
مقدمة
يوجد ارتباط وثيق بين قضيتي التعليم والتكنولوجيا الرقمية، بالأخص في هذه اللحظة من تاريخ عالمنا. الارتباط بين القضيتين له أوجه متعددة، كلاهما يتعلق بصنع المستقبل، وإلى أي حد يمكننا كمجتمعات بشرية أن نمتلك زمام المبادرة في صنع مستقبلنا.
في الوقت الحالي، يبدو أن التطور المتسارع للتكنولوجيا الرقمية يحدث بوتيرة تجعل التحكم فيه أكثر صعوبة، وكأنه يتحرك بشكل مستقل عن إرادة البشر. استعادة زمام المبادرة وتوجيه التطور التكنولوجي بدلًا من محاولة ملاحقته أصبح ضرورة بقاء للجنس البشري. السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو إعداد الأجيال الجديدة للعيش في عالم رقمي تقوده إرادة البشر، وذلك من خلال التعليم. على جانب آخر، استخدام التكنولوجيا الرقمية ذاتها هو السبيل الوحيد لتطوير تعليم يمكن أن يمد الأجيال الجديدة بأدوات السيطرة على هذه التكنولوجيا.
يبدو حال قطاع التعليم في مصر خارج سياق هذه المعادلة التي يحاول العالم التعامل معها اليوم. فقد عانى هذا القطاع من تدهور مستمر طيلة عقود بحيث أصبح شبه مستعصيًا على الإصلاح. لذلك يعتبر تحميل هذا القطاع بمسؤولية ضخمة مثل الانتقال بالأجيال الجديدة إلى العالم الرقمي أمر صعب التحقيق. لكن الحقيقة هي أن التكنولوجيا الرقمية بقدر ما تخلقه من تحديات، هي أيضًا مصدر لحلول قادرة على تجاوز الحدود التقليدية للواقع.
بعبارة أخرى، تقدم هذه التكنولوجيا إمكانيات يمكن إذا ما أحسن استغلالها أن تحقق ما يبدو مستحيلًا. يمكن بالاستخدام الواعي والابتكاري للتكنولوجيا الرقمية أن يتجاوز بلد كمصر عقود التدهور في قطاع التعليم. كما يمكن تطوير هذا القطاع ليتحمل مسؤولية إعداد الأجيال الجديدة لمواجهة تحديات مستقبل عالمنا الرقمي.
تسعى هذه الورقة إلى استطلاع إمكانية استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم المصري ليس فقط لإصلاح ما أفسدته عقود التراجع فيه ولكن لتطويره بحيث يلائم متطلبات العالم الرقمي. تبدأ الورقة بقراءة نقدية لواقع استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم من قبل الأطراف الرئيسية الفاعلة فيه حاليًا: مؤسسات الدولة، القطاع الخاص، والمعلمون المستقلون.
كما تستعرض الورقة الفرص والإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية حال استخدامها بشكل واقعي وخلاق في قطاع التعليم. فتناقش كل من رفع مستوى جودة التعليم، وتحسين ظروف العملية التعليمية، والمساهمة في علاج المشاكل المزمنة لقطاع التعليم المصري. أخيرًا، تناقش الورقة التحديات والمعوقات التي تواجه إمكانية استخدام التكنولوجيا الرقمية في إصلاح وتطوير قطاع التعليم في مصر.
قراءة نقدية للواقع الحالي
نما استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم في مصر بشكل واضح خلال العقد الأخير. شملت استخدامات التكنولوجيا الرقمية كل من الجانب الوظيفي والجانب التنظيمي للعملية التعليمية بنسب مختلفة. كذلك تفاوت حجم تأثير استخدام التكنولوجيا الرقمية على كل من جودة التعليم، وتحسين ظروفه، وحل المشاكل المزمنة له.
يستعرض هذا القسم أولًا الجوانب المختلفة لواقع استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم في مصر. ثانيًا يقدم القسم تقييم لهذا الاستخدام وأثره والجوانب الإيجابية والسلبية له. تستخدم الورقة كمدخل لها الأطراف البارزة التي يلعب كل منها دورًا مستقلًا في العملية التعليمية، وهي المؤسسات الرسمية، وشركات القطاع الخاص، وصناع المحتوى الذين يقدمون خدمات تعليمية على الإنترنت.
المؤسسات الرسمية
المؤسسة الرسمية الأكبر دورًا وأثرًا في قطاع التعليم المصري هي وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني. تضع الوزارة استراتيجيات العملية التعليمية في مجملها. كما تدير بشكل مباشر المدارس الحكومية لمراحل التعليم الأساسي والثانوي العام والفني، بينما تشرف على عمل المدارس الخاصة بأنواعها (خاصة، لغات، ودولية).
اتخذت الوزارة خلال الأعوام العشر الأخيرة خطوات عديدة لإدخال استخدام التكنولوجيا الرقمية في العملية التعليمية في جانبيها التعليمي والتنظيمي. يمكن تقسيم جهود الوزارة نوعيًا إلى كل من:
- الاستخدام المباشر في العملية التعليمية (مشروع التابلت المدرسي، وتدريس مواد الحاسب الآلي).
