محاكمة قديمةٌ لفضاءٍ جديد

قراءة في الحكم القضائي الصادر في قضية “فتيات تيك توك”


تحميل نسخة بصيغة PDF

المنهجية

يقدم هذا التقرير عرضًا تحليليًّا لحكم محكمة القاهرة الاقتصادية (دائرة الجنح) بمعاقبة “مودة الأدهم” و“حنين حسام” بالحبس والغرامة المالية لقيامهما بنشر محتويات عبر الإنترنت، رأتها السلطات المصرية مُخلة بمبادئ وقيم الأسرة المصرية ومنافية للآداب العامة. ويعتبر هذه الحكم أول تطبيق قضائي لنص المادة 25 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، التي تجرِّم الاعتداء على قيم الأسرة. وتعتبر هذه المحاكمة استمرارًا لسلسلة الانتهاكات المتوالية ضد حرية التعبير وحرية استخدام الإنترنت التي ترتكبها السلطات المصرية على مستوًى غير مسبوق منذ عام 2013 بدعوى حماية النظام العام والآداب العامة والأمن العام. وقد أثارت هذه المحاكمة موجة انتقادات داخل الدوائر الحقوقية والسياسية التي رأت أن القبض على هاتين الفتاتين انتهاكًا جديدًا لحرية التعبير وتمييزًا ضد النساء بدعوى حماية المعايير الأخلاقية التي تدَّعي السلطات أنها سائدة في المجتمع ومن مكونات النظام الاجتماعي. يركز هذا التقرير في مدى تأثير هذا الحكم على تمتع الأفراد بحرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية الأخرى المنصوص عليها في الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الملزمة للسلطات المصرية. ويعتمد التحليل الذي يقدمه التقرير على ما جاء بأوراق التحقيقات والحكم الصادر في القضية المُتهم فيها مودة الأدهم وحنين حُسام وثلاثة آخرون في القضية رقم 246 لسنة 2020 والمنظورة الآن أمام محكمة جنح مُستأنف القاهرة الاقتصادية، كما يعتمد التقرير على التقارير البرلمانية الصادرة عن لجنة الاتصالات بمجلس النواب، واللجان المُشتركة التي انعقدت داخل المجلس أثناء إقرار قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2028، والتي ضمَّت: لجنة الاتصالات، لجنة الأمن القومي ولجنة الشؤون الدستورية والتشريعية. وتبين هذه التقارير البرلمانية خلفية القانون وغرضه التشريعي لتمكين القراء من المقارنة بين الأغراض الأصلية التي تم سن بعض نصوص القانون من أجلها، وبين تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع.

مُقدمة

شهدت الساحات القضائية منذ شهر إبريل 2020 ازديادًا ملحوظًا في استخدام نصوص قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وبشكل أكثر تحديدًا الاتهام بـ”الاعتداء على القيم والمبادئ الأُسرية”، المنصوص عليه في المادة 25 من القانون، ضد عدد من الفتيات والنساء اللاتي يقمن بنشر محتويات ترفيهية تتضمن مقاطع غنائية وراقصة على بعض منصات التواصل الاجتماعي. وقد تقدم عدد من المحامين والمواطنين ببلاغات وشكاوى إلى النيابة العامة تتهم هؤلاء الفتيات بنشر الفسق والفجور ونشر محتويات مُخلة بالآداب العامة عن طريق الإنترنت. بناء على هذه البلاغات، وبعد صدور أمر عن النيابة العامة، قامت الشرطة المصرية بالقبض على عدد من الفتيات والسيدات وأحالتهن إلى النيابة العامة. حيث تم توجيه الاتهام إلى تسع فتيات وسيدات على الأقل بالاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية، وصدر عدد من الأحكام الابتدائية بالحبس والغرامة في حق بعضهن، بالإضافة إلى توجيه اتهامات بالاشتراك في ارتكاب الجريمة، عن طريق الاتفاق والمساعدة، إلى القائمين على إدارة الصفحات الشخصية لهؤلاء الفتيات، ومسئولي إدارة بعض التطبيقات التي تقوم بنشر المقاطع المرئية محل الاتهامات المنسوبة إليهن .

يبدأ التقرير بعرض البيانات الخاصة بالقضية، ثم ينتقل إلى استعراض إجراءات التحقيق التي شملت جمع التحريات عن المتهمين، والتحقيق معهم، وإحالتهم إلى المحاكمة أمام محكمة القاهرة الاقتصادية بعد توجيه اتهامات محددة إليهم. ينتقل التقرير بعد ذلك إلى عرض التطبيقات القضائية الأولى لجريمة “الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية” المنصوص عليها بموجب المادة 25 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، كما يطرح التقرير قراءة مُغايرة للرواية الرسمية التي تبنتها جهات التحقيق والمُحاكمة في تفسير نص هذه المادة وذلك من خلال إعادة تفسير النص في ضوء التقارير البرلمانية التي صدرت أثناء وضع مشروع قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أن تكون قضية الفتاتين مودة الأدهم وحنين حسام، دراسة حالة، لفهم هذا النص. يناقش القسم الأخير في الورقة أوجه التعارض بين نص المادة 25 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات وبين نصوص الدستور المصري.

محاكمة أخلاقية لمنصات جديدة: بيانات أساسية حول القضية

مع مطلع شهر إبريل من العام الحالي (2020) أصدرت النيابة العامة عددًا من البيانات الإعلامية تفيد بضلوع عدد من الفتيات بنشر صور ومقاطع مرئية عبر بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل: “تيك توك” و”لايكي” و”إنستجرام”، تتضمن محتويات غنائية وراقصة خادشة “للحياء العام”، وتهدد “قيم ومعايير الأسر المصرية”.1

وقد حذرت النيابة العامة من تبعات نشر هذه المحتويات على معايير الآداب العامة السائدة في المجتمع، مطالبة الأسر بفرض رقابة على استخدام أبنائهم الإنترنت. وقد شكلت هذه البيانات الإعلامية فاتحة لعدد من الملاحقات القضائية لعدد من مستخدمات ومستخدمي هذه المنصات، عُرِفت إعلاميًّا بقضية “فتيات تيك توك”. وقد اعتبرت “مسار” أن هذه الملاحقات القضائية تشكل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير وحرية استخدام الإنترنت.2

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتدخل السلطات القضائية أو سلطات إنفاذ القانون في سلوك الأفراد بدعوى حماية الآداب العامة. فأرشيفات المحاكم الجنائية والجهات الإدارية في مصر مليئة بمئات القضايا التي تم الزج بأصحابها في السجون أو منع أعمالهم الإبداعية من التداول عبر الإنترنت والوسائط الأخرى بسبب التعبير بالقول أو بالفعل أو بالإشارة عن أمور رأتها السلطات، أو بعض المواطنين، تهدد الحياء العام والآداب العامة وتستوجب المنع أو العقاب.3 كذلك فإن نصوص القوانين العقابية تتضمن العديد من النصوص المعادية لحقوق الإنسان التي تعاقب على العديد من الأفعال بدعوى حماية المعايير ذاتها.4 إلا أن الجديد في قضية “فتيات تيك توك” أن السلطات لم تعتمد بشكل رئيسي على قانون العقوبات لمحاكمة هؤلاء الفتيات باتهامات الإخلال بالآداب العامة، بل اعتمدت على قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر عام 2018 لتقييد استخدام الأفراد للفضاء الرقمي في التعبير عن آرائهم وفرض سلطة الدولة على التعبير السياسي والفني والديني والترفيهي عبر الإنترنت. أيضًا فإن قضية “فتيات تيك توك” بالرغم من شمولها عددًا من المتهمين الذكور، فإن من طالتهم أصابع الاتهام بصفتهم فاعلين أصليين في الجرائم محل المحاكمة في هذه القضية كان أغلبهم من الإناث اللاتي لم يتجاوزن منتصف العقد الثالث من العمر، بينما توقف دور الذكور في الاتهامات، وفقًا لرواية النيابة العامة، على كونهم مجرد محرضين أو شركاء في ارتكاب هذه الجرائم لكنهم ليسوا فاعلين أصليين، ويبين هذا التقسيم بين الذكور والإناث في القضية رؤية السلطات للنساء كمصدر رئيسي لتقويض ما تسميه بالحياء العام أو الآداب العامة في المجتمع.

بالطبع تنتشر على صفحات منصات التواصل الاجتماعي المختلفة الكثير من المقاطع الغنائية والراقصة الخاصة بالمستخدمين، إلا أن ما لفت نظر السلطات إلى المحتويات محل المحاكمة في قضية “فتيات تيك توك” هو الوسائط الرقمية سريعة وواسعة الانتشار التي تم نشر المحتويات الخاصة بهذه القضية من خلالها، خاصة تطبيقي “تيك توك” و”لايكي” والتي تصل إلى ملايين المتابعين في وقت قصير.

طلب النائب العام من محكمة جنايات شمال القاهرة التحفظ على ممتلكات “مودة الأدهم” و”حنين حسام”، وقد أيدت المحكمة طلب التحفظ.

 أيضًا يتضح من أوراق القضية انزعاج السلطات من قيام بعض الفتيات الخاضعات للمحاكمة بالتكسُّب من خلال المحتويات التي ينشرونها عبر هذه المنصات، وهو الأمر الذي وإن كان يحق للدولة التدخل تشريعيًّا لتنظيمه، فلا يحق لها بأي وجه تجريم مبدأ التكسب المادي عبر الإنترنت في حد ذاته. وقد طلب النائب العام من محكمة جنايات شمال القاهرة التحفظ على ممتلكات “مودة الأدهم” و”حنين حسام”، وقد أيدت المحكمة طلب التحفظ. ويفسر هذا الأمر اختصاص المحاكم الاقتصادية بهذا النوع من القضايا، حيث تختص هذه المحاكم بنظر الجرائم التي ترتكب عبر وسائل الاتصالات الحديثة، خاصة الدعاوى التي تنطوي على أمور مالية.5

حملت قضية “فتيات تيك توك” رقم 1047 لسنة 2020 جنح مالية المحكمة الاقتصادية بالقاهرة، وقيدت برقم 246 لسنة 2020 جنح مُستأنف القاهرة الاقتصادية، وقد ضمت القضية كلًّا من” مودة الأدهم” والتي تبلغ من العمر 22 سنة، و”حنين حسام”، طالبة بكلية الآثار، وتبلغ من العُمر 20 سنة، بصفتهما فاعلتين أصليتين، أما المُتهمون المُشاركون، فهم محمد عبد الحميد ويعمل مدير تطبيق “لايكي” بالشرق الأوسط، ويبلغ من العمر 31 سنة، والمُتهم الرابع محمد علاء الدين ويعمل مسؤول قاعدة البيانات والبث المباشر بتطبيق “لايكي” ويبلغ من العمر 25 سنة، والمُتهم أحمد سامح عطية خليفة ويعمل مسؤول إدارة صفحة المُتهمة مودة الأدهم ويبلغ من العُمر21 سنة.

بدأت إجراءات التحقيق في قضية “فتيات تيك توك”، بصدور تقرير من إدارة الرصد والبيان التابعة لمكتب النائب العام، والمعنية فعليًّا بفحص المحتويات السياسية والدينية والجنسية والترفيهية التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تشكل جرائم معاقبًا عليها قانونيًّا، حيث ورد في هذا التقرير قيام عدد من الفتيات بنشر مقاطع مرئية لهن تتضمن محتويات خادشه للحياء العام والآداب العامة. بناء على هذا التقرير كلفت النيابة العامة الشرطة بالقبض على “مودة الأدهم” و”حنين حسام” وأخريات، وأصدرت عددًا من البيانات في وقت لاحق على القبض عليهن تبيِّن سبب القبض بأنه جاء لارتكابهن جرائم تنتهك معايير الآداب العامة في المجتمع المصري، وتحذر المواطنين من مخاطر الإنترنت من منطلق أخلاقي وأبوي مُعادٍ لحرية التعبير. تلت عملية القبض على هؤلاء الفتيات طلب النيابة العامة من وزارة الداخلية إجراء التحريات اللازمة حول الوقائع محل التحقيق. وقد تولت إجراءات التحريات كل من: “إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر”، و”الإدارة العامة لحماية الآداب (النشاط الخارجي)” التابعتين لوزارة الداخلية المصرية. بدأت النيابة العامة التحقيقات في القضية بتاريخ 21 إبريل 2020 وانتهت بأن أحالت المتهمات والمتهمين إلى المحكمة الاقتصادية بتاريخ 11 يونيو 2020، ونظرت الدائرة الأولى بمحكمة الجنح الاقتصادية بالقاهرة القضية على جلستين، بدأت في 15 يونيو 2020، وانتهت بحجز الدعوى للحكم بجلسة 27 يوليو 2020، حيث صدر الحكم بحبس جميع المتهمين سنتين مع الشغل والنفاذ وبتغريم كلٍّ منهم ثلاث مئة ألف جنيه، وإلزامهم بالمصاريف الجنائية.

وتختص المحكمة الاقتصادية بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ قانون تنظيم الاتصالات، وقانون تنظيم التوقيع الإلكتروني، وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، بجانب عدد آخر من الاختصاصات، وقد تم تعديل قانون إنشاء المحكمة في العام 2019 ليُضاف إلى هذه الاختصاصات، النظر في المنازعات المُترتبة على تطبيق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

وقد استأنف المُتهمون على الحكم الصادر عن محكمة الجنح الاقتصادية بالقاهرة، لتنظر محكمة جنح مُستأنف الاقتصادية بالقاهرة أولى جلسات الاستئناف بجلسة 17 أغسطس 2020 وهي الجلسة التي تقدم محامو المتهمين والمتهمات فيها بعدد من الطلبات الإجرائية. كما دفع محامي “مسار” أثناء هذه الجلسة بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، وقد قررت محكمة الاستئناف تأجيل نظر القضية إلى جلسة 14 سبتمبر 2020 لسماع أقوال ضباط الشرطة الذين قاموا بإجراء التحريات.6

حراسة الأخلاق بين الدولة والأفراد: الاتهامات والتحقيق

جاءت إجراءات القبض على “مودة الأدهم” و”حنين حسام” وأخريات نتيجة قيام عدد من المحامين والمواطنين بتقديم بلاغات إلى النيابة العامة بعد قيام حملات تحريض ضدهن على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي تتهمهن بنشر “الفسق والفجور” عبر الإنترنت.7

وبالرغم من أن النيابة لم تأخذ الخطوة الأولى في هذه الملاحقات، فإن هذه البلاغات جاءت منسجمة مع وظيفة وحدة الرصد والتحليل التي ترصد محتوى منصات التواصل الاجتماعي لأسباب سياسية أو دينية أو أخلاقية. هذا النوع من التقاضي الذي يفرض وصاية على سلوكيات الأفراد بدعوى حماية الأخلاق ليس جديدًا على البيئة القانونية المصرية، فالعديد من النشطاء السياسيين والمدونين خضعوا للمحاكمة الجنائية بسبب بلاغات شبيهة وجهت اتهامات إليهم بإهانة السلطات أو ازدراء الأديان.8 إلا أن البلاغات الخاصة بقضية “فتيات تيك توك” اقترنت بحملات على الإنترنت استهدفت سمعة هؤلاء الفتيات وتحريض الرأي العام عليهن، وهو ما قُوبل بوجود توجه وإرادة سياسية لدى النيابة العامة بالتركيز في هذا النوع من القضايا التي تدَّعي حماية الآداب العامة، وذلك بعد أن ظل تركيز النيابة خلال السنوات الخمس الأخيرة منصبًّا بشكل رئيسي على استهداف المحتويات الرقمية المعارِضة للسلطة من الناحية السياسية.9 تلقت إدارة البيان والرصد التابعة للنيابة العامة عددًا من البلاغات المقدمة ضد هؤلاء الفتيات، وقد أفادت البلاغات باستخدام بعض الفتيات لتطبيق “لايكي”، الذي من خلاله يجرين محادثات علنية مع بعض الأشخاص وهو ما يسمح بوجود مُشاهدين يتابعون تلك اللقاءات، وكلما زاد عدد المُتابعين ارتفعت المكافأة التي تتلقاها صاحبة الحساب من شركة “بيجو” المالكة للتطبيق وزعم مقدم البلاغ ضد “حنين حسام” أنها تقوم بالترويج لهذا التطبيق “لايكي” بسبب الأزمة الاقتصادية، نتيجة لحالة العزل المنزلي بسبب انتشار وباء covid19.10 وقال المحامي عبد الرحمن الجوهري مقدم هذا البلاغ ضد “حنين حسام” إنها من خلال نشر هذه المقاطع المرئية تستغل الأطفال في ارتكاب الفحش والفجور. بناء على هذا البلاغ، أصدرت النيابة قرارًا بضبطها وإحضارها.11

طلبت النيابة العامة من الشرطة إجراء التحريات الخاصة بالواقعة، كما أصدرت النيابة العامة قرارًا بالقبض على “مودة الأدهم” بسبب المقاطع المرئية والصور المنشورة على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وانتهت تحريات الشرطة إلى أن “حنين حسام” من خلال عدد من المقاطع المرئية، دعت الفتيات، اللاتي لا تقل أعمارهن عن 18 عامًا، إلى عقد مُحادثات علنية بهدف عقد صداقة مع آخرين، وأن الهدف من هذه المقاطع المرئية هو الترويج لأفعال منافية للآداب، لزيادة عدد المُتابعين، وأن “حنين حسام” تنشر هذه المقاطع عبر تطبيقات مختلفة منها تطبيق “لايكي” وتطبيق “إنستجرام”، وجاء بالتحريات أن هذه المقاطع تتضمن رقصًا وغناءً والتحدث بطريقة مثيرة للشباب، ما يَزيد عدد المُتابعين بهدف جمع الأموال والهدايا، وهو ما رأته التحريات وسيلة للتكسب المالي غير المشروع. وقالت الشرطة في تحرياتها أنها توصلت من خلال “مصادرها السرية” إلى ثبوت وقائع دعوة الفتيات إلى إنشاء علاقة مع آخرين عبر التحدث معهم عبر تطبيق “لايكي”، مُقابل الحصول على مقابل مادي، وأن هذه الدعوات هدفها الحقيقي الدعوة إلى الفسق والفجور واستغلال الأطفال بما ينطوي على استغلال واتجار بالبشر.12 كما أشارت التحريات الشرطية أن مودة الأدهم، اعتادت الظهور عارية وبملابس فاضحة، وببث مقاطع مرئية مثيرة، بهدف زيادة نسبة المُتابعين، وبهدف إغواء الفتيات على نشر مقاطع مرئية مُماثلة مقابل مكسب مالي، كما أوضحت التحريات أن العلاقة التي تربط حنين حسام بمودة الأدهم هي علاقة مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي يتسابقون للحصول على أكبر عدد من المُتابعين.13

ويتضح من الجهات التي كلفتها النيابة العامة بإجراء التحريات حول وقائع قضية “فتيات تيك توك” محاولة النيابة العامة ربط الاتهامات المتعلقة بالآداب العامة بالاتهامات المتعلقة بالتكسب المالي غير المشروع عبر الإنترنت. حيث أسندت النيابة التحريات إلى (قطاع مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة (و(إدارة مكافحة الهجرة الغير شرعية والاتجار بالبشر) وذلك لتضمن البلاغات اتهامات كيدية ضد الفتيات باستغلال الأطفال. كما كلفت النيابة العامة (الإدارة العامة لحماية الآداب النشاط الخارجي) بعمل التحريات حول أية أنشطة جنسية غير مشروعة للفتيات محل التحقيق.

وجهت النيابة العامة إلى “حنين حسام” و”مودة الأدهم” تهمتي الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية من خلال قيام الثانية بنشر صور ومقاطع مرئية خادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقيام الأولى بالإعلان عن طريق حساباتها على شبكة المعلومات الدولية عن عقد لقاءات مُخلة بالآداب، عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقُصّر على حد سواء إلى وكالة أسستها عبر تطبيق “لايكي”، ليلتقي فيها الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع دائرة المُتابعين لتلك المحادثات التي تُذاع للكافة دون تمييز.

مسار تدفع بعدم دستورية جريمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية

 بالإضافة إلى تهمة إنشاء وإدارة واستخدام حسابات إلكترونية بهدف ارتكاب الجريمة السابقة. ووجَّهت النيابة العامة إلى كلٍّ من: “محمد عبد الحميد”، مدير تطبيق “لايكي” بالشرق الأوسط و”محمد علاء الدين” مسؤول قاعدة البيانات والبث المباشر بتطبيق “لايكي” اتهامًا بالاشتراك عن طريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجرائم التي قامت بها كل من حنين حسام ومودة الأدهم. كما اتهمت النيابة العامة “أحمد سامح” بإدارة حساب إحدى المتهمات، وحيازة برامج بدون تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بهدف الاشتراك عن طريق المُساعدة في ارتكاب جرائم نشر مقاطع مرئية مُخلة بالآداب.

نفت المُتهمات التهم المنسوبة إليهن، حيث قالت “مودة الأدهم” إن سبب انتشار صور أو مقاطع متداولة لها على مواقع التواصل الاجتماعي هو سرقة هاتفها المحمول الذي حررت محضرًا بسرقته في عام 2019، وأنها أبلغت عن أرقام الهواتف التي تتداول هذه الصور إلا أنه لم يُقبض على أصحابها. أما عن حنين حسام فقالت إنها هي من ظهرت في المقطع المرئي محل التحقيق، ولكنها لم تحرض أحدًا على الفسق والفجور كما أُشيع عنها، وأضافت أنه تم اقتطاع أجزاء من المقطع المرئي المنسوب إليها بغرض التشهير والإيقاع بها، وأن المقطع المرئي لا يوجد به أي محتوًى مخالف للقانون، كما نفى باقي المتهمين التهم المنسوبة إليهم.

بناء على هذه التحقيقات أصدرت النيابة العامة ثلاثة قرارات، حيث أحالت المتهمات والمتهمين إلى محكمة جنح القاهرة الاقتصادية طبقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وقد طلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهمين بموجب المادة (22) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي تعاقب على صور مختلفة من حيازة واستخدام أجهزة أو برامج مصممة أو مطورة بدون تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، في حال ما كان هذا الاستخدام بغرض ارتكاب جريمة منصوص عليها في القانون، وهي الجريمة المعاقب على ارتكابها بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن ثلاث مئة ألف جنيه ولا تجاوز خمس مئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما طلبت النيابة عقاب المتهمين والمتهمات وفقًا للمادة (25) من القانون ذاته بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتستهدف هذه المادة عقاب كل من اعتدى على أيٍّ من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية إلى شخص معين دون موافقته، أو مَنَحَ بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقة صاحب البيانات أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة. أيضًا أضافت النيابة العامة جريمة إنشاء أو إدارة أو استخدام موقع أو حساب خاص على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونيًّا والمعاقب عليها وفقًا لنص المادة (27) من القانون ذاته، والتي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاث مئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًّا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونيًّا.

أيضًا طلبت النيابة العامة عقاب المتهمين وفقًا لبعض نصوص قانون العقوبات، حيث أحيل المتهمان: محمد عبد الحميد ومحمد علاء إلى المحاكمة بعد اتهامهما بالتحريض على الجرائم المذكورة أعلاه والاتفاق على ارتكابها مع الفاعلين الأصليين.14

وفي أثناء سير المُحاكمة طلبت النيابة من المحكمة تفعيل نص بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يبيح حجب الحسابات الشخصية للمُتهَمات.15 كما قدم النائب العام، طلبًا لمنع مودة الأدهم وحنين حسام من التصرف في أملاكهما وأية أصول مالية تملكانها والتحفظ عليها، وبتاريخ 18 أغسطس 2020 قررت الدائرة 27 بمحكمة جنايات شمال القاهرة، تأييد طلب النائب العام بمنع التصرف والتحفظ على أموالهما.

ومن الجدير بالذكر أن هناك اتهامًا آخر موجهًا إلى “حنين حسام” لا يزال قيد التحقيق ولم يُحل إلى المحكمة، حيث اتهمتها النيابة العامة بارتكاب “جريمة الاتجار بالبشر عن طريق تعاملها في أشخاص طبيعيين هن فتيات استخدمتهن في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع المصري؛ للحصول من ورائها على منافع مادية؛ وكان ذلك استغلالًا لحالة الضعف الاقتصادي وحاجة المجني عليهن إلى المال، والوعد بإعطائهن مبالغ مالية، وقد ارتكبت تلك الجريمة من جماعة إجرامية مُنَظَّمة لأغراض الاتجار بالبشر تضم المتهمة وآخرين”، ولا تزال هذه الاتهامات قيد التحقيق برقم ٤٩١٧ لسنة ٢٠٢٠ جنايات الساحل والمقيدة برقم ١٧ لسنة ٢٠٢٠ حصر تحقيق نيابة شمال القاهرة.

إحالة متعجلة إلى المحاكمة: الالتفاف على قرار إخلاء سبيل إحدى المتهمات

 لم يكن هناك طريق واضح لسير التحقيقات منذ البداية في قضية “فتيات تيك توك”، وهو ما انعكس على أوراق التحقيقات والتقارير الفنية المحالة إلى المحكمة، حيث عجلت النيابة بإحالة المُتهمات والمتهمين إلى المحاكمة قبل اكتمال التقارير الفنية التي طلبتها النيابة العامة من جهات الخبرة المختصة بفحص المحتويات الرقمية، بل إنها لم تُنهِ التحقيق في جريمة الاتجار بالبشر الموجهة إلى “حنين حسام”، فأحالت النيابة المتهمات إلى المحاكمة بناء على المقاطع المرئية المنشورة على حساباتهن الشخصية فقط،، وجاء قرار النيابة العامة بإحالة “حنين حسام” و”مودة الأدهم” إلى المحاكمة بعد صدور قرار من قاضي المعارضات بمحكمة شمال القاهرة بقبول استئناف الأولى على قرار حبسها احتياطيًّا، وإخلاء سبيلها بكفالة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه مصري، إلا أن النيابة أصدرت قرارًا جديدًا بحبس حنين حسام بدعوى ظهور أدلة جديدة لتلتف على قرار إخلاء سبيلها وتبقيها قيد الحبس الاحتياطي.

المحكمة تُفسر جريمة الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية

 تعتبر محاكمة “مودة الأدهم” و”حنين حسام” من المُمارَسات الأولى لتطبيق جريمة الاعتداء على القيم الأسرية، ومن هنا تأتي أهمية قراءة الحكم الصادر عن المحكمة الاقتصادية بإدانتهما بارتكاب هذه الجريمة للوقوف على فهم الجهات القضائية نصَّ المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، خاصة أن الصياغة التي اتسمت بها هذه الجريمة غامضة وغير واضحة، وهو ما يفتح الباب أمام المحكمة لوضع قراءة وربما تفسير لمفهوم الجريمة يتجاوز قصد المشرِّع.

جاءت مسؤولية المحكمة الاقتصادية بتطبيق نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في ضوء عدم وجود تطبيقات سابقة للنص، وهو ما جعل المحكمة أمام وظيفة إلزامية تخرج عن حدود اختصاصها، حيث أصبح لزامًا عليها وضع تفسير لمفهوم الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية، وتعريف واضح يُمكن من خلاله بيان أركان هذه الجريمة والصور التي تتحقق بها.

