مقدمة
البيانات الضخمة في أبسط تعريف لها هي الحزم بالغة الضخامة من البيانات التي تستعصي معالجتها بالطرق التقليدية. تتطلب معالجة والاستفادة من تلك البيانات استخدام تكنولوجيات متقدمة، مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وكذلك بنية تحتية ذات قدرات عالية.
الحجم الكبير للبيانات الضخمة يفتح أفاقًا لا حدود لها للاستفادة منها. يمكن بواسطة طرق وآليات للمعالجة التحليلية للبيانات الضخمة استخلاص معلومات عالية الدقة في شتى المجالات. يسمح ذلك للأفراد والمؤسسات ذوي المصلحة في أي من هذه المجالات برسم سياسات واتخاذ قرارات ذات فرص أكبر في النجاح لاعتمادها على معلومات دقيقة.
من بين الأمثلة على المعلومات القيمة التي يمكن استخلاصها من البيانات الضخمة، تحديد الاحتياجات الدقيقة لمجموعة سكانية معينة في خدمات مثل التعليم أو الرعاية الصحية. يمكن استخدام هذه المعلومات لتطوير سياسات تلبي هذه الاحتياجات بدقة، مما يزيد من فرص نجاحها ويقلل من حجم الموارد المستخدمة لتلبية الاحتياجات الفعلية، ويحد من إهدار الموارد التي كانت ستوجه لتلبية احتياجات غير حقيقية.
باعتبارها دولة نامية تواجه تحديات عديدة في ظل مواردها المحدودة، يمكن أن يكون لتبني مصر لاستخدام البيانات الضخمة تأثيرًا كبيرًا على تعزيز معدلات النمو الاقتصادي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وتحسين جودة الحياة ومستوى المعيشة بشكل عام.
في الوقت نفسه، تواجه مصر تحديات مزمنة في مجال الإصلاح الديمقراطي، والفصل بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والخصوصية. تعاني مصر من ممارسات رقابية وحجب واسع لمواقع الإنترنت، ومراقبة وانتهاك خصوصية الأفراد.
في ظل هذه الظروف، تبرز مخاوف حقيقية بشأن إساءة استخدام تحليل البيانات الضخمة على مستويات مختلفة. لذلك، فإن أي استفادة حقيقية من البيانات الضخمة تعود بالنفع على المواطنين تتطلب إجراءات حماية قوية لحقوقهم تجاه بياناتهم، وتنظيم عمليات جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها بطرق تمنع إساءة استخدامها بما يضر بمصالحهم وحقوقهم.
تناقش هذه الورقة الجوانب المختلفة لإمكانيات الاستفادة المثلى من البيانات الضخمة في السياق المصري. تعرض الورقة أولًا آفاق هذه الاستفادة في كل من قطاع الخدمات الحكومي والقطاع الخاص، ثم تناقش متطلبات استخدام البيانات الضخمة بأفضل صورة ممكنة.
كما تستعرض الورقة العوامل المساعدة على الاستفادة من البيانات الضخمة والمتوفرة بالفعل في الواقع المصري حاليًا. وأخيرًا، تتعرض الورقة للمخاوف والتهديدات التي ينبغي الالتفات إليها عند العمل على استغلال البيانات الضخمة، وضرورة العمل على حماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية.
آفاق الاستفادة بالبيانات الضخمة في السياق المصري
تَعد البيانات الصخمة بتحول هائل في المناهج والأساليب المستخدمة لرسم السياسات، سواء تلك التي تضعها الحكومات ومؤسساتها، أو المؤسسات الخاصة، وفي مقدمتها المؤسسات الاقتصادية الصناعية أو الخدمية.
تتكامل آليات البيانات الضخمة مع السبل التقليدية، مثل المسوح والإحصاءات، لتساعد على التوصل إلى فهم أعمق لآثار السياسات المختلفة في وقت تنفيذها وبصورة لحظية. يساهم ذلك في صنع سياسات مبنية على أدلة مثبتة. كذلك تعدل البيانات الضخمة من دورة حياة صنع السياسات في مراحل تحديد المشاكل، والصياغة والتنفيذ، والتقييم.
تناقش الورقة في القسم التالي ما يمكن أن يحققه الاستخدام الأمثل للبيانات الضخمة في مصر في القطاعات الخدمية المختلفة. تركز الورقة على كل من قطاع التعليم وقطاع الصحة، نظرًا لأهميتهما البالغة وللإمكانيات الكبيرة لاستخدام البيانات الضخمة في كل منهما.
رفع كفاءة القطاعات الخدمية
تعاني القطاعات الخدمية في مصر من تدن واضح ومزمن لكفاءتها. تشير دلائل عدة إلى أن فشل الحكومات المصرية المتعاقبة في وقف تدهور الخدمات الأساسية من حيث النوعية والكم يعود إلى العديد من الأسباب. تشمل تلك الأسباب رسم سياسات لا تعتمد على دليل موثوق به للوقوف على الاحتياجات بشكل دقيق، وكذلك عدم وضع خطط محكمة لتنفيذ السياسات ومتابعتها، وعدم تقييم آثار هذه السياسات بدقة والوقوف على أسباب فشلها.
يتضح مما سبق أن الإمكانيات التي تتيحها البيانات الضخمة تتطابق مع احتياج حقيقي في السياق المصري. تقدم البيانات الضخمة حلولًا لمشلكة مصر في القطاعات الخدمية الحكومية في القصور في رسم وتطبيق السياسات. يمكن الاستفادة من المعالجة التحليلية للبيانات الضخمة لرفع كفاءة تلك الخدمات في مراحل التخطيط والتنفيذ والتشغيل.
التعليم
قطاع التعليم الحكومي، قبل الجامعي، هو واحد من أضخم القطاعات الحكومية. يعاني القطاع من العديد من المشاكل الهيكلية المزمنة. أبرز تلك المشاكل هي الكثافة العالية للفصول الدراسية والمدارس. يأتي ذلك كنتيجة لعدم مواكبة التوسع في إنشاء المدارس للزيادة السكانية، في الوقت الذي تحول فيه مصروفات الدراسة المرتفعة في التعليم الخاص دون اعتماد الغالبية العظمى من المواطنين عليه كبديل.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني عديد من المناطق الريفية والنائية من نقص أو غياب الخدمات التعليمية. وتشهد المناطق الحضرية نسبة عالية من التسرب من التعليم الإلزامي. في الوقت نفسه، يعاني التعليم في مصر من ضعف بالغ للمناهج الدراسية وتدني في مستوى تدريب المعلمين.
توجد عدة طرق يمكن من خلالها الاستفادة من المعالجة التحليلية للبيانات الضخمة في التغلب على المشاكل المشار إليها. بصفة أساسية يمكن وضع خطط وتصميم سياسات جديدة، وتعديل طرق تنفيذ هذه الخطط والسياسات، ورسم سبل جديدة للإدراة والتشغيل اليومي للمرافق التعليمية.
يمكن تحقيق ذلك بالبناء على معلومات أكثر دقة حول الاحتياجات الحقيقية من حيث نوعها وحجم كل منها، وتوزيعها المكاني والمرحلي. يؤدي الوقوف على تقدير دقيق لاحتياجات العملية التعليمية إلى ترتيب أولويات توفير هذه الاحتياجات وتوفير النفقات بخفض حجم الموارد المهدرة. كما أنه يفتح الطريق أمام ابتكار سبل بديلة لتوفير الاحتياجات من خلال تكتيكات مثل مشاركة الموارد، وحسن استخدام الموارد المحلية.
في ذلك الإطار، يمكن لاستخدام البيانات الضخمة أن يتكامل مع جهود التحول الرقمي ومع سياسات تطوير التعليم التي تم تطبيقها في السنوات السابقة في مصر. مشروع استخدام الحواسيب اللوحية (التابلت) يمكن أن يساهم في جمع العديد من البيانات حول أداء الطلاب، ونواحي الضعف المتكررة في المناهج من حيث قابلية استيعابها.
يعزز استخدام البيانات الضخمة في إطار العملية التعليمية بجوانبها المختلفة فعالية التعلم. يمكن تحقيق ذلك من خلال ضبط عملية التعلم بشكل تدريجي حسب احتياجات الطلاب ومعدلات استجابتهم على عدة مستويات. يبدأ ذلك بمعلم الفصل الدراسي، صعودًا إلى المدرسة، ثم إلى نطاق التخطيط ورسم السياسات على مستوى الإدارات التعليمية ووزارة التربية والتعليم. كذلك يمكن لتحليل البيانات الضخمة أن يساعد الطلاب على تحديد أهداف مهنية. يساهم ذلك في توجيه اهتمامات الطلاب الدراسية بناء على تقييم دقيق وموضوعي لقدراتهم مقارنة بمتطلبات سوق العمل.
الرعاية الصحية
ثمة تشابه كبير بين المشاكل التي يعاني منها قطاع الصحة في مصر وتلك التي يعاني منها قطاع التعليم. القاسم المشترك بين القطاعين، إلى جانب الضعف الشديد للإنفاق عليهما، هو الفشل في رسم وتنفيذ ومتابعة وتقييم سياسات مبنية على حقائق واقعية مستخلصة من معلومات تستند إلى الدليل.
توافر مثل هذه السياسات كان من شأنه أن يحقق تحسنًا لخدمات الرعاية الصحية، أو على الأقل يحد من تدهور هذه الخدمات كمًا ونوعًا بقدر ما. فكثير من مشاكل قطاع الرعاية الصحية في مصر يتعلق بمحدودية الموارد مع إساءة توجيهها. يتسبب ذلك إلى إهدار كثير من تلك الموراد المحدودة أصلًا دون تحقيق أي عائد ملحوظ.
الاعتماد على معلومات موثوقة حول احتياجات المواطنين في مجال الرعاية الصحية، بالإضافة إلى معرفة حجم وتوزيع وتوافر الموارد، يمكن أن يحسن من توجيه تلك الموارد لتلبية الأولويات بشكل صحيح وفعال. يُعَد استخدام البيانات الضخمة أداة فعالة لتحقيق ذلك، خاصة في قطاع الرعاية الصحية الذي يتميز بقدرته على جمع كم هائل من البيانات خلال عمله اليومي دون زيادة الأعباء على العاملين فيه.
يتطلب الأمر فقط رقمنة البيانات التي تجمعها المؤسسات الصحية وتنظيمها بشكل هرمي متدرج من حيث المركزية. يبدأ ذلك من مستوى المؤسسة الواحدة (الوحدة الصحية، العيادة، المستشفى) وصولًا إلى الإدارات الصحية المحلية، والوزارة المعنية المسؤولة عن الخدمة في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن دمج حلول البيانات الضخمة مع حلول التحول الرقمي الأخرى وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في تقديم خدمات الرعاية الصحية. قد تساهم خدمات مبتكرة مثل التشخيص والعلاج عن بُعد في تحديد الاحتياجات الفعلية وتوجيه الموارد نحو الأولويات الأكثر أهمية عن طريق الاستفادة من المعلومات التي يوفرها تحليل البيانات الضخمة.
يمكن لحلول البيانات الضخمة أن تسهم في أتمتة العديد من العمليات اليومية في الرعاية الصحية؛ مثل متابعة المرضى المصابين بأمراض مزمنة، وتوفير الأدوية لهم بصفة دورية، وتحديد من يحتاج منهم إلى مراجعة طبية بسبب تغيرات مقلقة في مؤشراتهم الحيوية. مثل هذه الحلول قد يؤدي إلى تخفيف التكدس بالمستشفيات والوحدات الصحية ويضمن استخدامًا أفضل للموارد المادية والبشرية المتاحة.
متطلبات البيانات الضخمة
لا ينشأ استغلال البيانات الضخمة في فراغ بل يحتاج إلى توفر عدة متطلبات أساسية. هذه المتطلبات ضرورية لتمكين هذا الاستغلال وتعزيز نموه وضمان الاستفادة القصوى منه، وكذلك للتعامل مع الجوانب السلبية المحتملة. تستعرض الورقة في هذا القسم بعضًا من أهم هذه المتطلبات.
الرقمنة الشاملة
إتاحة البيانات في صورة رقمية هو متطلب ضروري لأي إمكانية لاستخدام البيانات الضخمة. من ثم، فالتقدم في رقمنة العمليات المختلفة ضروري لتوفير مزيد من البيانات في صورة يمكن استيعابها في صورة بيانات ضخمة، وبالتالي الاستفادة منها.
تتطلب الرقمنة الشاملة من جميع المؤسسات الحكومية والخاصة الانتقال من الطرق التقليدية لجمع وحفظ البيانات بالصورة الورقية إلى الصورة الرقمية. يتضمن ذلك في كثير من الحالات ضرورة إعادة إدخال البيانات الحالية المتوفرة في شكل ورقي، مما يستلزم موارد تقنية وبشرية.
في الوقت نفسه، ينبغي تسهيل عمليات الحصول على البيانات مباشرة في شكل رقمي دون الحاجة إلى إعادة إدخالها. لذلك، تشمل عملية الرقمنة الشاملة أيضًا توفير التجهيزات المادية والبرمجيات اللازمة لتسهيل عمليات إدخال البيانات في ظروف ومواقف مختلفة، مع مراعاة تنوع هذه الظروف، بما في ذلك مستوى المهارات المتاحة للأفراد واختلاف مستوياتهم التعليمية.
وجهت المؤسسات الحكومية المصرية جهود كبيرة في سبيل التحول الرقمي. أغلب المؤسسات الحكومية اليوم تعتمد على حفظ البيانات في صورة رقمية. لكن يُلاحَظ في ذات الوقت استمرار الاعتماد على السبل التقليدية لجمع المعلومات.
لا تزال أغلب المؤسسات الحكومية تتطلب من المتعاملين معها ملئ استمارات ورقية لأغراض الحصول على البيانات منهم، قبل إعادة تفريغ هذه البيانات أو إدخالها إعتمادًا على سبل مميكنة أو على العنصر البشري. في الحالتين، يمثل ذلك إهدارا للموارد المستخدمة مع ارتفاع نسبة احتمال وقوع أخطاء في عمليات إدخال البيانات.