- توفير خدمات تعليمية وتنظيمية من خلال مواقع إلكترونية تابعة للوزارة و/أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
مشروع التابلت المدرسي
بدأت وزارة التربية والتعليم المصرية في تنفيذ مشروع الحواسيب اللوحية، والمعروف إعلاميًا بالتابلت المدرسي، في عام 2018. يهدف المشروع إلى توزيع حواسيب لوحية على طلبة المرحلة الثانوية (العامة والفنية)، بغرض استخدامها في العملية التعليمية ولتمكين الطلاب من الانتفاع بالخدمات الرقمية التي تقدمها الوزارة من خلال الإنترنت.
يتسلم الطالب حاسوبًا لوحيًا على سبيل العهدة عند التحاقه بالصف الأول الثانوي، ويتوقع منه إعادته عند انهائه للدراسة بمرحلة التعليم الثانوي. يفترض أن يستخدم الطلاب حواسيبهم اللوحية في الاطلاع على الكتب الدراسية التي توفرها الوزارة من خلال مواقعها. كما يستخدمونها في أداء بعض امتحانات الفصل الدراسي الأول والثاني كل عام.
التجربة المصرية في استخدام الحواسيب اللوحية في المدارس ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها إلى ذلك عديد من الدول ومنها تركيا وأوروجواي. يعود اختيار الحواسيب اللوحية إلى أنها أقل تكلفة، وهي أقل حجمًا ووزنًا مقارنة بالحواسيب المحمولة أو المكتبية. لذلك، يسهل التنقل بها واستخدامها في ظروف مختلفة، مما يسمح للطلاب باستخدامها في المدارس وفي منازلهم أيضًا.
تشبه خبرة التعامل مع الحواسيب اللوحية خبرة التعامل مع الهواتف الذكية. يعد ذلك ميزة بسبب تعامل عدد كبير من الطلاب بالفعل مع الهواتف الذكية، مما يُسهِل من استخدامهم للحواسيب اللوحية دون الحاجة إلى تدريب متخصص.
على جانب آخر، يعيب الحواسيب اللوحية منخفضة التكلفة في معظم أنواعها، ومنها النوع المستخدم في المشروع المصري، قصور إمكانياتها في جوانب مؤثرة في استخدامها لأغراض التحصيل الدراسي. من أوجه القصور صغر مساحة الشاشة والذي يعيق استخدام أكثر من تطبيق بشكل متجاور. يحتاج الطالب إلى ذلك عند مطالعة مصدر للمعلومات (الكتاب المدرسي مثلًا)، وتدوين ملاحظات في نفس الوقت. يعيق تدوين الملاحظات أيضًا افتقاد الحواسيب اللوحية إلى لوحات مفاتيح واعتمادها على لوحات مفاتيح افتراضية تشغل مساحة من الشاشة وتعمل باللمس.
تدريس مواد خاصة بالتكنولوجيا الرقمية
أدخلت وزارة التربية والتعليم تدريس مادة باسم الحاسب الآلي في مراحل التعليم قبل الجامعي منذ فترة طويلة. يعتمد تدريس هذه المادة في معظم الحالات على كتاب دراسي مطبوع بينما يتاح في عدد من المدارس معامل حاسوب للتدريب العملي. ولكن يلاحظ أنه لنقص الموارد المادية لا تغطي هذه المعامل كامل المدارس الحكومية. كما أن كثيرًا منها يعاني من مشاكل تحول دون عمله بشكل جزئي أو كامل.
على مستوى المحتوى، يعيب مناهج الحاسوب التي تقدمها الوزارة عدد من مظاهر المحدودية. تقتصر المناهج على مقدمة في استخدام الحاسوب الشخصي والتعامل مع نظام التشغيل وبعض التطبيقات المكتبية (معالج الكلمات والجداول). كما تقتصر المناهج على التعامل مع تطبيقات شركة مايكروسوفت حصرًا، سواء نظام تشغيل ويندوز وتطبيقات أوفيس.
في أغلب الأحيان لا يحصل الطلاب الذين يتعاملون مع الحواسيب في حياتهم اليومية على معلومات أو مهارات جديدة ومفيدة من خلال هذه المناهج. في المقابل، فالقطاع الواسع من الطلاب الذين ينتمون إلى أسر منخفضة الدخل، خاصة في المناطق الريفية والنائية، يحصل على معلومات نظرية لا يمكنهم الاستفادة منها مع عدم امتلاكهم لحواسيب شخصية.
الاستخدام في توفير خدمات تعليمية وتنظيمية
أنشأت وزارة التربية والتعليم المصرية عددًا من المواقع الإلكترونية التي تقدم خدمات تعليمية وتنظيمية إلى الطلاب وأولياء أمورهم والمعلمين في مراحل التعليم المختلفة. فيما يلي بعض أهم هذه الخدمات:
- منصة التعليم الإلكترونية: تقدم هذه المنصة محتوى تعليمي قائم على المناهج الدراسية التي تقدمها الوزارة وتُدرس في المدارس الحكومية والخاصة ومدارس اللغات. يمكن الوصول إلى المحتوى من خلال عملية بحث باختيار كل من المرحلة التعليمية، السنة الدراسية، الفصل الدراسي، نوع المحتوى، والمادة الدراسية. وفي حين أن قائمة البحث الخاصة بنوع المحتوى يندرج تحتها عددًا كبيرًا من الأنواع ومنها: المحتوى التفاعلي، ومحتوى إثرائي إلخ، إلا أن النوع الوحيد المتاح في كل الحالات تقريبًا هو الكتاب المدرسي.
