باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
الخميس (ج)
المؤلفة برئاسة السيد القاضي الدكتور/ علي فرجاني “نائب رئيس المحكمة”
وعضوية السادة القضاة/ محمد الخطيب و نادر خلف
تامر أحمد شومان و أحمد محمد مقلد “نواب رئيس المحكمة”
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد/ محمد حافظ.
وأمين السر السيد/ أحمد عبد الفتاح.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الخميس 12 من شعبان سنة 1445 هـ الموافق 22 من فبراير سنة 2024 م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 16241 لسنة 92 القضائية
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجنحة الاقتصادية رقم …….. لسنة …….. اقتصادية …… (المقيدة برقم …….. لسنة …….. جنح مستأنف اقتصادي ……) بأنه في 9 من فبراير لسنة 2020 بدائرة قسم شرطة ……… – محافظة ……….
– سب المجني عليه/ ………. بطريق العلانية ، بأن نشر مقطعًا مصورًا على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب) المسماة …………) والمتاح للكافة الاطلاع على محتواها موجهًا إليه عبارات تتضمن خدشًا لاعتباره وذلك على النحو المبين بتقرير الفحص الفني المرفق على النحو المبين بالتحقيقات.
– تعمد إزعاج المجني عليه سالف الذكر بإساءة استخدام أجهزة الاتصالات وذلك بارتكابه الجريمة محل الاتهام السابق على النحو المبين بالتحقيقات.
– أدار واستخدم حسابًا خاصًا (…….) على شبكة معلوماتية موقع (اليوتيوب) بهدف ارتكاب الجريمتين محل الاتهامين السابقين على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت عقابه بالمواد 166 مكررًا، 171/ 3 ، 306 من قانون العقوبات ، والمادتين 70 ، 76/ 1 بند 2 من القانون 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات ، والمادة 27 من القانون 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات .
وأحالته إلى محكمة …….. الاقتصادية – بهيئة ابتدائية – لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الوارد بأمر الإحالة .
وادعى المجنى عليه مدنيًا قبل المتهم .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا بجلسة 27 من أبريل سنة 2021، أولًا: عن الاتهام الثالث ببراءة المتهم/ ……… مما نسب إليه، ثانيًا: عن الاتهامين الأول والثاني بتغريم المتهم/ ……… مبلغ عشرين ألف جنيه وألزمته بالمصاريف الجنائية ، وعدم قبول الدعوى المدنية وإلزام رافعها بالمصاريف.
فاستأنف المحكوم عليه هذا القضاء وقيد استئنافه برقم ……. لسنة …….. جنح مستأنف ……. الاقتصادية.
ومحكمة …… الاقتصادية – بهيئة استئنافية – قضت حضوريًا بجلسة 16 من مايو سنة 2022، أولًا : بقبول الاستئناف شكلًا ، ثانيًا : وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بتخفيض الغرامة المقضي بها إلى خمسة آلاف جنيه وألزمت المستأنف المصروفات الجنائية .
فقرر المحكوم عليه – بوكيل – بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض في 6 من يوليو لسنة 2022، وأودعت مذكرة بأسباب طعنه بذات التاريخ موقعًا عليها من الأستاذ/ …….. المحامي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المداولة قانونا :
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والسب المتضمن خدشا للشرف والاعتبار ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه خلا من بيان أركان جريمة تعمد الإزعاج بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات بدلائل عددها ، وبعدم انطباق نص المادة 76 من القانون 10 لسنة 2003 على الواقعة ، كما لم يدلل على توافر القصد الجنائي في حقه تدليلا سائغا ، كما خلا الحكم من بيان ألفاظ السب ، فضلا عن عدم مسألة الطاعن لكونه يعمل صحفيا وأن ما نسب إليه يدخل في نطاق حريته في التعبير عن فكرة ويندرج تحت مظلة النقد المباح ووفقا لما يقتضيه عمله الصحفي ، والتفت عن دفعه بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون عن جريمة السب عملا بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية؛ مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تعمد الإزعاج بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات وفقا لنص المواد 166 مكررا من قانون العقوبات و76 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات ، لا يقتصر على السب والقذف اللذان وردا بنص المادة 308 مكرر عقوبات بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجني عليه ، وكان الحكم الابتدائي المعدل لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى أدلة الدعوى من قيام الطاعن بتوجيه عبارات وألفاظ سب عن طريقي نشر مقطع مرئي على موقع ( يوتيوب ) والقيام بمشاركته ، مما تتوافر منه ركن العلانية وقصده من توجيهها خدش اعتبار المجني عليه بعبارات شائنة تزعج أي إنسان ويضيق بها صدر أي شخص ، وإذ تعمد الطاعن إتيان ذلك الفعل واتجهت إرادته إلى إزعاج سالف الذكر بتلك العبارات والألفاظ الجارحة ؛ الأمر الذي يتحقق معه أركان تلك الجريمة ويضحى ما ينعاه الطاعن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالا عن القصد الجنائي في جريمة تعمد الإزعاج والمضايقة بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات – بفرض ذلك – ما دام أن فيما أوردته من وقائع يكفي لاستظهاره ، وكان الحكم الابتدائي المعدل لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد استخلص قصد الطاعن من تعمده ارتكاب ما نسب إليه بخصوص هذه الجريمة ؛ فإن ما يثيره الطاعن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة أجهزة الاتصالات طريقا خاصا ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ويكفي أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم – في مجموعها – كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، ولما كانت المحكمة قد استظهرت مسئولية الطاعن بما ينتجها مطمئنة في ذاك إلى أدلة الدعوى التي استندت إليها ، فإن ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه حول عدم انطباق نص جريمة تعمد الإزعاج بإساءة أجهزة الاتصالات على الواقعة لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلا موضوعيا في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى وتقدير أدلتها تأديا لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدانها بالدليل الصحيح ؛ وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، فضلا عن ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يدفع الاتهام المسند بعدم انطباق نص المادة 76 من القانون 10 لسنة 2003 على الواقعة ؛ ومن ثم يكون كل ما يثيره الطاعن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أورد الألفاظ التي نشرها الطاعن بمقطع الفيديو على حسابه الشخصي بموقع (اليوتيوب) خلافا لما يزعم الطاعن بأسباب طعنه وأنها تعد سبا في حق المجني عليه ، فضلا عن ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المعدل لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجريمتين المسندتين إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبة بالعقوبة المقررة لأشدهما والواردة بنص المادة 76 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات ؛ ومن ثم فلا مصلحة لما يثيره بشأن جريمة السب ويكون كل ما ينعاه الطاعن غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت حرية الصحفي هي جزء من حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص ، كما أن حرية الإعراب عن الفكر شأنها شأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيرة حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حريات الغير ، ولما كانت الجريمتين اللتين دين الطاعن بموجبهما وأوقعت عليه المحكمة عقوبة أشدهما لا تمس حرية الصحفي ولا تتجاوز ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكرة في الحدود التي تتضمن عدم المساس بحريات غيره ، كما أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته ، فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه ، وكانت العبارات التي تضمنها المقطع المرئي الذي نشره الطاعن على قناته الخاصة بموقع (اليوتيوب) شائنة ومن شأنها لو صحت لاستجاب عقاب المجني عليه واحتقاره عند أهل وطنه؛ فإن كل ما ينعاه الطاعن يكون على غير ذي محل . لما كان ذلك ، وكانت جريمة تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات المعاقب عليها بمقتضى المادتين 166 مكررا من قانون العقوبات و 76 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 باعتبارها الجريمة الأشد التي دين الطاعن بها ، ليست من عداد الجرائم المشار إليها في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى بشأنها على شكوى ، وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية أن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون ، وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا باستثناء بنص من الشارع، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى ضد الطاعن عن الجريمة المشار إليها والتي يدن بها المؤثمة بمواد قانون تنظيم الاتصالات والتي خلت من أي قيد على حريتها في رفع الدعوى الجنائية؛ فإن ما يثيره الطاعن يكون غير سديد، فضلا عن ذلك؛ فإن الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية واطرحه برد سائغ يتفق وصحيح القانون.
لما كان ما تقدم ؛ فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه مع مصادرة الكفالة