من ثم، هناك حاجة إلى رقمنة عمليات إدخال البيانات بحيث تكون أقرب إلى مصدرها. يمكن تحقيق ذلك من خلال رقمنة عمليات تقديم الطلبات المختلفة ونقلها إلى شبكة الإنترنت. يوفر ذلك كثيرًا من الوقت والجهد، إضافة إلى تيسير جمع البيانات وتقليل إمكانية وقوع أخطاء فيها.
توفير البنية التحتية اللازمة
يعتمد مفهوم البيانات الضخمة على جمع وتخزين ومعالجة قدر هائل من البيانات التي ربما أيضًا تتوزع مصادرها وتسهيلات معالجتها على عدد كبير من المواقع الجغرافية. لذلك، تحتاج البيانات الضخمة لحفظها أو لمعالجتها توافر بينة تحتية تشمل مراكز البيانات المتطورة ذات السعة التخزينية الكبيرة وقدرات المعالجة العالية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تحسين أداء شبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت، باعتبارها أدوات حيوية لربط المواقع الجغرافية المختلفة التي تحتوي على مصادر البيانات بمواقع تخزينها ومعالجتها. تحسين هذه البنية التحتية يعتبر شرطًا أساسيًا للاستفادة الكاملة من البيانات الضخمة.
أعربت الدولة المصرية، من خلال تصريحات متكررة لمسؤوليها منذ عام 2018، عن طموحها في أن تصبح مركزًا إقليميًا، وربما دوليًا، لخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. حتى عام 2020، لم تكن التقييمات العالمية المتخصصة ترى أن قدرات مصر، خاصة فيما يتعلق بعدد ونوعية مراكز البيانات، تؤهلها لتحقيق هذا الطموح. مع ذلك، شهدت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر نموًا ملحوظًا منذ ذلك الحين، كما ستوضح الورقة في قسم لاحق.
التعليم والتدريب
تعتمد البيانات الضخمة على جمع قدر هائل من البيانات من مصادر متنوعة، وغالبًا ما يتطلب الأمر جمع بيانات أشخاص غير متخصصين في تكنولوجيا المعلومات. يتطلب هذا مستوى أساسيًا من الإلمام بالتعامل مع التكنولوجيا الرقمية، وهو ما يتوفر بالفعل لدى ملايين المصريين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة ويتفاعلون مع الإنترنت بشكل يومي.
يتصاعد مدى التخصص، وبالتالي قدر التعليم والتدريب المطلوبين، مع تغير الأدوار المطلوبة في دورة حياة البيانات الضخمة. يتطلب التعامل اليومي مع البيانات في المؤسسات المختلفة توفير تدريب مناسب للموظفين. على مستوى أعلى، هناك حاجة إلى متخصصين ومهندسي بيانات، ما يتطلب وجود أفراد مؤهلين في هذا المجال تحديدًا. لذلك، يُعّد توفير التعليم المتخصص في تكنولوجيا المعلومات وإدارة البيانات والذكاء الاصطناعي ضروريًا لبناء منظومة بيانات ضخمة فعالة وقابلة للنمو لمواكبة التزايد المستمر في الحاجة إليها.
نشر الوعي
يتطلب بناء منظومة كفؤ للبيانات الضخمة توافر جانبين للوعي العام بين المواطنين. الجانب الأول هو الاقتناع بأهمية البيانات الضخمة والأثر الإيجابي الذي يمكنها تحقيقه بما ينعكس على توفر وجودة الخدمات المقدمة إليهم. هذا الجانب من شأنه تشجيع المواطنين على تقديم البيانات الخاصة بهم عند طلبها منهم، وكذلك على الحرص على صحة ودقة هذه البيانات.
على جانب آخر، ثمة حاجة إلى أن يكون المواطنون واعون بالمخاطر المختلفة التي قد تهدد سلامتهم أو مصالحهم في حال أسيء استخدام أية بيانات شخصية خاصة بهم، أو تم اختراق أو تسريب هذه البيانات. لذلك، ينبغي نشر وعي بأهمية الحق في الخصوصية، وبوسائل حمايته، والاحتياطات الواجب اتخاذها عند تقديم أية بيانات شخصية إلى أية جهة.
يوجد حاليًا نقص فادح فيما يتعلق بالوعي بين المواطنين في مصر بماهية البيانات الضخمة والآثار المباشرة وغير المباشرة، والإيجابية والسلبية لها على حياتهم ومصالحهم. لا يقتصر أثر هذا النقص على مدى تمتع المصريين بحقوقهم وحرياتهم ذات الصلة بالبيانات الضخمة وطرق جمعها وتخزينها ومعالجتها، ولكنه يمتد إلى إمكانية الاستفادة الحقيقية من تلك البيانات.
يؤدي نقص الوعي إلى عزوف المواطنين عن الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، أو عدم اهتمامهم بدقة وصحة ما يقدمونه منها، خاصة عند التعامل مع المؤسسات الحكومية. لذا، هناك حاجة إلى دمج الوعي بالحقوق، وعلى رأسها الحق في الخصوصية، مع إبراز الفوائد الناتجة عن جمع بيانات دقيقة.
يتطلب ذلك رفع مستوى ثقة المواطنين في قدرة الجهات الحكومية على حماية بياناتهم وضمان عدم استخدامها بصورة تلحق بهم أي ضرر. يمكن تحقيق ذلك من خلال تبني سياسة واضحة تحد من جمع البيانات وقصرها على الحد الأدنى الضروري لكل غرض يتم جمعها لأجله. كما يجب اتباع سياسة صارمة لتجهيل البيانات عند استخدامها لأغراض التحليل، بحيث لا يمكن ربط البيانات بهوية أصحابها.
التنظيم التشريعي
يتطلب الاستخدام الفعال والآمن لتكنولوجيات البيانات الضخمة وجود أطر قانونية وتنظيمية مناسبة. هذه الأطر يجب أن توفر بيئة محفزة لنمو وتطور استخدام البيانات الضخمة، وفي الوقت نفسه تضمن حماية حقوق الأفراد والمؤسسات من التهديدات والمخاطر المحتملة التي قد تنشأ عن إساءة استخدام آليات تحليل البيانات الضخمة، أو إهمال تأمين هذه البيانات والأنظمة المعلوماتية المستخدمة في معالجتها. هذا الإهمال قد يعرض البيانات للوصول أو الإتاحة غير المصرح بها.
إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية أمر ضروري لتفعيل القانون الذي يعتبر عمليًا موقوفًا عن التنفيذ منذ صدوره. كذلك قد يتطلب تنظيم عمل المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص على البيانات الضخمة تعديل التشريعات القائمة أو إصدار أخرى جديدة لضمان تحقيق الاستفادة المثلى وتجنب المخاطر والتهديدات التي قد يتعرض لها المواطنون ومؤسسات القطاع الخاص أو الدولة ومؤسساتها.
العوامل المساعدة لتطور البيانات الضخمة
التقدم التكنولوجي
شهدت مصر في العقود الأخيرة نموًا كبيرًا في الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإن كان غير متوازن بالقدر الكافي. وعلى الرغم من بعض المشاكل في كفاءة الشبكات، خاصة فيما يتعلق بخدمة الإنترنت، إلا أن هناك انتشارًا واسعًا لاستخدام الإنترنت والهواتف الذكية. يعني هذا أن مصر مهيأة لاستخدام تكنولوجيات البيانات الضخمة على نطاق واسع، ولكن يظل هناك تساؤلات حول استدامة هذا النمو إذا لم يتم معالجة المشاكل التقنية القائمة.
يتيح الاحتكاك اليومي لقطاع كبير من المواطنين مع التكنولوجيات الرقمية حدًا أدنى من الاعتياد لممارسة عمليات أساسية لجمع البيانات. يمكن الاستفادة من هذا الانتشار عن طريق استخدام الواجهات البرمجية، وخاصة عبر الإنترنت، لجمع البيانات من المواطنين المصريين لأغراض متعددة.
يُعد هذا بديلًا أكثر كفاءة وسهولة وتوفيرًا للتكاليف مقارنة بالوسائل التقليدية لجمع البيانات التي تعتمد على المسوح والاستبيانات، سواء من خلال المقابلات الشخصية أو الاتصالات الهاتفية أو تعبئة الاستمارات في مختلف الجهات.
تتيح كذلك الواجهات الإلكترونية بديلًا أكثر مرونة يسمح بتوفيق الاستبيانات حسب الظروف والخصائص المختلفة للمشاركين. كما تسمح بتقديم إيضاحات وافية للمشاركين حول الغرض من الاستبيان وكيف ستُستخدم البيانات وضمانات حمايتها.
توافر المهارات والخبرات
أدى اهتمام الدولة بتعليم وتدريب كوادر للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلى جانب إقبال الطلاب على هذه التخصصات، إلى زيادة عدد المعاهد والكليات المتخصصة في هذا المجال، وبالتالي ارتفاع أعداد الخريجين المؤهلين للعمل في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
يتيح هذا التوفر في الخبرات المحلية للجهات التي تسعى إلى تبني تكنولوجيات البيانات الضخمة إمكانية الاعتماد على الكفاءات اللازمة لتلبية احتياجاتها، سواء من خلال التوظيف المباشر أو الاستعانة بمقدمي الخدمات المتخصصين.
نمو البنية التحتية
شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من مشروعات البنية التحتية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع تركيز واضح على إنشاء مراكز بيانات متطورة. في 28 أبريل الماضي، أطلقت مصر أضخم مركز بيانات وحوسبة سحابية لديها حتى الآن، والذي يقع على طريق العين السخنة.
يهدف هذا المركز، وفقًا لتصريحات المسؤولين المصريين، إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: التحول الرقمي، وبناء القدرات الرقمية، ودعم الابتكار الرقمي. يستغل المركز شبكات الألياف الضوئية وتقنيات الجيل الرابع والخامس لجمع البيانات من مصادرها المختلفة. كما يستخدم المركز منصات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لمعالجتها وتقديم معلومات قيمة قابلة للاستخدام في خدمة احتياجات المؤسسات الحكومية في مصر.
اهتمام الدولة
تُعبِّر الدولة المصرية عن الاهتمام بتطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع تركيز خاص على استغلال إمكانيات البيانات الضخمة وتوفير المتطلبات اللازمة لتمكين الاستفادة منها. وبالإضافة إلى الاهتمام بالبنية التحتية وبرامج التعليم والتدريب، وضعت الدولة استراتيجيات وسياسات ذات صلة قيد التنفيذ بالتعاون مع جهات محلية وأجنبية في القطاع الخاص.
في تصريحات سابقة عام 2018، أكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات آنذاك، ياسر القاضي، سعي مصر لتصبح مركزًا عالميًا للبيانات. أشار الوزير إلى استراتيجية الوزارة القائمة على جذب المزيد من الاستثمارات ومراكز البيانات العالمية. وفي نفس الوقت، أعلن مسؤولون بشركة المصرية للاتصالات عن هدفها في جعل مراكز البيانات تمثل ربع عائداتها السنوية خلال خمس سنوات. في ذلك الحين، امتلكت الشركة أربعة مراكز بيانات وكانت بصدد إنشاء مركزين إضافيين.
ومع ذلك، هناك عدم اتساق في اهتمام الدولة بتنمية بعض مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مقارنةً بمجالات أخرى. على سبيل المثال، لا تزال مصر تحتل مرتبة متدنية في جودة الاتصال بالإنترنت، سواء عبر الخطوط الأرضية أو الهاتف المحمول. كما تشير تجارب المستخدمين إلى أن السرعات الفعلية أقل بكثير من المعلن عنها.
اهتمام الشركاء الأجانب
تُعتبر مصر سوقًا كبيرًا وواعدًا للاستفادة من البيانات الضخمة. تُولي شركات عالمية كبرى مثل IBM وأوراكل وهواوي اهتمامًا خاصًا بهذا السوق. يتجلى هذا الاهتمام في خلق وظائف جديدة في مصر متخصصة في هندسة البيانات.
هذا الاهتمام بالسوق المصري من قبل شركات التكنولوجيا العالمية له وجهان. من ناحية، يفتح ذلك الاهتمام الباب أمام الاستفادة من الخبرات والإمكانيات التكنولوجية الهائلة لهذه الشركات بما يخدم التنمية في مصر. لكن من ناحية أخرى، وفي ظل غياب ضوابط واضحة لحماية البيانات وتنظيم سوقها في مصر، يمكن أن يؤدي هذا الاهتمام إلى ممارسات استغلالية تضر بحقوق المواطنين، وفي مقدمتها الحق في الخصوصية. كما يمكن أن يعيق نمو الكيانات المحلية في القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني التي تعمل في مجال البيانات الضخمة.
التحديات والمخاوف والمحاذير
محدودية الموارد المادية والبشرية
رغم التدفق الكبير للاستثمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر خلال العقود الأخيرة، إلا أن الموارد المتاحة لا تزال غير كافية لتحقيق الاستفادة المثلى من إمكانيات البيانات الضخمة.
يظل تحقيق الاستفادة المثلى هدفًا متطورًا بشكل مستمر حيث تتزايد الموارد المطلوبة لتحقيقه مع مرور الوقت. لذا، يعتبر التحدي المتعلق بمحدودية الموارد تحديًا دائمًا يتطلب تخطيطًا دقيقًا لزيادة هذه الموارد بما يتماشى مع النمو المستمر المتوقع للحاجة إلى الاستفادة من البيانات الضخمة وتوسع نطاق استخدامها.
القصور التشريعي
يشكل تعطل تطبيق قانون حماية البيانات الشخصية المصري، بسبب عدم صدور لائحته التنفيذية، عائقًا كبيرًا أمام تنظيم استخدام البيانات في مصر. يهدد ذلك مصالح المواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة ويخلق بيئة من عدم اليقين وعدم الثقة. هذا بدوره يؤدي إلى احجام الاستثمارات عن الدخول إلى سوق البيانات المصري برغم جاذبيته.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني القانون من نقص في الأحكام التي تنظم جوانب مختلفة من اقتصاد البيانات الضخمة، خاصة تلك المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتجاوز قدرات معالجة البيانات التقليدية. تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف في تحليل البيانات الضخمة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بإمكانياتها وقدراتها التحليلية، وبالتالي يصعب توقع إمكانية إساءة استخدامها لأغراض إجرامية. يثير ذلك مخاوف جدية بشأن تأثيرها على حقوق الأفراد وأمن وسلامة المؤسسات العامة والخاصة.
تتفاقم هذه التحديات بسبب الطبيعة المتطورة والمتغيرة باستمرار لتقنيات البيانات الضخمة، مما يجعل من الصعب على المقاربات التشريعية التقليدية مواكبة هذا التطور. لذا، يتطلب الأمر وضع أطر قانونية مرنة تتضمن آليات ترخيص ورقابة ومتابعة لعمليات تحليل البيانات الضخمة، مع وضع ضوابط عامة تسمح بكشف الاستخدامات الضارة المحتملة للبيانات. كما يجب أن تخضع هذه التشريعات لمراجعة وتحديث دوريين لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال.
مخاوف وتهديدات ذات صلة بحقوق الإنسان
يؤدي جمع وتخزين ومعالجة البيانات الضخمة إلى مخاوف مشروعة بشأن تهديد حقوق وحريات المواطنين الأساسية، وعلى رأسها الحق في الخصوصية. لحماية المواطنين وحقوقهم، يتطلب الأمر تعزيز الإطار التشريعي والقانوني، وتطبيق سياسات رقابة ومحاسبة ومراجعة دورية لأنشطة الجهات المعنية بالبيانات. بالإضافة إلى ذلك، يجب تأهيل وتدريب الكوادر العاملة في هذا القطاع، وإرساء ثقافة احترام الحقوق فيهم، وضمان سعيهم الدائم لتطبيق أفضل الممارسات في مجال عملهم.
على جانب آخر، يجب نشر الوعي بين المواطنين حول المخاطر والتهديدات المحتملة لاختراق خصوصيتهم، وحقوقهم المتعلقة ببياناتهم الشخصية التي يقدمونها طواعية أو يتم جمعها بشكل غير مباشر. يشمل ذلك حقهم في المعرفة المسبقة والموافقة الصريحة على جمع بياناتهم، ومعرفة الغرض من جمعها، وحقهم في تصحيح وتعديل ومحو هذه البيانات وفقًا للقوانين المنظمة.
تمتع المواطنين بهذا الوعي لا يحمي حقوقهم فحسب، بل يساهم أيضًا في خلق بيئة مواتية لنمو الاستفادة من البيانات الضخمة مع توفير الحماية اللازمة لأمن المؤسسات العامة والخاصة. فطبيعة آليات تحليل البيانات الضخمة تجعل إساءة استخدام البيانات الشخصية والخاصة بالمواطنين تهديدًا مباشرًا للمؤسسات بل وللأمن القومي نفسه. تطور تكنولوجيا البيانات الضخمة والتكنولوجيات الرقمية الأخرى يخلق علاقة وثيقة بين حماية حقوق الأفراد وحماية أمن المؤسسات والدول.
المخاوف والتهديدات الأمنية
البيانات الضخمة هي مجال حديث لم يتم استكشاف جميع إمكاناته الحالية بعد، ولا يمكن التنبؤ بإمكانياته المستقبلية، خاصة مع التطور المستمر لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تقدم أدوات وأساليب جديدة لمعالجة وتحليل البيانات. هناك بالفعل مؤشرات ووقائع سابقة تظهر إمكانية إساءة استخدام البيانات الضخمة بطرق متنوعة، بعضها يشكل تهديدات أمنية للأفراد والمؤسسات، وحتى للأمن القومي للدول.
الأمر المقلق هو أنه يكاد يكون من المستحيل التنبؤ مسبقًا بالمعلومات التي يمكن لأدوات تحليل البيانات الضخمة استخلاصها من حزم بيانات معينة. إمكانيات هذه الأدوات التحليلية تكاد تكون غير محدودة، خاصة في ربط المعلومات المتاحة من خلال تحليل حزم بيانات متعددة ومن مصادر مختلفة.
بعض الجهات التي تتحكم في البيانات، مثل شركات توفير خدمات نقل الركاب عبر تطبيقات الهواتف المحمولة، والعديد من الشركات المنتجة لتطبيقات الهواتف وأنظمة تشغيلها، تمتلك إمكانية الوصول إلى أنواع من البيانات قد لا تبدو حساسة للوهلة الأولى، خاصة إذا التزمت هذه الجهات بتجهيلها. ومع ذلك، يمكن من خلال تحليل هذه البيانات ودمج المعلومات المستقاة منها مع بيانات أخرى، اختراق خصوصية المستخدمين وكشف هوياتهم. كما يمكن أيضًا الحصول على معلومات استخباراتية من خلال جمع وتحليل معلومات تستهدف نطاقات محددة من حزم البيانات.
لا تغطي القوانين الحالية في مصر، بما في ذلك قانون حماية البيانات الشخصية، هذا النوع من التهديدات بشكل كامل. لذا، يتطلب التعامل مع هذه التهديدات إما تطوير التشريعات القائمة أو سن تشريعات جديدة تنظم عمليات إتاحة البيانات لأطراف ثالثة، وعمليات معالجة وتحليل البيانات الضخمة بشكل خاص.
احتمالات الاحتكار وعواقبها
ثمة عدة صور لاحتكار البيانات نفسها أو لاحتكار أدوات معالجتها وتحليلها، وبالتالي توليد المعلومات يمكن استغلالها لأهداف مختلفة. تتمتع شركات التكنولوجيا الكبرى بميزات تنافسية هائلة تتيح لها تحقيق احتكار غير عادل لأسواق البيانات، والسوق المصري عرضة لممارسات احتكارية قد تعيق نمو القطاع محليًا، وقد تؤدي إلى ارتهان مصالح محلية هامة لإرادة خارجية.
النموذج الأبرز هو شركات مثل ميتا المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي والمحادثة فيسبوك، وإنستاجرام، وواتساب. تتمتع ميتا باستخدام مليارات الأفراد لخدماتها، وبالتالي بجمع قدر لا يمكن منافسته من البيانات، التي تتيح إمكانية استغلال طرف ثالث لها في مقابل مادي. احتكار ميتا لهذا القدر من البيانات قد يجعل الاستفادة منها أعلى كلفة مما هو متاح من موارد مالية للجهة الراغبة في استخدامها. وهو ما قد يعرقل استخدامات كثيرة للبيانات الضخمة بعضها قد يكون مهمًا وبعضها قد يكون ضروريًا.
على جانب آخر، تتمتع المؤسسات الحكومية باحتكار مشابه للبيانات التي يتاح لها وحدها جمعها من خلال أداء وظائفها اليومية. وفي حين أن الدولة نفسها هي المستفيد الرئيسي من استخدام هذه البيانات، إلا أنها ليست المستفيد الوحيد الممكن منها. الباحثون والأكاديميون الأفراد والمؤسسات البحثية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني في كافة المجالات وكذلك مؤسسات القطاع الخاص يمكن أن تحقق استفادة كبيرة من تحليل البيانات الحكومية.
في ظل غياب قانون لحرية المعلومات، برغم أن إصداره هو استحقاق دستوري بنص دستور 2014، ليس ثمة ما يلزم المؤسسات الحكومية المصرية بإتاحة بياناتها وينظم هذه الإتاحة. يجعل ذلك ما يتاح من هذه البيانات رهنًا بإرادة المؤسسات الحكومية نفسها، والتي عادة لا تميل إلى إتاحتها وتحديدًا في صورتها الخام، وتحتفظ لنفسها بحق إتاحة معلومات تجميعية إحصائية أو غير ذلك لأغراض معظمها دعائي.
هناك وجه آخر لإشكالية احتكار البيانات، وهو إمكانية أن تقوم الجهة المتحكمة في البيانات بإتاحتها لجهات خارجية بعد معالجتها أو تصفيتها أو التلاعب بها بشكل يجعل المعلومات المستخلصة منها غير مفيدة أو مضللة. في هذه الحالة، لا يمكن لأي طرف آخر التحقق من وجود أي تلاعب بالبيانات، حيث أنها لا توجد إلا في حوزة الجهة المتحكمة فيها، ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الصلاحيات التي تمنحها هذه الجهة. الحل الوحيد هو وجود قوانين تلزم المتحكم في البيانات بإتاحتها للفحص عند الشك في وجود تلاعب، ولكن حتى في هذه الحالة، يظل إمكان التيقن محدودًا.
خاتمة
البيانات الضخمة هي ملمح رئيسي للعصر الرقمي الذي تمثل البيانات ركيزته الأساسية. لم تعد البيانات مجرد أداة مساعدة في تطوير استراتيجيات وسياسات العمل للمؤسسات الحكومية والخاصة، بل أصبحت تشكل العمود الفقري للعمل المؤسسي بشكل متزايد. وبالتالي، فتوفير متطلبات الاستفادة من البيانات الضخمة هي ضرورة حياة وليس مجرد ميزة إضافية تسعى المجتمعات إلى الحصول عليها.
استعرضت هذه الورقة بشكل مختصر إمكانيات الاستفادة من البيانات الضخمة في السياق المصري، سواء في القطاعات الخدمية الحكومية أو في القطاع الخاص. كما ناقشت الورقة أهم المتطلبات اللازم توافرها لتمكين الاستفادة من البيانات الضخمة.
بالإضافة إلى ذلك، عرضت الورقة أهم العوامل التي من شأنها دعم الاستفادة من البيانات الضخمة في السياق المصري. وأخيرًا، تناولت التحديات والمحاذير والتهديدات التي قد تنشأ عن إساءة استخدام البيانات الضخمة أو الإهمال في توفير الاحتياطات اللازمة لحماية الأفراد والمؤسسات والدولة نفسها من أخطار الاستغلال الإجرامي للبيانات الضخمة.