مقدمة
منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، هي أضخم منصات التواصل الاجتماعي في وقتنا الحالي. تتمتع المنصة بأكبر عدد من المستخدمين النشطين بين جميع المنصات. يبلغ عدد المستخدمين النشطين على فيسبوك شهريًا حسب أحدث التقديرات لهذا العام (2023)، 2.966 مليار مستخدم حول العالم وهو ما يعني أن حوالي 37% من سكان العالم يستخدمون فيسبوك. إذا أخذنا في الاعتبار أن الصين (ثاني أكبر دول العالم حجمًا من حيث عدد السكان) تحجب موقع فيسبوك داخل أراضيها فإن نسبة مستخدمي المنصة في دول العالم الأخرى إلى مجمل سكانها سيكون في الحقيقة أكبر وأكبر.
مع ضخامة الحجم تأتي ضخامة التأثير، وهو على خلاف الحجم يصعب تقديره بأرقام واضحة، ولكن يمكن استنتاجه بشكل تقريبي. وأيا ما كانت المقاربة المستخدمة لقياس قدر تأثير فيسبوك وربما نفوذها فالمؤكد أنه إذا نظرنا إليها على أنها وسيلة إعلامية فستكون الأهم والأكثر تأثيرًا ليس ببلد واحد ولكن بمعظم دول العالم، وليس بوقتنا الحالي فقط ولكن عبر التاريخ.
ما يقرب من ثلاث مليارات من البشر والجهات الخاصة والحكومية بأنواعها يستخدمون منصة فيسبوك لتبادل الأفكار والآراء والمعلومات الصحيحة أو المغلوطة والأخبار الصادقة أو الزائفة والمواد المقروءة والمسموعة والمرئية بعدد ضخم من لغات العالم. شركة ميتا، التي تدير هذه المنصة ولديها قدرة تمرير أو منع المحتوى المبثوث على منصتها، تمتلك قدرًا من النفوذ على التواصل بين البشر لم يسبق لأي جهة من أي نوع أن امتلكته في أي وقت سابق، بما في ذلك نفوذها على قدرة تمتع مستخدميها بالحريات والحقوق الأساسية لهم، وفي مقدمة تلك الحقوق الحق في حرية التعبير، والحق في الخصوصية. هذا القدر من النفوذ يظل غير مسبوق حتى إذا ما قورن بالدول التي تملك إمكانية حجب قطاع ضخم من شبكة الإنترنت ككل أو حجب خدمات فيسبوك نفسها. فهذا المستوى التفصيلي من التحكم في نشر وتبادل المحتوى التعبيري لا يمكن مقارنته إلا بالمنصات الاجتماعية الأخرى التي تظل أصغر حجمًا وأقل تأثيرًا مقارنة بفيسبوك.
قدر تأثير سياسات فيسبوك لإدارة المحتوى على شبكتها على العالم الواقعي لا يمكن إنكاره. فيمكن رؤية أثر استخدام المنصة على الحرب الأهلية في إثيوبيا، وعلى الإنتخابات الأمريكية الرئاسية والنيابية، وعلى مدى التعاطف العالمي مع أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي لها، وعلى مدى انتشار التصورات المغلوطة حول جائحة كوفيد 19.
لا مجال للدهشة إذن إذا ما كانت شركة ميتا في مركز عدد لا ينتهي من القضايا المثيرة للرأي العام العالمي، وموضوعا لمناقشات كواليس الحكومات حول العالم، ولجدالات المجالس التشريعية وبصفة خاصة الكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي.
السؤال الذي يشغل بال الجميع هو: كيف يمكن تنظيم إدارة فيسبوك (وبقية منصات التواصل الاجتماعي الضخمة على الإنترنت) للمحتوى المنشور عليها؟ هذا السؤال بالضرورة قد شغل بال مسؤولي فيسبوك أنفسهم وعلى رأسهم مارك زوكربرج مؤسس فيسبوك والرئيس التنفيذي للشركة ثم لشركتها الأم الحالية “ميتا Meta” التي تدير إلى جانب فيسبوك منصة أخرى هي إنستجرام. الفكرة التي توصل زوكربرج إليها، ربما لاستباق أن تسن الدول تشريعات تنظم عمل منصاته رغم أنفه، هي إقامة كيان مستقل يمكن للناس الثقة بحياده بقدر معقول تكون له الكلمة الأخيرة في المشاكل البارزة المتعلقة بإدارة الشركة للمحتوى على منصتيها. الفكرة التي طرحها زوكربرج في نوفمبر من عام 2018، وهو العام الذي تفجرت فيه أزمة دور فيسبوك في التصفية العرقية في ميانمار، تطورت خلال العامين التاليين لتصبح في نهاية عام 2020 واقعا عمليا يتمثل في مجلس الإشراف Oversight Board.
مجلس الإشراف هو موضوع هذه الورقة والتي تطرح مجموعة من الأسئلة بخصوصه هي: لماذا أنشأت فيسبوك هذا المجلس؟ كيف أنشأته؟ ما هي اختصاصاته وسلطاته وتشكيله وطريقة عمله والشكل القانوني له؟ ما قدر الأثر الذي لهذا المجلس على سياسات إدارة فيسبوك للمحتوى ومن خلال ذلك على الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية؟ ما هو أثر هذا المجلس على السياسات الخلافية ذات الطابع السياسي لفيسبوك تجاه قضايا مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومقاومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وأخيرا إلى أي حد يمكن أن يكون لمثل هذا النوع من الكيانات دور حقيقي في حل المشاكل الشائكة والمتشعبة لإدارة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي؟
لماذا أنشأت فيسبوك مجلس الإشراف؟
ثمة معنيان للسؤال لماذا أنشأت فيسبوك مجلس الإشراف. في المعنى الأول يشير السؤال إلى الظروف التي أدت إلى أن تحتاج شركة فيسبوك (ميتا لاحقا) إلى إنشاء مجلس الإشراف، وفي المعنى الثاني يشير إلى الأهداف التي تسعى الشركة إلى تحقيقها من وراء إنشائها للمجلس. في القسمين التاليين محاولة لإجابة السؤال بكل من هذين المعنيين. وفي القسم الثالث نستعرض الخطوات التي مرت بها عملية إنشاء المجلس.
