إرسال الرسائل بكثافة (سبام) في ضوء تفسير القضاء

تجدون في هذه الورقة:

  • صور السلوك الإجرامي المنصوص عليها في المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
  • تعريف جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته
  • منهج النيابة العامة في توجيه الاتهام بارتكاب الجريمة والإحالة للمحاكمة الجنائية
  • تفسير محكمة القاهرة الاقتصادية لمفهوم جريمة إرسال الرسائل بكثافة
  • أثر التباين بين توجه النيابة العامة والتفسير القضائي لجريمة إرسال الرسائل بكثافة

مقدمة

تناول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات حرمة الحياة الخاصة في فصل مستقل تحت عنوان “الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع”. يتضمن هذا الفصل المادتين 25 و26، والتي جاءت صياغتهما بشكل مضطرب وغير واضح. يرجع ذلك إلى عدم وضوح الصياغات المستخدمة في كتابة القانون بشكل عام، وفي نص المادتين 25 و26 على وجه خاص. تسبب عدم الوضوح في وجود تفسيرات مختلفة لبعض العبارات التي تضمنها هذا الفصل، والتي أدت في تطبيقات قضائية مختلفة لاستخدام نص المادة كصورة من صور حماية الحياة الخاصة، وفي أحيانًا أخرى كقيود تقع على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الترفيهية. ورغم أن أحد الأهداف الرئيسية من إقرار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات هو حماية الحياة الخاصة، حسبما أشارت المذكرة الإيضاحية والتقرير البرلماني المشترك لمجلس النواب عند مناقشة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات1، إلا أن الصياغات الأخيرة التي صدر القانون بها أتت غير معبرة عن هذه الأهداف. تعرض هذه الورقة بعض الملامح الأساسية المتعلقة بجريمة إرسال رسائل بكثافة، مع توضيح أهم التطبيقات القضائية المتعلقة بهذه الجريمة لفهم التفسيرات التي انتهت إليها المحاكم المصرية كخطوة أولى لتحديد الأثر التشريعي المتعلق بإقرار المواد 25 و26.

صور السلوك الإجرامي المنصوص عليها في المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

تضمنت المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات عدة صور للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة وللمحتوى المعلوماتي غير المشروع، وقد جرّم المُشرِّع جميع هذه الصور باعتبارها سلوكيات إجرامية، وحدد لها عقوبات تصل إلى الحبس ما لا يقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويمكن حصر هذه السلوكيات في أربع جرائم على سبيل الحصر، على النحو الآتي:

  1. جريمة الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة.
  2. جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته.
  3. جريمة منح بيانات شخصية لشخص معين إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
  4. جريمة نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخباراً أو صوراً وما في حكمها، تنتهك خصوصية شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.

تعريف جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته

تخضع جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة، كغيرها من الجرائم، للقواعد العامة من الجريمة. فتتكون من ركنين مادي ومعنوي، وقرر لها المشرع عقوبتين إحداهما سالبة للحرية، وهي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والأخرى عقوبة مالية، وهي الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه. كما أن الجريمة تُعد من الجرائم العمدية، فيكفي لتحققها أن يكون مرتكبها عالمًا بمباشرة نشاطه الإجرامي وتتجه إرادته إلى تحقيقه.

عرّف المُشرِّع الركن المادي لهذه الجريمة بأنه “إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته بغض النظر عن محتوى هذه الرسائل”. يتبين من ذلك أن المُشرِّع اشترط لقيام الركن المادي للجريمة توافر شروط أساسية يجب أن تتحق مجتمعة.

الشرط الأول: طبيعة الرسائل “الرسائل الإلكترونية”

أن تكون الرسائل المرسّلة هي رسائل إلكترونية دون غيرها من أنواع الرسائل. فعلى سبيل المثال: الرسائل النصية القصيرة المباشرة (SMS) المرسّلة عن طريق نظام الاتصال والإرسال المباشر لا تقوم بها الجريمة.

الشرط الثاني: عدم قبول تلقي الرسائل 

عدم موافقة المرسّل إليه على تلقي الرسائل الإلكترونية؛ حيث يُشترّط لقيام الجريمة عدم قدرة المرسّل إليه على إيقاف هذه الرسائل غير المرغوب فيها، أو كان إيقافها مشروط بتحمله نفقات إضافية. أما إذا كان تلقي الرسائل أمرًا اختياريًا يتوقف على إرادة المرسّل إليه وحده، فيُعّد عدم إيقافه لتلقيها موافقة ضمنية من جانبه، وفي حالة كان لدى المرسّل إليه سلطة إيقاف تلقي الرسائل ولم يستخدم هذه السلطة فمن الصعب تحقق الجريمة.

الشرط الثالث: شخص المجني عليه “شخص طبيعي” 

لم يذكر نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات صراحة اشتراط أن يكون متلقي الرسائل المزعجة شخصًا طبيعيًا، ولكن السياق العام لإقرار نص المادة يشير إلى أن الغاية من هذا النص هي حماية خصوصية مستخدمي الإنترنت. تشمل حماية الخصوصية هنا الحماية من تطفل وسائل الدعاية التي تلجأ إليها بعض الشركات، من خلال استخدامها لأنظمة وعمليات معالجة إلكترونية لإرسال رسائل لعدد كبير من مستخدمي الإنترنت بصورة عشوائية أو منتظمة. وبالتالي، فأن طبيعة الأشخاص المشمولين بالحماية القانونية وفقًا لهذا النص هم الأشخاص الطبيعيون؛ من ثم يصعب تصور أن الحماية التي يكفلها هذا النص تمتد إلى الرسائل التي تتلقاها الأشخاص الاعتبارية كالشركات والنقابات والأندية والجمعيات وجهات الإدارة وغيرها من هذه الجهات.

الشرط الرابع: الإرسال الكثيف

اشترط المُشرِّع توفر كثافة الإرسال، ولم يضع القانون معاييرًا موضوعية يمكن الارتكاز عليها لتحديد مفهوم الإرسال الكثيف، تاركًا ذلك لمحكمة الموضوع، إعمالاً لسلطتها التقديرية في تحديد مدى وجود كثافة في إرسال الرسائل، حسب ظروف كل واقعة على حدى.

لذلك قد تلجأ المحاكم المصرية لأحد المعايير الأربعة الآتية لتحديد مدى توفر الكثافة في الإرسال لقيام الركن المادي للجريمة من عدمه.

  • المعيار الأول: ضرورة تجاوز عدد الرسائل أكثر من رسالة.
  • المعيار الثاني: وجود مدى زمني لإرسال الرسائل، فقد ترى المحكمة توفر كثافة في الإرسال إذا بدى لها وجود تلاحق زمني سريع بين الرسائل الإلكترونية المرسّلة، أو أن يكون الارسال في مواعيد ثابتة.
  • المعيار الثالث: مضمون ومحتوى الرسائل المرسلة للمجني عليه، لتحديد مدى توافر الإرسال الكثيف والمزعج وفقًا لمحتوى الرسائل الذي في الغالب يأخذ طابع الرسائل الدعائية.
  • المعيار الرابع: استخدام نظام إلكتروني في عملية المعالجة المستخدمة في الإرسال، فربما تلجأ المحكمة للبحث في عملية المعالجة الإلكترونية والنظام الإلكتروني المستخدم في الإرسال لتحديد مدى تحقق كثافة الإرسال باستخدامه، أو لتحديد إذا كانت الرسائل المرسّلة تستهدف عدد محدد من الأشخاص أم أنه أمر  عشوائي. واستندت المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية على هذا المعيار في الحكم الصادر ضد فيسبوك2؛ وعلى الرغم من محاولة استخلاص معايير وضوابط موضوعية لتحديد مدى توفر حالة كثافة إرسال الرسائل الإلكترونية، إلا أن التطبيقات القضائية في هذا الشأن ما زالت غائبة حتى الآن، ولم نصل بعد إلى الاستقرار على تفسير قضائي محدد ومتفق عليه كمبدأ عام.

منهج النيابة العامة في توجيه الاتهام بارتكاب الجريمة والإحالة للمحاكمة الجنائية

حرصت النيابة العامة في السنوات الثلاث الأخيرة على تفعيل مواد التجريم والعقاب في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات دون غيرها، وقد انعكس ذلك بصورة واضحة في بيانات النيابة العامة منذ إنشاء النائب العام لإدارة “البيان والتوجيه” ووحدتها الأهم وهي وحدة “الرصد والتحليل”. وفي هذا السياق توسعت النيابة العامة كثيرًا في إسناد الاتهام بارتكاب جرائم تقنية المعلومات، وعلى وجه خاص الجرائم المنصوص عليها في المادتين 25 و27 من هذا القانون3، دون تحديد معيار موضوعي تستند إليه في إسناد الاتهام بارتكاب هذه الجرائم.

وفي شأن جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، يمكن القول أن النيابة العامة تسند الاتهام بارتكاب هذه الجريمة في حالات عدة من بينها توجيه اتهام بارتكاب جريمة سب، أو قذف، أو تهديد بارتكاب جريمة من خلال الرسائل النصية أو الصوتية عبر أي من تطبيقات التواصل الاجتماعي، معتبرة أن ارتكاب أي من هذه الأفعال ينطبق عليه النموذج القانوني لجريمة إرسال رسائل بكثافة. كما اعتبرت النيابة العامة الجريمة – في صورة مطلقة – كأحد الجرائم التي تمثل تعدد معنوي لجريمة تعمد الإزعاج المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 76 من قانون الاتصالات، واقرنتهما ببعضهما كجريمتين تدور كل منهما مع الأخرى وجودًا وعدمًا، وتتحقا معًا إذا ارتكبت أي من السلوكيات  الموضحة بنص المادة.

وهذا النهج الذي تتبعه النيابة العامة ليس مجرد توجه فردي يمكن حصره في بعض أعضاءها، أو في إحدى النيابات على حدى، بل يبدو أنها حالة مُعممّة؛ باتت بموجبه أوامر الإحالة الصادرة عنها – المتضمنة اتهام بارتكاب جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته – شبه نموذجية، ويمكن بيان ذلك من خلال النموذج التالي:

نحن … وكيل النائب العام، بعد الاطلاع على ملف القضية رقم … لسنة …. قررنا الآتي:

تقيد الأوراق جنحة بالمواد 166 مكررًا و302/1 و303/1 و306 و308 مكررً/1و2 من قانون العقوبات والمواد 70 و76/1 بند 2 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات، والمواد 1 و12 و25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

ضد …. (متهم)

لأنه في يوم …. بدائرة قسم شرطة …. 

أولًا: سب المجني عليه … عن طريق التليفون، بأن أرسل له على تطبيق التواصل الاجتماعي “واتس آب” رسائل تحمل عبارات السب والقذف على النحو المبين بالأوراق.

ثانيًا: قذف المجني عليه … عن طريق التليفون، بأن أرسل له على تطبيق التواصل الاجتماعي سالف البيان رسائل تحمل أمورًا لو كانت صادقة لأوجبت معاقبته قانونًا وذلك على النحو المبين بالأوراق.

ثالثًا: تعمد إزعاج ومضايقة المجني عليه سالف الذكر بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، بأن أرسل إليه الرسائل التي تحمل عبارات السب والقذف، محل الإتهامين الأول والثاني عبر التطبيق سالف البيان، وذلك على النحو المبين بالأوراق.

رابعًا: أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية إلى المجني عليه سالف الذكر، محل الإتهامات الثلاثة السابقة، وذلك دون موافقته، وذلك على النحو المبين بالأوراق“.

تفسير المحكمة الاقتصادية لجريمة إرسال رسائل بكثافة

لحق صدور اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات إحالة العديد من الدعاوى الجنائية للمحاكم الاقتصادية. تضمنت تلك الدعاوى اتهامات بارتكاب جريمة أو أكثر من جرائم تقنية المعلومات المنصوص عليها في الباب الثالث من القانون4؛ من ثم اجتهدت الدوائر الجنائية لهذه المحاكم في تفسير نصوص وأحكام القانون وعلى وجه خاص النصوص ذات الصلة بالأحكام والقواعد الإجرائية والجرائم والعقوبات.

ومع تعدد الأحكام الصادرة في تلك الدعاوى، تبلورت بعض الاتجاهات القضائية في تفسير عدد من جرائم القانون. على رأس تلك الجرائم أتت الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، المنصوص عليها في المادتين 25 و26 من القانون، وعلى وجه الخاص المادة 25، التي تضمنت أربعة صور للسلوك الإجرامي المؤثم. وفي هذا السياق نستعرض تفسير محكمة القاهرة الاقتصادية لجريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، باعتبارها الجريمة الأكثر شيوعًا في ضوء الدعاوى المحالة إليها.

كشفت الأحكام الأخيرة الصادرة عن محكمة القاهرة الاقتصادية عن اتجاهات محددة في تعريف وتفسير جريمة إرسال رسائل بكثافة دون موافقة. تضمنت تلك التعريفات التفرقة بين الرسائل الخاضعة لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والرسائل غير الخاضعة لأحكامه، والشروط اللازم توافرها لإجراء عملية المعالجة الإلكترونية، وتعريف مفهوم الإرسال الكثيف. يمكن الإشارة إلى هذه الجوانب على النحو التالي:

أولًا: الرسائل الخاضعة لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والرسائل غير الخاضعة لأحكامه

الرسائل الخاضعة لأحكام القانون: الرسائل التي أُجريّت عليها عملية أو تقنية إلكترونية لمعالجة البيانات وترسّل عن طريق عملية أو تقنية إلكترونية معدة لذلك تخضع لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وينطبق عليها ما تضمنه من تعريفات في مادته الأولى، وعلى وجه خاص تعريف “المعالجة الإلكترونية”.

الرسائل غير الخاضعة لأحكام القانون: الرسائل النصية القصيرة المباشرة المرسّلة عن طريق نظام الاتصال والإرسال المباشر، والتي لا يتم إجراء معالجة إلكترونيه لها من الطرف المُرسِّل لا تخضع بشكل رئيسي للأحكام والقواعد المنصوص عليها بقانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، ولا تخضع أيضًا لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.

عرّف  قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المعالجة الإلكترونية بأنها “أي عملية إلكترونية أو تقنية تتم كليًا أو جزئيًا لكتابة أو تجميع أو تسجيل أو حفظ أو تخزين أو دمج أو عرض أو إرسال أو استقبال أو تداول أو نشر أو محو أو تغيير أو تعديل أو استرجاع أو استنباط للبيانات والمعلومات الإلكترونية، وذلك باستخدام أي وسيط من الوسائط أو الحاسبات أو الأجهزة الأخرى الإلكترونية أو المغناطيسية أو الضوئية أو ما يُستحدّث من تقنيات أو وسائط أخرى.”

ثانيًا: الشروط اللازم توافرها لإجراء عملية المعالجة الإلكترونية

استقرت المحكمة على ضرورة توافر شرطين مجتمعين لإجراء عملية المعالجة الإلكترونية لهذه الرسائل حتى تتوافر عناصر الركن المادي للجريمة، وهذين الشرطين هما:

الشرط الأول: استخدام وسيط من الوسائط الإلكترونية في ارتكاب الجريمة.

الشرط الثاني: إجراء عملية إلكترونية أو تقنية إلكترونية لمعالجة البيانات.

كما استقرت أحكامها على أن تخلف أي من هذين الشرطين ينتفي معه الركن المادي للجريمة. وينتفي الركن المادي للجريمة كذلك إذا لم تكن طبيعة عملية الإرسال وفقًا للمفهوم الذي تواتر عليه قضاء المحكمة.

ثالثًا: تعريف مفهوم الإرسال الكثيف

امتد تفسير المحكمة إلى تعريف عملية الإرسال الكثيف للرسائل الإلكترونية؛ فعرفته بأنه “شكل من أشكال الإعلانات غير المرغوب فيها التي غالبًا ما تستخدمها الروبوتات الآلية كتقنية معالجة، وترسّل إلى عدد كبير من المستلمين أو تنشّر في عدد كبير من الأماكن، باستخدام عملية أو تقنية إلكترونية لارتكاب هذا الفعل، وهو ما يعرف برسائل 5Spam.”

يتبين من التعريف السابق أن المحكمة قد فرقت بين أمرين:

1- طبيعة الوسيط أو الأداة المستخدمة في إرسال الرسائل المزعجة 

استثنت المحكمة تطبيقات التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري من التطبيقات الإلكترونية والمعالجات التقنية التي تُستخدّم لإرسال الرسائل بكثافة. على سبيل المثال، استبعدت المحكمة تطبيق “واتس آب” من الوسائط التي يتم من خلالها ارتكاب جريمة إرسال الرسائل المزعجة. واسترسلت المحكمة لتصل إلى نتيجة مفادها أن إرسال الرسائل، ولو بكثافة باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي كـ(فيسبوك ماسنجر – تليجرام – واتس آب – تويتر – ….)، لا ينطبق عليه النموذج القانوني للجريمة، لكنه قد يخضع لنموذج قانوني لجرائم أخرى، كجريمة تعمد الإزعاج المنصوص عليها بالمادة 76 من قانون الاتصالات على سبيل المثال.

2- الطبيعة  الخاصة لمُرسِّل الرسائل المزعجة 

ترى محكمة القاهرة الاقتصادية أن فعل الإرسال في جريمة إرسال الرسائل المزعجة يكون من خلال معالجة أو تقنية إلكترونية بواسطة روبوت، وليس من خلال شخص طبيعي بصورة مباشرة، من ثم تكون الرسائل الواردة على الحسابات الخاصة على تطبيقات التواصل الاجتماعي كـ(فيسبوك ماسنجر – تليجرام – واتس آب – تويتر – ….) من أشخاص طبيعيين وبواسطتهم بصورة مباشرة لا ينطبق عليه النموذج التجريمي القانوني لجريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، بينما ينطبق النموذج التجريمي للجريمة على الرسائل النصية والرسائل الواردة على البريد الإلكتروني والمنشورات على الإنترنت.

وتدليلًا على ذلك، قضت محكمة القاهرة الاقتصادية بـالتالي “وحيث أنه عن موضوع التهمة الثالثة بشأن الجريمة المؤثمة بنص المادة رقم 25 من قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والخاصة بإرسال المتهم بكثافة العديد من الرسائل، فإن نص المادة تنص على يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته. ولما كان تعريف المعالجة الإلكترونية بالمادة الأولى بقانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ينص على المعالجة الإلكترونية: أي عملية إلكترونية أو تقنية تتم كليًا أو جزئيًا لكتابة أو تجميع أو تسجيل أو حفظ أو تخزين أو دمج أو عرض أو إرسال أو استقبال أو تداول أو نشر أو محو أو تغيير أو تعديل أو استرجاع أو استنباط البيانات والمعلومات الإلكترونية، وذلك باستخدام أي وسيط من الوسائط أو الحاسبات أو الأجهزة الأخرى الإلكترونية أو المغناطيسية أو الضوئية أو ما يستحدث من تقنيات أو وسائط أخرى. ولما كان وإن ما أتاه المتهم من أفعال كان بواسطة وسيلة من وسائل الاتصالات، ورغم كون الجهاز المستخدم هو تليفون محمول  ويعد جهازًا إلكترونيًا، إلا أنه قام بإرسال رسائل نصية قصير مباشرة دون استخدام معالجة إلكترونية بل ارتكبها عن طريق نظام الاتصال والإرسال المباشر وهو المعاقب عليه في قانون الاتصالات ولا يخضع لما جاء بنص المادة الأولى من قانون تقنية المعلومات والذي فسر المعالجة الإلكترونية بشرطين هو أولًا استخدام وسيط من الوسائط الإلكترونية وثانيًا هو استخدام عملية إلكترونية أو تقنية إلكترونية والتي لم تستخدم من قبل المتهم كونها رسائل نصية مباشرة من هاتف لآخر عن طريق (الواتس اب) وبالرغم من أن الواتس آب هو تطبيقًا إلكترونيًا وثبت إرسال المتهم لعدد من الرسائل عبر تطبيق الواتس آب في سب وقذف المجني عليه إلا أن مثل تلك التطبيقات ليست معالجات تقنية تستخدم للإرسال بكثافة ولكنها تطبيقات وبرامج تستخدم في التواصل الاجتماعي حيث ترى المحكمة أن توصيف الإرسال الكثيف هو مثال لشكل من أشكال الإعلانات غير المرغوب فيها التي غالبًا ما تستخدمها الروبوتات الآلية (كتقنية معالجة) (مثل رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو منشورات الإنترنت) ترسل إلى عدد كبير من المستلمين أو تنشر في عدد كبير من الأماكن مستخدمين لتقنية أو عملية إلكترونية لارتكاب هذا الفعل الأمر الذي لا ينطبق معه الإتهام المبين بنص المادة من قانون تقنية المعلومات وتقضي المحكمة ببراءة المتهم من تلك التهم.6

كما قضت المحكمة أيضًا في حكم أخر متطابق بأنه “ولما كان ذلك وأن ما أتاه المتهم من أفعال كان بواسطة وسيلة من وسائل الاتصالات ورغم كون الجهاز المستخدم هو تليفون محمول ويعد جهازًا إلكترونيًا وبالرغم من واتس آب هي تطبيقات إلكترونية وثبت إرسال المتهم لعدد من الرسائل عبر تطبيق الواتس آب في سب المجني عليه إلا أن مثل تلك التطبيقات ليست معالجات تقنية تستخدم للإرسال بكثافة ولكنها تطبيقات وبرامج تستخدم في التواصل الاجتماعي حيث ترى المحكمة أن توصيف الإرسال الكثيف هو مثال لشكل من أشكال الإعلانات غير المرغوب فيها التي غالباً ما تستخدمها الروبوتات الآلية (كتقنية معالجة) (مثل رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو منشورات الإنترنت) ترسل إلى عدد كبير من المستلمين أو تنشر في عدد كبير من الأماكن مستخدمين لتقنية أو عملية الكترونية لارتكاب هذا الفعل والذي يطلق عليه اسم (spam). الأمر الذي لا ينطبق معه الإتهام المبين بنص المادة 25 من قانون تقنية المعلومات وتقضي معه المحكمة ببراءة المتهم عن تلك التهمة وكما سيرد بمنطوق الحكم7

أثر التباين بين توجه النيابة العامة والتفسير  القضائي للنص التجريمي

اختلف تفسير النيابة العامة عن المحاكم الاقتصادية في شأن جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته اختلافًا وصل إلى التناقض التام؛ فصار الأمر دائرًا بين توجه النيابة العامة غير الموضوعي في استعمال نص المادة كنص تجريمي لدرجة إخراجه من سياقه وافتراض غاية لما يعنيها المُشرِّع أثناء إقراره لهذا القانون، والخلط بينه وبين نص جريمة تعمد الإزعاج المنصوص عليها بقانون الاتصالات، وبين أحكام المحاكم وعلى رأسها محكمة القاهرة الاقتصادية -وتفسيراتها التي جاءت على النقيض من توجه النيابة العامة- فقضت بالبراءة من غالبية الاتهامات التي أسندتها النيابة العامة للمتهمين تعسفًا بموجب هذا النص. وجاءت هذه الأحكام -التي تم الإشارة إليها- تأسيسًا على عدم انطباق النص التجريمي للمادة 25 على الواقعة محل الاتهام.

على الرغم من ذلك، ما زالت النيابة العامة تسير على ذات الخطى؛ تسند الاتهامات بشكل عشوائي ومجتزء من سياق النص القانوني للمادة، وتحيل الدعاوى الجنائية محمولة على اتهامات لم يعنيها المُشرِّع في هذا النص مهدرة لما يكفله الدستور من حقوق وحريات.

الهوامش

1 تقرير صادر عن اللجنة المُشتركة من لجنة الاتصالات ومكتبي الشئون الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي، بتاريخ مايو 2018.

 2 أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية حكمًا في شأن إحدى الدعاوى القضائية المقامة ضد شركة “فيسبوك”، والتي تضمن تفسيرًا من جانب المحكمة لأحد النصوص القانونية التي تضمنها قانون TCPA وهو أحد التشريعات المتعلقة بحماية المستهلك، والذي يحظر على الشركات استخدام برامج الاتصال التلقائية لإجراء مكالمات هاتفية أو إرسال رسائل نصية إلى المستهلكين دون إذن صريح منهم، و قد فرقت المحكمة في حكمها بين نوعين من هذا الإرسال، ورأت أن النوع الأول هو استخدام أنظمة إلكترونية ومعالجات تقنية للإتصال الهاتفي ولإرسال الرسائل بصورة عشوائية لأشخاص غير محددين، وهو المحظور بموجب القانون، أما النوع الثاني فهو استخدام أنظمة إلكترونية ومعالجات تقنية للإتصال الهاتفي ولإرسال الرسائل لأشخاص محددين، وهو ما رأت المحكمة أنه غير محظور بموجب تفسيرها لنص القانون.

3 المادة 27: فى غير الأحوال المنصوص عليها فى هذا القانون، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشا أو أدار أو استخدم موقعا أو حسابا خاصا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً.

4 صدرت اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020.

5 حكم محكمة القاهرة الاقتصادية الصادر في الدعوى رقم 2224 لسنة 2021 جنح اقتصادية  – جلسة 24 يناير 2022.

6 يراجع في هذا المعنى:

    حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 29 مارس 2022، الصادر في الدعوى رقم 121 لسنة 2022 جنح اقتصادية 

    حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 28 فبراير 2022، الصادر في الدعوى رقم 141 لسنة 2022 جنح اقتصادية 

    حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 24 يناير 2022،  الصادر في الدعوى رقم 2093 لسنة 2021 جنح اقتصادية

7 يراجع في هذا المعنى:

حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 24 يناير 2022، الصادر في الدعوى رقم 2224 لسنة 2021 جنح اقتصادية 

حكم محكمة القاهرة الاقتصادية، جلسة 24 يناير 2022، ، الصادر في الدعوى رقم 2236 لسنة 2021 جنح اقتصادية