منصات التواصل الاجتماعي في عصر الفيديفرس

مقدمة

حسب أحدث الإحصائيات المتاحة، يبلغ إجمالي عدد مستخدمي شبكة اﻹنترنت حول العالم ما يقرب من 5.3 مليار مستخدم. من بين هؤلاء، يوجد 4.95 مليار مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي، بينهم أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم لفيسبوك. ما تعنيه هذه اﻷرقام بشكل مباشر وواضح هو أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هو بلا أدنى شك النشاط اﻷهم لمستخدمي شبكة اﻹنترنت. 

في الواقع، الغالبية العظمى من المتصلين بصفة يومية بشبكة الإنترنت يستخدمون واحد أو أكثر من تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي المثبتة على هواتفهم بشكل حصري. كما أن أغلبهم لا يكاد يستخدم متصفح الإنترنت على الإطلاق إلا إذا وصل إليه من خلال رابط صادفه على أحد شبكات التواصل الاجتماعي. 

هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي على خبرة أغلب مستخدمي شبكة اﻹنترنت لا تحتاج إلى مزيد من التدليل عليها. وما أصبحت تتمتع به الشركات الكبرى من نفوذ في حياة الأفراد والمجتمعات، بل وفي شؤون إدارة الدول ليس في حاجة بدوره إلى مزيد من التدليل عليه. هذه الهيمنة لعدد محدود من الشركات أصبحت تمثل مزيدًا من القيود على حرية المستخدمين وربما مزيدًا من الانتهاكات لحقوقهم أيضًا. 

لقد خلقت منصات التواصل الاجتماعي الكبرى حالة من المركزية. تؤدي تلك المركزية إلى أن يكون المرور إلى شبكة اﻹنترنت في مجملها محصورًا بعدد محدود من البوابات. يقوم على هذه البوابات حراس ما يعنيهم قبل أي شيء هو تعظيم أرباحهم.  لا زالت هذه المركزية بعيدة عن أن تواجه أي تحد جدي. لكن، ربما يكون هذا التحدي في طور التشكل في صورة ما يسمى بالفيديفرس Fediverse.

الفيديفرس هي مجموعة من شبكات التواصل الاجتماعي اللامركزية والموزعة Distributed. قد تمثل هذه المجموعة بفضل لا مركزيتها البديل عن شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية. من الممكن أن يستعيد هذا البديل لمستخدمي شبكة اﻹنترنت حرية التواصل، وخلق المحتوى والاطلاع عليه، والوصول إلى المعلومات دون الخضوع للقيود التي تفرضها شركات التكنولوجيا الكبرى.

تسعى هذه الورقة للتعريف بالفيديفرس، والفكرة الأساسية لها، والأساس التكنولوجي الذي تقوم عليه. كما تتناول الورقة الفلسفة التي تقوم ورائها الفيديفرس والأهداف التي تسعى لتحقيقها. تقدم أيضًا الورقة نبذة مختصرة عن تاريخ الفيديفرس وأهم التطبيات المتاحة بالفعل لها. وأخيرًا تناقش الورقة مستقبل الفيديفرس، والفرص المتاحة وإمكانيات التطور، وكذلك التحديات والجهود المطلوبة لتخطيها.

ما هي الفيديفرس؟

مصطلح “فيديفرس Fediverse” في اللغة اﻹنجليزية هو كلمة مركبة portmanteau من جزأين. يأتي كل من الجزأين من كلمة مختلفة: Fed من Federation التي تعني “اتحاد” و verse من Universe وتعني كون. من ثم، يعني المصطلح حرفيًا “الاتحاد الكوني”.

بمعنى أوضح، يشير المصطلح إلى اتحاد عوالم مختلفة ومستقلة عن بعضها البعض. سيتضح معنى ذلك أكثر عند التعرض في اﻷقسام التالية بتفصيل أكبر لتعريف الفيديفرس من خلال عرض فكرتها اﻷساسية.

الفكرة اﻷساسية

ثمة فكرتان محوريتان تقوم عليهما الفيديفرس. الفكرة اﻷولى هي مبدأ اللامركزية، والفكرة الثانية هي وحدة الخبرة اليومية بشبكة اﻹنترنت. وفيما يلي تناقش الورقة كل منهما بشكل مبسط ومختصر.

اللامركزية

اللامركزية في حد ذاتها ليست بأي حال فكرة جديدة على اﻹنترنت. فقبل أي شيء، اﻹنترنت نفسها هي مجموع عدد هائل من الشبكات التي تعمل بترابط عدد لا حصر له من الأجهزة والمعدات المختلفة. لا تستطيع أن تملك أو تسيطر أي جهة منفردة على هذا العدد من الشبكات والأجهزة والمعدات. مع ذلك، يمكن ﻷي شخص متصل باﻹنترنت أن يتواصل أو يتبادل البيانات مع أي شخص أو جهاز متصل بها. كذلك فخدمات قديمة، بعضها أقدم من اﻹنترنت نفسها مثل خدمة البريد اﻹلكتروني، هي أيضًا لا مركزية.

