
مقدمة
في تجربة كل منا اليومية مع التعامل مع الإنترنت تمثل الإعلانات الرقمية ظاهرة بارزة. لا تكاد تمضي دقيقة واحدة من تصفح الإنترنت دون مصادفة إعلان أو أكثر. عندما تقرأ مقالًا على موقع إخباري تظهر الإعلانات أعلى الصفحة وعلى جانبيها وتتخلل النص الذي تقرأه أو تنبثق فجأة في نوافذ تطفو فوق الصفحة.
عندما تشاهد أحد الفيديوهات على موقع يوتيوب تظهر الإعلانات كل عدة دقائق مقاطعة مشاهدتك. ولكن أكثر فرص تعرضك للإعلانات هي غالبًا أثناء تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي؛ فهي تتخلل المنشورات التي تطالعها على فيسبوك وتقاطع مشاهدتك لفيديوهات تيك توك القصيرة.
لم يعد خفيًا على أحد أن الإعلانات التي يصادفها تعتمد في معظم الأحيان على صفاته الشخصية وميوله واهتماماته. كما تعتمد بشكل أوضح على سلوكه ونشاطه على المواقع المختلفة التي يتعامل معها باستمرار. فدائمًا ما تكون الإعلانات التي تصادفها متعلقة بالبلد الذي تعيش فيه، وغالبًا ما تتعلق أيضًا بفئتك العمرية. كذلك إذا ما أجريت بحثًا على جوجل أو فيسبوك عن سلعة أو خدمة ما، فيكاد يكون من المؤكد أن تصادف الكثير من الإعلامات ذات الصلة بتلك السلعة أو الخدمة.
الإعلانات الرقمية هي العامل الأكثر تأثيرًا في تشكيل الطريقة التي تعمل بها الإنترنت اليوم. ولا مجال للشك في أن الجانب الأكبر من تمويل وأرباح شركات التكنولوجيا يأتي من أنشطة التسويق الإلكتروني. صناعة التسويق الإلكتروني هي واحدة من أكبر وأسرع الصناعات نموًا اليوم، ومن المتوقع لها أن تزداد أهمية في المستقبل.
في القلب من جميع أنشطة وعمليات التسويق الإلكتروني تكمن الخوارزميات Algorithms. تؤدي الخوارزميات جميع عملياتها دون أن يشعر بها أحد ولا يتعامل معها المستخدمون بشكل مباشر. تعتمد معظم الخوارزميات على تكنولوجيات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وفي خلال السنوات الأخيرة ازدادت هذه الخوارزميات تعقيدًا كما تزايدت قدراتها.
تجمع الخوارزميات قدرًا هائلًا من البيانات عن مستخدمي الإنترنت، وتقوم بتحليلها لتتوصل إلى أفضل الطرق لاجتذابهم إلى السلع والخدمات التي يرغب المعلنون في تسويقها. ومن ثم، تدير الخوارزميات عمليات استهداف المستخدمين بالإعلانات التي ترتفع إمكانية أن يستجيبوا لها. في أحيان كثيرة أيضًا تعمل الخوارزميات بنفسها على تهيئة المستخدمين والتأثير فيهم وربما التلاعب بهم ليكونوا أكثر إقبالًا على الاستجابة للإعلانات.
لا يمانع أغلب مستخدمي الإنترنت في وجود بعض الإعلانات طالما كان ذلك شرطًا لتمتعهم بخدمات هذه المواقع أو التطبيقات مجانًا. كذلك قد يرى كثيرون أن الإعلانات الموجهة تساعدهم على إيجاد سلع وخدمات مناسبة لهم وربما تساعدهم على التوفير في نفقاتهم أحيانًا عندما تتيح لهم عروضًا مغرية وتخفيضات.
لكن ثمة منطقة رمادية وراء ذلك تعيش فيها الخوارزميات وتمارس عملها دون شفافية. في هذه المنطقة تقوم الخوارزميات بالعديد من العمليات التي تهدد حقوق المستخدمين. في مقدمة هذه الحقوق حرية الاختيار، والحماية من التلاعب والغش التجاري، وكذلك الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية. بالتالي، فالعلاقة بين الإعلانات الرقمية وخوارزميات التسويق الإلكتروني وبين حقوق المستهلك والحقوق الرقمية للمستخدمين هي قضية بالغة الأهمية اليوم.
تناقش هذه الورقة تأثير الإعلانات الرقمية وخوارزميات التسويق الإلكتروني على الحقوق الرقمية لمستخدمي الإنترنت، وفي مقدمتها حرية الاختيار وحقوق المستهلك والحق في الخصوصية. تعرض الورقة طريقة عمل الخوارزميات في جمع المعلومات وتحليلها لأغراض التسويق الإلكتروني واستغلالها للتأثير على المستخدمين.
تطرح أيضًا الورقة مقاربات للتعامل مع العلاقة بين الإعلانات الرقمية والتسويق الإلكتروني وبين حقوق المستخدمين. تشمل هذه المقاربات التشريعية ومحاولات إحداث التوازن بين التطور التكنولوجي والاستفادة منه وبين حماية حقوق المستخدمين.
كيف تجمع الخوارزميات البيانات؟
البيانات السلوكية
تشبه البيانات السلوكية الآثار التي تتركها أقدام شخص عندما يتجول في أحد الأماكن. في تجوالنا على الإنترت أو بصفة خاصة عند تصفحنا لمنصات التواصل الاجتماعي نترك آثارًا لأفعالنا وتفاعلاتنا. يمثل ذلك البيانات السلوكية التي تجمعها الخوارزميات لتحليلها. تلتقط الخوارزميات كل ضغطة زر افتراضي، وكل عملية تمرير للصفحة، وكل لمسة لشاشة الهاتف المحمول، وتجمع هذه البيانات لتحكي قصة تصف سلوكيات كل شخص.
بشكل أكثر تفصيلًا، تشمل البيانات السلوكية التي تجمعها الخوارزميات كل من:
- تاريخ التصفح.
- عبارات البحث.
- الوقت الذي أمضاه الشخص على كل صفحة مر بها.
- مدى تمرير الشخص للصفحات.
- حركة المؤشر (فأرة الحاسوب).
- الضغط أو اللمس لتعقب الروابط.
- معلومات عن الجهاز المستخدم.
- معلومات الموقع.
- الأنشطة على منصات التواصل الاجتماعي.
- تاريخ عمليات الشراء الإلكتروني.
تحصل الخوارزميات على تلك البيانات من خلال وسائل عدة. يشمل ذلك برمجيات جمع المعلومات التي تزرعها المواقع على حاسوب المستخدم عند تصفحه لها Cookies، وبرمجيات التعقب على المواقع المختلفة والتي تسجل أنشطة المستخدم عليها Trackers.
