
في مساء يوم 7 يوليو 2025، شهدت مصر انقطاعًا واسع النطاق في خدمات الإنترنت، مما أثر بشكل ملحوظ على المستخدمين في مختلف أنحاء البلاد. حدث هذا الانقطاع نتيجة لحريق اندلع في مبنى سنترال رمسيس، الواقع في وسط القاهرة. ويُعد هذا المبنى مركزًا حيويًا للبنية التحتية للاتصالات في مصر، حيث يضم العديد من المعدات والشبكات التي تدير حركة البيانات والاتصالات في البلاد.
تقدم هذه الورقة البحثية عرض وتحليل تقني لانقطاع الإنترنت في مصر يوم 7 يوليو 2025، مع التركيز على توقيت الانقطاع، ومداه، وآثاره على البنية الشبكية. اعتمدت الورقة على بيانات من منصتين رئيسيتين لمراقبة وتحليل انقطاعات الإنترنت، هما:
- منصة IODA (Internet Outage Detection and Analysis): هي مشروع بحثي تابع لمعهد جورجيا للتكنولوجيا، تهدف إلى مراقبة وتحليل انقطاعات الإنترنت على نطاق واسع في الوقت الحقيقي. تستخدم IODA بيانات من مصادر متعددة، بما في ذلك بروتوكول التوجيه (BGP) وقياسات نشطة وسلبية، لتحديد وتوثيق الانقطاعات التي تؤثر على الشبكات والمناطق الجغرافية المختلفة.
- منصة Cloudflare Radar: توفر المنصة رؤى وتحليلات حول حركة مرور الإنترنت وجودة الاتصال والانقطاعات على مستوى العالم. تعتمد المنصة على البيانات التي تجمعها Cloudflare من شبكتها الواسعة من الخوادم والمستخدمين، مما يتيح تتبع التغيرات والاضطرابات في الشبكة بشكل دقيق وموثوق.
وتعتمد هذه الورقة على البيانات المسجّلة خلال يوم الاثنين 7 يوليو 2025، ويوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 حتى الساعة الثانية بعد الظهر. وقد تم تحديد هذا النطاق الزمني لأنه يغطي لحظة اندلاع الحريق وتطورات الانقطاع خلال أكثر من 20 ساعة، بما يتيح تحليلًا زمنيًا دقيقًا لمسار الأزمة.
مركزية سنترال رمسيس واختناق الشبكة

استنادًا إلى البيانات التي وفرتها منصة “كلودفلير رادار” (Cloudflare Radar)، المتخصصة في مراقبة حركة الإنترنت عالميًا، فإنه بمجرد وقوع الحريق بدأت آثار الحادث تظهر بشكل مباشر على حركة الإنترنت في مصر. فقد رصدت المنصة تراجعًا واضحًا في حجم البيانات التي تمر عبر الشبكة المصرية. ولم يكن هذا التراجع محدودًا بشركة أو مزوّد خدمة واحد، بل طال عدة مزوّدين في الوقت نفسه، وهو ما يعكس الدور المركزي الذي يلعبه سنترال رمسيس في توزيع حركة الإنترنت في البلاد.
عند الساعة 05:30 مساءً بتوقيت القاهرة، بدأت مؤشرات الشبكة تُظهر انخفاضًا بنسبة 12% في إجمالي حجم البيانات المتدفقة، و11% في بيانات التصفح (HTTP). ورغم هذا الانخفاض في كمية البيانات المنقولة، ظلت طلبات التصفح مرتفعة بنسبة 31%. يدل هذا التباين على أن المستخدمين والتطبيقات كانوا يحاولون الاتصال بالإنترنت، لكن دون جدوى، وكأن هناك “اختناقًا” يمنع البيانات من المرور رغم وجود محاولات للاتصال.
بلغ هذا الانقطاع ذروته الأولى بعد حوالي 45 دقيقة، أي عند الساعة 06:15 مساءً، حيث وصلت نسبة الانخفاض في البيانات إلى 27%، وهي أعلى نسبة مسجلة خلال فترة الحادث. شهدت الشبكة بعد ذلك بعض التعافي المؤقت، إلا أن الانخفاض عاد مجددًا في الساعة 11:30 مساءً بنفس اليوم، مسجلًا نسبة تراجع بلغت 25%.