يمكن القول بأن الفيديفرس تعيد إقرار مبدأ اللامركزية الأصلي للإنترنت ولكن في مساحة غلبت عليها المركزية بسبب هيمنة الشركات الكبرى عليها. تتلبور هذه الهيمنة في مساحة خدمات مثل شبكات التواصل الاجتماعي.

في منصات مثل فيسبوك أو إكس تُخزن بيانات المستخدمين على خوادم تملكها الشركة أو تستأجرها. يمنح ذلك الشركات سيطرة حصرية على هذه البيانات وعلى من يمكنه الوصول إليها وكيف. أما في خدمات الفيديفرس مثل ماستودون فتتوزع البيانات على خوادم متعددة لا تملكها أو تسيطر عليها جهة واحدة. يمكن لأي شخص أو مجموعة أو جهة أن تتيح خدمات ماستودون، على سبيل المثال، على أي خادوم. كما يملك كل مستخدم حرية الحصول على الخدمة من أي خادوم يختاره بينما يظل قادرًا على التفاعل مع جميع مستخدمي الخوادم اﻷخرى دون أي عوائق.

الفيدرالية (الاتحاد)

فكرة الفيدرالية، والتي تعني اتحاد كيانات لكل منها استقلالية داخلية كاملة، هي بطريقة ما تعكس فكرة اللامركزية، ولكنها تضيف إليها فكرة الوحدة. عندما تنتقل هذه الفكرة من خلال الفيديفرس إلى خبرة التعامل اليومي مع شبكة اﻹنترنت فهي تعني تخطي تقسيم وتفتت هذه الخبرة.

العديد من الخدمات والتطبيقات تقدم كل منها شبكة مستقلة عن الأخرى، على الرغم من تقاطعها في الميزات والخصائص. نتيجة لذلك، يجد العديد من المستخدمين أن خبرتهم اليومية في التعامل مع الشبكة مفتتة بشكل كبير. يحدث ذلك لأن على المستخدم أن يتعامل مع عديد من الشبكات/التطبيقات للوصول لمجموعات مختلفة من الناس أو للاستفادة من إمكانيات شبكة بعينها لتخصصها في نوع محدد من المحتوى. على سبيل المثال، يتعامل المستخدمون مع يوتيوب YouTube المتخصص في محتوى الفيديو، أو انستجرام Instagram المتخصص في محتوى الصور الفوتوغرافية.

هذا التنقل المستمر بين تطبيقات مختلفة يهدر كثيرًا من الوقت.  كما أنه يفرض على المستخدم تعلم التعامل مع واجهات استخدام UI مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج المستخدم إلى التعامل مع القواعد والمعايير المختلفة التي تفرضها كل شركة مالكة ﻷي من هذه الشبكات. وتقدم فكرة الفيدرالية حلًا مناسبا لهذه المشاكل.

الفيدرالية في الفيديفرس تعني أن المحتوى المنشور من خلال شبكة ما، والذي يتم تخزينه على أي خادوم يقدم خدمات هذه الشبكة، يمكن أيضًا الوصول إليه من خلال أي شبكة أخرى. يتحقق هذا طالما كان كلا الشبكتين يستخدمان بروتوكول واحد لتبادل الإخطارات. يعني هذا أنه يمكن للمستخدم من خلال واجهة استخدام أي من الشبكات أن يطلع على التحديثات المنشورة على الشبكات الأخرى. من ثم، ليس هناك حاجة إلى المرور على جميع الشبكات والتطبيقات المختلفة لمتابعة المحتوى المنشور عليها.

على الجانب اﻵخر، يمكن ﻷي صانع محتوى أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين على شبكات مختلفة دون الحاجة إلى إعادة نشر تحديثات على أكثر من شبكة. أي مستخدم مهتم بمتابعة المحتوى الذي ينشره يمكنه الإطلاع عليه من خلال متابعة حساب واحد فقط لصانع المحتوى على شبكة واحدة. كما أن الفيدرالية تسمح بعمل ذلك دون حتى أن يحتاج المستخدم لأن يكون له حساب على هذه الشبكة. كمثال، يمكن لمستخدم متصل بإحدى شبكات ماستودون، وهو تطبيق للتدوينات القصيرة، أن يتابع حسابًا لمستخدم على إحدى شبكات بير-تيوب PeerTube وهو تطبيق لمحتوى الفيديو، دون الحاجة ﻷن يكون له حساب على بير-تيوب. في هذه الحالة، سيتلقى المستخدم إخطارات بتحديثات المستخدم اﻵخر على بير-تيوب على الخط الزمني الخاص به على ماستودون.

تحرر هذه البنية مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من الاضطرار إلى استخدام شبكة/تطبيق ما لمجرد أن عدد مستخدميها كبير. كما أنها تتيح للمستخدمين الوصول إلى محتوى أكثر تنوعًا، ولصانعي المحتوى الوصول إلى جمهور أكبر. 

