ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على عدد من القواعد الإجرائية، مثل الشروط الواجب توافرها في الدليل الجنائي الرقمي، والقواعد الخاصة بضبط وتفتيش الأجهزة والشبكات وغيرها من القواعد. لم يكتف المشرع بتفصيل تلك القواعد الإجرائية فقط، بل سعى إلى خلق حالة إجرائية متكاملة يمكن الاعتماد عليها بشكل كلي في حالة ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، دون الحاجة إلى اللجوء لأي قواعد تم النص عليها بقوانين أخرى مثل قانون الإجراءات الجنائية. لذلك، نجد أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قد تضمن الجرائم التي يمكن الصلح فيها، مبينًا الشروط التي يجب توفرها لإعمال قواعد الصلح، والأثر المترتب على إتمام الصلح.
تشير هذه الورقة إلى القواعد الأساسية المتعلقة بالصلح والتصالح، كونه أحد البدائل التي يمكن من خلالها تجنب عقوبات سالبة للحرية، خاصة وأن القانون قد تضمن عقوبات مقيدة للحرية قاسية وغير متناسبة مع الجرائم التي يعاقب عليها، بالإضافة إلى الغرامات المرتفعة التي تضمنتها أغلب العقوبات المنصوص عليها بالقانون.
القواعد العامة المتعلقة بالصلح والتصالح
في البداية يجب التفرقة بين عمليتي “الصلح” و”التصالح”، وذلك لأن إعمال أيًا منهم يتعلق بشروط وضوابط إجرائية مختلفة. يمكن القول أن الصلح هو عملية أطرافها الأساسية: الجاني من ناحية، والمجني عليه/عليهم أو وكيلهم من ناحية أخرى، أي أن كل من الجاني والمجني عليه/عليهم من الأفراد، أما التصالح فهي علاقة أطرافها المتهم من جهة، وإحدى الجهات الحكومية أو الإدارية من جهة أخرى، ويُقصَّد هنا أن التصالح يحدث في حالة كون الجريمة قد أُرتكِبت في حق إحدى الجهات الحكومية. ومن الأدق في هذا الأمر قول أن التصالح يتم في الجرائم التي لا تُرتْكب في حق أحد الأفراد، فهي جريمة تحدث بالأساس في حق المجتمع نتيجة لمخالفة القانون، دون حدوث ضرر مباشر بآحاد الأفراد.
قبل الحديث عن القواعد التي استحدثها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فيما يتعلق بقواعد الصلح أو التصالح، يجب أن نستعرض القواعد العامة التي تنظم هذه الإجراءات، والتي تم ذكرها بقانون الإجراءات الجنائية بوصفه الشريعة العامة التي تنظم كافة القواعد الإجرائية، ويمكن اللجوء إليها إذا ما اقتضت الحاجة، فالصلح في قانون الإجراءات الجنائية يتم في المخالفات أو الجنح مثل بعض الحالات في جرائم القتل الخطأ، والضرب، وجرائم الإتلاف العمدي للأموال الثابتة أو المنقولة، وجرائم إزعاج السُكّان أثناء الليل. يتم الصلح وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية من المجني عليه أو ورثته أو وكيل خاص عنهم، ويتم إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال، كما يجوز للمتهم أو وكيله إثبات الصلح، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة عن طريق الإدعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح في أثناء تنفيذها، وفي كل الأحوال لا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة. أما التصالح، وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، يتم في حالة ارتكاب جنح لا يعاقب عليها وجوبًا بغير الغرامة أو التي يعاقب عليها جوازيًا بالحبس الذي لا يزيد حده الأقصى على ستة أشهر، وكذلك يمكن التصالح في بعض الجرائم المرتبطة بالاختلاس والاستيلاء والعدوان على المال العام.
تختلف إجراءات التصالح حسب طبيعة الجريمة المرتكبة، فجرائم الاعتداء على المال العام تتطلب تقديم طلب من المتهم أو المحكوم عليهم أو وكيلهم الخاص، وتتم التسوية عن طريق لجان متخصصة من الخبراء يتم تشكيلها بقرار من مجلس الوزراء، أما عند التصالح في الجنح المشار إليها سابقًا – التي لا يعاقب عليها وجوبًا بغير الغرامة أو التي يعاقب عليها جوازيًا بالحبس الذي لا يزيد حده الأقصى على ستة أشهر- فيحق للنيابة العامة أن تعرض التصالح على المتهم أو وكيله ويُثبْت ذلك في المحضر، وعلى المتهم الذي يرغب في التصالح أن يدفع، قبل رفع الدعوى الجنائية، مبلغًا يعادل ثلث الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة، ويكون الدفع إلى خزانة المحكمة أو النيابة العامة أو إلى من يُرخَّص له في ذلك من وزير العدل، ولا يسقط حق المتهم في التصالح برفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة إذا دفع ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها أيهما أكثر، وذلك قبل صدور حكم في الموضوع، وتنقضي الدعوى الجنائية بدفع مبلغ التصالح، ولا يكون لهذا الانقضاء أثر على الدعوى المدنية.
الشروط الواجب توافرها لإتمام إجراءات الصلح والتصالح وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
حدد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات شروط خاصة لإتمام عملية الصلح أو التصالح، لذلك يجدر الإشارة في البداية إلى ضرورة التقيد بهذه الشروط في سياق التطبيقات المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فقط، ولا يمكن أن تمتد هذه الشروط أو الإجراءات لأي جرائم أخرى. يمكن إيجاز الشروط اللازم توافرها لإتمام الصلح في النقاط التالية:
- يجوز للمتهم إثبات الصلح في أية حالة كانت عليها الدعوى الجنائية و قبل صيرورة الحكم باتًا.
- إثبات الصلح مع المجني عليه أو وكيله الخاص أو خلفه العام، يتم أمام النيابة العامة أو المحكمة المختصة.
- في بعض الجرائم يُشتَّرط أن يتم اعتماد الصلح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بالنسبة للجنح المرتبطة بجرائم (الدخول غير المشروع – الاعتداء على سلامة البيانات والمعلومات والنظم المعلوماتية – الاعتداء على البريد الإلكتروني أو المواقع أو الحسابات الخاصة – الاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك وخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني).
أما فيما يتعلق بالتصالح، فقد وضع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بعض الضوابط التي يجب التقيد بها حتى يكون التصالح نافذًا، من بينها:
- يجب على المتهم الذي يرغب في التصالح أن يسدد قبل رفع الدعوى الجنائية مبلغًا يعادل ضعف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة. ويكون السداد إلى خزانة المحكمة المختصة أو النيابة العامة بحسب الأحوال.
- لا يسقط حق المتهم في التصالح برفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة إذا دفع ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى، أيهما أكثر، وذلك قبل صدور حكم نهائي في الموضوع.
- أن يتم التصالح من خلال الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في جريمتين على سبيل الحصر:
- الجرائم المرتكبة من مدير الموقع أو الحساب أو البريد الإلكتروني المتعلقة بضرورة اتخاذ تدابير الحماية المنصوص عليها في المادة 29 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
-
الجريمة المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للمسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري، إذا تعرض الموقع أو الحساب الخاص أو البريد الإلكتروني أو النظام المعلوماتي المخصص للكيان الذي يديره لأي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ولم يُبلِّغ بذلك الجهات المختصة وقت علمه بالجريمة.
الشروط الواجب توافرها لإتمام إجراءات الصلح والتصالح وفقًا للائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
نظمّت اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات إجراءات الصلح المنصوص عليها بالمادة 42 من القانون على نحو مفصل1؛ فحددت المستندات المطلوب استيفائها لاعتماد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات إقرار المجني عليه بالصلح في بعض جرائم القانون، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
- شهادة صادرة من النيابة أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال بالقيد والوصف للجريمة محل الصلح.
- صورة طبق الأصل من المحضر أو الوثيقة التي أثبت فيها الصلح بين المتهم والمجني عليه أو وكيله الخاص أو خلفه العام أمام النيابة أو المحكمة المختصة والمتضمنة إقرار المجني عليه بهذا الصلح.
