العزل من الوظيفة العامة كأحد العقوبات التبعية لجرائم تقنية المعلومات

 

مقدمة

الضوابط العامة لعزل الموظف العام 

مسميات مختلفة للعزل من الوظيفة العامة في قانون العقوبات

العزل كأحد العقوبات الفرعية في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

العلاقة الشرطية بين جرائم تقنية المعلومات وارتباطها بالوظيفة العامة

طبيعة جرائم تقنية المعلومات ذات الصلة بالوظيفة العامة

إمكانية استفادة الموظف العام من حالات الإعفاء من العقوبة

مقدمة

تزايدت في الآونة الأخيرة التشريعات المنظمة لقواعد عزل الموظف العام بالتزامن مع بدء تطبيق قواعد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي يمكن من خلالها توقيع عقوبة العزل على بعض من يتمتعون بصفة الموظف العام. تتناول هذه الورقة القواعد المنظمة لإنهاء خدمة الموظف العام نتيجة لتوقيع عقوبة “العزل من الوظيفة” كأحد العقوبات الفرعية المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مع بيان الطبيعة القانونية للعزل من الوظيفة في مواضع تشريعية أخرى.

في البداية، وقبل الحديث عن عقوبة العزل، يجب الإشارة إلى توسع القوانين ذات الطابع الجزائي في تعريف مفهوم الموظف العام. لا يقتصر ذلك فقط على التعريف المحدود “من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام عن طريق شغله منصبًا يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق”،1 بل تمتد قواعد القوانين الجزائية لتصل إلى كل من يحمل صفة الموظف العام بمناسبة تأدية أحد المهام ذات الطابع الوظيفي، والتي قد تتصل بمهام السلطة التنفيذية بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بالسلطة القضائية والسلطة التشريعية في بعض الأحيان.

يوجد أكثر من طريقة يمكن بواسطتها إنهاء خدمة الموظف العام. فقد يتم إنهاء الخدمة بالطريق التأديبي، والمقصود به اتخاذ إجراءات التحقيق الإداري أو المحاكمة التأديبية والانتهاء إلى صدور قرار بالفصل لارتكاب إحدى المخالفات الإدارية، مثل جزاء الفصل من الخدمة المنصوص عليه بقانون الخدمة المدنية.2 وقد يكون إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي، مثل الحالات التي ينظمها قانون الفصل بغير الطريق التأديبي.3 يتضمن القانون عقوبة فصل العاملين بإحدى وظائف الجهاز الإداري للدولة، أو الهيئات العامة، أو المؤسسات العامة، أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها، في حالة الإخلال بواجباتهم الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو فقد أحد شاغلي الوظائف العليا شروط الثقة والاعتبار. كما قد يأتي إنهاء الخدمة في صورة عزل من الوظيفة العامة لارتكاب جريمة معاقب عليها بالقوانين الجنائية، مثل قانون العقوبات المصري وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

من المهم التفرقة بين الحالات المختلفة لإنهاء خدمة الموظف العام، نظرًا لاختلاف القواعد والإجراءات المنظمة لإنهاء الخدمة، وكيفية صدور القرار والسلطة المختصة بالإنهاء. تختلف أيضًا طرق الطعن على قرار إنهاء الخدمة، ومدى ارتباط القرار بوقائع أخرى قد لا تكون متصلة بالوظيفة العامة، بالإضافة إلى اختلاف الآثار المترتبة على قرار إنهاء الخدمة.

الضوابط العامة لعزل الموظف العام

تُصنّف العقوبات الجنائية إلى عقوبات أصلية وعقوبات فرعية. العقوبات الأصلية هي التي تستمد وصفها من كونها العقاب الأساسي والمباشر للجريمة، وتوقّع منفردة، بغير أن يكون القضاء بها معلقًا على حكم بعقوبة أخرى.4 بينما العقوبات الفرعية هي التي لا تكفي بذاتها لتحقيق الجزاء الذي أراد المُشرِّع تطبيقه على مرتكب الجريمة، فهي جزاء إضافي بجانب الجزاء الأصلي، ولا تطبق بمفردها، إنما تلحق بالعقوبة الأصلية المقضي بها. لا تسري العقوبات الفرعية إلا على الجرائم التي نص المُشرِّع عليها على سبيل الحصر، كما أنها لا تطبق على كافة المحكوم عليهم، فيشترط تطبيقها في بعض الأحيان توافر صفة بذاتها في شخص المحكوم عليه، كصفة الموظف العام في حالة تطبيق عقوبة العزل من الوظيفة العامة. وأخيرًا، تنقسم العقوبات الفرعية إلى عقوبات تبعية وعقوبات تكميلية.