تمكن الفيدرالية المستخدم من اختيار الشبكة  التي يستخدمها بصفة أساسية، سواء للاطلاع على المحتوى أو نشره بناء على المعايير التي تهمه هو شخصيًا. فيستطيع المستخدم اختيار الشبكة بناءًا على سهولة واجهة استخدامها، أو قواعد نشر محتواها، أو كفائتها وجودتها.

اﻷساس التكنولوجي

اﻷساس التكنولوجي الذي تقوم عليه الفيديفرس هو البروتوكولات الموحدة التي يمكن للشبكات المختلفة استخدامها للتواصل فيما بينها. البروتوكول Protocol في عالم الحوسبة هو عدد من القواعد المتفق عليها بين عدة أطراف، أو المفتوحة بحيث يمكن أن يستخدمها أي أحد. 

يمكن القول أن هذه القواعد تحدد كيف يمكن لبرمجية ما أن تفهم/تتعامل مع بيانات من نوع بعينه. على سبيل المثال، يحدد بروتوكول اﻹنترنت TCP/IP كيف ينبغي التعامل مع حزم البيانات المارة بين اﻷجهزة المتصلة بشبكة اﻹنترنت. يحدد هذا البروتوكول عنوان اﻹنترنت الذي ينبغى أن تصل إليه حزمة بيانات ما في النهاية. كمثال آخر، يحدد بروتوكول HTTP كيف يمكن ترجمة حزم من البيانات إلى صفحة وب لعرضها من خلال المتصفح.

استخدمت الفيديفرس منذ بداياتها اﻷولى عددًا من البروتوكولات. اﻷكثر استخدامًا اليوم هو بروتوكول أكتيفيتي-باب ActivityPub، وهو البروتوكول المعتمد من الاتحاد العالمي للوب (W3C) للتواصل بين شبكات التواصل الاجتماعي. أكتيفيتي-باب هو بروتوكول مفتوح، بمعنى أن بإمكان أي شخص أو جهة استخدامه دون اشتراطات أو مقابل مادي. 

يحدد هذا البروتوكول، أو أي بروتوكول مماثل، مجموعة من القواعد لبناء الرسائل التي تتضمن إخطارًا بنشر محتوى ما. بذلك يمكن لأي برمجية تتلقى هذه الرسالة أن تقوم بترجمتها وعرض اﻹخطار لمستخدمها. كما يمكن ﻷي برمجية أن تصوغ رسالة مماثلة لتبادلها عبر الشبكات المختلفة. تتعلق هذه القواعد بالتعامل بين الخوادم المختلفة؛ أي أنها تحدد قواعد التعامل لعلاقة خادوم/خادوم بمصطلحات الحوسبة.

في المقابل، يتضمن بروتوكول أكتيفيتي-باب قواعد لتبادل البيانات لعلاقة خادوم/عميل Server/Client؛ أي بين برمجية تقوم بإتاحة المحتوى للمستخدمين وتعمل على جهاز خادوم، وبين برمجية تتجرم المحتوى وتعرضه على المستخدم النهائي، أو تتلقى محتوى من المستخدم وتصوغه في شكل رسالة ترسلها إلى الخادوم. هذا الجانب من البروتوكول اختياري وليس من الضروري أن تلتزم به أي شبكة من الشبكات. ثمة بالفعل شبكات تستخدمه، في حين تستخدم أخرى برمجياتها للتواصل بين خوادمها وعملائهم.

الفلسفة واﻷهداف

كتب ألان زايتشك Alan Zeichick في عام 2008 مقال يعرف فيه ما أطلق عليه تأثير الشبكة. عرف زايتشك هذا التأثيربأنه الظاهرة التي تتضاعف معها قيمة أي شبكة بالنسبة لمستخدمها بازدياد العدد الكلي لمستخدميها. 

تأثير الشبكة، كما يشير زايتشيك، هو السر وراء قوة ونفوذ فيسبوك. هذه القوة وذلك النفوذ الذي استمر فيسبوك في مراكمته حتى اليوم، مع تخطي عدد مستخدميه حسب آخر إحصاء ثلاثة مليار مستخدم، يؤديان إلى ظاهرة عكسية. تلك الظاهرة هي أنه كلما ازدادت قيمة شبكة ما بالنسبة لمستخدمها كلما أصبح هذا المستخدم أقل حرية وأقرب إلى تقبل كل تغيير يطرأ على الشبكة، حتى ولو كان مزعجًا، دون أن يفكر جديًا في التوقف عن استخدامها. الوجه اﻵخر للظاهرة العكسية هو أنه مع ازدياد عدد مستخدمي الشبكة، وازدياد قيمتها بالنسبة لهم، تتناقص قيمة كل مستخدم على حدة بالنسبة للشبكة. 