- خدمة الحساب الموحد: الحساب المدرسي الموحد للخدمات الإلكترونية هو خدمة تقدمها وزارة التربية والتعليم المصرية بالشراكة مع شركة مايكروسوفت العالمية. تتيح الخدمة للطلاب والمعلمين إنشاء حسابات خاصة بكل منهم. يحصل صاحب الحساب على عنوان بريد إلكتروني للتواصل إضافة إلى إمكانية الوصول إلى تطبيقات أوفيس المتاحة من خلال الإنترنت.
- خدمة الدروس المصورة: تقدم الوزراة من خلال قناة خاصة بها على منصة يوتيوب تسجيلات مصورة لدروس في المواد الدراسية المختلفة يقدمها مدرسون تابعون للوزارة. يوجد على هذه القناة، وقت كتابة هذه الورقة، أكثر من 17 ألف فيديو، ويتابعها أكثر من 330 ألف متابع. يعد هذا في الواقع معدل متدن نسبيًا. كما أن عدد المشاهدات على فيديوهات القناة تعد محدودة للغاية خاصة عند مقارنتها بالمحتوى المشابه الذي يقدمه معلمون من خلال قنواتهم الخاصة على منصة يوتيوب.
- إجراءات التقدم لامتحانات الثانوية العامة والتنسيق: أتاحت وزارة التربية والتعليم لطلبة المرحلة الثانوية إتمام إجراءات ملء استمارات التقدم لامتحانات الثانوية العامة من خلال موقع إلكتروني. كذلك أتاحت أن يسجل الطالب رغباته في الالتحاق بالكليات والمعاهد المتاحة في مرحلة تنسيق القبول بالجامعات المناسبة للمجموع الذي حصل عليه من خلال موقع إلكتروني آخر. يمثل توفير هذه الخدمات رقميًا تحسنًا كبيرًا من حيث السهولة والسرعة، مما يوفر الجهد والوقت للطلاب وذويهم مقارنة بإتمام نفس الإجراءات ورقيًا.
القطاع الخاص
المقصود بالقطاع الخاص هنا هو شركات تقدم خدمات تعليمية مساعدة وموازية للخدمات التعليمية التي تقدمها المدارس الرسمية. أغلب هذه الشركات التي تقدم خدماتها اليوم بشكل رقمي هي نفسها التي عملت خلال العقود الماضية في صناعة الكتب الخارجية المزدهرة والمربحة في مصر.
امتدادًا لهذه الصناعة التي اعتمدت على تدني جودة الكتاب المدرسي الرسمي، تنافس هذه الشركات الجهات الرسمية في تقديم محتوى تعليمي من خلال منصات وتطبيقات رقمية. تقدم هذه الخدمات نفس المناهج المدرسية ولكن بصورة أكثر جاذبية في كتب خارجية يمكن تنزيلها أو الاطلاع عليها في صيغة PDF، إضافة إلى الدروس المصورة. كما تقدم بعض التطبيقات أيضًا تدريبات ونماذج اختبار تفاعلية.
لا يمكن اعتبار استخدام القطاع الخاص للتكنولوجيا الرقمية في العملية التعليمية إضافة نوعية ذات شأن. في نهاية المطاف ما تقدمه شركات القطاع الخاص هو امتداد لما قدمته طوال عقود ماضية من خدمات تستمد سبب وجودها من أوجه القصور المزمنة في العملية التعليمية الرسمية.
يُسهِل استخدام التكنولوجيا الرقمية التربح من تقديم هذا النوع من الخدمات التعليمية بإتاحة إمكانية الوصول إلى جمهور أكبر، خاصة مع ارتفاع تكلفة وأسعار الكتب الخارجية المطبوعة. على جانب آخر، تحتفظ هذه الصور الجديدة من الخدمة نفسها بسلبيات ظاهرة الكتب الخارجية. لا تقدم هذه الكتب أي إضافة للمحتوى التعليمي، وإنما تستغل فقط أوجه القصور في الكتب المدرسية الرسمية. يتكرر الأمر نفسه في حالة الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، ففي الحالتين لا تعالج هذه الحلول أوجه القصور في العملية التعليمية. وفي حين يستفيد الطالب من سهولة أكبر للوصول إلى الخدمة المساعدة على تخطي الامتحانات إلا أن ذلك لا يعود عليه بجودة أعلى للتعليم.
صناع المحتوى
يمثل المعلمون قطاعًا هامًا وكبيرًا بين صناع المحتوى في الفضاء السيبراني المصري. يعود ذلك إلى أن تقديم خدمات الدروس على هيئة محتوى من خلال الإنترنت هو امتداد لصناعة الدروس الخصوصية التي ازدهرت في مصر طوال عقود مضت.
يمثل تقديم الدروس من خلال الإنترنت بديلًا أسهل وأعلى عائدًا لكثير من المعلمين عن الدروس الخصوصية بصورتها التقليدية. يقدم هؤلاء دروسهم بشكل أساسي في صورة فيديوهات من خلال منصة يوتيوب، ويحققون عائدات جيدة من خلال نسب المشاهدة المرتفعة.
