تكون أي حالة مطالبة بفك التشفير مدعومة بأمر قضائي فردي، وليس بتشريع عام.
- تشجيع التشفير كواجب وطني لضمان أمن المواطنين الرقمي. بمعنى ألا يقتصر الأمر على الامتناع عن تقييده، بل أيضًا اتخاذ خطوات لنشره وتوعية الجمهور بأهميته.
- يتعين على الشركات ومزودي الخدمات التقنية تبني تشفير قوي على نحو افتراضي (default)، وتقييم أي سياسات داخلية قد تضعف الخصوصية. وعدم الرضوخ لضغوط الحكومات التي تطلب منافذ خلفية، لأن ذلك يخالف مسؤوليتهم في احترام حقوق المستخدمين.
- إخفاء الهوية حق ملازم، لكنه جزء من الإطار. فلا معنى لحق التشفير من دون حق موازٍ في عدم الكشف عن هوية المستخدم، طالما كانت تصرفاته مشروعة.
تسعى هذه النقاط كلها إلى أن يصبح التشفير “طبيعة افتراضية” في عالم الإنترنت، لا خيار تقني، بحيث يصبح المساس به أمرًا استثنائيًا مرفوضًا أخلاقيًا وقانونيًا، مثل المساس بحرمة المنازل أو البريد التقليدي.
الحق في المجهولية (إخفاء الهوية)
يرتبط حق المجهولية بالتشفير ارتباطًا وثيقًا، وغالبًا ما يُذكران معًا في الأدبيات الحقوقية الرقمية. المقصود بالمجهولية، هو حق الفرد في عدم الكشف عن هويته الحقيقة في أثناء نشاطه على الإنترنت، أي استخدام خدمات شبكة المعلومات من دون التعريف بنفسه قسرًا أو تتبعه تعسفيًا.
يجب في هذا السياق التفرقة بين المجهولية والخصوصية، فالأخيرة مفهوم أشمل يتعلق بحماية معلومات الفرد الشخصية وعدم إفشائها من دون إذنه، سواء تعلّق ذلك بهويته، أو محتوى اتصالاته، أو بياناته الحساسة. أما المجهولية (Anonymity) فتختص تحديدًا بجانب إخفاء الهوية، أي ألا يكون الشخص معرّفًا باسمه، أو معلوماته الشخصية، عند تفاعله في سياق معين.
فمثلًا، قد ينشر شخص تعليقًا على الإنترنت باسم مستعار، من دون أن يطلع القراء على اسمه الحقيقي؛ في هذه الحالة يمارس الشخص المجهولية. ولا يعني ذلك بالضرورة أن محتوى ما ينشره خاص أو سري (قد يكون علنيًا للجميع لكنه غير مرتبط بهويته الحقيقية).
إذن يتضح الفرق، في أن الخصوصية قد تشمل إبقاء محتوى التواصل خاصًا، أو تحديد من يطّلع عليه، بينما تعني المجهولية عدم كشف هوية صاحب المحتوى أو النشاط. يمكن أن يوجد أحدهما من دون الآخر: مثلًا قد يرسل شخص رسالة مشفرة إلى صديق، ما يعني تمتعها بالخصوصية كمحتوى مخفي، على الرغم من علانية هوية المستلم. كما يمكن أن ينشر شخص تغريدة عامة على الملأ باسم مستعار، وفي حين لا تتحقق خصوصية المحتوى، تظل هوية صاحبها غير معروفة، وهو ما يحقق المجهولية من دون خصوصية المحتوى.
عمليًا، تتكامل المجهولية مع التشفير في الأغلب لتحقيق أفضل حماية. فالتشفير يخفي محتوى الاتصال، والمجهولية تخفي هوية المتصلين. وكلاهما يهدف إلى منع الرقابة أو الانتقام أو التمييز على أساس الآراء أو الانتماء.
يشير تقرير الأمم المتحدة إلى هذه العلاقة “يحمي التشفير المحتوى لكنه لا يحجب بعض البيانات التعريفية (مثل عنوان الـIP)، لذا يأتي دور أدوات المجهولية مثل شبكات Tor أو خدمات البروكسي لإخفاء هوية المستخدم على الشبكة”. يؤكد خبراء حقوق الإنسان أنه “لا يمكن للفرد حماية خصوصيته حقًا من دون القدرة على التحكم بالمعلومات التي تُشارك عنه وكيفية استخدامها – وهذا يشمل حقه بأن يظل مجهولًا إذا شاء”.
ضرورة المجهولية لحماية الحقوق
ليست المجهولية ترفًا، بل لطالما أدت دورًا محوريًا في حرية التعبير. فالتعبير المجهول يتيح نقاش الأفكار بذاتها من دون تحيز لهوية القائل، ويحمي المتحدثين من الخوف من العواقب الشخصية. اليوم في العصر الرقمي، ازدادت الحاجة للمجهولية لأسباب عدة:
- الخوف من الانتقام أو العقاب: يحتاج المبلغون عن الفساد أو موظفو الدولة الذين يكشفون مخالفات إلى إخفاء هوياتهم عند تسريب المعلومات إلى الصحافة أو الجمهور، وإلا قد يفقدون وظائفهم أو يتعرضون للملاحقة. المجهولية هنا تشجع على فضح التجاوزات وإيصال الحقائق للمجتمع.
- تجنب التمييز أو الوصم الاجتماعي: هناك فئات تستخدم أسماءًا مستعارة لتفادي تمييز المجتمع أو أصحاب العمل ضدهم بسبب هوياتهم أو معتقداتهم. على سبيل المثال، تعتبر المجهولية ضرورية لأفراد مجتمع الميم الذين يتفاعلون في البيئات المحافظة من خلال أسماء مستعارة لمناقشة قضاياهم بحرية، من دون أن ينكشفوا محليًا. كذلك تفضل النساء أحيانًا عدم كشف هوياتهن الحقيقية في منصات النقاش العام لتجنب المضايقات والتحرش.
- ضحايا العنف الأسري: الناجيات من العنف المنزلي، اللاتي يفرنّ من معتدٍ قد يبحث عنهن؛ يحتجن إلى البقاء مجهولات على الإنترنت (وتغيير أسمائهن أحيانًا)، لئلا يجدهن المعتدي.
- النقاش الحر للقضايا الحساسة: كالدين والجنس والسياسة في المجتمعات القمعية. فقد لا يتجرأ الناس على طرح أسئلة أو التعبير عن شكوكهم من خلال هوياتهم الحقيقة خوفًا من الوصم أو الملاحقة. المجهولية تسمح بوجود مساحة حوار أكثر صدقًا لهذه المواضيع.
- حماية النشاط الرقمي المشروع: تحمي المجهولية جنبًا إلى جنب مع التشفير شبكات المجتمع المدني من الاختراق والتفكيك.
يحمي الحق في عدم الكشف عن الهوية الأفراد من سلطة “الرأي العام المتحيز”، أو بطش الدولة أو أصحاب النفوذ. أكدت منظمة EFF على ذلك بأنه”هناك أسباب لا حصر لها تدفع الناس لاستخدام أسماء غير التي وُلدوا بها، منها المخاوف على أرواحهم وأرزاقهم أو تجنب التمييز، أو ببساطة الرغبة في أن يُقيَّم كلامهم بمعزل عن خلفياتهم”.