تعكس ذلك دورة حياة شبكات التواصل الاجتماعي. تبدأ تلك الشبكات دائمًا بالعمل على اجتذاب المستخدمين بوضعهم في اعتبارها كأولوية؛ تقدم الشبكات الخواص والإمكانيات التي يرغب فيها المستخدمين وتعمل على إرضائهم بكل وسيلة ممكنة. في المرحلة التالية، وعندما يصبح لدى الشبكة عددًا كافيا من المستخدمين، تحول انتباهها أكثر إلى عملائها الذين يدفعون مقابل خدماتها. في هذه المرحلة تكون الأولوية إلى المعلنين ويتراجع المستخدمين إلى المرتبة الثانية من حيث الأهمية. في المرحلة الثالثة، والتي لا يكون فيها بإمكان لا المستخدمين ولا المعلنين الاستغناء عن الشبكة، تصبح أغراض ومصالح الشركة المالكة للشبكة في المرتبة اﻷولى. يصبح في هذه المرحلة موضع تركيز إدارة الشبكة هو استخدامها كأداة لتعظيم العائدات من مشروعات الشركة المالكة اﻷعلى ربحية.

إصرار مقدمي خدمات منصات التواصل الاجتماعي على أن يقدموا ما يرغبون هم في أن يراه المستخدمين، وتضاؤل اﻷدوات التي يمكن للمستخدم أن يستعملها للتحكم في المحتوى الذي يُقدم إليه، يؤدي إلى تجربة استخدام غير مرضية. هذا بالإضافة إلى اضطرار المستخدم للمرور بمحتوى مزعج أو لا يرغب تحديدًا في التعرض له. وفي معظم اﻷحيان، لا يتاح للمستخدم إلا وقف تلقى المحتوى من مصدر بعينه، ولكن هذا لا يحول دون استمرار الشبكة في فرض محتوى مشابه من مصادر أخرى على المستخدم.

تقوم فلسفة الفيديفرس في جوهرها على تحرير مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من سيطرة مقدمي الخدمة والمحتوى الإجباري الذي يصعب تجنبه. في حين أن الفيديفرس لا يمكنها بشكل مباشر تغيير ما أصبحت عليه شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل فيسبوك وتويتر ( X حاليًا) وغيرها، إلا أنها تقدم بديلًا لا يسمح بتكرار تجارب هذه الشبكات.

فكرة اتحاد الشبكات المستقلة، والذي فيه تزداد قيمة العائد للمستخدم بازدياد عدد المستخدمين ﻹجمالي الشبكات، يعني أن المستخدم ليس مقيدًا بأي شبكة من هذه الشبكات بعينها. هذا لأن انتقال المستخدم من أي شبكة إلى أخرى لا يفقده إمكانية متابعة المحتوى الذي ينشره كل مستخدمي الشبكات الأخرى والذي يمكن الوصول إليه بالاتصال من خلال أي منها.

في قلب فكرة الفيديفرس يكمن ما يمكن اﻹشارة إليه بأنه نواة للإنترنت الحر. المقصود بذلك هو شبكة يتمتع مستخدميها بحرية الاستفادة بما يمكن أن تتيحه دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات وتحمل أعباء غير مبررة. كما أنها شبكة للتواصل غير المقيد بالنسبة ﻷي مستخدم إلا بالقواعد التي يرغب هو نفسه في وضعها. يمكن للمستخدم في هذه الشبكة أن يحدد ما يرغب في اختباره من أنواع المحتوى ومصادره، وأن يكون له كامل الحرية في صنع المحتوى الذي يريده أن يصل إلى اﻵخرين. 

بهذا المعنى، فإن الفيديفرس هي أداة لتعظيم ممارسة مستخدمي شبكة اﻹنترنت للحقوق الأساسية. في مقدمة تلك الحقوق تأتي حرية التعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات وكذلك الحق في الخصوصية؛ يمكن لمستخدم شبكات الفيديفرس أن يختار منها ما يوفر أكبر حماية ممكنة لبياناته الشخصية.

الفيديفرس من البدايات إلى اليوم

تطور الفيديفرس

يعود ظهور أولى التطبيقات القائمة على فكرة الفيديفرس إلى عام 2008. طرح حينها المبرمج إيفان برودرومو Evan Prodromou خدمة تدوينات قصيرة microblogging تحت اسم أيدينتيكا identi.ca. استخدم برودرومو برمجية تسمى ستاتس-نت StatusNet، مبنية على المعايير مفتوحة المصدر أو-ستاتس OStatus. وُضِعت تلك المعايير لتمكين مستخدمي أحد مواقع الوب من إرسال واستقبال التحديثات (المنشورات) مع مستخدمي موقع آخر بالاعتماد على عدد من البروتوكولات مفتوحة المصدرة التي يسمح أو-ستاتس لها بالعمل معًا.

عمل برودرومو خلال الأعوام التالية على تطوير برمجية بديلة عن ستاتس-نت، تحت اسم بامب-أي-أو pump.io. في عام 2013، تحولت شبكة أيدينتيكا لاستخدام هذه البرمجية.

في ذات الوقت، بدأت مؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation في استخدام بروتوكول/معايير أو-ستاتس في شبكة جنو-سوشيال GNU social. كذلك بدأت شبكات عدة في الظهور معتمدة على أو-ستاتس وفي مقدمتها ماستودون. استمر اعتماد أغلب شبكات الفيديفرس على أو-ستاتس لعدة سنوات تالية.

مرة أخرى كان برودرومو هو من عمل مع مجموعة من المبرمجين على تطوير بروتوكول جديد لتبادل الرسائل بين الشبكات والخوادم. البروتوكول، الذي كان تطويرًا لبرمجية بامب-آي-أو، عُرف أولًا باسم أكتيفيتي-بامب ActivityPump، ولكن اختير له لاحقًا اسم أكتيفيتي-باب ActivityPub. مازال البروتوكول يُعرف بهذا الاسم حتى الآن.

صُمم أكتيفيتي-باب منذ البداية ليكون بروتوكولًا مفتوحًا ولامركزيًا للشبكات الاجتماعية. يتيح البروتوكول واجهتين برمجيتين APIs. اﻷولى لتعامل الخادوم مع العميل، والتي تسمح للمستخدم بالتخاطب مع خادوم ما. والثانية تتيح تواصل الخوادم مع بعضها البعض بشكل موحد لتبادل المحتوى والإخطارات فيما بينها.

في عام 2018، أصدر الاتحاد العالمي للوب World Wide Web Consortium (W3C) أكتيفيتي-باب كمعيار مفضل لتواصل شبكات التواصل الاجتماعي. منذ ذلك الحين بدأت أغلب شبكات الفيديفرس، التي كانت حتى ذلك الحين تستخدم بروتوكول أو-ستاتس، في التحول إلى بروتوكول أكتيفيتي-باب.

في مراحل تطوير أكتيفيتي-باب كأحد المعايير القياسية للاتحاد العالمي للوب كان هو الوحيد بين هذه المعايير الذي لم تتدخل في تطويره أي شركة على اﻹطلاق. حسب تصريحات لقائدة المجموعة المسؤولة عن تطوير وإصدار أكتيفيتي-باب، كريستين ليمر-ويبر Christine Lemmer-Webber، السبب في ذلك هو أن “لا أحد من اللاعبين الكبار قد رغب في وجوده.”

التطبيقات

ثمة اليوم بالفعل عشرات الشبكات التي يعمل كل منها على عديد من الخوادم المستقلة. يمكن لهذه الشبكات تبادل الرسائل فيما بينها باستخدام بروتوكول ActivityPub. يعني ذلك أن بإمكان مستخدم أي منها أن يتابع من خلالها المحتوى الذي ينشره مستخدمو شبكة بعينها بغض النظر عن الخادوم المشتركين به. في القسم التالي تقدم الورقة تعريفًا مختصرًا ببعض هذه التطبيقات.

ماستودون (Mastodon)

تطبيق لنشر ومتابعة التدوينات القصيرة، شبيه بتويتر (X حاليًا). ماستودون هو بالتأكيد الأكثر شهرة ونجاحًا، وكذلك اﻷكثر اجتذابًا للمستخدمين، بين تطبيقات الفيديفرس حاليًا. شهد ماستودون بصفة خاصة نموًا كبيرًا لقاعدة مستخدميه بعد استحواذ إيلون ماسك على شركة تويتر وإدخاله عديدًا من التعديلات على سياسات المنصة. أزعجت هذه التعديلات كثيرًا من المستخدمين مما دفعهم للجوء إلى بدائل لتويتر.

صدرت النسخة الأولى للاستخدام العادي من ماستودون عام 2017 معتمدة على بروتوكول أو-ستاتس. بعد صدور بروتوكول أكتيفيتي-باب في يناير 2018 كانت ماستودون من أوائل التطبيقات التي تبنته. يبلغ عدد مستخدمي ماستودون اليوم حوالي 1.8 مليون مستخدم نشط شهريًا، حسب بعض التقديرات.

يتيح ماستودون كافة الوظائف والخيارات المتوقعة لشبكة تواصل اجتماعي من خلال التدوينات القصيرة. كما أنه يتميز بوجود عدد ضخم من الخوادم التي يمكن ﻷي مستخدم جديد الاختيار فيما بينها. يتميز أيضًا ماستودون بتطبيق وب متطور يتيح واجهة استخدام من خلال المتصفح. إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام ماستودون من خلال عدد كبير من تطبيقات سطح المكتب Desktop التي تعمل على أنظمة لينوكس، ويندوز، وماك-أو-إس، إضافة إلى تطبيقات لنظامي أندرويد، وآي-أو-إس iOS للهواتف الذكية.

بير-تيوب (PeerTube)

منصة مجانية مفتوحة المصدر ولامركزية تستخدم بروتوكول أكتيفيتي-باب للتواصل مع بقية شبكات الفيديفرس. تعتمد بير تيوب على برمجية وب-تورنت WebTorrent التي تستخدم بروتوكول القرين-للقرين P2P لبث مقاطع الفيديو مباشرة سواء من خلال المتصفح أو تطبيق على سطح المكتب.

الفكرة اﻷساسية وراء استخدام هذه التكنولوجيا هي نقل أعباء تخزين وتوزيع محتوى الفيديو من الخوادم إلى أجهزة المستخدمين التي تتعاون فيما بينها لتحمل هذه اﻷعباء، كما هو الحال مع خدمة التورنت لتبادل الملفات.

دياسبورا (Diaspora)

شبكة تواصل اجتماعي موزعة Distributed. على غرار ماستودون، تتكون دياسبورا من شبكات/خوادم متعددة كل منها ملك ﻷفراد أو مجموعات أو جهات مستقلة. يطلق على كل شبكة من تلك اسم بود pod، وهي تتواصل فيما بينها لتشكل شبكة دياسبورا في مجملها.

بدأت دياسبورا كمشروع لطلبة جامعيين في معهد كورانت للعلوم الرياضية التابع لجامعة نيويورك. تعمل دياسبورا بطريقة تشبه فيسبوك إلى حد كبير، مع تركيز أكبر على الهاشتاج كوسيلة للوصول إلى المحتوى الذي يتوافق مع اهتمامات المستخدم.

بيكسلفد (Pixelfed)

خدمة تواصل اجتماعي وتبادل للصور، شبيهة بانستجرام، وهي مجانية ومفتوحة المصدر، ولامركزية. تعتمد بيكسلفد على بروتوكول أكتيفيتي-باب لتمكين مستخدميها للتفاعل مع شبكات التواصل الاجتماعي اﻷخرى في إطار الفيديفرس. مثل بقية شبكات الفيديفرس، تعتمد بيكسلفد على مجموعة من الخوادم المستقلة والتي يدير كل منها شخص أو مجموعة أو جهة لا يتبعون أية كيان مركزي.

مستقبل الفيديفرس

مكانيات التطور والنمو وشروطها

الطبيعة اللامركزية للفيديفرس تتيح لها إمكانيات نمو غير محدودة. فيمكن ﻷي شخص، مجموعة، أو جهة أن تبتكر تطبيقات جديدة تنضم إلى فيدرالية شبكات الفيديفرس أو أن تنشئ خادوم لتشغيل أي من تطبيقات الفيديفرس.

انفتاح المعايير القياسية واستخدام برمجيات مفتوحة المصدر يتيح أيضًا إمكانيات غير محدودة لتطوير الخدمات والتطبيقات. ثمة بالفعل بدائل متاحة لعديد من تطبيقات الفيديفرس نشأت بتعديل مصدر برمجيات قائمة ﻹضافة خصائص وخيارات وإمكانيات جديدة إليها.

استمرارية وتطور ونمو شبكات الفيديفرس مع ذلك لا يمكن أن يعتمد فقط على المرونة الكبيرة التي تمنحها إياها لا مركزيتها. ثمة حاجة إلى جهود أكبر على جانب الابتكار التكنولوجي والبرمجي وكذلك على الجانب التمويلي.

الاتجاهات الرئيسية للابتكار التكنولوجي قد يكون أهمها التوجه نحو استخدام البروتوكولات التشاركية مثل القرين-بالقرين P2P. تحول تلك البروتوكلات معظم أعباء القدرة الحاسوبية واستغلال الموارد من الخوادم إلى اﻷجهزة الشخصية للمستخدمين. من شأن ذلك أن يقلل من أعباء إدارة خوادم الشبكات، ويسمح باستمراريتها في العمل مع فتح إمكانية النمو لاستيعاب أعداد أكبر من المستخدمين. 

في المقابل، يحتاج هذا إلى تطور أسرع للابتكار البرمجي لتوفير برمجيات أكثر سهولة في استخدامها للمستخدم العادي حتى تساعده في التعامل مع الشبكة. كما أنه هناك حاجة إلى برمجيات عالية الكفاءة لمواجهة تفاوت إتاحة الموارد الحاسوبية من وقت إلى آخر بحسب أعداد المستخدمين النشطين في كل وقت. يساهم ذلك في توزيع أعباء توفير الموارد التي ينبغى أن تظل متاحة طيلة الوقت على الأجهزة المتصلة بالشبكة.

احتياجات شبكات تبادل الملفات التي نجحت فيها تكنولوجيا الـP2P بشكل كبير لا يمكن مقارنتها باحتياجات الشبكات الاجتماعية. لذلك، هناك ضرورة لتطوير التكنولوجيا أو خلق أخرى أكثر قدرة.

التحديات وسبل تجاوزها

ثمة عدة تحديات تواجه نمو الفيديفرس أو قد تعوق تحقيقها للغاية المرجوة منها. تناقش الورقة في النقاط التالية بعض أهم هذه التحديات.

اجتذاب المستخدمين

 يعتبر هذا هو التحدي اﻷهم الذي يواجه الفيديفرس. ففي مواجهة الهيمنة شبه الكاملة لشبكات مثل فيسبوك وانستجرام وتيك توك ويوتيوب وتويتر إلخ، يمثل اقناع المستخدمين بالهجرة إلى شبكات الفيديفرس التحدي الأكثر صعوبة.