استمرار هذا الانخفاض لساعات طويلة يشير إلى أن العطل لم يكن عابرًا أو سطحيًا، بل ربما طال أجزاءً حساسة من البنية التحتية، ما جعل استعادة الخدمة مسألة معقدة. كما أن تزامن هذا التراجع عبر أكثر من مزوّد خدمة يدعم الفرضية التي تقول إن سنترال رمسيس كان بمثابة نقطة مركزية تعتمد عليها الشبكات المختلفة يؤدي تعطلها إلى انقطاع واسع.
في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، ظهر تحسّن تدريجي في المؤشرات. ففي الساعة 02:15 صباحًا، سُجِّلت زيادة بنسبة 8.5% في إجمالي البيانات، و9.2% في بيانات التصفح. لكن هذا التحسن لم يكن مستقرًا، إذ ظلت المؤشرات تتذبذب خلال الساعات التالية. فعند الساعة 05:15 صباحًا، سُجِّل تراجع جديد بنسبة 23%، ثم في الساعة 07:45 ظهرت قفزة إيجابية ملحوظة، حيث ارتفعت البيانات بنسبة 27%، وبيانات التصفح بنسبة 29%، وطلبات التصفح بنسبة 41%. هذه القفزة توحي بعودة بعض أجزاء الشبكة إلى العمل، لكنها لا تعني أن الإنترنت قد استعاد حالته الطبيعية بالكامل.
بحلول الساعة العاشرة صباحًا، كانت البيانات لا تزال دون مستواها المعتاد. فقد سُجِّلت نسب زيادة طفيفة: 19% في إجمالي البيانات، 20% في بيانات التصفح، و31% في طلبات التصفح. ورغم هذا التحسن، فإن منصة “كلودفلير” كانت لا تزال تُصنّف الوضع على أنه “انقطاع نشط”، ما يعني أن الأزمة لم تكن قد انتهت فعليًا حتى ذلك الحين، بعد مرور أكثر من 17 ساعة على اندلاع الحريق.
الرسوم البيانية التي توفرها منصة المراقبة تُظهر بوضوح أن الانقطاع لم يكن لحظيًّا، بل استمر لفترة طويلة نسبيًا. كما أن استعادة الخدمة لم تتم بشكل سلس، بل شهدت اضطرابات واهتزازات متكررة. يعزز هذا الوضع احتمال أن يكون الحريق قد ألحق أضرارًا بمكونات مادية أساسية داخل السنترال، أو أن هناك مشكلات في المسارات التي تربط بين مزوّدي الخدمة المختلفين.
من الملاحظ كذلك أن طلبات التصفح (أي محاولات المستخدمين للوصول إلى المواقع والخدمات) ظلت مرتفعة طوال الأزمة، حتى عندما كانت كمية البيانات المنقولة منخفضة جدًا. يشير ذلك إلى وجود “عنق زجاجة” في الشبكة المحلية؛ أي أن الطلبات تصل لكن لا يتم الرد عليها أو لا تتم معالجتها بشكل صحيح، ما يدل على اختناق داخلي في الشبكة وليس انقطاعًا على مستوى الكوابل البحرية أو مراكز البيانات العالمية.

البيانات التي سجلتها منصة IODA تعزز ما كشفت عنه منصة Cloudflare Radar من حيث توقيت الانقطاع وشدته. ففي الساعة 5:30 مساءً تقريبًا، أظهرت مؤشرات IODA أن الإنترنت في مصر يعاني من مشكلة حقيقية، عدد كبير من الشبكات لم يعد يمكن الوصول إليه من خارج البلاد.
في الوقت نفسه، أصبح من الصعب على المستخدمين الوصول إلى خدمات مثل محركات البحث أو البريد الإلكتروني، ما يعكس صعوبة حقيقية في الاتصال بالعالم الخارجي. ورغم أن بعض المؤشرات المرتبطة بالبنية التحتية ظلت مستقرة نسبيًا، فإن ذلك يُرجّح أن السبب كان عطلًا ماديًا مفاجئًا، وهذا يتطابق مع واقع نشوب حريق سنترال رمسيس. تؤكد مؤشرات IODA أن الانقطاع لم يكن مجرد خلل بسيط، بل أزمة فنية امتدت لعدة ساعات وطالت قطاعات واسعة من الشبكة.

يؤكد أيضًا هذا التحليل البُعد الجغرافي للانقطاع، الذي تظهره خريطة صادرة عن منصة IODA توضح مدى انتشار الأزمة على مستوى المحافظات المصرية. إذ تُظهر الخريطة أن الانقطاع كان أكثر حدة في المحافظات الكبرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، كما شمل مناطق واسعة في الدلتا والصعيد وسيناء. وتُصنّف الخريطة درجة الانقطاع وفق مقياس لوني يتدرج من الأصفر إلى الأحمر القاتم، مما يدل على أن الضرر لم يكن محصورًا في منطقة واحدة بل كان على مستوى البلاد.
تكشف هذه البيانات حجم الاعتماد الكبير على بنية اتصالات مركزية تقليدية في مصر، وتوضح كيف أن حادثًا واحدًا، مثل حريق محلي، يمكن أن يؤثر بشكل واسع على خدمة الإنترنت إذا لم تكن هناك بدائل فعالة أو مسارات احتياطية. كما أنها تدعم فرضية أن سنترال رمسيس كان يشكل نقطة محورية في توزيع البيانات، وأن تعطل مركز واحد فقط يمكن أن يتسبب بتأثيرات مترامية الأطراف تمس مناطق لا علاقة جغرافية مباشرة لها بموقع الحريق. بالإضافة إلى ذلك، يشير البطء في استعادة الخدمة إلى وجود نقاط ضعف في الاستجابة الطارئة وفي توزيع البنية الرقمية، مما يستدعي مراجعة شاملة لطرق إدارة وتوزيع الشبكة لضمان استقرارها في حالات الطوارئ.
الشبكات تحت الضغط: بداية يوم طبيعي يتحوّل إلى أزمة
شبكة فودافون

حتى ظهر الاثنين، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي على شبكة الإنترنت الخاصة بفودافون. المؤشرات الثلاثة التي تراقب أداء الشبكة – وهي كمية البيانات المرسلة والمستلمة، وحجم التصفح، وعدد المرات التي حاول فيها الناس فتح مواقع أو خدمات – كانت كلها ضمن المعدلات المعتادة. بل إن عدد محاولات التصفح ارتفع بشكل ملحوظ في الساعة 04:45 مساءً، بنسبة 47% فوق المستوى اليومي المعتاد، دون أن يصاحب هذا الارتفاع أي ضغط فعلي على كمية البيانات المنقولة، مما يعني أن الشبكة كانت قادرة على التعامل مع هذه الزيادة دون مشاكل.
بعد ذلك بحوالي نصف ساعة، وتحديدًا عند الساعة 05:15 مساءً، ظهرت أول إشارة على وجود مشكلة داخل شبكة فودافون. فقد بدأت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة تنخفض بنسبة 4% تقريبًا، وهو ما يشير إلى تراجع في الأداء. في الوقت نفسه، استمر عدد محاولات المستخدمين للوصول إلى الإنترنت في الارتفاع ليصل إلى 48% فوق المعدل الطبيعي. هذا التناقض بين استمرار الطلب وقلة الاستجابة يعني أن الأجهزة كانت تحاول فتح المواقع أو تحميل البيانات، لكن الشبكة لم تكن قادرة على تلبية هذه الطلبات بشكل فعّال، مما يدل على أن هناك خللًا داخليًا بدأ في التصاعد.
ومع حلول الساعة 05:30 مساءً، وفي نفس اللحظة التي اندلع فيها الحريق داخل سنترال رمسيس، انهارت حركة الإنترنت على شبكة فودافون بشكل مفاجئ. فبحسب بيانات “كلودفلير رادار”، تراجعت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة بنسبة كبيرة حتى وصلت إلى 58%، سواء في إجمالي الحركة أو في البيانات الخاصة بالتصفح.
كما انخفضت أيضًا نسبة الطلبات التي يُرسلها المستخدمون إلى المواقع المختلفة بنسبة 35%. اعتبرت المنصة هذا التغير المفاجئ علامة على وجود مشكلة كبيرة في الشبكة، وسرعان ما صُنّف الوضع كـ”انقطاع نشط”، أي أن فودافون كانت تعاني بالفعل من تعطل واضح وممتد في الخدمة، وهو ما استمر لاحقًا لساعات طويلة.
ازدادت الأمور سوءًا مع مرور الوقت. فعند الساعة 9 مساءً، أي بعد ثلاث ساعات ونصف تقريبًا من بداية الانهيار، انخفضت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة بنسبة 66%، كما انخفض عدد المحاولات التي يقوم بها المستخدمون لفتح المواقع أو إرسال واستقبال المعلومات بنسبة 46%. وعند منتصف الليل، بلغ هذا الانخفاض أقصى مستوياته: 71% في كمية البيانات، و56% في الطلبات. هذا يعني أن الإنترنت على شبكة فودافون كان شبه متوقف تمامًا، ولم يعد بإمكان أغلب المستخدمين الوصول إلى الإنترنت بالشكل المعتاد.
في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 8 يوليو، بدأت تظهر علامات تحسّن جزئي في أداء شبكة فودافون. ففي الساعة 04:15 صباحًا، ارتفعت نسب البيانات قليلًا، لكنها ظلت أقل بكثير من الوضع الطبيعي – أي أن الإنترنت لم يعد كليًا بعد. كمية البيانات كانت لا تزال أقل بنحو 53% مقارنة بالحالة العادية، وعدد طلبات التصفح أقل بنسبة 46%. لكن هذا التحسن لم يتطور بسرعة، فقد بقيت الأرقام متدنية عند نفس المستوى تقريبًا حتى الساعة 11 صباحًا. وهذا يعني أن المستخدمين استمروا في مواجهة صعوبات كبيرة في الوصول إلى الإنترنت، وأن المشكلة لم تكن قد حُلّت بعد.
وخلال الفترة كلها، واصلت “كلودفلير” تصنيف الوضع كـ”انقطاع نشط”. تُظهِر المنطقة المظلَّلة بالبرتقالي في الرسوم البيانية طول مدة الانقطاع، وتوضح المنحنيات أن الانهيار كان مفاجئًا وكاملًا، ثم تبعته مرحلة تعافٍ بطيئة وغير مستقرة.
التزامن بين انخفاض حجم البيانات وانخفاض الطلبات، بعد فترة وجيزة من المحاولات غير المجدية، يبرهن على أن المشكلة لم تكن مجرد بطء في تحميل الصفحات أو ازدحام لحظي، بل كانت انهيارًا شاملاً لمسارات الاتصال الأساسية. ويرجِّح هذا السيناريو أن جزءًا حاسمًا من بنية «فودافون» كان يعتمد على تجهيزات موجودة داخل سنترال رمسيس؛ فعندما أصابها الضرر تعذّر تشغيل مسارات بديلة أو تفعيل آليات التجاوز السريع (failover)، ما أفضى إلى هذا الشلل الطويل.
شبكة إتصالات

تُظهر بيانات منصة “كلودفلير” أن شبكة اتصالات مصر كانت تعمل بشكل طبيعي ومستقر حتى ظهر يوم الاثنين. فقد كانت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة ضمن المستوى المتوقع، بل وكانت هناك زيادة ملحوظة في نشاط المستخدمين. ففي الساعة 5 مساءً، ارتفع عدد المحاولات التي يقوم بها الناس لتصفح الإنترنت بنسبة 48% مقارنة بالمعدل الطبيعي، كما زادت كمية البيانات التي يجري تحميلها أو تصفحها بنسبة تتراوح بين 12% و13%. تشير هذه الأرقام إلى أن الشبكة كانت تشهد حركة نشطة دون أي مشكلات فنية واضحة.
تغيّر هذا الوضع بشكل كبير خلال دقائق قليلة. فعند الساعة 5:30 مساءً، وهو الوقت نفسه الذي اندلع فيه الحريق، بدأت شبكة اتصالات تفقد قدرتها على العمل بكفاءة. أظهرت بيانات “كلودفلير” أن كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة انخفضت فجأة بنسبة 41%، وانخفضت أيضًا بيانات التصفح بنسبة 40%.
ما يثير الانتباه هو أن عدد محاولات المستخدمين للاتصال بالإنترنت بقي مرتفعًا، بل وصل إلى زيادة بنسبة 4.8%. هذا يعني أن الناس كانوا يحاولون استخدام الإنترنت بشكل طبيعي، لكن الشبكة لم تكن تستجيب لتلك المحاولات، وهو ما يشير إلى بداية انهيار مفاجئ في قدرة الشبكة على التعامل مع الطلبات.
وصلت الشبكة إلى أسوء حالتها عند الساعة 6:15 مساءً. فقد انخفضت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة بنسبة كبيرة جدًا وصلت إلى 78%، كما تراجعت نسبة محاولات التصفح الناجحة بمعدل 52%. يعني ذلك أن مستخدمي الإنترنت على شبكة اتصالات بالكاد كانوا قادرين على الوصول إلى أي خدمات رقمية، وكأن الشبكة قد تعطلت بالكامل تقريبًا، مما تسبب في حالة من الشلل شبه التام للخدمة.
استمر الانقطاع الكبير خلال ساعات المساء دون أي تحسن واضح. ففي الساعة 9 مساءً، كانت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة لا تزال منخفضة بنسبة 75%، وعدد محاولات التصفح أقل من المعتاد بنسبة 50%. ثم، عند الساعة 1:45 بعد منتصف الليل، ساءت الأمور أكثر، إذ وصلت نسبة التراجع إلى 77% في إجمالي البيانات و60% في طلبات التصفح. هذه الأرقام تؤكد أن الشبكة لم تستعد توازنها، وأن مستخدمي اتصالات مصر كانوا ما زالوا يواجهون صعوبة كبيرة في الوصول إلى الإنترنت، في ظل استمرار التدهور دون أي تعافٍ ملحوظ.
مع دخول صباح يوم الثلاثاء 8 يوليو، لم تكن هناك أي مؤشرات حقيقية على تحسّن شامل في أداء الشبكة. ففي الساعة 6 صباحًا، أظهرت البيانات أن حركة الإنترنت لا تزال في أسوأ حالاتها، حيث كانت كمية البيانات المنقولة منخفضة بنسبة 81%، وبيانات التصفح بنسبة 82%، وعدد الطلبات بنسبة 62%. هذه النسب تُعد من بين الأسوأ خلال الأزمة كلها، وتُشير إلى أن أغلب المستخدمين لم يكونوا قادرين فعليًا على استخدام الإنترنت. وحتى الساعة 11:15 صباحًا، وبعد مرور أكثر من 17 ساعة على اندلاع الحريق، ظلت الشبكة في وضع متدهور، مع استمرار انخفاض البيانات بنسبة 43%، وطلبات التصفح بنسبة 21%. ولهذا السبب، أبقت منصة “كلودفلير” على تصنيف الوضع كـ”انقطاع نشط”، أي أن الاتصال لا يزال غير مستقر بشكل واضح.
ما يُظهره هذا التسلسل الزمني من مؤشرات، هو أن شبكة اتصالات مصر عانت من انهيار حاد ومفاجئ استمر لساعات طويلة، مع محاولات تعافٍ جزئية بطيئة وغير كافية. كما أن الانهيار لم يكن بسبب بطء مؤقت أو ازدحام، بل عن خلل بنيوي في نقاط الربط الرئيسية داخل الشبكة، ما أدّى إلى فقدان الاتصال الحقيقي بالخدمات.
شبكة أورانج

تُظهر بيانات منصة “كلودفلير” أن شبكة أورنج كانت تعمل بشكل طبيعي ومستقر حتى ظهر يوم الاثنين. خلال هذا الوقت، كان استخدام الإنترنت يسير بشكل معتاد من حيث كمية البيانات التي يستهلكها المستخدمون وعدد المرات التي يحاولون فيها فتح المواقع أو استخدام التطبيقات. في الساعة 4 عصرًا بتوقيت القاهرة، ارتفع عدد هذه المحاولات بنسبة 32% مقارنة بالمعدل الطبيعي، وهو ما يدل على نشاط ملحوظ من جانب المستخدمين. في المقابل، لم تحدث زيادة كبيرة في كمية البيانات الفعلية التي تم تحميلها أو تصفحها، حيث ظلت في الحدود المعتادة تقريبًا. يعني ذلك أن المستخدمين كانوا متصلين بالإنترنت بشكل طبيعي، دون وجود أي علامات على خلل أو بطء في الشبكة في تلك اللحظة.
لكن في تمام الساعة 5:30 مساءً، وهو الوقت الذي اندلع فيه الحريق في سنترال رمسيس، تعرّضت شبكة أورنج لانهيار مفاجئ في أدائها. فقد انخفضت كمية البيانات التي تمر عبر الشبكة بنسبة كبيرة وصلت إلى 69%، وكذلك تراجعت بيانات التصفح بنفس النسبة تقريبًا. كما انخفض عدد المحاولات التي يقوم بها المستخدمون للوصول إلى المواقع بنسبة 42%. هذا التراجع الحاد والمفاجئ يشير إلى أن الإنترنت على شبكة أورنج بدأ يتوقف فعليًا، وأن المستخدمين واجهوا صعوبة حقيقية في استخدام أي خدمات عبر الإنترنت منذ تلك اللحظة.
تدهور الوضع أكثر بعد الانهيار الأول. ففي الساعة 9 مساءً، أي بعد حوالي ثلاث ساعات ونصف من بداية الانقطاع، كانت كمية البيانات التي تمر عبر شبكة أورنج قد انخفضت بنسبة 70%، كما تراجعت محاولات المستخدمين لتصفح الإنترنت بنسبة 51%. يشير ذلك إلى أن الإنترنت كان شبه متوقف بالفعل على الشبكة.
استمر هذا الانقطاع خلال الليل وحتى صباح يوم الثلاثاء 8 يوليو. عند منتصف الليل، لم تتحسن الأمور كثيرًا، حيث كانت البيانات المنقولة لا تزال منخفضة بنسبة 62%، وطلبات التصفح أقل بنسبة 52% من المعتاد. وحتى الساعة 9 صباحًا، أي بعد حوالي 15 ساعة من بداية الانقطاع، لم يُسجّل أي تحسن فعلي. ظلت البيانات منخفضة بما يتراوح بين 56% و61%، كما ظل عدد الطلبات أقل من الطبيعي بنسبة تتراوح بين 36% و54%. يتضح من ذلك أن كثيرًا من المستخدمين لم يكونوا قادرين على استخدام الإنترنت حتى بعد مرور كل هذه الساعات.
كما هو الوضع في فودافون واتصالات، تُظهر هذه البيانات مدى اعتماد شبكة أورنج على البنية التحتية المتضررة في سنترال رمسيس، وهو ما يكشف هشاشة بنية شبكات الإنترنت في مصر، خاصة حين تفتقر إلى حلول فنية تتجاوز الأعطال الجسيمة.
شبكة وي

تشير بيانات منصة “كلودفلير” إلى أن أداء شبكة وي كان يعاني من تذبذب قبل الحريق بيوم كامل. ففي ظهر يوم الأحد 6 يوليو، انخفض حجم البيانات المنقولة عبر الشبكة بنسبة بلغت حوالي 54%، مقارنة بالفترة المرجعية، قبل أن تبدأ المؤشرات في التعافي تدريجيًا صباح الاثنين. يعني ذلك أن الشبكة كانت غير مستقرة حتى قبل وقوع الحادث.
مع حلول الساعة 5:30 مساءً يوم الاثنين، وهو توقيت اندلاع الحريق، بدأت تظهر علامات خلل بسيط على الشبكة. فتراجع حجم البيانات المنقولة بنسبة 3.5%، وبيانات التصفح بنسبة 3.1%، بينما بقي عدد الطلبات مرتفعًا بنسبة 41%. تشير هذه الفجوة إلى أن المستخدمين كانوا يحاولون الوصول إلى المواقع والخدمات، لكن لم يكن هناك استجابة كافية من الشبكة.
في الساعة 6:15 مساءً، بدأت تظهر علامات أوضح على تراجع أداء الشبكة. فقد انخفضت كمية البيانات المنقولة بنسبة 13%، ومع ذلك بقي عدد محاولات التصفح مرتفعًا بنسبة 35%. هذا يعني أن المستخدمين كانوا لا يزالون يحاولون الوصول إلى الإنترنت، لكن الخدمة كانت أبطأ من المعتاد أو غير مستقرة.
بحلول الساعة 9 مساءً، بدأت الشبكة تُظهر علامات تحسّن نسبي. فقد ارتفعت كمية البيانات المنقولة بنسبة 7.6%، وبيانات التصفح بنسبة 8.2%، وارتفعت طلبات التصفح إلى 49%، ما يشير إلى أن بعض أجزاء الشبكة بدأت تستعيد نشاطها تدريجيًا، ربما بعد إجراء إصلاحات فنية أو توجيه الحركة عبر مسارات بديلة.
في منتصف ليل صباح الثلاثاء 8 يوليو، تسارعت وتيرة التحسّن، حيث ارتفعت البيانات بنسبة 22%، مع استمرار الطلبات عند مستوى مرتفع نسبته 37%. هذا التطور يُظهر أن الشبكة كانت تقترب من حالتها الطبيعية.
ابتداءً من الساعة 6:15 صباحًا، شهدت الشبكة قفزة كبيرة في الأداء: حجم البيانات المنقولة زاد بنسبة 93%، وبيانات التصفح بنسبة 96%، وطلبات التصفح بنسبة 69%. وهذا يعني أن الشبكة لم تستعد فقط حالتها الطبيعية، بل تجاوزتها بشكل واضح، ربما نتيجة تراكُم حركة الاستخدام بعد فترة الانقطاع.
وبحلول الساعة 8:15 صباحًا، استمرت المؤشرات في تسجيل مستويات عالية: 81% زيادة في البيانات، و83% في بيانات التصفح، و68% في عدد الطلبات. وحتى الساعة 10:15، كانت الشبكة تعمل بشكل مستقر، ما يعني أن الخدمة قد عادت بالكامل تقريبًا إلى طبيعتها.
يتضح مما سبق أن شبكة وي لم تتعرض لانقطاع كلي، مثل شبكات فودافون، واتصالات، وأورنج التي تأثرت بشكل كبير من الحريق، لكنها شهدت اضطرابًا جزئيًا ملحوظًا، خاصة في النصف الثاني من يوم الاثنين.
ما الذي كشفه حريق سنترال رمسيس؟
تكشف البيانات التي تناولتها هذه الورقة كيف أدى الحريق الذي اندلع في سنترال رمسيس يوم 7 يوليو 2025 إلى انقطاع واسع النطاق في خدمات الإنترنت في مصر. ورغم أن الحادث كان محليًا في موقعه الجغرافي، فإن تأثيره امتد ليشمل مزوّدي الخدمة الرئيسيين، وتسبب في شلل تام أو جزئي لحركة الإنترنت في عدد كبير من المحافظات ولساعات طويلة. أظهرت المؤشرات أن شبكات مثل فودافون، اتصالات، أورنج، ووي كانت تعتمد بدرجات متفاوتة على البنية التحتية المتضررة داخل السنترال، وهو ما جعلها عاجزة عن احتواء الأزمة بفعالية.
تبرز هذه الواقعة الحاجة المُلِحّة إلى مراجعة شاملة لبنية الاتصالات الرقمية في مصر، من خلال تقليل الاعتماد على نقاط تمركز مفردة، وتعزيز مرونة الشبكات عبر توزيع البنية التحتية وتفعيل مسارات بديلة، إضافة إلى وضع خطط استجابة عاجلة تكون مدعومة فنيًا ولوجستيًا.
لقد أظهر هذا الانقطاع المفاجئ مدى هشاشة النظام القائم، وبيّن كيف أن حادثًا واحدًا قد يؤدي إلى تعطيل خدمات أساسية تمسّ حياة الأفراد والمؤسسات، في وقت أصبحت فيه الاتصالات الرقمية ركيزة من ركائز الاقتصاد والمجتمع. ما لم يُستثمر بشكل جاد في تعزيز قدرة البنية التحتية على الصمود، فإن مخاطر الانقطاعات المستقبلية ستظل قائمة، سواء بفعل كوارث طبيعية، أعطال فنية، أو حتى هجمات رقمية.