الهجمات ضد الحق في المجهولية
على الرغم من فوائد المجهولية، تشهد السنوات الأخيرة نزعة متصاعدة لدى الحكومات لإنهاء حالة عدم الكشف عن الهوية على الإنترنت. تتخذ هذه النزعة أشكالًا متعددة، كالتالي:
- سياسات “اعرف عميلك” الإلزامية: تفرض دول كثيرة على شركات الاتصالات ومواقع التواصل توثيق هوية المستخدمين. مثلًا، تُلزم كثير من الدول الوافدين إليها بتسجيل بطاقات SIM على جواز السفر بحجة مكافحة الجريمة، ما يعني فعليًا أنه لا يمكن لمستخدم هاتف محمول البقاء مجهولًا للدولة. أيضًا تطلب مواقع التواصل الصينية ربط الحسابات برقم هوية وطني، كما اتبع فيسبوك لسنوات سياسة الاسم الحقيقي (ألغاها جزئيًا لاحقًا بعد انتقادات).
- حظر الأدوات المجهِّلة: كمنع أو تجريم استخدام شبكة Tor، كما في الصين وإيران، أو حجب خدمات الـVPN، كما في روسيا وبيلاروسيا والصين. هذه الأدوات هدفها إخفاء هوية وعنوان المستخدم، لذا يعني حجبها منع القدرة على التخفي.
- مشروعات قوانين تُلزم بتقديم بطاقة هوية للتسجيل على الإنترنت: ناقشت عدد من الدول، أو طبقت قوانين تجبر أي مستخدم لوسائل التواصل على توثيق هويته لدى المنصة (حتى وإن ظهر للعلن باسم مستعار).
- تبريرات الهجمات على المجهولية: غالبًا ما تبرر الحكومات هذه الخطوات بالرغبة في مكافحة خطاب الكراهية، والتطرف، والتضليل، بزعم أن إخفاء الهوية يجعل البعض أكثر عدوانية أو فظاظة (ظاهرة “ترولز” الإنترنت)، وأن كشف الهوية سيجعل الخطاب أكثر تهذيبًا. يتجاهل ذلك حقيقة أن كثير من المضايقات تحدث عبر حسابات حقيقية أيضًا. كما أن إنهاء المجهولية سيضر بالضحايا أنفسهم، الذين قد لا يبلغون عن جرائم أو يناقشون مشكلاتهم إلا تحت غطاء اسم مستعار.
يتطلب الدفاع عن حق المجهولية في مواجهة هذه الهجمات التأكيد على جوانب متعددة، من بينها:
- المجهولية جزء من حرية التعبير والخصوصية: يجب الاعتراف بذلك صراحة في القوانين. دعت منظمة Article 19 الدول إلى التنصيص صراحة على أن حرية التعبير تشمل الحق في الكلام، والتصفح، والنشر بشكل مجهول. مثل هذا الإقرار يجعل أي تقييد للمجهولية خاضعًا لاختبار الضرورة والتناسب.
- رفض قوانين الهوية الإلزامية العامة: أي تشريع يفرض كشف هوية كل مستخدم لموقع تواصل، أو كل صاحب شريحة هاتف، يجب التعامل معه بحذر شديد. ترك خيار عدم الكشف متاحًا، مع توفير أدوات قانونية لرفع الحجب عن الهوية فقط في حال وجود أمر قضائي بعد ارتكاب مخالفات جسيمة (مثل التشهير الجنائي أو التهديد المباشر…)، هو المنهج السليم.
- المطالبة بسياسات منصات أكثر احترامًا للمجهولية: كالسماح بالأسماء المستعارة، وعدم إجبار المستخدمين على تقديم اسمائهم الحقيقية علنًا. واجه فيسبوك ضغوطًا من مجموعات، مثل ضحايا العنف المنزلي، ومجتمع الميم، لتعديل سياسة “الاسم الحقيقي”، فاضطر إلى تخفيفها.
توصيات لتعزيز حق التشفير والمجهولية
في ضوء ما تناولته الورقة، يتضح أن حماية التشفير والمجهولية واجب لضمان حقوق الإنسان في العصر الرقمي. يعرض القسم التالي توصيات عملية موجزة موجّهة للحكومات، والمشرّعين، والشركات التقنية، والمجتمع المدني، هدفها صيانة هذه الحقوق ودعمها:
- رفض الأبواب الخلفية أو إضعاف التشفير: يجب أن تلتزم الحكومات علنًا بعدم مطالبة الشركات بتضمين أي ثغرات مقصودة، أو أبواب خلفية في منتجاتها الرقمية. وأي تشريع قائم أو مقترح يجبر على ذلك، ينبغي إلغاؤه ومعارضته بشدة. بالإضافة إلى منع أي متطلبات لإضعاف التشفير. كذلك ينبغي تعميم مبدأ أن “لا استثناءات هندسية في التشفير للجهات الحكومية”، فالثغرة التي تُفتح للحكومة ستُفتح أيضًا للمجرمين. وعلى سلطات إنفاذ القانون التركيز، عوضًا عن ذلك، على الأساليب المستهدفة (مثل أوامر تفتيش الأجهزة الفردية)، التي لا تقوّض أمن الجميع.
- تعزيز نشر واستخدام أدوات التشفير: على الحكومات أن تبادر إلى تيسير استخدام التشفير بدلًا من إعاقته. ويعني هذا عمليًا إزالة أي قيود على الاستيراد، أو التصدير لتقنيات التشفير، والسماح القانوني الصريح باستخدام برمجيات التخفي، ودمج التشفير في الخدمات الحكومية (مثل اعتماد البريد الإلكتروني المشفر بين المواطنين والإدارات).
كذلك ينبغي على الدول أيضًا دعم تطوير برمجيات وأدوات تشفير مفتوحة المصدر، وتوعية الجمهور بطريقة استخدامها.
- إدماج مبدأ التشفير في السياسات والقوانين: ينبغي تحديث الأطر القانونية الوطنية لتضمين مواد صريحة تحمي حق التشفير. مثلًا، يمكن إضافة بند في قانون الاتصالات أو الجرائم الإلكترونية، ينص على أنه “لا يجوز إلزام أي شخص بالكشف عن مفتاح تشفير بياناته الخاصة، إلا بموجب أمر قضائي في سياق تحقيق جنائي محدد”، مع فرض قيود على ذلك. كما ينبغي إلغاء أو تعديل القوانين التي تجرّم أو تقيد التشفير. على سبيل المثال، يجب إعادة النظر في أي قانون يُلزم الحصول على تصريح لاستخدام VPN، أو تشفير معين. وسن قوانين داعمة في المقابل، كأن ينص القانون على حق الصحفي في حماية مصادره الرقمية، الذي يشمل حقه في استخدام التشفير، وعدم إفشاء مفاتيحه. أيضًا مراعاة ذلك في قوانين حرية المعلومات وحماية المبلغين عن الفساد.
- الاعتراف القانوني بالحق في المجهولية: ينبغي أن تُراجع الدول تشريعاتها، لإزالة أي نصوص تفرض التسجيل بالاسم الحقيقي في منصات التواصل لأنها تتجاوز المسموح به وفق معايير حقوق الإنسان. كما ينبغي اعتماد نصوص تحظر على الهيئات العامة إجبار الأفراد على الكشف عن هوياتهم عند التعبير عن الرأي إلا عبر القضاء، وفي حالات الضرورة القصوى. مثلًا، يمكن إصدار لائحة تُلزم الأجهزة الأمنية بعدم طلب بيانات المستخدم من الشركات إلا بعد أمر قضائي مسبب، وتمنعها من تعقب الأشخاص على الإنترنت لمجرد استخدامهم أسماء مستعارة.
- إبطال قوانين المراقبة الشاملة، وتعزيز الرقابة القضائية: كثير من التعديات على التشفير والمجهولية تأتي عبر قوانين فضفاضة تتيح المراقبة الواسعة (مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات). ينبغي مراجعة تلك القوانين لضمان عدم سماحها بطلبات فك تشفير جماعية، أو تثبيت برمجيات خبيثة للاختراق على نطاق واسع. كما يجب إخضاع أي عملية تجاوز لخصوصية الاتصالات للرقابة القضائية والبرلمانية الفعالة. يشمل هذا أن يمر أي أمر بكشف هوية صاحب حساب مجهول أو فك تشفير رسالة عبر محكمة مستقلة، وتُتاح فيه الفرصة للاعتراض القانوني.
- التزام الشركات بتقنيات تشفير قوية بشكل افتراضي: يتوجب على الشركات التقنية ومزودي الخدمات تبنّي التشفير نهاية-إلى-نهاية (E2EE)، كمعيار في تطبيقات المراسلة والتخزين السحابي، حيثما أمكن. وعليها مقاومة الضغوط لإضعافه.
- توعية وتمكين المستخدمين: على منظمات المجتمع المدني، والمعنيين بالحقوق الرقمية، إطلاق حملات لتعريف الناس بأهمية التشفير والمجهولية، فكثير من المخاوف الحكومية تستغل جهل العامة بالتقنية، لتصويرها كأداة شريرة. لذا يجب توسيع نطاق مبادرات، مثل دروس الأمن الرقمي للصحفيين والنشطاء، وتوفير دعم فني عبر خطوط ساخنة (مثل Helpline Access Now) لمساعدة من يواجه مخاطر الأمن الرقمي. فكلما انتشر استخدام التشفير بين الناس العاديين قلّت قدرة الحكومات على وصمه أو منعه.
- تحالف دولي واتفاقيات: على الدول المؤمنة بحرية الإنترنت التكاتف لإطلاق مبادرة عالمية لحماية التشفير. يمكن أن يأتي ذلك عبر منتدى دولي يضع معايير طوعية، أو حتى من خلال التفكير على المدى الأبعد في معاهدة متعددة الأطراف تضمن الحق في التشفير.
- مراجعة وتحديث مناهج القانون والسياسة: يوصى بأن تدرج المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث مفهوم “الحقوق الرقمية”، بما فيها حق التشفير والمجهولية، ضمن دراساتها ومقرراتها. يخلق ذلك جيلًا جديدًا من القانونيين وصناع السياسات يفهم الفضاء الإلكتروني، ويدرك أن كفالة الحقوق في داخله استمرار لكفالتها خارج الإنترنت. مثل هذا الوعي المؤسسي طويل المدى سيصعب من سنّ التشريعات المنتهكة، ويُكسب النقاش حول الموضوع عقلانية وتوازنًا.
خاتمة
في ختام هذه الورقة، يتضح أن التشفير والمجهولية لم يعودا مسائل تقنية أو ترفًا للمحترفين، بل ضرورتين لحماية الكرامة الإنسانية، وصيانة منظومة الحقوق في العصر الرقمي. تحويل التشفير إلى حق من حقوق الإنسان، يعني اعتراف المجتمع بأن حرية الفرد في تأمين اتصالاته وبياناته امتداد طبيعي لحرياته الأساسية.
يضمن هذا الحق وجود “منطقة خاصة” رقمية لكل شخص، تمامًا كما تضمن الحقوق التقليدية حرمة المنزل والمراسلات. وفي هذه المنطقة الخاصة المحمية بالتشفير، يمكن للأفراد أن يفكروا ويبدعوا دون مراقبة دائمة.
في المقابل، يؤدي تقويض التشفير والمجهولية إلى نتائج وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع. فإن العالم من دون تشفير سيكون عالمًا مراقَبًا من دون انقطاع. مثل هذا العالم سيشهد انكماشًا في حرية التعبير؛ سيخشى الصحفي على مصادره، والمواطن من التعبير عن رأيه المعارض، والمفكر من استكشاف الأفكار غير التقليدية. سيشهد هذا العالم أيضًا تدهورًا في الأمن الرقمي للجميع، حيث سيصبح اختراق البيانات الشخصية وسرقة المعلومات المالية أكثر سهولة.
إن الحق في التشفير جزء من التحديث الضروري لمنظومة حقوق الإنسان كي تواكب الواقع الجديد. وكما تطورت مفاهيم الحقوق لتشمل أبعادًا جديدة مع تطور المجتمعات، فإن عصر المعلومات يفرض توسيع مفهوم الحقوق الشخصية، ليشمل السيطرة الأفراد على بياناتهم وهويتهم الرقمية. سيكون الاعتراف بهذا الحق ترسيخًا لمبدأ أن ما ينطبق خارج الإنترنت من حقوق وحريات، ينطبق في داخله أيضًا. لذلك، فإن جعل التشفير حقًا من حقوق الإنسان ليس مطلبًا فنيًا أو قانونيًا، بل هو ضرورة في وجه تغوّل المراقبة والسيطرة.
المصادر
- Anthonie Nordzij, “Encryption and the Right to Privacy and Freedom of Expression,” Journal of Human Rights Practice, Volume 16, Issue 1, 2024. https://academic.oup.com/jhrp/article/16/1/397/7234270
- United Nations Human Rights Council, Draft Resolution A/HRC/48/L.9/Rev.1. https://docs.un.org/en/A/HRC/48/L.9/REV.1
- United Nations General Assembly, Resolution A/RES/75/176 on the right to privacy in the digital age. https://docs.un.org/en/A/RES/75/176
- Access Now, “UN adopts historic resolution on privacy in the digital age,” 2020. https://www.accessnow.org/un-privacy-resolution/
- Access Now, “Why encryption is important,” 2016. https://www.accessnow.org/why-encryption-is-important/
- Amnesty International Netherlands, “Apple vs. FBI: Undermining encryption opens a Pandora’s box for human rights,” 2016. https://www.amnesty.nl/actueel/apple-vs-fbi-undermining-encryption-opens-a-pandoras-box-for-human-rights
- Amnesty International USA, “Encryption: A Matter of Human Rights,” POL 40/3682/2016. https://www.amnestyusa.org/wp-content/uploads/2017/04/encryption_-a_matter_of_human_rights-_pol_40-3682-2016.pdf
- Association for Progressive Communications (APC), “What is encryption and why is it key to human rights.” https://www.apc.org/en/news/what-encryption-and-why-it-key-human-rights
- Electronic Frontier Foundation (EFF), “Tell the UN: Anonymity and Encryption Are Vital to Free Expression,” 2015. https://www.eff.org/deeplinks/2015/02/tell-un-anonymity-encryption
- Electronic Frontier Foundation (EFF), “Global Condemnation of Turkey’s Detention of Innocent Digital Security Trainers,” 2017. https://www.eff.org/deeplinks/2017/07/global-condemnation-turkeys-detention-innocent-digital-security-trainers
- Electronic Frontier Foundation (EFF), “The Right to Anonymity is Vital to Free Expression—Now and Always,” 2020. https://www.eff.org/deeplinks/2020/03/right-anonymity-vital-free-expression-now-and-always
- Europol, “Changes in modus operandi of Islamic State terrorist attacks,” 2016. https://www.europol.europa.eu/publications-events/publications/changes-in-modus-operandi-of-islamic-state-terrorist-attacks
- David Kaye, UN Special Rapporteur Report, “Encryption and Anonymity,” 2015. https://www.justsecurity.org/wp-content/uploads/2015/06/Kaye-HRC-Report-Encryption-Anonymity.pdf
- OHCHR, “The Right to Privacy in the Digital Age,” A/HRC/51/17. https://www.ohchr.org/ar/documents/thematic-reports/ahrc5117-right-privacy-digital-age
- OHCHR, International Covenant on Civil and Political Rights (ICCPR). https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
- OHCHR, “Human Rights, Encryption and Anonymity in the Digital Age,” 2015. https://www.ohchr.org/en/stories/2015/06/human-rights-encryption-and-anonymity-digital-age
- United Nations, Universal Declaration of Human Rights. https://www.un.org/ar/about-us/universal-declaration-of-human-rights