البيانات الديموجرافية
البيانات الديموجرافية هي أقدم أنواع البيانات التي اهتمت صناعة التسويق بجمعها، فيما قبل العصر الرقمي وحتى اليوم. تتعلق هذه البيانات بالخواص العامة للفئات السكانية وبتصنيف الأفراد بين هذه الفئات. كما تشمل خصائص مثل الفئة العمرية، النوع (ذكر أو أنثى)، العرق، بلد الميلاد، محل الإقامة، متوسط الدخل، الوظيفة، مستوى التعليم، وملكية المنزل. يعتمد استخدام البيانات الديموجرافية على مجموعة من التعميمات التي تعبر عن السلوك الاستهلاكي الشائع بين فئة من الفئات السكانية.
البيانات الديموجرافية قد تكون الأسهل في جمعها نظرًا لأن بعضها يضطر أو يتطوع المستخدم إلى الإفصاح عنها عند تسجيل حساب شخصي على أي من منصات التواصل الاجتماعي. ولكن هناك بيانات يحتاج الوصول إليها تحليل بعض البيانات الشخصية الأخرى التي تجمعها برمجيات التعقب المختلفة.
البيانات النفسية (سايكوجرافية)
يشير مصطلح البيانات السايكوجرافية إلى منهج كمي لوصف وتصنيف المستهلكين بناء على خواصهم النفسية. يشمل ذلك التفضيلات السلوكية والشخصية، والمعتقدات، والآراء، والاهتمامات، وطرق التصرف، والقيم، وكذلك إلى حد ما كل من العادات ونمط الحياة. يمكن استنتاج الطابع السايكوجرافي لشخص بدقة من خلال البيانات التي يتركها خلفه بينما يتصفح مواقع وتطبيقات الإنترنت، أو تفاعلاته على منصات التواصل الاجتماعي، أو عندما يقوم بشراء سلعة أو خدمة.
ينبغي ملاحظة أن التصنيف السايكوجرافي يختلف عن التصنيف السلوكي السابق الإشارة إليه، وإن كانا يكملان بعضهما البعض. يركز التصنيف السايكوجرافي على المستهلك كشخص، ويسعى لاستكشاف عالمه الداخلي، وقيمه، وأولوياته. في حين تتعلق البيانات السلوكية بالسلوك الظاهر للشخص دون محاولة التعمق أكثر لتكوين صورة كاملة لشخصيته.
بيانات الأجهزة والبيانات التقنية
تجمع الخوارزميات قدرًا كبيرًا من البيانات حول الأجهزة التي يستخدمها الأفراد. يسهُل جمع هذه البيانات مع أجهزة الهاتف الذكي والحواسيب اللوحية بصفة خاصة. تنقسم هذه البيانات إلى:
- تفاصيل حول الجهاز والبرمجيات عليه: نوع الجهاز، ونظام التشغيل والإصدار/النسخة المستخدمة منه، ونوع المتصفح والنسخة المستخدمة منه، والتطبيقات المثبتة على الجهاز وأية إضافات إليها.
- بيانات الشبكة والاتصال: عنوان الإنترنت IP address، وشبكة مقدم خدمة اتصالات الهاتف، ومقدم خدمات الإنترنت، واستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة VPN.
- بيانات الموقع: إحداثيات نظام التموضع العالمي GPS، والموقع التقريبي من خلال عنوان الإنترنت، وشبكات الواي فاي وأبراج الهاتف القريبة.
- بيانات التفاعل والمتحسسات: دقة الشاشة وإعدادات العرض، استخدام شاشات اللمس أو غيرها، وبيانات الوصول للكاميرا والمايكروفون.
- البيانات المميزة للجهاز: الرمز الكودي التعريفي للجهاز، مستوى بطارية الجهاز وحالة شحنها، والنطاق الزمني للجهاز وإعدادات ساعة النظام.
بيانات الأطراف الثالثة
لا يقتصر عمل خوارزميات التسويق الإلكتروني لأي من منصات التواصل الاجتماعي أو غيرها في جمع البيانات المتاحة من خلال تفاعل المستخدم مع المنصة نفسها. يتسع عمل هذه المنصات إلى ما يمكن جمعه من بيانات من خلال تصفح المستخدم لمواقع أخرى وأنشطته عليها.
يساعد ذلك على استكمال بناء الملفات الشخصية السلوكية والنفسية للمستخدم من خلال تسجيل تفاعلاته وأنشطته التي يمارسها خارج المنصة. تتاح هذه البيانات من خلال موردي البيانات، وهي جهات تعمل في مجال جمع البيانات وبيعها للغير. كذلك يمكن جمع بيانات الأطراف الثالثة من خلال شراكات تعقدها الشركات المختلفة فيما بينها، حيث يتم تبادل المعلومات التي يجمعها كل موقع مع غيره. كما تتاح هذه البيانات من خلال برمجيات التعقب وجمع البيانات التي تزرعها المواقع في متصفحات شبكة الإنترنت على أجهزة المستخدم.
كيف تقوم الخوارزميات بتحليل البيانات؟
تستخدم الخوارزميات آليات معالجة وتحليل البيانات الضخمة Big Data Analytics، وتطبقها على الكم الهائل من البيانات التي يتم جمعها من خلال الآليات المختلفة. تستهدف عمليات التحليل الخروج بمعلومات يمكن استخدامها لتحديد سبل استهداف المستخدمين بالمواد الإعلانية مع ضمان أعلى احتمالية لاستجابة إيجابية منهم. تناقش الورقة في النقاط التالية ملامح مختلفة لعمليات تحليل البيانات التي تقوم بها خوارزميات التسويق الإلكتروني.
تصنيف المستخدمين
تصنيف المستخدمين إلى فئات مختلفة هو أحد الآليات الضرورية لعمليات الإعلان والتسويق الإلكتروني. تتيح عمليات التصنيف وفق شروط ومعايير مختلفة إمكانية تمييز مجموعات وفئات من الأفراد الذين يشتركون في خواص بعينها يمكن أن تحكم ميولهم وتفضيلاتهم وبالتالي سلوكياتهم الاستهلاكية.
التصنيفات الديموجرافية هي النموذج الأقدم والأكثر سهولة في استخدامه ولا يزال فعالًا بشكل كبير في كثير من الحالات حتى اليوم. على سبيل المثال، يمكن تسويق كثير من السلع والخدمات بنجاح من خلال استهداف النساء أو الرجال من فئة عمرية بعينها وفي إطار متوسط دخل محدد. فثمة الكثير مما يجمع الأفراد المنتمين إلى هذه الفئات ويحدد سلوكياتهم الاستهلاكية.
لكن عمليات التصنيف التي تمارسها خوارزميات التسويق الإلكتروني اليوم لا تتوقف عند التصنيف الديموجرافي. فهي بالاعتماد على الملفات التفصيلية للأفراد يمكنها تصنيفهم على أساس خواص سلوكية ونفسية أكثر عمقًا، مما يجعل استهدافهم وتوجيه سلوكياتهم الاستهلاكية أكثر دقة وفعالية.
تُستخدّم المعلومات التصنيفية عالية الدقة في ممارسات عدة مثل الشخصنة واختيار الحوافز النفسية، والتي تصب في تعظيم تفاعل الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي. يُعد ذلك ضروري لتعزيز دورة جمع المعلومات وتحليلها ثم استخدامها لإتاحة فرص التسوق وجمع مزيد من المعلومات في دورات متتالية وتراكمية.
نماذج التنبؤ بالسلوك
في أبسط تعريف لوظيفتها تجيب نماذج التنبؤ بالسلوك على السؤال التالي: كيف سيتصرف شخص بعينه عند مصادفته لإعلان محدد عن سلعة ما؟ هل سيلفت الإعلان انتباهه؟ هل سيتوقف لقراءته أو مشاهدته إن كان في صورة فيديو؟ هل سيتفاعل معه بتتبع رابط للحصول على مزيد من المعلومات؟ وأخيرًا، هل توجد فرصة لأن يقوم بشراء السلعة مباشرة أو ربما بعد بعض الوقت؟ يتطلب وجود إجابات دقيقة قدر الإمكان على هذه الأسئلة تحليل البيانات المختلفة التي تم جمعها لبناء صورة سلوكية تفصيلية للشخص تسمح بمعرفة كيف سيتصرف عند التعرض لمؤثرات خارجية بعينها.
ما سبق يصف ما يمكن أن تقوم به نماذج سلوك سلبية، بمعنى أنها تحاول فقط التنبؤ بالاستجابة الحرة للأشخاص عند مصادفة مؤثر خارجي، وهو الإعلان في هذه الحالة. ولكن بناء نماذج التنبؤ بالسلوك على أساس قدر هائل من البيانات التفصيلية يسمح لهذه النماذج بأن تكون إيجابية.
يعني هذا قدرة النماذج على إجابة سؤال مختلف وهو: كيف يمكن حفز شخص بعينه على أن يهتم بإعلان محدد وأن يتفاعل معه وأن يصل بنسبة عالية إلى قرار شراء السلعة المعلن عنها؟ في هذه الحالة، يُستخدّم نموذج التنبؤ بالسلوك لتوجيه سلوك المستخدم.
ولكن ثمة أيضًا ما هو أكثر. فالخطوة التالية هي تهيئة المستخدم بحيث يكون بصفة عامة أكثر ميلًا للاهتمام بفئة بعينها من الإعلانات وأقرب إلى التفاعل معها. يترتب على ذلك زيادة إمكانية أن يقوم المستخدم فعليًا بشراء السلع التي تقدمها. وهذا هو ما نسميه بتعديل السلوك.
دورة التعلم المستمر
تعتمد خوارزميات التسويق الإلكتروني بشكل متزايد على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تستخدم تكنولوجيا تعلم الآلة والتعلم العميق. يعني ذلك قدرة الخوارزميات على تعديل نفسها لتغيير الطريقة التي تعمل بها بناء على نتائج عملها. هذه العملية هي صورة متقدمة لتحليل البيانات. فبدلًا من أن تتم عملية تحليل البيانات في اتجاه واحد يبدأ ببيانات محددة تنتج معالجتها معلومات محددة، تأخذ هذه العملية مسارًا دائريًا. فهي تبدأ بالبيانات المتاحة وتخرج بمعلومات بعينها تُستخدّم في عمليات الاستهداف والتسويق الفعلي. وبناء على مدى نجاح أو فشل هذه العمليات الأخيرة يتم تعديل العناصر المختلفة للدورة بداية بتعديل عمليات جمع البيانات مرورًا بعمليات معالجتها وتحليلها.
من نتائج دورة التعلم المستمر لخوارزميات التسويق الإلكتروني أنها تقوم باستمرار بتحسين ملفاتها التفصيلية ونماذج التنبؤ بالسلوك التي تبنيها عن المستخدمين. يعني ذلك أنها في كل دورة جديدة تصل إلى معرفة أعمق وأدق بتفاصيل شخصية المستخدم وميوله. الأخطر من ذلك هو أنها ترفع من قدرتها على توجيه وتعديل سلوك المستخدم بناء على نتائج محاولاتها السابقة لتحقيق ذلك.
كيف تستغل الخوارزميات المعلومات للتأثير على المستخدمين؟
تستخدم خوارزميات التسويق القدر الهائل من البيانات التي سبق جمعها، وكذلك المعلومات الناتجة عن آليات التحليل لأداء دورين أساسيين: الأول هو تعظيم انخراط وتفاعل المستخدمين مع المحتوى الإعلاني المقدم لهم. أما الثاني فهو تعظيم الأرباح المتحققة عن الإعلانات، وهو ما يعني غالبًا ضمان أعلى احتمالية ممكنة لأن يقوم المستخدم بشراء السلع والخدمات المعلن عنها.
آليات تعظيم انخراط المستخدمين
- الشخصنة: تُعد الشخصنة هي استخدام عدد من الآليات لتوفيق خبرة الشخص في تعامله مع موقع أو تطبيق ما بحيث تكون أكثر ملاءمة لميوله وتفضيلاته. يؤدي ذلك إلى أن تكون هذه الخبرة مرضية أكثر للمستخدم، وهو ما يساعد على انخراطه لفترة أطول ولمدى أعمق ورفع معدل تفاعله. يمكن أيضًا لآليات الشخصنة أن تذهب إلى أبعد من ذلك بحيث تُستخدّم في تهيئة المستخدم نفسيًا لتوجيه وتعديل سلوكه.
- التنبؤ بالسلوك: التنبؤ بسلوك المستخدم هو أداة أساسية لتعظيم انخراطه في التفاعل مع أحد المواقع أو التطبيقات. فيمكن من خلال التنبؤ بالسلوك تحديد أي نوع من المحتوى سيجتذب المستخدم للتفاعل معه أكثر.
- الحوافز العاطفية: تلعب الحوافز العاطفية على الاستجابات اللاشعورية للمستخدم. بعبارة أخرى، هي محفزات توجه سلوك المستخدم من خلال استجابته لمؤثرات لا تتعلق مباشرة بتفضيلاته أو ميوله وإنما تتعلق بعواطفه ومشاعره. وعادة ما تعتمد هذه الحوافر على مثيرات حسية غريزية.
- دورات التغذية الراجعة المستمرة: تعمل دورات التغذية الراجعة على رصد استجابات المستخدمين للآليات المختلفة السابقة والخروج بمؤشرات لمدى نجاحها ولمواطن الضعف فيها للتمكن من إدخال تعديلات ترفع من كفاءتها وفعاليتها وفرص نجاحها.
