الرقابة على الإنترنت في زمن التباعد الاجتماعي

[رابط الصفحة على جيت هاب]

على السلطات مراجعة قراراتها بحجب مئات المواقع الإلكترونية وتمكين الأفراد من خدمات الاتصال الرقمية

قامت السلطات المصرية بحجب موقع “درب” الصحفي التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي في التاسع من أبريل 2020. في ذات اليوم أعلن فريق موقع “مدى” الصحفي عن حجب الموقع للمرة الثانية والعشرين. فيما واجه مستخدمو موقع “المنصة” الصحفي صعوبات في الوصول إلى روابط الموقع خلال الأيام القليلة الماضية. وقد بينت القياسات التقنية التي جمعتها “مسار” تعرض روابط “المنصة”، التي يستخدمها الموقع لتجاوز الحجب المفروض عليه منذ مايو 2017، للحجب مرة أخرى على عدد من شبكات الاتصالات العاملة في مصر.

وبالرغم من التحديات التي يفرضها تزايد أعداد المصابين والوفيات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد والتي تتطلب احترام حق الأفراد في الوصول للمعلومات وتمكين الصحافة الرقمية أكثر من أي وقت مضى، تفرض السلطات قيود كبيرة على حرية استخدام الإنترنت والحق في الاتصال. فلا تزال السلطات تحجب ما لا يقل عن 572 موقع إلكتروني  بالإضافة إلى 31 نطاق بديل استخدمته المواقع المحجوبة عوضا عن الروابط التي حُجبت، ما يعني وصول إجمالي المواقع التي تعرّضت للحجب إلى 600 نطاق* منذ مايو 2017، من بينها منصات لوسائل إعلام رقمية، ومبادرات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني. ولم تتوقف السلطات عن حجب المواقع الصحفية بالرغم من الأولويات التي يفرضها الظرف الراهن من ضرورة تركيز إمكانيات الدولة ومواردها لحماية صحة المصريين وأرواحهم بدلًا من الإمعان في منعهم من الوصول للمعلومات والآراء من مصادرهم المختلفة.

يؤدي استمرار حجب هذه المواقع إلى تفاقم الآثار المترتبة على عدم قدرة الأفراد على التنقل والتواصل بحرية نتيجة إجراءات حظر التجوال الجزئي وإغلاق بعض المصالح الحكومية وشركات القطاع الخاص. فهذه الإجراءات التي اتخذتها السلطات للحد من تفشي العدوى، تحد بطبيعتها من قدرة الأفراد على الوصول للمعلومات. ويصبح الوصول للمنصات الرقمية للصحف ومنظمات المجتمع المدني أكثر أهمية من أي وقت مضى، لتمكين الأفراد من المعلومات والآراء التي تنشرها هذه الجهات من ناحية، ومراقبة أداء السلطة وسياساتها أثناء مواجهة هذا الوباء من ناحية أخرى.

أيضًا، لا يستطيع مستخدمو الإنترنت في مصر الوصول لبعض خدمات الاتصال الصوتي الخاصة بتطبيقات واسعة الانتشار مثل WhatsApp وSkype عبر خدمات الإنترنت المحمول (3g/4g) منذ سنوات. وهو ما يزيد من حدة النتائج المترتبة على التعليمات الصادرة بضرورة التباعد الاجتماعي لمنع انتشار العدوى. فالقيود المفروضة على التواصل المباشر بين الأفراد داخل مصر، وعدم قدرة الأفراد على السفر بين الدول، يجعل من هذه التطبيقات بديلًا سهلًا وفي متناول قطاعات واسعة من المستخدمين، من حيث التكلفة، للتواصل مع ذويهم وأحبائهم والاطمئنان عليهم. أيضًا تساعد هذه التطبيقات الأفراد المضطرين للعمل أو الدراسة عن بعد، لعدم قدرتهم على التواجد في أماكن عملهم أو دراستهم التي تم إغلاقها لرفع مستوى الوقاية. في هذا السياق تطالب “مسار” السلطات المصرية برفع الحجب فورًا عن هذه المواقع والتطبيقات لتمكين الأفراد من الوصول للمعلومات والاتصال ببعضهم البعض دون قيود.

وكان مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة قد طالب الحكومة المصرية الأسبوع الماضي بتمكين منظمات المجتمع المدني والصحافة، وإشراكهم في الجهود المبذولة لمواجهة الوباء، بدلًا من فرض قيود على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأصوات الناقدة في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تواجه المجتمع. أيضًا وجه خبراء أمميون في مجالات حرية التعبير وحرية الإعلام، من بينهم المقرر الخاص لحرية التعبير التابع للأمم المتحدة، نداًء للدول باحترام وتعزيز حق الأفراد في الوصول للمعلومات أثناء مواجهة الوباء، تمكين الأفراد من خدمات إنترنت ذات جودة مقبولة، والامتناع عن فرض قيود غير ضرورية وغير متناسبة على استخدام الإنترنت عمومًا وعلى الصحافة الرقمية بوجه خاص.

عقب تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا المُستجد، اتخذت السلطات المصرية إجراءات وتدابير واسعة من شأنها الحد من انتشار الفيروس، من بينها فرض حظر مؤقت على تنقل المواطنين لعدد محدد من الساعات، الغلق الكامل والمؤقت لبعض المصالح الحكومية وتخفيض عدد العاملين في مصالح وجهات أخرى. وقد اتبعت بعض شركات القطاع الخاص وغيرها من الجهات غير الحكومية تدابير مشابهة. كما سمحت السلطات المصرية، بشكل استثنائي، للصحفيين بالتحرك إبان فترات الحظر لضمان أداء وظيفتهم. إن التزام السلطات المصرية بضمان الوصول الحر إلى المعلومات من مصادر مختلفة لا يتعارض مع طبيعة الظروف الطارئة التي تمر بها مصر والعالم. فالحق في التزود بالمعرفة من مصادرها المختلفة، فضلًا عن كونه من الحقوق والحريات الأساسية، فإنه مرتبط في سياق مكافحة فيروس كورونا المستجد بالحق في الحياة. فلا يمكن للأفراد النجاة، وتجنب السلوكيات المضرة بصحتهم، والتعاون مع الدولة والمبادرات المجتمعية الهادفة لتقليل آثار الوباء دون تمكينهم ومشاركتهم المعلومات ذات الصلة بالجوانب السياسية والاقتصادية والعلمية المرتبطة بانتشاره.

قطاع الاتصالات وفيروس كورونا المستجد

انحصرت الجهود المتعلقة بدعم قطاع الاتصالات والخدمات المباشرة للمستخدمين أثناء مواجهة الآثار المترتبة على انتشار فيروس كورونا المستجد على تشجيع المُعاملات الإلكترونية والعمل عن بُعد وإضافة 20% سعات تحميل شهرية لاشتراكات الإنترنت المنزلي للأفراد بالمجان، بتكلفة 200 مليون جنيه تتحملها الدولة، وعروض تحفيزية على خدمات الإنترنت. إلا أن بعض المستخدمين وجدوا أن هذه العروض سارية فقط لمدة 24 ساعة على عكس الدعاية التي روجتها بعض شركات الاتصالات بأن المستخدمين يستطيعون الاستفادة من هذه العروض لمدة شهر.
أيضًا كشفت الاختبارات التقنية التي أجرتها “مسار” قيام شركة “وي” WE بحجب المواقع الإباحية بالنسبة لمستخدمي هذه الشبكة أثناء فترة حظر التجوال من السابعة مساء وحتى السادسة صباحًا. مع رفع الحجب بعد انتهاء فترة حظر التجوال اليومي. فيما توصلت ذات الاختبارات إلى عدم قيام الشبكات الأخرى بحجب المواقع الإباحية. ويُرجح أن لجوء شركة WE لهذا الإجراء يهدف إلى تقليل الضغط على الشبكة أثناء تواجد المواطنين بالمنازل أثناء فترة حظر التجوال.

اختباراتنا التقنية لتوثيق ممارسات حجب المواقع الإلكترونية

أجرت “مسار” الاختبارات التقنية الآتية للتأكد من وتوثيق المعلومات المتعلقة بحجب المواقع الوارد ذكرها أعلاه:

حجب موقع درب

أطلق حزب التحالف الشعبي الاشتراكي موقع “درب” برئاسة تحرير خالد البلشي في 8 مارس 2020، وأبلغ العديد من مستخدمي موقع فيسبوك بعدم قدرتهم على الوصول لموقع “درب” (daaarb.com) في 9 أبريل 2020.

موقع “درب” هو الموقع الثالث الذي يُحجب للصحفي خالد البلشي، حيث حُجب سابقا موقعين برئاسة تحريره؛ موقع “البداية” في يونيو 2017، وموقع “كاتب” الذي حُجب بعد 9 ساعات فقط من إطلاقه في يونيو 2018. الجدير بالذكر أن موقع “كاتب” كان أحد مبادرات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والتي تعرّض موقعها للحجب في أغسطس 2017.

وقد قامت “مسار” بجمع بعض القياسات حول الموقع وتوصلت إلى النتائج الآتية:

  • يستخدم موقع “درب” الرابط: https://daaarb.com كنطاق رئيسي و يُشير النطاق إلى الآي بي: 213.108.104.107
  • الموقع محجوب على شبكة فودافون (AS36935) وشبكة وي (AS8452) وشبكة اتصالات مصر (AS36992) وشبكة أورانج (AS37069)
  • الحجب على شبكة وي (AS8452) وعلى شبكة اتصالات مصر (AS36992) يستخدم نمط حجب المواقع القائم على حجب حزمة بروتوكولات الإنترنتTCP/IP. ما يعني أن أي نطاق يشترك مع موقع “درب” في نفس عنوان آي.بي سيكون أيضا مُعرّضاً للحجب.
  • للتوضيح: كل نطاق (اسم موقع، على سبيل المثال masaar.net يُشير إلى عنوان آي.بي معين) ويمكن لنفس عنوان آي.بي أن يُستخدم من قبل عدد كبير من النطاقات، وبالتالي في حالة حجب موقع معين بنمط حجب المواقع القائم على حجب حزمة بروتوكولات الإنترنتTCP/IP، فإن كل النطاقات الأخرى التي تشترك في عنوان آي.بي ستُحجب أيضًا.
  • باستخدام أداة crips و موقع Viewdns.info لعمل (Reverse IP Lookup) وُجد أن آي.بي موقع “درب” مُستخدم من قبل أكثر من 1100 نطاق آخر. يُرجّح أن تتعرض هذه النطاقات للحجب أيضا على شبكة وي (AS8452) وعلى شبكة اتصالات مصر (AS36992).
  • اختُبر موقع “درب” عبر برمجية OONI Probe الموجهّة للهواتف المحمولة، ودُققت النتائج بواسطة أدوات أخرى ذات صلة باختبار إمكانية الاتصال بالمواقع في مصر مثل Curl، بالإضافة إلى تجربة إمكانية الوصول للموقع من أماكن جغرافية متعددة خارج مصر.

استمرار حجب موقع المنصة

في مايو 2017 أعلن موقع “المنصة” عن تعرُّضه للحجب، وقد استخدم موقع “المنصة” نطاقات بديلة بهدف تجاوز الحجب والوصول للجمهور، وخلال الأيام القليلة الماضية واجه المستخدمون صعوبة في الوصول إلى “موقع المنصة”، وقد بيّنت القياسات التي جُمعتها “مسار” تعرُّض الرابطين vvw.almanassa.net و vvv.almanassa.net للحجب على شبكة وي (AS8452) وعلى شبكة اتصالات مصر (AS36992) و شبكة أورانج (AS24863) المعروفة سابقا بإسم LINK.NET.

وقال “المنصة” في بيان له أنه “بتجربة الدخول على الموقع عبر VPN، عمل الموقع بشكل عادي، وهو ما نعتبره قرينة إضافية على وقوع الحجب… طلبنا رأيًا إضافيًا من أحد المختصين في تقنيات الحجب، فأكد لنا وقوع الحجب، موضحًا أن طريقة الحجب الأخيرة مختلفة عن سوابقها”.

حجب موقع مدى للمرة الثانية والعشرون

موقع “مدى” هو واحداً من المواقع الصحفية التي حُجبت في مايو 2017، وقد استخدم القائمون على الموقع تكتيكات مختلفة لتمكين قرائه من تجاوز الحجب، كاستخدام خدمة صفحات الجوال المسرعة (Accelerated Mobile Page). وعلى أثر ذلك حجبت السلطات المصرية في فبراير 2018 موقع ampproject.org الذي يوفر هذه الخدمة، ثم استخدم موقع “مدى” خدمة (Google Cloud Platform) لتوفير نطاقات وروابط بديلة غير محجوبة (appspot.com) إلاّ أن السلطات المصرية قد حجبت جميع هذه النطاقات والروابط.

في 9 أبريل 2020، نشر موقع “مدى” على صفحته على فيسبوك خبر يُفيد تعطُّل روابط تخطي الحجب التي توفرها “مدى”، ليصل عدد النطاقات التي حجبتها السلطات المصرية لموقع مدى 22 رابط.

حجب 22 نطاق لموقع

حجب المواقع الإباحية خلال حظر التجوال

خلال الأيام القليلة السابقة، قامت “مسار” بجمع مجموعة من القياسات التي تُرجّح حجب المواقع الإباحية امام مستحدمي شركة وي WE على النحو التالي:

  • أُخذت عيّنة من 24 موقع يُقدّم محتوى إباحي من أكثر المواقع شهرة.
  • اختُبرت العيّنة عبر برمجية OONI Probe المُوجهّة للهواتف المحمولة، ودُققت النتائج بوساطة أدوات أخرى ذات صلة باختبار إمكانية الاتصال بالمواقع في مصر مثل Curl بالإضافة إلى تجربة إمكانية الوصول للمواقع من أماكن جغرافية متعددة خارج مصر.

 أكدت الاختبارات حجب  المواقع الإباحية على شبكة وي فقط خلال فترة الحظر الليلي في حين أنها تعمل بشكل عادي أثناء النهار.

  • وُجد أن المواقع الإباحية تتعرّض للحجب على شبكة وي (AS8452). في حين لا تحجب شبكة فودافون (AS36935) و شبكة أورانج (AS37069) المواقع الإباحية.
  • اختُبرت العينة عدة مرات خلال عدة أيام، في أوقات حظر التجوال (من السابعة مساء حتى السادسة صباحا) والأوقات العادية (من السادسة صباحا حتى السابعة مساء)
  • أكدت الاختبارات حجب عينة المواقع على شبكة وي (AS8452) فقط خلال فترة الحظر الليلي في حين أنها تعمل بشكل عادي أثناء النهار.

توصيات

يواجه المجتمع المصري القيود المفروضة على الفضاءات الرقمية المختلفة في ظل سياقات سياسية وتشريعية تقوض حقوق الإنسان والحريات الأساسية. حيث تعيش البلاد في حالة طوارئ مُعلنة منذ أبريل2017 تجدد كل ثلاثة أشهر. كذلك لم يقترن النص الدستوري الضامن للحق في الوصول إلى المعلومات والبيانات الحكومية بقانون من شأنه تفعيل هذه الضمانة، أو تنظيم العلاقة بين الأفراد والجهات الحكومية أو إلزام السلطات بالنشر الاستباقي لكافة المعلومات الضرورية. فقانون تداول المعلومات المُقترح من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ما زال حبيس الأدراج بمجلس الوزراء وذلك بالرغم من الانتهاء من مسودة المشروع منذ نهاية عام 2017. هذا بالإضافة إلى العقبات المالية والبيروقراطية التي تفرضها السلطات على إنشاء وتملك وسائل الإعلام الرقمية، والاستحداث المستمر لأطر تشريعية تشمل عقوبات مُحتملة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بجانب ملاحقات مستخدمي الإنترنت قضائيًا بتهم نشر أخبار كاذبة.

هذه التوصيات لا تتعارض مع قيام السلطات المصرية باتخاذ إجراءات جادة في مجال النشر الدوري للمعلومات والبيانات المُتعلقة بالمعدل اليومي للإصابات والوفيات إلا أنه لتعزيز جهود الدولة والمجتمع في هذا الاتجاه توصي “مسار” بضرورة اتخاذ الخطوات التالية:

  • رفع الحجب عن المواقع والتطبيقات، وتمكين وسائل الإعلام المختلفة من القيام بكافة أدوارها دون التهديد بملاحقاتها قضائيًا، وذلك لرفع مستوى الثقة في أداء الحكومة خلال الأزمة الراهنة.
  • اتباع أقصى درجات الإفصاح عن المعلومات المُتعلقة بالوباء، بما لا يتعارض مع الحفاظ على خصوصية المرضى والبيانات المُتعلقة بهم، على أن تتوافر في المعلومات المعلنة عنصري الملائمة والنشر العلني المستمر.
  • رفع القيود عن استخدام خدمات الاتصالات المختلفة بما في ذلك التخلي عن ممارسات الرقابة على الإنترنت وحجب الخدمات الصوتية على شبكات الهواتف المحمولة.
  • دعم البنية التحتية للاتصالات، بما يضمن وصول المستخدمين لخدمات الاتصال المختلفة، بشكل ملائم وبما يتوافق مع المتطلبات الجديدة التي فرضتها ظروف حظر التجوال والتباعد الاجتماعي والعمل والدراسة عن بعد.
  • إعتمدت (مسار) في رصد 547 موقع على الرصد المُقدّم من مؤسسة حرية الفكر والتعبير حتى فبراير 2020، كما رصدت (مسار) 25 موقع ، والنطاقات البديلة.