بإسم الشعب
محكمة القاهرة الاقتصادية
الدائرة الثانية جنح اقتصادية
حكم
بجلسة الجنح المنعقدة بسراي المحكمة صباح يوم الخميس الموافق 17/1/2013
برئاسة السيد الأستاذ/ محمد رجائي رئيس المحكمة
وعضوية الأستاذ/ مصطفى أبو الدهب رئيس محكمة
وعضوية الأستاذ/ سامح موسى رئيس محكمة
وعضوية الأستاذ/ حسن إكرام وكيل النيابة
وبحضور السيد/ محمد عمر أمين السر
صدر الحكم الآتي
((في الجنحة رقم 1935 لسنة 2011 جنح اقتصادية القاهرة))
بعد مطالعة الأوراق، سماع المرافعة والمداولة قانوناً:-
حيث أن واقعات الدعوى تخلص وفقاً لما جاء بصحيفة الإدعاء المباشر المقامة من وكيل الشركة ……….. للاستشارات وتطوير النظم الآلية ……..، ضد المتهم الماثل، بوصفه كان يعمل لدى الشركة بوظيفة (مطور نظم) وفقاً للعقد المحرر فيما بينهما المؤرخ 1/11/2010، إلا أنها وعقب قيامها بفحص جهاز اللاب توب المسلم له وعقب إنذاره لها بتاريخ 12/2/2011 على يد محضر برغبته في فسخ ذلك العقد، تبين قيامه مع آخرين يعملوا بذات الشركة بتأسيس شركة أخرى تعمل بذات مجال الشركة المدعية، وأن ذلك قد تم بالتزامن أثناء عمله بالشركة، وأنهم قاموا باستغلال أجهزة الشركة الفنية في إنشاء هذه الشركة، وكذا باستخراج أحد البرامج التي أنتجتها وابتكرتها الشركة لصالح مؤسسة (………. الأمريكية) وتم ذلك خلسة ودون علم أو إذن من الشركة، وقاموا باستخدام ذلك البرنامج لحسابهم إضراراً بالشركة، الأمر الذي يشكل مخالفة لنص م/75، 76/1 من ق 10 لسنة 2003، مما حدا بها إلى إقامة ذلك الإدعاء المباشر، طالبة في ختام الصحيفة معاقبته جنائياً بموجب نص المادتين رقمي 75، 76 من ق 10 لسنة 2003، وإلزامه بأداء مبلغ 20001 جنيه للشركة على سبيل التعويض المدني المؤقت.
بجلسة 6/6/2011 قضت محكمة جنح م. الجديدة غيابياً بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الجنحة، وإحالتها للنيابة العامة لاتخاذ شئونها.
بتاريخ 15/9/2011 قررت نيابة الشئون المالية والتجارية تقديم المتهم للمحاكمة أمام المحكمة الماثلة بدائرة مغايرة، نفاذاً للحكم الصادر بعدم الاختصاص السابق الإشارة إليه.
ولقد تداولت الدعوى على النحو الوارد بمحاضر جلساتها، ومثل فيها كلاً من الطرفين بوكيل عنه محام.
بجلسة 24/11/2011 حكمت المحكمة بندب أحد السادة خبراء الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لفحص جهاز اللاب توب موضوع الدعوى، للوقوف من الناحية الفنية على صحة ما جاء بصحيفة الإدعاء المباشر.
بتاريخ 21/6/2012 ورد تقرير ذلك الخبير للمحكمة، والمؤرخ 20/6/2012 وبمطالعته من قبل المحكمة تبين عدم قيام الخبير وعقب بيان ما حواه ذلك الحاسوب من معلومات ومراسلات بين العديد من الأشخاص، بالانتهاء إلى نتيجة خاصة بفحوى المأمورية المسندة إليه بموجب الحكم التمهيدي الصادر بذلك.
وبجلسة 10/10/2012 مثل كلاً من الطرفين، وقدم وكيل المتهم مذكرة بدفاعه واعترض على ما انتهى إليه ذلك الخبير من بيان لوقائع فنية دون إيراد مدلولها أو نتيجتها.
