مذكرة إيضاحية: الأثر التشريعي لجريمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية

مقدمة

يتجدد كل حين الحديث عن جريمة “الاعتداء على قيم الأسرة المصرية.” غالبًا ما يتزامن ذلك مع القبض على إحدى الفتيات المؤثرات على تطبيق تيك توك. بدأت هذه الظاهرة في عام 2020  بعد القبض على حنين حسام وأخريات في القضية التي عرفت إعلاميًا ب”فتيات التيكتوك”. على الرغم من انخفاض تلك الظاهرة خلال الفترة السابقة إلا أنها لم تتوقف قط.

الاعتداء على قيم الأسرة المصرية هي جريمة نصت عليها المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. لا يخلو نص المادة من العديد من الإشكاليات المتعلقة بمفهوم الاعتداء على قيم الأسرة المصرية والذي تسبب في التوسع في استخدام هذه الجريمة ضد مستخدمات التطبيقات الترفيهية.

تسعى هذه المذكرة الإيضاحية إلى الإشارة لعدد من النقاط المتعلقة بجريمة “الاعتداء على قيم الأسرة المصرية”. تتناول هذه المذكرة السياق التشريعي لإقرار المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمخاوف من مدى دستورية المادة وانسجامها مع مبادئ الدستور وضمانات الحقوق والحريات. كما تناقش المذكرة مدى جودة الصياغة التشريعية لنص المادة 25 والأثر المترتب على عدم وضوحها، بالإضافة إلى أثر التطبيقات القضائية المتناقضة لنص المادة.

تستعرض أيضًا المذكرة التفسيرات التي مرت عليها المحاكم أثناء نظر بعض الدعاوى التي تضمنت اتهامات بجريمة  الاعتداء على قيم الأسرة المصرية. تنتهي المذكرة بتوصيات واقتراحات حول كيفية التعامل مع الإشكاليات التي تم تناولها.

السياق التشريعي لإقرار المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

تناول تقرير اللجنة المشتركة في البرلمان الهدف والفلسفة وراء مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. تكونت اللجنة المشركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي. وفيما يلي الهدف من مشروع القانون وفقًا للتقرير:

  1. مكافحة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات وتقنيات المعلومات، وما يرتبط بها من جرائم، مع التزام الدقة في تحديد الأفعال المعاقب عليها، وتجنب التعبيرات الغامضة بوضع تعاريف دقيقة لها، وتحديد عناصر الأفعال المجرَّمة بكثير من العناية، ومع مراعاة الاعتبارات الشخصية للمجنى عليهم.
  2. ضبط الأحكام الخاصة بجمع الأدلة الإلكترونية وتحديد حجيتها في الإثبات.
  3. وضع القواعد والأحكام والتدابير اللازم اتباعها من قبل مقدمي الخدمة لتأمين خدمة تزويد المستخدمين بخدمات التواصل بواسطة تقنية المعلومات، وتحديد التزاماتهم في هذا الشأن.
  4. حماية البيانات والمعلومات الحكومية، والأنظمة والشبكات المعلوماتية الخاصة بالدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة من الاعتراض أو الاختراق أو العبث بها، أو إتلافها، أو تعطيلها بأي صورة كانت.
  5. حماية البيانات والمعلومات الشخصية من استغلالها استغلالًا يسيء إلى أصحابها، وخاصة في ظل عدم كفاية النصوص التجريمية التقليدية المتعلقة بحماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة في مواجهة التهديدات والمخاطر المستحدثة باستخدام تقنية المعلومات.
  6. وضع تنظيم إجرائي دقيق ينظم إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تحديد حالات التصالح وإجراءاته وتنظيم عمل الخبراء المتخصصين العاملين في مجال جرائم مكافحة تقنية المعلومات، والقرارات والأوامر الجنائية المتعلقة بتنفيذ أحكام القانون.

يتضح من التقرير المشترك والمذكرة الإيضاحية للقانون أن كلًا منهما أكد على أن أحد الأهداف الأساسية للقانون هو “حماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة.” لذلك، أفرد المشرع فصلًا مستقلًا لتجريم أفعال مختلفة يشكل كل منها اعتداءًا على الحياة الخاصة. 

تناول الفصل الثالث من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات “الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع.” وتضمن هذا الفصل المواد 25 و26 اللاتي تناولن بالتفصيل صور وأشكال الاعتداء على الحياة الخاصة.

أفرد نص المادة 25 عقوبة الحبس بمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كلًا من:

  • اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
  • أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.
  • أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
  • أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.

يتضح من النص المعنون بحماية حرمة الحياة الخاصة أن المشرع قد حدد أربع صور لأشكال الجريمة التي من الممكن أن تُمثِل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة. يعني ذلك أن نص “جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية” لا يمكن تفسيره بأي حال خارج سياق حماية الحياة الخاصة والحق في الخصوصية، التي هي الهدف الرئيسي من إقرار القانون. يؤكد على ذلك تقرير اللجنة المشتركة والمذكرة الإيضاحية بالإضافة إلى السياق الخاص الذي تم تناول الجريمة من خلاله في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

الفصل الثالث من القانون والمادة 25 منه مُخصصين بالأساس لحماية الحياة الخاصة. يعني ذلك أن المشرع أراد التوسع في صور الحماية المتعلقة بالحياة الخاصة، خشية التطور التكنولوجي وظهور صور مختلفة للجرائم التي يصعب حصرها. لذلك، جاء نص المادة يحتوي على صورة عامة للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والتي استخدم المشرع خلالها لفظ “الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية.” تناولت المادة بعد ذلك بالتفصيل وعلى سبيل التحديد صور أخرى لهذا الاعتداء. من بين تلك الصور نشر بيانات شخصية أو صورًا خاصة وغيرها من أشكال الاعتداء المنصوص عليها بالمادة 25.

من ثم، إقحام عبارة “الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية” على النص المخصص لحماية الحق في الخصوصية والحياة الخاصة قد جعل النص عرضة للاجتهاد والتأويل والاضطراب الشديد حال تطبيقه. تسبب عدم وضوح تلك العبارة في أن يكون هناك عدد من التفسيرات المختلفة التي تبنتها النيابة العامة وعدد من الأحكام الصادرة من المحاكم المصرية. 

تُفسّر عبارة “الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية” على أنها التصرفات والأفعال التي قد تمثل الخروج عن مقتضيات الآداب العامة. يُعَد هذا التفسير خاطئًا لعدد من الأسباب، منها ما يلي: 

السبب الأول هو أن النيابة العامة والمحاكم المصرية – رغم أن ليس لهم دور في تفسير نصوص القانون – قد تجاوزتا السياق العام لنص المادة 25 الذي ينصب مباشرة على الجرائم التي تشكّل اعتداءًا على الحياة الخاصة.

السبب الثاني هو الافتراض الخاطئ لقصد المُشرّع وتحميل نص المادة بما يتجاوز معنى عباراتها وسياقها العام. ذكر المشرع صراحة بعض الجرائم التي قد تمثل تجاوزًا للآداب العامة في مواضع مختلفة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ليس منها المادة 25. على سبيل المثال، استخدم المشرع عبارة “محتوى منافٍ للآداب العامة” في نص المادة 26 من ذات القانون بشكل واضح وصريح ولا يحتمل الاجتهاد أو التأويل.

يُظهِر ذلك التعارض بين قصد المشرع وبين بعض التفسيرات التي تبنتها النيابة العامة والعديد من أحكام المحاكم. فإذا قصد المشرع بعبارة “الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية” الخروج عن الآداب العامة كان المشرع سيذكرها صراحة كما في المادة 26. لم يحدث ذلك في صياغة نص المادة 25 والتي جاءت على نحو غامض يمكن من خلاله تجريم أفعالًا لم يستهدفها أو يقصدها المشرع في النص من الأساس.

مدى دستورية التشريع وانسجامه مع مبادئ الدستور وضمانات الحقوق والحريات

تتعارض المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات مع العديد من المبادئ الدستورية. تخالف المادة 25 نص المادة 95 من الدستور المصري الصادر في عام 2014. تقضي تلك المادة بأن تحترم النصوص العقابية مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. يتحقق ذلك بأن تكون النصوص القانونية واضحة ومحددة بطريقة لا يكتنفها أي غموض، وأن يستدل على أركان الجريمة من المضمون الظاهر للنص وليس من خلال التأويلات والتفسيرات المختلفة لأحكامه. تفتقر عبارة “الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية” لكل ذلك.

كما يخالف نص المادة أيضًا المادة 96 من الدستور التي تقوم على قرينة افتراض البراءة في المتهمين حتى تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة ومنصفة. لا تنفصل تلك الضمانة بأي حال عن ضرورة وضوح النص العقابي. بالإضافة إلى أن الأصل في الأفعال الإباحة، حتى يتدخل المشرع ويُجرم أفعال محددة لها أوصاف وأركان قانونية يستطيع أن يدركها المخاطبون بالقانون.

في ذات السياق، يشكل نص المادة 25 تهديدًا مباشرًا للحق في حرية التعبير المنصوص عليها بالمادة 65 من الدستور. تطبيق نص المادة 25 بشكل غير محدد يُعد قيدًا على مستخدمي التطبيقات الترفيهية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي في التعبير الحر عن آرائهم. يشمل ذلك الجوانب المتعلقة بحرية التعبير الفني والعديد من الجوانب والصور المختلفة لحرية التعبير.

جودة الصياغة التشريعية والأثر المترتب على عدم وضوحها

ساهمت الصياغة الملتبسة لنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في التوسع في توجيه الاتهامات لمستخدمي ومستخدمات التطبيقات الترفيهية ومواقع التواصل الاجتماعي.

نتيجة لعدم وضوح نص المادة، تخلط جهات إنفاذ القانون بين جريمة الاعتداء على القيم الأسرية وغيرها من الجرائم، مثل جريمة خدش الحياء العام وجريمة الفعل الفاضح العلني. يتعارض هذا بشكل واضح مع المذكرة الإيضاحية للقانون وتقرير اللجنة المشتركة في البرلمان.

كما أنه يتعارض مع التفسير المباشر للعبارات التي نظمت الفعل المُجرَّم، لا سيما إذا كان النص الذي يُجرِّم الفعل قد عدَّدَ صورًا وأشكالًا أخرى لجرائم مرتبطة، أو صورًا مختلفة للاعتداء على حق من الحقوق المحمية. في هذه الحالة، تكون العبارة التي تُجرِّم الفعل هي جزء من كلٍّ غير قابل للتجزئة أو التأويل بمعزل عن النص القانوني في مجمله.

الحالة التشريعية التي أحدثتها المادة 25، بسبب الغموض الذي يكتنفها والصياغات غير الواضحة التي أتت بها، ليست بجديدة على الواقع التشريعي المصري. لذلك، انتهت المحاكم العليا، ومن بينها المحكمة الدستورية في مصر، إلى مجموعة من المبادئ الحاكمة للنصوص العقابية، من بينها:

  • الأصل في النصوص العقابية هو أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكمًا.
  • يكون النص العقابي حادًا قاطعًا، لا يؤذن بتداخل معانيه أو تشابكها، كي لا تتسع دائرة التجريم.
  • يظل النص العقابي دومًا في إطار الدائرة التي يكفل الدستور في نطاقها قواعد الحرية المنظمة.

يترتب على الإخلال بهذه القواعد أثرًا تشريعيًا مباشرًا. يتمثل هذا الأثر في إعاقة المحكمة التي تنظر الموضوع عن إعمال قواعد صارمة تحدد لكل جريمة أركانها، وتقرر عقوبتها بما لا لبس فيه. قد يؤدي هذا الأثر التشريعي أيضًا إلى مخاطر اجتماعية لأن تطبيقه سوف يكون بطبيعة الحال انتقائيًّا منطويًا على التحكم في أغلب الأحوال. كما أن الأضرار المترتبة على هذا الغموض تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها.

تطبيقات قضائية متناقضة لنص المادة 25

أولًا: توجه النيابة العامة وتفسيرها الخاطئ في إسناد الاتهامات بموجب نص المادة 25

حرصت النيابة العامة في السنوات الثلاث الأخيرة على تفعيل مواد التجريم والعقاب المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. جاء تفعيل هذه المواد بصورة يمكن وصفها في أفضل الأحوال بأنها تعسفية.

تزامن مع تفعيل النيابة لمواد التجريم والعقاب تجاهل شبه تام لكافة المواد والقواعد (الضمانات) الإجرائية المنصوص عليها في الباب الثاني من القانون. يأتي هذا على الرغم من كون تلك المواد هي الحاكمة والمنظمة لأي إجراءات تمثل مساس بالحقوق الدستورية للمواطنين ذات الصلة بالحريات الشخصية، وحرمة الحياة الخاصة بكافة أشكالها، المنصوص عليهم بالمواد 54 و57 و58 و59 من الدستور الساري.

