التكنولوجيا القانونية: التوازن بين العدالة والتحديات

1. مقدمة

1.1 تعريف التكنولوجيا القانونية

ليس الجدل بخصوص تأثير التكنولوجيا على جوهر القانون شيئًا جديدًا، إذ أن نموًا كبيرًا قد طرأ، ليس فقط على التسويق بل وكذلك على تطوير التكنولوجيا القانونية. أثرت التطورات التكنولوجية الهامة، مثل الكتابة وصناعة الورق، على تطوير القانون والنُظم القانونية، والتي كان يُنظر إلى كلٍ منها على أنها، بشكلٍ أو بآخر، تكنولوجيا “قانونية”. وفي الوقت الذي يشيد فيه الخبراء والعلماء بالتطورات التكنولوجية القانونية باعتبارها المستقبل الواعد للقانون، يعتقد النقاد أنها تهدد أساسيات العدالة.

تتنوع التقنيات التي يمكن أن تُدرج تحت مظلة التكنولوجيا القانونية، مما يجعل من الصعب على العلماء وضع تعريفٍ جامعٍ لهذا المفهوم بدقة. وفقًا لجوليان ويب (Julian S Webb) فإن التكنولوجيا القانونية هي “استخدام المعلومات الرقمية وتقنيات الاتصال لأتمتة العمل القانوني بالكامل أو جزئيًا، ولتقديم دعم اتخاذ القرارات لمنتجي الخدمات القانونية، ولتوفير المعلومات والمشورة القانونية مباشرةً للعملاء أو المستخدمين النهائيين”.

قدَم هوفمان ريم (Hoffmann-Reim) تعريفًا مشابه وصف فيه التكنولوجيا القانونية بأنها استخدام التقنيات الرقمية للمساعدة في تعريف القانون وتفسيره وتطبيقه، أو في بعض الأحيان في إنشائه. وفقًا لسالميرون مانزانو (Salmerón-Manzano) فإن التكنولوجيا القانونية هي “تطبيق التقنيات الجديدة في عالم القانون لتنفيذ المهام التي كان يؤديها -حتى وقتٍ قريب- المحامون وغيرهم من الموظفين العاملين في شركات المحاماة”.

وعلى الرغم من كون هذه التعريفات مفيدة إلى حد كبير؛ إلا أنها فشلت في دمج المحاولات غير الرقمية السابقة في لتكنولوجيا القانونية. من المهم مراعاة ذلك عند الحديث عن التكنولوجيا القانونية للقرن الحادي والعشرين. في هذه الورقة يتم تعريف التكنولوجيا القانونية على أنها البرامج/التكنولوجيا (بدلاً من الأجهزة التقليدية، بما في ذلك الماسحات الضوئية والطابعات وأجهزة الكمبيوتر) التي تلعب دورًا مهمًا في تقديم الخدمات القانونية ودعم الصناعة القانونية. تجدر الإشارة إلى أن هذه التكنولوجيا غالبًا ما يتم تصميمها لتمكين الشركات والمحامين من ممارسة القانون بطريقة أكثر كفاءة.

2.1 أهمية التكنولوجيا القانونية

كفاءة أفضل: تتمثل إحدى أكبر مزايا التكنولوجيا القانونية في قدرتها على تحسين كفاءة العمليات القانونية. يمكن لأدوات التكنولوجيا القانونية أتمتة المهام المتكررة وتقليل الأعمال الورقية وتبسيط سير العمل، الأمر الذي يمكن أن يوفر الوقت والمال، مع إفساح المجال أمام المحامين للتركيز على القضايا القانونية الأكثر تعقيدًا. سلطت دراسة أجرتها شركة Lawtech 365، وهي شركة رائدة في مجال التكنولوجيا القانونية، الضوء على أن للتكنولوجيا القانونية تأثيرٌ كبيرٌ على فعالية مكاتب المحاماة وكفاءتها، فقد أشارت الدراسة مثلًا إلى أن التحديث بأحدث تقنيات العمليات وأنظمة سير العمل القانوني يمكن أن يوفر للمهنيين القانونيين ما يصل إلى 40% من خلال أتمتة المهام المتكررة كإدارة المستندات وصياغتها.

وصولٌ أكبر إلى العدالة: يمكن للتكنولوجيا القانونية أيضًا تحسين الوصول إلى العدالة من خلال جعل الخدمات القانونية ميسورة التكلفة وسهل الوصول إليها. على سبيل المثال، يمكن أن توفر المنصات القانونية عبر الإنترنت مشورة قانونية معقولة التكلفة للأفراد الذين قد لا يقدرون على تحمل تكاليفها في الوضع الاعتيادي. كما يمكن أن تساعد الأدوات التكنولوجية القانونية المحامين في إدارة عبء القضايا خاصتهم بكفاءةٍ أكبر؛ ما يسمح لهم باستقبال المزيد من العملاء. الاستخدامات الأكثر شيوعًا للتكنولوجيا القانونية في قضايا الوصول إلى العدالة تشمل تكنولوجيا تعمل على: (1) تقديم المعلومات، (2) ربط الأشخاص بالمحامين، و(3) إنتاج المستندات وتشغيلها تلقائيًا. يعد تقديم المعلومات القانونية الرئيسية الطريقة الأكثر شيوعًا للاستفادة من التكنولوجيا القانونية لتعزيز الوصول إلى العدالة، فعلى سبيل المثال، تقدم منظمات مثل ProBono.net خدماتٍ قانونية مجانية للمحامين عبر الإنترنت في القضايا المتعلقة بالصالح العام.

تعمل التكنولوجيا القانونية أيضًا على تحسين الوصول إلى العدالة من خلال ربط الأفراد بالمحامين، فعلى سبيل المثال، تستفيد InReach من تكنولوجيا مفتوحة المصدر لربط طالبي اللجوء من أفراد مجتمع الميم بمقدمي الخدمات، بما في ذلك المحامين المتعاونين في قضايا الهجرة، في المكسيك والولايات المتحدة وكندا. وبالمثل، فقد قامت منظمات مثل مركز فلوريدا لتكنولوجيا العدل، ومشروع كولورادو لتغيير الاسم بنشر تقنية أتمتة المستندات لإنشاء مواقع ويب مجانية لتساعد الأفراد المتحولين جنسيًا الذين يرغبون في تغيير أسمائهم بشكل قانوني في وثائق الهوية الحكومية.

اتخاذ قرارات بشكل أفضل: يمكن أن تساعد الأدوات التكنولوجية القانونية المحامين على اتخاذ قراراتٍ أفضل من خلال تزويدهم بالبيانات والتحليلات بشكلٍ آنيّ، إذ يمكن لأدوات التحليل أن تساعد المحامين على توقع نتائج القضية، وتحديد الاتجاهات، وتقديم معلومات حول القضايا القانونية. فمثلًا، يمكننا العثور على بعض البيانات والتحليلات التي تم انتقاؤها من صفحات معلومات التقاضي بخصوص الأطراف أو القضاة أو الشهود الخبراء أو المحامين، والتي لم تكن متاحةً من قبل. وفي الوقت الذي يمكن فيه للتكنولوجيا القانونية أن تساعد في تحليلات السوابق القضائية وتحليل التسويات القضائية إلا أنها لا تزال حلاً غير موثوق به بعد لاستبدال البشر في اتخاذ القرارات بشأن القضايا.

تحسين الامتثال: يمكن للتكنولوجيا القانونية المساعدة في ضمان الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية. على سبيل المثال، تساعد أدوات الامتثال الآلي الشركات على مواكبة اللوائح المتغيرة وتجنب العقوبات المكلفة. يمكن تفعيل أتمتة الامتثال اليوم عن طريق التكنولوجيا القانونية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لضمان تسهيل إجراءات الامتثال. وبالتالي، تتمكن الشركات القانونية من تبسيط تدفقات العمل المتعلقة بالامتثال، بما في ذلك تخطيط الإجراءات التصحيحية وتقييمات المخاطر.

2. تطبيقات التكنولوجيا القانونية في دول مختلفة

1.2 التكنولوجيا القانونية في الولايات المتحدة

تُستخدم التكنولوجيا القانونية في الولايات المتحدة بعدة طرق، مثل أتمتة المستندات، والبحث القانوني، والاكتشاف الإلكتروني (E-Discovery)، وإدارة العقود. ومن الأمثلة البارزة لشركات التكنولوجيا القانونية الأمريكية LegalZoom وClio وRocket Lawyer. ساهم الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتقنيات التكنولوجية الرائدة الأخرى في إنفاذ وتطبيق القانون لسنوات عديدة. تعلم الآلة ومعالجة اللغات الطبيعية (NLP) تعد من التقنيات الذكية شائعة الاستخدام في البحث القانوني لجعله أكثر ملاءمةً للمحامين وأكثر ذكاءً. على سبيل المثال، أدوات CARA و ROSS تعتبر من أدوات البحث القانوني الشائعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة،كما تساعد Lex Machina و Westlaw Edge على تعزيز التحليل التنبئي من خلال توفير معلومات حول الدعاوى القضائية القادمة.

المراجعة بمساعدة التكنولوجيا (TAR) هي أداة اكتشاف إلكترونية شائعة تستخدم أجهزة الكمبيوتر لأتمتة عملية تحديد وجمع وحفظ وإنتاج المعلومات المخزنة إلكترونيًا (ESI). يمكن لهذه الأداة (TAR) أن تقلل بشكلٍ كبير من وقت وتكلفة الاكتشاف الإلكتروني، مما يجعله ميسور التكلفة ويمكن الوصول إليه بسهولة.

وفي القضاء تُستخدم التكنولوجيا القانونية لتقييم المخاطر، إذ تستفيد العديد من برامج تقييم المخاطر من خوارزميات تعلم الآلة لإنشاء نماذج مخاطر من أحجام البيانات الكبيرة التي تمت دراستها. على سبيل المثال، يعد “مستوى جرد الخدمة المنقح“، و”ملفات تعريف إدارة المخالفين الإصلاحيين للعقوبات البديلة” (COMPAS) من أدوات تقييم المخاطر الشائعة في الولايات المتحدة. وعلاوةً على ذلك، فقد تم كذلك تضمين الخوارزميات وتعلم الآلة في الطب الشرعي. من الأمثلة الشائعة لأدوات اختبار الحمض النووي المختلط في ممارسة الطب الشرعي هي BulletProof و TrueAllele و STRmix. وإلى جانب استخدامها في الطب الشرعي وتقييم المخاطر، يتم كذلك اعتماد الحوسبة المعرفية والتعرف على الصوت وغيرها من التقنيات من قِبل بعض قاعات المحاكم للمحاكمات داخل الولايات المتحدة. وأكثر التطبيقات شيوعًا في المحاكم اليوم هي تطبيقات التعرف على الصوت، وحل النزاعات عبر الإنترنت، وأنظمة تخصيص القضايا، والتعرف البصري على الأحرف (OCR).

2.2 التكنولوجيا القانونية في أوروبا

تكتسب التكنولوجيا القانونية أيضًا زخمًا في أوروبا مع تزايد عدد الشركات الناشئة وتلك المعروفة والراسخة. تشمل بعض المجالات التي يتم فيها تطبيق التكنولوجيا القانونية في أوروبا الاكتشاف الإلكتروني وإدارة العقود والبحث القانوني. وتشمل الأمثلة البارزة لشركات التكنولوجيا القانونية الأوروبية، شركات Luminance و SeedLegals. تعد Luminance من بين أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدمًا في معالجة المستندات القانونية وتقديم القيمة وتبسيط العمليات. أماSeedLegals الواقع مقرها في لندن، فهي منصةٌ قائمةٌ على التكنولوجيا، تعزز الكفاءة والموثوقية والشفافية في الجوانب القانونية للأعمال التجارية، كما تسمح للمستخدمين بإنشاء اتفاقيات وعقود بدء التشغيل.

3.2 التكنولوجيا القانونية في آسيا

تشهد آسيا أيضًا ارتفاعًا في الشركات الناشئة والتطبيقات التكنولوجية القانونية، ومن المجالات التي يتم فيها تطبيق التكنولوجيا القانونية في آسيا: حل النزاعات عبر الإنترنت والاكتشاف الإلكتروني والبحث القانوني. من الأمثلة البارزة على شركات التكنولوجيا القانونية الآسيوية: LawCanvas و LawAdvisor Asia و InCounsel. بالإضافة إلى ذلك، تمكّن التكنولوجيا القانونية المنظمات القانونية الكبرى في آسيا من إدارة فرق العمل، بما في ذلك نظام ألفا الشهير. وفي سنغافورة، تملكLawNet قواعد بيانات حول تشريعات سنغافورة، والسوابق القضائية فيها، ومعلومات الأحكام الجنائية، وتسجيل الشركات، والمناقشات البرلمانية الخاصة بها. ولطالما كان حل النزاعات عبر الإنترنت أيضًا أمرًا بالغ الأهمية لعمليات التقاضي المدني؛ إذ يمكّن المحامين من بدء القضايا وتقديم مستندات المحكمة بالكامل عبر الإنترنت. بشكلٍ عام، تتبنى مهنة المحاماة في آسيا -محامين وقضاةً ومدعين عامين- أحدث التقنيات والأدوات التكنولوجية.

4.2 التكنولوجيا القانونية في مناطق أخرى حول العالم

يتم تطبيق التكنولوجيا القانونية أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، مثل أستراليا وكندا وجنوب إفريقيا. في أستراليا، تركز الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا القانونية على جوانب مثل حل النزاعات عبر الإنترنت، أما في كندا، فتُستخدم التكنولوجيا القانونية لتحسين الوصول إلى العدالة. وفي جنوب إفريقيا، تُستخدم التكنولوجيا القانونية في مجالات مثل الاكتشاف الإلكتروني وأتمتة المستندات.

تُستخدم منصةLegal Interact المختصة بإدارة العقود على نطاقٍ واسع في إفريقيا. تسمح المنصة للمجموعات بتخزين العقود في مستودعٍ آمن في سحابة التخزين، وإدارة الالتزامات وتتبعها، وتعزيز الكفاءة. وعلى غرار أوروبا، تتمتع الشركات الصغيرة في إفريقيا بموقع فريد لتحدي الممارسات التقليدية ورفضها. لعبت LegalZoom دورًا أساسيًا في تمكين العملاء من إنشاء مستندات قانونية دون الحاجة إلى الاستعانة بمحام. بشكلٍ عام، أصبحت التكنولوجيا القانونية محوريةً بشكل متزايد على مستوى العالم بسبب دورها في نظام العدالة.

3. الأثار السلبية للتكنولوجيا القانونية

1.3 خسارة الوظائف

تساهم التكنولوجيا القانونية في تعطيل دور مزودي الخدمات القانونية التقليدية وفقدانهم وظائفهم. لطالما رُبط الاعتماد المفرط على التكنولوجيا القانونية بتقليص الوظائف الخاصة بدعم الموظفين القانونيين، متسببًا بفقدان الوظائف. يؤدي اعتماد تكنولوجيا قانونية فعالة إلى تحسين الدقة وتقليل الوقت، وبالتالي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى استبدال مهام معينة، مثل مراجعة العقود والبحث والأعمال اليدوية بشكلٍ رئيسي، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على رأس المال البشري. وفقًا للخبراء، يمكن أن يتم استبدال حوالي 20% من مهام ووظائف العاملين القانونيين في غضون السنوات القليلة المقبلة، مما قد يتسبب في خسائر كبيرة في الوظائف. كما وقدّرت شركة Deloitte أنه وبحلول العام 2036، يمكن أن تتم أتمتة ما يقرب من 100 ألف وظيفة في مجال القانون. كانت Deloitte Insight Research قد كشفت أن التكنولوجيا قد ساهمت في فقدان 31 ألف وظيفة في القطاع القانوني، ولكنها تسببت كذلك في إيجاد 80 ألف وظيفة، غالبيتها بأجورٍ أفضل ومؤهلاتٍ أعلى.

2.3 التحيز غير المقصود

يمكن أن تؤدي التكنولوجيا القانونية أيضًا إلى الاعتماد على الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات القانونية، ما قد يؤدي إلى تحيزٍ غير مقصود أو غياب الحكم البشري. يمكن أن تقع الخوارزميات في التحيز بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال، تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي كيفية اتخاذ القرارات بناءً على بيانات التدريب، والتي تشمل القرارات البشرية المتحيزة أو تلك التي تشوبها عدم المساواة الاجتماعية أو التاريخية. أما المصدر الآخر للتحيز فهو أخذ عينات البيانات بشكلٍ خاطئ، حيث تكون المجموعات ممثلة تمثيلًا زائدًا أو ناقصًا في بيانات التدريب.

3.3 خصوصية البيانات وأمنها

ثمة كذلك مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمنها، إذ تتضمن التكنولوجيا القانونية غالبًا التعامل مع معلوماتٍ شخصيةً وقانونيةً حساسة. لا تزال الجرائم الإلكترونية مشكلة حرجة، حيث يقدر الخبراء حدوث هجوم كل 11 ثانية، ما يكلف الاقتصاد الدولي 6.1 تريليون دولار كل عام. بالإضافة إلى ذلك، فقد أثبتت الدراسات أن الهجمات الإلكترونية قد أثرت على 22% من المؤسسات القانونية. يهدف مجرمو الإنترنت بشكلٍ رئيسي إلى الحصول على البيانات، ومن المحتمل أن تكون شركات المحاماة مصادر بيانات جذابة بسبب حساسية المعلومات التي يمتلكونها. يوفر استخدام الأدوات الرقمية التي تتيح إمكانية الوصول ومشاركة الملفات وكذلك المراسلات بين العملاء والمحامين المزيد من الفرص للقرصنة والأخطاء والهفوات. يواجه القطاع القانوني تهديدًا ضارًا، مما يجعل من مهمة الأمن السيبراني لردع الانتهاكات المحتملة أمرًا بالغ الأهمية.

4.3 مفاقمة عدم المساواة الحالية

قد يكون لدى الأفراد ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات المهمشة إمكانية أقل للوصول إلى التكنولوجيا القانونية، مما قد يتسبب في تفاقم عدم المساواة القائمة. لا يتم تمثيل المجموعات المهمشة بشكل كافٍ أثناء تصميم وتنفيذ التكنولوجيا الجديدة، وبالتالي تتحمل الفئات التي تتعرض للعنصرية وذات الدخل المنخفض والمهمشة وطأة زيادة استخدام التكنولوجيا في المجتمعات. تُستخدم مجموعات بيانات معينة في التكنولوجيا القانونية، معزِّزةً هياكل السلطة الحالية التي تعمل على إدامة أنظمة قمع المجموعات المهمشة والمتعرضة للعنصرية. على سبيل المثال، تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة لإجراء تقييم للمستأجرين المحتملين على سجلات المحكمة ومجموعات البيانات الأخرى التي تحتوي على تحيزاتها الداخلية مثل التمييز الممنهج ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، والتمييز على أساس الجنس، والعنصرية. خورازمياتٌ كهذه قد تستخدم بياناتٍ مثل السجلات الجنائية، التي تصور الفوارق العرقية القائمة منذ أمدٍ بعيدٍ في النظام القانوني الجنائي والتي تميز ضد المجتمعات المهمشة.

5.3 المخالفات الأخلاقية والقانونية

قد يؤدي غياب الرقابة والتنظيم في صناعة التكنولوجيا القانونية إلى انتهاكات أخلاقية أو قانونية. لكون التكنولوجيا القانونية مجالًا جديدًا نسبيًا لم يبدأ في اكتساب الزخم إلا خلال السنوات القليلة الماضية، فلا يزال هناك نقصٌ في اللوائح التنظيمية والمعرفة الكافية حول كيفية استفادة الشركات منها. يمكن أن تنتج الانتهاكات الأخلاقية والقانونية عن اعتقاد الناس بأن التكنولوجيا القانونية تتعلق فقط بوكالات إنفاذ القانون وكيفية استخدامهم للتكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من الشركات إلى المعلومات حول المعنى الفعلي للتكنولوجيا القانونية، وبالتالي، فعادةً ما يفتقرون إلى رؤية واضحة لاتجاههم ويتخذون في النهاية قراراتٍ مبنيةً على العاطفة بدلاً من المنطق.

6.3 تكاليف رأس المال الثابتة

يعد تنفيذ التحول الرقمي تغييرًا مستمرًا في العقلية باتجاه التطوير والنمو الرقمي المستمر. وبالتالي، فالبرامج والتكنولوجيا المستثمر فيها اليوم، سيتعين أن يتم ترقيتها أو تحديثها أو إيقافها لاحقًا مع ظهور تطوراتٍ جديدة. يمكن أن يؤدي الفشل في مواكبة التطورات التكنولوجية إلى الإضرار بالشركات القانونية لأنها تتطلب استثمارات تكنولوجية مستمرة. كما أن التحول الرقمي ينطوي كذلك على تكاليف متعلقة بالشراء والتدريب ومشاركة حاملي الأسهم، لا سيما بالنسبة للمؤسسات القانونية الكبيرة. بالإضافة إلى ذلك، قد تفتقر الشركات الأصغر نسبيًا إلى القوة المالية لتبني التكنولوجيا الجديدة. وبالتالي، يمكن لشركات المحاماة القادرة على تحمل تكاليف التكنولوجيا القانونية أن تصبح أكثر ثراءً تاركةً الباقين خلفها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكلف شراء مساعد ذكاء اصطناعي (AI Assistant) الممارسين القانونيين المستقلين حوالي 200 دولار للتعامل مع الأعمال بنجاح. من ناحية أخرى، فإن إدارة المهام القانونية التي تستغرق وقتًا طويلاً، بما في ذلك مراجعة العقود وإدارة سير العمل، يمكن أن تكلف الشركات الصغيرة 30 ألف دولار للحصول على البرامج. يحتاج المحامون إلى 250 ألف دولار ليكون لديهم نظام يمكنه إدارة حوالي 500 مستخدم، وهذه هي التكلفة المتعلقة بالدعم الفني بعد إنشاء الشركة.

4. آثار التكنولوجيا القانونية على الحقوق والحريات

1.4 انعدام الشفافية والمساءلة

يوجد خطر من استبدال الحكم البشري وصنع القرار بعمليات مؤتمتة، مما قد يؤدي إلى نقص الشفافية والمساءلة في صنع القرار القانوني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكنولوجيا القانونية التي لا تخضع للإشراف أو لآليات المساءلة المناسبة أن تساهم في الإفلات من العقاب. إذا قامت شركة خاصة مثلًا بتطوير أداةٍ لإنفاذ القانون غيرِ خاضعةٍ للمراجعة أو الرقابة المستقلة، فقد لا تكون هناك الكثير من السبل المتاحة أمام الأفراد للطعن في استخدامها أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. لمعالجة قضية المساءلة فمن المهم تشجيع تطوير واستخدام التكنولوجيا القانونية التي تدعم الشفافية والمساءلة، مثل الأدوات التي تُمكِّن من تتبع انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، أو الأدوات التي تُمكِّن من التحقق من صحة الأدلة.

أما فيما يتعلق بانعدام الشفافية، فيمكن للتكنولوجيا القانونية التي تكتنفها السرية أو تفتقر إلى الشفافية أن تجعل من الصعب محاسبة صناع القرار. على سبيل المثال، إذا استخدمت وكالةٌ حكوميةٌ خوارزميةً سريةً لاتخاذ قراراتٍ بشأن مَن يجب أن يخضع للمراقبة أو مَن يجب حرمانه من الحصول على المساعدات الحكومية، فقد يكون من الصعب الطعن في تلك القرارات أو محاسبة المسؤولين عن إساءة استخدام السلطة.

2.4 التحيز والتمييز

لدى التكنولوجيا القانونية أيضًا احتمالية التحيز أو التمييز، خصوصًا إذا لم يتم تطويرها وتنفيذها بطريقة أخلاقية ومسؤولة. قد تعكس التكنولوجيا القانونية التي تعتمد على تعلم الآلة أو على أشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي تحيزات مطوريها -على شكل خوارزميات متحيزة- مما يؤدي إلى نتائج متحيزة أو تمييزية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إفلات أصحاب المناصب في السلطة أو من يتمتعون بامتيازات من العقاب، في حين قد يواجه المهمشون أو المستضعفون عواقب غير منطقية أو متناسبة. على سبيل المثال، فقد وُجد أن إحدى الخوارزميات المستخدمة على نطاقٍ واسعٍ في الولايات المتحدة للتنبؤ بمعدلات إعادة الإجرام الجنائي، قد أظهرت تحيزًا عنصريًا غير مقصود. يمكن للتكنولوجيا القانونية المتاحة لمجموعات معينة أو أفراد معينين فقط، أن تؤدي إلى إفلات أولئك الذين يستطيعون الوصول إليها من العقاب. على سبيل المثال، إذا كانت قاعدة بيانات البحث القانوني باهظة التكلفة بالنسبة للمنظمات الصغيرة أو تلك التي تعاني من نقص التمويل، فقد لا تتمكن هذه المنظمات من الوصول إلى نفس المستوى من البحث والتحليل القانوني مثل نظرائها الأكثر ثراءً، مما يؤدي إلى تفاوتٍ في النتائج.

3.4 حرية التعبير والوصول إلى المعلومات

يمكن استخدام التكنولوجيا القانونية لدعم الأنظمة القمعية أو الاستبدادية، مما قد يؤدي إلى انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وللحريات. يمكن أن يؤثر سعي شركات التكنولوجيا القانونية لتحقيق الأرباح وللانتشار العالمي عبر جميع الثقافات إلى السماح باستخدام أدواتها الرقمية رغم انتقادات النقاد. على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيا القانونية من قِبل الأنظمة القمعية لتقييد حرية التعبير والقدرة على الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت أو لفرض الرقابة عليها، خصوصًا في البلدان التي لديها سياسات تقييدية على الإنترنت. يمكن لخطر زيادة المراقبة والرصد لأنشطة الأفراد عبر الإنترنت أن يقيد حقوق الأشخاص في حرية التعبير والخصوصية. لمواجهة هذا التحدي، من المهم دعم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني التي تسعى لفضح انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة الجناة، بما يشمل توفير الوصول إلى أدوات التكنولوجيا القانونية التي يمكن أن تساعد في توثيق الانتهاكات والإبلاغ عنها.

5. الموازنة بين الآثار الإيجابية والسلبية للتكنولوجيا القانونية على العدالة

لمعالجة الآثار السلبية للتكنولوجيا القانونية على العدالة من المهم ضمان أن يتم تطوير التكنولوجيا القانونية وتنفيذها بطريقة أخلاقية وشفافة وعادلة. قد يتضمن ذلك وضع معايير وقواعد صناعية لضمان استخدام التكنولوجيا القانونية بشكلٍ مسؤول وللصالح العام. يجب صياغة تصور للتكنولوجيا القانونية، وتطويرها، وتبنيها بطريقة تحافظ على سيادة القانون وتضمن الوصول إلى العدالة من خلال تطبيق التدقيق والعناية. في ذات الوقت الذي يرحب فيه المجتمع بفرص التكنولوجيا القانونية يجب عليه الامتناع عن تبني هذه الابتكارات دون إجراء العناية الواجبة واللازمة.

يمكن حل تحدي الصندوق الأسود -وهو نقص المعرفة حول أداء وتشغيل تقنية معينة- من خلال اتخاذ قرارٍ حكيم أثناء اختيار الحل التكنولوجي للشركة. يمكن أن يؤدي اختيار الحلول التي تتوافق مع معايير الامتثال للتكنولوجيا إلى تحسين الثقة الداخلية في التكنولوجيا، مما يعود بالفائدة على الشركات القانونية وبائعي التكنولوجيا القانونية.

بالنسبة لتحديات التكلفة، تحدد التكاليف ما إذا كان يتعين على الشركات تبني الحلول التكنولوجية أم لا. غالبًا ما تنظر شركات المحاماة إلى حلول التكنولوجيا القانونية باعتبارها تكاليف إضافية، وتُزيد النماذج الحالية للتسعير من هذا التحدي.لا ينبغي اختيار الحل الأرخص دائمًا، غير أنَّ على المنظمات تحقيق توازن بين التكلفة والميزة. يجب على الشركات القانونية اختيار الخدمات منخفضة التكاليف والتي تمكنها من تحسين سير عملها في ذات الوقت.

كما يمكن كذلك بذل الجهود لزيادة وصول المجتمعات المهمشة إلى التكنولوجيا القانونية ولضمان تدريب المهنيين القانونيين على استخدام التكنولوجيا القانونية بشكلٍ مسؤولٍ وفعال. يجب أن يكون الهدف هو الاستفادة من الآثار الإيجابية للتكنولوجيا القانونية مع تخفيف أي عواقب سلبية لضمان تحقيق العدالة للجميع. إحدى طرق تحقيق ذلك هي التركيز على ضمان أن يعتمد تصميم التكنولوجيا القانونية وتطويرها على احتياجات المجتمعات والأفراد المهمشين وضمان مشاركتهم فيها. وبدلًا من قبول وتعزيز مفهوم ديناميكية السلطة حيث لا يقوم سوى عدد قليل من المحظوظين بتصميم التكنولوجيا القانونية لفرضها على الفئات المهمشة، يجب على المجتمع أن يسعى لضمان أن يتضمن تصميم التكنولوجيا احتياجات الشرائح المهمشة في المجتمع.

يجب على صانعي السياسات والهيئات التنظيمية العمل على وضع معايير ولوائح تنظيمية تضمن استخدام التكنولوجيا القانونية بشكلٍ مسؤول وللصالح العام. قد يشمل ذلك وضع معايير لخصوصية البيانات وأمنها، واشتراط الشفافية في استخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، والتأكد من أنه يمكن للجميع الوصول إلى التكنولوجيا القانونية وبأسعار معقولة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات اختيار الحلول التي تساعدها في التعامل مع قضايا مثل إدارة فرق العمل، وإدارة العقود، وعمليات التقاضي الاعتيادية. باتباع نهجٍ شاملٍ لتحقيق التوازن بين الآثار الإيجابية والسلبية للتكنولوجيا القانونية على العدالة يمكننا ضمان أن تخدم التكنولوجيا القانونية الصالح العام وأن تساعد على تعزيز العدالة للجميع.

6. خاتمة

تناولت هذه الورقة أهمية التكنولوجيا القانونية في الحياة المعاصرة، وتطبيقها في دول مختلفة، وآثارها السلبية على العدالة، والموازنة بين الآثار الإيجابية والسلبية، وتأثيراتها على الحقوق والحريات. أبرز فوائدها الأساسية هي جعل العمليات القانونية أكثر كفاءة، وتعزيز الوصول إلى العدالة، واتخاذ قرارات أفضل، وتحسين التعاون، وتحسين الامتثال. أما فيما يتعلق بتطبيقها، فيتم تبني التكنولوجيا القانونية بشكلٍ عالميٍ بسبب تأثيرها الجوهري على الوصول إلى العدالة. الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا هي الأكثر تقدمًا في دمجها في ممارساتها. على الرغم من فوائدها الحيوية، يمكن للتكنولوجيا القانونية أن تساهم في خسائر رأس المال المستمرة، وفقدان الوظائف، وانتهاك خصوصية البيانات وأمنها، والانتهاكات الأخلاقية والقانونية، ومفاقمة عدم المساواة الحالية. وبالتالي، فمن المهم تحقيق التوازن بين إيجابيات وسلبيات التكنولوجيا القانونية للتأكد من أنها تعزز الوصول إلى العدالة. من المهم كذلك النظر في آثارها المحتملة على الحقوق والحريات، بما في ذلك تعزيز التمييز، والحد من حرية التعبير وحقوق الوصول إلى المعلومات والخصوصية، وانعدام الشفافية والمساءلة.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن تطوير التكنولوجيا القانونية لا يمكن أن يتجاوز تأثير التقاليد القانونية أو السياسية لكل دولة. ومع ذلك، فمن الإيجابيات والسلبيات، والمقارنة بين الدول، والحاجة إلى تحقيق التوازن، فلا يزال بإمكان الدول الاستفادة من الممارسات المفيدة لبعضها البعض. بالنسبة للانتشار الاستراتيجي، فالقطاع القانوني فريدٌ تمامًا، ومن الأفضل العمل على التكنولوجيا القانونية حتى تنضج أدوات الذكاء الاصطناعي بدرجة كافية ليتم تبنيها. كما ينبغي معالجة الثغرات في الوصول إلى العدالة. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج التكنولوجيا القانونية إلى استهداف المحامين والقضاء والجمهور والمتقاضين. وفي هذا الصدد، يجب أن تظل مكانة التكنولوجيا ثانويةً بعد القضاة البشريين بدلاً من أن تهدف إلى استبدالهم.