وبجلسة 18/10/2012 أصدرت المحكمة حكمها تمهيدياً آخر بندب أحد خبراء المحكمة الاقتصادية المختصين فنياً، وذلك للإطلاع على ذلك التقرير وكذا ما عسى أن يقدمه وكيل المدعي من مستندات، وذلك لبيان عما إذا كانت الشركة المدعية من الشركات العاملة في مجال الاتصالات، وفقاً للقانون 10 لسنة 2003 من عدمه، وفي الحالة الأولى بيان عما إذا كان المتهم بوصفه حائز لذلك الحاسوب قد قام بارتكاب ثمة مخالفات واردة بنص م/75، 76/1 من ذات القانون من عدمه.
بجلسة 27/12/2012 تم إرفاق ذلك التقرير، وما انتهى إليه من نتيجة مباشرة هذه المأمورية، مفاده بأن الحاسوب الخاص بالمتهم يحوي محادثات بينه وبين آخرين لتكوين شركة جديدة تعمل في مجال الشبكات ونظم المعلومات وأنه قد استخدم ذلك الحاسوب بإجراء محادثات في غير مجال نطاق عمله وهذا يخالف سياسات الشركة المجني عليها – وتم إطلاع كلاً من طرفي الدعوى عليه، وطلب الدفاع البراءة، وبجلسة 3/1/2013 قررت المحكمة صدور حكمها بجلسة اليوم.
وحيث أنه عن الاختصاص النوعي للمحكمة بنظر الدعوى الماثلة، ولما كان قانون مواد الاتهام الواردة بصحيفة الإدعاء المباشر، قد ورد حصراً بنص م/ 4 من ق 120 لسنة 2008 بشأن المحاكم الاقتصادية، والخاصة ببيان القوانين التي تختص بنظرها الدوائر الجنائية بالمحكمة على سبيل الحصر، الأمر الذي ينعقد معه ذلك الاختصاص لها.
وحيث أنه عن موضوع الدعوى فالمحكمة تشير بداءة إلى نص م/1 من ق 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات “……..، 3- الاتصالات: أية وسيلة لإرسال أو استقبال الرموز أو الإشارات أو الرسائل، أو الكتابات أو الصور أو الأصوات، وذلك أياً كانت طبيعتها، وسواء كان الاتصال سلكياً أو لاسلكياً”، م/176/1
“مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: 1- استخدم أو ساعد على استخدام وسائل غير مشروعة لإجراء اتصالات”.
ولما كان المقرر بنص المادة 75 من قانون الاتصالات أنه “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بإفشاء أو نشر أو إذاعة أية معلومات حصل عليها بحكم وظيفته أو بسببها عن منشأة عاملة في مجال الاتصالات متى كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى قيام منافسة غير مشروعة بين المنشآت العاملة في هذا المجال”.
وإذ تشير المحكمة تمهيداً وتأصيلاً لقضائها إلى أنه من المقرر بالمادة 302/1 من قانون الإجراءات الجنائية أنه “يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته”.
وهذا النص يقرر مبدأ تأخذ به معظم الشرائع الحديثة يسمى مبدأ حرية اقتناع القاضي ومؤداه أن القاضي الذي يفصل في الدعوى الجنائية لا يتقيد في حكمه بأنواع معينة من الأدلة ويكون له مطلق الحرية في تقدير قوة الدليل المقدم في الدعوى فله أن يطرح أي دليل لا يطمئن إليه وأن يأخذ بدليل آخر يعتقد صحته ومتى كان الدليل الذي اعتمده القاضي وبنى عليه حكمه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي رتبها عليه فلا تصح مجادلته فيه أمام محكمة النقض على أن حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه تتقيد بأن اقتناع القاضي ينبغي أن يكون يقينياً إذ أن الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فإن الشك ينبغي أن يفسر لصالحه وهذا يقتضي بناء الأحكام الصادرة بالإدانة على الجزم واليقين لا على مجرد الظن والاحتمال فإذا لم تنته المحكمة من الأدلة التي ساقتها إلى الجزم بوقوع الجريمة من المتهم بل رجحت وقوعها منه فإن حكمها بإدانته يكون خاطئاً واجباً نقضه.
(الدكتور ……….. مبادئ قانون الإجراءات الجنائية الجزء الثاني قواعد المحاكمة الطبعة الثانية ص 87، 88، 89).
وحيث أنه عن موضوع الدعوى فلما كان من المقرر قانوناً أنه تعني قرينة البراءة أن الأصل في المتهم براءته مما أسند إليه ويبقى هذا الأصل حتى تثبت في صورة قاطعة وجازمة إدانته ويقتضي ذلك أن يحدد وضعه القانون خلال الفترة السابقة على ثبوت الإدانة على أنه شخص بريء.
ولكن أهم ما تتضمنه هذه القرينة أنه إذا لم يقدم إلى القاضي الدليل القاطع على الإدانة تعين عليه أن يقضي بالبراءة ويعني ذلك أن الإدانة لا تبنى إلا على اليقين والجزم أما البراءة فيجوز أن تبنى على الشك وفي تعبير آخر فإن القاضي لا يتطلب الحكم بالبراءة دليلاً قاطعاً على ذلك ولكن يكفيه ألا يكون ثمة دليل قطعي على الإدانة ويعني ذلك أنه تستوي براءة تستند إلى اليقين بها وبراءة تعتمد على الشك في الإدانة وهي التي يعبر عنها كذلك بالبراءة “لعدم كفاية الأدلة” على الإدانة فإذا تردد القاضي بين الإدانة والبراءة وثار لديه الشك فيهما تعين عليه أن يرجح جانب البراءة ويقضي بها “فالشك يفسر لمصلحة المتهم” وقد أقر الدستور هذه القرينة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأقرها القضاء.
(الدكتور/ ……….. شرح قانون الإجراءات الجنائية وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية الطبعة الرابعة 2011 فقرة 883 ص859 و860)
من المقرر بقضاء النقض أنه (يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي بالبراءة إذ المرجح في ذلك يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله).
(نقض 14/1/1996 مجموعة أحكام محكمة النقض س47 رقم 9 ص 72)
وأن استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى موضوعي.
(نقض 23/9/2002 مجموعة أحكام محكمة النقض س53 رقم 1444 ص 851)
وأن التشكك في صحة إسناد التهمة للمتهم كفايته سنداً للقضاء بالبراءة.
(نقض 5/2/2002 مجموعة أحكام محكمة النقض س53 رقم 40 ص 221، نقض 5/3/2002 مجموعة أحكام محكمة النقض س 53 رقم 64 ص 362)
ووجوب أن تبنى الأحكام على الجزم واليقين لا الظن والاحتمال.
(نقض 16/12/2002 مجموعة أحكام محكمة النقض س 53 رقم 193 ص 1155)
(تلتزم المحكمة بندب خبير في الدعوى حتى دون طلب من أحد – حد ذلك أن تكون المسألة المطلوب ندب الخبير من أجلها مسألة فنية بحتة لا تستطيع المحكمة أن تفصل فيها بنفسها دون الاستعانة بخبير متخصص).
(جلسة 13/6/1961 س 12 ص 671 رقم 131).
(المحكمة الموضوع سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره، متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها).
(جلسة 16/4/1962 س 13 ص 352 رقم 89)
وهدياً بما سبق، ولما كان الثابت من مطالعة تقرير الخبير المنتدب لبحث المسائل الفنية موضوع الدعوى، وما انتهى إليه من نتيجة سبق بيانها، وهو ما تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به كدليل نفي صحة ما أسند للمتهم من وقائع إفشاء أسرار الشركة المدعية والمؤثمة بالمادة 75 من ق. الاتصالات السابق بيانها، وكذا قيامه باستخدام وسائل غير مشروعة لإجراء اتصالات، والمؤثمة بنص م/76/1 من ذات القانون ولا يقدح في ذلك ما قرره الخبير من قيام المتهم باستخدام الحاسوب المسلم إليه من المدعي بصفته، وذلك بسبب وظيفته، وقام بإجراء محادثات في غير مجال نطاق عمله، وذلك لكون التوصيف الصحيح لذلك الفعل هو قيام المتهم (بإساءة استخدام وسائل اتصالات بطريقة مشروعة في إجراء اتصالات خارج نطاق عمله)، وهو الفعل الغير مجرم جنائياً وفقاً لنصوص المواد الواردة بصدر صحيفة الجنحة المباشرة سند الدعوى الماثلة).
وهو الأمر الذي تكونت معه عقيدة المحكمة حيال عدم ثبوت الواقعة قبل المتهم، وتقضي معه على هدي نص م/304/1 أ.ج، وعلى نحو ما سيرد بالمنطوق.
وحيث أنه عن الدعوى المدنية، ولما كان المتهم قد أعلن بها بموجب صحيفة الادعاء المباشر فهي مقبولة شكلاً عملاً بنص المادتين 232/1، 251 مكرر أ.ج.
وحيث أنه عن موضوعها، فالمحكمة تشير بداءة إلى نص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية”.
ويعني هذا أن الضرر هو سبب الدعوى المدنية وعلى ذلك فلا أساس للدعوى المدنية إذا لم تكن الجريمة قد سببت ضرراً لشخص، فالدعوى المدنية تجد أساسها في الضرر الذي سببته الجريمة، أياً كانت درجة جسامة الجريمة جناية أو جنحة أو حتى مخالفة. وسواء ورد النص على الجريمة في قانون العقوبات أو في قوانين خاصة. وعلى من يدعي الضرر إثباته، والضرر الذي يصلح سبباً للدعوى المدنية قد يكون ضرراً مادياً أو أدبياً ويراد بالضرر المادي الإخلال بمصلحة مالية للمدعي بالحق المدني أي ما لحق المدعي من خسارة وما فاته من كسب، فالخسارة التي تلحقه هي النقص في ثروته المترتب على الجريمة مثل ضياع قيمة المال المسروق في جريمة السرقة، وتكاليف العلاج في جريمة الضرب والجرح، وقيمة المال الذي قام بتسليمه إلى مرتكب جريمة النصب، أما الضرر الأدبي فقد نصت عليه المادة 222/1 من القانون المدني بقولها “لا يجوز الحكم بالتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من آلام من جراء موت المصاب “كما يشمل الضرر الأدبي الضرر الناشئ عن جريمة من جرائم العرض أو الاعتبار، أي المساس بالشرف والكرامة وحياء الإنسان، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه من المقرر أن الضرر المادي والأدبي سيان في إيجاب التعويض لمن أصابه شيء منهما، وتقديره في كل منهما خاضع لسلطة محكمة الموضوع. ويشترط في الضرر الذي يطالب المدعي المدني بتعويضه أن يكون ناشئاً عن الجريمة المباشرة وأن يكون شخصياً وأن يكون ثابتاً ومؤكداً، وقد صدرت بذلك المادة 251 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أنه “لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية وفقاً لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلاً”. وهذه المادة ليست إلا تقنيناً لما جرى عليه الفقه والقضاء قبل صدورها. ولابد أن يكون الضرر الذي أصاب المدعي بالحق المدني ناشئاً عن جريمة حتى تختص المحكمة الجنائية بنظر دعوى التعويض عنه، أما إذ كان الضرر ناشئاً عن فعل ضار لا تتوافر فيه أركان الجريمة، فلا يكون ثمة اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية الخاصة به.
(لما كان الحكم بالبراءة بُني على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية هي منازعة بحتة تدور حول عدم الوفاء بقرض، وقد ألبست ثوب جريمة التبديد على غير أساس من القانون أو سند من الواقع، فإن القضاء بالبراءة لهذا السبب يلزم عنه الحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية).
(جلسة 13/1/1993 س 44 ص 69 رقم 6)
ولابد لتوافر الجريمة من قيام ركنيها المادي والمعنوي، وإلا تعين الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن الدعوى المدنية تكون في هذه الحال غير ناشئة عن جريمة، ومع ذلك فهناك من يرى ضرورة الاكتفاء بالركن المادي للجريمة لاختصاص المحكمة الجنائية بالفصل في دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة دون استلزام لتوافر الركن المعنوي، لأن المشرع لم يستلزم تلازماً بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية فانعدام المسئولية الجنائية لا ينفي عن الفعل الصفة التجريمية، وهذا الرأي الأخير محل للنظر لأنه ينطوي على خلط بين الركن المعنوي للجريمة والركن المعنوي للمسئولية عنها فانعدام الخطأ يعني انعدام الركن المعنوي للجريمة وبه ينتفي عن الفعل الوصف التجريمي، أما انعدام المسئولية الذي لا ينفي الجريمة فهو انعدام التمييز والاختيار.
ولا يكفي أن يكون الضرر ناشئاً عن جريمة، ولكن يتعين أن يكون ذلك بصفة مباشرة. وتعني الصفة المباشرة أن تكون الجريمة هي السبب المباشر في الضرر، أي أن يكون الضرر متصلاً بالجريمة بعلاقة سببية مباشرة، وعلى حد تعبير محكمة النقض الفرنسية “الضرر الذي يجد مصدره المباشر في الجريمة محل الدعوى”.
(إذا تخلف شرط من شروط الضرر بأن لم يكن نشأ عن الجريمة بصفة مباشرة أو لم يكن قد أصاب رافع الدعوى شخصياً أو كان غير أكيد، فإن المحكمة الجنائية تصبح غير مختصة بنظر الدعوى المدنية وحتى ولو كان سبب الضرر متصلاً بالواقعة المرفوعة بها الدعوى، وعليها أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها لأن هذا الاختصاص من النظام العام، ويجوز الدفع بعدم اختصاصها في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض).
(جلسة 5/4/1955 س 6 ص 744 رقم 242)
لأنه طالما أن مناط ولاية المحكمة بالفصل في الدعوى المدنية هو نظرها للدعوى الجنائية عن الجريمة التي نشأ عنها الضرر سبب الدعوى المدنية، فإن هذه الولاية تزول إذا انتهى نظر المحكمة الجنائية للدعوى الجنائية، وإذا حدث وفصلت المحكمة في الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية، فإنه يكون للمدعي المدني أن يرجع إلى نفس المحكمة للفصل في دعواه المدنية (المادة 193 مرافعات)، والقاعدة الواردة في هذه المادة وإن وردت في قانون المرافعات، إلا أنها واجبة الإعمال أمام القضاء الجنائي باعتبارها من القواعد العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية ولعدم ورود نص في قانون الإجراءات يحكم هذه الحالة.
اتجه رأي في الفقه إلى أنه ليس ما يمنع المحكمة الجنائية من الفصل في الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية لدعوى جنائية إذا فصل في الدعوى الأخيرة بالبراءة بسبب أن الواقعة رغم ثبوتها لا يعاقب عليها القانون، وذلك استناداً إلى المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أن “كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم وأخذاً بهذا الرأي، ذهبت بعض دوائر محكمة النقض إلى أن (القضاء بالبراءة في الدعوى الجنائية الذي يتلازم معه القضاء برفض الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية لها هي تلك التي تبنى على عدم وقوع الفعل المكون للجريمة أو عدم ثبوت إسنادها للمتهم لعدم الصحة أو لعدم كفاية الأدلة)، أما إذا كان …. البراءة هو انتفاء أحد أركان الجريمة، فينبغي البحث عما إذا كان الفعل المادي الذي وقع ينطوي على خطأ مدني يستوجب التعويض من عدمه.
وقد استندت المحكمة العليا في تبرير قضائها إلى الحجة الفقهية القائلة بأن المادة 309 إجراءات تخول القاضي ضمناً سلطة الحكم بالتعويض للمدعي المدني رغم الحكم ببراءة المتهم على أساس أن النص أوجب على كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم، ذلك أن تعبير “كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية” ينصرف إلى الحكم بالإدانة والحكم بالبراءة على السواء”.
وهذا القضاء محل للنظر لأن إعمال المادة 309 إجراءات جنائية، لا يكون إلا عندما تكون المحكمة الجنائية مختصة بنظر الدعوى المدنية، هنا فقط يجب عليها أن تفصل فيها أو تحيلها للمحكمة المدنية، لأن القضاء برفض الدعوى المدنية هو قضاء في موضوعها ولا يكون للمحكمة ذلك إلا إذا كانت مختصة أصلاً بنظر هذه الدعوى، وهي لا تكون مختصة بنظرها إلا إذا كان الضرر موضوع التعويض المطالب به ناشئاً عن جريمة، فإن تبين أن الأمر ليس فيه جريمة، فلا اختصاص لها بنظر موضوعها كما أن أسباب الإباحة وعدم وجود نص يجرم الفعل يأخذ حكم انتفاء أحد أركان الجريمة، فكيف يستقيم الحكم بالتعويض في هذه الحالات، كما أن إلزام المحكمة الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية رغم البراءة سيؤدي إلى نتيجة خطيرة تظهر في أن يلجأ المدعي بالحق المدني إلى رفع الجنحة المباشرة على أساس جنائي في الظاهر مدني في الواقع، فيغير بعمله هذا في القواعد القانونية التي توزع بها الولاية بين المحاكم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية.
(لا يجوز للمحكمة الجنائية إذا قضت بالبراءة أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية برفضها)
(جلسة 11/12/1962 س 13 ص 842 رقم 203)
(إذا انتهت المحكمة في حكمها إلى براءة المتهم لعدم وجود جريمة بسبب عدم وقوع الفعل المادة، فليس لها أن تحيل الدعوى للمحكمة المدنية، بل عليها أن تحكم برفضها)
(جلسة 13/10/1993 س 44 ص 802 رقم 124)
(متى ثبت أن الفعل جوهر الدعوى الجنائية غير معاقب عليه قانوناً – تعين القضاء بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية)
(جلسة 3/12/1979 س 30 ص 872)
وهدياً بما سبق، فإن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدني به ناشئاً مباشرة عن ضرر وقع للمدعي من الجريمة، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عنها سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى.
وحيث أن المحكمة قد انتهت في مجال مدى صحة إسناد الوقائع الجنائية المنسوب صدورها من شخص المتهم، والواردة بصدر صحيفة الادعاء المباشر، وأنه حال كونه كان يعمل لديها بوظيفة مطور نظم، وهي من الشركات العاملة في مجال السوفت وير وتطوير نظم المعلومات، ولا تعمل في مجال الاتصالات، وفقاً لما انتهى إليه التقرير الفني للخبير المنتدب، والسابق بيانه، أنه لم يثبت للمحكمة صحة قيام المتهم بإفشاء أو نشر أية معلومات حصل عليها بحكم وظيفته أو بسببها والمؤثمة بنص م/75 من ق 10 لسنة 2003، وكذا عدم قيامه باستخدام وسائل غير مشروعة لإجراء الاتصالات، والمؤثمة بنص م/76/1 من ذات القانون، وأن جل الأمر هو ما ثبت للمحكمة من خلال ذلك التقرير، وما قرره وكيل المتهم بالجلسة الختامية، من قيام المتهم باستخدام ذلك الحاسوب المسلم له من المدعي بصفته، وبسبب – وظيفته بالتواصل مع بعض العاملين بالشركة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بغرض تكوين شركة جديدة تعمل في مجال الشبكات ونظم المعلومات، وهو ما يعد مخالفاً لسياسات الشركة. وهو ما تكونت معه عقيدة المحكمة إلى عدم وجود جريمة بسبب عدم ثبوت وقوع الفعل المادي لها من قبل المتهم وأن الواقعة في حقيقتها مدنية بحتة تخرج عن الاختصاص الجنائي للمحكمة بنظرها، وهو الأمر الذي يستوي معه ولكون الدعوى قد أقيمت بطريقة الادعاء المباشر، بالقضاء بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية، وكذا القضاء بالبراءة وعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية، وذلك استناداً للأسباب والأسانيد السابق بيانها (رُوجع في ذلك بعض الآراء الفقهية لكلاً من: د. …. عبيد، د. ….. …. الدهبي، د. مأمون سلامة، د. عبد …… مهدي، د. ….. نجيب حسني، د. ….. عبد الستار، حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 20/2/1996، 6/5/1969، د. …. فتحي سرور، د. عبد …… السنهوري)
وهو ما تقضي المحكمة على هديه، وعلى نحو ما سيرد بالمنطوق.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة/ حضورياً:-
– ببراءة المتهم/ ……… مما أسند إليه، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية