سد الفجوة الجندرية في التعليم باستخدام التكنولوجيات الرقمية

مقدمة

واحدة من أكثر صور التمييز ضد النساء والفتيات تأثيرًا في حياتهن هي حرمانهن من فرص عادلة للتعليم. عدم الوصول إلى الحد الأدنى من التعليم له أثر بالغ في ألا يتشكل لدى الفتيات والنساء الوعي الكافي الذي يسمح بأن تسعين لحياة أفضل. يجعلهن هذا أكثر عرضة لصور التمييز الأخرى ضدهن وفي مقدمتها العنف بصوره المعنوية والبدنية.

الافتقاد إلى إمكانية الوصول إلى الموارد التي تساعد على تشكيل وعي أفضل بالعالم يفضي أيضًا إلى ترسيخ الشعور بالدونية مقارنة بالرجال. يؤدي هذا إلى تبني النساء الصور النمطية الجندرية التي ترسخ لتفوق الرجل على المرأة ويجعلهن بالتالي غير قادرات على تبين إمكانياتهن الحقيقية. الافتقار إلى فرص التعليم فيما بعد المرحلة الأساسية (الابتدائية والإعدادية في مصر مثلًا) يحرم النساء من فرص العمل والاستقلال المادي فتترسخ سيطرة الرجال المحيطين بهن على مصائرهن.

على الرغم من أن الإحصائيات تظهر أن قدرًا كبيرًا من التقدم قد أحرز في شمول الخدمات التعليمية حول العالم للفتيات والنساء فلا تزال الفجوة الجندرية في التعليم واسعة. حسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو UNESCO)، تقلصت الفجوة الجندرية في الالتحاق بالتعليم الابتدائي إلى النصف منذ عام 1995، كما أن ثمة بعض التقدم في التزام الدول بحق الفتيات في التعليم.

مع ذلك، فلا تزال ثمة فجوات وتحديات لضمان المساواة في إمكانية الوصول إلى تعليم ذو جودة مقبولة لكل الفتيات والنساء. عالميًا، لا تزال 130 مليون فتاة بين سن السادسة والسابعة عشرة من العمر خارج التعليم النظامي. وفي الدول منخفضة الدخل تتم واحدة من بين كل ثلاث فتيات تعليمها الثانوي.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم رؤية إلى ما يمكن للتكنولوجيات الرقمية أن تقدمه في عبور الفجوة الجندرية في التعليم. تناقش الورقة المشاكل التي تعوق نجاح الوسائل التقليدية في المساعدة على عبور الفجوة الجندرية في التعليم. ثم تنتقل الورقة إلى السبل التي من خلالها يمكن للتكنولوجيات الرقمية أن تساعد في تمكين الفتيات والنساء من الحصول على حقهن في التعليم. كما تتعرض الورقة لأمثلة نموذجية لمشروعات دولية ومحلية ولمنظمات مختلفة تستثمر إمكانيات التكنولوجيات الرقمية في مجال العمل على تحقيق الشمول التعليمي للفتيات وتحقيق المساواة في الوصول إلى فرص التعليم وخاصة في الدول النامية ومنخفضة الدخل.

الفجوة الجندرية في التعليم

 يبرز تقرير اليونسكو أنه في إفريقيا جنوب الصحراء لا يزال ثمة 123 فتاة محرومة من حقها في التعليم في مقابل كل 100 ولد خارج التعليم. وبينما تمثل البرامج التعليمية الفنية والمهنية حوالي 22% من التعليم ما بعد الثانوي عالميًا، فإن نصيب الفتيات في الالتحاق بهذه البرامج يبلغ 43% حول العالم، ويتراوح ما بين 32% في وسط وجنوب آسيا إلى 50% في أمريكا اللاتينية. كما تمثل الفتيات نسبة 25% فقط من الملتحقين بالبرامج التعليمية الجامعية في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، وهي المجالات التي تتزايد أهميتها بمعدل كبير في عالمنا اليوم.

تحقيق الشمولية التعليمية التي يمكن أن تعبر الفجوة الجندرية في التعليم أمر بالغ الصعوبة مع الاعتماد على الوسائل التقليدية. هذا ما يفسر أن عقودًا من الجهود الدولية والمحلية في العديد من الدول لعبور هذه الفجوة لم تنجح حتى اليوم في تحقيق الهدف منها. تتطلب الوسائل التقليدية توافر الكثير من الموارد. وبالنسبة للدول النامية، حيث تكون مثل هذه الموارد محدودة للغاية، فإن كفاءة استغلال القليل المتاح منها يوجه سياسات هذه الدول إلى انتهاج استراتيجيات تظلم بالضرورة الفئات الأقل حظًا وفي مقدمتها النساء. 

توجه الموارد إلى المناطق الأكثر كثافة سكانيًا وهي المدن الكبرى. يرسخ هذا حرمان النساء في الريف والمناطق النائية من التعليم، إضافة إلى العوامل الثقافية التي يكون لها وزن أكبر عادة في مثل هذه المناطق. كذلك توجه الموارد إلى التعليم المهني (المقصود الإعداد لممارسة مهن يتطلبها سوق العمل) فتتجه إلى تعليم الأولاد بنسبة أكبر نتيجة لأن أسواق العمل تنحاز إلى توظيف الرجال بصورة واضحة.

تعد التكنولوجيات الرقمية بأن تقدم بديًلا للوسائل التقليدية في عبور الفجوة الجندرية في التعليم، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على توافر القدر الكبير المطلوب من الموارد في نطاق جغرافي بعينه. الطبيعة العابرة للعوائق الجغرافية لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات تجعل بالإمكان أن تصل الوسائل والأدوات التي تستخدم هذه التكنولوجيات إلى حيث لا يمكن للوسائل التقليدية أن تصل دون تكلفة باهظة. أظهرت السنوات الماضية الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه هذه التكنولوجيات في المساعدة على عبور الفجوة الجندرية في التعليم.

في سياق هذه الورقة يُستخدم مصطلح التكنولوجيات الرقمية Digital Technologies للإشارة إلى طيف واسع من التكنولوجيات التي لا تقتصر على تلك المتعلقة بشبكة الإنترنت تحديًدا. يشمل ذلك الحواسيب بأنواعها ولكنه يمتد أيضًا إلى أجهزة ومعدات إلكترونية مختلفة يمكن استخدامها كوسائل وأدوات مساعدة في عمليات التعليم.

لا ينفي هذا أن الغالبية العظمى من التكنولوجيات التي ستناقشها الورقة تتعلق بما تتيحه شبكة الإنترنت والأجهزة القادرة على الاتصال بها من إمكانيات. لكن السعي إلى التغلب على العوائق التي تحول دون حصول النساء والفتيات على فرص عادلة في التعليم يستدعي تجاوز عائق عدم إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت في أكثر بقاع العالم عزلة وافتقارًا إلى الموارد حيث تعيش نسبة كبيرة من النساء والفتيات.

مشاكل الوسائل التقليدية

لفهم مزايا استخدام التكنولوجيات الرقمية للعمل على عبور الفجوة التعليمية الجندرية ينبغي أولًا مناقشة المشاكل التي تحد من قدرة السبل التقليدية لتوفير الخدمات التعليمية على التعامل مع هذه الفجوة. تتداخل هذه المشاكل فيما بينها وتتقاطع مع بعضها البعض. في المناقشة التالية يتم تصنيفها تحت ثلاثة عناوين رئيسية للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الوضوح.