بالفعل حاولت المحكمة تعريف الجريمة من خلال توضيح الركن المادي حيث رأت المحكمة أنه يتمثل في “استخدام تقنية المعلومات أو الشبكات المعلوماتية أو شبكة الإنترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد على نحوٍ يهدم الترابط الأسري، أو يقلل من شأن العمل الإيجابي من أجل الأسرة أو الحث على التنافر بين أفرادها، أو النيل من الضوابط والمبادئ التي تحكمها”.16

كما يتضح من صياغة المحكمة للركن المادي، فهذا التعريف زاد الأمر غموضًا، حيث خلطت المحكمة بين جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية وبين الوسيلة التي تستخدم في ممارسة هذا الفعل، بل إن المحكمة قد حاولت الربط بين فعل استخدام الإنترنت وبين النتيجة المُترتبة على هذا الاستخدام دون ذكر علاقة سببية واضحة بينهما، ودون بيان لطبيعة الفعل المُجرَّم، فالترابط الأسري والتنافر بين أفراد الأسرة الواحدة هي عبارات لا تختلف كثيرًا عن مبادئ القيم الأسرية، وهي ألفاظ عامة، غير مُحددة ونسبية، غير أنها مُنقطعة الصلة بالوقائع التي تنظرها المحكمة، وكان على المحكمة إثبات أنه نتيجة لنشر المحتويات محل القضية حدث تنافر بين أفراد الأسرة، ثم كان عليها تقديم الدلائل على حدوث هذا التنافر بالفعل كنتيجة لاستخدام الإنترنت. وقد استطردت المحكمة في بيان صور السلوك المادي الذي تحدث به جريمة “الاعتداء على قيم الأسرة”، حيث قالت المحكمة إن السلوك المادي للجريمة يقع في هذه الصور:

  1. النشر عبر شبكة الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو بأي طريقة إلكترونية
  2. ما يحبذ أو يدعو إلى عدم الصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة.
  3. ما يدعو إلى هدم قيمة العلم والتدين، سواء بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة.

وأوضحت المحكمة أن السلوك المادي قد يتحقق في شكل مقالٍ أو رسالة إلكترونية أو مادة مرئية أو مسموعة أو برسمٍ أو كاريكاتير أو مسلسل أو فيلم، ما دام النشر كان عن طريقة تقنية المعلومات.

ونظرًا إلى أن تعريف الركن المادي للجريمة لم يكن واضحًا، اختتمت المحكمة رأيها بعبارة تقليدية تلجأ إليها المحاكم الجنائية لتبرير الإدانة دون وجود أدلة يقينية في قضايا النشر عادة، بقولها: “إن تقدير ما إذا كان سلوك الجاني يعد اعتداء على المبادئ والقيم الأسرية من عدمه فذلك مما يخضع لتقدير قاضي الموضوع، يستخلصه في ضوء قيم الأسرة المصرية ومبادئها التي استقرت في أذهان الناس وتعارفوا عليها”.17 ويعني هذا التفسير أننا أمام رؤية ذاتية يقدمها القاضي الذي ينظر القضية، ليتحول القاضي بذلك إلى مشرِّع يعيد تعريف الجريمة في كل محاكمة جديدة تطرح على القضاء بمناسبة تطبيق المادة ذاتها.

كنتيجة لفشل المحكمة في تحديد الركن المعنوي لجريمة الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة، لم تستطع تحديد الركن المعنوي للجريمة أيضًا، خاصة وأن الركن المعنوي يقوم على عنصري العلم بالجريمة واتجاه نية المتهم إلى ارتكاب الفعل المؤثَّم، والتي تستلزم بالضرورة أن تكون الجريمة مُعرَّفة وواضحة المعالم، لذلك انتهت المحكمة إلى أن “القصد الجنائي في الجرائم الجنائية من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى، التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وكان في اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت السابق بيانها سلفًا ما يبزغ معه توافر القصد الجنائي بحق المتهمين بالأوراق في ارتكاب الجرائم الواردة بحقهم واتجاه إرادتهم إلى ذلك رغم العلم بما ينتج عنها “.18

عقيدة القاضي وحقوق المتهم: أدلة غير مترابطة

حاولت المحكمة أن تدعم الاتهامات الموجَّهة إلى المُتهَمات بصور مختلفة، حيث اعتمدت في إثبات صحة الاتهامات على التحريات الشرطية والتقارير الفنية وما جاء على لسان المُتهَمات أثناء التحقيقات، وشهادة أحد الأشخاص، ويُمكن الإشارة سريعًا إلى هذه العناصر من خلال ما جاء بحكم المحكمة كالآتي:

أ ـ التحريات الشرطية وتقرير إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي التابعة للنيابة العامة.

ب- التقارير الفنية الواردة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والبنك المركزي والتي طلبتها النيابة العامة.

ج ـ الأقوال الواردة على لسان المُتهَمات أثناء التحقيقات.

د – الأقوال التي أدلى بها أحد الأشخاص الذين سبق لهم التعامل مع الشركة المالكة لتطبيق “تيك توك.”

لم تكن أدلة الإثبات مُترابطة بشكل كافٍ، بل إنها لم تكن مفهومة في سياق الاتهامات الموجهة، لذا اعتمدت المحكمة في بناء قناعتها إلى اطمئنانها إلى ما جاء بأوراق التحقيقات والتقارير الفنية، دون تفنيد أو توضيح لكيفية بناء هذا الاطمئنان، بل حتى بدون استبعاد بعض الأدلة والأخذ بالبعض الآخر، وإن كان للمحكمة حرية تكوين عقيدتها بما تراه مُناسبًا، فإن هذا يجب ألا يُخل بحقوق المُتهمين في الدفاع، لذلك سوف نعرض بعض الإشكاليات المتعلقة بالأدلة التي استندت إليها المحكمة.

أولًا: أن الأساس الذي تحركت عليه الدعوى برمتها كان نتيجة ما ورد بتقرير إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي بمكتب النائب العام المؤرخ في 19 إبريل 2020، وهو التقرير الذي تم إعداده بناءً على شكاوى زعمت النيابة العامة أنها تلقتها من المواطنين بشأن المحتويات المخلة بالآداب العامة التي يتم نشرها على الإنترنت، بجانب بلاغ من أحد المحامين، وسبق الإشارة بشكل مُفصل إلى الإشكاليات القانونية المُتعلقة بدور إدارة البيان والتوجيه، ومدى مخالفتها القواعدَ المنصوص عليها بالدستور وقانون الإجراءات المصري.19

ثانيًا: أن التحريات الشرطية قد بُنيت على مصادر سرية، لم توضحها أوراق التحقيقات ولم تتأكد من صحتها المحكمة، ورغم طلب الدفاع مواجهة مُجري التحريات أثناء جلسات نظر المُحاكمة، فلم تستجب المحكمة لهذا الطلب.