كما أن بعضهم يقوم ببناء منصاتهم الخاصة التي تقدم خدماتها في مقابل مادي. كذلك يدعم كثير من المعلمين عملهم في تقديم الدروس والمراجعات من خلال حساباتهم على منصات أخرى مثل التيك توك، ومجموعات المحادثة على تطبيقات واتساب وتيليجرام.
مثلما الحال في استخدام القطاع الخاص للتكنولوجيا الرقمية، تتلخص الفائدة التي يحصل عليها الطالب في الوصول إلى نفس الخدمة تقريبًا ولكن في مقابل أقل أو مجانًا. بالإضافة إلى رفاهية تلقي الخدمة في أي وقت يناسب الطالب ودون الحاجة إلى الانتقال خارج المنزل.
بخلاف ذلك لا ينطوي المحتوى التعليمي الذي يقدمه المعلمون صناع المحتوى على أي مميزات ترفع من جودة التعليم الذي يحصل عليه الطالب. ومرة أخرى، يتركز اهتمام مقدمي هذا المحتوى على مساعدة الطلاب على اجتياز الامتحانات بغض النظر عن أي فائدة تعليمية حقيقية.
الفرص والإمكانيات
رفع مستوى جودة التعليم
ينبغي الانتباه إلى أن مفهوم جودة التعليم نفسه أصبح في حاجة إلى إعادة تشكيله في ظل المتغيرات التي أنتجها التطور المتسارع للتكنولوجيا الرقمية، وخاصة الذكاء الاصطناعي. إذا كان هدف العملية التعليمية دائمًا هو إعداد أفراد ناجحين ونافعين لأنفسهم ولمجتمعاتهم، فإن تحقيق ذلك اليوم يتطلب إعداد هؤلاء الأفراد للعيش والعمل المنتج بنجاح في عالم رقمي.
من ثم فأحد أهم معايير تقييم جودة التعليم اليوم هو قدر تأهيله للحاصلين عليه لاستيعاب التكنولوجيات الرقمية واستخدامها وتجنب آثارها السلبية. تتيح التكنولوجيات الرقمية نفسها إمكانيات واسعة لرفع مستوى جودة التعليم بمفهومها الملائم للعصر الرقمي.
- التعليم التفاعلي: تتيح التكنولوجيات الرقمية إمكانيات كبيرة لتقديم المحتوى التعليمي بشكل تفاعلي. يكون ذلك بإشراف ومشاركة المعلمين أو من خلال تعامل الطالب بشكل مستقل مع المحتوى التعليمي. المقصود بالمحتوى التفاعلي هو جذب الطالب إلى التفاعل مع المحتوى التعليمي بشكل يتخطى كونه مجرد متلقي لهذا المحتوى. يساعد على جذب اهتمام الطلاب وتفاعلهم مع المحتوى التعليمي استخدام الوسائط المتعددة، وآليات الألعاب الإلكترونية، وغيرها.
- مهارات الوصول إلى المعلومات: تتيح التكنولوجيات الرقمية وسائل غير مسبوقة للوصول إلى المعلومات. كما تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم نفسها كبديل عن ماكينات البحث التقليدية للوصول إلى المعلومات. ما يعنيه ذلك بالنسبة للعملية التعليمية هو أن الحاجة إلى الاعتماد على الذاكرة البشرية لاختزان أكبر قدر من المعلومات قد تراجعت إلى حد كبير. تساعد التكنولوجيات الرقمية الطالب على التدرب على مهارات الوصول إلى المعلومات التي يحتاج إليها ومهارات استخدام هذه المعلومات لحل المشاكل. يعتبر معيار جودة التعليم اليوم هو مدى قدرة الطالب على طرح الأسئلة الصحيحة في موقف معين، والاستفادة القصوى من الإجابات التي تقدمها تطبيقات التكنولوجيا الرقمية. ذلك بدلًا من محاولة تقديم إجابات محفوظة لأسئلة معروفة سلفًا.
- الاستغلال الأمثل للموارد البشرية: تتيح الموارد المالية المحدودة إمكانية تدريب عدد محدود من المعلمين الموهوبين ورفع كفاءتهم. استغلال المتاح من الموارد في التركيز على توفير فرص تدريب جيدة لعدد مناسب من المعلمين يمكن أن يؤتي ثماره باستخدام التكنولوجيا الرقمية. كما يمكن باستخدام تكنولوجيات التعليم عن بعد أن يقدم هؤلاء المعلمون خدماتهم لأكبر عدد ممكن من الطلاب الذين سيحصلون بهذه الطريقة على تعليم ذو جودة أعلى. يتيح ذلك التدرج في تدريب أعداد أكبر من المعلمين مع الوقت بدلًا من تقديم تدريب غير كاف لعدد كبير ممن قد لا يستفيدون منه ولا يسهمون بالتالي في رفع جودة التعليم.
تحسين ظروف العملية التعليمية
يعاني غالبية الطلاب والمعلمين في مصر من ظروف غير مناسبة للعملية التعليمية نتيجة لعديد من المشاكل في المستلزمات المادية لهذه العملية. تؤدي الحالة المتردية للمباني التعليمية إلى أن يكون العمل وتلقي الدروس في هذه المباني عبئًا على الطلاب والمعلمين. يستنفذ ذلك قدرًا كبيرًا من طاقتهم الجسدية والنفسية بدلًا من توفير هذه الطاقة للتعلم نفسه. كذلك يؤدي النقص الفادح في المباني التعليمية إلى كثافات غير إنسانية للطلبة في فصول الدراسة، وهو ما يجعل العملية التعليمية نفسها صعبة وأحيانًا مستحيلة.
الاستخدام الصحيح للتكنولوجيا الرقمية والمعتمد على الابتكار يمكن أن يساعد على تحسين ظروف العملية التعليمية في مصر. يستلزم ذلك قبل أي شيء آخر الاعتماد على مقاربة واقعية ومتدرجة. في إطار هذه المقاربة الواقعية، ينبغي الاعتراف بأن التمسك بالشكل التقليدي للعملية التعليمية من خلال انتظام حضور الطلاب في المدارس لا يحقق الهدف التربوي والاجتماعي المرجو منه. ذلك بالأخص في ظل تكدس الطلاب ومعاناتهم هم ومعلميهم من الظروف غير الآدمية الناتجة عن ذلك.
من ثم ينبغي استغلال التكنولوجيات الرقمية في التوسع في توفير خدمات التعليم عن بعد واستخدام ذلك لخفض كثافة الفصول المدرسية بطرق مبتكرة. يمكن لذلك أن يتيح الفرصة لرفع مستوى المباني التعليمية بصفة تدريجية وتزويدها بالمرافق والمعدات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية داخل الفصول الدراسية بشكل فعال في المستقبل القريب.
المساهمة في علاج المشاكل المزمنة
يعاني قطاع التعليم في مصر من عدد من المشاكل المزمنة التي لازمته طيلة عقود متتالية. السبب الرئيسي لنشأة هذه المشاكل واستمرارها وتفاقمها وعجز الدولة عن علاج أي منها هو الضعف البالغ للإنفاق الحكومي على التعليم. أدى ذلك إلى أن متطلبات العملية التعليمية لم تكن متوافرة بالقدر الكافي في أي وقت، وبالتالي تدهورت كافة جوانب هذه العملية. كما فاقم من آثار هذا التدهور أن العنصر البشري صاحب الدور الكبير في العملية التعليمية شهد بدوره تدهورًا كبيرًا في كفاءته نظرًا لأنه هو نفسه جزء من مخرجات العملية التعليمية.
يمكن لاستخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل مبتكر أن يسهم في الخروج من الدائرة المغلقة لاستمرار المشاكل المزمنة لقطاع التعليم في مصر. أشارت الورقة إلى إمكانيات استغلال التكنولوجيا الرقمية في كل من رفع مستوى جودة التعليم وفي تحسين ظروف العملية التعليمية. كلا الأمرين يعودان إلى المشاكل المزمنة لقطاع التعليم في مصر وضعف الإنفاق عليه، وكلاهما يمكن تخطيه باستخدام حلول تكنولوجية تتميز بقلة تكلفتها.
يلاحظ أن هذا هو بالضبط عكس ما تنتهجه الحكومة المصرية في توجهاتها نحو استخدام التكنولوجيا الرقمية. فهذه التوجهات تقوم على دعم الصورة القائمة للعملية التعليمية باستخدام حلول للتكنولوجيا الرقمية ذات تكلفة مرتفعة ودون تخطيط مسبق كاف لذلك.
يمكن لاستخدام التكنولوجيا الرقمية المساهمة في جميع المراحل المطلوبة لمقاربة متكاملة لتجاوز المشاكل المزمنة لقطاع التعليم في مصر. فيمكن الاعتماد على تكنولوجيات البيانات الضخمة لجمع وتحليل البيانات اللازمة لوضع خطط تفصيلية مبنية على حقائق الواقع الفعلي. كما يمكن توظيف تكنولوجيات التعليم عن بعد لخفض ساعات وجود الطلاب في الفصول المدرسية بحيث تنخفض معدلات تكدسهم فيها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية داخل المدارس للعمل على تحسين جودة المحتوى التعليمي وتوفير التدريب للمعلمين بشكل تدريجي. ثمة مساحة واسعة ربما لا يحدها إلا خيال المعنيين يمكن التحرك فيها. فالتكنولوجيا الرقمية تتميز بالمرونة وتعدد مقاربات استخدامها، والمطلوب هو اختيار المقاربة التي تتوافق مع السياق المصري.
في هذا الإطار ينبغي أن تنظر الحكومة المصرية في أمر اعتمادها على برمجيات مغلقة من خلال شراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل مايكروسوفت. فبرغم أن تلك الشراكات قد يكون لها بعض المميزات في المدى القريب إلا أن التوجه إلى حلول البرمجيات مفتوحة المصدر يسمح بتطوير حلول معدة خصيصًا للاحتياجات على المدى الطويل. يسمح ذلك بتنمية المهارات المحلية التي يمكن الاعتماد عليها مستقبلًا.
المعوقات والتحديات وسبل تجاوزها
ضعف البنية التحتية
المقصود بالبنية التحتية في هذا القسم هو المعنى الواسع لها. عند تناول قطاع اقتصادي أو خدمي بعينه تكون البنية التحتية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في هذا القطاع هي مجموعة العوامل الضرورية لتمكين هذا الاستخدام بفعالية. يتميز قطاع التعليم بأنه يخدم مجموع سكان البلد الموزعين على كامل رقعتها، وخلال فترة زمنية طويلة من حياة كل منهم. كذلك تتميز العملية التعليمية بأنها لا تقتصر بأي حال على المؤسسات التعليمية ذاتها (المدارس والمعاهد والكليات الجامعية إلخ)، وإنما يتم جزء أساسي منها في منازل الطلاب.
تعد شبكة الإنترنت العمود الفقاري لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم، مما يعني أن الوصول إلى الإنترنت هو شرط ضروري لهذا الاستخدام. على جانب آخر، يفرض تقديم خدمات رقمية من خلال الإنترنت عدة متطلبات من حيث المعدات والأجهزة لتوفير الخدمة وتلقيها.
معوقات الوصول إلى شبكة الإنترنت
برغم تسويق الحكومات المصرية بصفة مستمرة لإنجازاتها في مجال التحول الرقمي، إلا أن المتحقق على أرض الواقع فيما يخص الخدمات الرقمية الأساسية هو ضئيل للغاية. لا تزال البنية التحتية الضرورية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية لأغراض عملية قاصرة بشكل بالغ.
ينعكس ذلك بشكل واضح على تحقق إمكانية الوصول إلى الإنترنت بشروطها المختلفة، والتي تشمل الاتصال بالشبكة من عدمه، وجودة واستمرارية واستقرار هذا الاتصال. يمكن تلخيص إشكاليات الوصول إلى الإنترنت في مصر في النقاط التالية:
قصور شبكة الاتصالات
يعتمد الوصول إلى الإنترنت على شبكات الاتصالات الهاتفية السلكية (الهاتف الأرضي)، واللاسلكية (شبكات الهاتف المحمول). وبرغم إعلان الحكومات المصرية عن مشروعات متعددة لتحديث ورفع كفاءة شبكة الاتصالات في مصر فلا زالت هذه الشبكة تعاني من أوجه قصور متعددة منها:
- عدم التغطية الكاملة: لا زالت خدمات الاتصالات لا تغطي كامل النطاق الجغرافي لمصر بشكل متسق وخاصة لشبكات الهاتف المحمول. يظهر ذلك جليًا في المناطق الريفية والنائية.
- استمرار الاعتماد على الكابلات والأسلاك النحاسية في التوصيلات: برغم جهود استبدال هذه الوصلات بأخرى تعتمد على الألياف الضوئية فلا زالت هذه الجهود غير كاملة وخاصة في الوصلات النهائية (من الشبكة إلى المنشآت والمنازل). يضع هذا حدودًا قصوى لسرعة وسعة الاتصال بالإنترنت لا يمكن تخطيها.
- المشاكل الفنية الدائمة والمتكررة: تعاني شبكة الاتصالات في مصر من قصور إمكانياتها عن تغطية حجم ومعدل الاستخدام. يؤدي ذلك إلى أن مستوى الخدمة النظري من حيث السرعة والسعة لا يتحقق عمليًا على الإطلاق. كما يؤدي إلى عدم استقرار الخدمة أو اتساقها، فتعاني من الانقطاعات المتكررة ومن عدم انتظام جودتها.
تسعير الخدمة وحدود الاستخدام
تعاني الغالبية العظمى من المصريين من محدودية الدخل. إضافة إلى ذلك، تمر مصر بمشاكل اقتصادية ضخمة في الأعوام القليلة الماضية أدت إلى تدهور سريع لقيمة العملة المحلية. في ظل هذه الظروف تمثل تكلفة خدمة الوصول إلى الإنترنت معيارًا أساسيًا لإمكانية حصول المواطنين عليها.
على جانب آخر، يدفع تطور المحتوى المقدم من خلال الإنترنت نحو اعتماد أكبر على الوسائط المتعددة، والتي تتطلب سرعة أعلى وسعات أكبر. يؤدي ذلك إلى معدلات استهلاك أعلى مقاسًا بوحدات البيانات المرسلة والمستقبلة من خلال الإنترنت. تعاني خدمات الإنترنت في مصر من معوقات عدة لاستخدام هذه الخدمات بكفاءة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية.
- ارتفاع أسعار الخدمة: مصر واحدة من الدول ذات التكلفة الأعلى لخدمات الوصول إلى الإنترنت سواء من خلال الخطوط الأرضية أو خطوط الهاتف المحمول (مقاسة بتكلفة كل ميجابت في الشهر). يتم تسعير هذه الخدمات حسب حد أقصى للبيانات المتلقاة خلال فترة زمنية محددة (عادة شهر واحد أو 28 يومًا). تمارس الشركات مقدمة الخدمة، وفي مقدمتها الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للدولة، احتكارًا تشاركيًا تتوافق في إطاره حول تسعير الخدمة، مما لا يسمح بالتنافس بينها لتقديم الخدمة بأسعار أفضل. كما تعد الأسعار الحالية للخدمة (خاصة بعد رفعها مؤخرًا بنسبة تصل إلى 40%) خارج نطاق مقدرة الغالبية العظمى من المواطنين في مصر، حتى للحصول على الحد الأدنى من معدل البيانات.
- حدود الاستخدام: توقفت شركات تقديم خدمة الإنترنت في مصر عن توفير خيار الخدمة المفتوحة (غير المحدودة) منذ أعوام. تُقدّم هذه الخدمات اليوم من خلال حزم متدرجة من حيث الحد الأقصى للبيانات المتلقاة (سعة استخدام) خلال فترة زمنية. وتُقدّم الحزم ذات الحدود القصوى المتوسطة والكبيرة مقابل أسعار باهظة، وخاصة الحزم المتاحة من خلال شبكات الهاتف المحمول. كذلك تتميز ممارسات الشركات فيما يتعلق بنفاد الحد الأقصى للاستخدام وترحيل المتبقي منه بعد انتهاء الفترة المحددة بالإجحاف، مما يؤدي إلى أن يدفع المستخدمين مقابلًا أكبر للخدمة في أحيان كثيرة.
- الممارسات المجحفة: تمارس شركات تقديم خدمة الإنترنت في مصر سياسات خنق السرعة على نطاق واسع لمواجهة ضغوط الاستخدام التي لا تتحملها البنية التحتية للشبكة. يعني ذلك تعمد خفض سرعة الإنترنت للمستخدمين دون إخطار أو تنبيه. كذلك تمارس الشركات تدخلات تقنية لفلترة المحتوى وغير ذلك مما يخفض من مستوى الخدمة بصفة عامة.
معوقات تقديم الخدمات الرقمية
- مراكز البيانات والخوادم: لا يزال عدد مراكز البيانات في مصر محدودًا مقارنة بعديد من الدول، ومقارنة بحجم الاحتياج المحلي. كذلك لا يزال معظم القائم من هذه المراكز محدود من حيث قدرات الحوسبة وسعات تخزين البيانات. ومن ثم فتقديم خدمات رقمية على نطاق واسع ولأعداد كبيرة من المستخدمين يتطلب استئجار خدمات خارجية ذات تكلفة كبيرة. ينعكس ذلك على أن الخدمات الرقمية التي تحاول وزارة التربية والتعليم تقديمها من خلال الإنترنت تعاني من الانقطاعات المتكررة عند ارتفاع معدلات الاستخدام. يعد ذلك الأمر متوقع بالنسبة لعديد من هذه الخدمات التي يحتاج عدد كبير من الطلاب والمعلمين إلى استخدامها في أوقات ذروة تفرضها العمليات التعليمية المختلفة.
- قصور المعدات والأجهزة في المدارس: توفير المعدات والأجهزة الضرورية لتقديم خدمات رقمية داخل المدارس يتطلب تكاليف مالية كبيرة لا يمكن لموازنة التعليم في مصر تغطيتها. نتيجة لذلك، فالغالبية العظمى من المدارس في مصر لا يتوافر لديها من معدات الاتصال بالإنترنت ما يكفي لتغطية احتياجات الاستخدام داخل الفصول. كذلك تعاني الغالبية العظمى من المدارس من عدم كفاية الحواسيب وغيرها من الأجهزة لمتطلبات الاستخدام الفعال للتكنولوجيا الرقمية، سواء من حيث الكم أو الكيف. تواجه المدارس مشاكل مستمرة مع تقادم الأجهزة وقصور عمليات التحديث والصيانة. ومن ثم فعمليًا يعتبر استخدام التكنولوجيا الرقمية في معظم هذه المدارس اسميًا فقط، ويتراوح عمليًا بين المحدود والمنعدم.
- محدودية توافر الحواسيب بالمنازل: تعد أسعار الحواسيب والمعدات الإلكترونية مرتفعة في مصر بصفة عامة مقارنة بمعدلات الدخل السائدة. كذلك ارتفعت هذه الأسعار بمعدلات كبيرة في الأعوام القليلة الماضية نتيجة لتدني قيمة العملة المحلية. تحول محدودية الدخل للغالبية العظمى من المواطنين دون أن يتوافر للطلبة منهم الحصول على حواسيب شخصية محمولة أو مكتبية بمنازلهم. يعني ذلك قلة فرص هؤلاء الطلاب في الاستفادة بأية خدمات تعليمية رقمية متاحة من خلال الإنترنت.
- سياسات الحجب والرقابة: تمارس الحكومة المصرية من خلال أجهزتها الأمنية سياسات واسعة النطاق لحجب المواقع الإلكترونية والرقابة على المحتوى المنقول من خلال الإنترنت. تتوسع ممارسات الحجب في عديد من الأحيان بشكل غير مبرر لتشمل مواقع تقدم محتوى معرفي وتعليمي.
قصور العملية التعليمية الحالية
يمكن تلخيص معظم استخدامات التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم في مصر اليوم في كونها إضافة لطبقة من الطلاء اللامع إلى جدار آيل للسقوط. فالحقيقة أن قطاع التعليم في مصر قد مر بعقود من التدهور المستمر. السبب الرئيسي للتدهور هو الإنفاق الرسمي بالغ الضعف على هذا القطاع الحيوي. لكن هناك عديد من العوامل الاجتماعية والثقافية التي أثرت بشكل سلبي أيضًا على جودة التعليم في مصر.
