عقب تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا المُستجد، اتخذت السلطات المصرية إجراءات وتدابير واسعة من شأنها الحد من انتشار الفيروس، من بينها فرض حظر مؤقت على تنقل المواطنين لعدد محدد من الساعات والغلق الكامل والمؤقت لبعض المصالح الحكومية وتخفيض عدد العاملين في مصالح وجهات أخرى. إلاّ أن الحكومة المصرية قد استمرت في ممارساتها التي تُقيّد الحق في حرية التعبير وحرية المعلومات وحرية استخدام الإنترنت.
يفرض تزايد أعداد المصابين والوفيات الناتجة عن تفشي الوباء، تحديات تتطلب احترام حق الأفراد في الوصول للمعلومات وتمكين الصحافة الرقمية أكثر من أي وقت مضى، من الحق في التزود بالمعرفة من مصادرها المختلفة، فضلًا عن كونه من الحقوق والحريات الأساسية، فإنه مرتبط في سياق مكافحة فيروس كورونا المستجد بالحق في الحياة. فلا يمكن للأفراد النجاة، وتجنب السلوكيات المضرة بصحتهم، والتعاون مع الدولة والمبادرات المجتمعية الهادفة لتقليل آثار الوباء دون تمكينهم ومشاركتهم المعلومات ذات الصلة بالجوانب السياسية والاقتصادية والعلمية المرتبطة بانتشاره.
تُدين المؤسسات المُوقّعة على البيان استمرار الحكومة المصرية في تقييد الحق في حرية التعبير والحق في حرية الإنترنت، وتؤكد المؤسسات الموّقعة أن التزام السلطات المصرية بضمان الوصول الحر إلى المعلومات من مصادر مختلفة لا يتعارض مع طبيعة الظروف الطارئة التي تمر بها مصر والعالم.
كانت الحكومة المصرية قد حجبت موقع (درب) التابع لحزب التحالف الشعبي الإشتراكي، في 9 أبريل، بعد أقل من شهر من إطلاقه، ويعتبر موقع (درب) هو ثالث المواقع التي تُحجب برئاسة تحرير الصحفي المصري خالد البلشي، حيث حُجب سابقا موقعين برئاسة تحريره؛ موقع “البداية” في يونيو 2017، وموقع “كاتب” الذي حُجب بعد 9 ساعات فقط من إطلاقه في يونيو 2018. يُذكر أن موقع “كاتب” كان أحد مبادرات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والتي تعرّض موقعها للحجب في أغسطس 2017.
في نفس يوم حجب موقع (درب) نشر موقع (مدى) على صفحته على فيسبوك خبرا يُفيد تعطُّل روابط تخطي الحجب التي توفرها (مدى)، ليصل عدد النطاقات التي حجبتها السلطات المصرية لموقع مدى 22 الى رابطا. كما واجه المستخدمون صعوبة في الوصول إلى موقع (المنصة)، وقال الموقع في بيان له نُشر على صفحة فيسبوك، أنه “بتجربة الدخول على الموقع عبر VPN، عمل الموقع بشكل عادي، وهو ما نعتبره قرينة إضافية على وقوع الحجب… طلبنا رأيًا إضافيًا من أحد المختصين في تقنيات الحجب، فأكد لنا وقوع الحجب، موضحًا أن طريقة الحجب الأخيرة مختلفة عن سابقاتها“.
ما تزال السلطات المصرية تحجب ما لا يقل عن 572 موقعا إلكترونيا بالإضافة إلى 31 نطاقا بديلا استخدمته المواقع المحجوبة عوضا عن الروابط التي حُجبت، ما يعني وصول إجمالي المواقع التي تعرّضت للحجب إلى 600 نطاقا منذ مايو 2017، من بينها منصات لوسائل إعلام رقمية، ومبادرات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني.
وتؤكد المؤسسات المُوقّعة على البيان أن استمرار حجب هذه المواقع يؤدي إلى تفاقم الآثار المترتبة على عدم قدرة الأفراد على التنقل والتواصل بحرية نتيجة إجراءات حظر التجوال الجزئي وإغلاق بعض المصالح الحكومية وشركات القطاع الخاص. فهذه الإجراءات التي اتخذتها السلطات للحد من تفشي العدوى، تحد بطبيعتها من قدرة الأفراد على الوصول للمعلومات. ويصبح الوصول للمنصات الرقمية للصحف ومنظمات المجتمع المدني أكثر أهمية من أي وقت مضى، لتمكين الأفراد من المعلومات والآراء التي تنشرها هذه الجهات من ناحية، ومراقبة أداء السلطة وسياساتها أثناء مواجهة هذا الوباء من ناحية أخرى.
