مستقبل المدن الذكية: التحديات الاقتصادية والاجتماعية وفرص العدالة التنموية

مقدمة

المدن الذكية هي مقاربة تنموية تقوم على الدمج بين عديد من التكنولوجيات الحديثة، وبصفة خاصة تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات. تهدف المدن الذكية لخدمة تنمية عمرانية ذات طابع حديث وأكثر مرونة وملاءمة لمتطلبات النمو الاقتصادي في عالم رقمي.

تُسارع عديد من دول العالم إلى تبني هذه المقاربة بطرق مختلفة تشمل تطوير البيئة العمرانية القائمة مع بناء أخرى جديدة. تعد مقاربة المدن الذكية بتوفير بيئات عمرانية أكثر استدامة باستخدام التكنولوجيات الحديثة لإدارة العمليات اليومية لمرافق وخدمات هذه البيئات والاعتماد على مصادر نظيفة للطاقة.

المدن الذكية كخيار تنموي لا تتعلق حصرًا بتوظيف التطور التكنولوجي لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها تعكس توجهًا استراتيجيًا لأولويات وأهداف هذه التنمية. لهذا التوجه انعكاسات بالغة الأهمية على مستقبل الشعوب التي تتجه حكوماتها إلى التركيز على المدن الذكية كخيار استراتيجي.

ليست جميع هذه الانعكاسات إيجابية؛ بل ربما يكون السلبي منها كافيًا لإعادة النظر في حجم الأولوية المعطاة للمدن الذكية كخيار تنموي مقارنة بخيارات أخرى. لذلك، يُعد فهم طبيعة المدن الذكية والآثار المتوقعة لاتخاذها كخيار استراتيجي للتنمية على مستقبل الشعوب أمرًا بالغ الأهمية.

على جانب آخر، يبدو خيار المدن الذكية تنمويًا تقنيًا أكثر مما هو عليه في الحقيقة. فالتوجه العالمي نحو تحويل المدن القائمة إلى مدن ذكية وإلى بناء أخرى جديدة يعكس توجهات سياسية وأمنية على نطاق عالمي ومحلي. 

بالإضافة إلى ذلك، تختلف مقاربات الدول المختلفة واستراتيجيتها فيما يخص المدن الذكية بشكل كبير حسب ظروف كل منها. كذلك تختلف هذه الدول من حيث جاهزيتها لاعتماد المدن الذكية كأولوية تنموية، وبالتالي يختلف الأثر المتوقع لهذا الخيار على مستقبل شعوب هذه الدول.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم رؤية متوازنة وبقدر المتاح من معلومات حول البرنامج المصري الطموح للمدن الذكية والذي يمضي بخطوات واسعة. تناقش الورقة مقاربة المدن الذكية كخيار استراتيجي في السياق المصري وتعرض المقاربات الحاكمة لهذا الخيار.

كما تلقي الورقة الضوء على أهداف البرنامج المصري للمدن الذكية والتصورات المتعلقة به، ثم تعرض أهم ملامح ما تطور إليه هذا البرنامج في الوقت الحالي. تستعرض كذلك الورقة الشراكات التي تعتمد عليها الحكومة المصرية في تخطيط وتنفيذ مشروعات هذا البرنامج والأثر المتوقع لطبيعة هذه الشراكات على البرنامج نفسه وعلى أهدافه التنموية. وأخيرًا، تناقش الورقة أهم المحاذير التي ينبغي الالتفات إليها للموازنة بين الآثار الإيجابية المتوقعة وبين الآثار السلبية المحتملة لهذا البرنامج.


المدن الذكية كخيار استراتيجي

التوسع العمراني المستمر يُوجِد الحاجة إلى سبل جديدة لإدارة البنية العمرانية التي تزداد تعقيدًا. ينبغي أن تحقق هذه السبل أهدافًا عدة، منها رفع الكفاءة الوظيفية، وخفض النفقات، وتحسين نوعية الحياة لتحسين المردود الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة. تُعد المدن الذكية خيارًا واعدًا لتحقيق تلك المعادلة الصعبة. فالمدن الذكية هي حل تكاملي يعتمد على الجمع بين عدد من التكنولوجيات الحديثة التي تعمل معًا بشكل تكاملي يأخذ في الاعتبار مختلف الاحتياجات التي يفرضها التوسع العمراني في عصر رقمي.

شرعت مصر منذ عام 2016 في مشروع طموح لبناء عدد كبير من المدن الذكية. تزايد عدد المدن المخطط لإنشائها في من 17 مدينة إلى 38 مدينة، ويقدر إجمالي مساحتها بحوالي 530 ألف فدان.

يعكس ذلك بوضوح أن التوجه نحو المدن الذكية هو خيار استراتيجي رئيسي في تصورات الحكومة لمستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر. ثمة مقاربتين رئيسيتين تحكمان هذا التوجه الاستراتيجي نحو بناء مدن جديدة ذكية في مصر، وهما المقاربة التنموية والمقاربة الأمنية. تناقش الورقة في الأقسام التالية كلًا من المقاربتين بالإضافة إلى الأهداف المرجوة منهم.


المقاربة التنموية

تتعلق المقاربة التنموية لخيار المدن الذكية بالموازنة بين دفع النمو الاقتصادي مع تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من التدهور البيئي. وتعرض النقاط التالية الجوانب المختلفة للدور التنموي للمدن الذكية.

تطوير بيئات عمرانية حديثة

تعد المدن الذكية ببناء بيئات عمرانية توفر نوعية أفضل من الحياة لسكانها. المقصود بذلك هو أن الاعتماد على التكنولوجيات الأحدث في مراحل التخطيط والتصميم العمراني والبناء والتشييد، ثم في مراحل إدارة المرافق والخدمات يسمح بتوفير بيئات عمرانية ذات جودة عالية وكذلك بالحفاظ على هذه الجودة وتطويرها مع الوقت.

من بين التكنولوجيات المطروح استخدامها في مشروعات المدن الذكية في مصر تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء. يسمح استخدام هذه التكنولوجيا في مراحل التخطيط و التصميم والتنفيذ بضمان بيئة عمرانية أعلى في الكفاءة الوظيفية، مع الاستغلال الأمثل للموارد والأخذ في الاعتبار عوامل الحفاظ على البيئة. يساعد ذلك في إنشاء بيئات عمرانية أكثر استدامة، وتوفر إمكانات أفضل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الحوكمة الرقمية وتطوير البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

المقصود بالحوكمة الرقمية أو الحوكمة الذكية، هو رقمنة الخدمات وعمليات الإدارة الحكومية بما يحسن من أدائها ومن سهولة وصول المواطنين إليها. يرتبط مفهوم الحوكمة الرقمية باستراتيجية التوسع في بناء المدن الذكية من خلال اعتماد هذه الاستراتيجية على تطوير البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التي تُعد بدورها شرطًا لتحقيق الحوكمة الرقمية.

يعني ذلك أن المدن الذكية سيتوافر لها منذ اليوم الأول البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تسمح بأن تدار الخدمات الحكومية فيها من خلال الحوكمة الرقمية. يُسهل ذلك من وصول المواطنين إليها ويرفع من كفاءتها.

نظم المواصلات الحديثة والإدارة الذكية للحركة

نظم نقل البضائع والركاب أو المواصلات هو قطاع ملئ بالأزمات والمشاكل المزمنة في الواقع المصري. تعود المشاكل في معظمها إلى تهالك البنية التحتية لهذا القطاع وعدم توافر الاستثمارات الكافية له حتى يلاحق الضغط المتزايد عليه. يأتي هذا الضغط كنتيجة للزيادة السكانية وتوسع الرقعة العمرانية للمدن، وفي مقدمتها القاهرة.

ينطوي مفهوم المدن الذكية على جانب أساسي يتعلق باستخدام تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات والتطورات في مجالات أخرى لتحديث وسائل ونظم المواصلات. يهدف ذلك إلى تحقيق كفاءة وظيفية أعلى مع ضمانات سيطرة وتحكم أعلى في الحركة تناسب التعقيدات الناتجة عن الزيادة السكانية والتوسع العمراني.

يدعم مشروعات المدن الذكية في مصر عدد من مشروعات تحديث شبكة المواصلات المصرية بصفة عامة. لكن تولي هذه المشروعات أولوية خاصة لربط المدن الذكية بالتجمعات العمرانية الأخرى وبتسهيل إمكانية الوصول إليها. تهدف تلك المشروعات إلى استخدام بدائل حديثة تعتمد على مصادر طاقة نظيفة وتصدر قدرًا أقل من الانبعاثات الملوثة للبيئة، وفي مقدمتها مركبات الكربون المختلفة.


مشروع القطار الكهربائي

تضم مشروعات تحديث شبكات المواصلات في مصر مشروع القطار الكهربائي في شرق القاهرة. يُمثل ذلك المشروع المسار الأول بين القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة. يعتبر القطار الكهربائي الجديد أول قطار خفيف في مصر، وهو النموذج الأحدث لخطوط الترام السابقة. تتميز خطوط هذا القطار بأن مساراتها مغلقة، بحيث لا يؤدي تقاطع الطرق العادية معها إلى تعطيل حركتها.

تشمل خطة المشروع، الذي تشرف عليه الهيئة القومية للأنفاق، تنفيذ خط للقطار الكهربائي بطول 90 كم على ثلاثة مراحل. تضم المرحلتان الأولى والثانية 12 محطة وتمتد بطول 70 كم، في حين تضم المرحلة الثالثة أربع محطات ويبلغ طولها 20 كم. يتميز القطار الكهربائي بسعة تحميل مرتفعة تبلغ 60 ألف راكب/ساعة في الاتجاهين. كما تصل سرعته إلى 120 كم/ساعة؛ مما يعني أن رحلته من القاهرة وحتى العاصمة الإدارية الجديدة تستغرق حوالي 50 دقيقة.

تبلغ تكلفة مشروع القطار الكهربائي حوالي 35 مليار جنيه. يشارك في العمل في المشروع 7 شركات مقاولات مصرية تتولي تنفيذ أعمال الإنشاءات المدنية، بما في ذلك الكباري الخاصة بالقطار.

تشرف شركة أفيك الصينية على تصنيع القطارات التي ستعمل على الخط ويبلغ عددها المبدئي 22 قطارًا. تتولى الشركة أيضًا أعمال صيانة القطارات وتوفير فطع الغيار، وتبلغ قيمة تعاقد الشركة الصينية حوال مليار و500 مليون دولار. أخيرًا، تتولى شركة فرنسية هي RATP DEV أعمال الإدارة والتشغيل لخط القطار الكهربائي وتبلغ قيمة تعاقدها مليار و183 مليون يورو.


مشروع المونوريل

إضافة إلى القطار الكهربائي، تضم مشروعات المواصلات الحديثة لربط المدن الذكية بالنسيج العمراني القديم مشروع القطار الأحادي أو المونوريل. حسب التقارير الصحفية تهدف الحكومة المصرية إلى تنفيذ مشروعين لخطوط القطار الأحادي. يربط أحد الخطين العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، ويضم مرحلتين الأولى بطول 45 كم، والأخرى بطول 11.5 كم. يتضمن هذا المشروع إنشاء 21 محطة. أما المشروع الثاني للقطار الأحادي فيربط مدينة السادس من أكتوبر بحي المهندسين في القاهرة الكبرى، ويبلغ طوله 42 كم ويتضمن إنشاء 10 محطات.

يستخدم القطار الأحادي الكهرباء كمصدر للطاقة، ومن ثم يعتبر صديقًا للبيئة. تدعي تقارير صحفية أن تكلفة المونوريل أقل من تكلفة مترو الأنفاق. قد يكون ذلك صحيحًا في حال خطوط مترو الأنفاق التي تحتاج إلى اختراق مناطق سكنية كثيفة السكان، ولكنه غير صحيح في المناطق المفتوحة. كذلك أثير جدل حول أن تكلفة مشروعات المونوريل في مصر أعلى من نظيراتها في العالم. نفت الحكومة المصرية ذلك وذكرت أن إجمالي تكلفة المشروع تبلغ حوالي 2.2 مليار يورو.

تعاقدت الحكومة المصرية مع تحالف من ثلاث شركات لتولي أعمال التصميم والتنفيذ لمشروعي المونوريل. يشمل ذلك عقد إدارة للمشروع لمدة 30 عاما بنظام حق الانتفاع. يتضمن التحالف كل من شركة بومباردييه الكندية التي تقوم بإنشاء نظم الإشارات والاتصالات وكذلك بتوريد القطارات، وشركتي المقاولون العرب وأوراسكوم المصريتين واللتين تتوليان أعمال الإنشاءات المدنية للمشروع. إضافة إلى ذلك، تعاقدت الهيئة القومية للأنفاق مع تحالف من شركتين هما هيل إنترناشيونال الأمريكية وججي جروب المصرية للقيام بالأعمال الاستشارية وللإشراف على مراحل تنفيذ المشروع.


مشروع القطار الكهربائي السريع

أخيرًا، تضم مشروعات شبكات المواصلات الحديثة كجزء من البرنامج المصري للمدن الذكية، مشروع إنشاء القطار الكهربائي السريع. يتكون المشروع من شبكة قطارات إقليمية، ويعتبر أطول سكة حديد تعمل بالكهرباء في الشرق الأوسط وإفريقيا. يصل إجمالي طول الخطوط المفترض تنفيذها 2000 كم. يستهدف المشروع ربط 60 مدينة بقطارات تصل سرعتها إلى 230 كم/ساعة، وتخدم ملايين المواطنين يوميًا. يحتوي المشروع على إجمالي 60 محطة، منها 22 محطة للقطار السريع و38 محطة للقطارات الإقليمية.

يشمل المشروع خطًا يربط بين مدن العين السخنة على ساحل البحر الأحمر بمدن الإسكندرية والعلمين الجديدة ومرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط ويبلغ طوله 660 كم. ويبلغ طول الخط الثاني حوالي 1100 كم، ويمتد من القاهرة شمالًا حتى مدينة أبو سمبل في جنوب مصر مرورًا بكل من مدينتي الأقصر وأسوان. وأخيرًا يبلغ طول الخط الثالث حوالي 225 كم، ويمتد من مدينة قنا في صعيد مصر وحتى مدينة سفاجة مرورًا بمدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر. يشمل المشروع تسيير ثلاثة أنواع من القطارات، وهي السريع بسرعة 250 كم/ساعة، والإقليمي بسرعة 160 كم/ساعة، والبضائع بسرعة 120 كم/ساعة.

يقوم بتنفيذ المشروع تحالف مكون من شركة سيمنز الألمانية، التي أعلنت أن المشروع هو الأضخم في تاريخها، مع كل من المقاولون العرب وأوراسكوم المصريتين. وتتولى سيمنز تنفيذ أعمال الأنظمة للمشروع، وتشمل نظم الإشارة والاتصالات، والتحكم، إضافة إلى تصنيع وتوريد القطارات التي ستعمل على خطوط المشروع. بينما تقوم الشركتان المصريتان بتنفيذ أعمال الإنشاءات المدنية. ويشمل التعاقد مع التحالف تقديم خدمات الصيانة لمدة 15 عامًا من تاريخ الإنتهاء من المشروع المخطط له وهو عام 2025.


التنمية المستدامة

التنمية المستدامة هي مفهوم بالغ الاتساع. عملت الأمم المتحدة على دعم اعتناق الدول لهذا المفهوم والعمل على تطبيقه من خلال أجندة 2030 للتنمية المستدامة التي أقرها جميع الدول الأعضاء في عام 2015.

بالرغم من الترويج الإعلامي للمدن الذكية كخيار تنموي مستدام، إلا أن الدراسات التي تناولت هذه العلاقة محدودة. ما توصلت إليه الدراسات هو أن تنفيذ مشروعات المدن الذكية بشكل مسؤول يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. شملت الدراسات حتى اليوم كل من أهداف المدن والمجتمعات المستدامة، والاستهلاك والإنتاج المسؤولين، والطاقة النظيفة والمناسبة من حيث التكلفة، والمياه النظيفة والصرف الصحي.

يتكرر استخدام عنوان التنمية المستدامة في الخطاب الإعلامي حول برنامج المدن الذكية المصري. تقتصر الإشارات الواقعية في هذا الخطاب على استخدام الطاقة النظيفة بشكل يكاد يكون حصري، مع إشارات محدودة إلى تدوير القمامة.

خفض تكاليف الإدارة والتشغيل

تتميز مقاربة المدن الذكية بأن حلول تكنولوجيا المعلومات التي تعتمد عليها تسمح بخفض تكلفة عمليات إدارة وتشغيل مرافق المدن مقارنة بالطرق التقليدية. يعود ذلك في الأساس إلى توفير إمكانيات جمع البيانات عن كافة الأنشطة ذات الصلة وتحليلها في مراكز تحكم موحدة. يوفر ذلك الهدر في الموارد المختلفة الناتج عن انخفاض الكفاءة ونقص المعلومات.

لا توجد إشارات واضحة في البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية أو شركات القطاع الخاص المرتبطة ببرنامج المدن الذكية المصرية عن مدى اهتمام البرنامج بخفض تكاليف الإدارة والتشغيل. مع ذلك، ثمة إشارات إلى نظم الإدارة والتحكم المركزية، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية للاتصالات وكذلك لنظم المواصلات. ولكن لا يمكن التأكد إلى أي حد يمتد استخدام مراكز التحكم والإدارة إلى المرافق التقليدية مثل الإمداد بالمياه والكهرباء والصرف الصحي.

التنمية الخضراء وحلول الطاقة الذكية

يتكرر في التصريحات والتقارير الإعلامية حول برنامج المدن الذكية المصرية الإشارة إلى مصطلح التنمية الخضراء. يتعلق المصطلح في تفاصيله، كما أتى في هذه التقارير، بتوفير مزيد من المساحات الخضراء والمفتوحة ليصل نصيب الفرد منها إلى 15 مترًا مربعًا، على سبيل المثال. كذلك ترد الإشارة إلى حلول حديثة لتدوير المخلفات.

لكن العامل الأكثر تداولًا هو الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة وحلول الطاقة الذكية. ومع ذلك، تفتقر هذه الإشارات إلى التفاصيل الواضحة، مما يجعل من الصعب تقييم ما إذا كانت مشروعات المدن الذكية في مصر تتبنى مقاربة شاملة تغطي كافة عناصر التنمية الخضراء وحلول الطاقة الذكية. هذه المقاربة تشمل جوانب تتجاوز توفير المساحات الخضراء، وحلول تدوير المخلفات، واستخدام الطاقة النظيفة.

تركز معظم الإشارات على استخدام الطاقة الكهربائية لتشغيل نظم المواصلات الحديثة، دون الإشارة إلى أن نظافة الطاقة الكهربائية تعتمد على أساليب توليدها. يمكن أن تكون الطاقة الكهربائية نظيفة ومستدامة، مثل الطاقة الهيدرولوجية وطاقة الرياح، أو ملوثة وغير مستدامة مثل محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الفحم، والوقود البترولي، والغاز. والجدير بالذكر أن أغلب مصادر توليد الكهرباء في مصر حاليًا تعتمد على الأخيرة.


المقاربة الأمنية

ينطوي مفهوم المدن الذكية بصفة عامة على جانب أمني هام. يتعلق هذا الجانب بالاستجابة للمتطلبات الأمنية للمدن الكبرى كثيفة السكان باستخدام بنية تحتية تكنولوجية متطورة. بالنسبة لمصر تأتي الملامح المختلفة لهذه المقاربة في مكانة رئيسية بالنسبة للمدن الذكية كخيار استراتيجي. فيما يلي تناقش الورقة أهم ملامح المقاربة الأمنية في سياق المدن الذكية في مصر.

التخارج من النسيج العمراني القديم

يجمع النسيج العمراني للمدن القديمة في مصر، وخاصة عاصمتها القاهرة، بين ملامح مختلفة. تعكس هذه الملامح التطور التاريخي لتلك المدن التي تعود نشأة بعضها إلى العصور الوسطى، وربما القديمة أيضًا.

كثير من مناطق هذه المدن لم يكن مخططًا على الإطلاق، بل نما بشكل عضوي يعكس الثقافة السائدة في وقت نشأته وطوال قرون تالية. تأثرت المناطق مسبقة التخطيط بشكل أو أخر بالنسيج الأقدم ومرت بتطورات مختلفة أدت إلى تدني مستوى العمران فيها.

يشكل ذلك كله تحديات أمنية تتعلق بصعوبات الحركة خلال النسيج العمراني الكثيف، وصعوبات في استخدام وسائل المراقبة الحديثة. من ثم، فالتخارج من النسيج العمراني القديم، بمعنى توفير بديل عنه لا يظل متأثرًا بمشاكله، هو أحد الحلول الرئيسية لتحسين القدرة الأمنية على ضبط الحركة وممارسة مراقبة فعالة.

الأنظمة الأمنية المتكاملة

الأنظمة الأمنية المتكاملة (Integrated Security Systems ISS) تشير إلى شبكة شاملة ومترابطة من المكونات الأمنية المتنوعة التي تعمل معًا لتقديم مقاربة متماسكة وموحدة لإدارة الأمن. تعتمد هذه المقاربة على استخدام تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الحديثة، وفي مقدمتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

يتضمن برنامج المدن الذكية المصري استخدام الأنظمة الأمنية المتكاملة. في عام 2019، نُشر بيان صحفي يعلن عن تعاقد شركة العاصمة الإدارية للتطوير العقاري مع شركة هانيويل الأمريكية. بموجب هذه الاتفاقية تقوم الشركة الأمريكية بتزويد العاصمة الإدارية الجديدة بنظم أمنية متكاملة تستخدم أحدث التكنولوجيات المتاحة. يشمل ذلك أنظمة مراقبة منتشرة بجميع أنحاء المدينة، مع تكاملها في نقطة تحكم واحدة (مركز القيادة والتحكم المتكامل ICCC).

إمكانيات المراقبة

تتيح تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات إمكانيات غير مسبوقة لمراقبة الأماكن العامة لأغراض أمنية. بالإضافة إلى رفع إمكانيات المراقبة بواسطة كاميرات الفيديو تضم هذه التكنولوجيات أيضًا استخدم إنترنت الأشياء لربط المتحسسات وكواشف الحركة بمراكز التحكم المتكاملة.

تتكامل المراقبة بكاميرات الفيديو مع أنظمة إدارة الفيديو وتسجيل المقاطع من مساحات مختلفة. يتيح ذلك إمكانية تحليل بيانات الفيديو بشكل لحظي أو مراجعتها لاحقًا لأغراض التحقيق. يشمل تحليل بيانات الفيديو استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مثل تكنولوجيا التعرف على الوجوه وكشف الهوية من خلال الخصائص الحركية وغيرها. 

يتضمن مخطط بناء العاصمة الإدارية الجديدة نشر 6000 كاميرا مراقبة في جميع المساحات العامة بالمدينة. كما يتضمن المخطط استخدام أنظمة كشف التسلل، وكواشف الحركة، والإنذار لكشف الدخول غير المصرح به أو الأنشطة المشبوهة.

السيطرة على الحركة

تمثل السيطرة على الحركة من وإلى المدن، ومن وإلى المنشآت الحيوية بها، واحدة من أهم التحديات الأمنية في المدن الحديثة. توفر حلول المدن الذكية إمكانيات تسمح بالتعامل مع هذه التحديات بسهولة وكفاءة أكبر، وفي مقدمتها أنظمة التحكم في الوصول.

تنظم أنظمة التحكم في الوصول كل من الدخول إلى والخروج من المناطق والمنشآت المراد تأمينها. يتم ذلك باستخدام تكنولوجيات مثل كروت الوصول، والمواسح البيولوجية، والأكواد السرية. يتيح تكامل التحكم في الوصول مع أنظمة الأمن الأخرى مراقبة أفضل لنقاط المرور وتحكمًا أفضل فيها.

الأمن المعلوماتي

الأمن المعلوماتي هو جانب بالغ الأهمية من مشروعات المدن الذكية بصفة عامة. فإلى جانب أن الأمن المعلوماتي قد أصبح هاجسًا رئيسيًا في العالم الرقمي اليوم، يشكل الاعتماد الكثيف لمشروعات المدن الذكية على تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات عاملًا إضافيًا لأهمية الأمن المعلوماتي.

تقوم المدن الذكية على بنية تحتية معلوماتية ممتدة ومتشعبة تعتمد على تكامل عمل أنظمة معلوماتية مختلفة. من ثم، فالحياة في المدن الذكية تعتمد بشكل كبير على هذه الأنظمة المعلوماتية. يعني ذلك أن تعرض الأنظمة المعلوماتية فيها للاختراق قد يؤدي إلى توقف عملها أو اساءة استغلالها مما يمكن أن يكون له نتائج كارثية. لذلك، حماية هذه الأنظمة هي أولوية بالغة الأهمية والخطورة.

على جانب آخر، تجمع أنظمة التحكم والتشغيل والأنظمة الأمنية في المدن الذكية قدرًا هائلًا من البيانات الحساسة للأفراد والمؤسسات. سبل التعامل مع هذه البيانات، سواء في جمعها أو تخزينها أو معالجتها، تحدد مدى تأمينها والحفاظ عليها من الوصول غير المصرح به أو إساءة الاستغلال.


 الأهداف والطموحات

مشروعات المدن الذكية في مصر هي مجال بالغ النشاط من حيث حجم الخطاب الصادر عن الجهات المختلفة المنخرطة فيها، وفي مقدمتها الحكومة المصرية. يعكس حجم المواد المنشورة حول تلك المشروعات مدى الأهمية التي توليها الحكومة المصرية لهذا البرنامج من جهة، ومدى استشعار جهات القطاع الخاص المصري والأجنبى لهذه الأهمية، وإمكانيات الاستثمار الهائلة التي يفتحها هذا البرنامج من جهة أخرى.

على جانب آخر، يعكس هذا الخطاب الجوانب التي تحظى باهتمام هذه الأطراف، والتوجهات الفعلية التي تنشئها المصالح المختلفة لكل منها. من المتوقع أن تنعكس هذه التوجهات على الواقع الفعلي لتطور وتنفيذ مشروعات المدن الذكية في مصر في المدى المنظور.

الأهداف المتصورة

نشرت الهيئة العامة للاستعلامات تقرير حول برنامج المدن الذكية، في عام 2018، تحت عنوان “مدن الجيل الرابع .. مجتمعات ذكية في مصر”. يوضح العنوان حرص الجهات الرسمية المصرية على تقديم مشروع المدن الذكية على أنه امتداد واستكمال لاستراتيجية التوسع العمراني المعتمدة على بناء مدن جديدة والتي بدأت في مصر منذ النصف الثاني لسبعينات القرن الماضي.

مصطلح الجيل الرابع يشير إلى ثلاث محطات سابقة لهذه الاستراتيجية شملت حوالي 30 مدينة جديدة. تتوزع هذه المدن بين مدن الجيل الأول، مثل مدن العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر والسادات، ومدن الجيل الثاني والثالث مثل مدن العبور وبدر والشيخ زايد.

تُجمِّل المصادر الإعلامية المختلفة الأهداف المتصورة لبرنامج المدن الذكية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر. تشمل أيضًا الأهداف المتصورة توفير بنية تحتية متطورة تساعد على جذب الاستثمار وتخلق مزيدًا من فرص العمل، وكذلك توفير بيئات عمرانية تسمح بمستوى أفضل للمعيشة مع توافر مرافق وخدمات ذات جودة أعلى ومدارة بكفاءة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، تشير كثير من التقارير إلى أن برنامج المدن الذكية هو جزء من التزام مصر بتحقيق أهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

الخطط المعلنة والمشروعات المستهدفة

ظهر مفهوم المدن الذكية في مصر لأول مرة في عام 2008، في إطار قطاع التنمية العقارية. سعت عدة شركات مصرية تعمل في هذا القطاع عالي التنافسية إلى تقديم حلول تعتمد على توفير بنية تحتية رقمية متقدمة كميزة تنافسية لمنتجاتها المطروحة في سوق العقارات في مصر.

بدأ برنامج الدولة للمدن الذكية في مصر عام 2016، وكان يهدف في البداية إلى إنشاء 17 مدينة ذكية. لكن شهد البرنامج نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز عدد المدن المخطط إنشاؤها الأربعين مدينة، وفقًا لتصريحات مسؤولين ورجال أعمال على صلة بالبرنامج.

تختلف الأرقام المنشورة حول عدد المدن والتفاصيل الخاصة بها. ففي حين تشير تقارير صحفية إلى بدء تنفيذ 17 مدينة كمرحلة أولى، تشير تصريحات لمعاون وزير الإسكان إلى أن العمل قد بدأ بالفعل في إنشاء 30 مدينة. يضم برنامج المدن الذكية أيضًا مشروعات للبنية التحتية ونظم المواصلات والتي سبق الإشارة إليها تفصيلا في أقسام سابقة من الورقة. 


خيارات الشراكة المحلية والدولية

تعد الجهات المحلية والدولية التي اختارتها الحكومة المصرية لتصميم وتطوير وبناء المدن الذكية مؤشرًا رئيسيًا على توجهات وتصورات الحكومة لأهداف ودور هذه المدن. كما يعكس هذا الاختيار نوع الخبرات والقدرات التي تعتبرها الحكومة ذات أولوية في هذا المجال.

الشركاء المحليون الأكثر بروزًا

أبرز شركاء القطاع الخاص المصري في مشروعات برنامج المدن الذكية هي شركات قطاع الإنشاء والتشييد الكبرى في مصر، مثل شركة المقاولون العرب المملوكة للدولة، وشركة أوراسكوم، وشركة أبناء حسن علام، وشركة طلعت مصطفى.

من الجدير بالملاحظة أن الشركات المشاركة في برنامج المدن الذكية هي في الغالب شركات مقاولات تقليدية، ولا توجد بينها شركات متخصصة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. لذا، فإن مشاركتها في المشاريع ذات الصلة بالمدن الذكية تأتي من خلال تحالفات مع شركات أجنبية متخصصة توفر الخبرة والمعدات والتجهيزات الفنية اللازمة لدمج التكنولوجيا الحديثة في هذه المشروعات.

لا تنطوي هذه الشراكة بين الشركات المحلية والأجنبية على نقل للخبرة في المشروعات كثيفة الاستخدام للتكنولوجيا، نظرًا لاختلاف الاختصاصات بين الطرفين. وربما كان يفضل دفع بعض الشركات المصرية المتخصصة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للقيام بدور في هذه التحالفات مما يسمح بنقل المعرفة المتخصصة وتطوير الكفاءات المحلية.

الشركاء الأجانب

تبرز مشاركة الصين كدولة من خلال العديد من شركاتها الكبرى في المشروعات ذات الصلة ببرنامج المدن الذكية المصري لسببين هامين. السبب الأول هو أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تشارك بشكل مباشر في دعم هذا المشروع. ينعكس ذلك في أن أكبر مشاركة صينية تمثل الصين فيها شركة كبرى مملوكة مباشرة للدولة، وهي شركة الدولة الصينية للهندسة والتشييد CSCEC.

السبب الثاني هو أن المشاركة الصينية تأتي في إطار رؤية للتنسيق الوثيق ما بين رؤية مصر 2030 وهي الإطار التنموي الاستراتيجي المصري، وما بين مبادرة الحزام والطريق الصينية للتعاون التنموي الدولي. تشغل مصر في هذه المبادرة مكانًا هامًا، نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد عند ملتقى قارات العالم القديم.

تتولى شركة الدولة الصينية للهندسة والتشييد بناء حي الأعمال المركزي بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهو مركز المدينة وأهم أحيائها. يشغل هذا الحي مساحة قدرها حوالي 505 ألف متر مربع، ومخطط له أن يكون موقع لعشرات المباني التجارية السكنية، إضافة للبنية التحتية اللازمة لها. كما يضم هذا الحي أحد المعالم البارزة للمدينة، وهو برج يبلغ ارتفاعه 385.8 مترًا. شارك في إنشاء الحي، تحت إشراف الشركة الصينية، 16 ألف مهندس وعامل مصري مع أربعة آلاف مهندس وعامل صيني.

الشركة الصينية الأبرز كشريك تنموي رئيسي في مشروعات المدن الذكية ومشروعات البنية التحتية ذات الصلة بها هي شركة هواوي. تحظى الشركة بشراكة استراتيجية مع الحكومة المصرية في عديد من المشروعات والبرامج التنموية. تعقد هواوي أيضًا تحالفات مع العديد من شركات الإنشاءات الكبرى في مصر، مثل شراكتها مع شركة طلعت مصطفى لتوفير خدمات المدن الذكية في مصر. كما تعاونت هواوي سابقًا مع الشركة نفسها وغيرها من شركات التنمية العقارية في مصر لتنفيذ نموذج المدن الذكية في مشروعات هذه الشركات، مثل مدينتي الرحاب ومدينتي المملوكتين لشركة طلعت مصطفى.

بخلاف الشركات الصينية، فاز عدد من الشركات الأجنبية بتعاقدات كبيرة لتنفيذ مشروعات ذات صلة ببرنامج المدن الذكية في مصر. الشركات الأكثر بروزًا تشمل سيمنز الألمانية وهانيويل الأمريكية، بالإضافة إلى غيرها من الشركات التي تم ذكرها سابقًا في الورقة. الملاحظة الأساسية فيما يتعلق بهذه الشركات هي أن معظمها ذات علاقات وثيقة قديمة بالحكومات المصرية المتعاقبة. بعبارة أخرى، هذه الشركات تمثل شركاء تنمية دائمون وعلى مستوى استراتيجي، ولهم وجود ذو ثقل كبير في قطاعات التنمية المختلفة في مصر.

أثر خيارات الشراكة المحلية والأجنبية

يعتبر الشركاء، سواء المحليون أو الأجانب، في برنامج المدن الذكية المصري، شركاء استراتيجيون دائمون للدولة المصرية في مشروعاتها التنموية. تعكس هذه الحقيقة ثقلًا كبيرًا لهؤلاء الشركاء البارزون يتخطى مجرد احتكار النصيب الأكثر من تعاقدات التنمية، إلى المشاركة في رسم الاستراتيجيات التنموية وتحديد المشروعات ذات الأولوية. يمكن التدليل على ذلك بمعدلات لقاءات التشاور على مستو استراتيجي بين ممثلي الحكومة المصرية على أعلى مستو مع ممثلي هذه الشركات. كما تقوم بعض هذه الشركات بتنظيم مؤتمرات وندوات وطاولات مستديرة ومعارض لمناقشة مستقبل التنمية في مصر.

بالنظر إلى أن هذه الشركات تعمل في النهاية لتحقيق مصالح مستثمريها، والتي تتمثل في توفير أسواق لمنتجاتها وخدماتها، فإنه لا يمكن استبعاد وجود شبهة توجيه خيارات التنمية والمشروعات ذات الأولوية لخدمة هذه المصالح. يثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى مراعاة القرارات المتخذة في برنامج المدن الذكية للمصلحة العامة والاحتياجات الحقيقية للمجتمع.


الواقع الحالي للمدن الذكية في مصر

شرعت مصر بالفعل منذ سنوات في إنشاء عديد من المدن الذكية الجديدة. النموذج الأبرز هو العاصمة الإدارية الجديدة، كذلك تبرز مدينة العلمين الجديدة كنموذج مشهور. لكن العدد المعلن عنه للمدن التي بدأ العمل في إنشائها وكذلك المخطط لإنشائها أكبر من ذلك كثيرًا. يستعرض هذا القسم التفصيلات المتاحة حول هذه المشروعات ويناقش ما يعكسه اختيار مواقعها الجغرافية حول توجهات التنمية المستهدفة.

العاصمة الإدارية الجديدة

العاصمة الإدارية الجديدة هي المشروع الأبرز في برنامج المدن الذكية المصري. بخلاف أنها أولى مشروعات هذا البرنامج، فهي أيضًا الأضخم على الإطلاق. يبلغ إجمالي مساحة المدينة عند اكتمالها حوالي 180 ألف فدان، وهو أكثر من ثلث إجمالي المساحة المستهدفة لجميع المدن الذكية المستهدف إنشائها.

تغطي المرحلة الأولى من المشروع مساحة قدرها 10 آلاف فدان، وتستهدف استيعاب 0.5 مليون نسمة في هذه المرحلة. بدأ بالفعل نقل حوالي 40 ألف إلى 50 ألف موظف حكومي من القاهرة إلى العاصمة الجديدة، ومن المخطط أن يصل عددهم إلى 100 ألف موظف خلال ثلاثة أعوام. كما يُخطط أن تصل القدرة الاستيعابية للعاصمة الإدارية إلى 6.5 مليون نسمة عند اكتمالها.

مدن العلمين والجلالة وغيرها

من بين أبرز المدن التي تم إنشاء أجزاء منها هي مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. تقع المدينة على بعد 34 كم غرب مدينة الإسكندرية ومخطط لها أن تكون مقصدًا سياحيًا وثقافيًا عالميًا. تبلغ المساحة المستهدفة لمدينة العلمين أكثر من 48 ألف فدان، تغطي المرحلة الأولى منها 8 آلاف فدان. وتبلغ القدرة الاستيعابية المستهدفة للمدينة مليوني نسمة.

شملت الأعمال التي تمت بالفعل في المدينة المرحلة الأولى من محطة تحلية مياه الشرب بطاقة تبلغ 100 ألف متر مكعب يوميًا، وخصص لها كاستثمارات مبلغ 3 مليارات جنيه. كما تكلف تطوير الطريق الساحلى من الإسكندرية وحتى مدينة مطروح لخدمة المدينة الجديدة مبلغًا قدره 320 مليون جنيه.

يضم البرنامج أيضًا مدينة الجلالة التي اجتذبت حسب التقارير الإعلامية استثمارات قدرها 100 مليون دولار أمريكي. ومخطط أن تنقسم إلى ثلاث قطاعات تبلغ مساحاتها 5550 فدان، و2050 فدان، و6900 فدان.

بخلاف كل من العلمين الجديدة والجلالة ثمة أيضًا على سبيل المثال: مدن شرق بورسعيد، والمنصورة الجديدة (5200 فدان – 680 ألف نسمة)، مدينة ناصر غرب أسيوط (6 آلاف فدان- 680 ألف نسمة)، مدينة غرب قنا (9 آلاف فدان).

نمط التنمية العمرانية لتوزيع المدن الذكية

توضح الخرائط غير التفصيلية المتاحة لأغراض إعلامية مدى طموح برنامج المدن الذكية المصري. تمتد مشروعات المدن المخطط لها في إطار هذا المشروع بطول البلاد وعرضها. كما أنها تمثل ظهيرًا للعمران المصري القديم، وازدواجًا للمدن القائمة بالفعل في الدلتا والصعيد والساحل الشمالي لمصر على البحر الأبيض المتوسط.

يمكن ملاحظة أن مخطط مشروع المدن الذكية المصري لا يخرج بشكل حقيقي عن النمط الغالب على العمران المصري. ظل هذا النمط طوال آلاف السنين محصورًا بشكل شبه تام في وادي النيل وامتدادات بطول ساحل البحر المتوسط بصفة رئيسية وساحل البحر الأحمر بقدر أقل.

تشير الدروس المستفادة من تجارب المدن الجديدة في مصر خلال العقود الماضية إلى أن إنشاء مدن جديدة بالقرب من المدن القديمة يؤدي في الغالب إلى:

  1. امتداد عمراني: تتوسع المدن الجديدة تدريجيًا حتى تصل في النهاية إلى النسيج العمراني للمدن القديمة، مما يخلق ضغوطًا إضافية على البنية التحتية والخدمات.
  2. استمرار الاعتمادية: تستمر المدن الجديدة في الاعتماد على المدن القديمة في العديد من الخدمات والمرافق، مما يزيد من الأعباء على المدن القديمة ويعقد التحديات التي تواجهها، لا سيما في مجال المواصلات.

يعني هذا أن إنشاء مدن جديدة بالقرب من المدن القديمة لا يحل بالضرورة مشاكل التكدس والازدحام، بل قد يؤدي إلى تفاقمها على المدى الطويل.

استثمارات البنية التحتية

تحتاج المدن الذكية إلى بنية تحتية متطورة تتخطى الاحتياجات التقليدية لشبكات التغذية بمياه الشرب والكهرباء وشبكات الصرف الصحي. يضاف إلى احتياجات المدن الذكية بنية تحتية خاصة بالاتصالات المتقدمة ومراكز البيانات ومراكز التحكم الرقمي إلخ.

إضافة إلى ذلك، تستلزم المدن الجديدة بطبيعتها استثمارات في البنية التحتية لنظم المواصلات لربطها بالمدن القديمة. يميل نموذج المدن الذكية إلى أن تكون نظم المواصلات هذه بدورها تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وأن تستخدم مصادر طاقة نظيفة.

في المجمل، تمثل استثمارات البنية التحتية نسبة أكبر من مجمل الاستثمارات المطلوبة في حالة المدن الذكية، مقارنة بغيرها من المقاربات التنموية التقليدية. وهو ما يؤثر على حجم الاستثمارات التي تحتاجها برامج المدن الذكية في بدايتها، وكذلك على معدل استرداد قيمة هذه الاستثمارات.


قراءة نقدية لاستراتيجية مصر للمدن الذكية

على الرغم من الجوانب الإيجابية لخيار المدن الذكية كاستراتيجية تنموية واعدة، هناك عدة جوانب سلبية يجب مراعاتها. بعض هذه الجوانب يتعلق بمفهوم وتطبيق المدن الذكية بحد ذاتها، بينما يتعلق البعض الآخر بالمقاربة المصرية لهذا الخيار. يؤدي كلا العنصرين إلى آثار مختلفة، والتي سيناقشها هذا القسم في النقاط التالية.

الأثر على حقوق الإنسان

تفرض مقاربة المدن الذكية كخيار تنموي عديدًا من التساؤلات والمحاذير فيما يتعلق بضمانات حماية حقوق الإنسان، سواء لسكانها أو لعموم مواطني الدول التي تتبنى هذه المقاربة. تعتمد هذه المقاربة على تكامل عديد من تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الحديثة التي لكل منها محاذير حقوقية مختلفة، أبرزها تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

لكن المدن الذكية، كما تشير الدراسات، تثير محاذير حقوقية وقانونية إضافية لا يلتفت إليها خبراء التكنولوجيا عادة. تتعلق تلك المشاكل بالمساواة، والوصول إلى الخدمات وفرص العمل، والحق في التنمية. تناقش الورقة فيما يلي أهم تلك المحاذير في السياق المصري.

المدن الذكية والمراقبة والخصوصية

ذكرت تقارير صحفية أن العاصمة الإدارية الجديدة، وهو النموذج الأبرز لبرنامج المدن الذكية في مصر، سيكون بها نظام مراقبة يتكون من 6000 كاميرا مراقبة موزعة على أنحاء المدينة وتغطي كافة الفراغات العامة بها. كذلك ستُستخدم أعمدة الإنارة كنقاط لشبكات الواي فاي، والكروت الإلكترونية للسماح بالدخول إلى المباني. هذه الإنظمة جميعها مدمجة ومتكاملة مع بعضها البعض ويتم إدارتها من خلال مركز موحد للإشراف والتحكم.

هذا المستوى من المراقبة والتحكم قد يكون مبررًا بالاحتياجات الأمنية، ولكنه يظل مصدرًا لمخاوف عدة حول التهديدات المتوقعة للحق في الخصوصية. تجمع الأنظمة المشار إليها قدرًا هائلًا من البيانات والتي يمكن من خلالها التعرف على هوية الأشخاص مع تحديد أماكن تواجدهم في أي وقت بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحليل هذه البيانات للتوصل إلى عديد من المعلومات حول نمط حياة الأشخاص وسلوكهم.

مجرد جمع هذه البيانات والخروج بمثل تلك المعلومات عن الأشخاص هو اختراق بالغ لحقهم في الخصوصية. من ثم، تتطلب حماية هذا الحق مع تحقيق الأهداف الأمنية المشروعة تعاملًا مسؤولًا مع البيانات التي تجمعها هذه الأنظمة بحيث لا يتخطى جمعها الأغراض المشروعة لها. كذلك يتطلب ضمان سلامة الأفراد وعدم تعرضهم لتعديات إجرامية، مثل التهديد والابتزاز وغير ذلك، أن تكون كافة البيانات التي تجمعها مثل هذه الأنظمة مؤمنة ضد خطر اختراقها والوصول غير المشروع إليها.

المدن الذكية وحرية الحركة

شكل المراقبة الشاملة والدائمة التي أشير إليها في القسم السابق هو في حد ذاته أحد عوامل تهديد حرية الحركة لسكان ومرتادي المدن الذكية. ولكن إضافة إلى ذلك، يمثل الاعتماد المبالغ فيه على وسائل التعرف، عائقًا لحرية الحركة. 

لا ينبغي أن يكون التعرف على الهوية شرطًا للوصول المشروع إلى كافة الأماكن والمنشآت. فذلك يتخطى المتطلبات الأمنية المشروعة التي تنحصر في ضمان ألا يشكل الأشخاص خطرًا على سلامة الآخرين، وهو أمر لا يتطلب في معظم الحالات التعرف على هويتهم.

يفاقم هذا الأمر الحاجة إلى استخدام بطاقات ذكية وما شابه للوصول إلى الأماكن، مما قد يضطر الأفراد إلى استصدار هذه البطاقات حتى في حالات لا تفرضها ضرورة أمنية. ينتج عن ذلك إهدار للوقت والجهد، مما يجعل كلفة الوصول إلى بعض الأماكن أعلى من النفع المتوقع منها، وبالتالي يحد من إمكانية الحركة.

المدن الذكية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

الخيارات التنموية، خاصة الاستراتيجية منها، لها آثار بالغة على مدى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. الموازنة بين المصالح المختلفة لفئات المجتمع، وكذلك عدالة توزيع عائد التنمية، هي من الشروط الواجب توافرها في اختيار التوجهات التنموية وفي مراحل تنفيذها.

بالنسبة لخيار المدن الذكية، يمثل اعتماده على تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات ميزة رئيسية لا يمكن إنكار فوائدها. لكنه يطرح أيضًا عديدًا من المحاذير التي ينبغي وضعها في الاعتبار والتعامل معها عند وضع هذا الخيار التنموي موضع التنفيذ الفعلي.

أحد الأهداف الرئيسية لأي خيار تنموي هو خلق المزيد من فرص العمل والوظائف. كلما كانت فرص العمل والوظائف التي يخلقها خيار تنموي أكثر تنوعًا من حيث المهارات المطلوبة لها والمستوى التعليمي الذي تشترطه كلما كانت أقرب إلى العدالة. كذلك وضع خريطة التوزيع النسبي للمهارات والمؤهلات في المجتمع في الاعتبار هو أمر ضروري لضمان تكافؤ الفرص، وتغطية حاجة فئات المجتمع المختلفة للعمل بشكل عادل.

تعتمد المدن الذكية بشكل كثيف على تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات المتقدمة لتشغيل وإدارة مرافقها وخدماتها. كما أنها تقدم بنية أساسية متقدمة تجتذب الأعمال الراغبة في استغلال هذه التكنولوجيات والتي يحقق لها ذلك قدرًا مناسبًا من الربحية في مقابل التكلفة المبدئية المرتفعة.

يؤدي هذا إلى نتيجتين رئيسيتين فيما يتعلق بكم ونوعية فرص العمل التي يمكن أن تساعد المدن الذكية في خلقها، سواء في مجال تشغيل خدماتها ومرافقها أو في الأعمال التي ستجتذبها. النتيجة الأولى هي أن معدل هذه الوظائف قياسًا إلى حجم الاستثمارات سيكون أقل من البدائل التقليدية. فبصفة عامة تكون الأعمال كثيفة التكنولوجية أقل اعتمادًا على العنصر البشري.

النتيجة الثانية هي أن فرص العمل المتوقع توفيرها تميل إلى أن تتوجه نسبة أكبر منها إلى أصحاب المؤهلات الأعلى وأصحاب المهارات المتقدمة، خاصة ذات الصلة بالتعامل مع التكنولوجيا الأحدث. مثل هذه التركيبة للوظائف المتوقعة هي على عكس التركيبة الحالية للقوى العاملة في مصر، والتي تمثل العمالة غير الماهرة وذات المؤهلات المتوسطة والأدنى منها الغالبية العظمى فيها.

يعني ذلك أن استفادة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع بفرص العمل التي توفرها المدن الذكية محدودة. ويمكن ألا يمثل هذا مشكلة حقيقية في حال كان ثمة توازن بين خيارات تنموية متعددة، يكون خيار المدن الذكية هو أحدها، مع توزيع الاستثمارات، خاصة العامة بين هذه الخيارات بما يتلاءم مع الوضع القائم لتركيبة القوى العاملة في مصر.

