مقدمة
يتضمن قانون تنظيم الاتصالات المصري الصادر في عام 2003 كافة الأحكام الناظمة لقطاع الاتصالات. يشمل ذلك القواعد العامة للحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة للعمل في مصر والقواعد التي يجب أن يتقيد بها مقدمي الخدمة أثناء تقديم خدمات الاتصالات، بالإضافة إلى تشكيل وصلاحيات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
بُنى قانون تنظيم الاتصالات على فلسفة أن يكون القانون جامعًا لكل ما يتعلق بقطاع الاتصالات، لذلك تضمن القانون بابًا مستقلًا لبعض الجرائم. تخاطب أغلب هذه الجرائم في عمومها مقدمي الخدمة لتوضح الجزاءات المترتبة على مخالفة الضوابط المنصوص عليها للعمل وفقًا لهذا القانون. بينما تخاطب بعض الجرائم الأخرى مستخدمي وسائل الاتصالات، مثل جريمة استخدام وسائل غير مشروعة لإجراء اتصالات، وجريمة تعمد إزعاج أو مضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وهي الجريمة التي تم توجيهها لعدد كبير من المستخدمين خلال العقدين الأخيرين.
في عام 2018 صدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. على عكس قانون الاتصالات، والذي تضمن صورة واحدة لجريمة تعمد الإزعاج، توسع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في صور تجريم “تعمد الإزعاج” و“إساءة استخدام أجهزة الاتصالات“. ومع الصياغات غير الواضحة التي تضمنها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والصياغات العامة التي تضمنها قانون تنظيم الاتصالات أصبح هناك تطبيق مزدوج لنصوص عقابية متعددة في قوانين مختلفة.
تسعى هذه الورقة إلى تقديم شرح لجريمة “تعمد الإزعاج أو المضايقة بإساءة استخدام أجهزة الاتصالات” من خلال بيان التطور التشريعي لمفهوم الإزعاج بداية من قانون العقوبات المصري ووصولًا إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. كما تشير الورقة لموقف المحاكم المصرية من الجريمة ومحاولاتها لوضع تعريف لمفهوم الإزعاج أو المضايقة. تحاول أيضًا الورقة شرح صور السلوك المجرم وفقًا لبعض الأحكام القضائية بالإضافة إلى توضيح الإشكاليات المتعلقة بأركان الجريمة وكيفية تأثير ذلك على مستخدمي وسائل الاتصالات.
سياق “تعمد الإزعاج” في القوانين المصرية المختلفة
جريمة تعمد الإزعاج من الجرائم التي تم النص عليها في قوانين مختلفة من بينها قانون العقوبات، وقانون الاتصالات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. شهد مفهوم الجريمة تطورًا تشريعيًا يمكن ملاحظته من خلال فهم سياقات إقرار الجريمة في كل قانون على حدا، كالتالي:
أولًا: سياق ومفهوم تعمد الإزعاج وفقًا لقانون العقوبات
ظهرت جريمة تعمد إزعاج الغير لأول مرة مع تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية في مارس 1955. استحدث المشرِّع في ذلك التعديل جريمتين وهما جريمة التسبب عمدًا في إزعاج الغير “بإساءة استعمال أجهزة المواصلات التليفونية“، والتي تم النص عليها بالمادة 166 مكرر، وجريمة السب والقذف عن طريق التليفون والتي نصت عليها المادة 308 مكرر.1
أعدت وزارة العدل مذكرة إيضاحية لمشروع تعديل قانون العقوبات الذي استحدث نص المادة 166 مكرر لعرضها على مجلس الوزراء آنذاك للموافقة عليه وإصداره. تضمنت هذه المذكرة تبريرًا لاستحداث المادة 166 مكرر، فعللت وزارة العدل رغبتها في إقرار هذا القانون بالعبارات الآتية:
“كثرت أخيرا الاعتداءات على الناس بالسب والقذف بطريق التليفون واستفحلت مشكلة إزعاجهم في بيوتهم ليلا ونهارا وأسماعهم أقذع الألفاظ وأقبح العبارات واحتمى المعتدون بسرية المحادثات التليفونية واطمأنوا إلى أن القانون لا يعاقب على السب والقذف بعقوبة رادعة إلا إذا توافر شرط العلانية وهو غير متوافر طبقا للنصوص الحالية الأمر الذي يستلزم تدخل المشرع لوضع حد لهذا العبث وللضرب على أيدي هؤلاء المستهترين. وقد رؤى إضافة مادتين إلى قانون العقوبات برقمي 166 مكررا و308 مكررا تعاقب الأولى منهما كل من تسبب عمدا في إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة المواصلات التليفونية وتعاقب المادة الثانية منهما على القذف بطريق التليفون بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 303 كما تعاقب على السب بالطريق المذكور بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 306 فإذا تضمن العيب أو القذف أو السب الذي ارتكب بطريق التليفون طعنا في عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 308 ومن البديهي أنه لا تشترط العلانية لتوافر أركان الجريمة المنصوص عليها في المادة 308 مكررا“.2
في ذات اليوم الذي صدر فيه القانون رقم 97 لسنة 1955، الذي استحدث المادتين 166 مكرر و308 مكرر في قانون العقوبات، صدر قانون آخر وهو القانون رقم 98 لسنة 1955 لإضافة المادة رقم 95 مكرر إلى قانون الإجراءات الجنائية. وتعد المادة 95 مكرر هي أول تنظيم تشريعي في القانون الجنائي المصري لمراقبة المكالمات الهاتفية. جاءت تلك الإضافة لاعتبار أن جريمة الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات من الجرائم التي تحدث في غير علانية ويتعذر إثبات الدليل على ارتكابها إلا باستثناء محدود يرد على الحق في الخصوصية وحرمة المكالمات الخاصة. نصت المادة المضافة إلى القانون على “لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة فى حالة قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المادتين ١٦٦ مكرراً و٣٠٨ مكرراً من قانون العقوبات قد استعان فى ارتكابها بجهاز تليفونى معين أن يأمر بناء على تقرير مدير عام مصلحة التلغرافات والتليفونات وشكوى المجنى عليه فى الجريمة المذكورة بوضع جهاز التليفون المذكور تحت الرقابة للمدة التى يحددها.“3
لم يحدد المشرِّع في تعديلات قانون العقوبات أي تعريف لمفهوم الإزعاج، حيث جاء نص المادة 166 مكرر خاليًا من أي ضوابط يمكن الاستناد إليها في تعريف الإزعاج أو لبيان مدى تحققه. أما محكمة النقض فقد حاولت وضع تعريف لمفهوم الإزعاج وتمييز جريمة تعمد الإزعاج عن غيرها من الجرائم الأخرى. رأت محكمة النقض أن تعريف الإزعاج وفقًا لنص المادة 166 مكرر لا يقتصر على السب والقذف لأن المشرِّع عالجهما بالمادة ٣٠٨ مكرر، وعرفت المحكمة الإزعاج بأنه يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المواطن.4
استندت محكمة النقض في هذا التعريف إلى ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 97 لسنة 1955. يظهر ذلك بوضوح في أحد أحكامها التي تصدت لتفسير نص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات. رأت المحكمة “أن البين من هذه المذكرة الإيضاحية أن إضافة هاتين المادتين كان بسبب كثرة الاعتداءات على الناس بالسب والقذف بطريق التليفون واستفحال مشكلة إزعاجهم ليلًا ونهارًا وإسماعهم أقذع الألفاظ وأقبح العبارات واحتماء المعتدين بسرية المحادثات التليفونية واطمئنانها إلى أن القانون لا يعاقب على السب والقذف بعقوبة رادعة إلا إذا توافر شرط العلانية وهو غير متوافر فقد تدخل المشرع لوضع حد لهذا العبث وللضرب على أيدي هؤلاء المستهترين، ولما كان ذلك وكان الإزعاج وفقًا لنص المادة 166 مكررًا من قانون العقوبات لا يقتصر على السب والقذف لأن المشرع قد عالجها بالمادة 308 مكررًا بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المواطن.“5
ثانيًا: سياق ومفهوم تعمد الإزعاج وفقًا لقانون تنظيم الاتصالات
ظلت أحكام المادة 166 مكرر من قانون العقوبات مستقرة وقائمة حتى صدر قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003. وضع القانون تنظيمًا تشريعيًا كاملًا لكل ما يتعلق بالاتصالات آنذاك بالإضافة إلى مجموعة من التعريفات من بينها تعريفًا محددًا للاتصالات. عرَف القانون الاتصالات بأنها “أية وسيلة لإرسال أو استقبال الرموز، أو الإشارات، أو الرسائل، أو الكتابات، أو الصور، أو الأصوات، وذلك أيا كان طبيعتها، وسواء كان الاتصال سلكيا أو لاسلكيا“6
كما تضمن القانون في الباب السابع مجموعة من العقوبات الجنائية جزاءًا على مخالفة أحكامه. من بين تلك العقوبات المادة 76، والتي تنص على:
“مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من:
(1) استخدم أو ساعد على استخدام وسائل غير مشروعة لإجراء اتصالات.
(2) تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات“7.
على الرغم من أن نص المادة 76 من قانون الاتصالات نسخت أحكام المادة 166 مكرر من قانون العقوبات بمجرد سريان أحكام قانون الاتصالات، إلا أنها لم تختلف كثيرًا عنها. فقد أعاد قانون الاتصالات صياغة ذات النص مع تعديل مقدار العقوبة المقررة، سواء عقوبة الحبس التي زاد حدها الأقصى ليصل إلى ثلاثة سنوات، أو الغرامة التي أصبح لها حد أدني وزاد حدها الأقصى ليصل إلى عشرين ألف جنيه.
التغير الأهم في هذا النص هو استبدال عبارة “أجهزة المواصلات التليفونية“، التي جاءت في قانون العقوبات، بعبارة “أجهزة الاتصالات” لتتسق مع تعريف القانون لمفهوم “الاتصالات“. بذلك توسع المشرِّع في قانون الاتصالات في تجريم وسائل ارتكاب الجريمة لتشمل كافة وسائل الاتصالات سواء التليفونية التقليدية أو غيرها من صور الاتصالات السلكية واللاسلكية.
لم تختلف رؤية المشرَّع لمفهوم الإزعاج في قانون تنظيم الاتصالات عن تفسيره له في قانون العقوبات. وكذلك لم يختلف تفسير محكمة النقض لمفهوم تعمد الإزعاج والمضايقة في هذا القانون عن تفسيرها له في قانون العقوبات، حيث رددت ذات التفسير. انتهت المحكمة في أحكامها إلى أن جريمة إساءة استعمال أجهزة الاتصالات وفقًا لنص المادة 76 من قانون الاتصالات “لا يقتصر على الإزعاج فقط بل يتسع إلى كل قول أو فعل تعمّده الجانى يضيق به صدر المواطن وأياً كان نوع أجهزة الاتصالات المستعملة أو الوسيلة المستخدمة بها“.8
مع ظهور بعض المحاولات الفقهية والأكاديمية لتفسير مفهوم الإزعاج في هذا القانون استندت الدوائر الجنائية بدرجتيها في المحاكم العادية والمحاكم الاقتصادية –كل حسب اختصاصها – إلى تفسيرات مختلفة. التفسير الأكثر شيوعًا بين قضاتها والأكثر استخدمًا في تسبيب أحكامها هو أن “المقصود بالإزعاج أو المضايقة هنا هو أن يقوم أحد الأشخاص باستعمال أجهزة الاتصالات بطريقة يزعج بها الطرف الآخر أو يضايقه وجرم المشرع هذا الفعل إذا ما وقع عن طريق أي جهاز اتصالات سواء كان التليفون أو جهاز الحاسب الآلي المستقبل للبيانات والمعلومات أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الإلكترونية أو الإنترنت أو الاتصال التليفزيوني أو غيرها من وسائل الاتصالات الأخرى، فأي إزعاج أو مضايقة يتم عبر جميع هذه الأجهزة يشكل جريمة طبقاً للمادة 76 في فقرتها الثانية من قانون الاتصالات، فمن يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الإنترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاجاً أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكباً لهذه الجريمة وعلى القاضي تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجاً أو مضايقة للمتلقي من عدمه، فهي مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى حالة أخرى“9
ثالثًا: مفاهيم متعددة للإزعاج وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
ظلت أحكام قانون الاتصالات سارية وقائمة حتى صدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. استحدث القانون من الناحية الموضوعية والإجرائية تنظيمًا تشريعيًا كاملًا لكل ما يتعلق بتقنية المعلومات. كما تضمن القانون مجموعة من التعريفات من بينها تعريفًا محددًا لكل ما يمكن وصفه بتقنية المعلومات، والبيانات والمعلومات الإلكترونية، والنظم والشبكات المعلوماتية، والموقع، والحساب الخاص، والبريد الإلكتروني، والدليل الرقمي، وغيرها من التعريفات التي حددت نطاق تطبيق أحكام هذا القانون.
تضمن الباب الثالث من القانون مجموعة من العقوبات الجنائية جزاءًا على مخالفة أحكامه. من بين تلك العقوبات ما يتلعق بالجرائم التي كانت تمثل قبل سريان القانون صورًا متعددة لإزعاج الغير. حصر المشرِّع “إزعاج الغير” في القانون في صور محددة تمثل كل واحدة منها جريمة مستقلة، وحدد لكل منها نص خاص يتضمن مجموعة من الضوابط والأحكام الخاصة المحددة لأركان الجريمة، وشروطها المفترضة، والعقوبة المقررة لها. لم يفرد المشرِّع لجريمة إزعاج الغير نص عام مثلما فعل في قانون تنظيم الاتصالات.
من الجرائم التي استحدث لها المشرِّع نصوصًا خاصة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الجرائم المتعلقة بالدخول غير المشروع على المواقع أو الحسابات الخاصة، والاعتداء على البريد الإلكتروني أو المواقع أو الحسابات الخاصة، والاعتداء على تصميم المواقع، والاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك وأدوات الدفع الإلكتروني، واصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والمحتوى المعلوماتي غير المشروع.
الشرط اللازم لقيام جريمة تعمد الإزعاج
لفهم الغاية من تجريم سلوك إساءة استعمال أجهزة الاتصالات في إزعاج الغير يجب العودة إلى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 97 لسنة 1955. وذلك لمحاولة استنتاج مدلول الإزعاج دون تعسف أو توسع في التجريم، باعتبار أن الأصل في الأفعال هو الإباحة والتجريم محض استثناء ضيق تحكمه ضوابط محددة لا يجوز التوسع فيها بصورة تتجاوز إرادة المشرِّع وغايته من التجريم.
ذكرت المذكرة الإيضاحية أن الغاية الحقيقة من التجريم هي خلو التشريع الجنائي من نص قانوني يعاقب على ارتكاب جرائم السب والقذف في غير علانية. استنادًا إلى ذلك استحدث المشرِّع المادة 308 مكرر من قانون العقوبات لتجريم كل سلوك يتضمن سب أو قذف في غير علانية عن طريق التليفون، وكذلك نص المادة 166 مكرر، التي نسختها المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات، لتجريم كل إزعاج يتعرض له المجني عليه باستخدام وسائل الاتصال في غير علانية.
دلالة ذلك أن المشرِّع حينما استحدث جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات لم يكن ثمة أساس قانوني لتنظيم مسألة مراقبة المحادثات الهاتفية. كما خلى قانون الإجراءات الجنائية آنذاك من أي تنظيم قانوني للمراقبة التي تسمح بكشف هذه الجريمة التي تقع في غير علانية. جعل ذلك من تطبيق أحكام المادة 166 مكرر وكذلك المادة 308 مكرر أمرًا غير قابل للتطبيق لاستحالة إثبات ارتكاب أي جريمة من الجريمتين اللتين لا تتحقق أي منهما إلا في غير العلانية. دفع ذلك المشرِّع إلى إضافة مادة رقم 95 مكرر إلى قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بمراقبة المكالمات الهاتفية في حالة ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد 166 مكرر و308 مكرر.
بالتالي، أصبح هناك تجريم لسلوك لا يتصور حدوثه إلا في غير علانية، وهو تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات، أو السب والقذف باستخدام وسائل الاتصالات. كما أصبح هناك أساس قانوني يبيح كشف هذه السرية من خلال المادة 95 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية.
ما سبق يؤكد أن المعيار المشترك والأهم في هذه السلوكيات هو أنها تحدث في غير علانية ولايدركها أحد سوى الجاني والمجني عليه. وبالتالي، إذا حدث أي سلوك من هذه السلوكيات في علانية فلا ينطبق عليه النموذج القانوني للجريمة، وذلك سواء أدركته مجموعة مميزة أو غير مميزة من الأفراد، فالعبرة بانتفاء العلانية. ولذلك فيشترط لقيام جريمة تعمد إزعاج الغير باستخدام وسائل الاتصالات أن تحدث في غير علانية باستخدام إحدى وسائل الاتصال المنصوص عليها، وذلك دون التعرض لطبيعة السلوك ومدى ما يتضمنه من إزعاج.
مدى جواز الصلح في جريمة تعمد الإزعاج باستخدام أجهزة الاتصالات
جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات ليست من الجرائم التي يجوز التنازل عن حق المبلِغ بها أو الصلح أو التصالح فيها؛10 فلم ينص قانون تنظيم الاتصالات على إمكانية الصلح أو التصالح بشأن أي من الجرائم المنصوص عليها فيه. كما أن الجريمة ليست ضمن الجرائم التي يجوز فيها الصلح مع المجني عليه، والتي تم تحديدها على سبيل الحصر في المادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية11. لا ينطبق أيضًا على الجريمة شروط التصالح المنصوص عليها في المادة 18 مكرر من ذات القانون.12 بالتالي، فلا أثر للصلح مع المجني عليه على انقضاء الدعوى الجنائية، وللمحكمة أن تقضي بالعقوبة المقررة للجريمة إذا ثبت لها ارتكاب المتهم للجريمة، ولها أن تستعمل حقها في إيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت توافر أي من أسباب إيقاف التنفيذ.
يختلف الأمر بالنسبة لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تضمنت أحكامه جواز الصلح والتصالح في بعض جرائمه التي تشكل صور من جريمة إزعاج الغير باستخدام وسائل الاتصالات. يُجيز القانون الصلح مع المجني عليه أو وكيله الخاص في جرائم الدخول غير المشروع لموقع أو حساب إلكتروني، وتجاوز الحق في الدخول، والاعتراض غير المشروع، والاعتداء على سلامة البيانات والمعلومات والنظم المعلوماتية، والاعتداء على البريد الإلكتروني أو المواقع أو الحسابات الخاصة، والاعتداء على تصميم المواقع، والاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني، وذلك بعد اعتماد الصلح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
كما يجيز القانون الصلح في جرائم معالجة معطيات شخصية باستعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، والعبث بالأدلة الرقمية لأحدى جرائم القانون بقصد إعاقة عمل جهات التحقيق.
تسبب التعدد في النصوص العقابية المجرِمة لذات الفعل في أكثر من قانون والتعدد في النصوص والضوابط الإجرائية إلى وجود حالة من حالات الازدواج في التشريعات الجنائية. تسبب ذلك بدوره في تعطيل الحق في الصلح أو التصالح في أي من جرائم تقنية المعلومات، التي هي ذاتها تشكل صور من جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استخدام وسائل الاتصالات، التي لا يجوز التصالح فيها وفقًا لأحكام قانون تنظيم الاتصالات.
إشكاليات تطبيق جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات
أولًا: ازدواج التجريم عن الفعل الواحد وإشكالية نسخ النصوص
تنص مواد إصدار قانون الاتصالات على إلغاء كل حكم يخالف أحكامه. وبصدور القانون ودخوله حيز النفاذ ونصه على جريمة “تعمد الإزعاج والمضايقة بإساءة استخدام وسائل الاتصال” في المادة 76، نسخ القانون جريمة إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة المواصلات التليفونية المنصوص عليها بالمادة 166 مكرر من قانون العقوبات.
تعد هذه إحدى صور الإلغاء أو النسخ الضمني للنصوص القانونية، باعتبار أن قانون تنظيم الاتصالات هو تشريع جديد يضع تنظيمًا كاملًا لوضع من الأوضاع أفرد له تشريع سابق. يعتبر هنا التشريع السابق منسوخًا جملة وتفصيلًا، ولو انتفى التعارض بين بعض نصوص هذا التشريع ونصوص قانون تنظيم الاتصالات، وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض؛13 فلا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساوٍ له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.14
بالرغم من ذلك، لا تزال جهات إنفاذ القانون تطبق أحكام المادة 166 مكرر من قانون العقوبات. وفي أحيان كثيرة توجه النيابة العامة للمتهمين اتهامات بموجب المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات والمادة 166 مكرر من قانون العقوبات معًا عن الفعل الواحد المكون للجريمة، باعتبارهما حالة من حالات التعدد المعنوي للجرائم، أي أن السلوك الإجرامي يتماس مع أكثر من جريمة. وقضت المحكمة في بعض القضايا بإدانة المتهمين على ارتكاب هاتين الجريمتين.15 يعد هذا خطأ واضح، لأن توجيه الاتهام بموجب المادة 76 من قانون الاتصالات أعم وأشمل ويتضمن كافة صور الإزعاج المحتمل ارتكابها باستخدام وسائل الاتصال.
كما أن المحاكم التي نُظِرت أمامها هذه الدعاوى لم تشهد أي من أحكامها أي تعقيب يتضمن الإشارة إلى إلغاء جريمة إزعاج الغير المنصوص عليها بالمادة 166 مكرر من قانون العقوبات. أقامت المحاكم أحكامها بالبراءة على التشكك في صحة الوقائع، أما الأحكام التي صدرت بالإدانة اعتمدت بالأساس على ثبوت ارتكاب الجريمة ومعاقبة المتهم بموجب نص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات باعتبارها الجريمة الأشد لوجود حالة من حالات التعدد المعنوي للجرائم.
لم يقتصر هذا النهج على المحاكم الجنائية فقط بل شمل محكمة النقض أيضًا. أيدت محكمة النقض في حكم حديث حكمًا بإدانة متهم بارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 166 مكرر من قانون العقوبات الملغي ضمنًا.16
ثانيًا: تنازع اختصاص المحاكم باختلاف القانون الواجب التطبيق
كانت إشكالية تنازع الاختصاص بين المحاكم العادية والمحاكم الاقتصادية محل جدل وخلاف كبير في أحكام المحاكم عند نظر الدعاوى الجنائية التي تتضمن توجيه النيابة العامة للمتهم تهمة ارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير بموجب نص المادتين 166 مكرر من قانون العقوبات ونص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات معًا. كانت كل محكمة ترى أنها المختصة دون غيرها بنظر الدعوى، وذلك حتى صدور التعديل الأخير على قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية بالقانون رقم 149 لسنة 2019،17 والذي نص في مادته الرابعة على:
“مع عدم الإخلال بالاختصاصات المقررة للمحاكم الاقتصادية المنصوص عليها فى أى قانون آخر، تختص المحاكم الاقتصادية بدوائرها الابتدائية والاستئنافية، دون غيرها، نوعياً ومكانياً بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها فى القوانين الآتية: 1)… 2) …. 15) قانون تنظيم الاتصالات.”
بصدور التعديل الأخير على قانون إنشاء المحكمة الاقتصادية أصبحت المحاكم الاقتصادية هي المختصة دون غيرها بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في قانون تنظيم الاتصالات. على الرغم من ذلك، لا تزال النيابة العامة تحيل تلك الدعاوى إلى محاكم الجنايات العادية التي ما زالت تستأثر لنفسها بالاختصاص إذا كانت الجريمة المنصوص عليها في قانون الاتصالات مرتبطة بجناية أو جنحة من اختصاصها، وذلك تمسكًا منها بنص الفقرة الأخيرة من المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على “إذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة، يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك“. دون مراعاه للتعديل المشار إليه في قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الذي قصر الاختصاص بنظر تلك الدعاوى على المحاكم الاقتصادية بدوائرها الابتدائية والاستئنافية دون غيرها.
موقف النيابة العامة من تطبيق جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات
مع صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ظهر ازدواج في التشريعات الجنائية نتيجة لتعدد التشريعات التي تنظم موضوع واحد والتعدد في النصوص العقابية المجرمة لذات الفعل في أكثر من قانون. أدى ذلك إلى حالة من عدم الوضوح انعكست على أداء النيابة العامة، باعتبارها السلطة المختصة بالتحقيق في جرائم الاتصالات وتقنية المعلومات. وظهر ذلك في توجيه الاتهامات وإحالة الدعاوى الجنائية للمحاكم.
توسعت النيابة العامة كثيرًا في إسناد الاتهام بارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استخدام وسائل الاتصالات، المنصوص عليها في المادة 76 من قانون الاتصالات، ومعها أيضًا جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، المنصوص عليها بالمادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. ذلك لأن النيابة العامة اعتبرت أن إرسال الرسائل بكثافة هو أحد صور الإزعاج.
اقترنت الجريمتين ببعضهما البعض كجريمتين مرتبطتين، تدور كل منهما مع الأخرى وجودًا وعدمًا وتتحققا معًا إذا ارتُكِب أي سلوك يرى فيه المجني عليه أنه تسبب في إزعاجه واضطراب سكينته، وذلك على الرغم من أن كل جريمة منهما لها ضوابط موضوعية وإجرائية تختلف عن الأخرى.18
التوسع من جانب النيابة العامة في إسناد الاتهام بارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استخدام أجهزة الاتصالات يأتي بغض النظر عن التحقق من توافر الشرط اللازم لقيام هذه الجريمة. يتمثل هذا الشرط في ارتكاب الجريمة في غير علانية، فالعبرة دائمًا بانتفاء العلانية ليتحقق النموذج القانوني لهذه الجريمة، بحيث لا يدرك ارتكابها أحد سوى الجاني والمجني عليه. يظهر ذلك التوسع في توجيه الاتهام بارتكاب هذه الجريمة لمن ارتكب سلوك في علانية، أو لمن ارتكب سلوك لا يتصور ارتكابه إلا في علانية، مثل كتابة المنشورات ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي بطريق العلانية.
على سبيل المثال، وجهت النيابة العامة في إحدى القضايا اتهام بارتكاب جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصال للمتهم لأنه استخدم حسابه الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر في كتابة ونشر منشورات علنية رأت النيابة العامة أنها تتضمن عبارات انطوت على إهانة للهيئة الوطنية للانتخابات، وعلى أخبار وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.19 وفي قضية أخرى، وجهت النيابة العامة للمتهم ذات الاتهام ﻷنه استخدم حسابه الخاص على فيسبوك في كتابة إحدى المنشورات ونشر صور خاصة للمجني عليه والتعدي عليه بالقذف علانية.20
تعكس هذه الأمثلة التوسع الكبير من جانب النيابة العامة في توجيه الاتهام بارتكاب جريمة تعمد الإزعاج على سلوك أو فعل ارتكب في علانية، والذي يعد تعسفًا لا يمكن تبريره في استعمال سلطتها في توجيه الاتهام، وسوء تفسير لنص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات.
موقف القضاء من تطبيق جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصالات
أولًا: توسع المحاكم في تفسير الإزعاج وتجاوزها للغرض من التجريم
أغفلت التطبيقات القضائية في تفسيرها لجريمة تعمد إزعاج الغير باستخدام وسائل الاتصالات شرط عدم العلانية، كما تغفل النيابة العامة عن هذا الشرط أثناء توجيه الاتهام. انصب اهتمام المحاكم المصرية، سواء كانت المحاكم الجنائية بدرجاتها المختلفة أو محكمة النقض، على طبيعة وسيلة ارتكاب تلك الجريمة، بغض النظر عن توافر حالة العلانية من عدمها.
-
تفسير المحاكم الجنائية:
استندت المحاكم الجنائية بدرجتيها في المحاكم العادية والمحاكم الاقتصادية، كل حسب اختصاصها، إلى أحد التفسيرات. التفسير الأكثر شيوعاً والأكثر استخدامًا في تسبيب الأحكام هو أن المقصود بالإزعاج أو المضايقة أن “يقوم أحد الأشخاص باستعمال أجهزة الاتصالات بطريقة يزعج بها الطرف الآخر أو يضايقه. وجرم المشرع هذا الفعل إذا ما وقع عن طريق أي جهاز اتصالات سواء كان التليفون، أو جهاز الحاسب الآلي المستقبل للبيانات والمعلومات، أو البريد الإلكتروني، أو الرسائل الإلكترونية، أو الإنترنت، أو الاتصال التليفزيوني، أو غيرها من وسائل الاتصالات الأخرى، فأي إزعاج أو مضايقة يتم عبر جميع هذه الأجهزة يشكل جريمة طبقًا للمادة 76 في فقرتها الثانية من قانون الاتصالات. فمن يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الإنترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاجًا أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكبًا لهذه الجريمة وعلى القاضي تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجًا أو مضايقة للمتلقي من عدمه، فهي مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى حالة أخرى.“21
تواترت أحكام القضاء، وعلى نحو خاص أحكام محكمة القاهرة الاقتصادية، في تسبيب أحكامها بالإدانة على ارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير باستخدام وسائل الاتصالات استنادًا إلى التفسير السابق. الاستناد على هذا التفسير يأتي على الرغم من أن وقائع تلك الدعاوى تضمنت نشر باستخدام وسائل الاتصالات بصورة علانية، وهي وقائع لا ينطبق عليها النموذج القانوني للجريمة المنصوص عليها في المادة 76 من قانون الاتصالات، ولم يكن أي منها في غير علانية.22
-
تفسير محكمة النقض:
لم تختلف محكمة النقض كثيرًا عن المحاكم الجنائية في الالتفات عن التحقق من توافر شرط عدم العلانية اللازم لقيام جريمة تعمد إزعاج الغير باستخدام وسائل الاتصالات. توسعت محكمة النقض كثيرًا في إطلاق نص التجريم فجعلته يتضمن جميع وسائل الاتصالات، بما فيها الوسائل التي لا يتصور أن يكون استخدامها في غير علانية، ومنها على سبيل المثال النشر على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر.
يظهر ذلك التوسع في العديد من أحكام محكمة النقض. على سبيل المثال، قررت المحكمة في أحد أحدث أحكامها أن:
“الإزعاج وفقاً لنص المادة 76 من القانون 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات لا يقتصر على السب والقذف اللذان وردا بنص المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات، بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجني عليه، أيا كان نوع أجهزة الاتصالات المستعملة أو الوسيلة المستخدمة. وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوال المجني عليها وما أثبته محرر محضر الضبط وتحريات الشرطة ومحضر الفحص الفني في قسم المساعدات الفنية بإدارة مباحث مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات من تعمد الطاعن إزعاج المجني عليها بإساءة استعماله لأجهزة الاتصال المملوكة له بإنشاء حسابين على موقع فيسبوك والقيام بمشاركات تتضمن تشهير بها وإساءة لسمعتها، وهو ما تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها، ويضحى معه النعي على الحكم بالقصور في التسبيب في غير محله“.23
لم تتوقف محكمة النقض عند هذا الحد، بل امتد توسعها في تفسير نص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات، الملغي بصدور قانون تنظيم الاتصالات، ليشمل جميع وسائل الاتصالات، العلنية وغير العلنية، بما فيها الإنترنت. يأتي هذا التفسير على الرغم من اقتصار نص المادة على “أجهزة المواصلات التليفونية فقط“، ولا يمتد لغيرها من وسائل الاتصالات.
