غير متصلة: الفارق الرقمي على أساس الجندر

مقدمة

في تمهيده لتقرير الاتصال العالمي 2022، والذي أصدره الاتحاد الدولي للاتصالات (International Telecommunications Union – ITU)، يشير هولين تزاو، سكرتير عام الاتحاد إلى أن “عبر العقود الثلاثة الماضية، ازداد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت من عدة ملايين في عام 1992 إلى ما يقارب الخمسة بلايين في عام 2021.” ومع ذلك “لا يزال ثلث البشر غير متصلين بالإنترنت، وعديد من المستخدمين يتمتعون فقط بالحد الأدنى من الاتصال.” (ITU 2022, p. iv)

لا يضمن الاتصال بالإنترنت في حد ذاته الاستمتاع الكامل أو الكافي بالفوائد التي يعد بها الفضاء السيبراني. وكما تخبرنا جورين بوجدان-مارتن، مديرة مكتب تطوير الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات، في تقدمة التقرير نفسه، “كثير من بين المتصلين بالإنترنت لا يتوفر لهم اتصال مجدٍ بسبب البطء الشديد للاتصال، أو عدم موثوقيته، أوغلو سعره، أو لأنهم يفتقرون إلى المهارات الرقمية المطلوبة للحصول على أكبر قدر من الفائدة من الأجهزة والخدمات.” (ITU 2022, p. iv)

تُعرِّف بوجدان-مارتن “الاتصال المجدي” بأنه “إمكانية التمتع بتجربة أمنة، مرضية، مثرية، منتجة، وبمقابل مناسب على شبكة الإنترنت.” وتؤكد بوجدان-مارتن أن ما تسميه “الوصلة المفقودة”، وهو عدم الاتصال بالإنترنت، قد “نما وتحور منتجًا عديدًا من الفوارق عبر الدول وداخلها.” في مقدمة هذه الفوارق الفارق الجندري، أي ذلك الفارق بين الرجال والنساء.

إحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات، كونها الأحدث والأكثر شمولًا، حتى وإن لم تكن الأكثر دقة، هي مدخلنا لمحاولة فهم الفارق الرقمي الجندري، والذي بدوره يعد خطوة ضرورية لفهم أفضل للفجوة الرقمية الجندرية.

الاتحاد الدولي للاتصالات: معدل المساواة الجندرية

بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات، في تقريره الذي سبقت الإشارة إليه، “استخدمت نسبة أكبر من الذكور (62%) الإنترنت في عام 2020 من النساء (57%).” يستخدم التقرير معدل المساواة الجندرية (Gender Parity Ratio – GPR) لقياس فارق الاتصال الجندري، “وهو يحسّب بنسبة النساء اللاتي يستخدمن الإنترنت، مقسومة بنسبة الرجال الذين يستخدمونها.” ويفترّض بالمساواة الجندرية أن تتحقق عندما تكون قيمة هذا المعدل ما بين 0.98 و1.02. (ITU 2022, p. 25)

يُظهِّر الرسم البياني التالي النسبة المئوية لمستخدمي الإنترنت في أقاليم ومجموعات دول مختلفة. وبناء على الرسم البياني تم حساب معدل المساواة الجندرية لهذه الأقاليم ومجموعات الدول، في الجدول التالي له.

المصدر: (ITU, 2022, p.

 

الإقليم % ذكور % إناث معدل المساواة الجندري
العالم 62 57 0.92
أوروبا 87 83 0.95
كومونويلث الدول المستقلة 81 79 0.98
الأمريكيتين 78 79 1.01
الدول العربية 68 56 0.82
آسيا والباسيفيك 59 54 0.92
إفريقيا 35 24 0.69

يُظهِّر الجدول أن ثمة مجموعتين فقط من الدول قد حققت المساواة، وهما دول الأمريكيتين وكومنويلث الدول المستقلة The Commonwealth of Independent States (CIS) (بمعدل مساواة جندري 1.01 و0.98 على التوالي). دول الاتحاد الأوروبي قريبة من تحقيق المساواة الجندرية بمعدل 0.95. في المقابل لا تزال مجموعة الدول العربية بعيدة عن تحقيق المساواة الجندرية بمعدل قدره 0.82. وأخيرًا تقبع دول القارة الإفريقية (مع استبعاد دول شمال القارة التي تنتمي إلى مجموعة الدول العربية) في قاع الجدول بأقل معدل مساواة وقدره 0.69.

رابطة منظومة الهاتف المحمول: أثر الهاتف المحمول

انتشار الهواتف الذكية حول العالم أسهم في التزايد الكبير لمعدلات تغلغل الإنترنت في العقد الأخير أكثر من أي عامل آخر. اليوم، عدد من يتصلون بالإنترنت إما بشكل أساسي أو بشكل حصري من خلال هواتفهم الذكية أكبر من هؤلاء الذين يصلون إليها باستخدام حواسيبهم المكتبية أو النقالة.

تهتم رابطة منظومة الهاتف المحمول General Systems Mobile Association (GSMA) بالفجوة الرقمية الجندرية بشكل أكبر من الاتحاد الدولي للاتصالات. فلعدة أعوام نشرت الربطة تقريرًا سنويًا بعنوان “تقرير الفجوة الجندرية في استخدام الهاتف المحمول”. وتقدم تقارير الرابطة وجهة نظر مختلفة قليلًا عن الاتحاد، ولكنها مفيدة كثيرًا، خاصة وأنها تعتمد على المسح على أرض الواقع واللقاءات المباشرة في عدد مختار من الدول منخفضة الدخل والدول الأدنى بين مجموعة الدول متوسطة الدخل Low- and Middle-Income Countries (LLMICs). (GSMA 2022, p. 4)

إحصائيات رابطة منظومة الهاتف المحمول لها أهمية كبيرة خاصة وأن “الهاتف المحمول هو الوسيلة الأساسية التي يستخدمها الرجال والنساء للوصول إلى الإنترنت في الدول منخفضة الدخل والدنيا في متوسطة الدخل، وبنسبة تصل إلى 85 بالمائة من الوصلات عريضة النطاق في عام 2021.” تُترجّم هذه النسبة المئوية إلى “أكثر من 3.2 مليار نسمة في الدول منخفضة الدخل والدنيا في متوسطة الدخل يصلون إلى الإنترنت من خلال الهاتف المحمول.” (GSMA 2022, p. 4)

فيما يلي مجموعة مختارة من النتائج التي توصل إليها تقرير رابطة منظومة الهاتف المحمول لعام 2022:

  • بينما بدأ مزيد من النساء الاتصال بالإنترنت في العام الماضي “فقط 59 مليون امرأة إضافية بدأت الاتصال بالإنترنت في مجموعة الدول محل الدراسة في عام 2021 مقارنة بحوالي 110 مليون امرأة في عام 2020.” (GSMA 2022, p. 7)
  • التوجه العام نحو تضييق الفجوة الجندرية في الوصول إلى الإنترنت والذي كان سائدًا خلال الأعوام الماضية (من 25% في 2017 إلى 15% في عام 2020) قد وصل إلى مرحلة ركود أو انعكس بقدر ضئيل حيث أن “النساء الآن تقل إمكانية استخدامهن للإنترنت من خلال الهاتف المحمول عن الرجال بنسبة 16%، والتي يمكن ترجمتها إلى 264 مليون امرأة أقل من الرجال.” (GSMA 2022, p. 7)

  • بمقارنة أقاليم مختلفة في العالم نرى أن الفجوة الجندرية هي الأوسع في جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وقد ظلت الفجوة على حالها نسبيًا في كل الأقاليم منذ عام 2017 فيما عدا جنوب آسيا.

  • جنوب آسيا هي حالة جديرة بالاهتمام حيث أن الفجوة الجندرية في استخدام الهاتف المحمول للوصول إلى الإنترنت قد ضاقت بشكل كبير، من 67% في 2017 إلى 36% في 2020، ولكنها الآن قد اتسعت إلى 41%.” فمزيد من الرجال يستخدمون الإنترنت من خلال هواتفهم المحمولة وبخاصة في الهند (من 45% في 2017 إلى 51% في 2020) في حين أن النسبة المئوية للنساء اللاتي يستخدم الهاتف المحمول للوصول إلى الإنترنت قد ركدت عند 30% طيلة هذه الأعوام.” (GSMA 2022, p. 7)

  • يعتبّر امتلاك هاتف ذكي بصفة عامة شرطًا لاستخدام الإنترنت من خلال الهاتف المحمول. لذا لا تعد مفاجأة أن الأرقام التي تعبر عن التغير في حجم الفجوة الجندرية في امتلاك الهواتف الذكية، خلال الأعوام الأخيرة، تكاد تتطابق مع الأرقام المعبرة عن التغير في حجم الفجوة الجندرية في الوصول إلى الإنترنت من خلال الهاتف. بعد تقلص مستمر لهذه الفجوة من 20% في عام 2017 إلى 16% في عام 2020، النساء الآن أقل حظًا بنسبة 18% من الرجال في امتلاك هاتف ذكي، وهو ما يمكن ترجمته إلى 315 مليون امرأة أقل من الرجال في امتلاك هاتف ذكي.” (GSMA 2022, p. 7)

  • الفجوة المتزايدة في امتلاك الهواتف الذكية في جنوب آسيا مسؤولة عن الزيادة العامة لها عبر الدول منخفضة الدخل والدول الأدنى بين متوسطة الدخل، إضافة إلى تزايد مستمر في فجوة امتلاك الهواتف الذكية في إفريقيا جنوب الصحراء.” (GSMA 2022, p. 7)

  • الفارق الجندري في استخدام الهاتف المحمول للوصول إلى الإنترنت كما تعبر عنه الأرقام بالأشكال التوضيحية السابقة لا يزال غير معبر عن الفارق الحقيقي المتعلق بكيف يستخدم الرجال والنساء وصولهم إلى الإنترنت، وبحسب رابطة منظومة الهاتف المحمول، “تميل النساء إلى استخدام هواتفهن في نطاق أضيق من الأنشطة مقارنة بالرجال بشكل أسبوعي.” (GSMA 2022, p. 7)
  • إضافة إلى ذلك، في حين أن امتلاك هاتف ذكي نظريًا يُمكِّن من الوصول إلى الإنترنت، ولكن في الحياة اليومية “نسبة كبيرة ممن يملكون هواتف ذكية لا يستخدمونها للوصول إلى الإنترنت، وبخاصة النساء.” على سبيل المثال، في بنجلاديش، “26 بالمائة من النساء اللاتي يمتلكن هواتف ذكية لا يستخدمنها للوصول إلى الإنترنت، مقارنة بنسبة قدرها 20 بالمائة من الرجال.” (GSMA 2022, p. 7)
  • وبشكل إضافي، “لا تزال النساء على دراية أقل بإمكانية الوصول إلى الإنترنت من خلال الهاتف مقارنة بالرجال، وبرغم أن هذه الدراية قد تزايدت، إلا أن هذا النمو قد تباطأ مؤخرًا.” (GSMA 2022, p. 7)

التحالف لأجل إنترنت في المتناول: الفارق، الأسباب، والتكلفة

التحالف لأجل إنترنت في المتناول Alliance for Affordable Internet (A4AI) يقدم مقاربة من وجهة نظر المجتمع المدني مقارنة بمقاربات الحكومات التي يمثلها الاتحاد الدولي للاتصالات، أو مجتمع الأعمال الذي تمثله رابطة منظومة الهاتف المحمول. في دراسة نشرها التحالف تحت عنوان “تكاليف الإقصاء: العواقب الاقتصادية للفجوة الرقمية الجندرية” The Costs of Exclusion: Economic Consequences of the Digital Gender Gap وأعدها كل من أنا ماريا رودريجز بولجارين وتيدي وودهاوس، يفرق المؤلفان بين مصطلحين مختلفين، وهما الفارق الرقمي الجندري، والذي “يشير إلى تقسيم البشر ما بين متصل بالإنترنت وغير متصل بها، (…) ويمكن أيضًا أن يتعلق بالتقسيم حسب الخبرة المختلفة للمستخدم”، وذلك في مقابل الفجوة الرقمية الجندرية والتي “تتعاطى مع كثير من الجوانب نفسها للفارق الرقمي على أساس الجندر. ولكن التركيز على الفجوة الجندرية يبرز أن عدم المساواة الرقمية هذه هي فقط جانب واحد لمنظومة أوسع من التمييز والحرمان تحد من إمكانية مشاركة النساء والفتيات في المجتمع”. (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 6)

يركز تقرير التحالف من أجل إنترنت في المتناول على الإخفاق على مدار العقد الماضي في ردم الفجوة الرقمية الجندرية. وبالعمل على 32 دولة من الدول منخفضة الدخل أو الدنيا بين متوسطة الدخل “تغطي معًا 72.2% من إجمالي الدخل القومي لهذه المجموعة”، يذكر المؤلفان أن “أكثر قليلًا من ثلث النساء كن على اتصال بالإنترنت في مقابل ما يقرب من نصف الرجال.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 9) في هذه المجموعة من الدول بصفة خاصة، “يبدو أن الفجوة مستقرة برغم التزايد المستمر للنساء المتصلات بالإنترنت. في عام 2011، كانت الفجوة تقدر بحوالي 30.9% وبحلول عام 2020 انخفضت بمقدار نصف درجة مئوية فقط إلى 30.4%.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 10)

يمكن حساب إلى أي حد كانت الزيادة في أعداد النساء اللاتي يمكنهن الاتصال بالإنترنت خلال العقد الماضي أقل من المطلوب، من خلال حقيقة أن “عبر العقد الأخير ارتفعت نسبة النساء المتصلات بالإنترنت بواقع 12.2% كل عام. وللتمكن من غلق الفجوة بحلول عام 2020 كان ينبغي أن يكون معدل الزيادة هو 15.6% كل عام. وهو ما يعني أن حوالي 150.9 مليون امرأة كان ينبغي أن يتصلن بالإنترنت خلال هذه الفترة.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 11) هذا الإخفاق في غلق الفجوة يعود إلى ضعف السياسات التي تم تطبيقها بهدف غلقها أو إلى الغياب التام لمثل هذه السياسات في الدول التي شملتها الدراسة.

يحاول التقرير أيضًا أن يوضح الأسباب المباشرة لاستمرار الفجوة الرقمية الجندرية. وبحسب اللقاءات التي أجراها فريق العمل على التقرير كانت الأسباب التي توصلت الدراسة إليها هي، الاستطاعة المالية، فجوة الأجور، الخصوصية/الأمن، الأمية والمهارات، والأثر التراكمي لكل هذه الأسباب مجتمعة.

الاستطاعة المالية تشير إلى حقيقة أن “تكلفة الاتصال بالإنترنت تحول دون أن تتصل النساء بها”. يمكن تحليل تكلفة الاتصال إلى مكونين، وهما “تكلفة الهاتف الذكي” وهي “السبب الأكثر تكرارًا مما ذكره مستخدمو الهواتف المحمولة في الدول منخفضة الدخل أو الدنيا بين متوسطة الدخل لعدم الاتصال بالإنترنت.” وثانيًا، “تكلفة باقات البيانات” والتي حسب التقرير “تحد بشكل سلبي من استخدام 25% ممن شملتهم الدراسة للإنترنت في ثلاث دول من تلك التي شملتها الدراسة.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 7)

على علاقة بالاستطاعة المالية توجد أيضًا الفجوة في الأجور. بحسب التقرير “في مسح تم حول تكلفة الهواتف في عام 2021 في 187 دولة، كانت تكلفة أرخص هاتف ذكي هي 104 دولار أمريكي في المتوسط.” هذا المبلغ يمثل ربع المتوسط العالمي لدخل الفرد في الشهر، ولكن “في سياق فجوة الأجور الجندرية العالمية، حيث تحصل النساء عالميًا على حوالي 77 سنت لكل دولا يحصل عليه الرجال، فهذه التكاليف هي في المتوسط أعلى بالنسبة للنساء كنسبة من إجمالي دخولهن.” وعلى اعتبار هذا المعدل، “إذا ما كان يمكن لرجل أن يدفع مقابل هاتف ذكي أجر شهر، فإن المرأة ستحتاج إلى العمل عشرة أيام إضافية لتتمكن من شراء نفس الهاتف.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 7)

ينعكس ذلك بالضرورة على الفجوة في امتلاك الهواتف، والمتمثلة في معدل امتلاك النساء لهواتف ذكية بالمقارنة بالرجال، وبحسب التقرير، فاحتمال “امتلاك النساء لهاتف ذكي هو أقل بمعدل 15% عن احتمال امتلاك الرجال له.” يشكل هذا “عائقًا تقنيًا لما يمكن للنساء القيام به، حتى عندما يكن متصلات بالإنترنت”. وهو يظهِّر أيضًا كيف أن مجرد الوصول للإنترنت ليس كافيًا لقياس الفجوة الرقمية الجندرية، ولذلك ثمة أهمية كبيرة لمفهوم “الاتصال المجدي” الذي سبق لنا ذكره، والذي يتيح تعقب “عمق اختلاف الخبرات المختلفة على الإنترنت بين مجرد الاتصال بها وبين الحصول على اتصال ذو نوعية ملائمة لتمكين المستخدمة من العمل، والمعايشة، والمشاركة في عالم الإنترنت.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 7)

سبب آخر للفجوة الجندرية في الوصول إلى الإنترنت هو الخصوصية/الأمن حيث أن “النساء، بصفة عامة، (…) لديهن مخاوف أكبر بخصوص الخصوصية والأمن على الإنترنت.” في عديد من الدول منخفضة الدول أو الدنيا بين متوسطة الدخل “ذكرت النساء بمعدل كبير خوفهن بخصوص خصوصية البيانات الشخصية، في نفس الوقت الذي ذكرن فيه معدلات أدنى لخلق محتوى على الإنترنت.” كذلك، في عديد من الدول التي شملتها الدراسة “أشارت النساء إلى الخوف من التعرض للاستغلال أو الاستهداف بسبب ما ينشرنه على مواقع التواصل الاجتماعي. فالإنترنت في أعينهن ليست مكانا آمنًا للنساء.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 8)

الأمية هي عامل هام كذلك، وكما أن “فجوة التعليم بين الرجال والنساء في العالم ما زالت مستمرة (90% من الرجال يمكنهم الكتابة والقراءة، في مقابل 83% فقط من النساء البالغات، في عام 2019)، فأن هذه الفجوة تعيد نسخ نفسها في العالم الرقمي.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 8)

الأسباب السابقة لها أثر تراكمي ينعكس في أن “النساء قد ذكرن مواجهة ضغوطا عائلية ومجتمعية ضد استخدام الإنترنت.” هذا لأن هذه الأسباب “الاقتصادية، والتقنية، والمتعلقة بالأمان، والفجوات التعليمية التي تواجهها النساء تجتمع معها لتشكل معيارًا اجتماعيًا يعزز أسطورة أن وصول النساء إلى التكنولوجيا والإنترنت هو (…) غير أخلاقي، غير لائق، أو غير ضروري.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 8)

أخيرًا، يضيف تقرير التحالف لأجل إنترنت في المتناول بعدًا جديدًا ينبغي أن يكون موضع اهتمام المجتمعات والدول التي شملتها الدراسة، وهو التكلفة الاقتصادية لإقصاء النساء عن الإنترنت. حسب التقرير “إقصاء النساء من الاقتصاد الرقمي له كلفة اقتصادية كبيرة بالنسبة لدخل الدول منخفضة الدخل والدنيا بين متوسطة الدخل.” حسب تقدير معدي التقرير “عبر العقد الأخير، فقدت هذه الدول ما مجموعه 1 تريليون دولار أمريكي في إجمالي الدخل القوي، بسبب الفجوة الجندرية في استخدام الإنترنت.” بترجمة هذا بحسب “المعدل الحالي لنسبة الضرائب إلى إجمالي الدخل القوي في هذه الدول، تمثل هذه الخسارة ما يقدر بحوالي 24.7% مليار دولار من عوائد الضرائب في عام 2020.” (Pulgarín and Woodhouse 2021, p. 9)

في حين أن مساواة النساء بالرجال هي أحد حقوق الإنسان وينبغي أن تكون في حد ذاتها هدفًا لسياسات حكومات الدول حول العالم، ولكن الوقع أن معظم هذه الحكومات يمكن أن تهتم أكثر بالخسائر الاقتصادية، خاصة عند ترجمتها إلى عوائدها الضريبية حيث أنها المصدر الرئيسي لدخولها.

قياس الفارق الرقمي الجندري

الفارق الرقمي الجندري أكثر تركيبًا من أن يتم تمثيله برقم واحد. ثمة وجوه كثيرة لهذا الفارق كل منها متجذر بعمق في مجمل الفجوة الجندرية الاجتماعية والتي تنتج عددًا لا نهاية له من الفوارق في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية. ومع ذلك، وحتى إذا ما حصرنا أنفسنا في تمثيل الفارق الرقمي الجندري بالفرق بين نسبة الرجال المتصلين بالإنترنت وبين نسبة النساء المتصلات بها، فسيظل السؤال هو كيف نستخدم هذه النسب المئوية لقياس الفارق بطريقة تساعدنا فعلًا في فهم المشكلة والتعامل معها من خلال توصيات بسياسات محددة.

كيف نقيس الفارق الرقمي الجندري؟ حسب التحالف لأجل إنترنت في المتناول، “ثمة خيارات مختلفة متاحة لحساب الفجوة – ولا تستخدم جميع الجهات الخيار نفسه”. المقاربة السائدة “لحساب الفارق الرقمي الجندري – الذي يستخدمه الاتحاد الدولي للاتصالات وكذلك رابطة منظومة الهاتف المحمول – هو تعريف الفجوة بأنها الفرق في معدل تغلغل الإنترنت بين الرجال والنساء كنسبة من معدل تغلغله عند الرجال،” والمعادلة هي:

نسبة الرجال من مستخدمي الإنترنت % – نسبة النساء من مستخدمات الإنترنت / نسبة الرجال من مستخدمي الإنترنت

مقاربة بديلة تدفع بها “مؤسسة الوب (Web Foundation) واستخدمتها سابقًا وحدة الإكونوميست للمعلومات (Economist Intelligence Unit) – هي حساب الفجوة بالفرق بين معدل تغلغل الإنترنت للرجال والنساء أيضًا، ولكن منسوبًا إلى نسبة تغلغلها عند النساء”، والمعادلة هي:

نسبة الرجال من مستخدمي الإنترنت % – نسبة النساء من مستخدمات الإنترنت / نسبة النساء من مستخدمي الإنترنت

هل يمكننا أن نحكم أي من هاتين المقاربتين مناسبة أكثر؟ التحالف من أجل إنترنت في المتناول يجادل بأنه “عندما تكون نيتنا هي التركيز على الفوارق والظلم الواقع على النساء، فنحن نعتقد أن الأفضل أن نؤسس تحليلنا من منظورهن.” وفي حين أن هذا يبدو سببًا أخلاقيا لا أكثر لتفضيل مقاربة على الأخرى فالتحالف يدعي أن “استخدام منظور محوره النساء يمكننا أكثر من أن نفهم بدقة كم من النساء ينبغي أن يصبح لديهن فرصة الوصول إلى الإنترنت لتحقيق المساواة الجندرية.

حتى نفهم هذا الادعاء دعونا أولا نقول أن الرقم الفعلي للنساء اللاتي ينبغي توفير الوصول للإنترنت لهن حتى تتحقق المساواة مع الرجال هو نفسه بغض النظر عن أي مقاربة نستخدمها لحساب الفارق الجندري، ولكن من المعقول عندما نحول هذا الرقم إلى نسبة أن يكون المرجع هو النسبة المئوية للنساء اللاتي يتصل بالإنترنت بالفعل. هذا ببساطة لأن متطلبات توفير فرصة الوصول للإنترنت للنساء تختلف عن متطلباتها للرجال. النسبة المئوية المحسوبة بالرجوع إلى نسبة النساء المتصلات بالإنترنت تعطي تمثيلًا أفضل لمدى اتساع الفجوة التي علينا ردمها.

الجدول التالي يقارن الفارق الرقمي الجندري كما يتم حسابه منسوبًا إلى مستخدمي الإنترنت من الرجال، بالفارق كما يمكن حسابه منسوبًا إلى مستخدمات الإنترنت من النساء، وذلك عبر ثلاثة أعوام مختلفة وعبر مجموعات مختلفة من الدول (LCD = الدول الأقل نموًا، MI = الدول متوسطة الدخل، HI = الدول مرتفعة الدخل).

المصدر: حسابات مؤسسة الوب – بناء على البيانات التجميعية حسب الدول المختلفة من وحدة الإكونوميست للمعلومات.

Year Indicator Average Average LDCs Average LI Average MI Average HI
2020 Male % 64.7 30.5 24.4 55.9 88.2
Female % 58.8 21.6 15.6 48.3 85.4
Gender gap – EIU (men centered) 12.9% 29.53% 34.58% 15.48% 3.33%
Gender gap (women-centered) 21.3% 52.4% 64.3% 25.5% 3.6%
2019 Male % 59.9 23.9 20.1 50.3 84.5
Female % 53.8 15.4 11.5 42.2 82.0
Gender gap – EIU (men centered) 16.2% 38.1% 44.3% 20.0% 3.1%
Gender gap (women-centered) 28.1% 70.2% 86.6% 34.1% 3.5%
2018 Male % 59.2 26.2 20.4 49.0 84.2
Female % 52.7 17.7 12.6 40.9 80.6
Gender gap – EIU (men centered) 16.4% 35.7% 39.1% 20.4% 4.5%
Gender gap (women-centered) 31.6% 62.3% 69.1% 43.0% 5.0%

 

كما يمكننا أن نرى من الجدول الفوارق بين النسب المئوية المعبرة عن الفجوة الرقمية الجندرية المنسوبة إلى النساء وبين تلك المنسوبة إلى الرجال كبيرة، وهي أوسع كلما كانت النسبة المئوية للنساء المتصلات بالإنترنت أقل ابتداءً. هذا بالضبط ما يعكس أن النسب المئوية المنسوبة إلى النساء مجدية أكثر لأنها تعكس تزايد صعوبة الوصول إلى المساواة كلما كان العدد الحالي للنساء اللاتي يتصلن بالإنترنت أقل، وبصفة خاصة في الدول الأقل نموًا.

الفارق الرقمي الجندري في مقابل الفجوة الرقمية الجندرية

الهدف من هذه الورقة هو أن تتيح للقراء مسحًا تمهيديًا للفجوة الرقمية الجندرية. ونحن نفهم هذه الفجوة على أنها ظاهرة اجتماعية بالغة التركيب يمكن ملاحظتها من خلال الأرقام القابلة للقياس والتي معًا تشكل ما نشير إليه بالفارق الرقمي الجندري، ولكننا لا يمكننا اختزال الفجوة كظاهرة في هذه الأرقام. استخدمت الورقة كلا المصطلحين بشكل تبادلي لأن أغلب المصادر لا تعطي اعتبارًا للفرق بينهما. ولكن الفرق مع ذلك سيكون أكثر وضوحًا عندما ننتقل من الحديث عن الفارق الرقمي الجندري والذي كان موضوع هذه الورقة إلى الوجوه المختلفة للفجوة الرقمية الجندرية والتي سنستكشفها لاحقًا.

المخاطر التي تشكلها الفجوة الرقمية الجندرية على معيشة النساء في كل مكان في العالم وبصفة خاصة في أكثر أقاليمه حرمانًا لا يمكن التقليل من شأنها. وحيث أن الإنترنت وبقية التكنولوجيات الرقمية مستمرة في تحويل عالمنا ومجتمعاتنا إلى صور جديدة، فإن كل من ليس جزءًا من هذا التحول المستمر سيواجه عقوبات ثقيلة بإقصائه عن الفوائد والفرص التي يتيحها العالم الرقمي الجديد. بالنسبة للمجموعات الاجتماعية المهمشة والنساء في مقدمتها يعني هذا الإقصاء عن هذه الفوائد والفرص مزيدًا من التهميش، ومزيدًا من التمييز ضدهن، وفرصة أقل للوصول إلى المساواة التي هي حق لا يمكن إنكاره عليهن كبشر.

المصادر

GSMA. 2022. “The Mobile Gender Gap Report 2022.” Global System for Mobile Association. https://www.gsma.com/r/wp-content/uploads/2022/06/The-Mobile-Gender-Gap-Report-2022.pdf?utm_source=website&utm_medium=download-button&utm_campaign=gender-gap-2022.

ITU. 2022. “Global Connectivity Report 2022.” Geneva: International Telecommunication Union.

Pulgarín, Ana María Rodríguez, and Teddy Woodhouse. 2021. “The Costs of Exclusion: Economic Consequences of the Digital Gender Gap.” Alliance for Affordable Internet. https://webfoundation.org/docs/2021/10/CoE-Report-English.pdf.