- شهادة صادرة من النيابة المختصة تفيد عدم صدور حكم نهائي في الدعوى الجنائية.
- طلب باسم الرئيس التنفيذي للجهاز لاعتماد المحضر أو الوثيقة المتضمنة إقرار المجني عليه بالصلح يُقدّم من المتهم أو من وكيله أو من خلفه العام.2
أما عن الإجراءات والمستندات التي يجب استيفائها لإتمام التصالح، فإنه وفقًا لما جاء بالمادة 42 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ فإن التصالح في الجرائم المنصوص عليها بالمادتين 29 و35 من القانون، على سبيل الحصر، يتم من خلال الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات باستيفاء وتقديم ما يلي:
- شهادة صادرة من النيابة أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال بالقيد والوصف للجريمة موضوع التصالح.
- شهادة صادرة من النيابة المختصة تفيد عدم صدور حكم نهائي في الجريمة محل طلب التصالح.
- أن يُقدِّم المتهم الراغب في التصالح أو كيله قبل رفع الدعوى الجنائية الإيصال الدال على سداده مبلغًا يعادل ضعف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة.
- أن يُقدِّم المتهم الراغب في التصالح أو كيله بعد رفع الدعوى الجنائية الإيصال الدال على سداده ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى للغرامة، أيهما أكثر، قبل صدور حكم نهائي في الموضوع.3
ولا يمكن الجزم بحدود سلطة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في قبول التصالح أو عدم قبوله في شأن الجرائم المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 42 من القانون، وهي الجرائم التي تُرتْكب من مدير الموقع بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات التأمينية أو تعريض الموقع لحدوث جريمة، المنصوص عليها بالمادة 29 من القانون، وجرائم المسؤولية الجنائية عن الإدارة الفعلية لأي شخص اعتباري، إذا تعرض الموقع أو الحساب الخاص أو البريد الإلكتروني أو النظام المعلوماتي المخصص للكيان الذي يديره لأي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ولم يُبلِّغ بذلك الجهات المختصة وقت علمه بالجريمة المنصوص عليها بالمادة 35 من القانون.
كما أنه لا يوجد تطبيقات قضائية حتى الآن يمكن من خلالها فهم توجّه الجهاز في هذا الشأن، لذا نرى أن للجهاز سلطة تقديرية واسعة في قبول التصالح أو رفضه، ولكن يُرجّح أن تُقبل طلبات التصالح في أي من الجريمتين في حالة ورود خطاب من النيابة العامة المختصة بالتحقيق يفيد بطلب التصالح في أي منهما، فطلب التصالح سيقبل بعد استيفاء المستندات المطلوبة، لذلك من الأفضل أن يُطلَب من النيابة العامة مخاطبة الجهاز بشأن التصالح في أي من هاتين الجريمتين.
الأثر المترتب على الصلح أو التصالح في الجرائم الجنائية
تنقضي الدعوى الجنائية كأصل عام بصدور حكم نهائي بات فيها، والانقضاء يعني انتهاء الدعوى الجنائية، وقد تنقضي لأسباب أخرى غير الحكم البات، كوفاة المتهم، أو تقادمها بمضي المدة، أو العفو عن الجريمة، أو الصلح، أو التنازل عن الشكوى، أو الطلب، وقد تختلف الطبيعة الإجرائية والأثر المترتب على عملية الصلح باختلاف المرحلة التي يتم خلالها من مراحل التقاضي المختلفة.
مرحلة التحقيق والمحاكمة: يتم الصلح أو التصالح في مرحلة التحقيق الابتدائي، وفي هذه الحالة يجب على جهة التحقيق عدم تحريك الدعوى الجنائية، والأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا كانت اتخذت أحد إجراءات التحقيق. أما أثر الصلح أو التصالح في مرحلة المحاكمة فيحدُث إذا توافر أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية، كالصلح في أثناء مرحلة المحاكمة في أي درجة من درجات التقاضي؛ فتقضي المحكمة – من تلقاء نفسها ولو لم يدفع بذلك أي من الخصوم – بانقضاء الدعوى الجنائية، باعتبار أن أسباب الانقضاء من النظام العام. أما إذا كان سبب الانقضاء في مرحلة المحاكمة يرجع للتصالح، فيجب أن يكون قبل صدور حكم نهائي في موضوع الدعوى.
ولا يؤثر انقضاء الدعوى الجنائية على حق المضرور في الدعوى المدنية؛ فإذا كان الانقضاء في أي من مرحلتي التحقيق أو المحاكمة فيجوز له إقامة دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية المختصة، وإذا كان الانقضاء في مرحلة المحاكمة فيجوز له الاستمرار في الدعوى المدنية المرفوعة تبعًا للدعوى الجنائية.
أثر الصلح أو التصالح في مرحلة تنفيذ العقوبة: في حالة توفر أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية – كالصلح أو التنازل عن الشكوى على سبيل المثال – أثناء تنفيذ العقوبة المحكوم بها، بحكم نهائي بات، فتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة، ولو كانت الدعوى مرفوعة عن طريق الادعاء المباشر4. وبشكل عام يترتب على الصلح أو التصالح – في الجرائم التي يجيز فيها المشرع ذلك – انقضاء الدعوى الجنائية قبل المتهم، ويختلف أثرهما على الدعوى المدنية المرتبطة بالدعوى الجنائية، فلا يمتد أثر الانقضاء إليها، ولا أثر لذلك على حقوق المضرور من الجريمة.
وفي كل الأحوال يكون الادعاء بالحقوق المدنية بطلب التعويض عن الجريمة الجنائية على المتهم أو على المسئول عن الحقوق المدنية – حسب الأحوال – كما لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع، حالًا أو مستقبلًا. كما أن الحكم الصادر للمدعي مدنيًا فيها بالتعويض المؤقت، لا يصادر حقه في المطالبة بالتعويض النهائي أمام المحكمة المدنية. وإضافة لذلك، يجوز لمن أصابه ضرر من الجريمة، سواء ضرر مباشر أو غير مباشر، أن يلجأ إلى المحكمة المدنية المختصة للمطالبة بالتعويض عما أصيب من ضرر جراء الجريمة الجنائية. وفي حالة الصلح مع المجني عليه أو المدعي بالحق المدني في الدعوى الجنائية – حسب الأحوال – فإن أثر الصلح، وهو انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، يقتصر على الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية – سواء كانت دعوى مدنية مقامة أمام المحكمة الجنائية لارتباطها بالدعوى الجنائية محل الصلح، أو دعوى تعويض مدنية مقامة أمام المحكمة المدنية المختصة، إلا إذا صرح المدعي بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية بترك حقه في التعويض.
الأثر المترتب على الصلح أو التصالح في جرائم مكافحة تقنية المعلومات
انتهت الفقرة الأخيرة من المادة 42 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات إلى توضيح الأثر المترتب على الصلح في الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون، وهو لا يختلف كثيرًا عن الأثر المترتب على الصلح أو التصالح في قانون الإجراءات الجنائية والقوانين الجنائية الخاصة؛ إذ رتب المشرع انقضاء الدعوى الجنائية قبل المتهم، كأثر للصلح مع المجني عليه، سواء كان الأخير شخصًا طبيعيًا أم اعتباريًا، كما قصر المشرع ذلك الأثر على الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية، سواء كانت دعوى مدنية مقامة أمام المحكمة الجنائية لارتباطها بالدعوى الجنائية محل الصلح، أو دعوى تعويض مدنية مقامة أمام المحكمة المدنية المختصة، إلا إذا صرح المدعي بالحق المدني أمام المحكمة الجنائية بترك حقه في التعويض.
ومع صمت المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 42 من القانون، عن الأثر المترتب على تصالح المتهم مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في الجرائم المنصوص عليها في المادتين 29 و35 من القانون على سبيل الحصر، باعتبارهم استثناء من القواعد العامة للتصالح المنصوص عليها في المادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية؛ فإنه يمكن تفسير ذلك بالمفهوم المعاكس لنص المادة، حيث يتبين أن المشرع – وعلى خلاف الأصل العام – لم يجعل انقضاء الدعوى الجنائية أثرًا وجوبيًا بقوة القانون، مترتبًا على تصالح المتهم مع الجهاز في هذه الجرائم، ومن ثم صار انقضاء الدعوى الجنائية في هذه الحالة على وجه التحديد، من كونه دفع من النظام العام، تلتزم به جهة التحقيق المختصة أو محكمة الموضوع من تلقاء نفسها، ولو لم يدفع به أي من الخصوم، إلى دفع موضوعي تستقل به جهة التحقيق أو محكمة الموضوع حسب الأحوال؛ فأباح المشرع لأي منهما قبول أو رفض طلب التصالح، حتى إذا استوفى المتهم جميع شروط التصالح المنصوص عليها في القانون ولائحته التنفيذية.
يتبين أيضًا من نص الفقرة الثالثة من المادة 42، خلو القانون من تحديد مدة زمنية مقبولة يلتزم خلالها الجهاز بالرد على ما قد يُقدَّم إليه من طلبات تصالح في شأن هذه الجرائم، إضافة إلى خلوه من أي أثر قانوني يترتب على امتناع الجهاز عن الرد على ما قد يُقدَّم إليه من هذه الطلبات، وكذلك عن امتناع الجهاز عن قبول الطلب رغم استيفاءه لكافة المستندات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية للقانون. لذلك نرى أن المشرع منح للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات – الذي لا يُقبَّل التصالح إلا من خلاله في هذه الجرائم – ضمنيًا سلطة تقديرية مطلقة في رفض، أو قبول، أو القبول المشروط، أو الامتناع عن الرد على طلب التصالح في جرائم أي من المادتين 29 و35 من القانون؛ وهو ما يعد توسعًا غير مبرر لسلطات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وتحوله من هيئة قومية منوط بها تنظيم وإدارة قطاع الاتصالات إلى جهة إدارية تملك سلطة التصالح في قضايا ودعاوى جنائية، وهي إحدى اختصاصات السلطة القضائية وحدها دون غيرها.
جرائم تقنية المعلومات التي لم تخضع للضوابط المتعلقة بالصلح أو التصالح
لم تأتي صياغة النصوص المتعلقة بالصلح أو التصالح بشكل يسمح بتطبيق قواعد الصلح على أي من جرائم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ما يعني أن الجرائم التي ذكرت فيما يتعلق بالصلح أو التصالح جاءت على سبيل الحصر، وهو ما يفهم منه عدم جواز التصالح في بقية جرائم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، أو بمعنى أكثر دقة، لا يوجد دليل واضح على جواز التصالح فيها، ومن أبرز الجرائم التي لم يتم النص صراحة على جواز الصلح أو التصالح فيها، كافة جرائم الاعتداء على الأنظمة المعلوماتية التي تُدار بمعرفة أو لحساب الدولة أو مملوكًا لها أو يخصها. مثل جرائم تجاوز حدود الحق المخول له من حيث الزمان أو مستوى الدخول أو اختراق موقعًا أو بريدًا إلكترونيًا أو حسابًا خاصًا أو نظامًا معلوماتيًا يُدار بمعرفه أو لحساب الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، كذلك كافة الجرائم المتعلقة بالاعتداء على سلامة الشبكة المعلوماتية، مثل إيقاف الشبكة عن العمل أو تعطيلها أو الحد من كفاءة عملها أو التشويش عليها أو إعاقتها، وكذلك الجرائم المتعلقة باصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني، بالإضافة إلى الجرائم المتعلقة بإخلال مقدمي الخدمة بالالتزامات الواردة بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات مثل امتناع مقدمي الخدمة عن تنفيذ الأوامر القضائية بحفظ البيانات أو المعلومات وغيرها من الالتزامات الواردة بالمادة رقم 2 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
الصلح والتصالح في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
الهوامش
1 اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020 و المنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 35 تابع في 27/8/2020.
2 يُراجَع في ذلك المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
3 يُراجَع في ذلك المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
4 يُراجَع في هذا المعنى الوسيط في الإجراءات الجنائية – مؤلف للدكتور أحمد فتحي سرور – الكتاب الأول – الطبعة العاشرة (مطورة) – 2016 – دار النهضة.