في نفس الوقت، يمكن الاستثمار في برامج التعليم والتدريب لرفع نسب المؤهلين للحصول على فرص العمل التي توفرها المدن الذكية مع الوقت مما يسمح بتوجيه مزيد من الاستثمارات إليها مع الحفاظ على عدالة وتكافؤ فرص العمل. ولكن الملاحظ أن برنامج المدن الذكية يحظى فعليًا بقدر من تركيز الاستثمارات أضخم كثيرًا من غيره من البرامج التنموية، خاصة في ظل افتقار شديد للاستثمارات في القطاعات الاقتصادية بخلاف قطاع البترول والغاز الطبيعي، في مصر في الوقت الحالي.


الأثر على توجهات التنمية وعدالتها

إضافة إلى أن مقاربة المدن الذكية هي توجه تنموي في حد ذاتها، إلا أنها تؤثر بصفة عامة على نمط التوجهات التنموية في البلد الذي يتبناها. وقد يكون لذلك أثر إيجابي عندما تكون رؤية برامج إنشاء المدن الذكية متسعة لتشمل الجوانب التنموية المختلفة التي ينبغي الاهتمام بها بشكل مواز للتقدم في البرنامج نفسه لضمان أن تكون آثار التنمية أكثر عدالة. في التالي تناقش الورقة بعضًا من الإشكاليات المرتبطة بمقاربة المدن الذكية في السياق المصري.

عدالة توزيع الاستثمارات

تتطلب مشروعات المدن الذكية قدرًا هائلًا من الاستثمارات في مراحلها الأولى. الغالبية العظمى من هذه الاستثمارات عادة ما تتحملها الدولة. ذلك لأن اجتذاب القطاع الخاص للاستثمار في المدن الجديدة بصفة عامة، والذكية بصفة خاصة، يتطلب توافر حد أدنى من البنية التحتية والمرافق والخدمات التي لابد أن توفرها الدولة.

بالنسبة لمصر، التي تعاني من تضاؤل مواردها الأساسية للدخل نتيجة عدة عوامل، فإن الحد من الاستثمارات الحكومية يصبح ضرورة. العمل على عدد كبير من مشروعات المدن الذكية في نفس الوقت لابد أن يشكل عبئًا ضخمًا على الموازنة العامة للدولة. يؤثر ذلك بالضرورة على الاستثمارات المتاحة في مجالات أخرى، بما في ذلك خدمات أساسية مثل التعليم والصحة. لا يتعلق الأمر فقط بتحسين مستوى هذه الخدمات الضرورية، بل بتوفير التوسعات اللازمة لمواكبة الزيادة السكانية مع الحفاظ على المستوى الحالي للخدمة، وهو مستوى دون المطلوب في الواقع وأقل مما ينص عليه الدستور صراحةً.

المدن الذكية، مع تقدم مراحل إنشائها، تبدأ أيضًا في جذب استثمارات القطاع الخاص الداخلية والخارجية على حساب المدن القائمة ومجالات الاستثمار الأخرى. من ثم، فهي بطبيعتها وحسب معدلات العمل فيها تحدث خللًا في توزيع الاستثمارات، سواء الحكومية أو الخاصة، جغرافيًا وقطاعيًا. ينعكس ذلك بالضرورة على الخدمات المقدمة للمواطنين وعلى فرص العمل المتاحة لهم وعلى مجمل معيشتهم. تتزايد حدة هذا الأثر نزولًا على هرم توزيع الدخل بحيث تعاني الشرائح الأدنى دخلًا أكثر وأكثر.

الأثر على البيئة العمرانية القائمة

على الرغم من أنه نظريًا ليس هناك ارتباط بين التوجه نحو بناء المدن الذكية الجديدة وبين تقليص الإنفاق الضروري لتطوير وتنمية أو صيانة وإصلاح مشاكل البيئات العمرانية القائمة، إلا أنه في ظل محدودية الاستثمارات الحكومية المتاحة لا يمكن تجنب هذا الارتباط، خاصة إذا كان معدل العمل على مشروعات المدن الجديدة أعلى مما ينبغي. كذلك، فإن استثمارات القطاع الخاص في التطوير العمراني ستتجه بدورها نحو المدن الذكية الجديدة لأنها توفر فرصة تقديم منتج عقاري منافس وجذاب لفئات الدخل المرتفعة، التي تسعى هذه الاستثمارات لتلبية طلبها على أي حال.

من ثم، فإن عدم مراعاة التوازن بين معدلات الاستثمار في المدن الذكية وبين الاستثمار في تطوير وإصلاح البيئات العمرانية القديمة من شأنه أن يؤدي إلى تزايد معدل تدهور هذه البيئات، سواء من حيث مرافقها وخدماتها أو أمنها. ينعكس ذلك سلبًا على جودة معيشة سكانها وسلامتهم. جدير بالذكر أن هذا الأمر يتخطى المناطق ذات البيئات العمرانية المتدهورة فعليًا والعشوائيات، ليشمل مناطق كانت إلى وقت قريب أفضل حالًا، نظرًا للأثر التسلسلي لانزياح الجاذبية والقيمة من النسيج العمراني القديم بمستوياته المختلفة إلى النسيج العمراني الجديد.

الأثر على قطاعات التنمية التقليدية

تعاني قطاعات التنمية التقليدية، التي لا تعتمد على التكنولوجيا بشكل مكثف، من انخفاض معدلات الاستثمار فيها. كما أنها تواجه انسحابًا تدريجيًا لرأس المال منها، حيث يتجه نحو قطاعات التنمية المعتمدة على التكنولوجيا، والتي يشجع إنشاء المدن الذكية على زيادة ربحيتها.

نتيجة لذلك، لا تعاني القطاعات التقليدية فقط من نقص قدرتها على خلق فرص عمل جديدة، بل قد يؤدي انكماشها إلى فقدان وظائف قائمة بالفعل. هذا الأمر يزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها مصر، حيث يعتمد الكثير من المواطنين على هذه القطاعات لكسب عيشهم.


خاتمة

مقاربة المدن الذكية تُعتبر خيارًا تنمويًا ضروريًا في العالم الرقمي الحالي والمستقبلي. هذه الحقيقة تبرز أهمية اهتمام الدولة المصرية بالتوجه نحو هذه المقاربة. في المقابل، فكما أوضحت هذه الورقة، ينبغي لبرنامج المدن الذكية المصري أن يولي اهتمامًا لاعتبارات كثيرة للموازنة بين الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الخيار التنموي.

التوسع السريع والضخم في مشروعات برنامج المدن الذكية يمكن أن يفاقم من آثاره السلبية ويستبق النمو المطلوب لبعض من احتياجات التنمية في هذه المدن الجديدة، مما يقلل من الآثار الإيجابية المتوقعة.

سعت هذه الورقة إلى تقديم رؤية متوازنة لبرنامج المدن الذكية المصري، فناقشت مقارباته التنموية والأمنية، وأهدافه وخططه، وأهم مشروعاته. كما ناقشت نمط الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص المحلي والأجنبي في هذه المشروعات. وأخيرًا، ناقشت الورقة محاذير الآثار السلبية لهذا المشروع على كل من حقوق الإنسان والعدالة التنموية في مصر.

في الختام، يظل برنامج المدن الذكية المصري واعدًا وقابلًا لتصويب مساره إذا تم مراعاة المحاذير المختلفة التي أشارت إليها هذه الورقة، والتي تمثل جزءًا هامًا من تطوره المستقبلي.