إمكانية الوصول

تتطلب السبل التقليدية جميعها إمكانية الوصول المادي المباشر، سواء الخدمة إلى المنتفعين بها أو للمنتفعين بالخدمة إلى مكان تقديمها؛ مثل الحضور اليومي في المدرسة والمشاركة في الأنشطة التعليمية المختلفة. يعني ذلك في الحالة الأولى أن وصول الخدمة إلى المنتفعين بها يحتاج إلى بناء العدد الكافي من المدارس مع توفير التجهيزات المختلفة لهذه المدارس. يشمل ذلك الموارد البشرية من المعلمين والإداريين والعمال في وظائف مختلفة، بالإضافة إلى التكلفة الدورية لتشغيل هذه المدارس. 

يؤدي ذلك إلى أن تميل الجهات التنفيذية في الدول النامية إلى تغطية المناطق ذات الكثافة السكانية العالية بالخدمات التعليمية كأولوية، حيث يحقق ذلك أكبر عائد ممكن متمثلًا في عدد الطلبة المنتفعين بالخدمة في مقابل التكلفة. يترتب على ذلك سوء توزيع الخدمات التعليمية. فتخدم المنشآت التعليمية في المناطق الأقل كثافة (الريف والمناطق النائية عادة) مساحات واسعة. يعني ذلك أن تقع المنشآت التعليمية على مبعدة من حيث يقطن كثير من المستهدفين بخدماتها.

تتخطى الأعباء المشار إليها سابقًا في أحيان كثيرة الموارد المحدودة لكثير من الدول النامية. فتزداد كل من تكلفة الإنشاء والتشغيل مقارنة بالعائد منها في حالة الحاجة إلى إيصال الخدمة إلى المناطق الريفية والنائية. إضافة إلى ذلك، تضيف العادات والتقاليد الثقافية السائدة مزيدًا من الأعباء عندما يتعلق الأمر بتوفير الخدمة التعليمية للفتيات. في كثير من الأحيان يكون من الضروري أن تُقدم هذه الخدمة بشكل مستقل عن تلك المقدمة إلى الأولاد لتطلب التقاليد الفصل بين الجنسين.

على جانب وصول المنتفعات بالخدمة إليها، يتطلب الأمر خروج الفتيات من بيوتهن يوميًا للوصول إلى المدرسة واختلاطهن بالذكور في الطريق ووسائل المواصلات وفي المنشأة التعليمية نفسها. في ظل التقاليد السائدة في عديد من المجتمعات التقليدية المحافظة يشكل ذلك مشكلة تثني الكثير من الأسر عن إرسال بناتها إلى المدارس، خاصة إذا كانت بعيدة عن مقر معيشتهن.

التكلفة

يمثل تدريب المعلمين عبئًا ماديًا أكبر من أن تتحمله الدول الأقل دخلًا، خاصة إن أرادت توفير العدد المطلوب لتقديم خدمة تعليمية تشمل جميع من يحتاجون إليها. مرة أخرى، تضيف التقاليد والأعراف الاجتماعية والثقافية السائدة في بعض المجتمعات إلى هذه الأعباء. تفرض بعض التقاليد وجود منشآت مستقلة لتدريب المعلمات لتحافظ على الفصل بين الجنسين في مراحل التعليم العليا. 

على جانب آخر، مع انخفاض نسبة الدارسات في الكليات والمعاهد المتخصصة يصعب توفير العدد الكافي من المعلمات في هذه التخصصات لتغطية احتياج المدارس الثانوية. ويشكل توفير التدريب أثناء أداء العمل للمعلمين أيضًا عبئا ماليا نظرا لارتفاع تكلفته. كما تقل نسبة المعلمات اللاتي قد يتلقين مثل هذا التدريب نتيجة للأعباء الاجتماعية الملقاة على عواتقهن في المجتمعات التقليدية. فقد ترفض عائلتهن تلقيهن لهذا التدريب، خاصة ما إذا تطلب السفر سواء إلى منطقة أخرى داخل الدولة أو خارجها. ويتطلب التغلب على هذه العقبات تكلفة إضافية لضمان ظروف مقبولة اجتماعيًا لتلقي المعلمات للتدريب.

تحتاج أيضًا المنشآت التعليمية إلى توفير خدمات دعم نفسي للفتيات بجانب الخدمات التعليمية،  نظرًا لارتفاع معدلات العنف ضد الفتيات والنساء في مختلف المجتمعات. يؤدي ارتفاع تكلفة مثل هذه الخدمات إما إلى محدوديتها أو غيابها بشكل تام، وفي أحيان كثيرة إلى عدم وضعها في الاعتبار من الأساس.

على جانب التكاليف التي تتحملها الأسر لمواصلة بناتهن لتعليمهن، ففي المجتمعات الأكثر فقرًا تتخطى هذه التكاليف الإمكانيات المالية المحدودة لأغلب الأسر، خاصة في المناطق الريفية والنائية. ترتفع في تلك المناطق تكاليف إرسال الفتيات إلى المدارس نظرًا للبعد الجغرافي للمدارس، مما يرفع من تكلفة المواصلات اليومية. وفي حالات أخرى، توجد حاجة إلى دفع نفقات الإقامة في بيوت الطالبات أو تسهيلات إقامة أخرى إذا اضطرت الفتاة إلى السفر إلى مدينة ما لمواصلة تعليمها ما بعد الثانوي.

افتقاد المرونة

تفتقد الوسائل التقليدية لتقديم الخدمات التعليمية إلى المرونة بصفة عامة. تعتمد تلك الوسائل على منشآت في أماكن ثابتة وعلى سياسات تمويل تستدعي توجيه الموارد إلى توفير الخدمة في أكثر صورها عمومية بحيث تتناسب مع الحد الأدنى المشترك لاحتياجات متلقي الخدمة.

على صعيد أخر، وبشكل غير معلن، ولكنه حقيقي، تصمم هذه الخدمات ويخطط لها على أساس أن المستهدف منها هو الذكور بصفة أساسية، أو ربما حصرًا. يحدث ذلك دون تعمد ونتيجة للثقافة السائدة والمتوارثة. وفي ظل هذا الحال يتم إغفال الاحتياجات المختلفة للفتيات بصفة عامة.

تتجاهل وسائل تقديم الخدمات التعليمية التقليدية أيضًا الظروف الخاصة للفتيات في المجتمعات الريفية والمحافظة، أو تعجز عن التعامل معها. لا تملك هذه الوسائل أي قدر من المرونة يسمح بتقديم الخدمات التعليمية بشكل يخترق العزلة الاجتماعية المفروضة على الفتيات والنساء في بعض المجتمعات. لا تأخذ هذه الوسائل في الاعتبار التعامل مع الأعباء التي تضطر بعض الفتيات إلى تحملها، مثل المساعدة في أعمال المنزل، مما يجعل الوقت المتاح لهن لتلقي الدروس محدودًا. لا يمكن لهؤلاء الفتيات متابعة دروسهن بالمعدل الذي تفترضه مناهج معدة لمتعلمين متفرغين للتعلم وحده.

كيف تتخطى التكنولوجيات الرقمية مشاكل الوسائل التقليدية

تختلف التكنولوجيات الرقمية بشكل جذري من حيث طبيعتها عن الوسائل التقليدية لتقديم الخدمات التعليمية. ففي حين تفشل الأخيرة في التعامل بكفاءة مع الفجوة الجندرية في التعليم، يمكن للتكنولوجيات الرقمية أن تحقق نجاحًا وتقدمًا ملحوظا في المساعدة على عبور هذه الفجوة. تناقش الورقة في القسم التالي عددًا من الجوانب المبتكرة التي يتيحها استخدام التكنولوجيات الرقمية في توفير الخدمة التعليمية.

