مذكرة دفع بعدم دستورية تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بشأن تسجيل الأحاديث في الأماكن الخاصة (المادتان 80 و117)

مقدمة

بعد مناقشات دامت لشهور صاحبتها العديد من الاعتراضات، صدّق رئيس الجمهورية في 12 نوفمبر على إصدار قانون الإجراءات الجنائية رقم 174 لسنة 2025 على أن يُعمل به اعتبارًا من الأول من أكتوبر 2026. ومن بين مواده الأكثر تأثيرًا على الحقوق والحريات جاءت المادتان 80 و117، اللتان منحتا القاضي الجزئي والنيابة العامة سلطة إصدار أوامر بمراقبة الاتصالات وضبط الرسائل، وإجراء تسجيلات للأحاديث التي تجري في أماكن خاصة، مع السماح بتجديد هذه الأوامر لمدد غير محدودة.

تتناول هذه المذكرة الطعن بعدم دستورية ما ورد بهاتين المادتين من عبارات تتيح: “إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص”، و”تجديد الأمر لمدة أو لمدد أخرى مماثلة دون حد أقصى”. تفتح هذه المواد الباب لتدخل تعسفي في الحياة الشخصية للمواطنين، وفي مسكنهم واتصالاتهم، على نحو يناقض الضمانات الدستورية الواجبة لحماية الأفراد من المراقبة غير الضرورية، ويخلّ بالمساواة وقرينة البراءة، ويضعف الضوابط التي ألزم بها الدستور كل مشرّع يمسّ الحقوق والحريات.

رسخ الدستور المصري هذا الحق في العديد من مواده، معتبرًا الخصوصية حقًا لصيقًا بالشخص لا يجوز المساس به إلا استثناءً، وبموجب أمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وبما لا يمسّ أصل الحق أو جوهره. وفي هذا السياق، تأتي هذه المذكرة لتوضح مخالفة المادتين 80 و117 للدستور، ولتبيّن خطورة السماح بالتسجيل داخل الأماكن الخاصة وتجديد أوامر المراقبة دون سقف زمني، لما يشكّله ذلك من تهديد مباشر للحريات الأساسية التي التزمت الدولة بحمايتها وفق الدستور والمواثيق الدولية.


مقدمة من السيد/……………………………(متهم).

ضد/ النيابة العامة ………………………….(سلطة اتهام).

في الجناية رقم لسنة

والمحدد لنظرها جلسة / /

الوقائع

بتاريخ / / اتهمت النيابة العامة (الطاعن) وآخرين بأنه طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، وقام المتهمون من الأول للسابع بالاتفاق بينهم بارتكاب الجرائم الموصوفة بالمواد ، ، من الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937.

وطالبت عقابهم بالمواد: ، ، ، من القانون سالف الإشارة إليه.

وتمسك دفاع المتهم الأول الطاعن في جلسات المحاكمة بالدفع ببطلان الإذن الصادر من القاضي الجزئي، النيابة العامة، بمراقبته والتنصت عليه وتسجيل أحاديث له في أماكن خاصة، واستطالة مدته عبر تجديد الإذن مرات متتالية جاوزت في مجموعها عامين من المراقبة والتنصت وتسجيل أحاديث جرت منه مع آخرين في أماكن خاصة.

كما يتمسك الدفاع بكافة طلباته ودفوعه الإجرائية والموضوعية، ومن ثم يدفع بعدم دستورية نص المادتين 80، 117 من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنتاه من عبارتي (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، وعبارة (ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة) الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 80 وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 117 التي تنص على (ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مددًا أخرى مماثلة) وذلك لمخالفتهم للمواد أرقام: 53 فقرة 1، 57، 58، 59، 73، 92، 96 من الدستور المصري الصادر عام 2014 والمعدل في عام 2019.

الدفاع

أولًا: مدخل لتطهير وجه الدعوى الماثلة من مطاعن ومظاهر عدم القبول:

تكمن أهمية هذا المدخل في إزالة اللبس وتطهير وجه الدعوى الماثلة من أية شبهات تخص قبولها وذلك في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا برفض الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية، وبالتالي دستورية حكمي المادتين 95 و206 فقرة 4 من قانون الإجراءات الجنائية الملغي رقم 150 لسنة 1950 فيما تضمنتاه من منحهما سلطة تجديد الأمر بالمراقبة والتسجيل لكل من قاضي التحقيق والنيابة العامة على التوالي لمدة أو مدد مماثلة، وأن هذا الحكم لا يعني – بسبب الحجية المطلقة لأحكام الدستورية العليا – أن يتم طلب الطعن بعدم دستورية المادتين 80 و117 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد رقم 174 لسنة 2025 فيما عدا ذلك من أحكامهما والتي لم تكن ضمن نطاق الدعوى سالفة الذكر، وذلك على نحو ما يلي:

1. حجية الأحكام القضائية بشكل عام:

وفقًا لنص المادة (101) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 والتي تنص على أنه (الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون إن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسببًا، وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها).

ومفاد هذا النص ودعمًا لمبدأ الاستقرار القانوني فإن للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي حجية فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز إثارتها مرة أخرى فيما بين الخصوم أنفسهم إذا ما تعلقا بذات الحق محلًا وسببًا.

وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:

ومن حيث أن القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها منوط بتوافر شروط المادة (101) من قانون الإثبات بأن يكون الحكم المعول على حجيته صادراً من جهة قضائية مختصة بالفصل في النزاع حتى يمتنع على الجهات القضائية الأخرى نظره مرة أخرى تحقيقاً لما استهدفه المشرع من تقرير الحجية لهذه الأحكام لحسم النزاع ومنع التضارب بين الأحكام لتعارضها، ولا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، ومتى ثبتت هذه الحجية فلا يجوز قبول دليل ينقضها، وللمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها1.

كما قضت محكمة القضاء الإداري بأنه:

وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن ثمة شروطًا يلزم توافرها لجواز قبول الدفع بحجية الأمر المقضي، وهذه الشروط كما يبين من المقارنة بين صدر النص وعجزه تنقسم إلى قسمين(…) ثانيًا: أن يكون هناك اتحاد في المحل: والمقصود بوحدة المحل أو الموضوع هو الحق الذي يطالب الخصم القضاء له به أو المصلحة التي يستهدفها من وراء رفع دعواه، وعلى ذلك تتحقق وحدة المحل في الدعويين إذا كان موضوع الدعوى الأولى الذي حسمه الحكم السابق هو نفسه موضوع الدعوى الثانية المطروحة على المحكمة أى يجب أن تكون المسألة المقضي فيها هى الأساس المشترك في الدعويين2.

ويتبين مما سبق من أحكام ونصوص أنه يشترط لقبول الدفع بعد قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها لصدور حكم حاز حجية مطلقة أو نسبية أن يكون محل الدعويين واحد سبق الفصل فيه بحكم حاز الحجية فلا يجوز دحضه أو المحاججة فيه. أما إن كان محل ونطاق الدعويين مختلف فلا يقبل الدفع بعد القبول لاختلاف النطاق في الدعويين.

وبتطبيق هذا الفهم على الدعوى الماثلة نجد أن الحكم الصادر من الدستورية العليا في الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية دستورية في شأن المادتين 95 و 206 فقرة رابعة من قانون الاجراءات الجنائية محله عبارة سلطة تجديد مدة الأمر بالمراقبة أو التسجيل مدة أو مددا مماثلة، بينما الطعن الماثل يتعلق بعبارة (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، ومن ثم فنطاق الدعويين مختلف ومحل الحق مختلف، الأمر الذي لا يجوز معه إثارة الدفع بعد قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها.

2.حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا:

تحوز الأحكام الصادرة في نطاق الدعوى الدستورية حجية مطلقة تمنع من إثارة الدعوى الدستورية بشأنها مرة أخرى، سواء الأحكام الصادرة بعدم الدستورية أو بتأكيد دستورية النص التشريعي؛ وبالتالي تدعم هذه الحجية مبدأ الاستقرار القانوني3.

وتصطدم الدعوى الماثلة ظاهريًا بمبدأ الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في مواجهة الكافة أفرادًا كانوا أم دولة4.

حيث سبق للمحكمة الدستورية العليا أن أصدرت حكمها في الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية دستورية بجلسة الأول من ديسمبر 2018 برئاسة المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي رئيسها في ذلك الحين، مفاده دستورية المادتين 95، 206 فقرة رابعة من قانون الاجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 فيما تضمنتاه في عجزهما من جواز أن يقوم القاضي الجزئي أو قاضي التحقيق بمد فترة التنصت والمراقبة والتسجيل لمدة أو مدد أخرى متماثلة.

وفي هذا قضت في حكمها المشار إليه عاليه بأنه:

وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع، قد تعلق بعجز الفقرة الثانية من المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية فيما نص عليه من منح قاضى التحقيق سلطة تجديد مدة المراقبة أو التسجيل لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وكذا ما تضمنه عجز الفقرة الرابعة من المادة (206) من هذا القانون، من منح القاضي الجزئي صلاحية تجديد الأمر بالمراقبة والتسجيل، لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وهي الأحكام التي انصب عليها حقيقة تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية، لينحصر فيها نطاق الدعوى الدستورية المعروضة، دون غيرها من أحكام المادتين 95، 206/4.5

وعلى ما تقدم، تنحصر حجية حكم الدستورية العليا السابق إلى الحكم الخاص بمدة المراقبة والتسجيل فقط دون غيرها من أحكام المادتين 95 و 206 فقرة 4 من قانون الإجراءات الجنائية الملغي والمقابلتين لنصي المادتين 80 و 117 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد.6

3. نطاق حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا:

أ/ اختلاف فقهاء القانون في مسألة نطاق حجية أحكام الدستورية العليا:

الحجية المطلقة التي منحها الدستور لأحكام المحكمة الدستورية العليا لم تكن محل اتفاق فقهاء القانون جميعهم، بل كانت محل خلاف بينهم إذا ذهب البعض منهم إلى إقرار الحجية المطلقة لجميع ما يصدر عن المحكمة الدستورية العليا. بينما أقر البعض الأخر بالحجية المطلقة للأحكام الصادرة عنها بشأن عدم دستورية نص قانوني معين بحيث يمتنع مع تلك الحجية على أية جهة إثارة هذا النص مرة أخرى أو دحض ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا. أما الأحكام الأخرى بشأن دستورية النص المطعون عليه أو رفض الدعوى الدستورية أو عدم قبولها فتحوز فقط حجية نسبية بين أطراف الدعوى دون غيرهم، ومن ثم يمكن للجميع عدا أطراف الخصومة المقضي فيها بإثارة الدفع بعدم دستورية ذات النص مرة أخرى.7

وفي هذا ذهبت محكمة النقض إلى أنه:

فإذا كان قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية المرفوعة إليها، منتهيا إلى عدم قبولها وكان الأصل في النصوص التشريعية هو حملها على قرينة الدستورية وكان إيطالها لا يقع إلا بقضاء من المحكمة الدستورية العليا وكانت النصوص التي لا تبطلها لا يجوز وقفها وكان تفسير المحكمة الدستورية العليا للنصوص القانونية لا يصادر حق أية جهة قضائية في تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها، ما دام لم يصدر بشأن النص المطروح عليها تفكير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة في قانونها بشأن طلب التفسير التشريعي؛ وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم ٤٨ لسنة ١٧ قضائية دستورية” لا يتعلق بعدم دستورية النص المطعون عليه فيها، ولا بصحة هذا النص، بل كان قضاء بعدم قبول الدعوى الدستورية ذاتها، فإن تقريراتها هذه، ولو كان منطوق حكمها مرتبطا بها ارتباطا لا يقبل التجزئة، لا يكون لها تلك الحجية الملزمة التي عنتها الفقرة الأولى من المادة ٤٩ من قانونها8.