العقوبات التبعية: هي عقوبات ترتبط بالعقوبة الأصلية، وتلحق بها، وتطبق بقوة القانون من السلطة التنفيذية المختصة، دون الحاجة إلى النطق بها في الحكم، وتدور وجودًا وعدمًا مع العقوبة الأصلية. من العقوبات التبعية، على سبيل المثال، حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة حكومية، والعزل من الوظائف العامة والوضع تحت مراقبة الشرطة والمصادرة.

العقوبات التكميلية: هي عقوبات تلحق بالعقوبة الأصلية، وقد تكون وجوبية أو جوازية للقاضي – حسب الأحوال – ويجب النطق بها في الحكم في كل الأحوال. من العقوبات التكميلية، على سبيل المثال، العزل من الوظائف العامة والمصادرة والغلق.5

يتبين من ما سبق أن عقوبة العزل من الوظيفة العامة، كعقوبة فرعية، يمكن أن تكون عقوبة تبعية، أو عقوبة تكميلية.

مسميات مختلفة للعزل من الوظيفة العامة في قانون العقوبات

عرّف قانون العقوبات العزل من الوظيفة العامة بالحرمان من الوظيفة نفسها ومن المرتبات المقررة لها. وينص القانون على أنه لا يجوز تعيين المحكوم عليه في وظيفة عامة خلال مدة العزل التي يقدرها الحكم، سواء كان عاملًا في وظيفته وقت صدور الحكم عليه أو غير عامل فيها.6

مع تقسيم العقوبات استنادًا لمعيار جسامة الجريمة إلى جنايات وجنح ومخالفات؛ وحيث أن العزل كعقوبة فرعية تبعية أو تكميلية تلحق بالعقوبات الأصلية للجنايات والجنح، فيمكن التفرقة بين العزل كعقوبة تبعية والعزل كعقوبة تكميلية على النحو التالي:

  • العزل كعقوبة تبعية

تختلف مدة عقوبة العزل باختلاف طبيعتها كعقوبة فرعية؛ فإذا كانت عقوبة تبعية تكون مؤبدة وتنفذ بقوة القانون بواسطة السلطة التنفيذية المختصة، دون الحاجة إلى النطق بها في الحكم. ولا تملك المحكمة سلطة في الإعفاء من عقوبة العزل، كما لا تملك أيضًا سلطة تقدير مدة العزل، نظرًا لكونه عقوبة مؤبدة، بموجبها يحظر على المحكوم عليه الالتحاق بوظيفة عامة طوال حياته، كما أنها تدور وجودًا وعدمًا مع العقوبة الأصلية.7

كما هو الحال، على سبيل المثال، في جناية الضرب المفضي إلى الموت في صورتها البسيطة، التي يعاقب مرتكبها بالسجن من ثلاثة إلى سبع سنوات، فبمجرد أن أصبح حكم الإدانة فيها نهائيًا باتًا، يُعزّل مرتكبها من وظيفته العامة بقوة القانون، حتى وإن كان ارتكابه للجريمة لا علاقة له بأداء وظيفته.

  • العزل كعقوبة تكميلية

إذا كانت عقوبة العزل تكميلية، فهي دائمًا عقوبة مؤقتة؛ حيث نص المُشرِّع على ألا تقل مدة العزل عن سنة ولا تزيد عن ست سنوات كقاعدة عامة.8 قد يرد على هذه المدة بعض الاستثناءات الخاصة؛ كما هو الحال في بعض جرائم اختلاس المال العام، حيث يُعاقّب مرتكبيها بالعزل كعقوبة فرعية تكميلية جوازية لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات.

العزل كأحد العقوبات الفرعية في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

تضمن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات عقوبات فرعية، حيث احتوى على فصلًا خاصًا يحمل اسم “العقوبات التبعية”، وهو خاص بالعقوبات التي يمكن تطبيقها في حالة ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها بالقانون. بالرغم من أن الفصل يحمل عنوان “العقوبات التبعية” إلا أنه احتوى على عقوبات تبعية وأخرى تكميلية، خاصة فيما يتعلق بعقوبات العزل من الوظيفة العامة، وهي كالتالي:

العزل كأحد العقوبات التبعية في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على ثلاث عقوبات تبعية، تلحق بالعقوبات الأصلية لجرائم هذا القانون، وهي كالتالي:

  • عقوبة مصادرة الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة مما لا يجوز حيازتها قانونًا أو غيرها مما يكون قد استُخدِّم فى ارتكاب الجريمة أو سهل أو ساهم في ارتكابها.
  • عقوبة غلق المنشأة غير المرخصة التي يتعين لمزاولة النشاط فيها الحصول على ترخيص من إحدى الجهات الحكومية.
  • عقوبة العزل من الوظيفة العامة إذا ارتكب أحد الموظفين العموميين جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أثناء وبسبب تأديته لوظيفته، واقترنت بأي من الظروف المشددة المنصوص عليها حصرًا في هذا القانون، وهي ارتكاب الجريمة بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الإضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور والقوانين أو اللوائح أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

العزل كعقوبة تكميلية بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

تنص الفقرة الأولى من المادة 39 من القانون على العزل من الوظيفة العامة كعقوبة تكميلية في حالة ارتكاب الموظف العام جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون. تأتي عقوبة العزل في هذا الحالة كعقوبة تكميلية جوازية؛ فالحكم بها هو سلطة تقديرية لمحكمة الموضوع، تستقل بها، ولها أن تلتفت عنها، وتكتفي بالعقوبة الأصلية كجزاء ملائم للجريمة، ولها أن تقضي بها متى رأت داع لذلك، وفي الحالة الأخيرة يجب أن تنطق بها صراحة في حكمها، ويكون العزل مؤقتًا لمدة لا تجاوز ست سنوات ولا تقل عن سنة.

يمكن إيجاز ما سبق كالتالي؛ في حالة ارتكاب الموظف العام لإحدى جرائم القانون، مع توافر أي من الظروف المشددة، يكون عزله من الوظيفة العامة، عقوبة تبعية وجوبية، تنفذ بقوة القانون، دون الحاجة إلى النطق بها في الحكم، ولا تملك المحكمة سلطة في الإعفاء منها، كما لا تملك أيضًا سلطة تقدير مدة العزل، نظرًا لكون العزل في هذه الحالة عقوبة مؤبدة، بموجبها يحظر على المحكوم عليه الالتحاق بوظيفة عامة طوال حياته.

وهو ما يعبر عن سياسة المُشرِّع في عدم الاكتفاء بتشديد العقوبة الأصلية وحدها، وزيادة مقدارها – في أغلب جرائم هذا القانون – إلى عقوبة السجن المشدد، بل امتد إلى العقوبة الفرعية، فانتقلت من كونها عقوبة تكميلية جوازية إلى عقوبة تبعية وجوبية، تنفذ بقوة القانون. أصبح بذلك العزل من الوظيفة العامة، بدلًا من عزل مؤقت لمدة لا تجاوز سنوات، عزل مؤبد، بموجبه يحرم المحكوم عليه من الالتحاق بوظيفة عامة طوال حياته.

العلاقة الشرطية بين جرائم تقنية المعلومات وارتباطها بالوظيفة العامة

الجرائم التي تضمنها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد يتم ارتكابها من أحد الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الموظف العام أو غيره، فإذا كان ممن يتمتعون بصفة الموظف العام فقد يترتب على إدانته بإحدى جرائم تقنية المعلومات عزله من وظيفته العامة، كعقوبة فرعية – تبعية أو تكميلية حسب الأحوال – بجانب العقوبة الأصلية المحكوم بها.

لكن لا يوجد ارتباط شرطي بين إدانة الموظف العام بإحدى الجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وبين عزله من الوظيفة، فالأمر يتوقف على ارتباط الجريمة المرتكبة من الموظف بمهام وظيفته العامة، فإذا كانت الأفعال المكونة للجريمة التي ارتكبها ذات صلة بمهام وظيفته، وبمناسبة وأثناء تأديتها، فيجوز للمحكمة في هذه الحالة – متى رأت داع لذلك – الحكم عليه بعزله من وظيفته العامة كعقوبة تكميلية للعقوبة الأصلية.

على سبيل المثال، في حالة ارتكاب الموظف العام لجريمة الاعتداء على الأنظمة المعلوماتية الخاصة بالدولة، من خلال تجاوزه لحق الدخول المخول له من حيث الزمان أو لمستوى الدخول إلى موقع أو بريد إلكتروني أو حساب خاص أو نظام معلوماتي يدار بمعرفة أو لحساب الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو مملوكاً لها أو يخصها؛ يجوز للمحكمة في هذه الحالة، وبالإضافة إلى الحكم عليه بالعقوبة الأصلية – الحبس والغرامة أو إحداهما – أن تحكم عليه بالعزل المؤقت من وظيفته لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ست سنوات، كعقوبة فرعية تكميلية، إذا رأت عدم كفاية العقوبة الأصلية كجزاء على الجريمة المرتكبة، وأن تنطق بها في حكمها.

وقد تكون الجريمة المرتكبة من الشخص الذي يحمل صفة الموظف العام، لا صلة لها بممارسته لمهام الوظيفة العامة المكلف بها، وهنا لا يحق للمحكمة أو الجهة التنفيذية أن توقع عليه عقوبة العزل.

على سبيل المثال، ارتكاب أحد الموظفين العموميين لجريمة استخدام حسابه الخاص في نشر أخبار أو صور تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، وهي جنحة معاقب عليها بالحبس والغرامة أو إحداهما. في هذه الحالة، لا تكون الجريمة ذات صلة بمهامه الوظيفية، وتتعلق بشخصه فقط، ولا تمتد لصفته الوظيفية؛ من ثم تكتفي المحكمة الجنائية – إذا قضت بإدانته – بالعقوبة الأصلية دون أن يتضمن منطوق حكمها عقوبات تكميلية بعزله من وظيفته العامة.

من المهم ملاحظة أن عدم ارتباط الجريمة بتأدية الوظيفة العامة، لا يحول بين إمكانية عزل الموظف العام بالطريق التأديبي أو بغيره. على سبيل المثال، استنادًا لأحكام قانون الخدمة المدنية، وقانون الفصل بالطريق غير التأديبي

طبيعة جرائم تقنية المعلومات ذات الصلة بالوظيفة العامة

من الصعب حصر جرائم تقنية المعلومات التي يمكن أن يرتكبها من يتمتع بصفة الموظف العام، بسبب تأديته الوظيفة، والتي قد يترتب عليها عقوبة العزل. لكن قد يكون هناك بعض الجرائم التي تتماس مع ممارسة الوظيفة العامة، نظرًا للطبيعة الخاصة لهذه الجرائم.

الجرائم المُرتكبة من مُديري الصفحات والمواقع

قد يتعرض أي فرد يقوم بمهام إدارة موقع أو حساب أو صفحة أو أي نظام معلوماتي للمخاطر المتعلقة بحزمة الجرائم المرتبطة بمديري المواقع والحسابات. من بين هذه الفئات بالضرورة من يقوم بمهام مدير الموقع لصالح أو لحساب إحدى الجهات الحكومية بوصفه موظفًا عامًا. من أبرز الجرائم المرتكبة من مدير الموقع هي جريمة استخدام حساب بهدف ارتكاب إحدى الجرائم المعاقب عليها قانونًا، وكذلك الجرائم المتعلقة بعدم اتخاذ الاحتياطات التأمينية التي نصت عليها اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وجريمة إخفاء الأدلة الرقمية أو العبث بها.

جرائم الاعتداء على الأنظمة المعلوماتية الخاصة بالدولة

حدد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، عددًا من الجرائم التي قد ترد على الأنظمة المعلوماتية المملوكة للدولة أو التي تدار بواسطتها. من المتصور أن يكون الموظف العام من بين الفئات المحتمل أن ترتكب هذه الجرائم، بسبب أو بمناسبة تأديته للوظيفة، وتنحصر صور الجرائم التي تم ذكرها في التالي:

  • الدخول بدون وجه حق/تجاوز حدود الدخول: يعاقب القانون كل من دخل عمدًا، أو دخل بخطأ غير عمدي وبقي بدون وجه حق، على موقع أو بريد إلكتروني أو حساب خاص يدار بمعرفة أو لحساب الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو مملوك لها. كما يعاقب القانون كل من تجاوز حدود الحق المخول له من حيث الزمان أو مستوى الدخول. جريمة تجاوز الحق في الدخول تعني أن هناك شخصًا أو جهة مخول لها الدخول بالفعل على موقع أو بريد إلكتروني أو على حساب خاص، ولكن الحق الذي يمتلكه الشخص أو الجهة في الدخول محدد بمهام معينة أو بمستويات دخول لأداء بعض الوظائف، أو بالدخول في أوقات محددة. تحدِّد هذه المهام إما طبيعة الوظيفة، وإما الاتفاق المتعلق بالوظائف والمهام التي يقوم بها الشخص المخول له الدخول. تتحقق جريمة تجاوز الحق في الدخول في حالة عدم الالتزام بمستوى الدخول إلى الحساب أو بما يتجاوز طبيعة وظيفة الشخص أو الجهة المكلفة بالدخول. لذلك، تختلف جريمة الدخول غير المشروع عن جريمة تجاوز الحق في الدخول، فجريمة الدخول غير المشروع تعني أن شخصًا أو جهة قامت بالدخول على موقع أو حساب أو بريد محظور الدخول عليه بالأساس، بينما جريمة تجاوز الحق في الدخول تعني أن الشخص أو الجهة لهما الحق في الدخول، ولكن تم تجاوز مستوى الدخول المُكلف به.
  • اختراق المواقع والحسابات والبريد الإلكتروني: يعاقب القانون كل من اخترق موقعًا أو بريدًا إلكترونيًا أو حسابًا خاصًا أو نظامًا معلوماتيًا يدار بمعرفة أو لحساب الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو مملوك لها، أو يخصها، بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
  • إتلاف أو نشر البيانات والمعلومات على الأنظمة المعلوماتية: إذا ترتب على ارتكاب أيٍّ من جرائم الدخول بدون وجه حق، أو تجاوز حدود الدخول أو اختراق المواقع والحسابات والبريد الإلكتروني، حدوث تلف للبيانات أو المعلومات أو تدميرها أو تشويهها أو تغييرها أو تغيير تصميمها أو نسخها أو تسجيلها أو تعديل مسارها أو إعادة نشرها، أو إلغاؤها كليًا أو جزئيًا، تكون العقوبة السجن والغرامة التي لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه.

جرائم الاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني

نظرًا لأن أغلب المعاملات الرسمية أو الحكومية ترتبط بوجود بيانات مالية خاصة بالحسابات البنكية أو أدوات الدفع الإلكتروني، فإن حدوث أي إساءة لاستخدام هذه البيانات أو القيام بأي من عمليات الاحتيال بشأنها قد يعرض الموظف العام لعقوبة العزل بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة.

إمكانية استفادة الموظف العام من حالات الإعفاء من العقوبة

يمكن للموظف العام أن يتمتع بحالات الإعفاء من العقوبة المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي تم ذكرها على سبيل الحصر. أجاز القانون إعفاء الجاني أو الشريك – في أي جريمة من جرائم القانون – من المساءلة الجنائية، باعتبارها وسيلة لتجنب الوقوع تحت طائلة عقوباته. جاء الإعفاء في صورتين؛ الأولى تكون بقوة القانون وتلتزم به جهات التحقيق والمحاكمة، وذلك إذا بادر الجاني أو الشريك إلى إبلاغ السلطات بما يعلمه عن الجريمة قبل البدء في تنفيذها وقبل كشفها.

أما الصورة الثانية، وهي سلطة جوازية تقديرية للمحكمة؛ في الإعفاء من العقوبة أو تخفيفها أو تطبيق العقوبة كاملة، فقد ترى إعفاء الجاني أو الشريك أو تخفيف العقوبة إذا توافرت حالة من الحالات الآتية:

  • إذا أبلغ الجاني أو الشريك السلطات القضائية أو السلطات العامة عن الجريمة بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق بشرط أن يُمكّن السلطات من القبض على مرتكبيها الآخرين.
  • إذا أبلغ الجاني أو الشريك السلطات القضائية أو السلطات العامة عن الجريمة بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق بشرط أن يُمكّن السلطات من ضبط الأموال موضوع الجريمة.
  • إذا أبلغ الجاني أو الشريك السلطات القضائية أو السلطات العامة عن الجريمة بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق وأعان على كشف الحقيقة فيها.
  • إذا أبلغ الجاني أو الشريك السلطات القضائية أو السلطات العامة عن الجريمة بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق، وأعان على القبض على مرتكبي جريمة أخرى مماثلة.

يفهّم من السياق المتعلق بحالات الإعفاء من العقوبة في صورته الأولى أن الإعفاء عن العقوبة الأصلية يرتبط بالضرورة بسقوط العقوبة الفرعية، وهي في حالتنا هذه عزل الموظف من الوظيفة العامة، أما في الصورة الثانية التي ترتبط بتعاون المتهم أو الشريك مع جهات التحقيق بعد الكشف عن الجريمة، فيجب التفرقة بين الحالات التالية:

الحالة الأولى: أن تصدر المحكمة حكمًا/قرارًا بإعفاء المتهم أو الشريك من العقوبة، وفي هذه الحالة تسقط العقوبة الفرعية “العزل” مع سقوط العقوبة الأصلية.

الحالة الثانية: إذا قضت المحكمة بالإدانة مع تخفيف العقوبة، في جريمة من جرائم القانون المرتبطة بأي من الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة 34 من القانون، وكان المحكوم عليه ممن ينطبق عليهم صفة الموظف العام وارتكب الجريمة أثناء وبسبب تأدية الوظيفة العامة؛ فيترتب على الحكم بإدانته – وإن كان مخففًا – عزله من الوظيفة العامة، باعتبار العزل في هذه الحالة عقوبة تبعية وجوبية، لا تمتد سلطة المحكمة في التخفيف من العقوبة واستعمال الرأفة إليها، كما أن العزل كعقوبة فرعية لا يتصور فيها درجات مختلفة تصنف فيها من حيث جسامة الجريمة فيمكن للمحكمة النزول عنها للدرجة الأقل.

الحالة الثالثة: إذا قضت المحكمة بالإدانة مع تخفيف العقوبة في جريمة من جرائم القانون، وكان المحكوم عليه ممن ينطبق عليهم صفة الموظف العام، وارتكب الجريمة أثناء وبسبب تأدية الوظيفة العامة؛ فلا يشترط أن يترتب على الحكم بإدانته – وإن كان مخففًا – عزله من الوظيفة العامة؛ حيث أن عقوبة العزل في هذه الحالة هي عقوبة تكميلية جوازية للمحكمة، فلها أن تقضي بها إذا رأت داع لذلك ولها أن تكتفي بالعقوبة الأصلية – المخففة –  وفي حالة القضاء بالعزل وعدم الاكتفاء بالعقوبة الأصلية وحدها، فيجوز للمحكمة تقدير مدة العزل من الوظيفة العامة، بما لا يجاوز ستة سنوات ولا يقل عن سنة.

الهوامش

1 محكمة النقض المصرية الطعن رقم ٤١٠٣٧ لسنة ٥٩ قضائية – الدوائر الجنائية – جلسة 11/1/1998، المكتب الفنى، سنة ٤٩، قاعدة رقم١٠، ص٧٩.
2 جزاء الفصل من الخدمة المنصوص عليها بالمادة 61 من الباب السابع ” السلوك الوظيفي والتأديب ” بقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016.
3 قانون الفصل بغير الطريق التأديبي رقم 10 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 135 لسنة 2021 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 29 مكرر بتاريخ 28 يوليو 2021.
4 مجموعة أحكام النقض،نقض 17/3/1959، س10، رقم 73، ص 328.
5 مؤلف للدكتور جميل عبد الباقي الصغير، قانون العقوبات، القسم العام، 2013، دار النهضة العربية، ص 165.
6 المادة 26 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 “العزل من وظيفة أميرية هو الحرمان من الوظيفة نفسها ومن المرتبات المقررة لها. وسواء كان المحكوم عليه بالعزل عاملا في وظيفته وقت صدور الحكم عليه أو غير عامل فيها لا يجوز تعيينه في وظيفة أميرية ولا نيله أي مرتب مدة يقدرها الحكم وهذه المدة لا يجوز أن تكون أكثر من ست سنين ولا أقل من سنة واحدة”
7 مؤلف للدكتور إبراهيم عيد نايل، عمر محمد سالم، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الجزء الثاني، النظرية العامة للعقوبة، 2018، دار النهضة العربية، ص55
8 تنص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على أنه “وسواء كان المحكوم عليه بالعزل عاملا في وظيفته وقت صدور الحكم عليه أو غير عامل فيها لا يجوز تعيينه في وظيفة أميرية ولا نيله أي مرتب مدة يقدرها الحكم وهذه المدة لا يجوز أن تكون أكثر من ست سنين ولا أقل من سنة واحدة”.