إمكانية الوصول

ثمة سبل عديدة لتوفير الخدمات التعليمية باستخدام التكنولوجيات الرقمية. بعض هذه السبل قد لا تتطلب أكثر من إنشاء موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت يمكن لأي شخص متصل بالشبكة أن يصل إليه. في أغلب الأحيان لا توجد حاجة إلى توفير الاتصال بشبكة الإنترنت لمتلقي الخدمة التعليمية حيث إن معظمهم متصل بها بالفعل. وفي حين قد يكون الوضع المثالي هو أن يتصل متلقي الخدمة التعليمية بالإنترنت بواسطة حاسوب مكتبي أو نقال، إلا أن تحقيق ذلك من خلال هاتف ذكي يظل كافيًا لمعظم الأغراض.

في ظل تخطي تكنولوجيات الاتصالات في وقتنا الحالي لكافة العوائق الجغرافية فليس ثمة مكان لا يمكن للخدمات المعتمدة على هذه التكنولوجيات أن تصل إليه، على الأقل نظريًا. في الحالات التي تحول فيها ظروف توفير البنية التحتية الضرورية للاتصال بالشبكة دون توفر هذا الاتصال بالجودة والاستدامة المطلوبين أو حتى دون وجوده من الأساس تظل ثمة بدائل توفرها التكنولوجيات الرقمية لتوصيل الخدمات التعليمية إلى من يحتجنها من الفتيات والنساء. ففي حال كانت متلقيات الخدمة يمكنهن الوصول إلى اي حاسوب من أي نوع يمكن أن تصل الخدمات التعليمية إليهن في صورة رقمية على وسائل تخزين سهلة الحمل والشحن إلى أي مكان بالعالم. في حالة عدم توافر إمكانية الوصول إلى أي حاسوب يظل بالإمكان تزويد متلقيات الخدمة التعليمية بحواسيب لوحية منخفضة التكلفة مع تحميل المواد الدراسية عليها بشكل مسبق.

لا يمكن للتكنولوجيات الرقمية تخطي العوائق الجغرافية فقط للوصول إلى الفتيات والنساء في أي مكان بالعالم، ولكن يمكنها أيضًا أن تتخطى العوائق الاجتماعية والثقافية. يمكن للتكنولوجيات الرقمية توصيل الخدمات التعليمية إلى أي فتاة أو امرأة داخل منزلها. 

التكلفة

في حدها الأدنى قد تنحصر تكلفة تقديم خدمة تعليمية من خلال التكنولوجيات الرقمية في تكلفة إنشاء موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت وتحميل المواد الدراسية التي قد تكون متاحة مجانًا عليه. هذه التكلفة بالتأكيد لا يمكن مقارنتها بتكاليف إنشاء مدرسة تقليدية في أي مكان بالعالم. وفي المقابل فإن مردودها قد يبلغ أضعاف مردود إنشاء مدرسة. فالموقع الإلكتروني يمكن نظريًا أن يقدم خدماته لعدد غير محدود من الفتيات والنساء في كل مكان بالعالم. 

الإمكانية غير المحدودة لأن تصل الخدمة التعليمية التي تقدمها منصة واحدة إلى ربما الملايين حول العالم تعني أن كل استثمار للموارد المختلفة في مثل هذه المنصة يظل كفؤا من حيث التكلفة، لأن أية تكلفة ستتضاءل مقارنة بالمردود. كما أن توفير الموارد لمنصة تعليمية رقمية تعمل من خلال شبكة الإنترنت تظل تكلفته أيضًا محدودة مقارنة بالسبل التقليدية.

ذلك نظرًا لأن تلك الموارد لا تحتاج إلى أن تزداد من حيث حجمها بنسبة مطردة مع ازدياد أعداد المنتفعات بالخدمة. على سبيل المثال، إضافة مساق Course تعليمي قد لا يتطلب إلا الاستعانة بخدمات معلم واحد لتسجيل المحتوى التعليمي الخاص بهذا المساق مرة واحدة. بعد ذلك يمكن استخدام هذه المادة لتقديم هذا المساق التعليمي لعدد غير محدود من المتعلمات ولمدة زمنية غير محدودة.

ليس ثمة ما يحصر إمكانيات استخدام التكنولوجيات الرقمية في الحلول منخفضة التكلفة. فإمكانية وصولها إلى أعداد كبيرة يجعلها ذات جاذبية عالية للجهات المعنية بتخطي الفجوة الجندرية في التعليم. يمكن أن تقدم هذه الجهات تمويلًا مناسبًا يسمح بتغطية تكاليف توفير مزيد من الخدمات، ورفع مستوى جودة المحتوى التعليمي، وإتاحة الموارد التقنية اللازمة للتوسع في تقديم الخدمات دون مشاكل.

المرونة

يتيح استخدام التكنولوجيات الرقمية مرونة عالية للخدمات التعليمية التي تستهدف الفتيات والنساء بمختلف مواقعهن الجغرافية، وظروفهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فيمكن لهذه الخدمات أن توفق كل من المحتوى التعليمي الذي تقدمه والمعدل الذي تقدمه به، وكذلك توقيتات إتاحته والصورة التي يتاح بها حسب عدد لا نهائي من المتغيرات. تناسب تلك المرونة في تقديم المحتوى مختلف الاحتياجات والظروف المتنوعة للنساء والفتيات. بعبارة أخرى تتيح التكنولوجيات الرقمية إمكانية تخصيص غير محدودة للمحتوى والأدوات التي تعتمد عليها.

يمكن للفتيات والنساء اللاتي يستخدمن إحدى الخدمات التعليمية المقدمة عبر التكنولوجيات الرقمية أن يصلن إلى المحتوى الدراسي في أي وقت وبأي معدل يناسب ظروفهن. من ثم، لا تعود محدودية الوقت المتاح للدراسة أو للطريقة التي يتوزع بها عبر ساعات اليوم عائقًا يحول دون مواصلة الفتيات والنساء تعليمهن.

تمتد المرونة التي تتيحها التكنولوجيات الرقمية إلى المحتوى التعليمي المعتمد عليها. تسمح تلك المرونة بتنوع هذا المحتوى ليتوافق مع العديد من النواحي التي تختلف فيها ظروف الفتيات والنساء عن بعضهن البعض. على سبيل المثال، يمكن تقديم نفس المحتوى الدراسي بعدة لغات مختلفة.

جودة الخدمة

يفتح استخدام التكنولوجيات الرقمية لتقديم الخدمات التعليمية مجالًا واسعًا للعمل على أن تكون هذه الخدمات على أعلى مستوى ممكن من الجودة. فليس ثمة على سبيل المثال عائق جغرافي للوصول إلى العناصر البشرية الأعلى تدريبًا والأفضل من حيث المعرفة والمهارة. ينطبق الأمر نفسه على الوصول إلى المناهج الدراسية الأفضل وعلى توفير المواد المساعدة مثل الكتب وغيرها. 

تضيف التكنولوجيات الرقمية إمكانيات عديدة لرفع مستوى الخدمة التعليمية لتتخطى ما يمكن أن تحققه الوسائل التقليدية حتى في ظل ظروف مثالية. فهذه التكنولوجيات تتيح تقديم المحتوى التعليمي في صور مبتكرة، منها تعددية الوسائط، أي الاعتماد على الوسائل البصرية والصوتية والفيديو، وكذلك الوسائل التفاعلية ومنها الألعاب وغيرها.

التواصل، التشبيك، الرعاية، والدعم المتبادل

توفر الخدمات التعليمية المعتمدة على التكنولوجيات الرقمية إمكانية التواصل بين الفتيات والنساء متلقيات هذه الخدمات وغيرهن متخطية في ذلك الحدود الجغرافية والاجتماعية والثقافية. يسمح ذلك لهذه الخدمات بأن تدعم مواصلة الفتيات والنساء لتعليمهن من خلال إضافة بعد إنساني واجتماعي إلى العملية التعليمية. فيمكن للفتيات والنساء أن يتبادلن المعلومات والخبرات. ويمكنهن أيضًا أن يشتركن في مشروعات تعليمية جماعية، وفي تشكيل شبكات دعم متبادل.

تسمح إمكانيات التواصل من خلال التكنولوجيات الرقمية للفتيات والنساء حول العالم بأن يتعرفن على نماذج لنساء ناجحات يصلحن كمثل وقدوة لهن. التواصل المباشر مع مثل هؤلاء النساء يمكن أن يكون ملهمًا لعديد من الفتيات حتى يواصلن تعليمهن ويضعن لأنفسهن أهدافًا في حياتهن المهنية تتخطى الأفق المحدود الذي قد تفرضه عليهن ظروفهن الاجتماعية في بيئاتهن المباشرة. كما يتيح هذا التواصل إمكانية تقديم برامج رعاية تتطوع فيه نساء ناجحات لرعاية فتيات فيقدمن لهن الدعم المعنوى والتعليمي وربما المادي وفرص المنح الدراسية والتدريب العملي أيضًا.

أمثلة لمشروعات ومنظمات تعتمد على التكنولوجيات الرقمية

ثمة العديد من المشروعات التي تستغل ما تتيحه التكنولوجيات الرقمية من إمكانيات للمساعدة في عبور الفجوة التعليمية الجندرية وتقديم خدمات تعليمية للفتيات في الدول النامية. فيما يلي بعض الأمثلة على هذه المشروعات، مع ملاحظة أن بعضها ليس موجهًا للفتيات بصفة خاصة. لكن نظرًا لأن المشروعات المعتمدة على التكنولوجيات الرقمية يمكن أن تصل إلى عدد أكبر من الفتيات والنساء فهي تساعد بذلك على عبور الفجوة التعليمية بين الإناث والذكور.

  • مشروع آي-ملانجو iMlango: يعمل هذا المشروع في كينيا. يجمع المشروع ما بين التعليم باستخدام الحواسيب اللوحية والتوجيه التفاعلي من خلال الإذاعة، وتدريب المعلمين لتحسين مهارات القراءة والحساب بين تلاميذ المدارس الابتدائية مع تركيز خاص على الفتيات. يقدم المشروع أيضًا المساعدة للفتيات حتى يواصلن تعليمهن فيما بعد المرحلة الابتدائية.
  • تارا-أكشار+ TARA Akshar: يعمل هذه المشروع في الهند. يقدم المشروع تدريبًا لمهارات أساسيات القراءة والحساب للنساء في المناطق الريفية باستخدام الحواسيب اللوحية وتطبيقات الهواتف الذكية. يتضمن التطبيق دروسًا تفاعلية واختبارات قصيرة وألعاب. كما يسمح التطبيق للنساء بالتعلم وفق معدل التقدم الملائم لهن ووفق الجداول الزمنية التي تناسب ظروفهن.
  • إي-ليمو eLimu: يعمل هذا المشروع في كينيا. يستخدم المشروع الحواسيب اللوحية والمحتوى التفاعلي لتحسين الناتج التعليمي بين تلاميذ المدارس الابتدائية. المحتوى المقدم يشمل الألعاب والفيديوهات والاختبارات القصيرة وهو مصمم ليكون جذابًا وتفاعليًا مع التركيز على جعل التعلم ممتعًا وسهلًا لكل التلاميذ.
  • ديجيتال-ستادي-هول Digital StudyHall: يعمل هذا المشروع في الهند. يقدم المشروع محتوى رقمي وتدريبًا للمعلمين لتحسين ناتج التعليم في المناطق الريفية. يتم تقديم المحتوى من خلال أجهزة محمولة منخفضة التكلفة مثل البروجيكتور ووسائل تخزين البيانات الصغيرة USB drives. المشروع مُصَمم ليكون بالإمكان الوصول إليه حتى في المناطق التي بها اتصال محدود بشبكة الإنترنت أو غير متصلة بها على الإطلاق.
  • كامفد Camfed: كامفد هي منظمة دولية غير هادفة للربح وتعمل على تحسين التعليم وتمكين الفتيات في المجتمعات الريفية في إفريقيا. تستخدم المنظمة مقاربة شاملة تتضمن تقديم منحًا دراسية وتدريبًا للمعلمين ورعاية، إضافة إلى استثمار التكنولوجيا الرقمية للتمكين من الوصول إلى المعلومات والموارد.
  • وورلد-ريدر Worldreader: وورلد-ريدر هي منظمة غير هادفة للربح تمكن من الوصول إلى كتب رقمية وموارد تعلم لأساسيات القراءة للأطفال والأسر في المجتمعات منخفضة الدخل حول العالم. تدخل المنظمة في شراكات مع المنظمات المحلية والحكومات لتوزيع قارئات إليكترونية وحواسيب لوحية محمل عليها مسبقًا كتب ومحتوى تعليمي.
  • شي-إذ-ذا-فيرست She’s the First: هي منظمة غير هادفة للربح تعمل على دفع تعليم الفتيات والمساواة الجندرية حول العالم. تدخل المنظمة في شراكات مع المنظمات المحلية والمدارس لتقديم منح دراسية، وبرامج رعاية، وتدريب على ممارسة العمل القيادي للفتيات مع التركيز على استثمار التكنولوجيات الرقمية للتواصل وتمكين الفتيات.
  • ديجيتال-بروميس-جلوبال Digital Promise Global: ديجيتال بروميس جلوبال هي منظمة غير هادفة للربح تعمل على تحسين التعليم من خلال التكنولوجيا والابتكار. برامج المنظمة تشمل تدريب المعلمين، والبحث، وتطوير تكنولوجيات تعليمية جديد.

خاتمة

سعت هذه الورقة إلى تقديم نظرة عامة حول الفجوة الجندرية في التعليم والإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيات الرقمية لتجاوزها. عرضت الورقة المشاكل التي تعاني منها الوسائل التقليدية لتقديم الخدمات التعليمية وسبب فشل هذه الوسائل. كما تناولت الورقة كيف يمكن للتكنولوجيات الرقمية أن تقدم بديلًا ناجحًا ويعد بتحقيق نتائج أفضل لعبور الفجوة الجندرية في التعليم.

ناقشت الورقة أيضًا جوانب تميز التكنولوجيات الرقمية في القدرة على خلق وسائل جديدة لتحسين الخدمات التعليمية بما يسمح بأن توفر فرص التعليم للنساء والفتيات المحرومات منها حول العالم. في النهاية قدمت الورقة عددًا من الأمثلة لمشروعات دولية ومحلية ومنظمات تعتمد على التكنولوجيات الرقمية في عملها على عبور الفجوة الجندرية في التعليم.

لا زال الطريق طويلًا أمام الجهود الحالية الساعية إلى عبور الفجوة الجندرية في التعليم. ولابد من ملاحظة أن هذه الجهود، مهما كانت أكثر فعالية بالاعتماد على التكنولوجيات الرقمية، فهي لا يمكنها وحدها تحقيق هذا الهدف. فمن الضروري مواجهة الصور النمطية السائدة التي تعيد إنتاج الانحيازات الاجتماعية التي تبرر استمرار التمييز ضد النساء والفتيات فيما يتعلق بالتعليم وغيره من جوانب الحياة. في المحصلة، ينبغي أن يعتمد السعي إلى تغيير واقع التمييز ضد النساء إلى رؤية شمولية تأخذ في اعتبارها كافة العوامل المؤدية إلى استمرار هذا التمييز حتى يتسنى عبور هذا الواقع نحو مستقبل تتحقق فيه المساواة والعدالة للجميع.