ب/ رأي المحكمة الدستورية العليا في حجية أحكامها:

ب-1: رأي المحكمة العليا في حجية أحكامها:

ذهبت المحكمة العليا في أحكامها إلى تقرير الحجية المطلقة لأحكامها الصادرة بعدم الدستورية، والحجية النسبية للأحكام الأخرى الصادرة عنها.

وتطبيقًا لذلك قضت بأنه:

حجية الحكم الصادر بعدم دستورية نص تشريعى لا يقتصر على أطراف النزاع فى الدعوى التى قضى فيها فقط وإنما ينصرف أثر هذا الحكم إلى الكافة ويكون حجة عليهم، والأمر يختلف بالنسبة إلى حجية الحكم الذى يصدر من المحكمة العليا برفض الطعن لعدم دستورية نص تشريعى، فهذا الحكم لا يمس التشريع الذى طعن بعدم دستوريته فيظل هذا التشريع قائمًا بعد صدور الحكم ولا يحوز الحكم المذكور سوى حجية نسبية بين أطراف النزاع لذلك يجوز أن يرد الطعن بعدم الدستورية على هذا التشريع القائم مرة أخرى، ولا وجه للقول بأن المادة ٣١ من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٧٠ إذ تنص على نشر منطوق الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بالفصل فى دستورية القوانين وتكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء، فإنها تعنى التزام جهات القضاء بالأحكام الصادرة بالفصل فى دستورية القوانين كافة، يستوى فى ذلك الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص تشريعى والأحكام الصادرة برفض الطعن وتكون لهذه الأحكام جميعها حجية على الكافة، ذلك أن المادة ٣١ المشار إليها بنصها على التزام جميع جهات القضاء بالأحكام الصادرة من المحكمة العليا فى الدعاوى الدستورية، أنما تعنى بحكمها الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بعدم دستورية النصوص التشريعية فحسب إذ أن النص على التزام جميع جهات القضاء بهذه الأحكام مرده إلى الأثر الذى يترتب على صدورها ويتمثل فى إنهاء قوة نفاذ النص التشريعى واكتساب الحكم حجية على الكافة نتيجة لإنهاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته، وأما الأحكام الصادرة برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعى فإنها لا تمس التشريع المطعون فيه ولا يكون لهذه الأحكام سوى حجية نسبية بين أطرافها على ما تقدم لذلك تنتفى الحكمة والعلة من التزام جهات القضاء بها، ومن ثم فلا يعدو نشر الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية برفض الطعن فى نص تشريعى فى الجريدة الرسمية أن يكون إعلانا لمنهج المحكمة فى رقابة دستورية القوانين والتعريف بهذا القضاء والتبصير به كى يستهدى به عند إثارة الطعون بعدم الدستورية أمام جهات القضاء ولا يترتب عليه أن تكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء.9

ويبين مما أقرته المحكمة العليا أنها تبنت مبدأ الحجية المطلقة لأحكامها فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بعدم دستورية نص قانوني سواء في قانون أو في لائحة، بينما اعتنقت مبدأ الحجية النسبية لأحكامها الصادرة فيما عدا ذلك.

كما أنها فسرت المادة 31 من قانون إنشائها المقابلة للمادة 49 من قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا بأن مسألة نشر أحكام الدستورية في الجريدة الرسمية لا تعني الحجية المطلقة لجميع أحكامها بقدر ما تعني إعلانًا لمنهج المحكمة فى رقابة دستورية القوانين والتعريف بهذا القضاء والتبصير به كى يستهدى به عند إثارة الطعون بعدم الدستورية أمام جهات القضاء.

ب-2/ منهج المحكمة الدستورية العليا ورأيها في حجية أحكامها:

أما المحكمة الدستورية العليا فقد كان لها رأي آخر وفهم آخر لنص المادتين 48 و49 من قانون إنشائها حيث تبنت في أحكامها مبدأ الحجية المطلقة لأحكامها كافة في مواجهة الدولة أو الأفراد على حد سواء، واستقرت أحكامها على ذلك.

وفي ذلك قضت بأنه

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة المتعلقة بدستورية عبارة ” قبل أول أكتوبر سنة 2004″ الواردة بنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل”، فيما قضت به فـى البند أولاً من حكمها الصـادر بجلسة 2/ 4/ 2016 فى الدعوى رقم 123 لسنة 31 قضائية ” دستورية ” بعدم دستورية هذه العبارة، وقد نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 14 ( مكرر ) بتاريخ 9/ 4/ 2016، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، الأمر الذى يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب الحكم بعدم دستورية النص المشار إليه.10

وقضت كذلك بأنه:

وحيث إن نطاق الدعوى الماثلة فى شقها الأول يتحدد – فى ضوء طلبات المدعية وما تضمنته صحيفة دعواها – فيما تضمنه عجز الفقرة الثانية من المادة (103) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 من تخويل مصلحة الضرائب عدم الاعتداد بالإقرلر وتحديد الإيرادات والأرباح بطريق التقدير، دون وضع ضوابط أو معايير لهذا التقدير، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن حسمت المسألة المتعلقة بدستورية هذا النص، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 12/ 5/ 2013 فى الدعوى رقم 229 لسنة 29 قضائية “دستورية”، والذى قضى بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (103) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 فيما تضمنه من تخويل مصلحة الضرائب عدم الاعتداد بالإقرار وتحديد الإيرادات والأرباح بطريق التقدير، دون وضع ضوابط أو معايير لهذا التقدير، وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بعددها رقم 21 (مكرر) بتاريخ 26/ 5/ 2013، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (195) من الدستور، أن يكون لقضاء هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة، وهى حجية تحول دون المجادلة فيه، الأمر الذى يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لهذا الشق من الدعوى.11

ب-3/ حكم فريد للمحكمة الدستورية العليا يؤسس لفتح باب الطعن على أحكام المادتين 80، 117 في جميع أحكامهما كافة:

في أحد أحكامها قضت الدستورية العليا بأنه:

المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر بجلسة 4/1/1997، فى الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 15 قضائية قد قضى بعدم دستورية نصى الفقرة الرابعة من المادة الخامسة، والمادة الخامسة مكررًا من القانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، ورفض الدعوى بشأن الطعن على دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (5) من ذلك القانون. ومن ثم، فإن حجية هذا الحكم تكون مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى نصى الفقرة الرابعة من المادة (5)، والمادة (5 مكررًا) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، بعد استبدالهما بالقانون رقم 8 لسنة 2003، ليبقى النصان المستبدلان – المطعون عليهما فى الدعوى المعروضـة خارجين عن نطــــــــــاق الحجية المطلقــــــــــة للحكم الصادر فى الدعوى رقم 2 لسنة 15 قضائية دستورية.12

ويقر هذا الحكم بعدد من المبادئ الهامة في نطاق الدعوى الدستورية منها:

  • أن الحجية المطلقة لحكم الدستورية العليا في شأن أي نص قانوني تم إلغاؤه واستبداله لا تمتد للنص المستبدل ومن ثم يجوز الطعن على النص المستبدل بعدم الدستورية دون أن ينال منه الدفع بعد القبول لسابقة الفصل في هذا النص.
  • أنه يجوز لكل ذي مصلحة في ضوء هذا الحكم -وهو يحوز حجية مطلقة بمنطوقه وأسبابه- أن يحاجج مرة أخرى في مسألة دستورية (الأمر بتجديد المراقبة أو الإذن بالتسجيل لمدة أو مددا مماثلة) والتي أقرت الدستورية العليا دستوريته وهي بصدد بحثها بشأن المادتين 95 و206/4 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 بعد إلغاء هذا القانون وتكرار ذات الأحكام في القانون الجديد في المادتين 79 و116

حيث لا تمتد أو تنسحب الحجية المطلقة للحكم السابق على النصان المستبدلان.

ثانيًا: من حيث الشكل:

1. السند القانوني للدفع بعدم دستورية النص القانوني:

نصت المادة ١٩٢ من الدستور على أنه:

تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفى تنازع الاختصاص بين جهات القضاء، والهيئات ذات الاختصاص القضائي، والفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والآخر من جهة أخرى منها، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها. ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة، وينظم الإجراءات التى تتبع أمامها.13

كما نصت المادة 29 من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ بشأن إصدار قانون المحكمة الدستورية العليا، بأن:

تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالى: (أ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.

(ب) إذا دفع احد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعادًا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن.14

كما تنص المادة ٣٠ منه، على أنه:

يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة.

وحيث أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا:

وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.15

كما قضت بأنه:

وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع.16

وحيث أن شرط المصلحة اللازم لقبول الدعوى الدستورية يعني كما تواترت أحكام الدستورية العليا بأنه:

وحيث إن المصلحـة فى الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها –على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع؛ ويستوى فى شأن توافر هذه المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر المصلحة فى الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها.17

2/ النصوص القانونية محل الطعن:

أ/ نص المادة 80 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 174 لسنة 2025 :

(يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمراً بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت فى مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. ويجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً. ويصدر القاضي الإذن المُشار إليه مسبباً بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة).

ب/ نص المادة 117 من القانون ذاته:

(يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرراً والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة، سلطة إصدار أمر مسبب لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود، وبمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف والأجهزة وأي وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها، أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة.

ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مدداً أخرى مماثلة).

3/ النصوص الدستورية محل المخالفة:

نص المادة 53 فقرة (1) من الدستور:

المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر.

نص المادة 57 من الدستور:

للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس.

وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.

كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها ، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك.

نص المادة 58 من الدستور:

للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن.

نص المادة 59 من الدستور:

الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها.

نص المادة 73 من الدستور:

للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الإحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون.

وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولايجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه.

نص المادة 92 من الدستور:

الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا.

ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

نص المادة 96 من الدستور:

المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات. وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقاً للقانون.

ثالثًا: أوجه وأسباب الطعن بعدم دستورية النصين سالفي الذكر

العبارة القانونية المطعون بعدم دستوريتها في الدعوى الماثلة هي: (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت فى مكان خاص). وكذا عبارة(ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مدداً أخرى مماثلة).

  • مضمون العبارة الأولى المطعون عليها:

تتضمن عبارة( أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، إجراء وهو في ضوء المادة 80 إذن من القاضي الجزئي، وفي أحكام المادة 117 إذنًا من عضو نيابة بدرجة رئيس على الأقل، ومحلًا لهذا الإجراء هو تسجيل أحاديث شخصية، ومكانًا لهذا الإجراء هو مكان خاص. فضلًا عن تجديد هذا الأمر بدون وضع حد زمني لنهايته.

1/ الإذن: هو أمر صادر من القاضي الجزئي أو من رئيس نيابة على الأقل، ويجب أن يصدر بناء على تحريات جدية تتضمن أدلة أو دلائل حقيقية وليست ظنية وذلك في تحقيق جار بمناسبة قضية وقعت بالفعل، فلا تحقيق على جريمة مستقبلية، تصح نسبتها إلى من صدر الإذن بحقه، والقول بغير هذا يدحض قرينة البراءة المقررة بالدستور.

فمحضر التحريات التي ينبني عليها إصدار (الإذن-بالتفتيش أوالمراقبة أو التسجيل- أو أيًا ما ما كان موضوعه) هو: محاكاة لواقع الجريمة لا يزيد ولا ينقص، ومن ثم فعدم دقة بيان الجريمة الجاري جمع التحريات بشأنها ينبئ عن عدم جدية التحري.18

وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه:

(لما كان الحكم المطعون فيه قد قضي ببراءة المطعون ضده وبصحة الدفع ببطلان التفتيش قائلا في تسبيب قضائه ما نصه: وإذا كان ما تضمنه المحضر بطلب الإذن بالتفتيش لم يشتمل على الدلائل والإمارات ما يقنع المحكمة بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش أو كفايتها لتسويغ إصدارة وأية ذلك ما قرره مستصدر الإذن بالتحقيقات من أن المدمنين يترددون عليه لتعاطيها في الوقت الذي لم يذكر شيئا عن ذلك في محضره مكتفيا بإطلاق اسم المادة التي زعم أن المتهم يتجر فيها وهى من المواد المحددة دون ترخيص أو تحديد الفرق بين الاتجار في المواد المخدرة وإعطاء حقنه الديسكافيتامين واضح وبين ولو صح ما زعمه الضابط بشان تحرياته لا ثبتها في محضره وهو الأمر الذي يشكك المحكمة في صحة قيام هذه التحريات ويجردها من صفة الجدية ولا يقدح في ذلك أن سلطة التحقيق صاحبه الحق في إصدار الأمر بالتفتيش قد قررت جدية تلك التحريات إذ أن ذلك خاضع لرقابه محكمة الموضوع).19

2/ تسجيل أحاديث شخصية:

والأحاديث بمجملها والتي تتم بين الناس قد تتم في مكان عام وهي بهذه الحال تكون عرضة لأن يستمع إليها الآخرون، وقد تكون أحاديث شخصية بين شخصين أو أكثر يرغب المتحدثون بقصرها على هذه الفئة دون غيرها وهي بهذه المثابة فرع أصيل من الحياة الخاصة لهؤلاء الأشخاص والمصونة ولا تمس بموجب الدستور الساري.

(والمحادثات الشخصية نوعان الأولي هى الأحاديث المباشرة التي تدور بين الأشخاص دون وجود لوسيلة اتصال معينة حيث يرغب الفرد في المحافظة على سرية هذه الأحاديت وعدم اطلاع الغير عليها، والثانية هى الأحاديث غير المباشرة والتي يتم تبادلها عبر وسائل الإتصال السلكية واللاسلكية حيث تعد المكالمات التليفونية من الأمور الخاصة التي لا يجوز للغير الإطلاع عليها أو تسجيلها وذلك لأنها غالبا تتضمن أسرار الأفراد مما يقتضي حمايتها).20

3/ مكان خاص:

وبإضافة هذا التحديد للأحاديث يشي بما لا ظن فيه بأنها أحاديث لا يرغب قائلوها في إطلاع غيرهم عليها، ويلوذون بمكان خاص لا يؤذن لغيرهم بالوجود فيه أو التلصص عليه أو غير ذلك من الوسائل التكنولوجية الحديثة في معرفة فحواه ومن ثم فهو محاط بسياج دستوري وقانوني من الحماية في مواجهة الأفراد والسلطات على السواء.

ولم يشأ المشرع أن يضع تعريفًا للمكان الخاص، أو أن يقرنه بمدلول معين، وكان المكان الخاص هو المكان المغلق الذي لا يسمح بدخوله للخارجين عنه أو الذي يتوقف دخوله على إذن لدائرة محدودة صادر ممن يملك هذا المكان أو من له الحق في استعماله أو الانتفاع به أو يحول دون اطلاع من يوجدون في خارجه على ما يجرى بداخله21.22

  • مضمون العبارة الثانية المطعون عليها:

وضع الدستور ضوابط لتقييد حرمة الحياة الخاصة وما يتفرع عنها من حريات أن يتم تقييدها بموجب (أمر قضائي) يكون مسببًا، ولمدة محددة.

أ/ الأمر القضائي23:

هو الأمر الذي يصدر من القاضي الجزئي، أو من قاضي التحقيق بصدد إجراء التحقيق في دعوى جنائية، أو من النيابة العامة بحسبانها صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق وفق الدستور المصري، غير أننا نلاحظ -رغم ذلك- أن قانون الإجراءات الجنائية الملغي (150 لسنة 1950) قد قيد سلطة النيابة العامة في مجال التنصت والمراقبة وتسجيل الأحاديث التي تجري في مكان خاص بضرورة حصول النيابة العامة على إذن من القاضي الجزئي قبل مباشرة هذا الإجراء.24

بينما منح قانون الإجراءات الجنائية الحالي للنيابة العامة بدء من درجة رئيس نيابة الحق في إصدار هذا الإذن في جرائم الباب الأول والثاني والثاني مكرر والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، دون الحصول على إذن بذلك من القاضي الجزئي، مفرقًا في ذلك بين المتهمين في هذه الجرائم وغيرهم من المتهمين في الجرائم الأخرى في إخلال واضح بالحق في المساواة المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور المصري.

ب/ مسبب ولمدة محددة:

استلزم النص الدستوري أن تكون المراقبة أو تسجيل الأحاديث بموجب أمر قضائي مسبب ولمدة محددة. والغرض الرئيس لهذا الضابط أن الأصل في إجراءات التحقيق ومن بينها المراقبة والتسجيل أنها تنطوي على مساس جسيم بحقوق الأفراد وحرياتهم، بما لا يجوز معه أن يكون الإجراء أيًا كان مسماه مطلقًا من كل قيد يخص الوقت، صيانة لهذه الحقوق والحريات.

أن التحقيق بكل إجراءاته مؤقت بطبيعته، فلا يجوز أن يمتد أحد إجراءاته طليقة من كل قيد.

والحكمة من التسبيب أنه يكفل التروي قبل اتخاذ الإجراء الماس بالحرية، ويطمئن الأفراد على سلامة ما اتخذ قبلهم من إجراءات، كما أنه يكفل الرقابة اللاحقة على صحة العمل وتناسبه.26

ولما كان الأصل في القوانين والتشريعات أنها كل لا يتجزأ وأنها تكمل بعضها البعض، ولما كانت المادة (66) من قانون الإجراءات الجنائية الملغي توجب على قاضي التحقيق أن ينجزه في مدة أقصاها ستة أشهر يجوز مدها مرة واحدة لستة أشهر إضافية إذا استلزمت ضرورات التحقيق ذلك. فهذا يعني أن أقصى مدة للتحقيق هي سنة كاملة، ومن ثم وجب أن يكون هناك سقفًا زمنيًا لإجراء المراقبة أو تسجيل الأحاديث الشخصية لا يجاوز سقفه سنة كاملة، والقول بغير ذلك يخرج النص الدستوري المشار إليه عن مقتضياته ومقاصده، ويعد افتئاتا من المشرع على حقوق وحريات المواطنين.

4/حدود ضابط المصلحة العامة في مجال مراقبة أحاديث جرت في مكان خاص (تنصت):

المصلحة العامة مصطلح مرن فضفاض، يتغير بتغير التوجهات السياسية والنظام السياسي، وبحسب رؤية السلطات في دولة ما في زمن ما، وهي كمصطلح أعم وأشمل من مصطلحات النظام العام والسلامة العامة والصحة العامة وغير ذلك من المصطلحات ذات الصلة.

والمصالح التي يرمي الشارع إلى حمايتها جنائيًا هي مصالح اجتماعية حتى وإن كانت هناك بعض المصالح الفردية التي يحميها المشرع فالمشرع دائمًا يهدف بالحماية الجنائية تحقيق مصالح عامة وليست خاصة.27

يتمثل الهدف الأسمى لكافة القوانين في الحفاظ على علاقات مستقرة ومجتمعات آمنة وحقوق مصونة وزجر للعدوان ورد للمعتدي وحفاظ على الحياة الإنسانية بغير كدر.28

والمصلحة العامة تعني كل ما فيه منفعة للمجتمع ولمجموع أفراد الدولة دون تعيين أو تخصيص، وتعني دفع كل ضرر في الوقت ذته عنهم ولو كان ذلك بالتضحية ببعض حقوق الأفراد أو الانتقاص منها، وغايتها النهائية الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع.29

وبالجملة فهي: الركائز والمصالح الأساسية التي يقوم عليها كيان كل دولة سواء على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي تختلف من مكان لآخر ، ومن وقت لآخر حسب الفلسفة التي تعتنقها كل دولة.30

ويشترط لإباحة التنصت والتسجيل في مكان خاص، أو لانتهاك أي من حقوق الأفراد المنصوص عليها دستوريا ما يلي:

  • أن تكون ضرورة التّنصّت أو التسجيل أو كل ما يمثل انتقاصًا من حقوق الإنسان وحرياته، حقيقية وواقعية، وليست متوهمة.
  • ألا تكون هناك وسيلة أخرى تمكن الدولة من الحفاظ على استقرار المجتمع وحمايته.
  • ألا يمتد الإجراء المتخذ إلا بقدر ما يدفع الضرر فقط، أو ما يكشف الحقيقة، فإن استمر أو توسع، بطل الإجراء.
  • أن يتقيد زمن إباحة الإجراء ببقاء الضرورة، فما جاز لعذر بطل بزواله.31

وقد اشترطت المحكمة الأورروبية في حكمها الصادر بجلسة 2/8/1984 لإباحة التنصت:

(فتشترط المحكمة من ناحية أن يكون الغرض من التّنصّت حماية الأمن القومي والدفاع عن النظام في الداخل، ومقاومة الجريمة، وأضافت المحكمة أن وجود نظام يسمح للشرطة بأن تتنصت على الاتصالات لكي تساعد السلطة القضائية في إحدى القضايا يتفق مع الحاجة للدفاع عن النظام ومقاومة الجرائم، ولكن – من ناحية أخرى – فإنه يشترط لمشروعية مثل هذا النظام توافر شرطين؛ الأول: أن يكون للتنصت على المحادثات أساس من القانون الداخلي، والثاني: أن يكون التّنصّت ضروريًا في مجتمع ديمقراطي لتحقيق الهدف المشروع الذي تقدم بيانه).32

ومما سبق بيانه يتبين أن المصلحة العامة للمجتمع تبيح في بعض الأحيان للسلطات القائمة صلاحية تقييد بعض الحقوق والحريات أو الانتقاص منها، لضرورة تقدرها، وتقدر بقدرها لا تزيد ولا تنقص، ولا يجوز التذرع بالمصلحة العامة للانتقاص من الحقوق والحريات في غير ضرورة ملحة ولا خطر قائم وواقعي ولا يمكن درؤه بغير هذه الوسيلة، وأن حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وما يتفرع عنها من حقوق لصيقة بشخصة الإنسان وكيانه ووجوده لا يجوز إهدارها أو النيل منها إلا بضوابط قانونية صارمة في مجتمع ديمقراطي، يعلي من شأن مواطنيه ويعزز حقوقهم وحرياتهم ويضمنها، وبهدف حماية أمن المجتمع واستقراره.

ومن ثم فيجب أن تصاغ القوانين صياغة دقيقة واضحة لكل المخاطبين بأحكامها، لا يتعريها نقص أو غموض، والصياغة القانونية هي (عملية وضع قواعد التشريع عامة في قالب معين يعبر بالكتابة عن مضمونها، وتصاغ في صورة عامة مجردة، في شكل مواد قانونية، على نحو قد تتضمن معه المادة أكثر من فقرة، فالهدف من الصياغة تسهيل تطبيق التشريع، وهو ما يتطلب في جميع الأحوال الدقة وجودة التعبير في الصياغة).33

وقد خلا النص الدستوري المنظم للانتقاص من حرمة الحياة الخاصة من أية إشارة لتسجيل أحاديث جرت في مكان خاص، بما يعني استثناؤه لهذا الفرع من الحق في حرمة الحياة الخاصة من الخضوع لأحكامه المتعلقة بمراقبة وتسجيل بعض الأفرع الأخرى من هذا الحق كمراقبة الرسائل والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي.

1/ السبب الأول: مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المادة 53 من الدستور

أ/ لما كانت المادة 53 من الدستور تنص على أنه:

المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر.

والمساواة أصل عام، وصور التمييز الواردة في النص الدستوري أتت على سبيل المثال، لا الحصر، وفي هذا قضت الدستورية العليا بأنه:

(إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد – فوق ذلك – إلى تلك التي يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها).34

ب/ ولما كانت المادة 117 من قانون الإجراءات الجنائية قد ميزت طائفة من المتهمين (المشتبه في ارتكابهم جرائم الباب الأول والثاني والثاني مكرر والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات) عن غيرهم من باقي المتهمين بأن أسندت للنيابة العامة وحدها بدء من درجة رئيس سلطة إصدار الإذن بإجراء المراقبة وتسجيل الأحاديث التي تجري في أماكن خاصة دون اشتراط الحصول على أمر قضائي من القاضي الجزئي أو من غرفة المشورة، وهو الاشتراط التي وفرته المادة 80 من ذات القانون لعموم المتهمين، فتكون بذلك قد ميزت بين المتهمين وحرمت طائفة منهم من ضمانة إضافية لحماية حقوقهم وصيانتها. ومن ثم تكون المادة بعبارتها تلك قد وقعت في حومة مخالفة الدستور والانتقاص من حق المساواة المكفول بموجب المادة 53 من الدستور. والاشتراط الذي وفرته المادة 80 غدا حقا لا يجوز الانتقاص منه أو إهداره وأضحى قيدا على المشرع ذاته، وفي ذلك قضت المحكمة الدستورية العليا:

(وقد غدا هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، والتي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدرًا لها، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، وكان الأصل فى الأحكام هو استلهام مقاصدها).35

ج/ الأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل بإجراء التحقيق، غير أن المشرع وضمانا لحقوق وحريات المواطنين-ضمانة إضافية- أورد قيدًا على سلطة النيابة العامة في اتخاذ بعض إجراءات التحقيق، وحصر ذلك في أمر الحبس الاحتياطي، وتفتيش غير المتهم أو مراقبة وتسجيل أحاديث تجري في أماكن خاصة، واستلزم ضرورة حصول النيابة العامة على أمر بذلك من قاضي مختص بالمعنى الفني الدقيق ليكون بذلك الأمر الصادر بذلك الإجراء هو أمر قضائي بامتياز.36

وبناءً على ما تقدم حرص المشرع في قانون الإجراءات الجنائية الملغي على إيراد القيد والضمانة في نصي المادتين 95، و206 (المقابلتين لنصي المادتين 80 و117 من القانون الحالي) منه بضرورة الحصول على أمر من القاضي الجزئي في حالة مساس الإجراء المتخذ بحرمة الحياة الخاصة بالمواطنين، بينما أغفلت هذه الضمانة المادة 117 من القانون الحالي في بعض الجرائم، مما يعد تمييزًا تحكميًا بين فئتين من المواطنين مخاطبين بأحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، منهيًا عنه بموجب الدستور، فالمساواة من المبادئ العامة الواجب توافرها في القواعد الإجرائية، (وتنصرف المساواة المقصودة في هذا المجال إلى المساواة الإجرائية، وتتطلب أن يحققها المشرع بتقرير شروط موضوعية لتماثل المراكز القانونية التي تلقى معاملة واحدة، ولهذا الحب على المشرع في تحديد التماثل بين المراكز القانونية أن ينبني ذلك على أسس موضوعية تتفق مع كل من الهدف من القانون و المصلحة العامة. فإذا أقام المشرع اختلافا في المراكز القانونية سيتبع ذلك اختلاف القاعدة القانونية التي تحكم كلا من هذه المراكز بما يستتبع اختلاف المعاملة القانونية لأصحابها).37

وفي هذا قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه:

(بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. فإذا كان النص التشريعي – بما انطوى عليه من تمييز – مصادماً لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه بها، أو اعتباره مدخلاً لها؛ فإن هذا النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور).38

د/ ولا يقدح فيما تقدم أن يكون التشريع المطعون فيه قد جاء بقاعدة عامة مجردة لتكون بذاتها بمنأى عن الطعن لمساسها بالحق في المساواة وهو كأصل عام جاء النص عليه دستوريًا كقيد مبدئي على المشرع وهو بصدد تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، (ولا ينال مما تقدم ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، ينافيه أن النص المطعون فيه ينحل إلى قاعدة قانونية عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها باعتبار أنهم متكافئون فيما بينهم في مجال فرص الطعن التي أتاحتها، وكذلك تلك التي حجبتها. ذلك أن إعمال مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رهن بالشروط الموضوعية التي يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها بها أمام القانون، على أن يكون مفهوما أن موضوعية هذه الشروط مرجعها إلى اتصال النصوص التي ترتبها بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلا بها وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجردها وإن كان لازما لإنفاذ أحكامها، إلا أن التمييز التشريعي المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها).39

هـ/ بناء على ما سبق فإن التفرقة بين المواطنين والمفارقة بين المادتين 80 من قانون الاجراءات الجنائية والتي كفلت أن يكون إصدار الأمر بالمراقبة والتسجيل وغيرها من اجراءات التحقيق الماسة بحرمة الحياة الخاصة بموجب أمر من القاضي الجزئي في عموم الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قانون العقوبات، ثم خلت من هذه الضمانة المادة 117 من ذات القانون و أناطت الأمر بأعضاء النيابة العامة وحدهم بدء من درجة رئيس نيابة على الأقل وذلك لطائفة من المتهمين في جرائم الباب الأول والثاني والثاني مكرر والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، تكون قد أقامت تمييزا تحكميا بين المتهمين المخاطبين بأحكام القانون، منفصلا بأحكامه تلك عن تحقيق الموازنة بين حق الدولة في اقتضاء العقاب وصيانة حقوق وحريات المواطنين، وتجريد طائفة منهم من ضمانة القاضي المحايد الذي يصدر الأمر بالإجراء المنتقص للحق أو الحرية.40 مهدرة بذلك الحق في المساواة أمام القانون ومتجاوزًا حدود سلطة المشرع التقديرية، وإهداره للبدائل المتاحة التي تحقق المساواة وتضمن في الوقت ذاته اقتضاء الدولة لحقها في العقاب.

2/ السبب الثاني: مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المادة 57 من الدستور

لما كانت المادة 57 من الدستور قد نصت على أنه:

للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس.

وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.

كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها ، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك.

وجاءت في ثلاثة فقرات، كل فقرة منها تقرر حكما على النحو التالي:

الحكم الأول: حرمة الحياة الخاصة طليقة من كل قيد

تتضمنته الفقرة الأولى من المادة المذكورة بتقريرها حرمة الحق في الحياة الخاصة (ككل، أي بكل ما يتفرع عنه من حقوق ويتصل به من حريات) وعدم جواز المساس به، وجاء حكمها عاما شاملا بغير استثناء وبغير أن يفوض المشرع العادي في تنظيم هذا الحق شأنه في ذلك شأن الحق في حرية العقيدة (المادة 64 من الدستور) بحسبانهما من الحقوق اللصيقة بشحصية الإنسان ومن ثم فلا يقبلان تعطيلا أو انتقاصا. وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه:

(وحيث إن هذا النعى سديد ذلك – أن للشخص أن يغير دينه أو مذهبه أو طائفته وهو فى هذا مطلق الإرادة تحقيقًا لمبدأ حرية العقيدة طالما قد توافرت له أهلية الأداء وتمامه بإبداء الرغبة فى الانتماء إلى الطائفة أو الملة الجديدة).41

وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه:

(وحيث إن المستفاد مما تقدم أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد التزمت مبدأ حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة، والتى حرص الدستور القائم على كفالتهما، لارتباطهما الوثيق بالمواطنة التى اعتبرها الدستور فى المادة (1) منه أساسًا لبناء الدولة ونظامها الجمهورى الديمقراطى، فوق كونهما يعدان من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة فى كل بلد متحضر، فحرية الاعتقاد مطلقة لا قيد عليها، ولكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن غليها ضميره وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأى سلطة عليه فيما يدين به فى قرارة نفسه وأعماق وجدانه، ومن أجل ذلك فإن حرية الاعتقاد تعد من الحريات اللصيقة بشخص الإنسان، التى لا تقبل – طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (92) من الدستور- تعطيلاً ولا انتقاصًا).42

الحكم الثاني: جواز تقييد بعض أفرع حرمة الحياة الخاصة

تضمنته الفقرة الثانية من المادة المذكورة، فبعد أن أكدت أن الحياة الخاصة (بمجملها) لكل إنسان مصونة لا تمس، مطلقة إياها من كل قيد، عصية على أي تقييد، يمنع انتقاصها أو تعطيلها، عادت في فقرتها الثانية ولاعتبارات تمليها الضرورة ومصلحة الجماعة واستقرار الدولة وأمنها فاختصت بعض أفرع الحياة الخاصة للمواطنين من تلك الحماية المطلقة وأجازت: مصادرتها والإطلاع عليها ومراقبتها وذلك وفق ضوابط دستورية محددة ضمانا للحرية سالفة الذكر من التغول عليها وانتهاكها واقتحام الحدود الجوهرية لها بما يفرغها من مضمونها، وتمثلت تلك الضوابط أن تكون المصادرة أو المراقبة أو الإطلاع وفق شرطين معا، أولهما أن يكون بموجب أمر قضائي مسبب، وذلك لتبسط محكمة الموضوع فيما بعد في مشروعية الأمر من عدمه بالنظر لأسبابه، والثاني: تأقيت مدة الأمر القضائي كي لا ينحل إلى أداة في يد السلطة تراقب بها من تشاء وقت ما شاء دون سند من القانون مهدرة بذلك أصل هذه الحرية ومتغولة عليها.

وعلى هذا يجوز فرض رقابة أو مصادرة أو مراقبة ما يلي: المراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال.

وبهذا يكون النص في فقرته الثانية قد أجاز التدخل بموجب أمر قضائي مسبب في بعض أفرع حرمة الحياة الخاصة دون غيرها مما يتصل بها من حقوق وحريات، ويؤكد هذا الفهم ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا في حكم لها، بأنه:

(ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تمثل أغواراً لا يجوز النفاذ إليها, وينبغي دوما – ولاعتبار مشروع – ألا يقتحمها أحد ضماناً لسريتها, وصوناً لحرمتها, ودفعاً لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها, وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التي بلغ تطورها حداً مذهلاً، وكان لتنامي قدراتها على الاختراق أثر بعيد على الناس جميعهم حتى في أدق شئونهم, وما يتصل بملامح حياتهم، بل وببياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهباً لأعينها ولآذانها. وكثيراً ما ألحق النفاذ إليها الحرج أو الضرر بأصحابها. وهذه المناطق من خواص الحياة ودخائلها, تصون مصلحتين قد تبدوان منفصلتين، إلا أنهما تتكاملان، ذلك أنهما تتعلقان بوجه عام بنطاق المسائل الشخصية التي ينبغي كتمانها, وكذلك نطاق استقلال كل فرد ببعض قراراته الهامة التي تكون – بالنظر إلى خصائصها وآثارها – أكثر اتصالاً بمصيره, وتأثيراً في أوضاع الحياة التي اختار أنماطها – وتبلور هذه المناطق جميعها – التي يلوذ الفرد بها، مطمئناً لحرمتها ليهجع إليها بعيداً عن أشكال الرقابة وأدواتها – الحق في أن تكون للحياة الخاصة تخومها بما يرعي الروابط الحميمة في نطاقها. ولئن كانت بعض الوثائق الدستورية لا تقرر هذا الحق بنص صريح فيها, إلا أن البعض يعتبره من أشمل الحقوق وأوسعها، وهو كذلك أعمقها اتصالاً بالقيم التي تدعو إليها الأمم المتحضرة).43

ويفهم مما سبق أيضا أن الأصل العام هو حرمة الحياة الخاصة بكل ما تتضمنه من حقوق أو حريات فردية، وأن الاستثناء عليها هو جواز مراقبتها أو مصادرتها أو الاطلاع عليها وفق أمر قضائي مسبب، بني على تحريات حقيقية وجدية، ومن هذه الزاوية فلا يصح ولا يجوز القياس على الاستثناء وإدخال ما ليس فيه إليه تغولا وتعسفا وإلا كان التدخل حريا بالرفض والإلغاء والوصم بعدم الدستورية.

(ذلك بأن الاستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستورى الواضح الدلالة. ولا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة 44 من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتى الذكر من أن ذلك “وفقاً لأحكام القانون” لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض المشرع العادى فى إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين اشتراطهما الدستور فى المادة 44 سالفة الذكر، والقول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين وتعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى وهو ما لا يفيد نص المادة 44 من الدستور وإنما تشير عبارة “وفقاً لأحكام القانون” إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش وبيان كيفية صدوره وتسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها هذا التفتيش).44

كما أن النصين المطعون عليهما قد أجازا لكل من القاضي الجزئي تجديد الأمر بالمراقبة أو التنصت مدة ثلاثين يوما يجوز لهما تجديد هذه الأمر مدة أو مددا أخري دون تحديد لعدد هذه المدة أو بعبارة أخرى لهما أن يجددا الأمر لمدة مفتوحة غير محدودة بقيد زمني، وهو ما يعد تحايلا وخروجا فظا على عبارة النص الدستوري (حيث لا اجتهاد ولا تفسير أو تأويل مع وضوح النص الدستوري) والذي وضع معيارا ثابتا قصد به أن تكون المدة محددة في موازنة من المشرع الدستوري بين حرية الأفراد وحق المجتمع في مكافحة الجرائم الخطيرة و درأها.

الحكم الثالث: التزام الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة

وهو الحكم الذي يخرج عن نطاق دعوانا الماثلة، ومن ثم فنكتفي بالإشارة إليه فقط.

يستفاد مما تقدم من أحكام المادة 57 من الدستور أنها خلت من أية إشارة-تصريحا أو تلميحا أو استنتاجا أو قياسا- من (الأمر بإجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، وبناء عليه فإن النص الطعين فيما قرره من ذلك ونحوه في عجز المادة 79، والمادة 116 من صلاحية القاضي الجزئي أو رئيس النيابة على الأقل، من إجراء تسجيلات شخصية جرت في مكان خاص يعد مخالفا لهذه المادة ومفتئتا على ما جاء بها من أحكام، ويكون المشرع بذلك قد جاوز سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق والحريات، الأمر الذي يتوجب معه القضاء بعدم ما نص عليه في عبارة (أو إجراء أحاديث جرت في مكان خاص).

والسلطة التقديرية للمشرع تعني: حريته في المفاضلة بين بدائل أو خيارات موضوعية بالنسبة للتنظيم التشريعي الذي يتغياه دون أن يفرض عليه طريقا بذاته يجب عليه اتباعه أو توجيها محددا يتعين عليه التزامه.45

والسلطة التقديرية للمشرع محدودة بالضوابط الدستورية التي خطها الدستور لكل حق أورده، وضوابطها نجدها في: مبدأي التناسب والمعقولية، ومبدأي عدم التمييز وتكافؤ الفرص.

ورقابة التناسب تتناول جوهر السلطة التقديرية التي يباشرها المشرع فيمسك القاضي الدستوري بميزان دقيق وحساس ويضع على كفتيه عدة أشياء متقابلة ومتواجهة ومطلوب منه تحقيق نوع من التوازن بين هذه الأشياء ليتأكد مما إذا كانت المصلحة التي حمل المشرع النصوص القانونية عليها حقيقة أو منتحلة قائمة أو متوهمة وكذلك الوسائل إلى تحقيقها أو غير ملاءمة ضرورية أو مجاوزة حدود الاعتدال.46

والأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والحريات هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود تبين تخوم الدائرة التى لا يجوز أن يتدخل المشرع فيها، ومن أجل ذلك وضع الدستور فى المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق والحريات، بموجبه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارستها أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، لما يتضمنه ذلك من هدم لها، والتأثير فى محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحـق مـا سليمًا من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدوانًا عليها.47

وباستقراء مضابط الدستور نجد أن مناقشة المادة (42 من مسودة الدستور) المقابلة للمادة 57 من الدستور الحالي، لم تتطرق إلى مسألة (إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، بل يفهم من المناقشات واختلاف الأعضاء في المناقشة أن هذه المادة في فقرتها الثانية تعني مراقبة وسائل الاتصال أيا كان نوعها بغرض إحباط الجرائم ومكافحتها، وهو ما يستفاد مثلا من رد وتوضيح أحد أعضاء لجنة الخمسين بقوله:

(إن هذه المادة تتكلم عن استخدام الاتصال كدليل….).48

وكان الخلاف الرئيس بين أعضاء هذه اللجنة حول عبارة بأمر قضائي ولمدة محددة، حيث تواتر الأعضاء على ضرورة أن تحدد مدة واضحة لإجراء المراقبة أو التنصت على وسائل الاتصال والتواصل الإلكتروني.49

ويبدو جليا من مراجعة الأعمال التحضيرية للدستور بصدد مناقشة المادة 57 (م 42 أثناء التحضير) أن القصد منها كان لم يكن تقرير وكفالة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين بقدر ما كان غرضها إطلاق يد الأجهزة الأمنية في مكافحة خطر بعض الجرائم، ومن ثم ارتكن المشرع العادي إلى هذه الفكرة ليدخل الأمر بالتسجيل للأحاديث التي تجري في أماكن خاصة ويجعل أمر مدة المراقبة أو التسجيل مفتوحة لتتحول من إجراء استثنائي مؤقت بطبعه، إلى إجراء دائم يتم استخدامه في كل وقت.50

وفي معنى قريب من هذا قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه:

(والظاهر – من الأعمال التحضيرية للنص – أن مراد واضعيه أن يكون بيد الحكومة أداة تستعملها عند الضرورة وفي الأحوال الخطرة استعمالاً لا يكون في اتساع ميدانه وشموله محلاً للتأويل من جهة القضاء التي تطبقه، وأن الأجدر معاودة النظر في ذلك النص بما يوائم بين الحفاظ على النظام والأمن العام من جهة ويزيل اللبس والخلط بينه والمبادئ الأخرى، وإلى أن يتم ذلك فلا سبيل لتفادى إشكال هذا النص ومنع إضراره، إلا ما حرصت عليه النيابة العامة من عدم طلب تطبيقه إلا في الأحوال الخطرة على الأمن العام. وإذا كان المشرع قد عاود النظر مرتين في المادة سالفة الذكر سنتي 1933، 1937 إلا أنه ظل على فكرته الأساسية فيها التي تقوم على عقاب الاتفاق البسيط على ارتكاب أية جناية أو جنحة، ولو لم تقع أية جريمة نتيجة لذلك الاتفاق).51

ومن ثم فلا أصل دستوري لعبارة (أو إجراء تسجيل لأحاديث جرت في مكان خاص) المطعون عليها لا في نص المادة 57 بشكلها الحالي، ولا في الأعمال التحضيرية للدستور، ومن ثم فالنعي عليها بعدم الدستورية سديد.

وفيما يتعلق بدستورية تسجيل أحاديث شخصية في المسكن في ضوء ما نصت عليه المادة 58 من الدستور:

وحيث يجري نص المادة 58 من الدستور على أنه:

للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطـر، أوالاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن.

ويظهر جليا من هذا النص الدستوري جواز التنصت على المنازل وتسجيل ما يدور فيها، بما يبدو معه أن هناك ثمة تناقض ما بين هذا النص ونص المادة 73 من الدستور والتي تكفل حرمة الاجتماعات الخاصة، فالتنصت على المنازل فيه مساس بالحق المطلق في الاجتماعات الخاصة التي تجري في المنازل (فللإنسان حق في حرمة مسكنه بوصفه مجالا من مجالات حياته الخاصة، فلا قيمة للحرمة الحياة الخاصة ما لم تمتد إلى مسكنه الذي يهدأ فيه لنفسه ويحيا فيه لشخصه ويودع فيه أسراره، فبدون حرمة المسكن تكون الحياة الخاصة مهددة غير آمنة).52.

في ضوء ذلك ولأن حرمة المسكن من حرمة الحياة الخاصة، ولأن نصوص الدستور متكاملة متساندة فإنه يجوز للدولة أن تفرض بعض القيود على حرمة المنزل وفق معايير وضوابط محددة أقرتها المادة عاليه، من أن أعمال التحقيق التي تمس حرمة المسكن أيا كان نوعها يجب أن تكون بأمر قضائي مسبب، وأضافت المادة اشتراطات معينة في هذا الأمر منها أن يحدد: المكان، والتوقيت والغرض من الإجراء.

ومن نافلة القول أن أن التنصت من أعمال التحقيق ومن ثم يجب لإصدار الأمر به أن تكون ثمة جريمة وقعت، وصحت نسبتها إلى شخص معين، أو وجود دلائل قوية على نسبتها إليه، فلا أمر بالتنصت على جريمة مستقبلية، ولا على جريمة لم تقع، (ولكن إذا كانت الواقعة هي أن التحريات قد توصلت إلى اشتهار المتهم وهو طبيب في مكتب الصحة بتقاضي مبالغ على سبيل الرشوة مـن المترددين عليه لاستصدار تقارير طبية، فاستصدر مأمور الضبط إذناً من النيابة العامة لضبط المتهم وأعطى مرشداً له ورقة مالية قام بإثبات رقمها بالمحضر، فإن الإذن يكون باطلاً، لأنه لم يتناول جريمة وقعت بالفعل؛ بل أنه قد صدر لضبط جريمة مستقبلية).53

فالتنصت المشار إليه في المادة 58 تنصت يرتكن إلى جريمة وقعت بالفعل، ولا يمتد لتسجيل أحاديث خاصة تجري في المسكن (ويتمثل مضمون حرمة المسكن في حق صاحبه في منع الغير من دخوله للاطلاع على أسرار حياته الخاصة. ولا يشترط في هذه الأسرار أن تكون من طبيعة معينة، بل تمتد إلى كل ما يتعلق بخصوصياته التي يريد أن يمارسها في بيته بعيدا عن المجتمع، سواء أكانت مما يحرمه القانون أو يعاقب عليه أم لا؟).54

كما أنه وإن كانت المادة 58 تجيز التنصت على المنازل لكشف أدلة جريمة وقعت إلا أنها لا تجيز التنصت على الاجتماعات الخاصة التي تجري داخل المنزل والقول بغير ذلك يجرد المادة 73 من الدستور من الحكم الوارد بفقرتها الثانية على النحو الذي سنبينه في السبب الثالث من أسباب هذا الطعن.

3/ السبب الثالث: مخالفة النص الطعين لأحكام المادة 73 من الدستور

لما كان نص المادة 73 من الدستور، يجري على نحو ما يلي:

للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الإحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون.

وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولايجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه.

ويعرف الاجتماع الخاص بأنه: “تجمع أشخاص محدودي العدد عادة، ومعروفين بقصد المناقشة في موضوع خاص يهم أو للمناقشة في موضوع عام لا يتخذ صفة العمومية في أثره، لقصر المناقشة فيه على المجتمعين وحدهم ولا يتسنى لغير المدعوين بالذات حضوره.55

وذهب البعض في لجنة الخمسين إلى أن الاجتماعات التي تعقد في مقارالأحزاب والنقابات هي من قبيل الاجتماعات الخاصة كذلك والمشمولة بحماية الفقرة الثانية من المادة 73، ومن ثم لا يجوز مراقبتها أو حضورها أو التنصت عليها من قبل سلطات الضبط الإداري إلا إذا خرجت إلى الشارع:

(باعتبار أن مناقشاتنا مذكرة إيضاحية للنص وتفسيره ليقين الحضور الاجتماعات العامة وحق الاجتماع الخاص لا ينالان من اجتماعات الأحزاب فى المقرات والنقابات فى مقاراتهم، النقابة لا تخضع لهذه الإجراءات إلا فى حالة الخروج إلى الشارع أو حال عقد اجتماع فى مكان بعيد عن مقر النقابة أو مقر الحزب).56

وقد انتظمت المادة 73 حكمين، من خلال فقرتيها:

الحكم الأول يتعلق بالمواكب والمظاهرات والاحتجاجات

جاء من خلال الفقرة الأولى من المادة 73 من الدستور وكفل الحق للمواطنين في الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، وقيده بأمرين متلازمين، لا يغني أحدهما عن الآخر ألا يكون أي منهم يحمل سلاحا والثاني صدور إخطار من الأمن بالموافقة على الموكب أو المظاهرة أو الاحتجاج السلمي.

الحكم الثاني: يتعلق بالاجتماعات الخاصة

أوردته المادة سالفة الذكر في فقرتها الثانية ويتعلق بالاجتماعات الخاصة والتي كفلته المادة وأطلقته من كل قيد، وخاصة ما يتعلق بمراقبته أو التنصت عليه أو حضوره.

والسؤال هنا يتمحور حول العلاقة بين الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور، وبين العبارة المطعون عليها (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)؟.

1/ إذ تخضع الاجتماعات العامة في ممارستها لإشراف سلطات الضبط الإداري لما قد تشتمل عليه ممارستها من احتمالات بالإخلال للنظام العام، فإن الاجتماعات الخاصة حرة تماما تحميها مبادئ حرمة الحق في الحياة الخاصة.57

ومن ثم فالاجتماع الخاص هو فرع أصيل من حق حرمة الحياة الخاصة، ولا ينفصل عنها بحسبان أنه ومن خلاله يجري الأفراد مع بعضهم البعض أحاديثا خاصة يعبرون فيها عن مكنوناتهم أو تطلعاتهم أو آرائهم الخاصة والتي لا يرغبون في اطلاع أحد سواهم عليها.

( لما كان تحقيق الحرية لإنسانية المصري هدفاً أساسياً تضمنته وثيقة إعلان دستور جمهورية مصر العربية، وكانت مراقبة وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية والأحاديث الشخصية إجراء مرذولاً يعتبر انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة انتقاصاً من الأصل في الحرية الشخصية التي سجلها الدستور في المادة 41 منه باعتبارها حقاً طبيعياً للإنسان لا يجوز الإخلال به أو تقييده بالمخالفة لأحكامه، وكان الدستور إذ كفل في صلبه حرمة الحياة الخاصة بما تشتمله من حرمة الحديث ضد تسجيله قد قرنها بضمانات إجرائية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى، وليوفر لها الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، بما نص عليه في المادة 45 منه أن “لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون” ……..، ومفاد ذلك ألا يسمح بهذا الإجراء لمجرد البلاغ أو الظنون والشكوك أو البحث عن الأدلة وإنما عند توافر أدلة جادة تقتضي تدعيمها بنتائج هذا الإجراء، وليحول المشرع بهذه الضمانات المتكاملة دون اتخاذ هذا الإجراء لدوافع وهمية أو إساءة استعماله فلا يكون إلا لضرورة تفرضها فاعلية العدالة الجنائية وما تقتضيه من تأكيد الأدلة المتوافرة بضبط ما يفيد في كشف الحقيقة في الجرائم، وعلى تقدير أن القضاء إذ يقدر توافر هذه الأدلة وتلك الضرورة هو الحارس الطبيعي للحريات والحرمات في مواجهة كل صور التحكم والتسلط والتحامل والعاصم لها دون أي تعد عليها أو عبث بها أو جموح ينال منها).58

2/ كفل النص الدستوري حرية الاجتماعات الخاصة وحظر على رجال الأمن حضورها أو مراقبتها أو التنصت عليها، والتنصت يتضمن فيما يتضمنه تسجيل الأحاديث التي تجري في هذه الاجتماعات ومن ثم فتسجيل الأحاديث في مكان خاص واجتماع خاص محظور بموجب هذه الفقرة من النص الدستوري.

وجاء في الأعمال التحضيرية مقترحا من أحد أعضاء لجنة الخمسين المعنية بصياغة التعديلات الدستورية القول بضرورة أن يسمح بتسجيل الأحاديث التي تجري في الاجتماعات الخاصة، بالنص على: (سأتطرق لناحية قانونية في الفقرة الثانية للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غبار حاملين سلاح ودون حاجة إلى إخطار، ولا يجوز لرجال الأمن حضور هذه الاجتماعات أو مراقبتها أو التنصت عليها، هنا لابد من وضع جملة إلا بإذن قضائي مسبب. إذا كان لدى خلية إرهابية تجتمع في منزل فى المادة رقم ٤٣ يجوز مراقبة المجلس بإذن قضائي مسبب في حالة وجود خلية إرهابية تتفق على اتفاق جنائى فى منزل ولا أضع قيداً بوجود إذن من القضاء ومسبب بهذا أكون قد خالفت نص المادة ٤٣ ، ونصوص القوانين تتناغم ولا تتنافر وشكراً سيادة الرئيس).59

ونرى أن التفات المشرع الدستوري في صياغته النهائية لهذه المادة عن هذا الاقتراح وعدم تضمينه في صلب الدستور يعني رفضه وعدم تبني حكمه، ورؤيته ألا يرهق حق المواطنين في الاجتماع الخاص بأي قيد ينال منه كفرع أصيل من حرمة الحياة الخاصة.

(والمستقر عليه في أصول التفسير أنه إذا كانت عبارة النص واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بدعوى تفسيرها، كما أن الأصل أن النص العام يجرى على إطلاقه ما لم يوجد ما يقيده).60

3/ بالنظر إلى الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور والتي كفلت الحق في الاجتماعات الخاصة وحظرت مراقبتها أو التنصت عليها-بما يتضمنه التنصت من تسجيل لما يدور من خلالها من أحاديث-وبمقابلتها بنص المادة 57 من الدستور والتي أباحت الإذن بإجراء تسجيلات لأحاديث جرت في أماكن خاصة، نجد لبسا جليا وتناقضا ظاهريا بين الحكمين، لا يزيله إلا حمل كل مادة منهما على وجهها الحقيقي والغرض منها، (في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية، إذا وُجِدَ أكثرُ من وجهٍ لفهم النص، أحدهما يجعل النص مشوبًا بالتناقض ويبطل حكمه، والآخر يحمله على الصحة ويؤدي إلى إعماله، فإنه يتعين الالتزامُ بالمعنى الظاهر الذي يحمل النصَّ على الصحة وإعمال مقتضاه، مادامت عباراته تحتمل هذا الفهم؛ ذلك أن النصوص لا تُفهَم معزولةً بعضها عن بعض).61

فالغرض الجلي من المادة 57 هو مراقبة وسائل الاتصال أيا كانت لدرء ومواجهة الجرائم، ومن ثم يحمل التسجيل في معناه هنا على أنه أحاديث عبر أية وسيلة اتصال لا عبر الأحاديث المباشرة وجها لوجه، وهو ما كفلته الفقرة الثانية من المادة 73، فالأحاديث الشخصية المباشرة لا تتأتي إلا من خلال الاجتماع الخاص المحمي دستوريا بكل ما يشتمل عليه من حقوق وحريات.

والقول بغير ذلك يجعلنا نقع في حومة التناقض الدستوري وتصادم نصوصه بعضها بالبعض الآخر وهو ما لا يمكن لأحد القول به أو تقريره.

(من أصول التفسير وجوبُ التوفيق بين النصوص القائمة لإزالة ما قد يبدو من تعارضٍ بين ألفاظها، وذلك بصرف كلِّ نصٍّ إلى غايته التى رمى المشرِّعُ إلى تحقيقها، فيُحمَل النص العام على عمومه، ويُستبعَد من نطاقه ما خصَّه المشرِّعُ بحكمٍ خاص).62

4/ السبب الرابع: مخالفة النصين الطعينين لأحكام المادتين 92، 96/1 من الدستور

أولًا: نص المادة 92:

الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا.

ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

تبني النص الدستوري في المادة 92 من الدستور المصري حكمين جوهريين، تعلق أولهما ببيان أن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا أو انتقاصا، وثنى بفقرته الثانية بوضع قيد عام على المشرع العادي بألا يسن قانون معنيا بتنظيم ممارسة الحقوق والحريات فينال من خلاله بما يمس أصل أو جوهر تلك الحقوق المحمية بموجب الفرة الأولى.

وذلك رغبة من المشرع الدستوري بألا يمارس المشرع العادي سلطته انحرافا أو تعسفا فيقرر قيود تنال من الحقوق محل التنظيم أو تفرغها من مضمونها وجوهرها.

والحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان هي حقوق غير قابلة للتنازل عنها وترتبط بالإنسان ككيان وفي حدود تمتعه بإنسانيته وشرفه وسمعته وتتضمن فيما تتضمنه حقه في الانتقال واختيار محل إقامته على امتداد مصر شمالا وجنوبا،(حرية الانتقال في مصاف الحريات العامة وتقييدها دون مقتضى مشروع يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها)،63 وحقه في اختيار الزوج المناسب، (لحرية الشخصية أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها, لا قوام لها بدونها، إذ هي محورها وقاعدة بنيانها, ويندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها, ومن بينها الحق في الزواج)،64 وحرمة حياته الخاصة، وحقه في أن يجتمع-اجتماعا خاصا- في مكان خاص- بمن يشاء وقتما يريد..

ولما كان الدستور قد سكت عن إخضاع الأحاديث التي تجري في أماكن خاصة من الخضوع لأي من قيود المراقبة أو التنصت بموجب نص المادة 57 منه على نحو ما أسلفنا، ثم عاد فأكد على حمايتها وكل حق أو حرية لصيقة بشخصية المواطن وتأكيده على أنها لا تقبل انتقاصا أو تعطيلا، ولا يجوز لتشريع أن ينظمها بما يحول دون ممارستها أو أن يمس أصلها وجوهرها، فإن النص الوارد في المادتين 80 و 117من قانون الاجراءات الجنائية قد خالف كلا من المادتين 57، 92 من الدستور وعطل ممارسة حرية الاجتماع الخاص والأحاديث الخاصة التي تجري فيه وأخضعهما –بغير سند من الدستور- لقيود تنتقص منهما وتمس أصلهما وجوهرهما ومن ثم فهو نص جدير بالطعن عليه بعدم الدستورية وبالقضاء بذلك.

وليس أدل على ذلك من قول أحدهم في لجنة الخمسين أثناء نقاش المادة (42) من المشروع، والمقابلة لنص المادة (57) الحالية:

(المادة الوحيدة التي كان يجب أن نوافق عليها بسرعة شديدة جدا لأنها لا تحترم سواء في أمريكا في غير أمريكا، المادة الوحيدة التي تثبت فى الدستور وليس لها فاعلية ومعظم قضايا الجاسوسية والأمن قومى والإرهاب ثبتت عن مخالفة هذه المادة، ولا ينبغى أن نقف عندها طويلا).65

ثانيًا: نص المادة 96/1:

المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.

لما كان الأصل (أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عنوان عليها أصلان كفلهما الدستور، فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إلى المتهم في كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند عليها مفهوم المُحاكمة المنصفة).66

أ/ إذا كان ذلك وكان من الجلي من خلال الأعمال التحضيرية للدستور أن المادة 57 إنما كان الغرض منها مراقبة وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، ومواجهة جرائم الإرهاب تحديدا على ما ورد من أمثلة على لسان المقرر العام للجنة، وكان المشرع قد سن قانونا لمكافحة الإرهاب اتخذ فيه أشد الاجراءات قسوة إزاء كل مشتبه فيه-بناء على مجرد التحريات التي يجريها مأمور الضبط القضائي- فإن إجراء التسجيل أو التنصت على الأحاديث الخاصة أو التي تجري في مكان خاص يجب أن تحاط بضمانات حقيقية لا أن يهدر من خلال النص أصل البراءة المفترض والذي هو قوام المحاكمة العادلة ومحورها.

وتطبيقًا لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه:

(وحيث إن كفالة المشرع، كأصل عام، لحق المتهم المحكوم عليه غيابيا، فى جنحة، فى سلوك طريق الطعن بالمعارضة فى الحكم الصادر ضده، مؤداه أنه افترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، إعمالاً لنص المادة (٩٦) من الدستور التى كفلت أصل البراءة. ذلك أن المشرع قد أقر هذا الأصل العام، فلا يتأتى له من بعد أن يحرم البعض من ذلك الحق، وهو ما قضى به النص المحال، فجاء مهدرًا لأصل البراءة الذى أعلاه الدستور، والذى يمتد فى مضمونه إلى كل فرد سواء أكان مشتبهًا فيه أو متهمًا، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى أقرتها الشرائع جميعها، لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم لها. فالاتهام الجنائى – فى ذاته – لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دومًا، ولا يزايله، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة، أو فى أثنائها، وعلى امتداد جلساتها، وأيا كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها؛ ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه).67

ب/ أما العبارة الثانية والخاصة بمد مدة الإجراء مدة أخرى أو مدد مماثلة:

وهي واردة بالنصين المطعون عليها، وعلى الرغم من قضاء الدستورية العليا في الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية بدستوريتهما إلا أنه وكما أسلفنا فإن حجية هذا الحكم لا تنسحب على نص قانوني جديد وإن تضمن ذات الأحكام، كما أن الحكم سالف الذكر لم يتطرق إلى مدى مخالفة العبارتين المطعون فيها لمبدأ وقرينة افتراض البراءة المنصوص عليهما في الدستور، ولا كذلك ناقش مبدأ أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره، وكلها مبادئ دستورية استقرت عليها أحكام المحكمة الدستورية العليا وتواترت بتقريرها وحمايتها.

وحيث أنه باستقراء مقاصد المشرع الدستوري حول (قيد المدة) نجد أن النص الدستوري نص على أنها مدة محددة. وقد اختلف أعضاء لجنة الخمسين وهم بصدد مناقشة المادة (42) من مشروع الدستور المقابلة للمادة (57) من الدستور الحالي حول كلمة (مدة محددة أو مدة محدودة) وطالبوا بوضع حد أقصى للمدة.68

وبين من المضابط أن سواء أكانت (محدودة) كما وردت بالنص الأصلي، أو (محددة) كما وردت بالنص الدستوري القائم، أن المشرع ابتغى أن تكون مدة المراقبة أو التنصت محددة زمنا بقدر ضرورتها، فلا تزيد عنها ولا تستحيل قيدا دائما على حرمة الحياة الخاصة.

ويبين من المقابلة بين النص الدستوري وضوابطه وبين النص المطعون عليه، أن المشرع وهو في سبيل دعم السلطة التنفیذیة وتزویدها بمكنات معینة تحد بها من الحقوق والحریات العامة بهدف مواجهة ظروف طارئة، أو جرائم ذات خطورة خاصة، قد تحيل على النص الدستوري فحدده أولا بمدة (ثلاثين يوما) كحد أقصى، ثم أجاز تجديد الأمر بالمراقبة أو التنصت مددا مماثلة بحيث تكون في مجموعها غير محددة المدة، متجاوزة بذلك النطاق الدستوري الذي قصد به حماية حرمة الحياة الخاصة ولم يجز تقييدها إلا في ظروف خاصة وبشروط وضوابط من أهمها تحديد مدة لهذا الإجراء الخطير.

وتطبيقًا لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه:

(حيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923، على تقرير الحقوق والحريات العامة فى صلبها، قصدًا من المشرع الدستورى على أن يكون النص عليها فى الدستور قيدًا على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيًا فإذا خالف أحد التشريعات هذا الضمان الدستورى، بأن قيد حرية أو حقًا ورد فى الدستور مطلقًا، أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًا، وقع هذا التشريع مشوبًا بعيب مخالفة الدستور).69

كما قضت أيضا بأنه:

(وحيث أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها المشرع بضوابط معينة تحد من إطلاقها وترسم بالتالي حدوداً لممارستها لا يجوز تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية تنظيم موضوع معين؛ فإن تشريعاتها في هذا الإطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية. وذلك باقتحامها – بالنقض أو الانتقاض – المنطقة التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق لضمان فعاليته).70

وإطلاق مدة المراقبة أو تسجيل أحاديث جرت في أماكن خاصة من كل قيد زمني يعني إهدار لقرينة البراءة التي تلازم المشتبه به، وأن الأصل في الأشخاص البراءة، فالغاية مـن تقرير قرينة البراءة ضمان احترام حقـوق الإنسان وكفالة حرياته الأساسـية فى كل الإجراءات القضائية المتخذة فى مواجهة المتهم.71

ولا يعتبر احترام الحرية قيدًا على الـسلطة العامة أو معوقًا لعملها، لأن شرعية هذه السلطة قائمة على احترام حريات الأفراد، ومن ناحية أخرى، فـإن احترام الحرية لا يعنى شـل اختـصاصات الـسلطة العامة أو الحد من فعالية أوامرها، وانما هـو وضع الإطار السليم لمباشرة هذه الاختصاصات وتنفيذ هذه الأوامر.72

والمراقبة وتسجيل الأحاديث دون وضع سقف زمني لها تعد اعتداء دائما على حرمة الحياة الخاصة المصونة التي لا تمس إلا استثناء، (ونري أن مراقبة وتسجیل المحادثات والرسائل وتسجیل وتصویر ما یجري في الأماكن الخاصة، وضبط المكاتبات والرسائل والمطبوعات والطرود والبرقیات بجمیع أنواعها نوعا من التفتیش مما یجعلها خاضعة لأحكام التفتیش وضماناته، فهو بحث فى مستودع أسرار المتهم بحثا عن دلیل على الحقیقة).73

الطلبات

مع التمسك بكل ما أبديناه من دفوع شكلية وموضوعية، وبكل الطلبات التي قدمناها وأثبتناها في محاضر الجلسات وفي مذكراتنا المقدمة للهيئة الموقرة، فإننا نلتمس من عدالتكم في شأن ما تقدم بيانه في هذه المذكرة، ما يلي:

أصليًّا: نلتمس وقف الدعوى تعليقيًّا، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مسألة مدى دستورية نصي المادتين 80، 117 من قانون الاجراءات الجنائية فيما تضمنتاه من عبارتي (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، وعبارة (ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة) الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 80، وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 117 التي تنص على (ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مددًا أخرى مماثلة) لمخالفتهم نصوص المواد: 2، 57، 73، 92، 96 من الدستور الساري لجمهورية مصر العربية.

احتياطيًّا: نلتمس من سيادتكم تأجيل نظر الدعوى، مع التصريح للدفاع بإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية للفصل في مسألة مدى دستورية مدى دستورية نصي المادتين 80، 117 من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنتاه من عبارتي (أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص)، وعبارة (ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة) الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 80، وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 117 التي تنص على (ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مددًا أخرى مماثلة) لمخالفتهم نصوص المواد: 2، 57، 73، 92، 96 من الدستور الساري لجمهورية مصر العربية، وتحديد أجل لذلك.

وكيل المتهم

المحامي


الهوامش

1 / حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4095لسنة 38ق جلسة 10/12/1994.

2 / حكم محكمة القضاء الإداري، دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار،الدائرة السابعة، الحكم الصادر بجلسة 23 / 5 / 2015 م

في الدعوى رقم 27009 لسـنة 67 ق.

3 / الدكتور/ أحمد عبد الحسيب عبد الفتاح، تغير الظروف وأثره على حجية الأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية “دراسة مقارنة”، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الرابع بكلية الشريعة والقانون بطنطا، (11-12 أغسطس 2021)، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، المجلد 36، العدد 5، ص 2

4 / وهو ما قررته المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، حيث نصت على أنه (المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة).

5 / الدعوى رقم 207 لسنة 32 قضائية دستورية، جلسة 1/12/2018.

6 / راجع نص المادة 195 من الدستور المصري، والتي تنص على أنه (تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهي ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم. وينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعي من آثار).

7 /الدكتور أحمد عبد الحسيب عبد الفتاح، مرجع سابق ص 13 وما بعدها لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.

8 /المستشار الدكتور: عوض المر الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا، الرقابة على دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية، بدون سنة نشر، ص 141-142، الطعن بالنقض رقم 11838 لسنة 60 قضائية، جلسة 13 إبريل 1997.

9 / حكم المحكمة العليا في الدعوى رقم 8 لسنة 3 قضائية عليا، جلسة 11/12/1976.

10 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 143 لسنة 34 بجلسة 22 سبتمبر 2018، الجريدة الرسمية العدد 39 مكرر، بتاريخ 1/10/2018 العدد 61.

11 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 211 لسنة 32 قضائية دستورية، جلسة 5/9/2015، الجريد الرسمية عدد 37 مكرر (أ)، السنة 58، بتاريخ 16/9/2015

12 / حكم الدستورية العليا في الدعوى رقم 66 لسنة 31 قضائية دستورية، جلسة 28 أغسطس 2021.

13 / نشر الدستور في الجريدة الرسمية عدد 3 مكرر (أ) بتاريخ 18 يناير 2014، وأدخلت تعديلات عليه في 2019 أقرت بموجب قرار الهيئة الوطنية للانتخابات رقم 38 لسنة 2019، ونشرت بالجريدة الرسمية العدد 16 مكرر (و) بتاريخ 23/4/2019.

14 / نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 36 بتاريخ 6/9/1979.

15 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 127 لسنة 30 قضائية دستورية جلسة 6/4/2014.

16 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 43 لسنة 16 قضائية دستورية، جلسة 8/4/2023.

17 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 68 لسنة 40 قضائية دستورية، جلسة 4/5/2019.

18 / الأستاذ: محمد عبد السميع المحامي: متى تكون التحريات غير جدية، منشور على موقع نقابة المحاميين.

19 / الأستاذ: محمد عبد السميع المحامي، مرجع سابق.

20 / الأستاذة: إيناس غيث سالم بسيم، الحق في الخصوصية في مرحلة ما قبل المحاكمة، ص 14، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق جامعة المنصورة 2021.

21 / الطعن رقم (1955 لسنة 88 ق – جلسة 11/10/2020).

22 / ويرجع في ذلك إلى حكم محكمة النقض في الطعن رقم 1955 لسنة 88 ق – جلسة 11/10/2020

23 / الأمر القضائي وفق قانون الإجراءات الجنائية الملغي رقم 150 لسنة 1950 يعني أمرا صادرا من قاضِ، بينما الأمر القضائي وسعه الفقه والقضاء ليشمل الأوامر الصادرة من النيابة العامة أيضا.

راجع في هذا الأمر الدكتور: أشرف توفيق شمس الدين، شرح قانون الاجراءات الجنائية، الطبعة الرابعة، 2015 بدون دار نشر، ص 322.

24 /الدكتور: محمد نور الدين سيد، حجية التسجيل الصوتي والتصوير المرئي بين حماية الحق في الخصوصية ومقتضيات العدالة الجنائية، مجلة روح القوانين، العدد 110، إبريل 2025، الجزء الأول، ص 593.

26 / الدكتور أشرف توفيق شمس الدين، مرجع سابق، ص 395.

27 / المرجع السابق، ص 109

28 / الدكتور أيمن بشري أحمد، دور القانون في حماية المصلحة العامة، بحث مقدم للمؤتمر الدولي العلمي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا، في عام 2019، منشور بمجلة الكلية ص 108.

29 / يرجع لمزيد من المعلومات للدكتور صلاح سيد عبد العال، دور مجلس الدولة في حماية المصلحة العامة وضمانات استمراره، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا في 21-22 أكتوبر 2021.

30 / الدكتور عبد الرحمن صبحي قاسم عوض، شروط وضوابط إتاحة التنصت كضابط للمصلحة العامة، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا، ص 98، 21-22 أكتوبر 2021.

31 / المرجع السابق، ص 100.

32 / الدكتور عبد الرحمن صبحي قاسم عوض، شروط وضوابط إتاحة التنصت كضابط للمصلحة العامة، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا، ص 104، 21-22 أكتوبر 2021.

33 / الدكتور عبد الناصر العطار، مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الإسلامية، مطبعة السعادة، ص 220، بدون تاريخ نشر.

34 / المستشار الدكتور عبدالعزيز محمد سالمان – نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، إطلالة عامة حول الحماية الدستورية لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص.

منشور في: https://manshurat.org/content/tll-m-hwl-lhmy-ldstwry-lmbdy-lmsw-wtkfw-lfrs

35 / حم المحكمة الدستورية الع36 / الدكتور أشرف توفيق، شرح قانون الاجراءات الجنائية، مرجع سابق ص 361.

37 / الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية 2016، الطبعة العاشرة مطورة، الكتاب الأول، ص 173.

38 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 195 لسنة 20 قضائية دستورية، جلسة 1 يناير 2000.

39 / صبري حسن المحامي، دور المحكمة الدستورية العليا في حماية حقوق الإنسان، مطبوعات البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، 2005، ص:135-136، بدون دار نشر.

40 / نصت المادة 13 من الدستور الألماني في بندها الثالث على أنه: ” إذا دلت وقائع معينة على أن المشتبه به قد ارتكب فعلا مجرما يتصف – حسبما نص القانون بالجسامة، فإنه يجوز بغرض ملاحقة هذا الفعل وبناء على أمر قضائي أن تستعمل وسائل تقنية سمعية المراقبة المسكن الذى يحتمل أن يقيم به المتهم ، ويضاف إلى ذلك أن يصعب كشف الحقيقة بالوسائل الأخرى لكونها غير مناسبة أو غير منتجة، ويجب أن يكون لإجراء محدد المدة، وأن يصدر الأمر هيئة مشكلة من ثلاثة قضاة. وفى حالة الخشية من التأخير يجوز أن يصدر أيضاً من قاض فرد.

41 / الطعن بالنقض رقم 24 لسنة 68 قضائية، أحوال شخصية، جلسة 28 يناير 2003.

42 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 153 لسنة 32 قضائية دستورية، جلسة 4 فبراير 2017.

43 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 23 لسنة 16 قضائية، بجلسة 18 مارس 1995 وهي هنا تتحدث عن الحق في الزواج واختيار زوج باعتباره من أفرع الحياة الخاصة والتي لا يجوز التدخل فيها أو تقييدها لأي من كان.

44 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 5 لسنة 4 قضائية دستورية، جلسة 2/6/1984.

45 / الدكتور محمد فاروق محمود، الضوابط الدستورية على سلطة المشرع التقديرية دراسة مقارنة بين مصر والكويت، منشور بمجلة البحوث الفقهية والقانونية، العدد 38، يوليو 2022، ص 284.

46 / المستشار الدكتور عوض المر، مرجع سابق، ص

47 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 44 لسنة 28 قضائية دستورية، جلسة 22/10/2018.

48 / الدكتور جابر جاد نصار، المقرر العام للجنة الخمسين، مضبطة الاجتماع الثالث عشر للجنة الخمسين لإعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية، 27/10/2013، ص 27.

49 / لمزيد من المعلومات حول المناقشات الخاصة بتلك المادة يرجى الرجوع إلى المرجع السابق، الصفحات من 21-33.

50 / راجع ما ورد على لسان الدكتور جابر جاد نصار، المقرر العام للجنة الخامسين، مضبطة الاجتماع الثالث عشر، مرجع سابق، ص 31. والذي قال فيه نصا: (على سبيل المثال أنت الآن تتابع خلية إرهابية، فأجهزة التحقيق تأخذ أولاً أمراً قضائياً مسبباً من القاضى تعرض عليه الحالة وتعرض عليه التحريات الخاصة بها، والأمر الثانى أن الرقابة هنا مجرد رصد إذا نشأت الجريمة يقدمها وإذا لم يقدمها فلن تكون هناك جريمة، إنما هو يراقب قضية الخلية إرهابية على سبيل المثال ومتشعبة فيطلب إذناً بعشرة أيام أو الخمسة عشر يوماً فلو وضعت المدة هنا ستجمد المسألة في الدستور وهذا ليس مطلوباً، فالمشكلة الأساسية أنه لابد أن يكون هناك إذن قضائي مسبب، وهذه ضمانة كبيرة جداً، فإذا لم يكن هذا الإذن موجوداً يبطل الإجراء، وللعلم هذه الجزئية موجودة في كل دساتير العالم).

51 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 114 لسنة 21 قضائية دستورية، جلسة 2/6/2001.

52 / الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص 965.

53 / الدكتور أشرف توفيق شمس الدين، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص 388، هامش 4.

54 / الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص 966.

55 / الدكتور محمد الطيب عبد اللطيف، نظام الترخيص والإخطار في القانون المصري، دراسة مقارنة، مطبعة التأليف، سنة 1957، ص 244.

56 / الأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين الأسبق، ومقر لجنة الحوار والتواصل المجتمعي وتلقى المقترحات، بلجنة الخمسين، مضابط لجنة الخمسين، المضبطة رقم 15، مرجع سابق، ص: 71.

57 / الأستاذ حمد أحمد المناعي، حریة الاجتماع، رسالة ماجستیر جامعة القاھرة ، 2006 ، ص 16.

58 / حكم محكمة النقض في الطعن رقم 6852 لسنة 59 القضائية، جلسة 14 يناير 1996.

59 / السيد اللواء على عبد المولى، في مضبطة الاجتماع الخامس عشر للجنة الخمسين لإعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية، جلسة 31 أكتوبر 2013، ص 63-64.

60 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 1 لسنة 24 قضائية تفسير، جلسة 17/8/2003.

61 / حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 62932 لسنة 61 القضائية (عليا)، الدائرة السادسة، جلسة 11/11/2015

62 / حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 62932 لسنة 61 القضائية (عليا)، الدائرة السادسة، جلسة 11/11/2015

63 / الطعن رقم الطعن رقم 2297 سنة قضائية 44 مكتب فني 42 تاريخ الجلسة 17 / 03 / 2001 – صفحة رقم 544.

64 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 23 لسنة 16 قضائية دستورية، جلسة 18 مارس 1995.

65 / الدكتور كمال الهلباوي، الأعمال التحضيرية للدستور، المضبطة 13، مرجع سابق، ص 33.

66 / الطعن بالنقض قم 5332 لسنة 89 قضائية، جلسة 9/5/2022، طعن جنائي.

67 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 56 لسنة 32 قضائية دستورية، جلسة 5 مارس 2016.

68 / مضابط لجنة الخمسين لوضع الدستور، مرجع سابق، المضبطة رقم 13، ص 29-30

69 / حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 17 لسنة 15 قضائية دستورية، جلسة 2 يونيو 2013.

70 / صبري حسن المحامي، مرجع سابق ص 112.

71 / الدكتور أحمد فتحي سرور الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة السابعة، دار الطباعة الحديثـة، القـاهرة، ص .٣٩

72 / الدكتور أحمد فتحي سرور، الـشرعية الدسـتورية وحقـوق الإنـسان فـى الإجـراءات الجنائيـة، دار النهـضة العربيـة، 1996، ص: 292.

73 / الدكتور طارق السيد السعيد الشربيني، الضمانات الدستورية والقانونية للمتهم في قانون مكافحة الإرهاب وتعديلاته دراسة مقارنة، ص 226.