كما تُعرب المنظمات الموقعة، عن قلقها من تصاعد الهجمات الأمنية والملاحقات القضائية ضد المواقع الصحفية المُستقلة، حيث وجهت النيابة العامة إلى الصحفية ورئيس تحرير موقع مدى مصر، إتهام بتصوير منشآت عسكرية دون تصريح ” سجن طرة “، كانت قوات الأمن قد احتجزت لينا عطا الله، أثناء إجرائها تغطية صحفية مع الدكتورة ليلى سويف والدة الناشط علاء عبد الفتاح حول أوضاع السجون وإضراب الناشط عن الطعام بسبب منع الزيارات في الفترة الأخيرة، وحررت السلطات محضرًا بواقعة تصوير سجن طرة، وتمت إحالة لينا إلى النيابة العامة للتحقيق معها واخلي سبيلها بضمان مالي قدره ألفين جنيه مصري على ذمة القضية.
اكتسبت بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي شعبية واسعة في مصر خلال فترة حظر التجوال ودعوات العزل الذاتي في المنازل التي صاحبت انتشار فيروس “كورونا المستجد”، خاصة بعد اتجاه العديد من الفنانين والأشخاص ذوي الشهرة إلى نشر محتويات متنوعة عبر هذه التطبيقات، مما ساهم في اتساع قاعدة متابعيها. وقد ألقت السلطات المصرية القبض على بعض مستخدمي هذه التطبيقات على خلفية استخدامها في نشر مقاطع مصورة. وتطالب المؤسسات الموقعة على البيان السلطات المصرية، بالتوقف عن فرض أي قيود على حرية استخدام الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي أو القبض على الأفراد بسبب ممارسة حقوقهم وحرياتهم على الإنترنت.
كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على واحدة من مستخدمي أحد هذه التطبيقات، حنين حسام، طالبة بجامعة القاهرة، وذلك على خلفية نشرها فيديو تدعو من خلاله إلى استخدام تطبيق (لايكي) بمقابل مالي، كما تمت إحالتها إلى الشؤون القانونية بكلية الآثار جامعة القاهرة حيث تدرس بغرض التحقيق معها. وقد صرحت الجامعة في بيان رسمي لها “أنها حولت الفتاة إلى الشؤون القانونية للتحقيق معها لقيامها بسلوكيات تتنافى مع الآداب العامة والقيم والتقاليد الجامعية”. وقد أشار بيان صادر عن مكتب النائب العام إلى أنه تم توجيه اتهامات لحنين تتعلق بالاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري، والاتجار في البشر واستخدام فتيات في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع للحصول على منافع مادية، واستغلال حالة الضعف الاقتصادي وحاجة الفتيات للمال. وأمرت النيابة العامة بحبس حنين حسام على ذمة القضية.
وتستند تلك الاتهامات على مواد دستور 2014 التي مكنت من التأطير الدستوري للربط ما بين جريمتي الدعارة والاتجار بالبشر بشكل مباشر كوحدة واحدة. والذي أدى بدوره إلى تغيب دور مؤسسات الدولة الخاصة بالمرأة ومنظمات حقوق النساء في مثل هذه المواقف التي تحتاج فيها لدور مثل تلك المؤسسات المتعلق بتقديم الاحاطة والرعاية اللازمة لمعالجتها.
في نفس التوقيت، ألقت السلطات القبض على الفنانة المصرية “سما المصري”، بناء على اتهامات بنشر صور ومقاطع مرئية لها من شأنها خدش الحياء العام عبر حساباتٍ خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، وإتيانها علانية أفعال فاضحة مخلة، وإعلانها دعوة تتضمن إغراء بالدعارة ولفت الأنظار إليها، واعتدائها على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري. وأمرت النيابة العامة بحبس سما المصري على ذمة القضية.
وفي ذات السياق قرر قاضى المعارضات بمحكمة جنح شمال المنعقدة بالعباسية، تجديد حبس الفتاة مودة الأدهم الشهيرة (بنجمة التيك توك) 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة والتي كانت أمرت سابقا بحبسها أربعة أيام احتياطاً على ذمة التحقيقات؛ لاتهامها بالاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري، وإنشائها وإدارتها واستخدامها مواقع وحسابات خاصة عبر تطبيقات للتواصل الاجتماعي بشبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب وتسهيل ارتكاب تلك الجريمة. وكانت الإدارة العامة لحماية الآداب بوزارة الداخلية قد تمكنت من القبض على مودة الأدهم نفاذاً لأمر النيابة العامة بضبطها وإحضارها.