فيسبوك في أزمة
في عام 2018 واجهت فيسبوك انتقادات حادة تركزت على إخفاق الشركة في التعامل مع تفشي خطاب الكراهية الموجه ضد أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار على منصتها. الأثر البالغ للخطاب المنشور على الفيسبوك على تطور أعمال العنف التي وصلت حد التصفية العرقية بحسب تقرير للأمم المتحدة، كان ثابتا ولا سبيل إلى إنكاره وهو ما أدى بالشركة إلى الاعتراف بمسؤوليتها عن الإخفاق في مسؤولية إدارة المحتوى على منصتها. استدعت الأزمة تحقيقا أجرته لجنة بمجلس النواب الأمريكي. استدعت اللجنة مارك زوكربرج مؤسس فيسبوك والرئيس التنفيذي للشركة للمثول أمامها، في إبريل 2018، حيث سئل عن إخفاق شركته في وقف خطاب الكراهية الموجه ضد أقلية الروهينجا في ميانمار.
قرب نهاية العام نفسه (نوفمبر 2018) كتب زوكربرج مؤسس فيسبوك والرئيس التنفيذي لشركتها الأم حاليا “ميتا” مذكرة بعنوان “مخطط للحوكمة والإنفاذ فيما يخص المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي”“. هذه المذكرة هي الوثيقة التأسيسية وراء فكرة إنشاء مجلس الإشراف. في هذه المذكرة يعيد زوكربرج الاعتراف بأن شركته كانت بطيئة “أكثر مما ينبغي” في بدء التعامل مع أزمة خطاب الكراهية المستشري على منصة فيسبوك، والذي ساعد على تصعيد أعمال العنف ضد أقلية الروهينجا في ميانمار حتى وصلت حد التصفية العرقية.
أزمة التصفية العرقية في ميانمار ودور منصة فيسبوك في تصعيدها ليست الوحيدة التي واجهتها الشركة، فقد أصبح من الواضح أن حكومات الدول وهيئاتها التشريعية وبصفة خاصة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد بدأت تستشعر التهديدات الناجمة عن ترك إدارة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي بين أيدى الشركات المالكة لهذه المنصات دون أي تدخل تنظيمي في هذه الإدارة. تعالت الدعوات إلى تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي وبصفة خاصة إدارة المحتوى المنشور من خلالها، وتسارعت وتيرتها وارتقت إلى المستويات العليا في السلطات التنفيذية والتشريعية.
فكرة إنشاء مجلس الإشراف هي في جانب منها خطوة استباقية في محاولة لأن تبني فيسبوك (ميتا) بنفسها إطارا تنظيميا مستقلا عنها بقدر مقنع للإشراف على عمليات إدراتها لمنصتي التواصل الاجتماعي المملوكتين لها (فيسبوك وإنستجرام).
البحث عن الشرعية وإخلاء المسؤولية
في مقال نُشر على موقع الشفافية التابع لشركة فيسبوك بعنوان “خلق مجلس الإشراف” (Creating the Oversight Board) تقول الشركة أن الفكرة البسيطة وراء إنشاء مجلس الإشراف هي أن “ميتا لا ينبغي أن تصدر وحدها الكثير من القرارات الهامة حول حرية التعبير والسلامة”. تلك الإشارة الصريحة تتكرر في العديد من الوثائق الصادرة عن شركة فيسبوك ولاحقا عن شركة ميتا، وتحديدا على لسان مارك زوكربرج، مؤكدة أن الكلمة الأخيرة في عملية إدارة المحتوى، الذي يخلقه مليارات المستخدمين بصفة يومية على منصة فيسبوك، بعدد هائل من اللغات، ومن خلال عدد كبير من الخلفيات الثقافية، هي أمر يفوق القدرات الفنية للشركة، ومن ثم ينبغي أن تكون لمن هم أكثر دراية وتخصصا وخبرة في الحكم على ما ينبغي السماح بنشره وما ينبغي حجبه. ثمة أيضا إشارة إلى التبعات المحتملة على بعض هذه القرارات وأثرها على التوازن ما بين احترام الحق في حرية التعبير وحماية سلامة الناس الذي قد يكون كبيرا بحيث لا ينبغي أن تتحمل الشركة المسؤولية عنه وحدها.
يؤكد زوكربرج في مذكرته السابق الإشارة إليها إلى الحاجة إلى “بناء حس بالشرعية” في الآليات المستخدمة لإنفاذ القواعد الحاكمة لإدارة المحتوى. هذه الشرعية تستوجب أن يكون لجهة الإشراف صاحبة الكلمة الأخيرة في نهاية مسار التظلم من قرارات حذف المحتوى أو الإبقاء عليه قدر كاف من الاستقلالية عن الهيكل الإدارة للشركة المالكة لمنصة التواصل الاجتماعي.
رحلة إنشاء مجلس الإشراف
استغرقت عملية إنشاء مجلس الإشراف منذ نشر زوكربرج مذكرته في نوفمبر عام 2018 وحتى بدأ المجلس في العمل بالفعل في أكتوبر عام 2020 حوالي عامين. اتخذت شركة فيسبوك خلال هذه الفترة عدة خطوات هي:
- في 28 يناير 2019، أصدرت فيسبوك مسودة أولى لميثاق مجلس الإشراف متضمنة مزيدا من التفاصيل حول تصورات الشركة عن تشكيل المجلس. ذكر الإعلان عن المسودة أن الشركة أجرت مشاورات ومباحثات مبدئية قبل طرح مجال عمل وهيكل المجلس الأساسيين. القرارات التي لم يكن قد تم البت فيها في ذلك الحين تعلقت بعدد الأعضاء المقترح للمجلس، وطول مدة عضويتهم به، وكذلك آلية اختيار الحالات التي سيبحثها. ذكر الإعلان أيضا أن الشركة ستجري ورش عمل طوال ستة أشهر حول العالم تدعو إليها خبراء ومنظمات عاملة في مجالات “حرية التعبير، التكنولوجيا والديموقراطية، الانصاف الإجرائي وحقوق الإنسان.“
- بحسب إعلان لاحق لفيسبوك، سعت الشركة لأن تحصل على آراء منتقديها وداعميها على السواء، وقال الإعلان أن الشركة عقدت ورش عمل وموائد مستديرة بغرض الاستشارة على نطاق عالمي في 88 دولة، وشارك فيها أكثر من 650 شخص.