آليات تعظيم الأرباح
- الاستهداف: يمكن اعتبار الاستهداف هو قلب أي عملية تسويق إلكتروني والنتيجة التي تسعى كافة آليات هذه العملية لتهيئة ظروف تحققها بنجاح. والاستهداف هو توجيه المحتوى الإعلاني المناسب للشخص المناسب في الوقت المناسب وفي ظل الظروف المناسبة. تجتمع كافة الآليات السابقة لتحديد شروط الاستهداف التي تضمن له أن ينتهي بأن يقوم المستخدِّم المستهدَف بعملية شراء السلعة أو الخدمة المعلن عنها. كلما حقق الموقع المعني أعلى معدل من الاستهداف الناجح كلما أمكنه بيع خدمات لمزيد من المعلنين في مقابل عائدات أعلى.
- مزايدة المعلنين اللحظية: المزايدة اللحظية هي وسيلة لبيع وشراء المساحة الإعلانية على أحد المواقع بناء على فرصة أن يرى المستخدم الإعلان، ومن خلال مزايدة برمجية لحظية. يزايد المعلنون على فرصة عرض الإعلان لحظيًا، وبمجرد فوز أحد المزايدين يعرض إعلانه في المساحة الإعلانية المتاحة فورًا. تحدد الخوارزميات العرض الفائز بناء على الإعلان صاحب أكبر فرصة لتحقيق ربحية أعلى، وتقوم بالتنبؤ بذلك بالاعتماد على ما هو أكثر صلة بالمستخدم، وعلى أساس قيمة المزايدة. تستخدم منصات مثل فيسبوك وإعلانات جوجل المزايدة اللحظية لتعظيم أرباحها عند تقديم محتوى يستهدف المستخدم بشكل مباشر.
- فرص البيع المتوافقة: تستثمر المواقع في كل فرصة للنجاح في اجتذاب المستخدم إلى إعلان عن سلعة أو خدمة. يحدث ذلك من خلال تقديم فرص وعروض شراء ذات صلة يمكن أن يهتم المستخدم بها كامتداد لاهتمامه بالسلعة أو الخدمة الأخرى. تعمل الخوارزميات على زيادة احتمالية شراء المستخدم لسلع إضافية، من خلال تكوين قائمة بالسلع والخدمات التي يحتمل أن يرغب بشرائها، وذلك بالاعتماد على البيانات والمعلومات المتوفرة عن السلع والمستخدم.
أمثلة لنظم الخوارزميات
تختلف خوارزميات وسياسات الإعلانات بين المنصات المختلفة. لكل منصة خصائص مميزة تتوافق مع سلوكيات مستخدميها وبيئة البيانات المتاحة لها. تقدم النقاط التالية وصفًا لمميزات منظومة الإعلانات لمنصات جوجل وفيسبوك وتويتر وتيك توك. يمكن ملاحظة أن كل من منظومتا فيسبوك وتيك توك للإعلانات هما الأكثر تدخلية واستغلالية نظرًا لممارسات جمع البيانات المكثفة لهما ولتأثيرهما النفسي.
يركز تيك توك على عرض محتوى يشجع إدمان المستخدم عليه. في حين تستغل منصة فيسبوك الملفات الشخصية التفصيلية للاستهداف الدقيق. على جانب آخر، في حين أن إعلانات جوجل تدخلية من حيث التعقب إلا أنها أقل استغلالية لأنها تتوافق مع النوايا الظاهرة للمستخدم. أخيرًا، توجد منظومة إكس (تويتر سابقًا) للإعلانات في موقع متوسط، حيث تعد ممارسات جمع البيانات الخاصة بها معتدلة نسبيًا وكذلك مدى تأثير المنظومة على سلوك المستخدم.
إعلانات جوجل Google Ads
تعمل إعلانات جوجل بشكل أساسي على نظام يعتمد على الكلمات المفتاحية، وهي تستهدف المستخدمين عند قيامهم بالبحث عن مصطلحات بعينها. يزايد المعلنون على الكلمات المفتاحية ومن ثم يتم عرض الإعلانات بناء على مدى صلتها بالكلمات المفتاحية المستخدمة في البحث وعلى قدر مزايدة المعلنين عليها.
تستغل إعلانات جوجل عبارات البحث، وموقع المستخدم، ومعلومات الجهاز المستخدم، وكذلك تاريخ تصفح المستخدم لعرض إعلانات ذات صلة به. يتمثل موطن قوة إعلانات جوجل في قدرتها على التوصل إلى المستخدمين الذين لديهم أعلى قدر من نية الشراء، مما يجعلها فعالة في تحقيق استجابات مباشرة. في المقابل، يمكن للمزايدة التنافسية بين المعلنين أن تؤدي إلى تكلفة أكبر خاصة للكلمات المفتاحية الأكثر شعبية.
تعتمد إعلانات جوجل بشكل كبير على التالي:
- عبارات البحث.
- تاريخ التصفح من خلال متصفح جوجل كروم Google Chrome، الأوسع استخدامًا.
- نشاط المستخدم على موقع يوتيوب YouTube.
- بيانات الموقع.
- برمجيات التعقب باستخدام تحليلات جوجل Google Analytics.
في حين تتعقب جوجل بيانات سلوكية واسعة إلا أن أغلبها مرتبط بنوايا المستخدم. كما تتميز إعلاناتها بدقة عالية حيث تعرض الإعلانات بناء على عبارات بحث المستخدم وتاريخ تصفحة، ولكن استهدافها أقل شخصانية مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي.
تُعد إعلانات جوجل ذات تدخل معتدل، حيث تعتمد البيانات التي تجمعها على تفاعل المستخدم النشط، مثل إجراء عمليات البحث، مما يجعلها تبدو أقل استغلالية. وبذلك، يتراوح مستوى استغلالية إعلانات جوجل بين المنخفض والمعتدل، نظرًا لتوافقها مع نوايا المستخدمين الواضحة، كالبحث عن منتجات أو خدمات، مما يقلل من شعورهم بالاستغلال.
فيسبوك
تستهدف خوارزميات فيسبوك المستخدمين بناء على معلومات ديموغرافية تفصيلية، وعلى أساس اهتماماتهم وسلوكياتهم وروابطهم مع مستخدمين آخرين. يتم تضمين الإعلانات في الصفحة التي يطالع المستخدم من خلالها المحتوى بصفة دائمة. تستخدم إعلانات فيسبوك قدرًا كبيرًا وواسع النطاق من بيانات المستخدم، بما في ذلك تفاعلات الإعجاب بالمنشورات وإعادة نشرها، وكذلك البيانات المقدمة من أطراف ثالثة.
توظف فيسبوك هذه البيانات في خلق ملفات شخصية تفصيلية للمستخدمين بغرض استهدافهم بشكل دقيق. يسمح ذلك للمعلنين بالوصول إلى جمهور محدد، مثل استهداف فئات سكانية واهتمامات وسلوكيات بعينها بدقة عالية.
تستخدم منظومة إعلامات فيسبوك برمجية تدعى Facebook Pixel لتعقب أنشطة المستخدم على مواقع خارج المنصة. كما تستخدم خوارزميات للتكهن بصفات وميول شخصية عن المستخدم مثل الآراء السياسية ووضع العلاقات الشخصية.
تعتبر منظومة إعلانات فيسبوك عالية التدخلية، فهي تتعقب المستخدمين حتى خارج المنصة من خلال شبكة شراكة البيانات مع جهات ثالثة بالإضافة إلى أدوات مختلفة. كذلك تعد المنظومة عالية الاستغلالية، فالإعلانات المشخصنة تصمم بحيث تؤثر في سلوك المستخدم دون أن يشعر، وذلك عادة باستغلال آليات نفسية. كما تدعم هذه المنظومة تزايد الفقاعات المعلوماتية وغرف الصدى على المنصة مما يزيد من التلاعب بطريقة إدراك المستخدمين للأمور.
تويتر/إكس
تروج خوارزمية إعلانات إكس التغريدات والحسابات لمستخدمي المنصة بناء على اهتماماتهم والكلمات المفتاحية التي يستخدمونها ومواصفات متابعيهم. تظهر الإعلانات كتغريدات مروج لها أو من خلال خدمة الموضوعات والحسابات الأكثر شعبية.
تحلل الخوارزمية التفاعلات مع التغريدات والهاشتاجات، واهتمامات المستخدم لاستهدافه بالإعلانات. وتتميز المنظومة بالتفاعل الوقتي مما يسمح للمعلنين باستغلال الموضوعات الأكثر شعبية والأحداث الجارية. على جانب آخر، يمكن لطبيعة المنصة سريعة الوتيرة أن تجعل من الصعب الحفاظ على استمرارية ظهور الإعلانات لفترة طويلة.
تجمع المنصة البيانات على أساس تغريدات المستخدم وإعادة نشره لتغريدات الآخرين والهاشتاجات التي يستخدمها، وتفاعلاته، وشبكة متابعيه أو من يتبعهم والاهتمامات التي يمكن تخمينها من نشاطه. تجمع المنصة قدرًا أقل من البيانات مقارنة بفيسبوك ولكن تظل كمية البيانات التي تجمعها كبيرة.
تعتبر دقة الاستهداف لمنظومة إكس للإعلانات معتدلة. ففي حين يمكنها توجيه الإعلانات بناء على الاهتمامات والنشاط الوقتي للمستخدم فخوارزمياتها أقل تعقيدًا من تلك التي تستخدمها منصة فيسبوك لخلق ملفات شخصية تفصيلية.
كذلك تعتبر تدخلية المنظومة معتدلة، فالمنصة تتابع النشاط والتفاعل العلني ولكنها لا تتعقب التفاعلات الخاصة أو الشخصية بنفس القدر الذي تتبعها به منصة فيسبوك. وأخيرًا تعتبر استغلالية المنظومة معتدلة، فيمكن للموضوعات الأكثر شعبية وللتغريدات المروج لها أن تؤثر على الآراء والسلوكيات، خاصة خلال الأحداث الهامة والمناقشات المحتدمة. ولكن يُعد أثرها محدود مقارنة بمنصات أخرى تجمع قدرًا أكبر من البيانات الشخصية لمستخدميها.
تيك توك
تقدم خوارزمية إعلانات تيك توك الإعلانات على هيئة فيديوهات قصيرة وجذابة تظهر من خلال مساق تغذية بعنوان “خصيصًا لك”. تركز الخوارزمية على اكتشاف المحتوى والانتشار الفيروسي له. كما تركز الخوارزمية في استخدامها للبيانات على تفاعلات المستخدم، مثل مشاهداته للفيديوهات، والإعجاب بها، وإعادة النشر والتعليقات بغرض شخصنة عرض الإعلانات.
نقطة قوة المنظومة تعود إلى كونها عالية الكفاءة في الوصول إلى الفئات السكانية الشابة والأصغر عمرًا من خلال المحتوى المبدع وعالي الانتشار. على جانب آخر، تتيح المنظومة خيارات استهداف أقل تفصيلًا مقارنة بفيسبوك. تجمع خوارزمية أعلانات تيك توك بيانات عن عادات المشاهدة، ومدد المشاهدة، والإعجاب وإعادة النشر والتعليقات، والبيانات المتعلقة بالجهاز المستخدم للوصول إلى الموقع. كما تتعقب مؤشرات سلوكية عالية الدقة، مثل طول مدة استمرار مؤشر الاختيار فوق فيديو بعينه (دون مشاهدته فعليًا).
تحقق الخوارزمية معدل استهداف مرتفع، فهي متميزة في فهم تفضيلات المستخدم وتقدم محتوى إعلاني عالي الجاذبية والشخصنة. ولا تعتمد الخوارزمية بقدر كبير على البيانات الديموجرافية ولكنها تركز على إشارات سلوكية وقتية.
تعتبر تدخلية خوارزمية تيك توك عالية للغاية، فممارسات جمع المنصة للبيانات ممتدة وواسعة النطاق، مما يفتح الباب أمام نمذجة المستخدمين وللتجاوزات. كذلك تعتبر استغلالية الخوارزمية عالية، فمنظومة التوصيات على المنصة مصممة لتشجيع الإدمان باستخدام فيديوهات قصيرة وجذابة لدعم استمرارية اهتمام المستخدم. وتدمج المنصة الإعلانات بشكل سلس في المحتوى الأصلي مما يجعل من الصعب على المستخدم التفرقة بين المواد الدعائية وغيرها.
أثر الخوارزميات على حرية الاختيار
مفهوم حرية الاختيار بالغ الاتساع، ولكنه فيما يتعلق بعمليات الاستهلاك يمثل حجر الزاوية ليس فقط لحقوق المستهلك وإنما لمجمل النظرية الاقتصادية لما يسمى بالسوق الحر. فمفهوم السوق الحر يتعلق بتبادل الأفراد للسلع والخدمات والنقود بشكل حر ودون مؤثرات خارجية قسرية على إرادتهم الحرة. تفترض النظرية الاقتصادية للسوق الحر أن المستهلكين يتخذون قراراتهم الاستهلاكية بناءًا على عملية موازنة منطقية بين القيمة الاستعمالية للسلعة أو الخدمة، وقدرتهم على التخلي عن القيمة المالية التي يمثلها سعر السلعة.
التدخل في عملية اتخاذ القرار هذه بأي شكل يُفقِد المستهلك سيطرته الكاملة على سلوكه ويهدم مبدأ حرية الاختيار. لا يتعلق ذلك فقط بدفع المستهلك إلى شراء سلعة ليس في حاجة إليها. ولكنه يتعلق أيضًا باتخاذه قرار الشراء على أسس موضوعية وبصفة خاصة بناء على معلومات صحيحة وكافية عن السلعة أو الخدمة. بعبارة أخرى، تتعلق حرية الاختيار بحماية المستهلك من التعرض للغش التجاري أو النصب. والمؤكد أن المستهلك يكون دائمًا أكثر عرضة للغش التجاري إذا ما كان إقباله على الشراء نتيجة لمؤثرات لا تتعلق بالظروف الموضوعية.
آليات الإعلان الاستغلالية
تؤكد عديد من الدراسات أن خوارزميات التسويق الإلكتروني تؤثر على عمليات اتخاذ المستخدمين للقرارات على نحو عميق، وذلك من خلال آليات منها:
- اللعب على الخوف من تفويت الفرصة: تستخدم آليات الإعلان الإلكتروني أدوات عدة لتزرع في نفس المستهلك شعورًا بأنه إن لم يقم بشراء السلعة أو الخدمة المعلن عنها فإنه سيفوت على نفسه فرصة لن تتكرر في المستقبل.
- استغلال المحتوى المشخصن: تقدَّم الإعلانات الإلكترونية من خلال محتوى تم تطويعه ليخاطب المستخدم بشكل شخصي باللعب على خصائصه النفسية وميوله ورغباته وتفضيلاته ونقاط ضعفه.
- الإيهام بالاختيار: تستخدم خوارزميات الإعلانات الإلكترونية أدوات عدة لإيهام المستخدم بأن قرار الشراء كان اختياره الحر ودون تدخل من أي مؤثرات خارجية. يتضافر في ذلك استخدام الآليتين المشار إليهما سابقًا. فالمستخدم يظن أن اختياره مبني على حاجة منطقية لعدم تفويت فرصة لن تتكرر، ومن خلال آليات الشخصنة يرى أن اختياره نابع من ميوله وتفضيلاته ورغباته الشخصية.
فقدان الاستقلالية
الاستقلالية Autonomy هو مفهوم على صلة وثيقة بحرية الاختيار ولكنه أكثر اتساعًا منها. تتعلق الاستقلالية بعدم اعتماد الشخص على جهات خارجه بشكل كامل وإلى حد فقدان السيطرة على عملية اتخاذه لقراراته. تؤكد الدراسات إلى أن اعتماد المستخدمين على الخوارزميات في اتخاذ القرارات يزداد بشكل غير مدرَّك بسبب تأثيرها الكبير على حياتهم اليومية عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، وغيرها من التطبيقات والمواقع.
يؤدي ذلك مع الوقت إلى تآكل استقلالية المستخدم وفقدانه القدرة على اتخاذ قراراته بنفسه بناء على المعلومات المتاحة إليه. يظهر ذلك بوضوح في القرارات المتعلقة بالاستهلاك، حيث يلجأ المستخدم إلى آليات الإعلان والتسويق للحصول على إجابات حول الاختيار الأفضل للسلع والخدمات. ولكن الظاهرة نفسها تمتد إلى مناحي الحياة اليومية الأخرى حيث يصبح المستخدمون أكثر اعتمادًا على المؤثرات التي تحيطهم بها الإنترنت وتتشكل من خلالها قراراتهم واختياراتهم.
أثر الخوارزميات على الحق في الخصوصية
أُجري عدد كبير من الدراسات على مدار السنوات السابقة حول أثر الإعلانات الرقمية والخوارزميات المستخدمة لخدمة أغراض التسويق الإلكتروني على الحق في الخصوصية. تزايدت مع الوقت مخاوف الكثيرين من تغول الآليات المختلفة لجمع البيانات وتحليلها وممارسات التسويق الإلكتروني على الخصوصية. ويمكن إدراك مصداقية هذه المخاوف مع تطور التكنولوجيات المستخدمة في تطوير خوارزميات التسويق الإلكتروني مما جعلها أكثر تدخلية واستغلالًا.
ممارسات جمع البيانات
تمثل معظم ممارسات جمع البيانات التي تقوم بها منصات التواصل الاجتماعي وعديد من المواقع الأخرى انتهاكات خطيرة للحق في الخصوصية. تفتقد غالبية هذه الممارسات لشروط الموافقة المسبقة عن علم والشفافية ووضوح الغاية منها وطريقة عملها وأساليب معالجتها وتحليلها للبيانات. أوضحت هذه الورقة بشكل تفصيلي عديدًا من هذه الممارسات في قسم “كيف تجمع الخوارزميات البيانات؟”
الأخطار على الخصوصية
تُعرِّض الممارسات المختلفة لخوارزميات التسويق الإلكتروني خصوصية المستخدمين لمخاطر عديدة. تجمع هذه الخوارزميات قدر كبير من البيانات الشخصية الحساسة لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وغيرها. ولا تتسم عمليات حفظ وتأمين هذه البيانات بالشفافية الكافية، وهو ما يجعلها عرضة لمخاطر الاختراق والتسريب مما يهدد أمن وسلامة أصحابها بدرجات مختلفة.
كذلك تنتِج عمليات معالجة البيانات وتحليلها معلومات قد يكون بعضها بالغ الحساسية، مثل الملفات التفصيلية ونماذج التنبؤ بالسلوك والنماذج النفسية للمستخدمين. يمكن استخدام مثل هذه المعلومات لإلحاق أضرار كبيرة بأصحابها. كما يمكن استخدامها للتلاعب بهم واستغلالهم لأغراض مختلفة لا تقتصر على تسويق السلع والخدمات.
تحديات الموافقة المسبقة والشفافية
تشترط مبادئ حماية الحق في الخصوصية عاملين رئيسيين في أي عملية لجمع البيانات الشخصية وهما:
- الموافقة المسبقة من الشخص على جمع بياناته الشخصية
- الشفافية الكاملة لعملية جمع المعلومات والغرض منها.
يستحيل عمليًا أن يتوافر هذان العاملان في عمليات جمع البيانات الشخصية التي تقوم بها خوارزميات التسويق الإلكتروني. فنظرًا لاتساع مدى البيانات التي تجمعها هذه الخوارزميات والحجم الهائل لها لا يمكن حصر هذه البيانات بشكل يسمح بالحصول على موافقة المستخدم على عملية جمعها.
كما تقتضي طريقة عمل الخوارزميات أن تتغير البيانات التي تجمعها من خلال تعديل هذه الخوارزميات لنفسها في عملية التعلم المستمر لها. هذا يعني أنه في أحيان كثيرة لا يعرف أحد أي بيانات تقوم الخوارزميات بجمعها على وجه الدقة. هذه النقطة الأخيرة تتقاطع أيضًا مع شرط الشفافية إلى جانب أن الخوارزميات تعمل دائمًا بشكل خفي دون علم المستخدم.
وأخيرًا لا يمكن بأي حال أن تكون أغراض جمع البيانات معروفة مسبقًا بشكل كامل ودقيق. كما أن الشركات ترفض الكشف عن كيفية عمل خوارزمياتها على وجه الدقة لأسباب تتعلق بسرية المعلومات الصناعية التي تؤثر على قدرتها على المنافسة في السوق.
أثر الخوارزميات على الحقوق الرقمية والمجتمع
تهديد الحقوق الرقمية
تعتبر الإعلانات الرقمية المحور الرئيسي لنموذج أعمال غالبية مواقع الإنترنت الهادفة للربح. يقوم هذا النموذج على أن يقدم الموقع خدماته للمستخدمين مجانًا في مقابل فرص تسويق السلع والخدمات لهم. تحقق المواقع أرباحها من خلال بيع فرص التسويق للجهات الراغبة فيها.
يؤدي ذلك في النهاية إلى أن تكون عمليات التسويق الإلكتروني وكافة العمليات المعاونة لها هي العامل الرئيسي الذي يشكل خبرة المستخدم لشبكة الإنترنت. وما يعنيه ذلك هو أن حرية مستخدم الإنترنت في الحركة خلالها تتعرض للتدخل المستمر لتوجيه هذه الحركة حسب مقتضيات تعرض المستخدم لأكبر قدر من الإعلانات. في حدها الأدنى، تؤدى ممارسات الإعلانات الإلكترونية إلى تشويش خبرة المستخدم بمقاطعة الإعلانات للمحتوى الذي يهتم به ويختاره.
يتفاقم هذا مع امتلاك الخوارزميات لسلطة تحديد أي محتوى يمكن للمستخدم أن يصادفه. في حالات مثل البحث عن معلومات من خلال ماكينات البحث تقوم الخوارزميات بترتيب نتائج البحث بالشكل الذي يلائم تحقيق أعلى ربحية. يتداخل المحتوى الإعلاني مع نتائج البحث بشكل لا يسمح للمستخدم بالتمييز بينهما.
كما يُقدَّم المحتوى الإعلاني كمصدر للمعلومات الموثوقة يسبق مصادر مثل البحث الأكاديمي والاستقصاءات الصحفية. يهدد ذلك بوضوح الحق في الوصول إلى المعلومات بحرية، وهو في الوقت نفسه يهدد الحق في حرية التعبير لتدخل الخوارزميات في وصول المحتوى إلى الآخرين.
تعزيز عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية
تتشبع خوازميات الإعلان والتسويق الإلكتروني في مراحل جمعها ومعالجتها للبيانات بالعديد من الانحيازات الاجتماعية. تعيد الخوارزميات إنتاج هذه الانحيازات من خلال آليات تحديد المحتوى المقدم للمستخدمين على أساس التصنيفات المختلفة التي تدرجهم الخوارزميات تحتها.
على سبيل المثال، تقدم الخوارزميات سلعًا وخدمات أدنى في الجودة إلى فئات بعينها بناءًا على افتراض محدودية دخول أفرادها. في المقابل، توجه الخوارزميات إعلاناتها عن السلع والخدمات الأعلى جودة للمقيمين في مناطق سكنية يقيم بها ذوي الدخول المرتفعة. في أحيان كثيرة، تصنف الخوارزميات الأفراد في فئات دخل خاطئة نتيجة للاعتماد على انحيازات تتعلق بالعرق أو النوع أو محل الإقامة إلخ.
المسؤولية الأخلاقية والمحاسبة
تؤدي الطريقة التي تعمل بها الخوارزميات وكذلك غياب الشفافية حولها إلى عرقلة مساعي تحميل الجهات التي تستخدمها المسؤولية الأخلاقية عما يمكن أن تتسبب فيه من أضرار. كما تجعل من الصعب محاسبة هذه الجهات.
بعض الأضرار الجانبية الأكثر خطورة التي تنتج عن عمل خوارزميات الشخصنة والاستهداف لا يمكن إثبات أنها متعمدة من قبل مطوري هذه الخوارزميات. من أمثلة هذه الأضرار نشأة ظواهر مثل غرف الصدى والفقاعات المعلوماتية. يفتح ضعف إمكانية المحاسبة للجهات المطورة لخوارزميات التسويق الإلكتروني الباب أمام تزايد اتساع وحدة الانتهاكات التي تنتج عن تطوير خوارزميات أكثر تدخلية واستغلالًا.
مقاربات التعامل مع مشاكل الإعلانات الرقمية
الأطر التنظيمية القائمة
- قانون الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات GDPR: أصبح هذا القانون ساريًا منذ مايو عام 2018. ينظم القانون معالجة البيانات الشخصية داخل الاتحاد الأوروبي. ويفرض على أي جهة أن تحصل على موافقة صريحة من أي شخص قبل جمع أو معالجة بياناته لأغراض إعلانية. كذلك يمنح القانون للأفراد حقوقًا على بياناتهم، منها الحق في الوصول إليها والحق في محو أو تعديل المعلومات الشخصية الخاصة بهم والتي تحتفظ بها أي جهة.
- قانون ولاية كاليفورنيا لخصوصية المستهلك CCPA: أصبح القانون ساريًا منذ يناير عام 2020. يمنح القانون المقيمين بولاية كاليفورنيا الأمريكية حقوقًا تتعلق ببياناتهم الشخصية. يشمل ذلك الحق في معرفة أن بياناتهم يتم جمعلها، والحق في محو البيانات الشخصية، والحق في رفض بيع بياناتهم لطرف ثالث.
- القانون المصري لحماية البيانات الشخصية: قانون رقم 151 لسنة 2020، أصبح ساريًا في أكتوبر عام 2020. ينظم القانون جمع ومعالجة وتخزين البيانات الشخصية. يفرض القانون على الجهات المختلفة أن تحصل على موافقة صريحة من الأفراد قبل جمع أو معالجة بياناتهم، ويوقع عقوبات على مخالفة ذلك. كذلك يفرض القانون تعيين مسؤول حماية بيانات في أي جهة تتعامل مع البيانات الشخصية.
الحاجة إلى نظم إشراف أفضل
ثمة حاجة إلى نظم إشراف أكثر فعالية في التعامل مع المخاوف الأخلاقية والحقوقية المحيطة بنظم الإعلانات الإلكترونية وخوارزمياتها. من بين ما ينبغي أن تتمتع به هذه الأنظمة هو المرونة الكافية لملاحقة التطور المستمر لتكنولوجيات الإعلان والتسويق الإلكتروني. هذه المرونة لا يمكن أن تتوفر للتشريعات نظرًا لطبيعة العمليات الضرورية لإصدارها أو تعديلها. ومن ثم فينبغي أن تعتمد نظم الإشراف على جهات مختصة تعمل بصفة مستمرة وتعدل الآليات والقواعد التنظيمية حسب الحاجة.
على جانب آخر، ينبغي لنظم الإشراف أن تعتمد سياسات أكثر صرامة فيما يتعلق بتحقيق مبادئ أساسية مثل الشفافية والموافقة العليمة للمستخدمين وتحجيم البيانات. وفيما يتعلق بمبدأ تحجيم البيانات بصفة خاصة ينبغي وضع قواعد ومعايير للحكم على ما يمكن قبوله كضرورة تسوغ جمع أو معالجة أو حفظ البيانات. كما ينبغي أن تتضمن نظم الإشراف مبادئ أخلاقية حاكمة لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومنها الإنصاف وعدم الانحياز أو التمييز، والقابلية للمحاسبة وخاصة ضرورة التدخل البشري في عمليات اتخاذ القرار.
الموازنة بين التطور والحقوق
تحقيق الموازنة بين تطور التكنولوجيات المستخدمة في الإعلانات والتسويق الإلكتروني وبين حقوق المستخدمين هو أمر بعيد المنال في ظل نماذج الأعمال الحاكمة في الوقت الحالي. الحل البديل يكمن في دخول أطراف منحازة إلى جانب المستخدمين وحقوقهم إلى المعادلة. هذه الأطراف ينبغي ألا تكون هادفة إلى الربح ويجب أن تكون قادرة على تطوير أدوات تكنولوجية موجهة لحماية المستخدمين في مواجهة تدخلية واستغلال الأنظمة التكنولوجية التجارية.
إمكانيات دعم نظم إعلان أخلاقية
ثمة العديد من المقترحات المطروحة لمحاولة دفع الشركات وفي مقدمتها شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تطوير واستخدام نظم إعلان أخلاقية. ما يجعل أي من هذه المقترحات غير عملي هو أنها تحاول طرح نفسها داخل إطار نموذج الأعمال الربحي.
في المقابل، يمكن لنظام إعلان أن يكون أخلاقيًا فقط عندما لا يكون نظام إعلان بل نظام إعلام. الفارق هو أن نظام للإعلام ستكون مهمته العرض الموضوعي والأمين لخيارات التسوق المتاحة للمستخدم بناء على آليات تساعده على الوصول إلى القرار بناء على تقدير دقيق لاحتياجاته وتفضيلاته. مثل هذه النظم يمكن بالفعل دعمها باستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. كما يمكن تطويرها كأدوات يلجأ إليها المستخدم عند حاجته إلى الوصول إلى معلومات حول سلع وخدمات تتوافق مع احتياجاته وقدراته.
تمكين المستخدمين
يعني تمكين المستخدمين تزويدهم بالمعلومات والأدوات التي تمكنهم من حماية بياناتهم وأنفسهم في مواجهة الأخطار والتهديدات التي تعرضها لهم خوارزميات التسويق الإلكتروني. يشمل ذلك تزويد المستخدمين بالمعلومات عن الخوارزميات العاملة على المواقع المختلفة التي يتعاملون بصفة دورية معها وفي مقدمتها منصات التواصل الاجتماعي وماكينات البحث.
ينبغي أن يتعرف المستخدمون على أساليب عمل الخوارزميات والبيانات التي تجمعها والطرق التي تستخدمها لجمعها. بناء على هذه المعلومات يمكن تزويد المستخدمين بأدوات تمكنهم من تحديد أي من بياناتهم يمكنهم السماح بجمعه وفي ظل أي ظروف ولأي غرض.
بعض هذه الأدوات أصبحت عديد من المواقع والمنصات مضطرة إلى توفيرها لتوفيق أوضاعها القانونية في ظل قوانين حماية البيانات. لكن يظل عديد من المستخدمين غير قادرين على استخدامها، إما لعدم علمهم بوجودها من الأساس أو لأنهم لا يعرفون كيف يصلون إليها أو كيف يستخدمونها. لذلك، من الضروري توفير هذه المعلومات من خلال قنوات مختلفة لرفع الوعي.
خاتمة
تمثل الإعلانات الرقمية وخوارزميات التسويق الإلكتروني تحد رئيسي للحقوق الرقمية وحقوق الإنسان بصفة عامة. الإشكالية الأبرز بهذا الخصوص هي أن ذلك التحدي يضع التطور التكنولوجي وحقوق الإنسان على طرفي النقيض. كلما تطورت التكنولوجيا الرقمية كلما كانت حقوق مستخدميها عرضة لمزيد من تغول خوارزميات التسويق الإلكتروني عليها، وكلما كان هؤلاء المستخدمين عرضة لفقدان استقلاليتهم وحريتهم في الاختيار، وعرضة كذلك لانتهاك خصوصيتهم. هذا الواقع ليس مرشحًا لأن يشهد تغييرًا جذريًا ونهاية لما يمثله من تهديدات في المستقبل القريب، فهو متجذر في نموذج الأعمال الربحي الحاكم لطريقة عمل الإنترنت اليوم. هذا لا يعني أنه ليس بالإمكان مقاومته والعمل على تخفيف حدة الأخطار التي يخلقها بكل وسيلة ممكنة.
سعت هذه الورقة إلى مناقشة تأثير الإعلانات الرقمية وخوارزميات التسويق الإلكتروني على حرية الاختيار وحقوق مستخدمي الإنترنت. تناولت الورقة في قسمها الأول عرضًا لكيفية عمل الخوارزميات في التسويق الإلكتروني من خلال إجابة ثلاثة أسئلة هي: كيف تجمع الخوارزميات البيانات؟ وكيف تقوم بتحليلها؟ وكيف تستغل المعلومات الناتجة للتأثير على المستخدمين؟
كما عرضت الورقة أمثلة لنظم الخوارزميات المستخدمة من قبل كل من إعلانات جوجل، وفيسبوك، وتويتر، وتيك توك. في قسمها الثاني، ناقشت الورقة أثر خوارزميات الإعلانات على حقوق المستخدمين، فتعرضت للأثر على حرية الاختيار، والأثر على الحق في الخصوصية، والأثر على الحقوق الرقمية. وأخيرًا ناقشت الورقة في قسمها الثالث مقاربات التعامل مع مشاكل الإعلانات الرقمية، وتناولت كل من المقاربات القانونية والتنظيمية، ومقاربات السعي إلى الموازنة بين التطور والحقوق.