مقدمة
ربما يكون قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو القطاع الاقتصادي اﻷكثر أهمية في عالمنا اليوم. لا تأتي هذه الأهمية فقط من كونه القطاع الأسرع نموًا بين القطاعات الاقتصادية وبالتالي من الأكثر إسهامًا في إجمالي حجم الاقتصاد العالمي. يوجد أيضًا سببين إضافيين لأهمية هذا القطاع.
السبب اﻷول هو أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو القطاع اﻷسرع تطورًا. يعني ذلك أنه المسؤول اﻷول عن إحداث التغييرات الاقتصادية والاجتماعية اﻷكثر أثرًا في عالمنا اليوم. والسبب الثاني هو أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يتداخل مع جميع القطاعات الاقتصادية اﻷخرى من خلال توفيره للتكنولوجيات التي تعتمد عليها في تطورها ودخولها إلى العالم الرقمي.
في ظل هذه اﻷهمية البالغة، لا شك أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يُعَدُّ محركًا أساسيًا للتنمية. لذلك، تسعى الدول، خاصة النامية، إلى تعزيز مشاركتها في النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية، بما في ذلك تمكين المرأة وتقليل الفجوة الجندرية.
لا تختلف مصر عن غيرها من الدول النامية في هذا الإطار من حيث الخطوط العامة له. لكن مصر، كأي بلد آخر، لها ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها التي تؤثر على إمكانيات نمو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فيها. تؤثر أيضًا هذه الظروف على إمكانية إسهام هذا القطاع في دعم تمكين المرأة المصرية والمساعدة على جسر الفجوة الجندرية في المجتمع المصري.
تسعى هذه الورقة إلى مناقشة إمكانية إسهام قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر في دعم تمكين المرأة المصرية اقتصاديًا، وخاصة في مجال توفير فرص عمل أكبر للنساء فيه. كما تناقش الورقة إمكانية أن يسهم القطاع في دعم فرص تضييق الفجوة الجندرية من خلال تمكين النساء اجتماعيًا أيضًا.
تتناول الورقة اﻷسباب التي تجعل هذا القطاع ذو أهمية خاصة في إطار السعي لتمكين المرأة المصرية اقتصاديًا واجتماعيًا. تقدم كذلك الورقة عرضًا لواقع مشاركة النساء في مصر حاليًا في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وأخيرًا تناقش الورقة العوامل التي تجعل القطاع ملائمًا لفرص نمو مشاركة النساء فيه والعوائق والتحديات التي تواجه هذه المشاركة.
أهمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتمكين المرأة
تمكين المرأة اقتصاديًا هو في حد ذاته أحد المسارات الرئيسية لتمكينها بصفة عامة، ولتحقيق المساواة الاجتماعية بينها وبين الرجل. الاستقلالية الاقتصادية للمرأة وخروجها من دائرة الاعتمادية الاقتصادية ضرورية لتمكينها من مواجهة صور التمييز ضدها. تمثل فرص التوظيف الطريق الوحيد لتمكين النسبة الغالبية من النساء اقتصاديًا في مقابل طرق أخرى مثل العمل الخاص أو الثروة الناشئة عن الميراث وهي فرص تتاح لأقلية محدودة.
توضح الورقة في النقاط التالية أهمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دفع فرص تمكين المرأة اقتصاديًا. يساهم القطاع في ذلك من خلال توفير فرص التوظيف وتحقيق توازن بين الفرص التي يخلقها القطاع في مقابل فرص التوظيف التي يؤدي إلى اختفائها. كما أنه يساهم في تحقيق التوازن في فرص العمل في القطاع الخاص بصفة خاصة.
فرص نمو القطاع
بحسب هيئة تنمية تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) يعتبر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو القطاع اﻷسرع نموًا بين قطاعات الاقتصاد المصري. حقق القطاع معدل نمو بلغ حوالي 16.7% في العام المالي 2021/2022، متجاوزًا بذلك جميع القطاعات اﻷخرى. كذلك يوفر القطاع حوالي 280 ألف وظيفة، أكثر من 30% منها للنساء. بالإضافة إلى ذلك، وصلت صادرات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 4.8 مليار دولار في عام 2021/2022.
النمو السريع لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يجعله قطاعًا اقتصاديًا بالغ اﻷهمية بالنسبة للسعي إلى تمكين المرأة المصرية اقتصاديًا. هذا النمو يصحبه بالضرورة تزايد في معدلات الوظائف التي يخلقها القطاع. يفتح ذلك أمام النساء فرصًا أكبر للتوظيف، خاصة وأن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو اﻷعلى بين القطاعات الاقتصادية في مصر توظيفًا للنساء. بل إنه القطاع الوحيد الذي تنمو فيه نسبة توظيف النساء في حين تنخفض هذه النسبة في القطاعات اﻷخرى سنويًا.
لا يقتصر دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على كونه محركًا هامًا للنمو الاقتصادي، فهو يُقدم أيضًا فرصًا واسعة لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. فمع معدلات النمو المرتفعة للقطاع، وارتفاع نسبة توظيف النساء فيه مقارنةً بغيره من القطاعات، تزداد الوظائف المتاحة للنساء، ممّا يُتيح لهنّ فرصة للمشاركة بشكل أكبر في الحياة المهنية.
علاوة على ذلك، تُعدّ طبيعة الدور الاجتماعي المتزايد لتكنولوجيا المعلومات عاملاً هامًا يُضفي على وجود المرأة في هذا القطاع أهمية خاصة. وجود النساء بنسبة ذات ثقل في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يجعلهن شريكات في تطوير السلع والخدمات التي يوفرها هذا القطاع وتضمن تمثيلهن بشكل عادل. تلك الشراكة لها أهمية كبيرة في توجيه ما يحدثه القطاع من تغيير اجتماعي نحو توفير مناخ أقل تمييزًا ضد النساء بصفة عامة.
لذلك، العمل على دفع دخول النساء بنسبة أكبر إلى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا يقتصر أثره فقط على مزيد من تمكين المرأة اقتصاديًا في المجتمع المصري، ولكنه يخدم بشكل مباشر أهداف تمكينها اجتماعيًا والسعي إلى تحقيق المساواة الجندرية.
معادلة اﻵثار السلبية لنمو القطاع على الوظائف التقليدية المتاحة للنساء
نمو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا يتوقف عند خلق مزيد من الوظائف في الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع نفسه. يمتد هذا النمو إلى تطوير أنماط العمل في جميع القطاعات الاقتصادية اﻷخرى. يحدث ذلك من خلال عمليات التحول الرقمي التي تؤدي إلى تعديل الطريقة التي تؤدى بها كثير من الوظائف، كما تخلق في كل قطاع اقتصادي وظائف جديدة للمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات.
يؤدي هذا التطوير أيضًا إلى اختفاء كثير من الوظائف التقليدية، وبصفة خاصة صور مختلفة من الوظائف المساعدة التي قد لا تتعلق بمجال اﻹنتاج نفسه في كل قطاع. هذا النوع من الوظائف التقليدية، مثل أعمال السكرتارية وشؤون العاملين والحسابات وغيرها، كانت توفر للنساء فرص توظيف أكبر من غيرها. ولكن نتيجة للتحول الرقمي فإن عدد هذه الوظائف في تناقص مستمر، وهو ما يعني فرص توظيف أقل للنساء.
نتيجة لما سبق، فإن لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أهمية كبيرة في إطار توفيره لمزيد من فرص العمل للنساء من خلال الوظائف التي يخلقها في مقابل تلك التي يؤدي إلى انخفاض معدل الحاجة إليها أو إلى اختفائها بصورة كاملة. لا تتعلق أهمية هذا القطاع في هذا الإطار بالوظائف التي يخلقها في الشركات المتخصصة فيه فقط ولكن ما يسهم في خلقه من وظائف في القطاعات الاقتصادية اﻷخرى.
تنبع من هنا أهمية تشجيع أكبر عدد ممكن من الفتيات على الالتحاق بمسارات التعليم المؤهلة لمسارات مهنية متخصصة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. التخصص في هذه المسارات المهنية يفتح أمامهن فرص العمل بشكل متزايد سواء في القطاع نفسه أو غيره من القطاعات التي تتزايد حاجتها إلى المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات بصفة مستمرة.
تحقيق التوازن في فرص العمل في القطاع الخاص للنساء
اتخذت الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي توجهًا واضحًا نحو زيادة دور القطاع الخاص في قيادة القطاعات الاقتصادية المختلفة. تمثلت هذه السياسات بصفة رئيسية في نقل ملكية النسبة اﻷكبر من المنشآت الاقتصادية من ملكية الدولة إلى القطاع الخاص من خلال برنامج الخصخصة.
كان لذلك أثر سلبي بالغ الحدة على معدل مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل. السبب الرئيسي في ذلك هو أن القطاع الحكومي وقطاع اﻷعمال العام هما الأكثر توظيفًا للنساء، نتيجة لخضوع عمليات التوظيف فيهما بنسبة أكبر للقواعد الموضوعية المتعلقة بمؤهلات شغل الوظائف.
في المقابل، تخضع عمليات التوظيف في القطاع الخاص لتفضيلات أصحاب اﻷعمال. كما أنها تعكس بشكل أوضح التوجهات الاجتماعية السائدة للتمييز ضد المرأة واﻹيمان بالصور النمطية التقليدية المتعلقة بعدم تكافؤ قدرتها على النجاح في اﻷداء الوظيفي بقدر الرجل.
أدى ذلك إلى أن نسبة تشغيل النساء في القطاع الخاص هي دائمًا أدنى من نسبة تشغيلهن في كل من القطاع الحكومي أو قطاع اﻷعمال العام. ومع تزايد نسبة مشاركة القطاع الخاص في مجمل الاقتصاد المصري أدى تدني معدل تشغيله للنساء إلى انخفاض ملحوظ في نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في مصر.
على خلاف جميع القطاعات الاقتصادية اﻷخرى ينفرد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة تشغيل للنساء في القطاع الخاص أعلى من غيره. كما أنه القطاع الوحيد الذي تنمو فيه فرص توظيف النساء بمعدل سنوي بينما تتدني في غيره من القطاعات.
من ثم، فقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات له أهمية بالغة في توفير فرص العمل للنساء وبالتالي في دعم تمكينهن اقتصاديًا. ولكن اﻷمر لا يقتصر على ذلك، فوجود النساء بنسبة ملحوظة في قطاع اقتصادي بالغ اﻷهمية لمجمل الاقتصاد يدعم مكانتهن الاجتماعية ويثبت جدارتهن. يساعد ذلك على ضحد الصورة النمطية الشائعة ويسهم في جهود دفع مؤسسات القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية اﻷخرى إلى تغيير سياسات التوظيف المعادية للنساء فيها.
الواقع الحالي لمشاركة المرأة في القطاع
حجم المشاركة ومعدل نموها
بحسب تقرير لمنتدى الأبحاث الاقتصادية Economic Research Forum (ERF) أصبح سوق العمل في مصر غير مرحب بالنساء بشكل متزايد خلال العقود اﻷخيرة. انخفضت نسبة مشاركة النساء في سوق العمل المصري بشكل مستمر من 19.5% في عام 2009 إلى 13.7% في عام 2021. في تلك الفترة كان إجمالي عدد النساء العاملات يتناقص بمعدل 1.1% سنويًا في الوقت الذي كان فيه عدد النساء في سن العمل يتزايد بمعدل 2.5% سنويًا.
في المقابل، ارتفع معدل توظيف النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمعدل مركب قدره 6.4% سنويًا، في حين أنه قد انخفض في بقية القطاعات بمعدل 1% سنويًا. أدى ذلك إلى أن من بين جميع النساء العاملات في مصر، تضاعفت نسبة من يعملن منهن بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من 1% في عام 2009 إلى 2.3% في عام 2021.
تشمل هذه اﻷرقام مجمل سوق العمل المصري (الرسمي) الموزع على كل من القطاع الخاص وقطاع اﻷعمال المملوك للدولة والقطاع الحكومي. بالنسبة للقطاع الخاص وحده فقد تزايد عدد النساء العاملات فيه في شركات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 10% سنويًا. على الجانب الأخر، انخفض عدد النساء العاملات في القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية اﻷخرى بمعدل 1.4%.
تجعل هذه الأرقام من واقع توظيف النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نقطة مضيئة وحيدة في صورة بالغة القتامة لواقع توظيفهن في مجمل الاقتصاد المصري. يتجلى هذا بصفة خاصة في القطاع الخاص الذي تنمو نسبة إسهامه في مجمل الاقتصاد بصفة مستمرة منذ بدء تطبيق برامج الخصخصة التي كان لها أثار سلبية بالغة الحدة على فرص التوظيف المتاحة للنساء في مصر.
أنواع الوظائف والتفاوت الجندري بينها
ما يقرب من نصف الوظائف التي تشغلها النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في القطاع الخاص كان في مجال إدخال البيانات، موظفات الاستقبال ومراكز تلقي مكالمات خدمة العملاء، في مقابل 16% من الرجال العاملين في القطاع. أما في مجال الدعم الفني والمجالات التقنية بلغت نسبة الرجال العاملين حوالي الثلث في مقابل 19% فقط من النساء.
كذلك يوظَّف الرجال بنسبة أكبر في الوظائف الخاصة بالطبقة العاملة (من يطلق عليهم وصف أصحاب الياقات الزرقاء)، مثل أعمال التوصيلات الكهربائية، واﻹصلاحات الميكانيكية، والتجميع. على جانب أخر، نسبة الرجال والنساء العاملين في الوظائف المهنية، مثل المتخصصين في الحواسيب والمهندسين تكاد تكون متساوية (18% من النساء، و20% من الرجال).
من الظواهر الملاحظة لتوجهات التوظيف في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هي نمو نسبة العاملين به من الحاصلين على المؤهلات العليا. تزايدت نسبتهم من 43% في عام 2009 إلى 63% في عام 2021 في القطاع الخاص. وكذلك نمت نسبة الموظفين في القطاع من الحاصلين على مؤهلات متخصصة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من 28% فقط عام 2009، إلى 37% عام 2021.
لم يسهم هذا النمو في تحسن ظروف العمل بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال الفترة السابقة. فقد انخفضت نسبة الوظائف التي توفر لشاغليها اﻷمان الوظيفي من خلال التعاقد الرسمي الخاضع لقوانين العمل، والتغطية التأمينية، مع معدل أكبر لهذا الانخفاض بالنسبة للنساء. بلغ أعلى معدل للتغطية التأمينية للعاملين بالقطاع في عام 2014 بنسبة 67% للرجال مقابل 60% للنساء. هذه النسب قد تدنت لتصل إلى 59% للرجال و47% فقط للنساء في عام 2021.
على الرغم من تمتع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمعدلات نمو وربحية تفوق بقية قطاعات الاقتصاد المصري، إلا أن معدلات الأجور فيه ليست بالمستوى الذي يناسب حجم وربحية القطاع، سواء للرجال أو النساء. وكما هو الحال في القطاعات الأخرى، لا تلاحق الأجور في هذا القطاع نسب التضخم، مما يعني استمرار تراجع الأجور الحقيقية مع مرور الوقت. وهذا الواقع بحد ذاته يمكن أن يحول دون تحقيق الدور المأمول لهذا القطاع في دعم تمكين النساء من خلال فرص التوظيف فيه.
عوامل ملاءمة القطاع لنمو مشاركة المرأة فيه
الطبيعة المرنة للوظائف
يمكن القول بأن نسبة كبيرة من الوظائف في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تتمتع بقدر أكبر من المرونة مقارنة بالقطاعات اﻷخرى. المرونة المقصودة هنا تتعلق بساعات العمل وتوقيته ومكانه أيضًا. كثير من الوظائف بالقطاع يمكن أن تتميز بالمرونة من حيث عدد ساعات العمل وتوقيتها إضافة إلى إمكانية عملها من المنزل.
تساهم هذه المرونة في إمكانية توفير فرص توظيف أكبر للنساء. فنظرًا لعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية، لا تزال النساء تواجه عوائق كثيرة تحول دون تمكنهن من السعي إلى فرص التوظيف التي تتطلب الالتزام الكامل بساعات وتوقيتات صارمة للعمل والتواجد بأماكن العمل بصفة دائمة.
تواجه النساء في مصر قيودًا على حركتهن نتيجة للتقاليد الاجتماعية والثقافية. قد يفرض هذه التقاليد اﻷهل بشكل مباشر أو المجتمع في عمومه من خلال السماح بتنامي ظواهر مثل التحرش بالنساء في الأماكن العامة والمواصلات وأماكن العمل دون ردع وأحيانًا بتواطؤ اجتماعي واضح.
على جانب آخر، تُطَالب النساء العاملات بأن يؤدين كامل اﻷدوار الجندرية التقليدية في المجتمع وفي مقدمتها تحمل كامل أعباء العمل المنزلي غير المأجور. هذه الضغوط وغيرها تحرم كثيرًا من النساء من السعي إلى فرص التوظيف المؤهلات لها. ومن ثم، فأي قدر من المرونة في طبيعة الوظائف المتاحة تعني إمكانية أن تحصل النساء على نصيب أكبر منها.
فرص التعلم والتدريب
تتوافر فرص التعلم والتدريب للحصول على المهارات وكذلك المؤهلات العلمية للعمل في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقدر كبير. أحد العوامل الهامة وراء ذلك هو اهتمام الدولة بدعم نمو القطاع وبصفة خاصة من خلال توفير أكبر عدد ممكن من الأفراد المؤهلين للعمل به. وبالنسبة للفتيات والنساء بصفة خاصة فثمة العديد من المبادرات والبرامج التي تقدمها منظمات دولية وشركات عالمية أيضًا لإتاحة فرص التأهل للعمل بالقطاع.
على مستوى التعليم المتخصص، تشير تقارير إلى أن مصر قد نجحت في تحقيق تقدم ملحوظ في جسر الفجوة الجندرية في التعليم الجامعي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة. فقدت مثلت الفتيات نسبة 52% من إجمالي الملتحقين بالجامعات العامة والخاصة في مصر في عام 2019. ومن بين إجمالي 507 ألف طالب في مسارات التعليم المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مثلت الفتيات نسبة 47.3%. وينقل التقرير نفسه عن إحصاءات لعام 2014 أن 48% من الحاصلين على درجة الماجستير و39% من الحاصلين على درجة الدكتوراة في مصر كن من النساء.
إمكانية تجاوز العوائق الاجتماعية والثقافية
تواجه النساء في المجتمعات المحافظة مثل المجتمع المصري عوائق اجتماعية وثقافية تحول دون إمكانية مشاركتها بنسبة أكبر في سوق العمل. يتميز قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتوافر السبل المتاحة للحصول على المهارات المؤهلة للالتحاق بالعمل به. بالإضافة إلى أن طبيعة وظائفة تتيح فرص للفتيات وللنساء بتجاوز العوائق الاجتماعية والثقافية والالتفاف حولها أكثر مما هو متاح في أغلب القطاعات الاقتصادية اﻷخرى.
قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو بطبيعته اﻷسرع تطورًا وهو بذاته يخلق تكنولوجيات تسمح بإمكانيات أكبر للتواصل والوصول إلى المعلومات. بالتالي، فهو القطاع الأسرع أيضًا في المبادرة إلى استخدام هذه التكنولوجيات، سواء في توفير فرص التعليم والتدريب المتخصصة في مجالات عمله أو في أداء أعماله اليومية نفسها. يتيح ذلك فرصًا أكبر للتعليم والتدريب والالتحاق بالعمل بالقطاع بالنسبة للنساء حيث يمكنهن الاعتماد على هذه الوسائل لتجاوز العوائق الاجتماعية والثقافية التي يواجهنها.
عوائق وتحديات مشاركة المرأة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
على الرغم من أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يتميز عن غيره من القطاعات من حيث نسبة تشغيل النساء به إلا أن هذا لا يعني مطلقًا أن فرص توظيف النساء به لا تواجه العديد من العوائق والتحديات. ينبغي التعامل مع هذه التحديات لدفع فرص استغلال إمكانيات القطاع لصالح تمكين النساء.
لا يعيش قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عالم منعزل عن المجتمع المصري الذي تؤثر التوجهات الجندرية السائدة فيه على فرص المرأة في العمل والتقدم المهني. كذلك لا يختلف قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن غيره من القطاعات الاقتصادية اﻷخرى في مصر من حيث تدني ضمانات اﻷمان الوظيفي به. وأخيرًا، فإن القطاع ربما يواجه أكثر من غيره تهديدات لمعدل الوظائف المتاحة به وخاصة تلك التي تشغلها النساء بنسبة أكبر من غيرها نتيجة للتطور التكنولوجي المستمر. وتناقش الورقة هذه النقاط في اﻷقسام التالية.
التحيز والتمييز الاجتماعي وأثرها على فرص التوظيف والتقدم المهني
ارتفاع معدل توظيف النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مقارنة بغيره من القطاعات هو في الحقيقة نسبي، خاصة عندما يتعلق اﻷمر بشركات القطاع الخاص. إذا ما أخذنا في الاعتبار تقارب عدد الفتيات والنساء المؤهلات من خلال تعليمهن الجامعي مع نظرائهن من الرجال يتضح أن نسبة تمثيل النساء في القطاع تظل متدنية بشدة. لا تزال النساء تمثلن فقط نسبة 38% من إجمالي العاملين بالقطاع في عام 2020.
هذا التفاوت الواضح بين نسبة النساء المؤهلات للعمل في القطاع وبين هؤلاء اللاتي يتاح لهن الحصول بالفعل على وظائف فيه لا يمكن تفسيرها إلا بسيادة نفس سياسات التوظيف المنحازة ضد المرأة والتي تعكس التمييز الاجتماعي السائد. ينعكس هذا التمييز بشكل أوضح على تدني نسبة شغل النساء للمواقع اﻹدارية الوسطى وخلو المناصب اﻹدارية العليا تقريبًا منهن.
من ثم، يمكن ملاحظة نمطًا واضحًا لتضييق الفرص. يبدأ هذا النمط من المرور من مراحل التعليم إلى سوق العمل، ثم المرور من المستويات الوظيفية الأدنى إلى اﻷعلى. بالإضافة إلى أن النساء لديهن فرصًا أقل للتقدم المهني مقارنة بنظرائهن من الرجال.
تدني ضمانات اﻷمان الوظيفي
تمثل الوظائف غير اﻵمنة النسبة اﻷكبر من تلك التي يوفرها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لكل من الرجال والنساء. إلا أن الوظائف غير الآمنة التي تشغلها النساء أكبر بشكل ملحوظ. الافتقاد إلى اﻷمان الوظيفي يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي لأي فرد. مع ذلك، يتأثر النساء بشكل أكبر دائمًا بهذه الظاهرة، حيث تكون فرص التوظيف المتاحة لهن أقل من تلك المتاحة للرجال.
على جانب آخر، تضطر النساء في أحيان كثيرة إلى بذل مجهود لإقناع ذويهن بالسماح لهن بالعمل من اﻷساس، وهو أمر لا يضطر إليه الرجال. مثل هذه الجهود تصبح فرصتها في النجاح أقل كثيرًا عندما تكون فرص العمل المتاحة أقل أمنًا. عدم توافر فرص للتثبيت أو تأمينات اجتماعية يقلل من قيمة الوظيفة ويُصعّب إقناع العائلة بجدواها.
تهديدات التطور التكنولوجي
تمثل وظائف مثل إدخال البيانات، وموظفات الاستقبال، ومراكز تلقي مكالمات خدمة العملاء حوالي نصف الوظائف التي تشغلها النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر. يعتبر هذا النوع من الوظائف هو اﻷكثر عرضة لتخفيض عدد المتاح منه وربما للاختفاء بشكل كامل مع التطور التكنولوجي المستمر لبرمجيات بديلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
توفر هذه البدائل بشكل متزايد فرص استبدال العاملين من البشر ببرمجيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها أداء وظائف مختلفة بنفس القدر من الكفاءة وربما بكفاءة أعلى وبتكلفة أقل. وهذا تحديدًا ما يجعل إقبال الشركات من القطاعات الاقتصادية المختلفة على استخدام هذه البدائل أمرًا محتومًا في المستقبل القريب. يهدد ذلك نسبة كبيرة من الوظائف المتاحة للنساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الوقت الحالي.
يتطلب هذا التحدي سرعة السعي من خلال المبادرات المختلفة إلى تنويع أكبر للوظائف التي يتاح للنساء شغلها في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ينبغي أن يترافق هذا السعي مع العمل على تنويع الخدمات التي يقدمها هذا القطاع بحيث لا يعتمد بصفة أساسية على الوظائف منخفضة اﻷجور المصدرة من الشركات العابرة للجنسيات حول العالم. تمثل هذه الوظائف اليوم النسبة اﻷكبر من متلقي هذه الخدمات التي تقدمها الشركات المصرية.
يشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر حاجة ملحة لتطوير هيكله الخدماتي، مع التركيز بشكلٍ خاص على التحول من دور المستهلك إلى دور المنتج. لذلك، يجب أن تتواءم جهود التعليم والتدريب الموجهة للفتيات والنساء مع هذا التوجه من خلال تشجيعهن على اكتساب المهارات والمؤهلات العلمية اللازمة في هذا المجال. سيتيح ذلك لهن فرصًا أوسع للعمل في القطاع في المستقبل.
خاتمة
تمكين المرأة المصرية اقتصاديًا هو هدف بالغ اﻷهمية ليس فقط في إطار تحقيق المساواة الجندرية والقضاء على صور التمييز ضد المرأة، ولكن أيضًا ﻷغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة. في ذلك اﻹطار، تؤكد هذه الورقة على اﻷهمية البالغة والاستثنائية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإمكانية أن يلعب دورًا أساسيًا في السعي إلى تمكين المرأة المصرية اقتصاديًا.
سعت هذه الورقة إلى إيضاح إمكانية لعب قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لهذا الدور من خلال توفير فرص أكبر للتوظيف للنساء في مصر في هذا القطاع. وفي سبيل ذلك ناقشت الورقة أهمية هذا قطاع وتميزه عن غيره من القطاعات الاقتصادية من حيث إمكانيات مساهمته في تمكين المرأة المصرية اقتصاديًا.
انتقلت الورقة بعد ذلك إلى استعراض الواقع الحالي لمشاركة النساء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من حيث نسبة هذه المشاركة ومن حيث توزيعها على التخصصات الوظيفية المختلفة في القطاع. كما ناقشت الورقة العوامل التي تجعل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ملائمًا أكثر من غيره لتوفير مزيد من فرص العمل للنساء في مصر والتحديات التي تواجه ذلك.
قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو اﻷكثر حظوة باهتمام الدولة المصرية في العقود اﻷخيرة. كما أنه يحظى بالعدد اﻷكبر من المبادرات والمشروعات التي تستهدف العمل على توفير مزيد من فرص العمل للنساء ولتقدمهن المهني. مع الاعتراف بهذه الجهود وتثمينها، ينبغي مع ذلك التأكيد إلى أنها لا تزال قاصرة عن تحقيق أهدافها مما يستدعي العمل على مضاعفتها.