التوعية بمزايا الفيديفرس والتنبيه إلى القيود التي يفرضها الارتباط بشبكات الشركات الكبرى على حرية وحقوق مستخدميها يمكن أن يكون لهما أثر في تبني كثيرين فكرة الفيديفرس. لكن، لا يعد هذا كافيًا حتي يهاجر المستخدمين حساباتهم على الشبكات التقليدية لينشئوا حسابات جديدة على شبكات الفيديفرس.

من أهم اﻷمور التي ينبغى التوصل إلى حلول لها هو كيفية احتفاظ مستخدمي الشبكات التقليدية باﻷصول المتراكمة نتيجة استثمارهم في هذه الشبكات طوال سنوات. المقصود باﻷصول هنا هو شبكات العلاقات التي كونوها، مجموعات تبادل المعلومات والعون والتنظيم المشترك للأنشطة، واجهات عرض السلع والخدمات والتسويق، إلخ.

ثمة حاجة إلى ابتكار سبل لانتقال المستخدمين إلى شبكات الفيديفرس مع الحفاظ على هذه اﻷصول. على جانب آخر، ثمة حاجة إلى منافسة الشبكات التقليدية في جوانب مثل سهولة الاستخدام، وتعدد الخيارات والخصائص واﻷنشطة، إلى جانب جاذبية واجهة الاستخدام، وبالطبع الثبات والموثوقية للبرمجيات، وتجنب مشاكل التشغيل، وأخطاء البرمجة.

عدم وجود ضمانات للاستمرارية

 يمكن القول بصفة عامة أن عالم خدمات اﻹنترنت لا يقدم أبدًا ضمانات للاستمرارية والاستقرار إلى الأبد. ينطبق هذا أيضًا على الخدمات التي تقدمها الشركات، بما في ذلك الشركات الكبرى. ليس ثمة ضمان ﻷن تستمر الخدمة في الوجود إلى ما لانهاية. على سبيل المثال، قد تواجه الشركات مشاكل تؤدي إلى إفلاسها وخروجها من السوق وبالتالي توقف خدماتها. نفس المشاكل قد تؤدي إلى أن توقف شركة ما إحدى خدماتها عندما لا تحقق عائدًا كافيًا أو عندما تتحول إلى عبء لا يمكنها تحمله. شركات ضخمة مثل مايكروسوفت وجوجل أوقفت من قبل خدمات لها لعدم تحقيقها النجاح الكافي.

عندما يتعلق اﻷمر بخدمات الفيديفرس فإن ضمانات استمرار شبكة بعينها (خادوم بعينه) هي في الحقيقة أقل من ضمانات استمرار شبكة مثل إنستجرام أو تيك توك. ذلك لأنه قد يكون شخص واحد أو مجموعة أشخاص أو منظمة غير هادفة للربح وراء أحد خوادم/شبكات ماستودون، على سبيل المثال. قد يواجه القائم أو القائمون على ذلك الخادوم/الشبكة مشاكل من أنواع مختلفة. تتراوح تلك المشاكل بين عدم توافر القدرة المالية المطلوبة لتشغيل الخوادم، أو عدم توافر القدرة التقنية اللازمة لمواجهة احتياجات النمو، بما في ذلك احتياجات اﻷمن السيبراني. اﻹشكالية في مثل هذه الحالات لا تتعلق بافتقاد المستخدم للخدمة في مجملها، وهذه بالطبع من مزايا لامركزية الفيديفرس.

على سبيل المثال، إذا قررت شركة ميتا وقف عمل تطبيق إنستجرام لأي سبب، سيفتقد مستخدمو التطبيق وجوده بشكل كامل. في المقابل، توقف أحد خوادم ماستودون عن العمل سيؤدي ذلك إلى انتقال مستخدميه إلى خادوم آخر. يعني هذا أن ذلك التوقف لن يمثل نهاية لماستودون نفسه. ولكن ما سيفقده المستخدمون بالطبع هو بياناتهم التي كانت مخزنة على الخادوم نفسه. تشمل تلك البيانات المحتوى الذي نشروه من خلاله، هوية من يتابعونهم، إلخ. بخلاف أن هويتهم على ماستودون نفسها ستختفي وسيكون عليهم خلق هوية جديدة باسم مستخدم جديد على خادوم جديد.

على جانب استمرارية الخوادم المختلفة في العمل، ليس ثمة حل نهائي يضمن عدم خروج أي من هذه الخوادم من الشبكة في أي وقت وﻷسباب عدة. ولكن على جانب آخر، ثمة حلول تقنية عدة لعواقب ذلك بالنسبة للمستخدمين. من بين تلك الحلول توفير إمكانية أن يحتفظ المستخدم بنسخة احتياطية من بياناته، سواء بتنزيلها من وقت إلى آخر، أو بأتمتة عملية الحفظ. يمكن تنزيل النسخة الاحتياطية على جهاز يملكه المستخدم أو من خلال خدمة متاحة على السحابة اﻹلكترونية. إضافة إلى ذلك، يمكن توفير إمكانية نقل بيانات المستخدم من خادوم إلى آخر مع الحفاظ على استمرارية علاقات المتابعة المتبادلة مع المستخدمين للشبكة وغيرها من الشبكات.

المخاطر اﻷمنية

يتزامن نمو عدد مستخدمي أي شبكة تواصل اجتماعي مع اجتذاب الكثير من الاهتمام، إلا أن بعض هذا الاهتمام قد يكون مصحوبًا بالمخاطر الأمنية. ما يلي بعض الصور المعتادة للمخاطر التي تتعامل معها شبكات الشركات الكبري بصفة يومية:

  •  السبام Spam؛ أي المحتوى الكثيف ﻷغراض إعلانية، أو لمجرد تعطيل عمل الشبكة، أو لإزعاج مستخدمين بعينهم.
  • انتحال الهوية Spoofing؛ أي استخدام شخص أو جهة لهوية مستخدم ونشر محتوى باسمه، أو التواصل مع آخرين بانتحال شخصيته، أو الحصول على بيانات ومعلومات خاصة أو سرية من خلال هذا الانتحال.

يضع التعامل مع مخاطر من هذا النوع مسؤوليات وأعباء على كاهل مديري خوادم الشبكة، والذين يعملون بشكل مستقل عن بعضهم البعض. في حين يمكن توفير سبل لمواجهة بعض هذه المخاطر وغيرها من خلال برمجية الشبكة نفسها التي يقوم كل مدير لخادوم بتثبيتها، إلا أن ثمة احتياطات لا يمكن اتخاذها إلا من خلال الخادوم نفسه.

تفاقم مثل هذه المخاطر اﻷمنية مع الوقت قد يؤدي إلى انصراف المستخدمين عن الشبكة ككل إذا لم يكن ثمة خوادم قادرة على التعامل معها وحماية بياناتهم وهوياتهم. أحد نتائج ذلك هو أن تبدأ شركات هادفة للربح في توفير خدمات شبكات مثل ماستودون من خلال خوادم تتيح عليها ضمانات أمنية عالية، ومن ثم تصبح أكثر جاذبية للمستخدمين. قد يؤدي ذلك مع الوقت إلى أن تصبح خوادم ماستودون القادرة على النمو والاستمرار هي تلك التي تديرها شركات، ومن ثم تتحول مع الوقت إلى صورة طبق الأصل من شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية.

بديل ذلك هو تطوير حلول مفتوحة المصدر وتعاونية لمواجهة المخاطر اﻷمنية. كذلك اهتمام منظمات وهيئات غير ساعية للربح بتوفير التمويل الكافي، إما لدعم الخوادم الموجودة بالفعل أو إنشاء خوادم لشبكات الفيديفرس مؤمنة بقدر مقبول، هو بديل يتجنب استيلاء الشركات على هذه الشبكات.

خاتمة

اﻷهمية الحقيقية للفيديفرس هو إمكانية أن تكون أداة لمستخدمي اﻹنترنت لتشكيل مستقبلًا أكثر حرية لها. اختيار السعي إلى خلق اﻹنترنت اللامركزي والحر، يعود في الحقيقة إلى مستخدميها. وفي حال كان ذلك هو اختيار بعضهم فالفيديفرس هي أداة بالغة اﻷهمية لتحقيق غابتهم هذه.

سعت هذه الورقة إلى التعريف بالفيديفرس وتقديم أكبر قدر من المعلومات اﻷساسية عنها. ناقشت الورقة الفكرة اﻷساسية التي تقوم عليها الفيديفرس بشقيها، وهما اللامركزية والفيدرالية. كذلك أوضحت الورقة بشكل مبسط الأساس التكنولوجي للفيديفرس المتمثل في بروتوكولات مثل أكتيفيتي-باب. كما عرضت الورقة الفلسفة التي وراء سعي كثيرين للعمل على تطوير ونمو الفيديفرس، والتي تتعلق باﻷساس ببناء إنترنت حر ولامركزي. ناقشت الورقة في اﻷقسام التالية لذلك تاريخ تطور الفيديفرس وأبرز اﻷمثلة على تطبيقاتها، ثم تعرضت لمستقبل الفيديفرس وإمكانيات نموها، والتحديات اﻷساسية التي تواجهها.

تسعى الورقة إلى إثارة الاهتمام بالفيديفرس والدعوة إلى تجربة تطبيقاتها. ولكن فوق ذلك تسعى الورقة إلى بث مزيد من الاهتمام بفكرة اﻹنترنت اللامركزي والمتحرر من هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى ومنصات التواصل الاجتماعي المملوكة لها. بناء اﻹنترنت الحر هو في النهاية السبيل الوحيد ﻷن تكون اﻹنترنت أداة لدعم حقوق وحريات مستخدميها. من ثم، فأدوات مثل الفيديفرس ذات أهمية حقيقية لمستقبل شبكة اﻹنترنت، وبالتالي لمستقبلنا جميعًا.