الدعوى رقم 7466 لسنة 93 ق نقض جنائي

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
الأربعاء (أ)
المؤلفة برئاسة السيد القاضي/ عاصم الغايش ” نائب رئيس المحكمة “
ش
وعضوية السادة القضاة / محمد هلالي جمال حسن جودة
محمد يوسف و د/ جون نجيب
” نواب رئيس المحكمة “
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد/ كريم شكري.
وأمين السر السيد/ موندي عبد السلام.
في الجلسة المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الأربعاء 28 من ذي القعدة سنة 1445ه الموافق الخامس من يونية سنة 2024 م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 7466 لسنة 93 القضائية.
اتهمت النيابة العامة الطاعنة في القضية الجنحة رقم ……. لسنة …….. جنح ………. الاقتصادية (والمقيدة بالجدول برقم ……… لسنة …….. كلي جنح مستأنف ………. الاقتصادية) بوصف أنها في يوم الثاني من يوليو سنة 2022 بدائرة قسم ……… – محافظة ……..
1- تعمدت إزعاج الغير وهم أهلية المتوفاة إلى رحمة مولاها ……… وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك، واليوتيوب ” وكان من شأن ذلك إساءة استعمال وسائل الاتصال.
2- تعمدت مضايقة المجني عليهم أهلية المتوفاة إلى رحمة مولاها ……. بإساءة استخدام أجهزة الاتصالات على النحو المبين بالأوراق.
وأحالتها إلى محكمة جنح …… الاقتصادية لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة أضافت وصف أن المتهمة تعدت على القيم والمبادئ والحرية الشخصية للمجني عليها وأسرتها، وقضت حضوريا بتوكيل بجلسة 29 من ديسمبر سنة 2022 عملا بالمادة 166 مكرر من قانون العقوبات والمادة 76/ بند 2 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات والمادة 25 من القانون 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات مع إعمال نص المادة 32/1 من قانون العقوبات بتغريمها مبلغ مائة ألف جنيه وألزمتها المصاريف الجنائية.
فاستأنفت المحكوم عليها هذا الحكم وقضت محكمة الاستئناف حضوريا بتوكيل بجلسة الخامس من مارس سنة 2023 بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف وألزمتها المصاريف الجنائية.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض في الأول من مايو سنة 2023.
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليها في ذات تاريخ طعنها موقع عليها من المحامي/ ……….
وبجلسة اليوم عرض الطعن على دائرة فحص الطعون ورأت أنه جدير بالنظر وقررت إحالته لنظره بالجلسة حيث سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة، وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمتي نشر أخبار ومعلومات تنتهك خصوصية المجني عليه دون رضاه عن طريق الشبكة المعلوماتية “يوتيوب” وتعمد إزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات عبر شبكة الإنترنت، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا كافيا تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دان الطاعنة بهما، سيما وأن ما تناولته الطاعنة في قناتها كان بخصوص قضية رأي عام واقتصر على ما يتداوله العموم من الجمهور بشأنها ولا يشكل أي جريمة من الجرائم المسندة إليها ولا يتعدى حرية الرأي المكفولة للصحفي وفقا للمادة 65 من الدستور المصري، كما أن بلاغ الشاكي تضمن تضرره من أكثر من موقع تحدث عن ذات المحتوى، إلا أنه لم يقدم للمحاكمة الجنائية سوى الطاعنة مما يشير إلى كيدية الاتهام، وعول الحكم في قضائه بالإدانة على تقرير الفحص الفني الصادر من قسم جرائم مكافحة جرائم تقنية المعلومات وأقوال محررة رغم قصوره لإخفائه البرامج التكنولوجية المستخدمة التي توصل من خلالها إلى مرتكب الواقعة، وأخيرا فإن المحكمة عدلت وصف التهمة دون منح أجل للمدافع عن الطاعنة لتحضير دفاعه. كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنة بهما، وأورد على ثبوتهما في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تحقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا أو نمطا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإن ذلك يكون محققا لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكانت المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي دينت الطاعنة بمقتضاها قد نصت على أن ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصيته إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع والخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة “، وكان من المقرر أن المرجع في تعرف حقيقة المعلومات والأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه وانتهاكها لخصوصيته دون رضاه هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد بين مضمون الأخبار والمعلومات التي تداولتها الطاعنة عن المجني عليه وأسرته عن طريق موقع اليوتيوب – خلافا لما تدعيه الطاعنة بأسباب طعنها – وانتهى في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى أن تلك الأخبار تمس الحياة الخاصة للمجني عليه وتنتهك خصوصيته دون رضاه وذلك بنشر معلومات عنه سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة وتعمد إزعاجه بإساءة استعمال أجهزة الاتصال، وهو ما تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دان الطاعنة بهما. ولا يصح التحدي – من بعد – بمخالفة ذلك لنص المادة 65 من الدستور المصري، إذ إنه ولئن كفل بموجب تلك المادة حرية الرأي والحق في التعبير سواء بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، كما صان أيضا حرية الصحافة بمقتضى المادتين 70، 71 وحقها في ممارسة رسالتها في خدمة المجتمع بحرية واستقلال وجعلها نافذة لإطلال المواطنين على الحقائق، إلا أن حد ذلك هو احترام حريات الغير بما لا يخل بمضمون الحق لهذه الحرية، أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها، وحتى لا تنقلب عدوانا على حقوق الأفراد وطعنا في أعراضهم ومساسا بحرياتهم ونيلا من كرامتهم وافتئاتا على حياتهم الخاصة، وهو ما أكدت عليه المادة 20 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام. ولا شبهة في أن ما تناولته الطاعنة – على قناتها باليوتيوب – بخصوص قضية مقتل المجني عليها ……. وحديثها كما جاء نصه بالحكم المطعون فيه “بأن أهلها طالبين مليون جنيه تعويضا رغم أن دم ابنتهم لسة منشفش لسه سخن على الرصيف كفاية كذب بتستفزوا الناس وبتاجروا ببنتكم وهي حية وهي ميتة…” يتعدى حرية الرأي ويتخطى الحق في التعبير المكفول حمايته، ويشكل انتهاكا لخصوصية المجني عليه، ويضحى معه ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان لا يجدي الطاعنة نعيها بعدم إقامة الدعوى الجنائية على متهمين آخرين ارتكبوا ذات الواقعة – بفرض صحته – ما دام أن ذلك لم يكن ليحول دون مساءلتها هي عن الجريمتين المسندتين إليها، فإن ما تنعاه في هذا الشأن لا يكون له محل. كما أنه وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت – في نطاق سلطتها التقديرية – إلى ثبوت الجريمتين في حق الطاعنة، فإن ما تثيره من منازعة في هذا الصدد قولا بكيدية الاتهام وتلفيقه، محض جدل في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة لم تثر أمام المحكمة شيئا عما أوردته بوجه الطعن بشأن قصور تقرير الفحص الفني وبطلانه لعدم الكشف عن الوسائل التكنولوجية المستخدمة في التوصل لمرتكب الواقعة، ومن ثم فلا يسوغ لها أن تثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض، لأنه محض دفاع موضوعي. فضلا عن أنه من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقرير. وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير قسم مكافحة جرائم تقنية المعلومات واستندت إلى رأيه الفني فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – قد استقر في تفسير المادتين 307 ، 308 من قانون الإجراءات الجنائية على أن محكمة الموضوع مكلفة بأن تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها، وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا، ولها كذلك تعديل التهمة بتحوير كيانها المادي ولو بإضافة الظروف المشددة التي يكون من شأنها تغيير وصف الجريمة وتغليظ العقوبة، ما دامت الواقعة التي رفعت بها الدعوى الجنائية لم تتغير، ولا سبيل عليها في ذلك إلا مراعاة ما تقضي به المادة 308 من ضرورة تنبيه المتهم ومنحه أجلا لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك منعا للافتئات على الضمانات القانونية التي تكفل لكل متهم حقه في الدفاع عن نفسه دفاعا كاملا حقيقيا لا مبتورا ولا شكليا أمام سلطة القضاء في التهمة بعد أن يكون قد أحيط بها علما، وصار على بينة من أمره، دون أن يفاجأ بتعديلها من غير أن تتاح له فرصة ترتيب دفاعه على أساس ما تجريه المحكمة من تعديل، ولما كانت المحكمة قد نبهت الطاعنة إلى تعديل التهمة المنسوبة إليها أمام محكمة الدرجة الأولى، فترافعت بلسان محاميها على أساس هذا التعديل دون اعتراض منها أو طلب التأجيل فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه ومصادرة الكفالة