تأثيرات التقنيات الصينية على حقوق الإنسان – الجزء الثاني

 

مقدمة

الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية الموجهة للمستهلك هو ظاهرة عالمية، تمتد بصفة خاصة إلى الدولة النامية والفقيرة، نظرًا لتقديم شركات التكنولوجيا الصينية منتجاتها بأسعار رخيصة مع تمتع هذه الأجهزة بمزايا شبيهة بالتي تتمتع بها أجهزة الشركات المنافسة ذات اﻷسعار الباهظة مقارنة بمتوسط الدخل في هذه الدول. ليس مثيرًا للدهشة إذن أن السوق المصري هو أحد تلك اﻷسواق التي تحوز المنتجات الإلكترونية والرقمية الصينية منها على نصيب كبير. المنتجات الصينية مثل أجهزة الراوتر والهواتف الذكية وكذلك كاميرات المراقبة، قد أتاحت لملايين المصريين الدخول إلى العصر الرقمي، وهو ما لم يكن ليحدث لو لم تكن هناك بدائل لأجهزة الشركات اﻷوروبية واﻷمريكية التي تتجاوز أسعارها القدرة الشرائية للغالبية العظمى من المصريين.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم قدرٍ كافٍ من المعلومات التي ترسم صورة واضحة للمخاطر التي تشكلها منتجات والخدمات التي تقدمها شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية على الحقوق اﻷساسية للمواطنين المصريين، وهي تحاول إيضاح حجم هذه المخاطر بتقديم معلومات على مدى تغلغل هذه المنتجات وانتشارها في السوق المصري، كما تحاول شرح طبيعة هذه المخاطر باستخدام أمثلة تم الكشف عنها في أنحاء مختلفة من العالم.

ما المقلق في الشركات الصينية أكثر من غيرها؟

أي شركة ساعية للربح أيا كانت جنسيتها هي مصدر للقلق بقدر ما، ففي نهاية المطاف لا يمكن توقع أن تضع أي مؤسسة ربحية مصالح عملائها قبل مصالحها، إلا إذا أجبرتها على ذلك قوانين صارمة وفعالة لحماية المستهلك، و/أو كانت تخشى على سمعتها ومن ثم نسب مبيعاتها وأرباحها إذا ما اكتشف أنها تضر بمصالح عملائها. على هذا اﻷساس يمكن عادة الاطمئنان إلى الشركات التي تخضع لقوانين دول ذات قضاء مستقل. وليس هذا هو حال الصين مثلها في ذلك مثل جميع الدول ذات اﻷنظمة الشمولية غير الديموقراطية. ولكن الشركات الصينية كغيرها تهتم كثيرا بالحفاظ على سمعتها لحفظ معدلات مبيعاتها ومن ثم أرباحها، فما الذي يجعلها مقلقة أكثر من غيرها؟

اﻹجابة المختصرة هي العلاقة الوثيقة أكثر مما هو معتاد وأكثر مما ينبغي بين الشركات الصينية بمختلف مجالات عملها وبين النظام الحاكم في بكين وبصفة خاصة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. هذه العلاقة في جانب منها قسرية، ولكنها أيضا طوعية وتنطوي على تبادل للمنفعة في كثير من اﻷحيان. وهي على جانب آخر علاقة يؤسس لها القانون، ولكنها تخضع معظم الوقت لتوجيهات مباشرة خارج إطار القانون.

في يونيو عام 2017 أصدرت الصين قانونا جديدا للاستخبارات يلزم اﻷفراد والمنظمات والمؤسسات بمعاونة مسؤولي اﻷمن العام وأمن الدولة في تنفيذ عملهم الاستخباراتي، وينضم هذا القانون إلى سلسلة من القوانين التي صدرت في عهد الرئيس الصيني شي جينبينج، ومنها قانون مكافحة الجاسوسية والذي ينص على أنه “عندما تقوم أجهزة المخابرات بشكل قانوني بتنفيذ عمل استخباراتي، يمكن لها أن تطالب الجهات والمنظمات أو المواطنين المعنيين بتقديم الدعم والعون والتعاون المطلوبين.” وهذا يعني ببساطة أن أي مؤسسة أعمال صينية خاضعة للقانون الصيني يمكن في أي وقت أن تكون شريكة بموجب القانون في عمل استخباراتي يؤديه أي جهاز مخابرات صيني. ومن الواضح كيف يمكن لذلك أن يكون مصدر قلق لحكومات الدول اﻷخرى، ولكن طبيعة الدولة الصينية تجعل منه مصدر قلق أيضا لمؤسسات اﻷعمال اﻷجنبية بل وللأفراد أنفسهم.

لكن المشكلة لا تكمن فقط في التهديد المباشر ﻷمن الدول اﻷخرى واﻷفراد الذين قد يكونوا موضع اهتمام النظام الصيني ﻷي سبب، وإنما هي أوسع من ذلك وتتعلق بالفلسفة وراء صناعة تكنولوجيا المراقبة التي تطورها الشركات الصينية في أحضان نظام سلطوي يحلم بمراقبة شاملة غير مسبوقة. المزايا التي يمنحها هذا النظام لشركات التكنولوجيا التي تعمل في خدمة تحقيق أغراضه، لا تتوقف عند الدعم المادي والسياسي ولكنها تمتد إلى مرونة كبيرة في محددات تصميم وتجربة وتطبيق أنظمة المراقبة التي تطورها. هذه المرونة تعني أن اعتبارات الخصوصية وغيرها من المحددات اﻷخلاقية، التي قد تجد شركات أخرى تعمل في نفس المجال في بلد آخر مضطرة إلى وضعها في الاعتبار، ليس لها وجود في ظل نظام لا يحترمها بأي شكل. على العكس من ذلك يسعى النظام الصيني إلى تحقيق أكبر قدر من التدخل في حياة وسلوك مواطنيه بحيث يشجع شركات التكنولوجيا على تطوير برمجيات ذكاء اصطناعي تعتمد على قواعد بيانات ضخمة مما يسمح لها بتحليل مزيد من الجوانب الشخصية للمخضعين لمراقبتها.

برمجيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها أن تحقق طموحات النظام الصيني، لا يمكن تطويرها دون كم هائل من البيانات المتنوعة، وإلى جانب تنافس شركات التكنولوجيا الصينية فيما بينها لنيل المزيد من التعاقدات داخل الصين، فالرغبة في التمدد إلى أسواق جديدة أيضا يدفعها إلى العمل على جمع أكبر قدر من البيانات بأسرع وقت لتطوير برمجياتها لتصبح نتائج تحليلها أكثر دقة وشمولية. وهذا دافع كاف ﻷن تستخدم هذه الشركات منتجاتها التي يباع منها ملايين الوحدات كل يوم في كل أنحاء العالم لتجمع مثل هذه البيانات دون اعتبار لخصوصية من تتغول هذه المنتجات بأنواعها على حياتهم الشخصية.

كاميرات المراقبة وتكنولوجيا التعرف على الوجوه

كاميرات المراقبة المرتبطة بنظم مركزية لجمع البيانات وتحليلها بواسطة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي ومنها تكنولوجيا التعرف على الوجوه هي اليوم في مقدمة نظم المراقبة، وهي اﻷكثر نموا وتوسعا حول العالم، ومعدلات تطور التكنولوجيات المتعلقة بها هي اﻷعلى على اﻹطلاق. وعلى جانب آخر، هذه النظم المتطورة للمراقبة هي بلا شك اﻷكبر خطرا على الحق في الخصوصية، وهي تهدد عمليا بمحو هذا الحق بشكل شبه تام، فلم يعد ثمة مكان بعيد عن أعين الكاميرات التي لا تنام، ولم يعد ثمة جانب من جوانب الحياة الشخصية للناس لا يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي تحليله بحيث تحولهم إلى احصائيات تنميطية يمكن توجيهها واستغلالها بل وإعادة تشكيلها بواسطة آليات الهندسة الاجتماعية.

يقدر عدد كاميرات المراقبة في العالم اليوم بحوالي مليار كاميرا، يوجد أكثر من نصفها في الصين. في مقدمة أكبر مصنعي نظم المراقبة في العالم توجد شركات صينية عملاقة مثل هيكفيجن، داهوا، سنستايم، وميجفي. اﻷكبر بين هذه الشركات وهي أكبر مصنعي كاميرات ونظم المراقبة في العالم هي هيكفيحن، الشركة التي أسسها في عام 2001 عدد من مهندسي شركة مجموعة تكنولوحيا اﻹلكترونيات الصينية المملوكة للدولة China Electronics Technology Group Corporation – CETC، سعت منذ البداية إلى التوسع عالميا فقامت في عام 2004 بتسجيل اسمها في أكثر من مائة دولة حول العالم. واليوم تقدر مبيعاتها العالمية بحوالي 27% من عوائدها التي وصلت إلى 12.42 مليار دولار في عام 2021. هيكفيجن لم تستمر طويلا كشركة خاصة مستقلة عن الدولة الصينية ففي عام 2008 قامت بنقل 48% من أسهمها إلى CETC مما يجعلها فعليا شركة تابعة لشركة مملوكة للدولة.

من المتوقع لسوق كاميرات المراقبة وأنظمتها في مصر أن ينمو بمعدل نمو تراكمي سنوي قدره 5.2%، ويزداد معدل الطلب على كاميرات المراقبة في مصر بما لا يقل عن 25% سنويا. في عام 2015 ذكرت مصادر عدة أن وزارة الداخلية المصرية تعد خطة لنظام قومي لكاميرات المراقبة المتصلة مركزيا في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة قومية لشؤون كاميرات المراقبة. وفي أغسطس عام 2020 صرح المتحدث الرسمي باسم الشركة المصرية ﻹدارة وتشغيل مترو اﻷنفاق بأنه ستتم ملاحقة المطلوبين أمنيا من خلال منظومة مراقبة جديدة. ويعتمد ذلك حسب نفس التصريحات على زيادة أعداد الكاميرات بخطوط المترو اﻷول والثاني والثالث، مع تزويد الكاميرات بتكنولوجيا التعرف على الوجوه. حسب تقرير موقع مصر 360 كانت الشركة قد كشفت عن أن شبكة الكاميرات الجديدة يمكن من خلالها التعرف على الوجوه المخزنة بقاعدة بيانات مصلحة اﻷمن العام ومصلحة اﻷحوال المدنية التابعين لوزارة الداخلية المصرية.

في نفس السياق كشف تقرير صحفي في فبراير من العام الحالي (2022) عن نجاح اﻷجهزة اﻷمنية في مصر خلال السنوات الماضية في نشر كاميرات مراقبة جديدة في شوارع المدن المصرية وفي مقدمتها العاصمة القاهرة. وحسب ما نقله التقرير عن مصدر داخل وزارة الداخلية المصرية تستخدم منظومة كاميرات المراقبة المشار إليها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتعرف على وجوه المطلوبين أمنيا، وكذلك للتعرف على وجوه المشاركين في المظاهرات وغير ذلك. حسب التقرير كانت أولى صفقات توريد كاميرات المراقبة المتقدمة في عام 2013، وتم تركيب الكاميرات المتضمنة في هذه الصفقة في المحطات الرئيسية لمترو اﻷنفاق، كونها حسب التقارير اﻷمنية في ذلك الحين أكثر عرضة للأعمال التخريبية التي قد يقدم عليها أعداء النظام. يشير التقرير أيضا إلى أن القاهرة تحتل المركز 67 بين مدن العالم من حيث عدد كاميرات المراقبة المثبتة في شوارعها وميادينها واﻷماكن العامة بها، وذلك بواقع 2.18 كاميرا لكل ألف شخص.

