مقدمة
لألعاب الفيديو (Video Games) أهمية كبيرة كواحدة من أكثر الصناعات تأثيرًا في المجتمع نتيجة لانتشارها المتزايد، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية، ولأنها تقدم محتوى يخاطب مستخدميها من خلال عناصر جذب عدة مما يسهل معه تلقي المستخدم لهذا المحتوى وتأثره به. كذلك تمثل ألعاب الفيديو الوسيط الأكثر جاذبية للمراهقين والشباب، متجاوزة بذلك وسائط أخرى مثل التلفاز، ومن ثم فهي ذات تأثير بالغ الخطورة على تكوين الأفراد الفاعلين في المجتمع في المستقبل القريب.
العلاقة بين ألعاب الفيديو والجندر كانت لزمن طويل موضوعًا للعمل البحثي المكثف، حيث درس الباحثون جوانب عدة لهذا الموضوع. تعتمد ألعاب الفيديو على اجتذاب مستخدميها بتقديم بيئات افتراضية يمكن الاستغراق فيها لفترات طويلة. وفي كثير منها يتعايش المستخدمون مع حبكات درامية لمسار حياة شخصيات تمر بتجارب وعلاقات مختلفة بشخصيات أخرى.
تمثل الهوية الجندرية لتلك الشخصيات جانبًا هامًا من المسارات الدرامية التي يعايشها مستخدمو هذه الألعاب، وتنعكس هذه الهويات الافتراضية في سلوكيات وتفضيلات يمكن للمستخدمين أن يتوحدوا معها بحسب قدر انغماسهم في اللعبة. يجعل هذا ألعاب الفيديو مصدرًا هامًا للتمثيلات الجندرية التي يمكن للمستخدمين تبنيها وبناء تصوراتهم الجندرية حولها.
سُوقت ألعاب الفيديو تاريخيًا بشكل يستهدف الذكور، مع تقديم عديد من الألعاب الأقدم ابطالًا من الرجال ومواضيع متصلة تقليديًا بالذكورة. أدى ذلك إلى تمثيل مشوه للجندر في ألعاب الفيديو.
ركزت عديد من الدراسات على تمثيل الجندر في ألعاب الفيديو، مبرزة الاختلافات في الأدوار والمظهر والسلوك لكل من شخصيات الذكور والإناث في هذه الألعاب. وقد وجدت هذه الدراسات أن شخصيات الذكور تُمثّل بطولية وقوية، وكثيرًا ما تظهر مرتدية ملابس عسكرية، في حين تلعب الشخصيات النسائية أدوارًا ثانوية، وهي أقل قوة وترتدي معظم الوقت ملابس كاشفة.
الاختلافات الجندرية في تفضيلات ألعاب الفيديو كانت أيضًا موضوعًا لعديد من الدراسات التي أظهرت أن الأولاد يميلون إلى تفضيل الألعاب التي تبرز القوة الجسدية مثل ألعاب الرياضات، القتال، والرماية/إطلاق النار، في حين تميل الفتيات أكثر نحو الألعاب الكلاسيكية، والألغاز، وألعاب كروت اللعب. وقد وجدت الدراسات أيضًا أن الأولاد أكثر ميلًا للعب ألعاب غير مناسبة لأعمارهم مقارنة بالفتيات.
كانت الطريقة التي تُمثّل بها النساء في ألعاب الفيديو موضوعًا لكثير من الانتقادات، حيث إن الشخصيات النسائية هي دائمًا نمطية وتظهر بطريقة مجنسنة. وتمتد تمثيلات الجندر في ألعاب الفيديو إلى ما وراء الشخصيات نفسها. فقد ركزت بعض الدراسات على الأنماط الجندرية في إعلانات ألعاب الفيديو وفي مقالات المجلات المتخصصة. أظهرت بعض الدراسات أن مقالات المجلات المتخصصة بدورها تظهر فيها شخصيات الذكور بطولية وقوية، في حين يتم تشييئ الشخصيات النسائية.
تطرقت الدراسات كذلك إلى خبرات اللاعبات من النساء والفتيات ودورهن في ثقافة ألعاب الفيديو. أبرزت هذه الدراسات تنامي ظاهرة إقبال النساء والفتيات على ممارسة ألعاب الفيديو، والحاجة إلى مزيد من الفحص لأعراض المشاكل النفسية المتصلة بهذه الممارسة. وقد استطلعت تلك الدراسات التصورات النمطية والأحكام المسبقة التي تضطر اللاعبات إلى مواجهتها في مجتمع ألعاب الفيديو، بما في ذلك تصور أنهن أقل أنوثة، أو غير اجتماعيات، وأنهن غير مجيدات للعب.
تسعى هذه الورقة إلى تغطية أكبر قدر ممكن من هذه الجوانب وتقديم صورة شاملة لتقاطع الجندر مع ألعاب الفيديو مع إبراز الحاجة إلى معالجة عديد من الجوانب السلبية التي لا تزال سائدة في كل من صناعة ألعاب الفيديو وما تقدمه من محتوى، وفي مجتمع لاعبي هذه الألعاب وسيادة قدر ملحوظ وطاغ من الذكورية والعداء للنساء فيه.
صناعة ألعاب الفيديو – الحجم والأثر الاجتماعي
-
ما هي ألعاب الفيديو؟
ألعاب الفيديو هو المصطلح الأكثر شيوعًا والذي يطلق على أنواع عدة من التطبيقات الإلكترونية والرقمية الترفيهية، والتي ظهرت لأول مرة في خمسينات القرن الماضي. ألعاب الفيديو الأولى لم تكن رقمية ولم تعمل على الحواسيب وإنما على ماكينات إلكترونية شبيهة بأجهزة التلفاز القديمة. أولى ألعاب الفيديو الرقمية يعود إلى بداية الستينات وتم تطويره على جهاز حاسوب ضخم من إنتاج IBM هو PDP-1 تحت اسم “حرب الفضاء“.
تطورت ألعاب الفيديو بشكل متسارع خلال العقود التالية خاصة مع ظهور وانتشار الحواسيب الشخصية في الثمانينات. ومنذ البداية كان لهذه الألعاب شعبية جارفة ومن ثم كان لها أثر بالغ على نمو صناعة الحواسيب وتطورها. بصفة خاصة كانت الحاجة إلى حواسيب قادرة على معالجة وعرض الرسوميات ثلاثية الأبعاد خصيصًا لتطوير ألعاب أكثر جاذبية سببًا في التطور السريع لوحدات معالجة متخصصة للرسوميات GPUs.
منذ البداية، كانت متطلبات تشغيل ألعاب الفيديو سببًا في وجود أجهزة متخصصة لها Game Consoles. وحتى يومنا هذا، وبالرغم من التطور الكبير للحواسيب واستخدامها لتشغيل الألعاب، فلا يزال ثمة سوق كبير لأجهزة الألعاب المتخصصة مثل PlayStation وXBox.
-
حجم صناعة ألعاب الفيديو واتجاهات نموها
نمت صناعة ألعاب الفيديو بشكل كبير خلال العقد الماضي، ومن المتوقع لقيمتها السوقية أن تصل إلى حوالي 3.6 مليار دولار في عام 2025. قُدّر حجم السوق العالمي لألعاب الفيديو بحوالي 195.65 مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع له أن ينمو بمعدل سنوي مركب قدره 12.9% في الأعوام من 2022 وحتى 2030.
مع الابتكارات الجديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، وتكنولوجيا الميتافيرس Metaverse، من المتوقع أن تشهد صناعة ألعاب الفيديو تطورًا كبيرًا يغير كثيرًا من ملامحها. أحدث الذكاء الاصطناعي بصفة خاصة موجات من التحديث في صناعة ألعاب الفيديو مما غير الطرق المعتادة للعبها. فالألعاب المدعومة بالذكاء الاصطناعي تسمح بخبرات مشخصنة personalized خصيصًا لكل لاعب على حدة، فتتوافق اللعبة مع نمط اللعب الخاص باللاعب. كما يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج محتوى بشكل لحظي ليخلق تحديات ومسارات جديدة للقصة مما يبقى اللاعبين منغمسين في اللعب لوقت أطول.
-
الأثر الاجتماعي لألعاب الفيديو
طوال عقود كان لألعاب الفيديو أثرًا كبيرًا على المجتمع. عديد من الألعاب الحديثة تُعلِم دروسًا في الحياة، مما قد يساعد اللاعبين على أن يصبحوا أعضاءً أفضل في المجتمع. على سبيل المثال، يمكن لألعاب الفيديو أن تحسن من قدرة الشخص على اتخاذ القرارات، وهو ما يمكن أن يؤثر في المجتمع ككل على المدى البعيد.
كذلك غيرت ألعاب الفيديو من الطريقة التي يتم بها إنتاج واستهلاك الصور الأخرى من الوسائط من الموسيقى إلى الأفلام وغيرها، فقد أصبح من المعتاد إنتاج أفلام سينمائية تدور حول الحبكة القصصية لإحدى ألعاب الفيديو الناجحة.
من حيث الصحة النفسية، يمكن لألعاب الفيديو أن تحسن من الأنشطة العقلية، بما في ذلك مهارات حل المشاكل والوعي بالفراغ والاتجاهات. ولكن عديد من الدراسات قد أثبتت وجود رابط بين الاستخدام المفرط لألعاب الفيديو وبين سلوكيات مثل الميل إلى العزلة الاجتماعية وانخفاض معدل التفاعل البشري وجهًا لوجه لتجنب التعامل المباشر مع الآخرين.
إضافة إلى ذلك، أظهر كثير من الدراسات أن لعب الألعاب الأكثر عنفًا يميل إلى زيادة السلوكيات والمشاعر العدوانية، وكذلك الميل إلى الاستثارة العصبية، كما أنه يقلل من السلوكيات الاجتماعية. في المقابل، من بين فوائد ألعاب الفيديو أنه يمكنها أن تحسن من مشاعر الرضا النفسي، فحسب بعض الاستطلاعات قال 40% من اللاعبين أن اللعب قد حسن من شعورهم بشكل أفضل معنويًا.
كيف يأخذ مطورو ألعاب الفيديو الجندر في اعتبارهم
-
الافتراضات الجندرية حول الجمهور المستهدف
لوقتٍ طويل كانت ألعاب الفيديو مجالًا ينخرط في العمل فيه ذكور غيريين جنسيًا في الغالبية العظمى منهم، ينتجون ألعابًا لأنفسهم ولغيرهم من الذكور الغيريين جنسيًا. حتى وقتنا هذا لم يتغير ذلك كثيرًا، على الرغم أنه طوال العقدين الأخيرين على الأقل تزايدت نسبة النساء والفتيات اللاتي يقبلن على استخدام ألعاب الفيديو، ويكاد يكون عددهن اليوم مماثلًا لعدد المقبلين عليها من الذكور.
ولكن بالإمكان القول بأن صناعة ألعاب الفيديو قد شكلت تقاليدها التي تعتمد على افتراض أن جمهورها المستهدف هو من الذكور في أعمار المراهقة والشباب، وتحديدًا من الغيريين جنسيًا. يضاف إلى ذلك افتراضات تتعلق بالعنصر واللون أيضًا تميل إلى افتراض أن المستخدمين هم من المجموعات السكانية صاحبة الأغلبية مع تمثيل ضئيل للأقليات. تتقاطع هذه الافتراضات بدورها مع الافتراضات الجندرية في كثير من الأحوال.
-
التصورات الجندرية في تصميم الألعاب
اتجاه ألعاب الفيديو إلى استهداف جمهور من الذكور الغيريين جنسيًا وبصفة محددة من خلال التصورات التقليدية النمطية عما يرضي خيال هذه الفئة، يجعلها من حيث التصميم تميل إلى تعزيز التصورات الجندرية النمطية.
تميل ألعاب الفيديو في كثير من الأحيان إلى تعزيز شعور اللاعبين الذكور بالقوة وحرية الحصول على كل ما يرغبون فيه. في المقابل، تعكس الخيارات التصميمية في ألعاب الفيديو للشخصيات النسائية التناقض الذكوري المتراوح ما بين صورة المرأة البريئة التي في حاجة إلى حماية الذكر وانقاذه لها من المآزق التي تتعرض لها، وما بين المرأة المستقلة القوية التي تسعى إلى استغلال الذكور والقضاء عليهم في النهاية.
استبعاد أن تكون الشخصية الرئيسية للعبة امرأة هو القرار التصميمي الأول الذي يستتبعه حصر الشخصيات النسائية في الأدوار الثانوية، وهو ما يعني اهتمامًا أقل بإضافة أي عمق لهذه الشخصيات. يشمل ذلك أن يكون نصيب الشخصيات النسائية في الحوار ضئيل للغاية وهو في معظم الأحوال غير ذي أهمية في تطور أحداث اللعبة.
بصفة عامة، تتلقى الشخصيات النسائية في ألعاب الفيديو قدرًا أقل كثيرًا من اهتمام المصممين فيما يتعلق بفعاليتها وقدراتها. في المقابل، ينصب اهتمام المصممين على الجوانب الشكلية من حيث الصفات الجسدية والثياب، وهم في اهتمامهم بهذه الجوانب يتجاهلون الاتساق المنطقي من حيث ملائمة الجوانب الشكلية لمسار اللعبة أو تفاصيلها الأخرى.
-
الجندر في عمليات تسويق الألعاب
صناعة الإعلان والتسويق ذات توجه واضح في الاستهداف على أساس الجندر، ومن ثم ليس مفاجئًا أن تكون سياسة الصناعة لتسويق ألعاب الفيديو تعتمد على أنها منتج موجه خصيصًا للذكور. ينعكس ذلك في كون المواد الإعلانية عن ألعاب الفيديو تميل إلى إبراز الجوانب المتعلقة بالعنف وبالإثارة الجنسية.
يستخدم المحتوى الإعلاني لألعاب الفيديو بصفة شبه دائمة العنصر النسائي في صورة مجنسنة (تحصر النساء في جانبهن الجنسي) بشكل مبالغ فيه، حتى وإن لم يكن ذلك يمثل حقيقة محتوى اللعبة المعلن عنها. ينتج عن ذلك أن المحتوى الإعلاني عن ألعاب الفيديو كثيرًا ما يكون منفرًا للنساء اللاتي إما لا يشعرن بالتماثل مع الشخصيات النسائية المقدمة في هذا المحتوى، أو يشعرن بالإهانة لاختزال النساء في الجانب الجنسي من هوياتهن.
الشخصيات النسائية في ألعاب الفيديو
التمييز الجندري في ألعاب الفيديو بالغ الوضوح في الطريقة التي تُقدَم بها الشخصيات النسائية في هذه الألعاب. ثمة تفاوت واضح بين الطريقة التي تُقدِم بها الألعاب شخصيات الرجال في مقابل شخصيات النساء.
تُمَثِل شخصيات الرجال بأنواعها المختلفة النسبة الغالبة في ألعاب الفيديو، وبصفة خاصة، يقل عدد الشخصيات النسائية التي يمكن أن يختارها اللاعبون للعب من خلالها. وبالتالي، فإلى جانب قلة عدد الشخصيات النسائية، فأغلب هذه الشخصيات النسائية هي شخصيات غير قابلة للعب NPC، وهو ما يعني من حيث المبدأ أنها شخصيات ثانوية وفي أحيان كثيرة ديكورية. في أغلب الألعاب التي تدور حول شخصية واحدة رئيسية تكون هذه الشخصية لرجل، وحتى وقتٍ ليس ببعيد، كان يندر أن تكون الشخصية الرئيسية امرأة.
تتلقى شخصيات الرجال الاهتمام الأكبر من المصممين، ومن ثم فهذه الشخصيات تتسم بالعمق في كثير من الأحيان. وبوصفها الشخصيات الرئيسية التي يستخدمها اللاعبون أغلب الوقت للعب من خلالها، يهتم المصممون بإضفاء الكثير من الصفات الإيجابية عليها، أو على الأقل الإيجابية في التصورات النمطية عن الذكور.
يغلب على شخصيات الرجال أن تكون بطولية، مغامرة، قوية، ذكية، تمتلك قدرات متعددة ومهارات مختلفة. في المقابل تتلقى الشخصيات النسائية قدرًا ضئيلًا من الاهتمام من حيث صفاتها السلوكية والعقلية، وهي في الغالب شخصيات أحادية الأبعاد تنحصر في التصورات النمطية التقليدية عن النساء بصفة عامة. ويغلب على تلك الشخصيات الضعف والحاجة الدائمة إلى مساعدة الرجال.
الجانب الذي يتلقى اهتمام المصممين عندما يتعلق الأمر بالشخصيات النسائية هو الصفات الشكلية والمظهر. يتم التركيز على إبراز مصادر الإغراء والجاذبية الجنسية من خلال المبالغة في إبراز ملامح جسدية بعينها. ويضاف إلى ذلك اختيار ثياب الشخصيات النسائية بحيث تكشف عن أكبر مساحة ممكنة من أجسادهن، بعض النظر عن مدى ملائمة ذلك للدور المفترض أن يلعبنه في حبكة اللعبة أو الظروف المحيطة.
ينتج عن ذلك التوجه في تصميم الصفات الشكلية والمظهر للشخصيات النسائية في ألعاب الفيديو تشييئ وجنسنة هذه الشخصيات. والمقصود بالتشييئ Objectification هو أن تلك الشخصيات تفتقد إلى أي عمق إنساني وتتحول إلى مجرد أشياء ينحصر الغرض منها في الإثارة الجنسية. أما الجنسنة Sexualization فتعني حصر المرأة في الجانب الجنسي من هويتها. وتمتد هاتان الظاهرتان إلى ما وراء الصفات الشكلية والمظهر إلى سلوك الشخصيات النسائية والأدوار التي تلعبنها.
النساء ومجتمع لاعبي ألعاب الفيديو
-
تجارب النساء في مجتمع لاعبي ألعاب الفيديو
طوال السنوات الأخيرة كانت النساء جزءًا لا يتجزأ من مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو، وذلك على الرغم من أن خبراتهن وإسهاماتهن قد تم التغاضي عنها وتجاهلها أو تهميشها في أغلب الأحيان. مع ذلك، ألقت الدراسات الأحدث الضوء على السبل المتنوعة التي انخرطت بها النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو والتحديات التي واجهنها في هذه المجتمعات.
أحد الجوانب المهمة لخبرات النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو هو الطريقة التي يجسدن بها هوية لاعب ألعاب الفيديو. وقد أظهرت الدراسات أن تفضيلات النساء في اللعب هي شخصية وسياقية، أكثر منها جندرية على وجه التحديد. النساء اللاتي يمارسن ألعاب الفيديو هن مجموعة متنوعة ويمكن تجسيد هوياتهن كلاعبات بطرق متعددة. هذا يمثل تحديًا لفكرة أن ثمة “لاعبة أنثى” بصيغة المفرد كنوع وحيد، وهو يبرز أهمية الاعتراف بالاستقلالية الفردية لكل امرأة في مجتمع لاعبي ألعاب الفيديو.
مع ذلك، من المهم الاعتراف بأن النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو يواجهن دائمًا تصورات نمطية قائمة على الجندر، كما يواجهن صورًا للتمييز ضدهن. الصور النمطية السائدة في مجتمع الألعاب يمكنها أن تدعم تصورات نمطية جندرية من شأنها ألا تشجع مشاركة النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو. اللاعبات قد يختبرن أيضًا تفاعلات سلبية وتحرش من قبل اللاعبين الآخرين، في إطار الألعاب متعددة اللاعبين من خلال الإنترنت، وفي مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو.
مع تزايد أعداد النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو، بدأت كثيرات منهن في مناقشة الطريقة التي تُمَثل بها النساء في هذه الألعاب. يؤدي هذا النقاش عادة إلى نشوء استقطاب بين أفراد هذه المجتمعات. الطريقة التي تُمَثل بها النساء في ألعاب الفيديو هي سبب دائم لاستياء أغلبهن، كما أنها مسؤولة عن كثير من التشييئ والتهميش الذين تواجههما النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو.
في الوقت الذي أدى فيه تزايد أعداد اللاعبات من النساء إلى نشوء حركة في صناعة ألعاب الفيديو تتجه نحو تعددية وشمولية أكثر في تمثيل النساء في هذه الألعاب، فإن هذه الحركة تواجه مقاومة شرسة من عدد كبير من اللاعبين. يوجه هؤلاء اللاعبين غضبهم على التغييرات الطارئة على الصناعة إلى النساء في مجتمعات اللاعبين.
بالرغم من التحديات التي تواجهها النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو، فهن يحاولن أن يكون لهن اسهام ذو معنى في هذه المجتمعات. وقد أظهرت الدراسات أن اللاعبات ينخرطن بشكل نشط في بناء شبكات لأصحاب وصاحبات الميول المتشابهة وفي خلق مجتمعات داعمة. كذلك تلعب اللاعبات أدوارًا مهمة في تطوير ودعم الألعاب المستقلة. وقد كانت اللاعبات من النساء صاحبات دور أساسي في تحدي الوضع القائم في صناعة الألعاب وفي الدفاع عن خبرات لعب أكثر شمولية وتنوعًا.
ينبغي ملاحظة أن خبرات النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو يمكن أن تتباين بناء على عوامل منها السياق الثقافي والخلفيات الفردية. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن النساء يتفاوضن حول هوياتهن كلاعبات في مواجهة الخطاب المهيمن بين اللاعبين، مبرزات كل من التحديات والفرص المتاحة للنساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو.
-
علاقة كراهية النساء والعنف ضدهن بمجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو
أبرزت وقائع عدة تفشي كراهية النساء والميل إلى ممارسة صور من العنف ضدهن بين الذكور في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو. تدور هذه الوقائع دائمًا حول الانتقادات التي توجهها نسويات ونساء أخريات إلى الطريقة التي يتم بها تمثيل النساء من خلال الشخصيات النسائية في ألعاب الفيديو.
في عديد من الحالات، واجهت النساء اللاتي أفصحن عن هذه الانتقادات موجات شرسة من الهجوم والتحرش والتهديدات بالاغتصاب والقتل قامت بها مجموعات من لاعبي ألعاب الفيديو في جهد شبه منظم بغرض إسكات هذه الأصوات الناقدة.
لا يمكن الفصل بين الظواهر المتكررة التي تؤكد تفشي كراهية النساء والميل لممارسة العنف ضدهن بين لاعبي ألعاب الفيديو وبين النمط السائدة للتعامل مع الجندر في هذه الألعاب. ثمة شكل من التغذية والتغذية الراجعة ينتج عنه تعزيز مستمر لذكورية الكثير من ألعاب الفيديو وذكورية بعض لاعبي هذه الألعاب. وما ينتج عن ذلك هو نوع من الثقافة الفرعية الخاصة بهؤلاء اللاعبين تتميز بقدر مضاعف من الذكورية ومعاداة النساء.
الآثار النفسية والسلوكية لألعاب الفيديو
-
الآثار النفسية والتكوينية لألعاب الفيديو على الفتيات
الآثار النفسية لألعاب الفيديو على الفتيات والشابات كانت موضع عدة دراسات في الآونة الأخيرة. استكشفت عديد من الدراسات الجوانب المختلفة لهذا الموضوع، بما في ذلك أثر محتوى ألعاب الفيديو، والطريقة التي يتم بها تمثيل الجندر فيها، والديناميات الاجتماعية في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو.
أظهرت الدراسات أن ميل كثير من ألعاب الفيديو إلى تمثيل النساء بصورة مجنسنة مبالغ فيها يمكن أن يسهم في آثار نفسية سلبية على اللاعبات. وقد وُجِد أن التعرض لشخصيات نسائية مجنسنة في ألعاب الفيديو قد يؤدي إلى تشييئ-الذات والشعور بمستويات متدنية من الكفاءة-الذاتية بين اللاعبات من الفتيات. ويمكن أن يكون لذلك أثر كبير على تقدير اللاعبات لذواتهن وعلى صحتهن النفسية بصفة عامة.
إضافة إلى ذلك، تمثيل النساء كسلبيات أو منصاعات يمكن أن يعزز التصورات الجندرية النمطية وأن يسهم في تهميش النساء في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو، وهذا له أثر نفسي على اللاعبات الفتيات اللاتي يرغبن في إيجاد مكان لهن بهذه المجتمعات.
غلبة العنف ضد النساء في ألعاب الفيديو هي جانب آخر له أثر نفسي كبير على اللاعبات. أظهرت الدراسات علاقة بين التعرض لألعاب الفيديو العنيفة وبين الميول السلوكية السلبية تجاه النساء، وكذلك تزايد السلوك العدواني. وقد يسهم التشييئ الجنسي للنساء والعنف ضدهن في ألعاب الفيديو في تطبيع هذه السلوكيات وهو ما قد يكون له أثر دائم على اللاعبات وخاصة الفتيات صغيرات السن.
البيئة السائدة في مجتمعات لاعبي ألعاب الفيديو لها بدورها أثر مهم على نفسية الفتيات، فاللاعبات الإناث يواجهن تحرشًا وتمييزًا بما في ذلك التحرش الجنسي في هذه المجتمعات. ويمكن لذلك أن يؤدي إلى ضغوط نفسية وآلام جسدية ومشاكل في الصحة العقلية. ويمكن للخبرات السلبية والبيئة العدائية أن تدفع الفتيات إلى عدم المشاركة بشكل كامل في ممارسة الألعاب وأن تسهم في مشاعر الإقصاء والاغتراب.
-
الآثار النفسية والتكوينية على الأولاد والشباب
يعيش المراهقون والشباب صغار السن من خلال ألعاب الفيديو في عالم يشعرون فيه بأنهم مركزه بصفتهم ذكور قبل أي شيء آخر. يعزز هذا ارتباطًا نفسيًا وعقليًا بين قيمة الذات والذكورة، وكذلك شعورًا باستحقاق جندري يتناقض مع الواقع الفعلي. من شأن ذلك أن يولد قدرًا من النقمة والغضب تجاه ما قد يعتبره هؤلاء انتقاصًا من قدرهم وحقوقهم في الواقع الفعلي. يولد التعرض الكثيف لمظاهر العنف بصفة عامة والعنف ضد النساء بصفة خاصة المستشرية في ألعاب الفيديو ميلًا لدى الأولاد والشباب إلى النظر إلى العنف الجندري بأنه مبرر في مواقف مختلفة.
خاتمة
سعت هذه الورقة إلى تقديم صورة شاملة للعلاقة المتشعبة والمركبة بين ألعاب الفيديو وبين الجندر. في المحصلة تنشئ ألعاب الفيديو عالمًا افتراضيًا يدور حول مركز رئيسي هو الذكر الغيري جنسيًا.
يتبدى بوضوح سعي مصممي ألعاب الفيديو إلى اجتذاب اللاعبين الذكور بجعل هذا العالم الافتراضي مرضيًا لرغباتهم وأكثر أحلامهم جموحًا. ينعكس ذلك على تصميم الشخصيات النسائية التي تظهر عادة ضعيفة وسلبية وفي الوقت نفسه مثيرة.
وفي حين أن هذه الصورة السائدة في ألعاب الفيديو لها بالتأكيد أثرها على تعزيز التصورات النمطية الجندرية التقليدية في المجتمع، فلا ينبغي إغفال حقيقة أن علاقة هذه الصورة بالتصورات الجندرية السائدة في المجتمع هي علاقة تبادلية. مصممي ألعاب الفيديو لا يبتدعون التصورات النمطية الجندرية في ألعابهم من فراغ، وإنما هم يعبرون بصراحة كاملة عن المسكوت عنه ضمنًا في الثقافة السائدة التي لا تزال مشبعة بالتمييز ضد النساء وإن حاولت على السطح التخفيف من حدة هذا التمييز.
المطالبة بأن تكون ألعاب الفيديو أكثر شمولية وإرضاءً لتفضيلات الطيف الجندري للاعبيها هي بالتأكيد ضرورية. نجاح المطالبة في تغيير صناعة ألعاب الفيديو بشكل ملموس ومتسق مع قيم المساواة الجندرية لن يتحقق بشكل كامل إن لم يشهد المجتمع ككل تغييرًا حقيقيًا تختفي معه مظاهر كراهية النساء والتمييز ضدهن وتسود معه المساواة الكاملة والاحترام الحقيقي للاختلافات الجندرية.