كيف يُخضِّع المجلس الأعلى للإعلام نتفليكس وديزني للقوانين المصرية

 

أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في بيان مقتضب نَشرهُ على موقعه الرسمي، إلزام منصات المشاهدة مثل نتفليكس وديزني “بأعراف وقيم الدولة المصرية“. أثار البيان عدد من التساؤلات حول إمكانية وآلية إخضاع بعض منصات المشاهدة مثل نتفليكس وديزني للقواعد والإجراءات التي تفرضها القوانين المصرية. بالإضافة إلى الفرق بين منصات المشاهدة الأجنبية والمنصات المصرية فيما يتعلق بإجراءات الامتثال للقوانين المصرية والجزاءات المحتمل مواجهتها في حالة مخالفة هذه القواعد.

صورة من منشور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

يأتي بيان المجلس الأعلى الإعلام عقب صدور بيان مشترك، بين الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ولجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني بدول مجلس التعاون، حول التوجيه بإزالة منصة نتفليكس للمحتوى المخالف. وجاء في البيان أنه لوحظ في الفترة الأخيرة قيام منصة نتفلكس ببث بعض المواد المرئية والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي في دول مجلس التعاون، والذي يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية“. وأوضح البيان أنه “تم التواصل مع المنصة لإزالة هذا المحتوى، بما فيه المحتوى الموجه للأطفال“، وأن الجهات المعنية ستتابع مدى التزام المنصة بالتوجيهات، وفي حال استمرار بث المحتوى المخالف “سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة“.

على خلاف بيان المجلس الأعلى للإعلام، والذي لم يحدد سبب نشر البيان، كان بيان دول مجلس التعاون الخليجي أكثر وضوحًا حول الدوافع المتعلقة بصدور موقف رسمي. وكذلك الأمر حول الجهود المتعلقة بالتنسيق مع المنصات المعنية، وتوقع ما قد يسفر عنه البيان من حجب جزئي أو كلي للمحتوى الصادر عن منصة نتفليكس في حالة عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع دول مجلس التعاون الخليجي. أما بالنسبة لبيان المجلس الأعلى للإعلام، فعبارته القاصرة جعلت فهم الغاية من نشره أمرًا صعبًا. لذلك قد تساعد القراءة السريعة للمشهد القانوني في فهم بعض التفصيلات الإجرائية التي ذكرها المجلس الأعلى للإعلام في البيان.

في البداية يجب العودة إلى مرحلة إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام، رقم 180 لسنة 2018، والذي منح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام صلاحيات واسعة في عملية الموافقة على إصدار التراخيص والتصاريح اللازمة لعمل المنصات الإعلامية. بالإضافة إلى طرق الرقابة على المحتوى المنشور على هذه المنصات، وإلزام المنصات بأكواد وقواعد عمل ومدونات سلوك متعددة. عقب إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام ولائحته التنفيذية، أصدر المجلس الأعلى للإعلام في شهر مايو من عام 2020 لائحة التراخيص التي تُنظِّم مواعيد وإجراءات التقدم بطلبات الحصول على التراخيص اللازمة لممارسة الأنشطة الإعلامية والصحفية. يشمل ذلك كل موقع إلكتروني يعمل في مصر، وأمتد كذلك للمواقع الإلكترونية للشركات التجارية والجمعيات والأندية والأحزاب. وبعد مرور ما يزيد عن ستة أشهر من تاريخ صدور لائحة التراخيص، أدخل المجلس الأعلى للإعلام تعديلات على لائحة التراخيص. الزمت التعديلات منصات المشاهدة بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للإعلام للمارسة أنشطتها.

إقرار قواعد لعمل منصات المشاهدة

تُخاطِب لائحة التراخيص بشكل رئيسي عدد من الكيانات التي تعمل في مجالي الصحافة والإعلام على سبيل الحصر. تشمل تلك الكيانات المواقع الإلكترونية الإخبارية، والمواقع الصحفية الإلكترونية، وشركات توزيع الأقنية الفضائية (الكيبل)، والمنصات الفضائية والرقمية المشفرة Platforms. وأضاف لاحقًا المجلس الأعلى للإعلام إلى تلك الكيانات في تعديلات اللائحة ما يعرف ب”شركات تكنولوجيا المعلومات الاجتماعية”.

عرّفت لائحة التراخيص شركات تكنولوجيا المعلومات الاجتماعية بأنها “الشركات التي تدير المنصات أو المواقع الإلكترونية التي تقدم أو تستضيف الخدمات الإخبارية أو الإعلامية أو التي تبث أو تعرض الأعمال الفنية لأغراض ربحية وتسمح بتمكين المستخدمين من تداول أو مشاركة أي محتوى إخباري أو إعلامي مع مستخدمين آخرين أو بإتاحة هذا المحتوى للتداول أو المشاركة بين الجمهور على ذات المنصة أو الموقع الإلكتروني“.

ألزمت لائحة التراخيص تلك الشركات بضرورة الحصول على ما يعرف بـ”شهادة الاعتماد”. وهي شهادة تصدر عن المجلس الأعلى الإعلام تفيد باستيفاء جميع المتطلبات الفنية والقانونية والتنظيمية اللازمة، والتي يسمح بموجبها مزاولة النشاط داخل جمهورية مصر العربية. وأضافت التعديلات التي أدرجت على لائحة التراخيص فيما يتعلق بإجراءات وشروط الحصول على شهادة الاعتماد ما يلي:

  • التقدم بطلب اعتماد على النموذج المعد لذلك بالأمانة العامة موقعًا عليه من الممثل القانوني أو من يفوضه على أن يشتمل الطلب على اسم ولقب وجنسية المالك، واسم المنصة أو الموقع الإلكتروني، والمحل القانوني، والعلامة التجارية المسجلة.
  • صورة معتمدة من عقد تأسيس الشركة، والسجل التجاري، وشهادة تسجيل العلامة التجارية، إذا كانت شركة لها مقر داخل جمهورية مصر العربية أما غير ذلك فيقدم ما يفيد حصولها على موافقة بمزاولة النشاط بالخارج وفقًا لأحكام القوانين السارية والمعمول بها في تلك الدول على أن يصدق على ما يقدم من وزارة الخارجية المصرية.

وتوضِّح لائحة التراخيص أنه يتم فحص طلب الحصول عل شهادة الاعتماد من الأمانة العامة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي تقوم بإرسال الطلب إلى اللجنة المختصة لتعد تقريرًا برأيها في الطلب بعد فحصه وأخذ رأي الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، قبل أن يعرَّض التقرير على المجلس الأعلى للإعلام للبت فيه بعد أخذ موافقة “الأجهزة المعنية”، دون تحديد واضح لطبيعة هذه الأجهزة ودورها. يصدِّر المجلس الأعلى للإعلام قراره في الطلب بموافقة أغلبية أعضائه الحاضرين وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ وروده إليه مستوفيًا كافة البيانات والمستندات. كما تلزم لائحة التراخيص بضرورة إخطار المجلس الأعلى للإعلام بأي تعديل يطرأ على البيانات التي تضمنها طلب الاعتماد وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تعديل هذه البيانات وحتى يتسنى للمجلس إثبات التعديل بطلب الاعتماد.

كما تشير لائحة التراخيص إلى أن مدة الاعتماد خمس سنوات، ويجوز تجديدها بناءًا على طلب يُقدَّم إلى المجلس الأعلى للإعلام قبل ستة أشهر من انتهائه. وفي حال كانت بيانات طلب الاعتماد غير مستوفاة فيجب على المجلس الأعلى للإعلام إخطار مقدم الطلب لاستيفائها، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ عرض تقرير اللجنة المختصة عليه. لم توضح لائحة التراخيص الرسوم اللازمة للحصول على شهادة الاعتماد، كما لم تتضمن الصفحة المخصصة لعرض نماذج التراخيص والتصاريح، على موقع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أية نماذج تتعلق بشهادة اعتماد شركات تكنولوجيا المعلومات الاجتماعية.

دور المجلس الأعلى للإعلام في الرقابة على محتوى منصات المشاهدة

وضعت التعديلات التي أدرجت على لائحة التراخيص بعض الضوابط المتعلقة بالرقابة على المحتوى الذي يبث عبر منصات المشاهدة مثل ديزني ونتفليكس. من بين تلك الضوابط أن يكون الطلب المقدَّم بالحصول على شهادة الاعتماد موافقة على قبول إزالة المحتوى الضار. وتحدد لائحة التراخيص الحالات التي يمكن خلالها اعتبار المحتوى ضارًا، والتي تم ذكرها على سبيل الحصر في المادة 64 من لائحة التراخيص كالتالي:

  1. المحتوى الذي يحض على الكراهية أو يسئ إلى المستخدمين أو يمثل ترهيبًا لهم أو يمس سمعتهم.
  2. المحتوى الذي يتضمن الإساءة إلى الأفراد أو مؤسسات الدولة وبما يهدد السلم والأمن الاجتماعي.
  3. المحتوى الذي يتضمن التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو النسب أو الأصل أو الجنسية.
  4.  المحتوى الذي يحض على العنصرية أو العنف الخاص أو العام.
  5. المحتوى الذي يتضمن التحريض على ارتكاب أفعال تنتهك حقوق الإنسان وتمس كرامته.
  6. المحتوى الذي يتضمن ما يشكل جرائم جنائية وفقًا للقوانين السارية في جمهورية مصر العربية.
  7. المحتوى الذي ينتهك حقوق النشر أو الملكية الفكرية أو العلامات التجارية.
  8. المحتوى الذي يتضمن معلومات زائفة أو شائعات شخصية أو عامة.
  9. المحتوى الذي يحض على ارتكاب الجرائم ويشجع مرتكبيها.
  10. المحتوى الموجه للأطفال ولا يراعى التصنيف العمري لهم.

تؤكد اللائحة على ضرورة وجود آلية تضمن استجابة شركات تكنولوجيا المعلومات الاجتماعية الحاصلة على شهادة الاعتماد لإزالة المحتوى الضار خلال 24 من إخطار الشركة بالشكوى المقدمة، أو الإزالة الفورية إذا ثبت للمجلس وجود مخالفة من خلال فحص إحدى الجهات المختصة قانونًا. ويجب على الشركة الاحتفاظ بالمحتوى المخالف لمدة أربعة أشهر كدليل على المخالفة في حال كان القرار بالحذف أو الإزالة.

تعطي لائحة التراخيص صلاحية تقديرية للمجلس الأعلى للإعلام  باتخاذ الإجراءات المناسبة وفقًا لتقديره حيال عدم الالتزام بتنفيذ الحذف أو الإزالة، وإن كانت لائحة التراخيص لا تشير صراحة إلى الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المجلس، إلا أنه يفهم ضمنًا إمكانية سحب أو إلغاء شهادة الاعتماد. كما يفهَّم من السياق العام المتعلق بصلاحيات المجلس الأعلى للإعلام المنصوص عليها في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولائحة التراخيص، ولائحة الجزاءات، أن من حق المجلس حجب المحتوى الضار متى تراءى له ذلك.

كما تشير لائحة التراخيص أن شهادة الاعتماد تتضمن بعض الشروط التي يجب أن تتقيد بها الشركات التي تدير منصات المشاهدة من بينها:

  • احترام مبدأ حرية الرأي والتعبير والعمل على مساعدة المستخدمين على الابتكار والإبداع.
  • تمكين المستخدمين من تقديم الشكاوى المتعلقة بالمحتوى الضار والتحقق من مصداقية هذه الشكاوى بما يضمن النزاهة والشفافية مع توثيق هذه الشكاوى وإخطار أطراف الشكوى بالقرار.
  • تقديم تقرير نصف سنوي إلى المجلس الأعلى باللغتين العربية والإنجليزية حول التعامل مع الشكاوى المتعلقة بالمحتوى الضار.
  • مناهضة خطاب الكراهية غير المشروع والعمل على إرشاد المستخدمين بقواعد السلوك الصحيح وزيادة وعيهم وثقافتهم، وحظر الترويج لكافة أشكال العنف أو التمييز أو العنصرية أو الكراهية.
  • التعاون مع المجلس الأعلى للإعلام في المجالات التي تتعلق بنشاط الطرفين وخاصة في مجال التدريب.
  • حماية حقوق النشر والملكية الفكرية والعلامات التجارية.
  • تقديم التقارير والمعلومات والتفسيرات والإيضاحات التي يطلبها المجلس الأعلى للإعلام.
  • الالتزام بقواعد إزالة المحتوى (التي سبق الإشارة إليها).

خاتمة            

يتضح من بيان المجلس الأعلى للإعلام سعي المجلس المستمر لمحاولة إخضاع منصات المشاهدة للقواعد التنظيمية المصرية. ولكن لم تحظ تلك المحاولات باستجابة من الشركات التي تقدم خدمات المشاهدة. فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن عامين منذ إصدار تعديلات لائحة التراخيص، لم يعلن المجلس عن إصدار أي شهادات اعتماد. تأتي محاولات المجلس هذه المرة للاستفادة من الموقف المُتخَّذ من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يمكن أن يساهم في الضغط على منصات المشاهدة للامتثال للقوانين المصرية.

يجدد بيان المجلس الأعلى للإعلام المخاوف المرتبطة بتوسع المجلس في الرقابة على المحتوى المُقدَّم عبر منصات المشاهدة وفقًا لقواعد تغيب عنها المعايير الواضحة، مثل أن يعتبر المجلس المحتوى المنشور على منصات المشاهدة محتوى ضارًا مما يتطلب حذفه وفقًا لمعايير عامة قد تكون في صورة النظر لمحتوى المنصات على أنه يتضمن إساءة إلى مؤسسات الدولة أو يهدد السلم والأمن الاجتماعي.