على جانب آخر، في إطار التوسع في نشر كاميرات المراقبة داخل المدن، ألزم قانون المحال العامة الجديد الصادر تحت رفم 151 لسنة 2019، أي مجال تجاري بتركيب كاميرات مرافبة كأحد شروط الترخيص له بالعمل. أسهم هذا النص القانوني في القفز بمعدلات شراء كاميرات المراقبة في السوق المصري. وبصفة خاصة سمح لكاميرات المراقبة الصينية على وجه التحديد بأن تحوز نسبة غالبة في السوق المصري نظرا لرخص أسعارها.

نشر موقع top1Ovpn، في نوفمبر من العام الماضي، تقريرا حول تحقيق أجراه فريق الموقع لكشف شبكات المراقبة التي تستخدم معدات كل من هيكفيجن وداهوا حول العالم. وفق قاعدة البيانات التي أسفر عنها التحقيق جاءت مصر في المركز الرابع والخمسين من حيث عدد شبكات المراقبة التي تستخدم معدات هيكفيجن وداهوا بمجموع قدره 25،000 شبكة، منها 7،236 لستخدمت معدات داهوا، في مقابل 17،834 استخدمت معدات هيكفيجن. المقصود بالشبكة هنا هو أي عدد من الكاميرات من واحدة فأكثر متصلة من خلال شبكة WiFi ولها عنوان إنترنت IP واحد.

مقارنة بالتكنولوجيات اﻷخرى التي نتعرض لها في هذه الورقة تمثل تكنولوجيا المراقبة باستخدام كاميرات القيديو المتصلة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي انتهاكا في حد ذاتها للحق في الخصوصية، وهو ما عبرت عنه كثير من المنظمات المحلية والدولية المعنية بحماية حقوق اﻹنسان. ولكن خطر هذه التكنولوجيات لا يقف عند حد انتهاك الحق في الخصوصية، فكما تؤكد منظمة العفو الدولية (أمنستي) “هناك خطر في أن تقدم أجهزة تنفيذ القانون على استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه كسلاح ضد الفئات المهمشة في مختلف بلدان العالم، فمن نيودلهي إلى نيويورك، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا التي تقتحم خصوصية المرء فتنقلب هويته نقمة عليه، وتهدر حقوقه اﻹنسانية.” وينقل تقرير منظمة العفو الدولية عن المدير التنفيذي ومؤسس منظمة “الذكاء الاصطناعي من أجل الناس” قوله “إن سوء استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه من جانب الشركة يضع اﻷبرياء … في صف مستديم للمشتبه بهم وينتهك حفنا في الخصوصية. لقد أصبحت تكنولوجيا التعرف على الوجه منتشرة في كل مكان ولا تخضع ﻷي ضوابط وينبغي حظرها.”

وفي حين تنشط حركة عالمية لمواجهة تكنولوجيا التعرف على الوجوه، بصفة عامة، وأيا كانت الجهة التي تعمل على تطويرها وتسويقها، بوصفها انتهاك فادح للحق في الخصوصية، فإن لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية التي تعمل على تطوير هذه التكنولوجيا موقع خاص. فهذه الشركات قامت بتطوير تكنولوجيا المراقبة كأداة قمع صريح وكانتهاك للحق في الخصوصية والحق في حرية الحركة لمواطني أقلية اﻹيجور المسلمة ذات الإثنية التركية في شمال شرقي الصين. ما قامت الصين بتنفيذه في إقليم شينجيانج الذي تسكنه أغلبية من اﻹيجور، هو نموذج للدولة البوليسية الكاملة الأوصاف في القرن الحادي والعشرين، وقد أتاح تعاون شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية الكبرى مثل هيكقيجن وداهوا وميفجي وهواوي وZTE وغيرها مع الحكومة الصينية في هذه الجريمة ضد اﻹنسانية، ليس فقط الحصول على تعاقدات ضخمة سمحت لها بالنمو والتوسع، ولكن أيضا حصولها على ميدان تجارب مفتوح أمكنها من خلاله تطوير تكنولوجياتها، وخاصة تلك المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتعلم اﻵلة والتي تحتاج إلى قدر ضخم من البيانات لتدريب برمجياتها للوصول إلى نتائج أكثر دقة. إن تفوق الشركات الصينية في هذا المجال هو نتيجة مباشرة لكونها شريك أصيل في القمع اللا إنساني، وينبغي أن يكون هذا في حد ذاته سببا كافيا لعدم التعامل معها.

تمثل تكنولوجيا المراقبة الصينية وخاصة تلك المعتمدة على الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه، نقلا ضمنيا للنموذج الصيني في القمع كما تمارسه الدولة الصينية ضد مواطنيها في شينجيانج. فأنظمة المراقبة هذه مصممة خصيصا لتعقب ومراقبة اﻷفراد دون تمييز لجمع أكبر قدر ممكن من البيانات التي يمكن استخدامها لاحقا لتحليل السلوكيات والميول الشخصية وتنميطها للوصول إلى سبل للتحكم في الجماعات حسب الميول الشائعة فيها. لا يقف اﻷمر عند اصطياد بعض المطلوبين لجهات اﻷمن سواء لارتكابهم جرائم جنائية أو لكونهم معارضين للنظام، ولكنه يتخطى ذلك إلى بناء أداة سيطرة وتحكم جماعي بهدف تطويع المواطنين أو غالبيتهم بحيث تضمن النظم السلطوية استمرارها.

وسائل الوصول إلى اﻹنترنت

أجهزة الراوتر

أجهزة الراوتر Routers هي المسؤولة عن فتح قنوات اتصال بين شبكة داخلية صغيرة مكونة من عدة أجهزة في منزل أو مكتب عمل تتصل بالراوتر إما بأسلاك أو لاسلكيا من خلال تكنولوجيا الواي-فاي WiFi، وبين الشبكات الخارجية، وبصفة أساسية شبكة اﻹنترنت. يستخدم أغلب من يتصلون بشبكة اﻹنترنت من داخل منازلهم عبر خطوط الهاتف الثابت/اﻷرضي أجهزة راوتر. وحيث أن عملية الاتصال تتم من خلال الراوتر، وتمر من خلاله كل البيانات المتبادلة بين اﻷجهزة على الشبكة الداخلية وبين شبكة اﻹنترنت فأي تلاعب أو عيب في هذه اﻷجهزة يمكن أن يلحق أضرارا بالغة بأجهزة مستخدميها وبياناتهم الخاصة. الخلل المتعمد اﻷكثر خطورة هو ما يسمى باﻷبواب الخلفية، والتي تعني أن يتيح الراوتر لجهة خارجية الولوج إلى الشبكة الداخلية دون إذن أو علم المستخدم، وهو ما يعرض البيانات الموجودة على اﻷجهزة إما للسرقة أو للعبث بها وحتى محوها كما يتيح مراقبة الاتصالات بين الشبكة الداخلية وبين اﻹنترنت، مع إمكان الحصول على بيانات حساسة مثل أرقام كروت الاعتماد والعبارات السرية للدخول إلى حسابات المستخدم على المواقع المختلفة.

يُمكن القول أن الغالبية العظمى من أجهزة الراوتر المستخدمة في مصر بأنواعها هي صناعة صينية. يحصل أغلب مستخدمي الإنترنت على أجهزة الراوتر الخاصة بهم من مقدم الخدمة الذي يوفر لهم الوصول إلى شبكة اﻹنترنت، ومن ثم فاﻷجهزة التي يبيعها أو يؤجرها مقدمو خدمة اﻹنترنت سواء من خلال خطوط الهاتف اﻷرضية، أو خطوط الهاتف المحمول، هي اﻷوسع انتشارا. تقدم المصرية للاتصالات تقدم لعملائها أجهزة راوتر ومودم USB وراوتر 4G، جميعها صينية الصنع وتحديدا من صنع شركتي ZTE وهواوي، ما عدا جهاز واحد من صنع شركة نوكيا. على نفس النهج تقدم كل من فودافون وأورانج أجهزة راوتر من أنواع مختلفة معظمها صينية الصنع، إما من صنع شركة هواوي أو ZTE. وتقدم أورانج أجهزة تحمل العلامة التجارية ألكاتل الفرنسية والمملوكة حاليا لشركة نوكيا، ولكنها من صنع TCL الصينية وفق اتفاق يسمح للشركة الصينية باستخدام العلامة التجارية ويسري حتى عام 2024.

تواجه أجهزة الراوتر الصينية خاصة التي تصنعها كل من هواوي وZTE اتهامات بخرق الخصوصية تعود إلى عام 2012، حيث أصدرت لجنة المخابرات بالكونجرس اﻷمريكي تقريرا أعده محققون تابعون لها. وقال المحققون أنهم يخططون لتقديم دليل إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، حول تجسس-سيبراني محتمل تمارسه شركتا ZTE ,هواوي. صرح بذلك عضو الكونجرس مايك روجرز رئيس اللجنة، في ذلك الوقت، وأضاف أن ثمة أدلة على أن أجهزة الشركتين تقوم بإرسال بيانات تخزنها إلى الصين. في وقت سابق من نفس العام انتقد خبيران في أمن الحواسيب انتقدا أجهزة الراوتر التي تنتجها هواوي، وينقل تقرير SBS عن أحدهما قوله “هذه الماكينات لديها مشاكل أمنية خطيرة.” ووصف الخبير أجهزة هواوي بأنها خطيرة قائلا “بالنسبة لي، الخطر اﻷكبر في ذلك اﻷمر هو أنك لا تعرف قدر هشاشتها، أنت متروك على عماك.” وأضاف قائلا أن أجهزة هواوي تستخدم كود على غرار المستخدم في التسعينات، وهو ما يجعلها “عرضة للاختراق أكثر مما هو مقبول.”

المشاكل المتعلقة بأجهزة الراوتر لها خطورة تتخطى المستخدم المباشر لها، فاﻷبواب الخلفية تتيح للهاكرز استخدام عناوين اﻹنترنت ﻷعداد كبيرة من أجهزة الراوتر لتشن من خلالها هجماتها ضد أهداف قد تبعد آلاف اﻷميال عن المكان الذي يوجد به جهاز الراوتر المخترق، كمثال عن ذلك قامت مجموعة من الهاكرز المعروف أنها على صلة بمؤسسات الدولة الصينية بشن هجمات سيبرانية على أهداف عدة في فرنسا في حملة استمرت ﻷسابيع خلال العام الماضي. ونقل تقرير ﻷحد المواقع المتخصصة عن الوكالة الوطنية الفرنسية لأمن النظم المعلوماتية أنه قد أمكن رسم خريطة تظهر عليها الدول التي توجد بها عناوين اﻹنترنت التي استخدمت في الهجمات وكان أكثرها في روسيا يليها مباشرة مصر. وهو ما يمكن تفسيره فقط بأن أجهزة الراوتر المستخدمة كانت بها أبواب خلفية يعلم بها الهاكرز مسبقا، وتشير كثافة هذه اﻷجهزة بمصر إلى كونها صينية الصنع.

المخاوف المتعلقة بكل من هواوي وZTE تزايدت مع الوقت وهو ما استدعى أن تقوم كثير من الدول باستبعادهما من عطاءات إنشاء شبكات الهاتف المحمول بتقنية 5G الجديدة. وكمثال أعلنت هواوي في أستراليا من خلال حسابها الرسمي على موقع التدوينات القصيرة تويتر أن الحكومة الأسترالية قد أبلغتها باستبعادها هي وZTE من تقديم خدمة 5G في أستراليا.

في عام 2013 اكتشف خبراء في أمن المعلومات في بولندا، بوابات خلفية في عدة موديلات من الراوتر من صنع تي بي لينك TP-Link الصينية. يقوم الجهاز بإنشاء وصلة راجعة إلى عنوان اﻹنترنت لجهاز المستخدم ويتصل بخادوم آخر لتحميل ملف يتم تنفيذه بصلاحيات تامة، مما يسمح له بإلحاق أضرار كبيرة بجهاز المستخدم وبياناته.

الهواتف الذكية

الهواتف الذكية هي اﻷجهزة اﻹلكترونية اﻷكثر شخصية وخصوصية في حياتنا اليومية. وهي تنتشر بمعدلات غير مسبوقة بين جميع الفئات العمرية والاجتماعية. وقد سمحت الشركات الصينية المصنعة للهواتف الذكية لعشرات الملايين حول العالم بامتلاك هواتف ذكية لم يكن بمقدورهم الحصول عليها من الشركات المنافسة نظرا للتفاوت الكبير في اﻷسعار. تقدم الشركات الصينية هواتف ذكية بأسعار رخيصة وبمزايا تضارع أجهزة منافسيها باهظة الثمن. وهذا ما جعلها اﻷوسع إنتشارا في أسواق الدول النامية وخاصة في إفريقيا، وما سمح لها حتى باختراق أسواق أوروبا والولايات المتحدة.

فيما يتعلق بسوق الهواتف الذكية في مصر، نقل موقع جريدة اﻷهرام في فبراير من العام الجاري (2022) عن مؤسسة أبحاث تسويقية تقريرا حول نسب مبيعات الهواتف الذكية في مصر. وحسب التقرير بخلاف سامسونج كوري الصنع، الذي كان في المقدمة بنسبة قدرها 32.8%، كانت الهواتف في المراكز من الثاني إلى السادس صينية الصنع وهي: أوبو Oppo من إنتاج جوانجدونج أوبو للاتصالات Guangdong OPPO Mobile Telecommunications بنسبة 25.7%، ريدمي Redmi (من إنتاج شاومي Xiaomi) بنسبة 12.3%، ريلمي Realme بنسبة 9.4%، إنفينيكس Infinix (من إنتاج إنفينيكس موبايل Infinix Mobile وهي شركة تابعة لترانسيون Transsion Holdings) بنسبة 7.2%، وفيفو Vivo بنسبة 4.3%. وهو ما يعني أن مجموع مبيعات الهواتف الذكية الصينية يمثل حوالي 60% من إجمالي مبيعات الهواتف الذكية في مصر.

جميع هذه الهواتف الذكية اﻷكثر مبيعا في السوق المصري قد تم تسجيل وقائع تخصها أو تخص الشركات المصنعة لها يتعلق معظمها ببرمجيات خبيثة مثبت مسبقا عليها إما تقوم بجمع بيانات المستخدم الشخصية وإرسالها إلى خوادم توجد في المدن الصينية أو تقوم بتثبيت برامج أخرى تنشئ اشتراكات بخدمات مدفوعة دون تدخل من المستخدم، أو احتوائها على عناصر إلكترونية تسمح بالولوج إليها عن بعد دون إذن أو معرفة المستخدم. هذه الوقائع لا حصر لها ولكننا في التالي سنستعرض بعض اﻷكثر أهمية وصلة بينها.

في عام 2016 اكتشفت شركة متخصصة في أمن الهواتف الذكية تدعى كريبتووير Krytpowire أن أكثر من 700 مليون جهازا من بين اﻷرخض ثمنا كان مثبت عليها مسبقا برمجيات صينية خبيثة مخبأة في هيثة تطبيق دعم للمستخدم. هذه البرمجيات كان لديها إمكانية الوصول إلى الرسائل النصية، دفتر المعارف، المكالمات، الموقع وبيانات أخرى شخصية للمستخدم، وقامت بإرسال هذه المعلومات إلى خادوم يوجد في مدينة شنجهاي الصينية.

في عام 2019 قامت شركة Secure-D المتخصصة في حماية شبكات الهاتف المحمول ضد التبادلات الاحتيالية بوقف 844،000 عملية تبادل عن طريق برمجيات خبيثة على أجهزة موبايل من صنع شركة ترانسيون الصينية، تواجدت هذه الأجهزة في عدة دول إفريقية منها مصر. حسب التقرير الذي أعدته بازفيد BuzzFeed عن الواقعة أكدت أن الخطر الذي تمثله البرمجيات الخبيثة المثبتة مسبقا على أجهزة الهاتف المحمول الصينية رخيصة الثمن يعد أكبر من ذلك الذي تشكله مخاطر اﻷبواب الخلفية في شبكات الـ 5G التي تنفذها شركة هواوي أو البيانات التي تجمعها شركة تيك توك من خلال تطبيقها.

في إبريل من عام 2020، نشر موقع فوربس حوارا مع باحث في مجال الأمن السيبراني عن تجربته مع هاتف ذكي من طراز ريدمي نوت 8 الذي تصنعه شركة شاومي، في خلاصة حديثه عن الجهاز قال جابي سيرليج “إنه بوابة خلفية مع وظائف هاتف.” في إطار الحوار أوضح سيرليج أنه اكتشف أن “الهاتف الذكي ريدمي نوت 8 الخاص به كان يراقب كثيرا مما كان يقوم به على الهاتف. وأن البيانات كان يتم إرسالها إلى خوادم بعيدة تستضيفها شركة صينية عملاقة أخرى هي على بابا، والتي كانت شاومي كما هو واضح تستأجرها.” الانتهاكات التي اكتشف سيرليج أن هاتفه يقوم بها شملت تعقب سلوكياته، جمع بيانات الجهاز، مما جعل سيرليج يخشى أن حياته الخاصة كانت مكشوفة للشركة الصينية. إضافة إلى ذلك فإن تطبيق التصفح من تطوير شاومي والمثبت على الجهاز مسبقا كان يسجل جميع المواقع التي يزورها بما في ذلك استفسارات مواقع ماكينات البحث سواء كانت جوجل أو موقع البحث المعني بالخصوصية داك-داك-جو، كما أن كل خبر يرد على خاصية التغذية باﻷخبار المطورة أيضا من قبل شاومي كان يتم تسجيلها، وبدا أن التعقب مستمر حتى في حالة التصقح الخفي. كما سجل الجهاز حاويات الملفات التي فتحها وأي شاشات ذهب إليها بما في ذلك شريط اﻷوضاع وصفحة اﻹعدادات. وبناء على طلب من فوربس قام خبير آخر بتعقب الواقعة واكتشف أن متصفحات شاومي المعروضة من خلال سوق جوجل للتطبيقات كانت تقوم بجمع نفس المعلومات.

في العام الماضي أصدرت المخابرات البلجيكية تحذيرا رسميا لمستخدمي الهواتف الذكية التي تنتجها ثلاث شركات صينية هي شاومي (Xiaomi)، وأوبو (Oppo)، ووان بلس (OnePlus)، مؤكدة أن الهواتف الذكية التي تصنعها هذه الشركات تعرض مستخدميها لخطر التجسس. وقالت أيضا أن الشركات الثلاث توجد بينها وبين الحكومة الصينية شراكات، وأن دولا أخرى أصدرت بخصوصها تحذيرات مماثلة منها الولايات المتحدة وهولندا.

تطبيقات التواصل الاجتماعي (تيك توك TikTok)

نشأت شركة تيك توك في سبتمبر 2017 كشركة أمريكية مقرها مدينة لوس أنجلوس ولكنها مملوكة لبايت-دانس الصينية والتي يقع مقرها الرئيسي في بكين. لاحقا قامت بايت-دانس بشراء تطبيق ميوزيكالي Musical.ly مقابل مليار دولار أمريكي، وتم دمج الشركتين في أغسطس عام 2018. صعد تيك توك بسرعة فأصبح التطبيق الأول المملوك لشركة صينية الذي يحقق اختراقا كاملا للسوق اﻷمريكي، فبلغ عدد مستخدميه في أمريكا حوالي 92 مليون مستخدم في عام 2020. وتركز نجاحه على المستخدمين في الفئة العمرية للمراهقة والشباب المبكر، متجاوزا في هذا القسم من السوق انستجرام كثاني أكثر التطبيقات شعبية فيه بعد سنابشات.

في يونيو من العام الماضي (2021)، نقل موقع سي إن بي سي CNBC عن خمسة موظفين سابقين بشركة تيك توك تأكيدهم أنها تخضع لسيطرة وثيقة من شركنها اﻷم بايت-دانس الواقعة في الصين. وقال هؤلاء الموظفون السابقون أن الحدود بين الشركتين غير واضحة. في تصريحات هؤلاء الموظفين إشارات واضحة إلى التدخل اليومي لمسؤولين من بايت-دانس في مجريات العمل اليومي لتيك توك إلى حد اضطرارهم للعمل لساعات طويلة حتى يكونون على استعداد لتلقي توجيهات المسؤولين في الصين مع فارق التوقيت الكبير بين بكين ولوس أنجلوس.

في يونيو من العام الحالي نشر موقع بازفيد BuzzFeed تقريرا بناء على تسجيلات صوتية مسربة لبعض مجريات اجتماعات داخلية في شركة تيك توك. في هذه التسجيلات ورد 14 تصريحا لتسعة من موظفي تيك توك تشير إلى أن مهندسين يعملون لشركة بايت-دانس ByteDance الشركة اﻷم المالكة لتيك توك يمكنهم الوصول إلى بيانات مستخدمي التطبيق في الولايات المتحدة. تغطي هذه التصريحات الفترة من سبتمبر 2021 وحتى يناير 2022، على اﻷقل. وينقل التقرير على وجه الخصوص قول موظف بقسم الثقة والسلامة في الشركة أن “كل شيء يرى في الصين.” كما ينقل عن أحد مدير الشركة وصفه لمهندس في الصين بأنه “المنسق اﻷعلى” الذي لديه إمكانية “وصول إلى كل شيء.”

المزعج في سيطرة بايت-دانس على مجريات العمل في تيك توك هو أن اﻷولى خاضعة للقوانين الصينية، التي تلزمها بالتعاون مع اﻷجهزة اﻷمنية والاستخبارات الصينية في أي عمل مخابراتي يطلب منها التعاون بصدده. بايت-دانس أيضا لها بالفعل تاريخ طويل مع التطبيقات التي أصدرتها أو اشترتها والتي اتهمت دائما بفرض رقابة على المحتوى المنتقد للحكومة الصينية.

على جانب آخر، أصدرت “إنترنت 2.0″، وهي شركة أمريكية-أسترالية متخصصة في الأمن السيبراني، قبل شهور قليلة، تقريرا عن تيك توك بعنوان “إنها كلمتهم في مقابل كود المصدر الخاص بهم”. اعتمد التقرير على تحليل لعمل تطبيق تيك توك وكود المصدر الخاص به، بشكل ستاتيكي وديناميكي طوال 12 يوما في يوليو من العام الحالي. وأثبت هذا التحليل أن تيك توك يقوم بجمع قدر هائل من البيانات الخاصة بالمستخدم وبجهاز الهاتف الذكي الذي يستخدم من خلاله. فهو يتعرف على جميع التطبيقات العاملة والمثبتة على الهاتف، وهو قدر كاف من المعلومات لبناء خريطة كاملة للجهاز. يقوم تيك توك أيضا بتوثيق موقع الجهاز كل ساعة، ويملك وصولا دائما لبرنامج اﻷجندة المستخدم على الجهاز، كما أن لديه وصول إلى دفتر المعارف وفي حال رفض المستخدم وصوله إليه يستمر في طلبه حتى يحصل عليه. ويحصل التطبيق كذلك على قدر كبير من التفاصيل حول الجهاز وشبكة الواي فاي WiFi المتصل بها والرقم التسلسلي لكارت خط الهاتف SIM card، ورقم الهاتف، ورقم البريد الصوتي، والاشتراكات المفعلة، وجميع الحسابات المسجلة على الجهاز، وأخيرا وهو اﻷكثر خطورة يحصل تيك توك على الوصول إلى المخزن المؤقت للبيانات المقصوصة أو المنسوخة Clipboard، وهو أمر بالغ الخطورة حيث أن برامج إدارة الكلمات السرية تستخدم هذا المخزن، كما أن مستخدم الجهاز كثيرا ما ينقل من خلاله الكلمات والأكواد السرية.

خدمات النقل التشاركي (ديدي Didi)

خدمات النقل التشاركي، هي خدمات لنقل الركاب عن طريق توفير تطبيقات للهواتف الذكية يمكن من خلالها للمستخدم حجز رحلة على سيارة من موقع إلى آخر. تعمل شركات النقل التشاركي كوسيط بين سائق السيارة وبين العميل وهي عادة لا تملك سيارات أجرة. أقر مجلس النواب المصري قانون تنظيم النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، والذي صدر في 11 بونبو 2018 تحت رقم 87 لعام 2018.

خدمات النقل التشاركي كأحد الخدمات التي تعتمد بشكل كامل على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي من أكثر الخدمات تقاطعا مع الحق في الخصوصية، حيث يتاح للشركات التي تقدم هذه الخدمة الاطلاع على عديد من البيانات الشخصية لعملائها، إضافة إلى إمكان تعقب تحركاتهم ورصد اﻷنماط المتعلقة بها للتوصل إلى معلومات مثل محل اﻹقامة ومحل العمل، وهو ما يمكن لتلك الشركات استخدامه لتحقيق أغراض خاصة بها، مثلما كشفت ملفات أوبر مؤخرا عديدا من الممارسات التي انتهكت خصوصية عملائها.

اختارت شركة ديدي الصينية، أكبر مقدمي خدمة نقل الركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات في الصين، أن تبدأ إطلاق خدماتها في مصر والشرق اﻷوسط من مدينة اﻹسكندرية في سبتمبر من العام الماضي، وأعلنت الشركة حينها “أنها ستقدم باقة ترحيب قيمتها 150 جنيها تشمل قسائم خصم للمستخدمين الجدد، كما ستقدم رحلات مجانية بقيمة 25 جنيها كل خميس لمدة أربعة أسابيع لعملائها.” وبالنسبة للسائقين نقل موقع مصراوي عن بيان للشركة قولها “إنها لن تحصل من السائقين على أي رسوم خلال اﻷربعة أسابيع اﻷولى من إطلاق الخدمة، مع منح السائق مكافأة مالية إذا قام بأ 10 رحلات خلال اﻷسبوع اﻷول، كما يحصل السائق على مكافأة 25 جنيه على كل دعوة مستخدم جديد ناجحة.” هذا النمط من المحفزات الدعائية شائع بين شركات النقل التشاركي عند دخولها إلى سوق جديد، ولكن ديدي بالتأكيد قد قدمت قدرا من المحفزات غير مسبوق.

في يناير التالي (2022)، أعلنت ديدي عن إطلاق خدماتها بصفة رسمية في العاصمة المصرية القاهرة، وهو ما اعتبره معلقون إعلاميون بؤجج المنافسة في السوق المصري. واهتم تقرير لموقع مصراوي حول الخبر بأن يشير إلى أن الصقفة التي بموجبها استبدلت أوبر فرعها في الصين لتخرج من سوقها في مقابل الحصول على نسبة من أسهم ديدي.

ديدي بمجموع عملاء قدره 600 مليون عميل يبلغ حجم أعمالها أربعة أضعاف حجم أعمال شركة أوبر.

تورط ديدي في خرق خصوصية عملائها كشفت عنه وكالة صينية رسمية هي الهيئة العليا المشرفة على الفضاء السيبراني في الصين. حسب قائمة الاتهامات التي وجهتها هذه الهيئة إلى ديدي، فقد انخرطت الشركة في جمع كم ضخم من البيانات الخاصة بعملائها واحتفظت بها. وشملت هذه البيانات مقاطع فيديو سجلتها كاميرات مراقبة مثبت في السيارات المستخدمة للخدمة.

في يوليو من العام الماضي أعلنت هيئة إدارة الفضاء السيبراني الصينية Cyberspace Administration of China (CAC) في بيان قصير نشر على موقعها على شبكة اﻹنترنت أن مؤسسات حكومية أخرى منها وزارة اﻷمن العام، ووزارة النقل، ووزارة الموارد الطبيعية، ستقوم بشكل مشترك باﻹقامة في مقر الشركة في بكين أثناء قيامها بفحص وثائقها. كان ذلك بعد شهر من بدء تحقيقات الهيئة نفسها في الاتهامات التي وجهتها إلى ديدي وشملت خرق خصوصية عملائها وتهديد اﻷمن القومي. وفي ذلك الحين هبطت أسهم الشركة بأكثر من 10% من سعرها، وهو ما دفع حملة أسهم الشركة إلى رفع دعاوى قضائية جماعية ضدها يتهمونها بنشر معلومات كاذبة واﻹخفاق في الكشف عن إمكانية تعرضها للتحقيق.

في يوليو الماضي غرمت الحكومة الصينية شركة ديدي بمبلغ قدره حوالي 8 مليارات يوان صيني وهو ما يكافئ 1.2 مليار دولار أمريكي. هيئة إدارة الفضاء السيبراني الصينية Cyberspace Administration of China (CAC) قالت أنه ديدي قد أدينت بجمع معلومات حول عملائها بشكل غير قانوني منذ عام 2015، وتعاملت مع البيانات بطريقة عرضت اﻷمن القومي للخطر. شملت الخروقات التي أقدمت الشركة على ارتكابها تخزين معلومات شخصية ﻷكثر من 57 مليون سائق بالمخالفة للقانون. هذه المعلومات تم تخزينها في صيغة غير مؤمنة. كما قامت الشركة بتحليل التفاصيل الخاصة بعملائها مثل أرقام الهواتف والصور وبيانات التعرف على الوجوه دون علمهم أو موافقتهم. مبلغ الغرامة يكافئ حوالي 4% من إجمالي عوائد الشركة التي بلغت 27.3 مليار دولار أمريكي في عام 2021.

خاتمة

حاولت هذه الورقة أن تقدم قدرا كافيا من المعلومات حول طبيعة المخاطر التي يشكلها غزو شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية للسوق المصري. الغالبية العظمى من هذه المخاطر يتعلق بانتهاكات للحق في الخصوصية. وهو أحد الحقوق التي يجد كثير من الناس صعوبة في ادراك أهميته، وبصفة خاصة في العصر الرقمي الذي أصبحنا نعيش فيه. بصورة مبسطة في هذا العصر تصبح البيانات يوما بعد يوم العملة اﻷعلى قيمة في اقتصاد يميل إلى الاعتماد عليها بشكل متزايد. قد يجد كثير من الناس أنهم عاديون أكثر من أن يعنى أحد بجمع بياناتهم الشخصية، وهذا صحيح وخاطئ في نفس القدر، ففي الغالب لن يقوم أحد بجمع بيانات شخصية لفرد عادي بهدف اﻹضرار به، طالما لم يكن ثمة دافع لذلك مثل الابتزاز أو الانتقام أو غيره. ولكن مجموع البيانات الشخصية لملايين البشر هي ثروة من البيانات يمكن استغلالها لتحقيق أهداف كبيرة. أغلب هذه اﻷهداف يتعارض مع مصالح اﻷشخاص العاديين الذين تم جمع بياناتهم الشخصية. فهذه البيانات عند تحويلها ﻷنماط من السلوك والميول تكشف عن نقاط ضعف جماعية يمكن استغلالها ﻷغراض تجارية تسلب الناس حريتهم في الاختيار بناء على معلومات صحيحة، أو ما هو أسوأ ﻷغراض سياسية تحرم الناس من الحق في مشاركة فعالة في الحياة السياسية في بلادهم.

غزو شركات التكنولوجيا الصينية ﻷسواق العالم هو جزء من مخطط استراتيجي للحزب الشيوعي الصيني بقيادة الرئيس الصيني وسكرتير عام الحزب شي جينبينج. هذا المخطط يستهدف القفز بالصين إلى صدارة النظام السياسي العالمي. وأحد سبل ذلك هو العمل على تقويض اﻷسس التي يقوم عليها البديل الديموقراطي الغربي، والذي تقوم عليه بدورها منظومة حقوق اﻹنسان الدولية بقيادة اﻷمم المتحدة. يؤمن قادة الحزب الشيوعي أن حكمهم السلطوي لشعبهم هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلم اﻷهلي والرخاء الاقتصادي حتى وإن كان اﻵخير لا يمكن تحقيقه إلا بالسماح بفجوة هائلة في الدخل بين من يملكون ومن لا يملكون. وفي سبيل استمرارية الحزب الشيوعي في السلطة، تعمل حكومته على تقديم نموذج بديل للنموذج الديموقراطي الغربي، نموذج لدولة بوليسية عالية التقنية قادرة على أن تحكم السيطرة على مواطنيها لضمان ألا يثوروا ضدها في أي وقت. هذا النموذج متضمن في جميع التكنولوجيات التي تطورها شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية وتقوم بتسويقها في كل مكان في العالم مع تركيز خاص على الدول النامية ذات اﻷنظمة الاستبدادية التي ستجد ما تقدمه هذه الشركات ملائما تماما ﻷغراضها. وفي النهاية من سيدفع الثمن هو شعوب هذه الدول التي ستجد نفسها مع الوقت تعيش في سجون نصف مفتوحة لا تتمتع فيها بأي من الحقوق والحريات اﻷساسية التي ناضلت حركات حقوق اﻹنسان ﻷجل إقرارها دوليا طيلة عقود من الزمن.