إضافة إلى ذلك، يتميز قطاع التعليم بأنه ينتج بنفسه موارده البشرية التي يعتمد عليها. يعني ذلك أن تدهور العملية التعليمية يؤدي مباشرة إلى تدني مستوى مخرجاتها ومن بين هذه المخرجات المعلمين الذين يدخلون إلى العملية التعليمية في كل عام. يواكب تدهور العملية التعليمية انخفاض المستوى المعرفي وتدني مهارات المعلمين الذين تخرجهم هذه العملية. يسهم ذلك في مزيد من تدهور العملية التعليمية التي تعد مواردها البشرية عاملًا رئيسيًا في عملها. كذلك يمثل تدني مستوى العاملين بقطاع التعليم سواء المعلمين أو العناصر الإدارية عائقًا بالغ الصعوبة أمام أي عملية تطوير لهذا القطاع.
التخبط في سياسات استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم في مصر هو عرض لعدم وجود رؤية واضحة لما تسعى الدولة إلى تحقيقه من خلال المنظومة التعليمية. غياب هذه الرؤية يشمل أيضًا استخدام التكنولوجيا الرقمية. لا توجد رؤية واضحة لما ترغب الدولة في تحقيقه من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم. بالتالي لا يوجد تقييم واضح لمتطلبات تحقيق هذه الرؤية ولا لخطط تنفيذها حسب أولويات محددة وإطار زمني واقعي.
يؤدي ذلك إلى الانخراط في مشروعات طموحة تتجاوز الإمكانيات المتاحة، وهو ما يؤدي إلى فشلها في تحقيق أهدافها. في نفس الوقت، يؤدي ذلك إلى حجب التمويل المحدود أصلًا عن مشروعات ضرورية لتوفير الإمكانيات المادية والبشرية التي يتطلبها استخدام التكنولوجيا الرقمية. بصفة خاصة، لا يتم توجيه تمويل كاف لاستكمال المعدات والأجهزة في المدارس أو لتدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل فعال.
يعيب توجهات الدولة في قطاع التعليم، إلى جانب عدم الواقعية في تحديد أولويات الإنفاق، الاعتماد الكبير على الشراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل مايكروسوفت في مجال البرمجيات، وسامسونج في مجال الأجهزة والمعدات. يدعم هذا التوجه احتكار هذه الشركات للسوق المصرية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الخدمات الرقمية التي تحاول الدولة توفيرها. كما يؤدي إلى غياب المرونة في هذه الخدمات مع الاعتماد على تكنولوجيات وبرمجيات مغلقة.
ما تحتاجه المنظومة المصرية للتعليم لدخول العالم الرقمي بشكل صحيح هو إعادة النظر في مجمل هذه العملية. فينبغي إعداد استراتيجية لتعديلها بشكل كامل في مدى زمني مناسب بحيث يصبح بالإمكان تحقيق أعلى عائد ممكن لاستغلال التكنولوجيا الرقمية فيها. يحتاج ذلك إلى عدد من الخطوات الهامة منها:
- بناء رؤية واضحة لأهداف الدولة المستقبلية في قطاع التعليم تكون التكنولوجيا الرقمية في قلبها.
- تعديل المناهج الدراسية لملائمة متطلبات العالم الرقمي في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور. وينبغي أن يوضع في الاعتبار أن تستغل هذه المناهج إمكانيات التكنولوجيا الرقمية إلى أقصى حد ممكن وأن تتلاءم مع متطلبات هذه التكنولوجيا بما يحقق أفضل نتيجة ممكنة.
- استغلال إمكانيات التكنولوجيا الرقمية نفسها في تدريب المعلمين والإداريين بمعدل يسمح برفع كفاءتهم واكتسابهم للمهارات المطلوبة لملاءمة المناهج الدراسية المطورة ولاستخدام التكنولوجيا الرقمية بأعلى كفاءة ممكنة.
- التوجه نحو التصنيع المحلي للأجهزة والمعدات وكذلك نحو البرمجيات مفتوحة المصدر.
خاتمة
استخدام التكنولوجيا الرقمية في إصلاح وتطوير قطاع التعليم في مصر يمكنه تحقيق المهمة التي قد تبدو مستحيلة اليوم. هذه هي الفرضية التي تطرحها هذه الورقة. لتحقيق ذلك، ينبغي أن تتوفر الإرادة الصادقة التي تتعامل مع قضية التعليم في مصر ومع استخدام التكنولوجيا الرقمية بصورة واقعية وخلاقة في نفس الوقت.
ناقشت هذه الورقة استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم المصري من خلال قراءة واقع الاستخدامات الحالية للتكنولوجيا الرقمية في قطاع التعليم المصري بصورة نقدية واقعية. كما تناولت الورقة ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا الرقمية من إمكانيات لتجاوز المشكلات المزمنة لهذا القطاع. وأخيرًا تطرقت الورقة إلى التحديات والمعوقات التي يفرضها الواقع الحالي وكيف يمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية نفسها للتوصل إلى الحلول التي يمكن أن تساعد على تجاوزها.