- صدر ميثاق مجلس الإشراف وهو الوثيقة الرئيسية لتنظيم إنشاء وعمل المجلس في سبتمبر عام 2019، واكب ذلك نشر رسالة لمارك زوكربرج يوضح فيها الغرض من إنشاء المجلس والأهداف التي سيسعى لتحقيقها.
- أعلنت فيسبوك عن إصدار النسخة الأولى من اللائحة التنفيذية للمجلس في 28 يناير عام 2020، ونشر مخطط يوضح عملية تقديم التماسات الاستئناف على قرارات فيسبوك بحذف المحتوى إلى المجلس لمراجعتها والبت فيها. في نفس الوقت أعلنت الشركة عن تعيين أول مدير تنفيذي للمجلس.
- في 6 مايو عام 2020، أعلنت فيسبوك عن تعيين أول دفعة من أعضاء المجلس وعددهم 20 عضوًا. في وقت سابق قال الإعلان أن الأعضاء الجدد يمثلون طيفا واسعا من وجهات النظر والخبرات السابقة وقد أتوا من 27 بلدًا مختلفا ويتحدثون 29 لغة على الأقل. قال الإعلان كذلك أن عملية ترشيح وتعيين أعضاء جدد ستستمر حتى يكتمل العدد المستهدف لأعضاء المجلس وهو 40 عضوًا. وأكد الإعلان أن الأعضاء يتعاقدون مباشرة مع المجلس وليسوا موظفين لدى فيسبوك ولا يمكن للشركة أن تنهي عمل أي منهم. بعد تعيين الأعضاء وفترة للتدريب بدأ المجلس عمله فعليا في أكتوبر من نفس العام (2020).
مجلس الإشراف: التشكيل، الاختصاصات وأسلوب العمل
الوثيقتان الرئيسيتان اللتان تحكمان تشكيل المجلس واختصاصاته وطريقة عمله هما ميثاق المجلس ولائحته التنفيذية التي تضم أيضا مدونة السلوك التي ينبغي على أعضاء المجلس الالتزام بها. إلى جانب ذلك توجد وثيقتان تكميليتان هما: كتاب القواعد، والمعايير العامة.
هيئات المجلس وتشكيله
على المستوى الأعلى توجد ثلاثة كيانات ذات أدوار مختلفة في إنشاء وإدارة مجلس الإشراف. ثمة أولا أمانة الوقف Trust التي يتم من خلالها تمويل المجلس. هذه الأمانة يديرها مجلس أمناء مكون من رئيس وأربعة أعضاء.
الكيان الرئيسي الثاني هو شركة مجلس الإشراف Oversight Board LLC، وهي شركة محدودة المسؤولية أنشأتها أمانة الوقف لتولي الأمور الإدارية واللوجيستية لمجلس الإشراف. بما في ذلك توفير مقر للمجلس وفريق من الموظفين للقيام بالأعمال المساعدة في عمل المجلس وبالوظائف الإدارية التي يحتاجها في عمله.
أخيرا الكيان الرئيسي الثالث هو المجلس نفسه ويتشكل من عدد من الأعضاء لا يقل عن أحد عشر عضوا ولا يزيد عن 40 عضو.
عضوية المجلس
تمتد الفترة الواحدة لعمل العضو بالمجلس لثلاث سنوات قابلة للتجديد بحد أقصى لمدتين إضافيتين، ويبت مجلس الأمناء في شأن التجديد للأعضاء ممن انتهت مدة عضويتهم. يراعى في عملية تعيين أعضاء المجلس لأول مرة تأجيل ملئ مقاعد العضوية على مراحل بحيث تنتهي عضوية الأعضاء لاحقا في تواريخ مختلفة بحيث يتم فقط تعيين بدلاء لعدد محدود من الأعضاء لضمان استمرارية في نمط عمل المجلس من خلال استمرار عمل عدد من الأعضاء القدامى إلى جانب الجدد في كل وقت.
تتشكل رئاسة مشتركة من عدد من أعضاء المجلس (ثلاثة أعضاء في الوقت الحالي) يتولى المختارون لها مسؤولية أن يكونوا همزة الوصل بين المجلس وبين الأمناء والشركة، كما يقودون عمل لجان المجلس، ويتحملون مسؤوليات إدارية منها اختيار الأعضاء الجدد من بين المرشحين لشغل مقاعد شاغرة بالمجلس، واختيار الحالات التي سينظر المجلس فيها من بين تلك التي تقدم بها مستخدمو منصتي فيسبوك وإنستجرام، أو تقدمت بها شركة ميتا بغرض مراجعتها.
عند تشكيل المجلس لأول مرة قامت شركة ميتا باختيار محموعة الرئاسة المشتركة والتي قامت لاحقا بالتعاون مع الشركة باختيار بقية أعضاء المجلس. في جميع الحالات يقوم مجلس الأمناء بتعيين الأعضاء الجدد بشكل رسمي، كما أنه وحده من يملك سلطة إنهاء عضوية أحد الأعضاء وذلك حصرا في حال انتهك العضو مدونة السلوك الملحقة باللائحة التنفيذية للمجلس، ولا يجوز إنهاء عضوية أي عضو على خلفية أحد قرارت المجلس التي شارك في إصدارها.
اختصاصات مجلس الإشراف
حدد ميثاق المجلس الغرض الأساسي من إنشائه بأنه حماية الحق في حرية التعبير، ويفترض أن يحقق المجلس هذا الغرض من خلال إصدار قرارات حول المحتوى الهام. تتحدد أهمية المحتوى في حال كانت قرارات فيسبوك بخصوصه تمثل تعاملا مع واحدة من القضايا الرئيسية المتعلقة بحرية التعبير أو خطاب الكراهية المتعلق بفئات معرضة للاضطهاد أو بواحدة من السياسات الخلافية لفيسبوك. وهذا يعني إن هذا التعامل يمثل سياسة مستقرة أو نمطا مطردا يسري على عدد كبير من المحتوى المنشور يوميا على المنصة. وبحسب تعهدات فيسبوك فإن التزامها بتنفيذ قرارات المجلس بخصوص أي محتوى سيمتد إلى تعديل قرارات سابقة للشركة بخصوص المحتوى المماثل أو الذي تنطبق عليه نفس المعايير. إلى جانب إصدار هذه القرارات الملزمة لفيسبوك يحق للمجلس أن يصدر آراءً استشارية بخصوص سياسات إدارة المحتوى التي تنتهجها فيسبوك ولكن الشركة غير ملزمة بتطبيقها ولكن ملزمة بالرد عليها.
اختصاصات وسلطات المجلس كما يوضحها الميثاق هي:
- للمجلس أن يطالب فيسبوك/ميتا بأن تقدم أية معلومات يرى المجلس أنها ضرورية لمداولاته، على أن يكون ذلك خلال فترة مناسبة وبشكل شفاف.
- يحق للمجلس أن يفسر معايير مجتمع الفيسبوك حسب القيم الأساسية التي صاغتها شركة ميتا.
- للمجلس أن يصدر قرارات ملزمة توجه فيسبوك/ميتا بالسماح بنشر محتوى أو بحذفه.
- للمجلس أن يوجه ميتا إلى أن تقر أو تغير توصيف محتوى ما مما يترتب عليه أن تلتزم الشركة بتطبيق قواعد ومعايير إدارة المحتوى حسب ذلك التوصيف.
- على المجلس أن يصدر بشكل فوري إيضاحات مكتوبة لقراراته عند اتخاذها.
- يمكن للمجلس أن يقدم أراءً استشارية تتعلق بحالة محددة قبل بحثها، أو بناء على طلب تقدمته به ميتا، حول سياسات الشركة لإدارة المحتوى.
أسلوب عمل المجلس
بحث طلبات المراجعة
يتلقي المجلس طلبات مراجعة قرارات إدارة المحتوى التي تتخذها شركة ميتا من خلال منصتي فيسبوك وإنستجرام. يتخذ قرارات إدارة المحتوى على أي منصة إما خوازميات آلية في معظم الأحيان أو مراجعون بشريون في بقية الحالات. القرارات تتخذ إما بناء على مسح عشوائي آلي للمنشورات يقرر فيها أحد الخوارزميات أن منشورا ما ينتهك قواعد النشر لفيسبوك أو إنستجرام، وفي هذه الحالة يتم إخفاء المنشور بمنع وصول المستخدمين إليه، وتوقع عقوبة على صاحب المنشور هي عادة وقف صلاحية النشر أو التعليق لمدة محددة. في حالات أخرى يتم اتخاذ القرار بناء على تقدم أحد المستخدمين بطلب لحذف منشور ما مع تحديده لسياسة المنصة التي يعتقد أن المنشور قد انتهكها. في نوع ثالث من الحالات يسرى قرار حذف نوع من المحتوى على المنشورات التي تعيد نشره أو التي تنشر محتوى شبيه به. يسمح نظام التظلم من قرارات الحذف أو عدم الاستجابة لطلب بالحذف بأن يطالب المستخدم ذو الصلة بمراجعة القرار، يصبح القرار الصادر نتيجة لإعادة المراجعة نهائيا بالنسبة للنظم الداخلية للمنصة وبذلك يستنفذ المستخدم إمكانيات التظلم التي يتيحها فيسبوك أو إنستجرام من خلال المنصة نفسها.
مع إنشاء مجلس الإشراف وبدئه في العمل في أكتوبر 2020، أصبح ثمة ملجأ أخير يشبه محكمة النقض أو المحكمة العليا في النظم القضائية ويمكن للمستخدم المتضرر أن يرفع إلى المجلس طلب مراجعة القرار النهائي الذي اتخذته المنصة سواء بحذف منشور له أو بعدم الاستجابة لمطالبته بحذف منشور لمستخدم آخر. المصدر الثاني للمحتوى الذي يبحثه المجلس ويصدر قراراته بشأنه هو شركة ميتا نفسها والتي يمكن أن تطلب من المجلس أن يراجع قرارا أصدره أحد خوارزمياتها أو أحد موظفيها. عادة تتعلق الحالات التي تعرضها ميتا على المجلس بقضية أثارت اهتمام الرأي العام وواجهت ميتا بسببها انتقادات واسعة. في حالات استثائية يمكن لميتا أن تطلب من المجلس أن يتم النظر في إحدى الحالات التي ترفعها الشركة إليه على وجه السرعة دون استنفاذ المهلة المقررة في الميثاق لبحث الحالات في الظروف العادية. تتعلق مثل هذه الحالات بمحتوى يمكن أن يكون للإبقاء عليه أو لحذفه عواقب عاجلة في الواقع الفعلي. وفي جميع الحالات يحق للرئاسة المشتركة قبول أو رفض مثل هذا الطلب.
في أحد إيضاحات فيسبوك حول مجلس الإشراف قالت ميتا أنها قد أنشأت نظاما لتحديد أولوياتها فيما يخص نوعية المحتوى الذي سترفعه الشركة إلى المجلس للنظر فيه وفق معيارين هما الأهمية والصعوبة. الأهمية تتعلق بمدى الأثر المباشر المتوقع للمحتوى على الواقع العملي، ويتحدد ذلك من خلال تعلق المحتوى بأمور تتصف بالحدة بأن يكون ثمة خطر على حياة أو سلامة شخص أو مجموعة، أو باتساع مجال التأثير بأن يكون من المتوقع للمحتوى أن يصل إلى عدد كبير من المتلقين أو يؤثر على عدد كبير من الناس أو أن يمثل توجها ذائعا على فيسبوك، أو أن يتعلق المحتوى بالخطاب العام، أي أن يثير جدلا عاما ذا حجم كبير. من ناحية الصعوبة فالمقصود أن القرار حول المحتوى المعني يضع سياسات إدارة المحتوى أو طريقة تنفيذها أمام أسئلة مستجدة، وذلك في حال كانت ثمة حجج قوية تدعم كل من حذف المحتوى والإبقاء عليه في نفس الوقت. وتتحدد الصعوبة من خلال كل من: الخلافية، بوجود خلاف حول سلامة القرار أو سياسات فيسبوك الداعمة له، الشك، أن يكون ثمة شك في القرار أو المحتوى من حيث توافقه مع سياسات فيسبوك، وأخيرا، المنافسة، بمعنى وجود تجاذب بين أكثر من واحدة من قيم فيسبوك والتي لها نفس الأهمية، بحيث تقود كل من هذه القيم إلى نتيجة مختلفة.
عندما يتلقى المجلس طلبا للمراجعة تقوم الرئاسة المشتركة للمجلس بالنظر فيه لتقرر ما إذا ستقبل بحثه أم لا. إذا قررت الرئاسة المشتركة قبول بحث الطلب تقوم بتشكيل فريق من بين أعضاء المجلس يشترط الميثاق أن يكون أحدهم على الأقل ينتمي إلى إحدى دول الإقليم ذي الصلة بالمحتوى الذي سيتم بحثه ويجيد اللغة المستخدمة فيه. في أغلب قرارات تشكيل فرق العمل لبحث المحتوى حتى الحين تحرص الرئاسة المشتركة للمجلس على أن يكون فريق العمل متنوع جندريا أيضا. عضوية فريق العمل الخاص بكل حالة سرية بالرغم من أن عضوية المجلس نفسه علنية، وذلك حتى يتاح لأعضاء الفريق اتخاذ قراراتهم بتجرد ودون الشعور بأي ضغوط خارجية من أي نوع، وكذلك لحمايتهم من أية عواقب محتملة لقراراتهم حيث أن كثيرا منها قد يتعلق بقضايا اجتماعية أو سياسية حساسة.
حسب لائحة المجلس الحالية والتي تم تعديلها عدة مرات حتى الآن يتاح لفريق العمل 90 يوما منذ بدء عمله للانتهاء من بحث الحالة التي يعمل عليها. يطالب ميثاق المجلس أعضاء فرق العمل بمحاولة التوصل إلى قرار بإجماع الآراء، ولكن في حال تعذر ذلك يقر الميثاق صدور القرار بأغلبية أصوات أعضاء الفريق، وفي هذه الحالة يجوز أن يتضمن النص المنشور للقرار آراء المصوتين ضد القرار النهائي للسماح بعرض وجهة نظرهم واسماع أصواتهم للجمهور. بعد التوصل إلى قرار يتم نشره على جميع أعضاء المجلس قبل أن يكون باتا وقبل نشره، ويمكن أن يطالب غالبية أعضاء المجلس بإعادة النظر في القرار، وحينها يتم تشكيل فريق لإعادة المراجعة ولكن على وجه السرعة هذه المرة أي في خلال فترة أقصر، ويكون قرار هذا الفريق نهائيا.
يجوز للمجلس أن يُضمن قراراته آراءً وتوصيات استشارية لميتا، وفي جميع الحالات يتعين عليه نشر قراراته فور صدورها. في الممارسة العملية للمجلس يحرص أيضا على نشر قائمة بالحالات التي قبل بحثها ويتيح للجمهور العادي والمنظمات والجهات المختلفة أن تقدم تعليقات على الحالة يمكن لفريق العمل أن يستعين ببعضها في اتخاذ قراره، كذلك يتاح لمقدم الطلب أن يقدم إفادة إيضاحية مكتوبة. في جميع الحالات يصبح قرار المجلس فور صدوره ملزما لميتا وعليها تنفيذه إما بالإبقاء على المحتوى محل البحث أو حذفه. في المقابل لا تكون ميتا ملزمة بتنفيذ توصيات اللجنة الملحقة بالقرار ولكن يتعين عليها أن توافي المجلس برد تفصيلي بشأنها سواء بالقبول وبدء تنفيذها، أو قبول النظر فيها وبحث الإمكانية العملية لتنفيذها، أو برفض تنفيذها كليا مع بيان الأسباب في كل حالة.
الآراء والتوصيات الاستشارية
كما سبق إيضاحه بالقسم السابق يجوز للمجلس أن يضمن قراراته توصيات لشركة ميتا. إضافة إلى ذلك يجوز للمجلس أيضا أن يبادر بتقديم آراء وتوصيات للشركة بشكل مستقل عن قراراته. في الحالتين تتعلق هذه الآراء والتوصيات بسياسات الشركة المتعلقة بإدارة المحتوى، سواء كان ذلك يخص تحديد القواعد المتبعة لتصنيف المحتوى تحت أي من سياسات الشركة للمحتوى غير المقبول، أو تنظيم الاستثناءات على هذه السياسات أو آليات تنفيذها.
على خلاف قرارات المجلس بخصوص حذف المحتوى أو الإبقاء عليه أو بخصوص توصيف المحتوى حسب التصنيفات التي يترتب عليها قرار بالحذف أو الاستبقاء، وهى قرارات ملزمة لميتا ويتوجب عليها تنفيذها فإن آراء وتوصيات المجلس حول سياسات ميتا لإدارة المحتوى غير ملزمة للشركة، ومع ذلك فالميثاق يلزم الشركة بأن تقدم ردودا وافية بخصوص هذه الآراء والتوصيات توضح من خلالها موقفها من كل واحد منها، وتنحصر المواقف التي يمكن أن تتخذها الشركة بين ثلاثة بدائل، الأول هو قبول الرأي أو التوصية، وتلتزم الشركة حينها بأن تقدم تحديثا دوريا حول تقدم تنفيذها لهذا الرأي أو التوصية، الثاني هو قبول النظر في إمكانية تنفيذ الرأي أو التوصية، وتلتز الشركة أيضا بتقديم تحديث دوري حول تقدم بحثها لهذه الإمكانية، الثالث هو رفض الرأي أو التوصية. وفي جميع الحالات على الشركة أن تقدم مبررات ردها وحيثياته.
العمل الفعلي للمجلس
إحصائيات حول المراجعات المرفوعة للمجلس
يورد التقرير الدوري ربع السنوي الذي أصدره مجلس الإشراف ويغطي الربع الأخير من العام الماضي (أكتوبر – ديسمبر 2022)، عددا من الإحصاءات حول طلبات المراجعة المرفوعة إليه من مستخدمي منصتي فيسبوك وإنستجرام، وكذلك حول مدى تعاون شركة ميتا مع المجلس. من بين الأرقام ذات الأهمية ذكر التقرير أن المجلس قد تلقى في الربع الأخير من عام 2022 193,137 حالة من مستخدمي منصتي فيسبوك وإنستجرام، وذلك بتراجع بنسبة 29% عن عدد الحالات التي تلقاها خلال الربع السابق من نفس السنة (يوليو-سبتمبر 2022). وفي المجمل تلقى المجلس خلال فترة عمله منذ أكتوبر عام 2020 وحتى نهاية ديسمبر 2022 حوالي مليونين ونصف مليون حالة من مستخدمي المنصتين.
من حيث الأقاليم حول العالم التي أتت منها الحالات المرفوعة للمجلس تأتي أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) في المقدمة ممثلة 47% من الحالات، ثم أوروبا 22%، أمريكا اللاتينية والكاريبي 13%، وآسيا والمحيط الهادي 11%. الملاحظ أن المنطقة العربية (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، وإفريقيا جنوب الصحراء يتشاركان نسبة الـ 7% المتبقية، وهي نسبة بالغة الضآلة مقارنة بعدد سكان الإقليمين وعدد مستخدمي فيسبوك فيهما.
التصنيفات الأكثر تكرارا للانتهاكات التي قدرت على أساسها ميتا حذف محتوى وتقدم أصحابه بطلب مراجعة المجلس لهذا الحذف توزعت بين، العنف والحض عليه 42%، خطاب الكراهية 23%، عري البالغين والأنشطة الجنسية 10%. بصفة خاصة تضاعف عدد الحالات المتعلقة بانتهاك سياسة فيسبوك الخاصة بما يسمى بالأفراد والمنظمات ذات الخطوة عبر عام 2022 من 4% في بداية العام إلى 8% في نهايته. هذه السياسة الخلافية، وغير المعروفة حتى وقت قريب كانت موضع تجاذب بين المجلس وميتا.
التصنيفات الأكثر تكرارا للانتهاكات التي أبلغ عنها مستخدمون ولم تستجب ميتا لمطالبتهم بحذف المحتوى فرفعوا تظلمهم إلى المجلس كانت خطاب الكراهية 27%، التنمر والتحرش 24%، وعري البالغين والأنشطة الجنسية 13%.
فيما يتعلق بالحالات التي قدمها مستخدمون من المنطقة العربية تحديدا لاستعادة محتوى تم حذفه كانت التصنيفات الأكثر تكرارا هي التحريض على العنف 30%، خطاب الكراهية 26%، الأشخاص والمنظمات ذات الخطورة 21%، عري البالغين والأنشطة الجنسية 9%. أما حالات التظلم من عدم الاستجابة لمطالبات بحذف المحتوى فكانت تصنيفاتها الأكثر تكرارا هي خطاب الكراهية 42%، التنمر والتحرش 15%، عري البالغين والأنشطة الجنسية 7%.
علاقة المجلس بميتا وسياساتها
أصدر المجلس في الربع الأخير من العام الماضي خمس قرارات، وقد أقر في حالتين القرار الذي أصدرته ميتا، بينما عكس قراراتها في ثلاث حالات. خلال الفترة ذاتها نشر المجلس رأيا واحدا بخصوص واحدة من سياسات إدارة المحتوى لميتا وهي ما يسمى ببرنامج التحقق-المضاعف، وهي سياسة تتعلق بإيلاء الحالات المتعلقة بمحتوى ينشره الشخصيات ذات الأهمية عناية أكبر ومراجعة خاصة. حسب تقرير المجلس فقد تعلق رأيه المنشور بمراجعة هذه السياسة على ضوء التزامات ميتا تجاه حقوق الإنسان، وقيمها المعلنة، كما طرح عددا من الأسئلة حول كيفية معاملة ميتا لمستخدميها الأكثر نفوذا.
تقدم المجلس بـ 101 سؤال إلى ميتا، حول قرارات نشرت في الربع الأخير من عام 2022، وتلقت إجابات عن 90 منها، وإجابات غير كاملة على ستة أسئلة، ولم تجب ميتا عن خمسة أسئلة. ولكن بصفة عامة يقول التقرير أن ميتا قد أمدت المجلس في هذا الربع الأخير من العام الماضي بمعلومات أكثر حول مقاربتها لإدارة المحتوى بمقياس كبير، وأنها أيضا شاركت مع المجلس معلومات فنية عن عملياتها بتفاصيل أكثر. من بين السياسات التي قال التقرير أن ميتا قدمت معلومات أكبر عنه سياسة خلافية ذات أهمية كبيرة ولم تكن معروفة حتى وقت قريب وهي سياسة تقسيم الدول إلى طبقات أو مجموعات توفر ميتا موارد متباينة لإدراة المحتوى الخاص بها. أمر آخر له أهمية كبيرة ذكر التقرير أن المجلس تلقى مزيدا من المعلومات حوله هو العلاقة بين الشركة وبين مؤسسات إنفاذ القانون في الدول المختلفة.
فيما يتعلق بالتوصيات التي قدمها المجلس لميتا حول سياساتها في إدارة المحتوى ووسائل تنفيذها لها فقد ذكر التقرير أن المجلس قد تقدم في الربع الأخير من العام الماضي بـ 12 توصية، قالت الشركة في ردودها أنها تطبق أربعة منها بالكامل، وأربعة بشكل جزئي، وأنها تنظر في إمكانية تطبيق ثلاث توصيات، وأخيرا رفضت الشركة اتخاذ أي إجراء بخصوص توصية واحدة.
في المجمل، يقول التقرير أن ميتا قد التزمت بتطبيق أو طبقت بالفعل معظم التوصيات التي تقدم بها المجلس إليها خلال فترة عمله منذ أكتوبر 2020 وبلغ عددها 140 توصية. وقد تأكد المجلس من 24 من هذه التوصيات قد طبقت بشكل كامل وذلك من خلال معلومات منشورة. وقدر المجلس أن 11 توصية أخرى قد طبقت جزئيا، في حين قالت ميتا أنها حققت تقدما في تطبيق 53 توصية أخرى ولا يزال المجلس يتحقق من ذلك.
بعض القضايا التي تخص المنطقة العربية
إقرار تراجع ميتا عن حذف محتوى خاص بالمقاومة الفلسطينية
في 14 سبتمبر 2021 أقر المجلس تراجع فيسبوك عن قراره السابق بحذف محتوى أعاد فيه مستخدم مصري نشر خبر عن صفحة قناة الجزيرة به صورة للمتحدث الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس. كانت فيسبوك قد حذفت المحتوى حسب سياستها الخاصة بالكيانات والأفراد ذوي الخطورة، وتراجعت عن حذفه عندما قرر المجلس اختيار التظلم المقدم بخصوصه لمراجعته. ورأى المجلس في نص قراره أن حذف المحتوى لم يقلل من المخاطر في الواقع الفعلي في حين أنه قيد الحق في حرية التعبير حول قضية تتعلق بالصالح العام.
قدم المجلس مجموعة من التوصيات بخصوص قراره أهمها أن تقوم شركة ميتا بطلب العون من جهة مستقلة لا صلة لها بأي من أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لتقوم بفحص ما إذا كانت إدارة فيسبوك للمحتوى في كل من اللغتين العربية والعبرية قد تم دون تحيز، بما في ذلك استخدام الخوارزميات. استجابت فيسبوك لهذه التوصية وعهدت إلى شركة مستقلة عنها بإعداد تقرير عن مدى انحياز ممارسات فيسبوك لإدارة المحتوى ضد المحتوى العربي والمحتوى الداعم للحق في المقاومة للشعب الفلسطيني بصفة عامة.
إقرار الإبقاء على محتوى يصور عنف ضد مدني في السودان
في 13 يونيو 2022، نشر المجلس قرارا أقر فيه القرار الذي اتخذته ميتا بالإبقاء على منشور على فيسبوك يصور عنف ممارس ضد مواطن مدني في السودان. الأساس الذي استند إليه المجلس في قراره هو أن المحتوى يعمل على رفع مستوى الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان وله قيمة كبيرة من حيث تحقيق الصالح العام. بشكل إضافي قال المجلس في قراره أن استخدام ميتا لسياسة القيمة الخبرية لتقرر الإبقاء على المحتوى غير كاف لأن تصعيد المحتوى لبحث قيمته الخبرية يضع اشتراطات لا تنطبق على قدر كبير من المحتوى الذي يستحق الإبقاء عليه لأسباب أخرى، ولذلك أوصى المجلس ميتا بوضع استثناء صريح لسياسة حذف المحتوى لإحتوائه على عنف مؤذي للنفس، بحيث يستثنى منها المحتوى الذي يعرض انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة إذا كان مصدره دول متهمة بالانتهاك المنهجي لهذه الحقوق.
ما هو أثر المجلس على الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية؟
ينبغي أولا الإشارة إلى مجموعة من ملامح عملية إنشاء المجلس والتي سبقت بدء عمله والتي يمكن أن تكون مؤشرات لتصور شركة فيسبوك/ميتا عن علاقة المجلس بحقوق الإنسان بصفة عامة والحق في حرية التعبير بصفة خاصة. – فيسبوك كانت واحدة من الشركات التي أعلنت طواعية تبنيها لتوجيهات الأمم المتحدة حول علاقة الأعمال بحقوق الإنسان، وإلتزامها بها. أثر ذلك على عمل مجلس الإشراف كان أن هذه التوجيهات أصبحت مرجعية رئيسية يستند إليها المجلس في قراراته وفي توصياته حول سياسات فيسبوك لإدارة المحتوى. – من بين الجهات التي سعت فيسبوك لاستشارتها في مرحلة الإعداد لإنشاء المجلس كان ثمة عدد كبير من منظمات حقوق الإنسان. – اختيار فيسبوك لأربعة أعضاء كبداية لإنشاء المجلس ولمعاونتها على اختيار بقية الأعضاء، شمل عددا من العاملين في مجال حقوق الإنسان، بصفة خاصة اختارت فيسبوك حقوقي ليكون أول مدير تنفيذي مدير تنفيذي للمجلس هو توماس هيو Thomas Hughes وهو رئيس سابق لمنظمة المادة 19 المعنية بالحق في حرية التعبير. – سعت فيسبوك لطلب أن تعد شركة متخصصة تقريرا حول علاقة المجلس بحقوق الإنسان والتوصيات حول قواعد عمله التي تساعد على إلتزامه بها.
ثانيا ينبغي أن نفهم حدود التأثير الذي يتمتع به المجلس على قرارات وسياسات فيسبوك بخصوص إدارة المحتوى ومن خلال ذلك يمكننا أن نفهم حدود قدرته على التأثير على ممارسة مستخدمي الموقع لحقوقهم بصفة عامة من خلال المنصة. المجلس له سلطة حقيقية تتعلق بالحالات التي يتم عرضها عليه والتي يختار إصدار قرارات بشأنها. بتحليل القرارات التي أصدرها المجلس حتى اليوم يمكن القول بأن إلتزامه بالانحياز للحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية واضح تماما. هذا يعني أنه في هذه الحالات على وجه التحديد للمجلس أثر مباشر على تمتع المستخدمين ذوي الصلة بالمحتوى والمتأثرين به لحقهم في حرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات. النطاق الأوسع يتعلق بالتوصيات التي يصدرها المجلس والتي تتعلق بسياسات فيسبوك العامة والمؤثرة على جميع مستخدمي منصتها. هذه التوصيات غير ملزمة لفيسبوك، ولكن حتى الآن كانت استجابة لوضع توصيات المجلس موضع التنفيذ إيجابية بنسبة معقولة، بعض التوصيات التي التزمت بها فيسبوك وانعكست في تعديل لسياساتها يمكن أن يكون لها أثر كبير في ممارسة فئات تتعرض للتمييز المنهجي مثل النساء ومجتمع الميم والمعارضين للأنظمة الاستبدادية لحقوقهم في حرية التعبير بهدف رفع الوعي تجاه قضاياهم.
على جانب آخر لا توجد أية ضمانات لاستمرار التزام فيسبوك بتوصيات المجلس بما في ذلك تلك التي قبلتها وبدأت في تنفيذها، فلا يوجد ما يلزمها بذلك. كذلك لا تزال عدة قضايا شائكة لاقترابها من شؤون السياسة وعلاقة الشركة بالحكومات ومؤسساتها، لا تستجيب فيسبوك للمجلس بشأنها بقدر كاف، مثل سياسة المعاملة الخاصة للمستخدمين ذوي النفوذ، وسياسة تصنيف الدول بحيث تخصص فيسبوك موارد متباينة لإدارة المحتوى الصادر عن كل منها، وكذلك سياسة القائمة السرية للمنظمات والأفراد ذوي الخطورة.
في المحصلة ينبغي القول أن ثمة أثر إيجابي لعمل المجلس ولكنه في صورته المباشرة محدود بعدد الحالات التي يمكن للمجلس التعامل معها، والذي حتى الربع الأخير من العام الماضي لم يتجاوز خمس حالات خلال ثلاثة شهور. وفي صورته الأوسع يكن الاعتراف بأن هذا الأثر له وزن كبير، ولكن مرة أخرى شريطة اختيار فيسبوك طواعية أن تلتزم بتوصيات المجلس وهو أمر يتوقف على كثير من العوامل وقليل من الضمانات.
هل تكرار وتوسع تجربة مجلس الإشراف هو الحل؟
السؤال السابق على هذا السؤال هو: ما المشكلة التي نبحث عن حل لها؟ ما تطرحه هذه الورقة هو أن المشكلة تكمن بالأساس في أن يكون لكيان ذو ملكية خاصة، غير خاضع في سياسات وتنفيذه لها لتنظيم تشريعي ومحاسبة تقوم بهما مؤسسات منتخبة ديموقراطيا، مثل هذا القدر الهائل من النفوذ على ممارسة كتلة هائلة من سكان العالم لحقوق وحريات أساسية مثل الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية وحماية مصالحهم وسلامتهم بل وربما حياتهم أيضا. هذا يتخطى سلطة الدول على مواطنيها في بعض الأمور. إذا كان هذا هو توصيف المشكلة فتجربة مجلس الإشراف لا تقدم حل لها بأي حال. في نهاية المطاف المجلس نفسه هو كيان لا يتم اختيار أعضائه بطريقة ديموقراطية ولا يخضع هؤلاء الأعضاء إلا لمساءلة مجلس الأمناء الذي تعين ميتا أعضائه.
إذا كانت المشكلة كما تصوغها الحكومات ودوائر اتخاذ القرار في معظم دول العالم هي فشل الشركات الكبرى مثل فيسبوك وجوجل وتويتر في كبح جماح ما يسمى بالكلام الضار على منصاتها مما يؤدي إلى عواقب سياسية وأمنية غير مقبولة، فتجربة المجلس أيضا ليست الحل، من الصعب تصور أن يتمكن المجلس في حدود سلطته المباشرة وصفته الاستشارية من مساعدة فيسبوك في منع تكرار دور منصته في كارثة شبيهة بالتصفية العرقية في ميانمار أو التلاعب بأي عملية انتخابية في أي مكان في العالم حتى أقدم وأعتى ديموقراطياته. لجوء الاتحاد الأوربي إلى إصدار حزمة من القوانين لتنظيم عمل مقدمي خدمات التعامل مع البيانات الرقمية ومن بيتها منصات التواصل الاجتماعي دليل على أن حكومات العالم لا ترى إمكانية لأن تقدم شركات التكنولوجيا بديلا أفضل. هذا لا يعني أن القوانين التي تفرضها الدول ويمتد أثرها خارج حدودها هي الحل المقبول، ولكنه في النهاية أكثر وأوسع فعالية مما قد تحققه كيانات مثل مجلس الإشراف.
لا تزال إمكانية إيجاد بديل ديموقراطي يحمي حقوق مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بشكل حقيقي وعلى السواء فيما بينهم أمر بعيد المنال ويحتاج إلى مقاربة مختلفة عما قدمته التجارب المختلفة حتى الحين. مثل هذا البديل ينبغى أن يأخذ طبيعة شبكة الإنترنت العابرة لحدود الدول وسيادتها على أراضيها في الاعتبار كخطوة أولى، وأن يأخذ غياب الشرعية السياسية والأخلاقية في أي بديل تقدمه كيانات ذات ملكية خاصة في اعتباره كخطوة ثانية. وهذا يعني أن البديل لا يمكن أن تقدمه الدول المنفردة أو مجموعات منها، ولا أن تقدمه شركات منفردة أو تحالف فيما بينها.
خاتمة
تناولت هذه الورقة تجربة شركة فيسبوك/ميتا في إنشاء مجلس الإشراف ليتولى دور الحكم الأخير في الاستئناف على القرارات التي تتخذها الشركة في إدارتها للمحتوى على منصتي فيسبوك وإنستجرام. عرضت الورقة الأسباب التي دعت فيسبوك لإنشاء المجلس، وأهدافها من إنشائها كما عرضت خطوات بناء هذا المجلس، واستعرضت ملامح عامة لأعماله خلال فترة عمله حتى اليوم. تطرقت الورقة أيضا لأثر عمل المجلس على تمتع مستخدمي فيسبوك بحقوقهم وحرياتهم الأساسية وخلصت إلى هذا الأثر إيجابي في معظمه ولكنه محدود في صورته المباشرة ولا توجد ضمانات لتحققه أو استمراره في صورته غير المباشرة الأكثر اتساعا. خلصت الورقة أيضا فيما يخص إمكانية نجاح التجربة في التعامل مع المشكلة المؤرقة لكل من ضمانات تمتع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بممارسة حقوقهم والتعامل مع خطاب الكراهية وصور الاستغلال السياسي والاقتصادي من خلال بث المعلومات المغلوطة على هذه المنصات، إلى أنه لا يمكن بأي حال توقع تحقيق مثل هذه التجربة أو ما يشبهها نجاحا بأي قدر في التعامل مع هذه المشكلة.
في النهاية ينبغي القول بأن تجربة مجلس الإشراف يحفها بالتأكيد الكثير من النوايا الحسنة، بما في ذلك من جانب شركة فيسبوك نفسها، ولكن الجانب الأكثر نجاحا لها هو في الأغلب الصدي الدعائي الذي سعت فيسبوك لاستغلاله بأكبر قدر ممكن من خلال نشر تفاصيل خطوات إنشاء المجلس وأعماله إلخ على نطاق واسع وبواسطة عدد هائل من الوثائق والمدونات والصفحات.