ثالثًا: أن الحكم قد استند إلى أقوال المُتهمتين، اللتين لم تنفيا قيامهما بتصوير مقاطع ترفيهية، حيث أكدت “حنين حسام” خلال التحقيقات وجلسات المُحاكمة أن المقاطع المرئية المنسوبة إليها لا تحتوي أي ألفاظ خارجة أو مشاهد خادشة للحياء، ولا ترى أن هذا الأمر يُشكل جريمة، وما قررته “مودة الأدهم” بالتحقيقات من قيامها بتصوير مقاطع مرئية دعائية لتطبيق “لايكي” وإقرارها بصحة الصور المتداولة لها وهي عارية مقررة أنها صور خاصة بها قامت بتصويرها لنفسها وأنه تمت سرقة هاتفها وتسريب تلك الصور منه وأنها قامت بتحرير محضر بالسرقة في 19 مايو 2019، ورغم تلك التوضيحات تجاهلت المحكمة توضيح المُتهَمات موقفهم، مُعتبرة أن ذلك من قبيل الاعتراف وأنهما لم تنكرا الوقائع المنسوبة إليهما.20

رابعًا: أن التقارير الفنية الخاصة بفحص كافة الأجهزة والحسابات البنكية قد تم الانتهاء منها ووصلت إلى المحكمة بعد حجز الدعوى للحكم، ولم يستطع دفاع المُتهمين الاطلاع والرد على ما جاء بها، ورغم ذلك أورد الحكم بعض المُقتطفات المُتعلقة بأرصدة مودة الأدهم، ولم تتمكن المحكمة من الربط بين طبيعة الاتهامات والتحويلات البنكية التي تلقتها، حيث أشار الحكم إلى أنها قد تلقت تحويلات بنكية من خلال حساباتها بالبنوك المصرية وعن طريق خدمات تحويل الأموال من شركة “ويسترن يونيون”، وأن مودة الأدهم قد تلقت عددًا من هذه التحويلات من شركة “بيجو” المالكة لتطبيق “لايكي”، كما أنها تلقت أموالًا من أفراد بدول مُختلفة، وقد حاولت المحكمة بذلك إضفاء طابع التكسُّب غير المشروع من أنشطة نشر المقاطع والصور على التطبيقات المُختلفة، كما أن تقرير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بشأن فحص الأحراز الخاصة بمودة الأدهم وأحمد سامح وتفريغها _حسب ما جاء بالحكم_ انتهى إلى وجود منشورات ومقاطع مرئية عديدة تقوم من خلالها” مودة الأدهم بالرقص مرتدية ملابس فاضحة بالطرق والأماكن العامة”، ورغم أن فحص طبيعة المحتوى المنشور وكونه فاضحًا من عدمه أمر يتجاوز اختصاص الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، فإن تقرير الجهاز لم يوضح ما هو مفهوم الملابس الفاضحة التي أشار إليها ومدى معقولية حدوث ذلك في الأماكن العامة.

خامسًا: اطمأنت المحكمة إلى ما ورد بأقوال المدعو: حسين الجوهري، وهو شخص مجهول توجه إلى النيابة العامة من تلقاء نفسه وقرر بالتحقيقات أنه يعمل مُقدم برامج بالخارج قائلًا إنه تعامل مع تطبيق “بيجو” المشابه لتطبيق “لايكي” وقرر أن الاثنين تحت الإدارة ذاتها، وأن الشركة المالكة لهما تواصلت معه للعمل معها كمذيع، إلا أنه رفض، وقام بتجاهل عرضهم مقررًا أن البرنامج تتواجد به الفتيات بطريقة خادشة للحياء، وأن الإدارة تدير البرنامج وكأنه مكان للدعارة، رغم أنه لم يلتحق بالعمل في الشركة ليمكنه التعرف على بيئة العمل.

  قراءة مُغايرة لجريمة الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية

 بصدور قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات في شهر أغسطس 2018 انتهت المحاولات التشريعية، التي استمرت قرابة ثلاثة أعوام، حاولت خلالها السلطات المصرية الوصول إلى مُقترح لقانون الجريمة الإلكترونية، حيث صدرت ثلاث مسودات عن وزارات مختلفة، من بينها وزارة العدل ووزارة الاتصالات، وقد واجهت هذه المسودات أزمات عديدة، يُمكن إجمالها في محورين أساسيين:

الأول: يتعلق بعدم وضوح الفلسفة التشريعية التي بُني عليها مشروع القانون، وهو ما يتضح من خلال محاولة التوسع في صور التجريم دون مُبرر أو حاجة، وذلك للخلط الدائم بين وجود جرائم استحدثها التطور التكنولوجي، وبين الأبعاد الجديدة للجرائم التقليدية المنصوص عليها في القوانين العقابية المختلفة وتطور الوسائل التي تتم من خلالها الجرائم.

الثاني: يتعلق بعدم وضوح ودقة المُصطلحات التقنية التي تم النص عليها بالمسودات المختلفة للقانون، بالإضافة إلى عدم وضوح المقاصد التشريعية لعدد من نصوص القانون.

وبصدور المسودة الأخيرة من مشروع القانون، حاول المُشرِّع أن يتفادى الإشكاليات التي وقعت فيها المسودات السابقة، حيث يتضح من المذكرة الإيضاحية والتقرير الصادر عن اللجنة المُشتركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبي لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي، أن كلًّا منهما أكد على أن الهدف الأساسي من القانون هو “حماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة”.21

لذلك أفرد المُشرِّع فصلًا مُستقلًّا لتجريم أفعال مختلفة يُشكل كل منها اعتداءً على الحياة الخاصة، تحت مُسمى “الفصل الثالث: الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع” وتناولت المواد 25 و26 من القانون بالتفصيل صور وأشكال الاعتداء على الحياة الخاصة، حيث قرر نص المادة 25 عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كلِّ مَن:

  1. اعتدى على أيٍّ من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري؛
  2. أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته؛
  3. أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته؛
  4. أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة؛

ويتضح من النص المُعنوَن بحماية حرمة الحياة الخاصة أن المُشرِّع قد حدد أربع صور لأشكال الجريمة التي من الممكن أن تُمثِّل انتهاكًا للحق في الخصوصية، وهو ما يعني أن نص المادة 25 “جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية” لا يُمكن تفسيره بأي حال خارج سياق حماية الحق في الخصوصية، التي هي الهدف الرئيسي من إقرار القانون كما أشارت المذكرة الإيضاحية والتقرير البرلماني المُشترك، وللسياق الخاص الذي تم تناول الجريمة من خلاله، فالفصل الثالث من القانون رقم 175 لسنة 2018 ونص المادة 25 من القانون ذاته مُخصصين بالأساس لحماية الحياة الخاصة، وهو ما يعني أن المُشرع أراد التوسع في صور حماية هذا الحق خشية التطور التكنولوجي وظهور صور مختلفة للأفعال التي قد تكون غير قانونية والتي التي يصعب حصرها، لذلك جاء نص المادة محتويًا على صور عامة للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والتي استخدم المُشرع خلالها لفظ “الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية”، ثم تحدث تفصيلًا عن صور أخرى لهذا الاعتداء، من بينها نشر بيانات شخصية أو صورًا خاصة أو إرسال رسائل بكثافة دون موافقة، وغيرها من أشكال الاعتداء. ولكن إقحام عبارة “الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية” على النص المُخصص لحماية الحق في الخصوصية قد جعل النص عُرضة للتفسير الواسع الذي يخرج بالنص عن قصد المشرع.

الإنترنت والعدالة الجنائية: مخالفات دستورية بنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

 نتيجة لعدم وضوح البند الخاص بجريمة الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة الوارد بالمادة 25 من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، أصبحنا أمام جريمة يغيب عنها المفهوم القانوني، فكل جريمة تتمثل في الإخلال بنص عقابي، ليكون وقوعها يمثل فعلًا أو امتناعًا عن فعل يتحقق به هذا الإخلال، وهو ما أكدته المادة 95 من الدستور المصري التي نصت على أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون “، فقد دل ذلك على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ويتم على ضوئها التمييز بين الجرائم بعضها من بعض من ناحية، وبين الجرائم والأفعال المشروعة من ناحية أخرى. فغموض المفهوم القانوني للجريمة يضعنا أمام تفسيرات مُلتبسة لنص المادة 25 ، والخلط بين جرائم مُختلفة مُعاقب عليها بقانون العقوبات وغيره من القوانين الأخرى، لذلك جاء النص مُرتبكًا، ليخلط بين الفعل المُجرَّم وهو فعل” الاعتداء” وبين الحق أو المصلحة المُعتدَى عليها”القيم الأسرية.” ففعل الاعتداء لا يُمكن تصوره إذا لم يتم تحديد المصلحة المُعتدَى عليها، حيث إن مفهوم القيم والمبادئ الأسرية، لم يُعرف بقانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، وهو مُصطلح يصعب إن لم يكن مُحالًا وضع تعريف جامع له، أو حصر صور وأشكال القيم المحمية من خلاله. ويتجاوز الأمر في محاكمة “فتيات تيك توك” نص المادة 25 إلى نظرة أجهزة العدالة إلى الفضاء الرقمي، ومحاولتهم الدؤوبة للسيطرة عليه. فسن قانون جديد للجرائم التي تتم عبر الفضاء الرقمي ينبع من قناعة راسخة لدى السلطات بأن طبيعة هذه الجرائم تختلف عن الجرائم التي تتم بوسائل غير رقمية، وهو ما يجعل أنشطة الأفراد على المنصات الإلكترونية عرضة للتجريم والتضييق المستمر بناء على مفاهيم غامضة تنسف أسس العدالة الجنائية.

ويصبح هذا الإخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وما ينطوي عليه من إهدار لمبادئ العدالة الجنائية أكثر جسامة عندما يمتد أثره ليشمل حقوقًا دستورية أخرى. وفي هذا السياق يفرض نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات قيودًا كبيرة على حرية التعبير المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور ومن ثم الحقوق الأخرى المُرتبطة بها مثل حرية الإبداع المنصوص عليها بالمادة 67، حيث فرضت المحكمة قيودًا غير مُبررة حين انتهت إلى:

” وتُشير المحكمة إلى أن الحرية في الإبداع حق مُقدس مُجمع على وجوب احترامه وكفالته إلا أنه من المُقرر أن تكون لتلك الحرية حدها الطبيعي الذي تقف عنده بأن تنأى تلك الحرية بنفسها عن اللذعات الجارحة أو القول الفاحش والعري والخلاعة والابتذال احترامًا وصونًا لشرف الناس وكرامتهم وسمعتهم فمن أجل ذلك كان سن القوانين الواجبة أمرًا حتميًّا لحماية حرية الإبداع أولًا وهو حق مكفول بموجب القانون والدستور وصونًا لها ثانيًا ممن يستبيح رايتها ويتجاوز بها خارجًا عن التقاليد والمبادئ والقواعد المُنبثقة من أدب الدين وأدب الدنيا حيث إن للحرية حدودًا وشروطًا لا يُمكن تجاوزها، فكان ضابطها بالقانون أمرًا حتميًّا، عندما يُساء استخدامها لتكون ضررًا بالمجتمع وإخلالًا بقيمه ومبادئه، فالمشرع حينما قام بصياغة القانون 175 بشأن تقنية المعلومات لم يكن يهدف إلى كبت الحريات المصونة بقوة القانون والدستور أو التخلف عن ركب التطور التكنولوجي والفضاء المفتوح، إلا أنه أينما وجدت الحرية وجد التعدي عليها فكان لزامًا تحقيق الردع لكل من يستبيح تلك الحرية “.22

يُشير هذا الحكم بشكل واضح إلى وجود بعض المفاهيم المغلوطة حول حرية التعبير، والحدود التي يجب وضعها على هذه الحرية، ويعبِّر عن قلق السلطات من الإنترنت ورغبتها في وضع ضوابط لاستخدام الفضاء الرقمي، إلا أن هذه الضوابط التي يقترحها الحكم تتجاوز مجرد تنظيم ممارسة الحق في حرية التعبير المحمي بموجب نصوص الدستور المصري، وبموجب المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بل إنها تهدر أصل الحق. فعلى سبيل المثال، وضعت المادة 19 من العهد الدولي بعض القيود التي يُمكن أن ترد على ممارسة الحق في حرية التعبير، ولكن وضعت ضوابط لتنفيذ هذه القيود أيضًا، وأهمها: أن يكون القيد منصوصًا عليه قانونيًّا” . هذا المبدأ يعني أن حرية التعبير لا يجوز أن تخضع لقيود إلا لتلك التي يُحددها القانون، كما يجب أن يكون القانون، الذي ينص على القيود، على درجة كافية من الدقة والوضوح حتى يتمكن المخاطبون به من معرفة المخاطر التي قد يتعرضون لها”.23 أيضًا فإنه وفقًا لنص المادة 19 من العهد الدولي يجب أن يكون القيد ضروريًّا، والضرورة هنا يجب أن تقترن بفعل التناسب، حيث يجب أن يكون تطبيق الاستثناءات الواردة على حرية التعبير بالقدر اللازم لحماية المصالح المنصوص عليها بالبند الثالث للمادة 19، مبدأ التناسب هذا يؤكد أنه ينبغي أن يتناسب مدى القيد بكل دقة مع المصلحة المحمية، وهو ما يعني أن في حالة توافر بدائل تشريعية أقل ضررًا وأكثر تناسبًا، أو إذا كان الضرر المترتب على تنفيذ القيد أكبر من المصلحة المحمية، يجب عدم فرض هذه القيود، وإلا أصبحت قيدًا تعسفيًّا.

خاتمة وتوصيات

 يتضح من استعراض الجوانب المختلفة للحكم الصادر عن محكمة القاهرة الاقتصادية (دائرة الجنح) في الدعوى رقم 1047 لسنة 2020 أن السلطات المصرية قد سنت قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لوضع قيود على التعبير الرقمي بدعوى حماية النظام العام والآداب العامة، دون أن يكون هناك تعريف واضح لهذه المفاهيم الغامضة. كما تبين محاكمة “مودة الأدهم” و“حنين حسام” أن السلطات تميل إلى استهداف صانعي المحتويات الرقمية التي تلقى رواجًا على الإنترنت وتثير الجدال المجتمعي، وبدلًا من أن ترعى السلطات هذا الجدال أو على الأقل تأخذ موقفًا حياديًّا منه، تتدخل السلطات بشكل شعبوي محاولة تحويل هذا الجدال إلى حملات تحريضية ضد النساء ووصمهن باتهامات تنال من سمعتهن بدعوى حماية المعايير الأخلاقية في المجتمع. أيضًا، يتضح من أوراق الدعوى ضد “فتيات تيك توك” انزعاج السلطات المصرية من تكسُّب بعض الفتيات من المحتويات التي ينتجونها، وتحاول السلطات وصم هذا التكسُّب بأنه غير مشروع دون أن تحدد أوجه عدم المشروعية بشكل يقيني.

كما تبين نصوص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وأوراق قضية “فتيات تيك توك” تركيز السلطات في استهداف المحتويات التي يتم نشرها عبر المنصات واسعة الانتشار بين مستخدمي الإنترنت مثل “تيك توك“، وإن كانت وقائع هذه القضية تركز في الاتهامات بمخالفة معايير الآداب العامة، فإن تأثيرها الردعي سوف يمتد إلى كافة أنواع المحتويات الأخرى التي يمكن نشرها عبر المنصات ذاتها، مثل المحتويات السياسية والدينية.

وتأتي وقائع هذه المحاكمة على خلفية تفسير خاطئ لنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي تجرِّم الاعتداء على قيم الأسرة المصرية، حيث استهدف المشرِّع من البند الذي يشمل هذه المادة حماية الحق في الخصوصية، إلا أن السلطات تستخدمها لتقييد حرية التعبير حتى وإن لم يتضمن التعبير انتهاكًا لخصوصية أحد الأفراد. وفي هذا الإطار يجب على السلطات اتخاذ عددًا من الإجراءات التي من شأنها ضمان عدم الاعتداء على حرية الأفراد في التعبير وفي ضمان استخدام آمن وحر للإنترنت، ومن بين هذه الإجراءات:

  1. الإفراج فورًا ودون قيد أو شرط عن كافة المتهَمات/ المتهمين في قضية “فتيات تيك توك” والقضايا الأخرى المشابهة.
  2. وقف العمل بنصوص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، خاصة نص المادة 25 التي تجرِّم ما يسمى بالاعتداء على “قيم الأسرة المصرية“.
  3. تعديل اختصاصات وحدة الرصد والتحليل بالنيابة العامة لتتوقف فورًا عن متابعة محتويات مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقة مستخدمي الإنترنت بسبب المحتويات التي ينشرونها أو يتفاعلون معها.

الهوامش

1 ملخص تحليلي صادر عن مسار، مجتمع التقنية والقانون، ببعنوان ” آخر الميادين رقابة ممنهجة على الإنترنت بدعوى حماية الأخلاق” بتاريخ 5 يونيو 2020. https://rb.gy/tylmle

2 المرجع السابق.

3 حرية الفكر والتعبير تنشر منطوق الحكم الصادر على الكاتب أحمد ناجي، بالسجن عامين بتهمة “خدش الحياء العام” بسبب محتوى روايته “استخدام الحياة” بتاريخ 25 مايو 2018 https://afteegypt.org/freedom_creativity/2016/02/25/11868-afteegypt.html

4 على سبيل المثال تنص المادة 178 قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورًا محفورة أو منقوشة أو رسومًا يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت خادشة للحياء العام“.

5 قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 والمُعدَّل بالقانون رقم 146 لسنة 2019 المادة رقم 4: ‏مع عدم الإخلال بالاختصاصات لمقررة ‏للمحاكم الاقتصادية المنصوص عليها في أي ‏قانون آخر، تختص المحاكم الاقتصادية ‏بدوائرها الابتدائية والاستئنافية، دون غيرها، ‏نوعيًّا ومكانيًّا بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة ‏عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين ‏الآتية:‏

البند رقم ‏21- قانون مكافحة ‏جرائم تقنية المعلومات.

6 الشروق، تأجيل استئناف مودة الأدهم وحنين حسام فتاتي “تيك توك” إلى جلسة 14 سبتمبر، بتاريخ 17 أغسطس 2020 https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=17082020&id=092eb4c4-599a-49df-85bb-e6f6a90c2b94

7 اليوم السابع، بلاغ يتهم فتاة تيك توك جديدة بهدم القيم الأسرية مستغلة توقيت حملات محاربة التحرش، بتاريخ 16 يوليو 2020 https://rb.gy/gt0ykw

8المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، “حصار التفكير.. قضايا ازدراء الأديان خلال عامين من الثورة“، بتاريخ 11 سبتمبر 2013 https://rb.gy/09qi7o

9 تجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة استهدفت أيضًا الأشخاص على أساس ميولهم الجنسية من خلال استهداف تطبيقات المُواعدة، إلا أن العدد الأكبر من القضايا التي أحالتها النيابة العامة إلى المحاكمة خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتبطت بتوجيه اتهامات إلى الأفراد بنشر اتهامات كاذبة حول الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر. لمعلومات عن استهداف الأشخاص من خلال تطبيقات المواعدة وبناء على ميولهم الجنسية انظر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، “المصيدة: عقاب الاختلاف الجنسي في مصر“، بتاريخ 22 نوفمبر 2017 https://rb.gy/lbql9n

10 بلاغ المحامي عبد الرحمن الجوهري ضد حنين حسام رقم 177 لسنة 2020 عرائض النائب العام.

11 المرجع السابق.

12طبقًا لما ورد بتحريات قطاع مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة (إدارة مكافحة الهجرة الغير شرعية والاتجار بالبشر) التابعة لوزارة الداخلية بتاريخ 23 إبريل 2020 .

13 طبقًا لما ورد بتحريات الإدارة العامة لحماية الآداب (النشاط الخارجي) التابعة لوزارة الداخلية بتاريخ 24 إبريل 2020.

14 تمت إحالتهم إلى المحاكمة وفقًا لنصوص المواد 40 و41 من قانون العقوبات.

15 تعديل مواد الاتهام بإضافة المادة السابعة من قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات.

16 حكم محكمة القاهرة الاقتصادية (دائرة الجنح) الصادر في الدعوى رقم 1047 لسنة 2020 جنح مالية، بتاريخ 27 يوليو 2020.

17 المرجع السابق.

18 المرجع السابق.

19 مرجع سابق، “آخر الميادين رقابة ممنهجة على الإنترنت بدعوى حماية الأخلاق“.

20 أوراق الدعوى رقم 1047 لسنة 2020 جنح مالية، محكمة القاهرة الاقتصادية.

21 مذكرة بعدم دستورية جريمة الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية المنصوص عليها بالمادة 25 من قانون 175 لسنة 2018، مُقدمة إلى محكمة جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية بتاريخ 17 أغسطس 2020.

22 من الحكم الصادر في الدعوى رقم 497 لسنة 2020 جنح مالية المحكمة الاقتصادية القاهرة.

23 المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، انضمت مصر إلى هذا العهد بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981 الصادر في 1 أكتوبر 1981.

المرفقات

تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي