وفقًا للإحصائيات يمثل الذكور 50.5% من السكان، في مقابل 49.5% من النساء. وبالرغم من تقارب النسبة، إلا أن ذلك لا ينعكس في البيانات التي يتم الاعتماد عليها في المجالات المختلفة حول العالم. من بين تلك المجالات التي أصبحت تؤثر بشكل كبير على جميع شئون الحياة هي أنظمة الذكاء الاصطناعي. أثناء تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي يتم في أحيان كثيرة تجاهل نصف سكان العالم من النساء، والاعتماد بشكل أكبر على البيانات التي تمثل الذكور، حتى اتسمت تلك الأنظمة بالتحيز نتيجة لتحيز البيانات التي تم الاعتماد عليها أثناء تطويرها.
البيانات هي أداة قوية يمكن من خلالها الوصول إلى عالم أكثر إنصافًا وشمولًا واستدامة. ولكن يمكن للبيانات أيضًا أن تعزز الظلم والقمع وعدم المساواة في حالة تجاهل صناع القرار للنساء والفتيات. قد يكون هذا التجاهل نتيجة نقص أو عدم وجود معلومات تتعلق بحياتهن وخبراتهن، لتصبح الفجوة في البيانات الجندرية إشكالية في عالم تقود فيه البيانات السياسات وصنع القرار.
تحدث فجوة البيانات بين الجنسين لعدد من الأسباب؛ أولها نقص الموارد اللازمة لجمع بيانات جندرية عالية الجودة. تظهر حدة هذه المشكلة بشكل خاص في البلدان منخفضة الدخل، حيث تكون فجوة البيانات بين الجنسين أكثر وضوحًا. أيضًا، لا يضع صناع القرار جندرية البيانات على قائمة أولوياتهم. وأخيرًا، تفشل أنظمة البيانات في تسجيل تجارب وخبرات النساء والفتيات، وهو ما يحدث نتيجة عدم جمع بيانات حول الجوانب الحرجة من حياة النساء.
إحصاءات حول فجوة البيانات بين الجنسين
يومٌ بعد يوم يزداد الطلب على وظائف علوم البيانات؛ وبالرغم من ذلك، تبلغ نسبة النساء اللاتي يعملن كباحثات بيانات في المملكة المتحدة 26٪ فقط. كما رجحت استطلاعات رأي أجرتها “Boston Consulting Group”، في عام 2020، أن نسبة النساء العاملات بوظائف تتعلق بعلم البيانات تتراوح ما بين 15% إلى 22%، وتتسع تلك الفجوة في المناصب القيادية العليا. تلتحق نسبة 35٪ فقط من النساء في المملكة المتحدة بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مرحلة التعليم العالي. كما تتخلى 50٪ من النساء العاملات بالتقنية عن وظائفهن حال وصولهن سن 35 عامًا.
وفقًا لتقرير Harnham Diversity Report in Data and Analytics لعام 2020، شهد عدد النساء العاملات في وظائف تتعلق بعلم البيانات والتحليلات الرقمية ارتفاعًا ملحوظًا، وبالأخص في قطاع التسويق وتحليل بيانات السوق، والذي تشكل النساء نحو 40% من العاملين به. فيما تصل نسبة النساء العاملات بالبيانات والتقنية إلى 22% فقط.
بشكل عام، تُركز 30% فقط من الطالبات على مستوى العالم على المواد المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات خلال مرحلة التعليم العالي. علاوة على ذلك، تلتحق 28% من النساء ببرامج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مقارنة بـ 72% من الرجال. تختلف هذه النسب بشكل كبير على المستوى الإقليمي والدولي، وتزداد حدتها في البلدان الأفريقية.
الآثار السلبية لفجوة البيانات بين الجنسين
تؤثر الاختيارات التي يتخذها علماء البيانات حول كيفية قياس، جمع، تنظيم، وتحليل البيانات التي يستخدمونها على الرؤى التي يستخلصونها، كما أنها تفتح بابًا للتحيز. يقوم علماء البيانات، سواء بشكل واعي أو غير واعي، بتضمين قيمهم واهتماماتهم وخبراتهم الحياتية في البيانات التي يعملون عليها. يؤدي ذلك إلى تشكيل تلك النتائج بما يتماشى مع فهمهم للعالم، حيث يمكن اعتبار البيانات والخوارزميات كمجموعة من القيم في صورة أكواد. وبالتالي، يؤدي ضعف مشاركة المرأة في مجال علم البيانات إلى زيادة مخاطر تصميم وتنفيذ السياسات المعتمدة على البيانات بطرق تضر بمصالح النساء.
أشار كتاب “النساء الخفيات: الكشف عن التحيز في البيانات في عالم مصمم للرجال” عن بعض الأمثلة التي أضر فيها تحيز البيانات بالنساء والفتيات، من بين تلك الأمثلة:
-
دمى اختبارات التصادم: تاريخيًا، تم استخدام أجساد الرجال كمعيار لتصميم دمى اختبار للتقنيات العسكرية، حيث استُبعدت النساء من الأدوار القتالية الرئيسية. لم يؤخذ هذا التحيز في الحسبان عند تطوير دمى مماثلة لاختبارات سلامة السيارات، وهو ما يمثل أحد الأسباب التي تجعل النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بجروح خطيرة في حوادث السيارات.
-
خوارزميات التوظيف: في محاولة من قِبل شركة “أمازون” لتصميم نظام ذكاء اصطناعي لتوجيه قرارات التوظيف، استخدمت الشركة السير الذاتية المُقدمّة لها خلال عقد من الزمن كبيانات تدريب لنظام الذكاء الاصطناعي. ولأن معظم هذه السير الذاتية كانت لمرشحين من الرجال، اكتسب النظام صفة التحيز ضد النساء، معتبرًا أن المرشحين الذكور أفضل من الإناث. أدى ذلك إلى رفض العديد من النساء من وظائف كن مؤهلات لتأديتها. تداركت “أمازون” الأمر لاحقًا وتوقفت عن استخدام النظام في تقييم المرشحين للوظائف.
-
دورات المياه العامة الآمنة: تحتاج النساء في المتوسط إلى نحو ضعف الوقت الذي يحتاجه الرجال في استخدام دورات المياه، كما يستخدمن دورات المياه لعدد مرات أكبر من الرجال. بالرغم من ذلك، تكافح واحدة من كل ثلاث نساء على مستوى العالم للعثور على دورات مياه عامة آمنة، الأمر الذي يعرضهن لمخاطر الصحة والسلامة، بما في ذلك الإصابة بالأمراض واحتمالية التعرض لاعتداء جنسي. الاعتماد على بيانات تتسم بالمساواة والإنصاف عند تحديد أماكن وتصميم دورات المياه العامة للنساء من شأنه أن يساعد في معالجة بعض من هذه المشكلات.
-
معدات الحماية الشخصية: تم تصميم معدات الحماية الشخصية (PPE) مثل معاطف المختبرات والأفرولات Overalls لتناسب أجساد الرجال. وبالتالي فإن 10٪ فقط من النساء العاملات في قطاع الطاقة يرتدين معدات وقاية شخصية مصممة للنساء.
لماذا نحتاج النساء في علم البيانات
إن ضعف تمثيل المرأة والفئات المهمشة في علم البيانات والذكاء الاصطناعي، بالتوازي مع تحيز الخوارزميات والبيانات بسبب فجوة البيانات بين الجنسين، ليس فقط قضية عدالة اجتماعية واقتصادية، لكنها أيضًا قضية تنوع. يؤدي ضعف التمثيل إلى تضمين وتضخيم التحيز في التقنيات المبتكرة مما يخلق حلقات تغذية راجعة (Corrective feedback) خطيرة. توثق سلسلة من الأبحاث حقيقة أن الذكاء الاصطناعي وأنظمة التعلم الآلي يمكن أن تُظهِر تحيزات، فيما تتصدر أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد عناوين الأخبار بسبب نتائجها التي تتسم بالتمييز.
لذلك، زيادة مشاركة المرأة ومعالجة التمييز الهيكلي أمر ضروري لضمان حق النساء في تضمين وجهات نظرهن وأولوياتهن في التحليلات التي يطورها علماء البيانات، وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يبنونها، والأجندة البحثية التي يضعونها.
يؤدي تنوع فريق العمل إلى تقليل أخطاء التنبؤ التي تصدر عن أنظمة الذكاء الاصطناعي والمرتبطة بالعرق والجنس، وهو ما سيعمل بدوره على تحسين جودة العمل. وعلاوة على ذلك، يساعد تنوع فريق العمل على زيادة عائدات الابتكار، نظرًا لأن الأشخاص ذوي الخلفيات والخبرات المختلفة يتعاملون مع المشكلات بطرق مختلفة ويتوصلون إلى حلول متنوعة، مما يزيد احتمالية أن يكون أحدها ناجحًا من الناحية المالية.
كيف يمكن إغلاق فجوة البيانات بين الجنسين
هناك خطوات أساسية ينبغي اتباعها لمعالجة ضعف مشاركة النساء في علم البيانات. يجب على صانعي السياسات السعي أولاً نحو ضمان حصول النساء والفتيات على المهارات الأساسية اللازمة للانخراط في التكنولوجيا الرقمية، أي معرفة القراءة والكتابة والحساب.
يمكن للنساء أيضًا – من خلال التزود بالمهارات الرقمية اللازمة– الحصول على وظائف ذات أجور مرتفعة من التي يطرحها الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك وظائف مثل محللي وعلماء البيانات، والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي، ومطوري البرمجيات والتعلم الآلي. حصول النساء، وبالأخص اللواتي يعشن في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، على هذه المهارات هو بمثابة حل لمشكلة خسارة النساء للوظائف التقليدية بسبب الأتمتة، حيث يتزايد استبدال العاملين والعاملات في تلك الوظائف بالآلات والخوارزميات. على سبيل المثال، هناك 42% من الوظائف في غانا عرضة للأتمتة، مقارنة بـ 6% في كوريا الجنوبية.
عملت العديد من المبادرات على تزويد النساء بالمهارات الرقمية اللازمة للالتحاق بتلك الوظائف وزيادة مشاركتهن في مجال علم البيانات والذكاء الاصطناعي، ومنها:
-
Stanford University’s Women in Data Science (WiDS: وهي مبادرة تابعة لجامعة ستانفورد الأمريكية. وصلت تلك المبادرة إلى أكثر من 100 ألف امرأة في جميع أنحاء العالم من العاملات في مجال علوم البيانات أو المهتمات به. وتستضيف المبادرة “ماراثون بيانات” حيث يتم تطوير مهارات المشاركات الرقمية المتعلقة بالبيانات. كما تقدم المبادرة سلسلة من حلقات البودكاست التي تستضيف رواد/رائدات علم البيانات وتشجع طالبات المدارس الثانوية على الالتحاق بوظائف في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي والمجالات ذات الصلة بعد التخرج.
-
في بنجلاديش، تدعم Robi Axiata مبادرة حكومية لتدريب النساء والفتيات في المناطق الريفية على المهارات الرقمية الأساسية من خلال تمكينهن من الوصول إلى الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والبرامج المتخصصة. وصلت هذه المبادرة إلى أكثر من 63 ألف امرأة وفتاة، وتهدف إلى الوصول إلى 166 ألف أخريات بنهاية عام 2022.
-
Technology Enabled Girl Ambassadors: تطبيق بحثي على الهواتف المحمولة. يقدم التطبيق تدريبًا للفتيات المراهقات في نيجيريا، وملاوي، وتنزانيا، ورواندا، والهند، وبنجلاديش على إجراء المقابلات البحثية وجمع البيانات من أشخاص في محيطهن.
-
أبرم معمل البيانات Tanzania Data Lab شراكة مع جامعة دار السلام في تنزانيا ليطلق أول ماجستير في برنامج علوم البيانات في شرق إفريقيا. ضمت المجموعات الثلاثة الأولى من علماء البيانات المشاركين والمشاركات في البرنامج خبيرات في سلاسل الكتل والذكاء الاصطناعي.
-
ساهمت مبادرة Data Collaboratives for Local Impact (DCLI) بالتعاون مع Tanzania Data Lab وVodacom واليونيسيف في زيادة مشاركة النساء والفتيات في تنزانيا في فهم وقراءة البيانات (Data literacy) من خلال تنظيم معسكرات للبرمجة وتصور البيانات.
-
في ساحل العاج، مولت مبادرة DCLI مشروع Des Chriffres et des Jeunes لتدريب الشباب والشابات على علم البيانات من خلال زمالة أطلقها المشروع لتمكين النساء وسد فجوة البيانات بين الجنسين.