يظهر ذلك التوسع في أحد أحكام محكمة النقض الصادر حديثًا بشأن هذه الجريمة، والذي أيدت فيه المحكمة إدانة متهمين بهذه الجريمة لنشرهم منشورات على موقع فيسبوك تثمل إزعاجًا للمجني عليهم. قررت محكمة النقض في هذا الحكم أن:
“الإزعاج وفقاً لنص المادة 166 مكرراً من قانون العقوبات لا يقتصر على السب والقذف لأن المشرع قد عالجها بالمادة 308 مكررأً بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المواطن. وكان البين من مطالعة مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى قيام الطاعنين بتوجيه عبارات وألفاظ سب من خلال شبكة المعلومات الدولية – الإنترنت – وهي عبارات شائنة وألفاظ تخدش الاعتبار وتم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي – الفيس بوك – الذي توافر باستخدامه ركن العلانية وقصداً من توجيهها خدش اعتبار المدعين بالحقوق المدنية وهذه الاعتبارات الشائنة بذاتها تزعج أي إنسان ويضيق لها صدر أي شخص، وإذ تعمد الطاعنان إتيان ذلك الفعل واتجهت إرادتهما إلى إزعاج سالفي الذكر بتلك العبارات والألفاظ الجارحة الأمر الذي يتحقق به أركان الجريمتين موضوع الدعوى ويضحى ما ينعاه الطاعنان في هذا المنحى غير مقبول“.24
خاتمة
تتفاقم الأزمة المتعلقة بالاستمرار في إصدار تشريعات متعددة يحاول من خلالها المشرِّع التوسع في نطاقات التجريم ذات الصلة باستخدام وسائل الاتصالات. بالإضافة إلى أزمة التحوط المبالغ فيه من جهات إنفاذ القانون في استخدام هذه القوانين جملة واحدة في أي أتهام يرتبط بالنشر الرقمي.
يؤدي ذلك إلى مزيد من القيود على حق المستخدمين في التعبير الحر عن آرائهم. كما أن استمرار العمل بالقوانين التي تهدف إلى تجريم الفعل أو السلوك الواحد بأكثر من جريمة يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين الأفراد، حيث تختلف العقوبة باختلاف القانون المطبق عن ذات الواقعة.
بشكل عام هناك حاجة ماسة إلى المراجعة التشريعية للقوانين الناظمة لقطاع الاتصالات وترشيد الإسراف التشريعي في فرض قوانين ذات طابع عقابي تتعلق بسلوك مستخدمي وسائل الاتصالات المختلفة.
الهوامش
1 مضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1955 – الوقائع المصرية – العدد 18 مكرر – الصادر فى 3 مارس سنة 1955.
2 الجريدة الرسمية – العدد (5) مكرر (أ) – في 4 مارس سنة 2003.
3 مضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1955 – الوقائع المصرية – العدد 18 مكرر – الصادر فى 3 مارس سنة 1955.
4 تنص المادة الأولى من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 على الآتي: يقصد في تطبيق أحكام هذا القانون بالمصطلحات التالية المعانى المبينة قرين كل منها: 1- … 2- …. 3-الاتصالات : أية وسيلة لإرسال أو استقبال الرموز أو الإشارات أو الرسائل أو الكتابات أو الصور أو الأصوات وذلك أيا كان طبيعتها و سواء كان الاتصال سلكيا أو لاسلكيا.
5 الطعن بالنقض رقم ٩٩٢٥ لسنة ٥ ق – جنح النقض – جلسة ٢٠١٦/٠٩/٢٤
6 الطعن بالنقض رقم 25064 لسنة 59 ق – جلسة 1/1/1995 – مكتب فني 46 – جزء 1 – ق 1- ص 24
7 الطعن بالنقض رقم ٢٢٨٤ لسنة ٨٩ ق – جنح اقتصادي – بجلسة ٢٠٢٠/٠٦/١٠، والطعن بالنقض رقم ١١٤٥٦ لسنة ٩٠ ق – جنح النقض – جلسة ٢٠٢١/٠٩/١١.
8 شرح أحكام ومبادئ قوانين الاتصالات للمستشار الدكتور/ عمر الشريف الطبعة الأولى 2008 ص 124.
9 الطعن بالنقض رقم ١١٥٠٥ لسنة ٨٨ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٩/١١/٠٢، والطعن رقم ١٠٠٠٤ لسنة ٨٥ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٦/٠٥/١٩، والطعن رقم ١٦٢٧ لسنة ٤١ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ١٩٧٢/٠٣/٠٦.
10 شرح أحكام ومبادئ قوانين الاتصالات للمستشار الدكتور/ عمر الشريف الطبعة الأولى 2008 ص 124.
11 الطعن بالنقض رقم ٢٢٠٥ لسنة ٨٩ ق –الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢٠/٠٦/٠١.
12 تنص المادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية – المستبدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 – على أن “يجوز للمتهم التصالح فى المخالفات وكذلك فى الجنح التى لا يعاقب عليها وجوبًا بغير الغرامة أو التى يعاقب عليها جوازيا بالحبس الذى لا يزيد حده الأقصى على ستة أشهر . وعلى محرر المحضر أو النيابة العامة بحسب الأحوال أن يعرض التصالح على المتهم أو وكيله ويثبت ذلك فى المحضر. وعلى المتهم الذى يرغب فى التصالح أن يدفع، قبل رفع الدعوى الجنائية، مبلغًا يعادل ثلث الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة، ويكون الدفع إلى خزانة المحكمة أو النيابة العامة أو إلى من يرخص له فى ذلك من وزير العدل.ولا يسقط حق المتهم فى التصالح برفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة إذا دفع ثلثى الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها أيهما أكثر، وذلك قبل صدور حكم فى الموضوع. وتنقضى الدعوى الجنائية بدفع مبلغ التصالح، ولا يكون لهذا الانقضاء أثر على الدعوى المدنية.
13 الطعن بالنقض رقم 22531 لسنة 88 ق – جلسة 5-2-2019 – المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض في جرائم الاتصالات – ص 61
14 الطعن بالنقض رقم 22201 لسنة 88 ق – جلسة 27-2-2019 – المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض في جرائم الاتصالات – ص 61
15 القضية رقم 141 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة، أسندت النيابة العامة للمتهم فيها ارتكاب عدة جرائم من بينها جريمتي إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة للمجني عليه دون موافقته، وتعمد إزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وطلبت محاكمته على جرائم مؤثمة بعدة نصوص عقابية من بينها نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات، وأحالته للمحاكمة الجنائية، والقضية رقم 2260 لسنة 2021 جنح اقتصادي القاهرة، أسندت النيابة العامة للمتهم فيها ارتكاب عدة جرائم من بينها جريمتي إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة للمجني عليه دون موافقته، وتعمد إزعاج المجني عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وطلبت محاكمته على جرائم مؤثمة بعدة نصوص عقابية من بينها نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات، وأحالته للمحاكمة الجنائية.
16 القضية رقم 1592 لسنة 2021 جنح اقتصادي القاهرة.
17 القضية رقم 433 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة.
18 الحكم الصادر بجلسة 19-4-2022 في الدعوى رقم 525 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة، قضت فيه المحكمة بإدانة المتهم لارتكابه عدة جرائم من بينها تعمد إزعاج المجني عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، لاستخدامه أحد الحسابات الشخصية على موقع فيسبوك في انتحال صفة زوجة المجني عليه ووضع صورة لها متضمنة عبارات تشهير، والحكم الصادر بجلسة 28-2-2022 في الدعوى رقم 73 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة، قضت فيه المحكمة بإدانة المتهم لارتكابه عدة جرائم من بينها تعمد إزعاج المجني عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، لاستخدامه أحد الحسابات الشخصية على موقع فيسبوك في نشر منشور يتضمن عبارات سب وقذف للمجني عليه.
19 المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 98 لسنة 1955- الوقائع المصرية – العدد رقم 18 مكرر غير اعتيادي الصادر في 3/3/1955.
20 تنص المادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية – المستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 – على أن “للمجني علية أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال , وذلك فى الجنح والمخالفات المنصوص عليها فى المواد 238 (الفقرتان الأولى والثانية) و241 ( الفقرتان الاولى و الثانية ) و 242 ( الفقرات الاولى و الثانية و الثالثة ) و 244 ( الفقرتان الأولى و الثانية ) و 265 و 321 مكررا و323 و323 مكررا و 323 مكررا أولا و 324 مكررا و 336 و 340 و 341 و 342 و 354 و 358 و 360 و 361 ( الفقرتان الاولى و الثانية ) و 369 و 370 و371 و373 و377 ( البند 9 ) و 378 البنود ( 6 , 7 , 9 ) و 379 ( البند 4 ) من قانون العقوبات و في الاحوال الاخرى التي ينص عليها القانون. ويجوز للمتهم أو وكيله إثبات الصلح المشار إليه في الفقرة السابقة. ويجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى , و بعد صيرورة الحكم باتا. و يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر , وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها , ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة“
21 الطعن بالنقض رقم 22531 لسنة 88 ق – جلسة 5-2-2019 – المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض في جرائم الاتصالات – ص 61
22 أ. محمد كمال عبد العزيز – التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه – مصادر الالتزام، ط3، 2003، ص 193 وما بعدها.
23 القانون رقم 146 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 – الجريدة الرسمية – العدد 31 مكرر (و) في 7-8-2019.
24 الدعوى رقم 141 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة، أسندت النيابة العامة للمتهمين ارتكاب جريمة تعمد الإزعاج بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وطلبت محاكمتهما على جرائم مؤثمة بعدة نصوص عقابية من بينها نص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات، وبجلسة 28/2/2022 قضت محكمة جنح القاهرة الاقتصادية بمعاقبة المتهمين بالحبس سنة وغرامة قدرها خمسة آلاف جنيه. والدعوى رقم 72 لسنة 2022 جنح اقتصادي القاهرة، أسندت النيابة العامة للمتهم ارتكاب جريمة تعمد الإزعاج بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وطلبت محاكمته على جرائم مؤثمة بعدة نصوص عقابية من بينها نص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات، وبجلسة 26/2/2022 قضت محكمة جنح القاهرة الاقتصادية بمعاقبة المتهم بغرامة قدرها ألف جنيه.