انعكس ذلك بصورة واضحة في البيانات الصادرة للنيابة العامة منذ إنشاء النائب العام لإدارة “البيان والتوجيه” ووحدتها الأهم، وهي وحدة “الرصد والتحليل”. توسعت النيابة العامة كثيرًا في إسناد الاتهام بارتكاب جرائم تقنية المعلومات، وعلى وجه خاص الجرائم المنصوص عليها في المادة 25 من هذا القانون. يحدث هذا التوسع دون تحديد معيار موضوعي تستند إليه النيابة في إسناد الاتهام بارتكاب هذه الجرائم. كما أنه في بعض الأحيان، اجتزأت النيابة بعض العبارات من سياقها في نص المادة واستندت إليها في توجيه الاتهام بارتكاب جريمة جنائية.

بالإضافة إلى ذلك، بعض صور التجريم المنصوص عليها في المادة 25 يستوجب لإسناد الاتهام بارتكابها توافر عناصر مفترضة لقيام الجريمة بالأساس، إلا أن النيابة العامة، نظرًا لالتباس فهم النص وعدم وضوحه، توظفها في غير موضعها.

تسند النيابة العامة -تعسفًا منها أو نتيجة لخطأ في تفسير النص القانوني- الاتهام بموجب نص المادة 25 من القانون بعد اجتزاء النص التجريمي من سياقه. اتهمت النيابة العديد من الأشخاص في عدة قضايا كلًا من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري دون التحقق من توافر انتهاك حرمة الحياة الخاصة. يعد هذا هو الشرط المفترض لقيام هذه الجريمة وغاية المشرع من إقرار هذا النص.

لا يعد النهج الذي تتبعه النيابة العامة مجرد توجه فردي يمكن حصره في حالات فردية، بل هو نهج يتم تطبيقه على نطاق واسع. يترتب على ذلك أن أغلب أوامر الإحالة، القيد والوصف، الصادرة عن النيابة العامة وتتضمن إسناد الاتهام بموجب نص المادة 25 تكون شبه نموذجية. ينتج عن هذا أثر بالغ الضرر على الحريات الشخصية وحرمة الحياة الخاصة، كما أنه يتعارض مع غاية المشرع من إقرار هذا النص.

ثانيًا: توجه المحاكم وتفسيرها لنص المادة وتصديها لتفسيرات النيابة العامة

مع صدور اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020،  ومع توسع النيابة العامة في توجيه الاتهام بموجب المادة 25،  أحيلت للمحاكم الاقتصادية العديد من الدعاوى الجنائية المتضمنة اتهامات بارتكاب جريمة أو أكثر من جرائم تقنية المعلومات المنصوص عليها في الباب الثالث منه. من ثم، اجتهدت الدوائر الجنائية لهذه المحاكم في تفسير نصوص وأحكام القانون، وعلى وجه خاص نص المادة 25 من القانون لغموض صياغة النص التشريعي.

مع تعدد الأحكام الصادرة في تلك الدعاوى، تبلورت بعض الاتجاهات القضائية في تفسير بعض جرائم القانون. على رأس تلك الجرائم جاء الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، المنصوص عليهم في المادة 25 من القانون، باعتبارهم الجرائم الأكثر شيوعًا. تعارضت تفسيرات المحاكم واتجاهاتها مع تفسير النيابة العامة واجتزائها لبعض النصوص من سياقها، وتوظيفها لإسناد اتهامات على خلاف صحيح القانون. تصدت المحاكم لهذا التفسير الخاطئ في أحكامها المتواترة وقضت في تلك الدعاوى ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه وفقًا لنهج النيابة العامة.

تستعرض المذكرة الإيضاحية في الجزء التالي تفسير محكمة القاهرة الاقتصادية لنص المادة 25 في شأن إسناد النيابة المتواتر الاتهام بارتكاب جريمة إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته. انتهت المحكمة في أحكامها واستقر قضائها على التالي:

“ولما كان ذلك وأن ما أتاه المتهم من أفعال كان بواسطة وسيلة من وسائل الاتصالات ورغم كون الجهاز المستخدم هو تليفون محمول ويعد جهازاً إلكترونياً وبالرغم من واتس آب هي تطبيقات الكترونية وثبت إرسال المتهم لعدد من الرسائل عبر تطبيق الواتس آب في سب المجني عليه إلا أن مثل  تلك التطبيقات ليست معالجات تقنية تستخدم للإرسال بكثافة ولكنها تطبيقات وبرامج تستخدم في التواصل الاجتماعي حيث ترى المحكمة أن توصيف الإرسال الكثيف هو مثال لشكل من أشكال الإعلانات غير المرغوب فيها التي غالباً ما تستخدمها الروبوتات الآلية (كتقنية معالجة) (مثل رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو منشورات الإنترنت) ترسل إلى عدد كبير من المستلمين أو تنشر في عدد كبير من الأماكن مستخدمين لتقنية أو عملية إلكترونية لارتكاب هذا الفعل والذي يطلق عليه اسم (spam). الأمر الذي لا ينطبق معه الاتهام المبين بنص المادة 25 من قانون تقنية المعلومات وتقضي معه المحكمة ببراءة المتهم عن تلك التهمة وكما سيرد بمنطوق الحكم”

تستعرض أيضًا المذكرة تفسير محكمة النقض المصرية لنص المادة في شأن إسناد النيابة المتواتر الاتهام بارتكاب جريمة نشر معلومات أو أخبار أو صور  تنتهك خصوصية شخص دون رضاه. انتهت المحكمة واستقر قضائها على التالي:

“المرجع في تعرف حقيقة المعلومات والأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه وانتهاكها لخصوصيته دون رضاه هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمنح دلالة للمعلومات والأخبار بما يحيلها عن معناها، كما أن تحري حقيقة تلك الأخبار ومدى تعلقها بالحياة الخاصة للمجني عليه هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقوماته المسلمة. لما كان ذلك، وكان ما تضمنه المنشور المنسوب إلى الطاعن كتابته ووضعه على موقع الفيس بوك فضلاً عن أنه – وعلى ما يبين من المفردات المضمومة – قد صادف واقعة حرر بشأنها محضر من والد الطاعن ضد المجني عليه، ليس من شأنه أن يمس الحياة الخاصة للمجني عليه أو ينتهك خصوصيتها دون رضاه، ومن ثم فهو لا يقع تحت نص المادة ٢٥ من القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعن عن تلك الجريمة ودانه بمقتضاها يكون قد بني على خطأ في تأويل القانون، مما يتعين معه على المحكمة نقض الحكم المطعون بالنسبة لتلك التهمة، والقضاء ببراءة الطاعن”.

كما اتخذت محكمة القاهرة الاقتصادية اتجاهًا أخر في شأن إسناد النيابة المتواتر الاتهام بارتكاب جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري. انتهت المحكمة في بعض أحكامها، أمام تفسير النيابة العامة الخاطئ لنص المادة 25 وتوسعها الشديد في إسناد الاتهام بارتكاب هذه الجريمة دون محل لها، إلى تعديل قيد ووصف الاتهامات المنسوبة للمتهمين. قررت المحكمة في بعض أحكامها حذف الاتهام بارتكاب جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، وحذف المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات من مواد الاتهام المحال بها المتهم، وذلك إعمالًا للسلطة المخولة لها في تعديل القيد والوصف بموجب المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.

ثالثًا: أثر الاختلاف بين الهيئات القضائية في تفسير نص المادة 25

غموض وإبهام نص المادة 25 أدى إلى اختلاف في تفسيرها من هيئة قضائية إلى أخرى في شأن التجريم. وصل هذا الاختلاف في بعض الأحيان إلى حد التناقض في التفسير. استمرت النيابة العامة في استعمال نص المادة كنص تجريمي لدرجة إخراجه من سياقه وافتراض غاية لما يتغياها المشرع أثناء إقراره لهذا القانون. على الصعيد الأخر، جاءت تفسيرات المحاكم المصرية، وعلى رأسها محكمتي القاهرة الاقتصادية والنقض، على النقيض من توجه النيابة العامة. قضت المحاكم بالبراءة من غالبية الاتهامات التي أسندتها النيابة العامة للمتهمين تعسفًا بموجب هذا النص. كما جاءت هذه الأحكام – السالف الإشارة إليها أعلاه – تأسيسًا على عدم انطباق النص التجريمي للمادة 25 على الواقعة محل الاتهام.

على الرغم من ذلك، ما زالت النيابة العامة تسند الاتهامات خطًأ واجتزاءًا من سياق النص القانوني للمادة، وتحيل الدعاوى الجنائية محمولة على اتهامات لم يتغياها المشرع في هذا النص، مهدرة لما يكفله الدستور من حقوق وحريات، وعلى وجه خاص المنصوص عليها بالمواد 54 و57 و58 و59 من الدستور الساري.

عدم وجود بدائل غير تشريعية للتعامل مع المشكلة

تركز هذه المذكرة الإيضاحية على طرح بديل تشريعي يتمثل في تدخل عاجل بحذف عبارة “كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصرى” من نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. يرجع هذا الأمر إلى العديد من الأسباب:

  • عدم الاستجابة للمناشدات الموجّهة إلى جهات إنفاذ القانون من وقف أستخدام نص المادة 25، بل أن الواقع يُشير إلى حدوث توسع كبير في تطبيق المادة رغم شبهات عدم الدستورية المحيطة بنصها.
  • الاستمرار في تطبيق نص المادة قد يحمل تبعات كبيرة تتعلق بالتأثير على جلب استثمارات ترتبط بالشركات العاملة في قطاع الاتصالات، وخاصة أن مصر من الدول التي تحمل فرص جيدة لأزدهار هذا النوع من الصناعات.
  • استمرار تطبيق نص المادة، وخاصة تجاه مستخدمات التطبيقات الترفيهية ومواقع التواصل الاجتماعي، يحمل رسالة سلبية للاستهداف التشريعي للمرأة، وهو ما يتعارض كليًا مع التوجهات التشريعية الأخرى التي تسعى إلى توفير حماية للمرأة.

تعامل المشرّع مع حالات مُشابهة

تعامل المُشرّع البرلماني في الماضي بجدية مع العديد من النصوص التي انتابها الغموض وعدم الوضوح، والتي تتعارض مع الحقوق والضمانات الدستورية. دفع ذلك السلطة التشريعية إلى إجراء تعديلات جوهرية على قانون العقوبات. قضت تلك التعديلات بحذف عدد من الألفاظ والعبارات التي قد يترتب عليها الإيقاع بالأفراد في شباك التجريم والعقاب، ليس بسبب ارتكاب جريمة وإنما لغموض النص العقابي ذاته. 

في هذا الصدد، يمكن مراجعة القانون رقم 147 لسنة 2006 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات. بموجب هذا القانون، قام المشرع بحذف عدد من العبارات الغامضة من تسعة نصوص عقابية مثل ألفاظ: “السلام الاجتماعي”، “التحبيذ”، “بث دعايات مثيرة”، “أو على كراهته أو الازدراء به”. حُذِفت هذه العبارات لصعوبة ضبطها وميلها إلى التوسع في التجريم، ولمخالفتها مبادئ شرعية الجرائم والعقوبات. 

نصت أحكام القانون رقم 147 لسنة 2006 على أن:

“تحذف كل من العبارات الآتية من مواد قانون العقوبات المبينة قرينها:

  • عبارة “أو مغرضة” الواردة في المادة 80 (د). – عبارة “أو تحبيذًا” الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 86 مكررًا.
  • عبارة “تحبيذًا أو” الواردة في المادة 98 (ب) مكررًا.
  • عبارة “أو التحبيذ” وعبارة “أو السلام الاجتماعي” الواردتين في المادة 98 (و).
  • عبارة “أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة” الواردة في المادة 102 مكررًا.
  • عبارة “أو جنايات مخلة بأمن الحكومة” الواردة في المادة 172.
  • عبارة “أو على كراهته أو الازدراء به” الواردة في البند “أولًا” من المادة 174.
  • عبارتي “تحبيذ أو”، و”أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة” الواردتين في البند “ثانيًا” من المادة ذاتها.
  • عبارة “أو حسن أمرًا من الأمور التي تعد جناية أو جنحة بحسب القوانين” الواردة في المادة 177.
  • عبارة “في الدعاوى المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو في الباب السابع من الكتاب الثالث من هذا القانون” الواردة في الفقرة الأولى من المادة 189″.

توصيات 

توصي مسار بشكل عام إلى إعادة النظر في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، واللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء  رقم 1699 لسنة 2020. وبشكل خاص، توصي مسار بالتدخل التشريعي العاجل بحذف عبارة “كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى ” التي تضمنتها المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

تُشكِل هذه العبارة مخاطر قد يترتب على تطبيقها عقوبات سالبة للحرية في ظل غموض وشكوك حول تفسيرات نص المادة. كما أن صياغة هذه العبارة تتعارض مع القواعد المتعلقة بإقرار القواعد القانونية الجنائية التي يفترض معرفة كافة المخاطبين بأحكامها وطبيعتها والأثر المترتب على مخالفتها.