تعديلات قانون تنظيم الاتصالات: قيود جديدة على استخدام وتشغيل معدات الاتصالات

  • مقدمة

  • محاولة غير مكتملة لتعديل قانون الاتصالات

  • مضمون التعديلات الأخيرة على قانون تنظيم الاتصالات

  • صلاحيات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في منح تصاريح استيراد واستخدام وتشغيل المعدات

  • مبررات ودوافع التوسع في صور تجريم استخدام وتشغيل معدات الاتصالات

  • تعقيب على مبررات وزارة الاتصالات والبرلمان المصري لإصدار القانون

مقدمة

خلال السنوات العشر الأخيرة تردد الحديث عن إجراء تعديلات على قانون تنظيم الاتصالات المصري، رقم 10 لسنة 2003، وهو القانون الأساسي المنظم لكل ما يتعلق بقطاع الاتصالات. المحاولة الأكثر جدية لتعديل القانون كانت في عام 2014، حين تناول عدد من مواقع الصحف الإخبارية أنباء عن إعداد مشروع قانون مقترح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بصفته الجهاز المعني بإنفاذ القانون. وبالرغم من أن مشروع القانون حصل على الموافقة المبدئية من رئيس الجمهورية لم يُمرر هذا القانون دون ذكر أسباب لذلك.

في الربع الأخير من عام 2022، ناقش البرلمان المصري مقترحًا جديدًا لتعديل قانون تنظيم الاتصالات، ولكن هذه المرة مقدَّم من الحكومة. تجاهل المقترح الأخير كل التعديلات المقترحة سابقًا من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، واقتصر فقط على تعديل محدود على نص مادتين من القانون. لم تستمر مناقشة المقترح الأخير لوقتٍ طويل، حيث تم إقرار التعديلات ودخلت حيز النفاذ في نهاية عام 2022.

تتناول هذه الورقة مقترح 2014 لتعديل قانون تنظيم الاتصالات المصري ثم تنتقل إلى مضمون التعديلات التي تم إقرارها بالفعل ودخلت حيز النفاذ في 2022. تشمل تلك التعديلات تغليظ العقوبات المتعلقة باستيراد أو تصنيع معدات الاتصالات، واستحداث عقوبات للصور الجديدة المجرّمة. كما تتعرض الورقة لصلاحيات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في منح تصاريح استيراد واستخدام وتشغيل المعدات، بالإضافة إلى مبررات وزارة الاتصالات والبرلمان المصري لإقرار تعديل القانون وتعقيب على تلك المبررات.

محاولة غير مكتملة لتعديل قانون الاتصالات

في منتصف عام 2014، تناول عدد من مواقع الصحف الإخبارية أنباء عن إعداد مشروع قانون مقترح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.1 شملت التعديلات المقترحة حذف وإضافة لأكثر من عشرين مادة من أصل سبعة وثمانين مادة. وهدفت التعديلات المقترحة في مجملها إلى تعديل القواعد المتعلقة بدور الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات في حماية المنافسة الحرة وحماية حقوق المستخدمين في مجال الاتصالات. وذلك من أجل فض التعارض بين دور جهاز تنظيم الاتصالات وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في نطاق قطاع الاتصالات.

تضمنت التعديلات المقترحة أيضًا عدم جواز قطع الاتصالات أو وقف تشغيلها كليًا أو جزئيًا إلا بقرار يصدر بذلك من رئيس الجمهورية بناءًا على اقتراح من مجلس الوزراء. بالإضافة إلى عدم جواز قطع أو تعطيل خدمات اتصالات الإغاثة والطوارئ بأى حال. امتدت التعديلات كذلك إلى إمكانية قيام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بوضع لائحة تتضمن الجزاءات المالية والإدارية التي يوقعها الجهاز وكذا التعويضات المقررة. كما تضمنت مسودة تعديل القانون نصوصًا جديدة بشأن الترابط بين الشركات، بما يتيح للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات تعديل اتفاقيات الترابط السارية بين الشركات. وأشارت المسودة إلى تعديل يُلزم مقدمي ومشغلي خدمات الاتصالات ووكلاءهم وموزعيهم التابعين لهم بعدم تسويق خدمات الاتصالات إلا بعد الحصول على معلومات وبيانات دقيقة عن المستخدمين.

لأسباب غير معلومة، لم يمرر هذا المقترح، وذلك بالرغم من الموافقة المبدئية من رئيس الجمهورية على التعديلات المقترحة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وفقًا للأخبار المتداولة في هذا الشأن.

بعد مرور تسعة أعوام تقريبًا على ذلك المقترح ناقش البرلمان المصري مقترحًا جديدًا لتعديل قانون تنظيم الاتصالات. تضمن المقترح تعديلات على نص المادتين 44 و77، وهي مواد تتعلق بعدم جواز حيازة أو استخدام أو تشغيل أو تركيب أو تسويق معدات الاتصالات بدون الحصول على ترخيص من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. تم إقرار التعديلات ودخلت حيز النفاذ في نهاية عام 2022 دون أي ذكر أو مناقشة لمقترح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الذي تم إعداده في 2014.

مضمون التعديلات الأخيرة على قانون تنظيم الاتصالات

أولاً: تعديل المادة 44 بإضافة صور جديدة للتجريم

جاءت التعديلات التي أجريت على قانون الاتصالات في شكل تعديل بالإضافة على نصوص قائمة بالفعل. لم تشتمل التعديلات على نصوص جديدة بالكامل، بل اقتصرت على إضافة بعض صور التجريم للجرائم المنصوص عليها في المادة 44، واستحداث عقوبات لصور التجريم الجديدة بالإضافة إلى تغليظ بعض العقوبات الموجودة سابقًا في المادة 77.

تنص الفقرة الأولى من المادة 44 على أنه يحظر الاستيرادأو التصنيعأو التجميعلأي معدة من معدات الاتصالات إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. جاء التعديل على نص المادة ليحظر 5 أفعال جديدة بالإضافة إلى الأفعال السابقة، وهي أفعال الحيازةأو الاستخدامأو التشغيلأو التركيبأو التسويقلأي معدة من معدات الاتصالات إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهاز. بذلك يكون المشرِّع مد نطاق الحظر لمعدات الاتصالات غير المصرح بها من جانبه إلى فئات أوسع مثل فنيين التركيب والصيانة، والأفراد والكيانات القائمة على التسويق للمعدات، وأخيرًا المستهلكين لهذه الأجهزة، بعد أن كان الحظر مقتصرًا على المصنعين والمستوردين باعتبارهم اليد الأولى في عملية إنتاج الأجهزة أو استيرادها من الخارج.

نتيجة لذلك التعديل أصبح مجرد استخدام أو تشغيل أي معدة غير مصرح بها من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يشكل جريمة جنائية. تلك المعدات قد تكون أجهزة الراوتر أو أجهزة تقوية شبكات الاتصالات، على سبيل المثال. بينما يُفترض ألا يمتد هذا الحظر، بأي من صوره، إلى أي من أجهزة الاتصالات الطرفية كالهواتف المحمولة، والساعات الرقمية، وغيرها من الأجهزة الخاصة بالمستخدم.

ثانيًًا: تعديل المادة 77 بتغليظ بعض العقوبات واستحداث عقوبات لصور التجريم الجديدة

المادة الأخرى التي تم تعديلها في قانون الاتصالات هي المادة 77. تتعلق تلك المادة بالعقوبات التي يمكن توقيعها في حالة مخالفة المادة 44 من القانون بالإضافة إلى الظروف المشددة لكل جريمة. التعديل على تلك المادة جاء بتغليظ العقوبات المتعلقة باستيراد أو تصنيع معدات الاتصالات واستحداث عقوبات للصور الجديدة المجرمة. يمكن إيجاز مضمون هذا التعديل في النقاط التالية:

  • شدد المشرَّع العقوبة السالبة للحرية والعقوبة المالية المقررتين لجريمتي استيرادأو تصنيعأي معدة من معدات الاتصالات بغرض تسويقها في الداخل، دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. أصبحت العقوبة المقررة لارتكاب أي منهما هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، والغرامة التي لا تقل عن مليوني جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وذلك بعد أن كانت العقوبة المقررة لأي من الجريمتين قبل سريان هذا التعديل هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما حُذف القصد الخاص للجريمة، الذي كان يشترط لتجريم الاستيراد أو التصنيع أن يكون بغرض التسويق في الداخل، أما إذا انتفى هذا الغرض وكان التصنيع أو الاستيراد مجردًا منه، فيكون الفعل مباحًا ولا جريمة على القيام به. بعد حذف القصد الخاص بموجب هذا التعديل أصبح الاستيراد أو التصنيع مجرمًا بشكل عام، بغض النظر عن الغرض من الاستيراد أو التصنيع، حتى إذا كان مجردًا من قصد الترويج أو التسويق، ولا يتوقف تجريمه على توافر أي قصد خاص.

  • قرر المشرِّع عقوبات سالبة للحرية وأخرى مالية لصور الجرائم التي استُحدثت في التعديل، وهي التجميعوالتسويقلأي معدة من معدات الاتصالات دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. وعاقب على ارتكاب أي منهما بذات العقوبة التي قررها لجريمتي الاستيراد والتصنيع دون الحصول على تصريح، وهي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، والغرامة التي لا تقل عن مليوني جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

  • عَدّل المشرِّع العقوبة المقررة لجريمتي الحيازةوالتركيبلأي معدة من معدات الاتصالات دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. فألغى التعديل الحد الأدنى لعقوبة الحبس وأصبح الحد الأدنى لعقوبة الحبس المقررة لارتكاب أي منهما هو مدة لا تقل عن 24 ساعة، بدلًا من مدة لا تقل عن سنة. وأبقى المشرِّع على الحد الأقصى للحبس كما هو مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، مع تشديد العقوبة المالية لتصبح الغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، بدلًا من عشرين ألف جنيه كحد أدنى وخمسين ألف جنيه كحد أقصى للغرامة، مع الإبقاء على سلطة المحكمة في الحكم بكلتا العقوبتين أو إحداهما.

  • أضاف المشرِّع بعض العقوبات للأفعال الجديدة التي لم تكن مجرمة من قبل، ومنها استخدامأي معدة من معدات الاتصالات دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. يُعاقَب على ارتكاب هذه الصورة بذات العقوبة المقررة لجريمتي الحيازة والتركيب دون الحصول على تصريح، وهي الحبس مدة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد عن ثلاث سنوات، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

  • توسع المشرِّع في العقوبة المقررة للظرف المشدد لكل الجرائم المنصوص عليها في المادة 44 من قانون تنظيم الاتصالات. أصبحت العقوبة المقررة هي السجن المشدد بدلًا من السجن. بالإضافة إلى زيادة الأفعال الإجرامية التي ينطبق عليها الظرف المشدد. فبعد أن كان الظرف المشدد يسري على أفعال كـالاستيرادوالتصنيعوالحيازةفقط، أصبح يسري على أفعال لم تكن مجرمة من قبل كـالتجميعوالتسويقوالتشغيلوالاستخدام“. كما امتد النطاق ليسري على أفعال كانت مجرمة ولكن لم يكن لها ظرف مشدد كجريمة التركيب“. والظرف المشدد في أي من هذه الجرائم يتوفر في حالة ثبوت ارتكاب أي منها بغرض المساس بالأمن القومي.

  • أبقى المشرِّع على عقوبة مصادرة الأجهزة والمعدات محل الجريمة كعقوبة تبعية وجوبية تلتزم بها المحكمة عند الحكم بالإدانة في أي من هذه الجرائم، سواء الجرائم المستحدثة أو التي كانت مقررة قبل سريان هذا التعديل.

  • أبقى المشرع على العقوبة المقررة للعَود، أي ارتكاب الجريمة مرة أخرى بعد سبق الإدانة، وهي مضاعفة العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود لارتكاب أي من هذه الجرائم، سواء الجرائم المستحدثة أو التي كانت مقررة قبل سريان هذا التعديل.

صلاحيات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في منح تصاريح استيراد واستخدام وتشغيل المعدات

يرتبط التعديل الأخير لقانون الاتصالات بصلاحيات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في منح التصاريح اللازم الحصول عليها قبل القيام بأنشطة الاستيرادأو التصنيعأو التجميعأو الحيازةأو الاستخدامأو التشغيلأو التركيبأو التسويقلأي معدة من معدات الاتصالات. لذلك، من المهم معرفة الصلاحيات القانونية المخولة للجهاز في شأن منح التراخيص والتصاريح، والمدة التي يستغرقها لإصدار التصاريح، وكيفية اعتماده للأجهزة التي يُصدِر تصريحات بشأنها. تتناول المادة 48 من قانون الاتصالات تلك الصلاحيات، والتي من بينها:

  • تحديد قواعد وإجراءات اعتماد أي طراز من الأجهزة.

  • إصدار التصاريح الخاصة باستيراد، وتصنيع، واستخدام أجهزة ومعدات الاتصالات، والإتجار فيها وتسويقها.

  • تحديد الشروط اللازمة للحصول على التصاريح.

  • تحديد المقابل المادي المطلوب لاستخراج التصاريح.

يلتزم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون بإصدار التصريح أو رفضه خلال مدة لا تجاوز 90 يومًا من تاريخ تسلمه جميع المستندات اللازمة لاستخراج التصريح.2 ويمنح جهاز تنظيم الاتصالات الترخيص بعد عملية اعتماد الأجهزة المراد استخدامها أو استيرادها. والاعتماد هو خطوة إلزامية عند استيراد أو تصنيع أو تجميع الأجهزة التي تحتوي على عنصر اتصالات، يتم من خلالها التأكد من مطابقة الجهاز للمواصفات اللاسلكية والكهرومغناطيسية والصحية العالمية المعتمدة فى مصر. تتولى أمر الاعتماد إحدى إدارات جهاز تنظيم الاتصالات وتسمى إدارة اعتماد النوع“. يُقدَّم طلب الاعتماد على النموذج المعد لذلك، وحدد جهاز تنظيم الاتصالات أربعة أنواع مختلفة من الإجراءات للاعتماد، وهي: الإجراءات المبسطة، والإجراءات المتوسطة، والإجراءات المحكمة، والإجراءات الإرشادية. يتولى جهاز تنظيم الاتصالات إصدار قائمة بالأجهزة المعتمدة من جانبه بصفة دورية، وكان آخر تحديث لقائمة الأجهزة المعتمدة في 4 ديسمبر 2022.

مبررات ودوافع التوسع في صور تجريم استخدام وتشغيل معدات الاتصالات

مُرِّرت تعديلات قانون تنظيم الاتصالات بشكل سريع، في غياب واضح لأي نقاش مجتمعي أو توضيح للرأي العام عن الحاجة لإصدار تعديل للقانون. لفهم مبررات ودوافع تمرير هذه التعديلات من المهم الرجوع إلى الأعمال التحضيرية لمشروع التعديل، وخاصة المذكرة الإيضاحية لتعديل القانون الصادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكذلك مناقشات مجلس الوزراء، وأخيرًا التقارير البرلمانية الصادرة عن اللجان البرلمانية التي ناقشت المقترح الحكومي بتعديل قانون الاتصالات.

أولًا: الدوافع الحكومية التي أشارت إليها المذكرة الإيضاحية للقانون ومناقشات مجلس الشيوخ حول المقترح الحكومي

استند القانون الصادر بتعديل مواد قانون تنظيم الاتصالات على المذكرة الإيضاحية الصادرة عن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي عللت ضرورة الإسراع بالتدخل لتعديل القانون استنادًا إلى أربعة أسباب، وهي:

  • ملاحظة انتشار حيازة واستخدام وتركيب وتسويق معدات الاتصالات في الآونة الأخيرة دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة، أو دون أن تكون معتمدة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.

  • أن التطبيق العملي لقانون تنظيم الاتصالات في الوقت الحالي قد أظهر الحاجة إلى تأثيم هذه الأفعال المشار إليها في السبب الأول.

  • أن التطبيق العملي لقانون تنظيم الاتصالات في الوقت الحالي قد أظهر الحاجة إلى مراجعة العقوبات الجنائية التي توقع على المخالفين لبعض أحكامه.

  • عدم كفاية بعض العقوبات الجنائية المقررة حاليًا كجزاء جنائي على ارتكاب الأفعال المؤثمة بموجب أحكام قانون تنظيم الاتصالات على النحو الذي يحقق فكرة الردع بصورتيه العام والخاص.

وافق مجلس الوزراء، في 28 يوليو 2022، على مشروع القانون المقدم من وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.3 علل المجلس موافقته بأن الهدف من هذا التعديل هو تغليظ العقوبات المقررة على حيازة أجهزة تقوية المحمول غير الشرعية، ضمن خطة الدولة لتنظيم مرفق الاتصالات، وتطوير ونشر خدماته، مع ضبط هذه المنظومة“.

بعد شهر من موافقة مجلس الوزراء، وتحديدًا في 8 أغسطس 2022، أحال مجلس الوزراء مشروع تعديل قانون تنظيم الاتصالات إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، والذي أحاله بدوره إلى مجلس الشيوخ للنظر فيه. لحق ذلك إحالة المشروع إلى لجنة مشتركة مكونة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة التعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس الشيوخ. عقدت اللجنة المشتركة اجتماعها لمناقشة المقترح في 17 أكتوبر 2022 قبل أن تُصدر تقريرها عن المشروع.

انتهت مناقشات أعضاء اللجنة وممثلي الحكومة الحاضرين في اجتماعها إلى الموافقة على مشروع القانون مع ضرورة الإبقاء عليه كما جاء من الحكومة بتغليظ العقوبة لعدم كفاية بعض العقوبات على نحو يحقق فكرة الردع بصورتيه العام والخاص. ولم تتبن اللجنة أي أسباب جديدة أو مغايرة للأسباب التي تبنتها الحكومة؛ فقد اعتمدت اللجنة في موافقتها على هذا المشروع على نفس الأسباب التي جاءت بالمذكرة الإيضاحية المرفقة بمشروع القانون.

ثانيًا: موافقة مجلس النواب على مشروع القانون رغم تحفظات بعض النواب

أُحيل القانون لمجلس النواب مرة أخرى بعد موافقة مجلس الشيوخ على المقترح. ناقشت لجنة مشتركة مكونة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب مشروع القانون وأصدرت موافقتها عليه من حيث المبدأ في 30 أكتوبر 2022 قبل أن يُصدر مجلس النواب الموافقة الأخيرة ويُقر القانون في 21 نوفمبر 2022.

خلال اجتماع اللجنة المشتركة، علل المستشار عمر الشريف، ممثل وزارة العدل، رغبة الحكومة في إقرار هذا القانون بأن مشروع القانون يهدف إلى تغليظ العقوبة لعدم كفاية بعض العقوبات على نحو يحقق فكرة الردع بصورتيه العام والخاص. والمادة 44، فقرة أولى، تتحدث عن أن استيراد أي أجهزة أو تصنيعها أو تجميعها لا يتم إلا بناء على تصريح من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ويعني نوع الجهاز وليس مقصود الماركة، ولكن تقصد النوعية، لأن هذا النوع سوف يعمل على الشبكات فى مصر، وبالتالي المادة تخص التصنيع والاستيراد ويستلزم تصريح من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات. وأردنا إضافة تعديل حتى لا تتم هذه الأنشطة إلا بناء على تصريح من الجهة المختصة، خاصة حيازة الأجهزة واستخدامها وتشغيلها وتركيبها وتسويقها إلا بناء على تصريح بذلك، حتى لا يتم العبث بهذه الأنشطة خاصة أنها تتعلق بأجهزة تتميز بالخطورة“.4

لكن بعض أعضاء مجلس النواب كان لديهم رأي أخر فيما يتعلق بمشروع القانون، حيث أبدى بعضهم تحفظات ومخاوف من إقرار مشروع القانون أثناء مناقشته.

أكد النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، على ضرورة أن تضع التعديلات في الاعتبار فصل عملية استجلاب الأجهزة أو تجميعها عن حيازتها أو استخدامها، فأجهزة الاتصالات تشمل العديد من المعدات مثل اللاب توب والساعة والسماعة وغيرها. لذلك يجب أن نكون حريصين على تحديد الحيازة والاستعمال، لأنه من الممكن أن يتسبب في معاقبة 100 مليون مصري“. كما شدد أيضًا أبو العلا على ضرورة الحذر في التعامل مع العقوبات الواردة في التعديل التشريعي حرصًا على مصلحة المواطنين“.5

بينما أشارت النائبة مها عبد الناصر، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أنه لا توجد أهمية لهذه التعديلات فى الوقت الحالي، مؤكدة أنه لا يوجد مبرر لتغليظ العقوبات على هذا النحو لأنها قد تؤدي إلى معاقبة أي مواطن يقوم بشراء هاتف محمول.6

وفي السياق ذاته أضاف النائب أحمد مهنى أن مشروع القانون جاء فى توقيت حيوي، ولكن من الأهم والأبرز أن يتم تنظيم مسألة الاتصالات وما يتم استيراده أو تجميعه أو تداوله داخل الدولة المصرية حتى لا يكون هناك لغط بشأن الحيازة أو التداول والتصنيع الذي من الممكن أن يضع أحد تحت طائلة القانون دون قصد“.7 أما النائب أحمد الشرقاوي، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، فقد صرّح بأن التعديلات لا تُمثل إضافة للأمن القومى، ولا يجب شغل المجلس بتشريعات ليس ذات أهمية، الأولى أن نتحدث عن تحسين الخدمة أو تعديل القانون لإجبار الشركات على تحسين الخدمة“.8

تعقيب على مبررات وزارة الاتصالات والبرلمان المصري لإصدار القانون

كان مبرر تعديل القانون وفقًا للمذكرة الإيضاحية الصادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو عدم كفاية بعض العقوبات الجنائية المقررة بقانون تنظيم الاتصالات كجزاء جنائي على ارتكاب السلوك المجرَّم. لكن وزارة الاتصالات لم تنجح في إثبات وجهة النظر تلك بأي إفادات، حيث تفتقد المذكرة الإيضاحية التي أصدرتها الوزارة إلى الحد الأدنى من المعايير التي ينبغي توافرها لإثبات عدم كفاية العقوبات المقررة أو حتى وجود ضرورة لتشديدها.

إضافة إلى ذلك، لا يجوز تجريم أي سلوك وتقرير جزاء جنائي له إلا إذا توافرت ضرورة اجتماعية تبرر ذلك، وبالأخص في حالة المساس بالحريات الشخصية للأفراد من خلال التجريم والعقاب. وتؤكد أحكام المحكمة الدستورية العليا على ذلك، فجاء في أحد أحكامها أن السلطة التي يملكها المشرِّع فى مجال التجريم حدها قواعد الدستور، فلا يجوز أن يؤثم المشرع أفعالًا فى غير ضرورة اجتماعية، ولا أن يقرر عقوباتها بما يجاوز قدر هذه الضرورة“.(9)على الرغم من ذلك، خلت المذكرة الإيضاحية من بيان الضرورة الاجتماعية لتعديل القانون وتشديد العقوبة.

تشديد عقوبة الظرف المشدد من السجن إلى السجن المشدد هو تشديد أكثر قسوة وغير مبرر، كما أنه مخالف لتقسيم العقوبات من حيث جسامتها؛ فمن المفترض أن يكون التشديد في الجرائم على الظروف المشددة عبر زيادة مدة أو درجة العقوبة وفقًا للقواعد العامة لقانون العقوبات. في كلتا الحالتين، يجب أن تكون العقوبة على قدر كبير من التناسب مع الفعل المجرم. أكدت المحكمة الدستورية على ذلك في أحكامها المتواترة، وأكد عليه أيضًا دليل إعداد وصياغة مشروعات القوانين الصادر عن وزارة العدل المصرية الذي نص على أنه يجب ألا تكون العقوبة المقيدة للحرية ممعنة في القسوة، فالجزاء يجب أن يتناسب مع الفعل المؤثم ويرتبط هذا المعيار ارتباطًا وثيقًا بالحق الدستوري في الحرية الشخصية، وما يتفرع عنه من ضروة عدم المساس بهذه الحرية إلا بالقدر اللازم لتحقيق الهدف المبتغى من العقوبة، الردع بشقيه، لا ينبع في المقام الأول من شدة العقوبة بقدر ما ينبع من قدرة الدولة على توقيعها على جميع الجناة، فلا يفلت منهم سوى القلة القليلة، وأن يكون توقيت توقيع العقاب لا يفصل بينه وبين ارتكاب الجريمة زمن طويل“.10

وعلى صعيد آخر، اعتبار أن العقوبات الجنائية بقانون الاتصالات غير كافية يستلزم معه إثبات وجود فشل أو قصور في تلك العقوبات. يقصد بذلك أن تطبيق العقوبة المقررة قبل تعديل القانون على من ثبت ارتكابهم للجريمة لم يحول دون إعادة ارتكابهم لها أو ارتكاب آخرين لها، وهو ما لم تثبته المذكرة الإيضاحية التي خلت من أي دراسات أو إحصائيات تؤكد عدم كفاية العقوبات المقررة قبل تعديل القانون.

لم تتضمن المذكرة الإيضاحية أي إحصائيات خاصة بالمادة 77 تؤكد أن نسبة كبيرة من المحكوم عليهم بالحد الأقصى للعقوبة سواء في حالتها العادية أو في حالة توافر الظرف المشدد لها أو في حالة العود لارتكابها مرة أخرى بعد الإدانة قد عادوا لارتكاب الجريمة بعد تنفيذ العقوبات المحكوم عليهم بها، دون أن تردعهم هذه العقوبات عن العودة لارتكاب الجريمة. لرسم صورة كاملة عن مدى كفاية أو عدم كفاية العقوبات المقررة بالقانون قبل تعديله كان من المهم وجود إحصائيات عن عدد المحكوم عليهم بالحد الأقصى للعقوبة في حالة توافر الظرف المشدد، وعدد العائدين لارتكاب ذات الجريمة، وعدد الأحكام الباتة الصادرة بإدانة من عادوا لارتكابها في ظروفها العادية، وعدد المحكوم عليهم بضعف الحد الأقصى للعقوبة في حالتها العادية لعودتهم لارتكاب ذات الجريمة مرة أخرى. إن اثبتت الإحصائيات فشل العقوبة في تحقيق أحد غايتها، وهي الردع الخاص، يمكن في تلك الحالة اقتراح زيادة مقدار العقوبة بالقدر المتوقع معه تحقق هذه الغاية.

خلت أيضًا مبررات تعديل القانون من الإشارة إلى أي إحصائيات لمعدل ارتكاب الجرائم المقترح تعديل عقوبتها ليتسنى التأكد من مدى زيادة معدل ارتكابها وبحث أسباب هذه الزيادة إن وجدت والتأكد أن السبب الوحيد لزيادة معدل هذه الجرائم هو بساطة العقوبة المقررة لها وفشلها في تحقيق الردع العام للأفراد، وليس أي سبب آخر كوجود قصور في كفاءة القائمين على إنفاذ القانون وضبط الجرائم، أو غير ذلك من الأسباب.

أخيرًا، حق استخدام وسائل الاتصال هو أحد الحقوق التي يكفلها الدستور المصري، ويُحظَر تعطيلها أو حرمان الأفراد منها بصورة تعسفية، وفقًاً للفقرة الثالثة من المادة 57 من الدستور الساري. تنص المادة 57 على أن تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها، أو وقفها، أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك“.

كما تكفل المادة 99 من الدستور الحماية للحقوق والحريات العامة وتُجرِّم كل اعتداء عليها. تنص المادة 99 على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وتكفل الدولة تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضمًا إلى المضرور بناء على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون“.

وعلى صعيد متصل، الأصل في الأفعال الإباحة، ولا يجوز تجريم أي سلوك إلا لضرورة اجتماعية غايتها حماية حقوق وحريات ومصالح أفراد المجتمع. كما أن الحماية الجنائية لبعض الحقوق والحريات لا يجوز أن تكون وسيلة للعصف بغيرها من الحقوق والحريات. وينبغي على الدولة القانونية بحكم وظيفتها أن تحمي جميع المصالح القانونية، فهي ليست قاصرة على الدولة وحدها بل إنها تشمل أيضًا حقوق الأفراد التي لا يجوز إهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع. 11 يمثل التوسع في التجريم بهذه الصورة تهديدًا للحقوق والحريات الدستورية للأفراد، وعلى المشرِّع إعادة النظر في هذا القانون وكذلك في جميع التشريعات الأخرى التي تنظم الاتصالات وتقنية المعلومات.

المصادر

1 بيان إعلامي لرئاسة مجلس الوزراء بشأن اجتماع مجلس الوزراء رقم 202 بتاريخ 28 يوليو 2022 بمقر مجلس الوزراء بمدينة العلمين الجديدة.

2 موقع جريدة الشروق تشريعية النواب توافق على تعديلات قانون تنظيم الاتصالات من حيث المبدأ – 30 أكتوبر 2022 – 5:30 م – https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=30102022&id=1a85fb69-c7de-4c56-8578-713e8196a627

3 موقع القاهرة 24 – نواب عن تعديل قانون الاتصالات: يجب الحذر في التعامل مع العقوبات الواردة في التعديل التشريعي – 21 نوفمبر 2022 – 12:39 م – https://www.cairo24.com/1696934

4 موقع برلماني المرجع السابق.

5 موقع برلماني المرجع السابق.

6 دليل جمهورية مصر العربية لإعداد وصياغة مشروعات القوانين، وزارة العدل، الإصدار الأول، يوليو 2018، ص53.

7 تنص الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 على أنويقوم الجهاز بإصدار التصريح أو رفض إصداره خلال مدة لا تجاوز تسعين يوما من تاريخ تسلمه جميع المستندات اللازمة لإصدار التصريح

8 حكم المحكمة الدستورية العليا، جلسة 4 يناير 1997، الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية دستورية“.

9 د. أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، ط 2000، ص 362 وما بعدها.

10 موقع المصري اليوم الإخباري، خبر بعنوان «المصري اليوم» تنشر مسودة تعديل قانون الاتصالات، منشور بتاريخ 27 يونيو 2014، تاريخ آخر زيارة 5 مارس 2023.

11 موقع القاهرة 24 – المرجع السابق.