يُذكر أن تطبيقات عديدة مثل (لايكي) قد واجهت العديد من الانتقادات ذات الصلة بالخصوصية وحماية البيانات وتعريض الأطفال من مستخدميه للخطر. إلاّ أن وقائع القبض على حنين حسام وسما المصري ومودة الأدهم لا ترتبط بذلك.
وتؤكد المؤسسات الموقعة على ان تعامُل السلطات المصرية في قضية حنين حسام وسما المصري يبرز العديد من الإشكاليات التي تتعلق بحرية الإنترنت وحرية التعبير، واستخدام السلطات للخطاب الأخلاقي بهدف العصف بهما.
وتوجد العديد من القوانين التي تُقيد هذه الحقوق والحريات، على سبيل المثال، قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الإعلام والصحافة، حيث تُعطي المواد الواردة بالقانونين صلاحيات للجهات القضائية والأجهزة الشرطية والمجلس الأعلى للإعلام تسمح بحجب المواقع والحسابات لاعتبارات الأمن القومي أو في حالة نشر أو بث أخبارً كاذبة أو ما يدعـو إلى الطعن فى أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الديني.
أيضا قانون العقوبات المصري وقانون الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب، حيث استخدمته السلطات في توجيه اتهامات لنشطاء الإنترنت والمدونين والصحفيين والإعلاميين، تتعلق بنشر الأخبار الكاذبة والانضمام أو الترويج لجماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل الاتصال. كما تسمح مواد هذه القوانين بحظر استخدام وسائل اتصال مُعينة أو المنع من حيازتها أو إحرازها، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات
كما تُبدي المؤسسات الموقعة مخاوفها، حول دعوة النائب العام للتوسع في السياسات التشريعية المُتعلقة بالفضاء السيبراني، وما قد يترتب على ذلك من فرض قيود على حرية التعبير أو انتهاك لخصوصية مُستخدمي التطبيقات المختلفة، وتأتي هذه المخاوف في ظل توافر دلالات على تطبيق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي يفرض عقوبة الحبس وغرامة مالية لجرائم أخلاقية يصعب معرفة أركانها، أو التأكد من صحتها، مثل جريمة الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
وترى المؤسسات الموقعة أن الإنترنت هو المساحة الأخيرة للمصريين للتعبير عن آرائهم في ظل تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والحقوقية، كما ترى أن قضيتي حنين حسام وسما المصري تعبران عن إصرار السلطات الأمنية والقضائية المصرية على العصف بحرية استخدام الإنترنت وحرية التعبير الرقمي مثلما فعلت مع الحق في التظاهر وحرية الصحافة وحريات أخرى.
كما تؤكد المؤسسات الموقعة أن الدستور المصري يكفل للأفراد الحماية القانونية اللازمة لضمان حرياتهم وحقوقهم الأساسية، وهي الضمانات التي يجب أن تأخذها السلطات بشكل أكثر جدية. كما ترى أن ممارسات الأفراد لا يجب أن يتبعها ملاحقتهم قضائياً بدعاوى فضفاضة مثل الحفاظ على القيم المجتمعية والعادات والتقاليد.
وتطالب المؤسسات الموقعة على البيان بمراجعة شاملة للقوانين التي تُقيد الحقوق والحريات وإلغاء العبارات والمصطلحات التي تهدد الحريات الفردية والعامة سواء على المستوى الأكاديمي، الفكري والإبداعي أو العمل المدني والسياسي والمشاركة المجتمعية. كما وأخيرا تطالب المؤسسات الموقعة السلطات المصرية بالتوقف عن سياساتها وممارساتها التي تُقيد الحقوق والحريات الأساسية خاصة ما يتعلق بحرية الإنترنت وحرية الوصول للمعلومات و تطالب برفع الحجب عن المواقع الإلكترونية والإفراج عن السجناء على خلفية قضايا ذات الصلة بحرية التعبير واستخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
المؤسسات الموقعة:
مسار (مجتمع التقنية والقانون)
مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان – دعم
اكسس ناو
منظمة ويتنس
سميكس
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان