مقدمة
أصدرت مسار – مجتمع التقنية والقانون مذكرة بأهم الدفوع المتعلقة بتفتيش أو الاطلاع على أي من وسائل الاتصال كالهاتف المحمول أو أجهزة الحاسوب. يمكن استخدام هذه الدفوع على سبيل الاسترشاد في التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بجرائم تقنية المعلومات المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. تشمل المذكرة أيضًا الدفوع المتعلقة بالدخول أو النفاذ أو الضبط أو الرقابة أو جمع أو سحب البيانات أو مصادرة المراسلات أو المحادثات الإلكترونية من أي من وسائل الاتصال.
الدفوع
- الدفع ببطلان إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش هاتف المتهم وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات، لصدور الإذن لمأمور ضبط قضائي غير مختص بتنفيذ الأوامر القضائية المنصوص عليها بالمادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
- الدفع ببطلان ضبط وتفتيش جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات لعدم صدور إذن قضائي مسبب من النيابة العامة بضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما.
- الدفع ببطلان تفتيش النيابة العامة ودخولها ونفاذها إلى البيانات الشخصية والمراسلات الإلكترونية والبرامج والنظم المعلوماتية الموجودة على هاتف المتهم وبطلان الدليل المستمد منها لمخالفتها الإجراءات المنصوص عليها في المادتين رقم (6) و(11) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمواد (6) و(9) و(10) من لائحته التنفيذية.
- الدفع ببطلان ضبط وتفتيش الهاتف المحمول الخاص بالمتهم وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات لتجاوز حدود الإذن القضائي، الذي اقتصر على ضبط وسحب والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة في سجل المكالمات والبريد الإلكتروني الخاص بهاتف المتهم دون غيرهم.
- الدفع ببطلان الحكم المستأنف نتيجة للخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال في شأن اطمئنان الحكم لصحة إجراءات ضبط الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وما نتج عنها من دليل مزعوم استند إليه الحكم في إدانة المتهم.
الدفع ببطلان إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش هاتف المتهم وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات، لصدور الإذن لمأمور ضبط قضائي غير مختص بتنفيذ الأوامر القضائية المنصوص عليها بالمادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
أحالت النيابة العامة المتهم للمحاكمة على سند القول أن السيد مأمور الضبط القضائي، نفاذًا لإذن النيابة العامة الصادر له، قام بضبط المتهم، وفتشه، وضبط هاتفه المحمول، وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وفتشهما، وتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما. وذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بشأن إحدى جرائم تقنية المعلومات، والتي زعمت أن البيانات والمعلومات والمراسلات الخاصة بالمتهم تشكل دليلًا على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالمواد (…) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأسندت إليه الاتهام بارتكابها، وأقامت الدعوى الجنائية الماثلة.
وحيث أن المقرر بموجب نص المادة (5) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 أن “يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص منح صفة الضبطية القضائية للعاملين بالجهاز أو غيرهم ممن تحددهم جهات الأمن القومي، بالنسبة إلى الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والمتعلقة بأعمال وظائفهم.”
وتنص المادة (6) من ذات القانون على أن “لجهة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا، لمأموري الضبط القضائي المختصين، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بواحد أو أكثر مما يأتي: ١ – ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أى مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. ويتم تسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ. ٢ – البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط. ٣ – أن تأمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني. وفي كل الأحوال، يحب أن يكون أمر جهة التحقيق المختصة مسببًا. ويكون استئناف الأوامر المتقدمة أمام المحكمة الجنائية المختصة منعقدة في غرفة المشورة في المواعيد، ووفقًا للإجراءات المقررة بقانون الإجراءات الجنائية.”
يتبين من الاطلاع على نصوص هذا القانون رغبة المشرِّع في تمييزه ببعض القواعد الإجرائية الخاصة؛ فقسمه إلى ثلاثة أبواب. الباب الأول تحت عنوان الأحكام العامة، والباب الثاني تحت عنوان الأحكام والقواعد الإجرائية، والباب الثالث تحت عنوان الجرائم والعقوبات. ما يعنينا في هذا الشأن هو الباب الثاني من القانون، وعلى وجه خاص ما يتضمنه من تحديد لمأموري الضبط القضائي، والأوامر القضائية المؤقتة؛ ذلك حسبما جاء في نص المادتين الخامسة والسادسة سالفتا البيان.
جاءت هذه النصوص متفقة مع قواعد قانون الإجراءات الجنائية في تحديد مأمور الضبط القضائي من ذوي الاختصاص المكاني المحدود والنوعي المحدود؛ حيث حددت الفقرتين الأخيرتين من المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية آلية منح صفة الضبطية القضائية لغيرهم من الموظفين العموميين، والتي نصت على أنه “ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم. وتعتبر النصوص الواردة في القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأموري الضبط القضائي بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص.”
واستنادًا إلى ما تقدم، فقد قسم المشرِّع في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات من يجوز لوزير العدل – بموجب قرار منه بالاتفاق مع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات – منحهم صفة الضبطية القضائية بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى فئتين:
- الفئة الأولى: العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات
خول قرار وزير العدل، رقم 861 لسنة 2021، عدد (19) عاملًا من العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بأسمائهم، وبصفتهم الوظيفية، وكل منهم في دائرة اختصاصه صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون، دون غيرهم.
- الفئة الثانية: غير العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات
يقصّد بهم الأشخاص المحددين بمعرفة جهات الأمن القومي لمنحهم صفة الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والمتعلقة بأعمال وظائفهم. عرّف هذا القانون في مادته الأولى جهات الأمن القومي بأنها خمس جهات على سبيل الحصر وهم: رئاسة الجمهورية، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية.
فرق المشرِّع في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بصورة واضحة وقاطعة بين مأمور الضبط القضائي المختص وفقًا لأحكام المادة الخامسة منه، ومأمور الضبط صاحب الاختصاص العام من الفئتين (أ) و (ب) وفقًا لأحكام المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية. فقد اختص المشرِّع مأمور الضبط القضائي المختص وفقًا لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات دون غيره بجميع الاختصاصات المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة من هذا القانون فيما يتعلق بالأوامر القضائية المؤقتة، سواء البحث والتفتيش والنفاذ وضبط وسحب البيانات والأدلة الرقمية أو إجراءات الحجب. وقد جاءت صياغة عبارات القانون واضحة وقاطعة في هذا الشأن، ونجد ذلك في أكثر من موضع، من بينهم ما جاء في المادة السادسة التي نص فيها على أن “لجهة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا، لمأموري الضبط القضائي المختصين، لمدة(…)” وفي الفقرة الثالثة من المادة السابعة “ويجوز فى حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع، أن تقوم جهات التحري والضبط المختصة بإبلاغ الجهاز(…)” وفي الفقرة الرابعة من المادة السابعة “وعلى جهة التحري والضبط التي قامت بالإبلاغ أن تحرر محضرًا تثبت فيه ما تم من إجراءات وفقًا لأحكام الفقرة السابقة.”
ومن ثم تكون سلطة مأمور الضبط القضائي صاحب الاختصاص العام، سواء كان من الفئة (أ) أو (ب) في قانون الإجراءات الجنائية، مقيدة وفقًا لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. فيجوز له القيام بأي عمل في نطاق اختصاصه، باستثناء الأعمال المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة من هذا القانون. اختص المشرِّع بهذه الأعمال مأمور الضبط القضائي المختص وفقًا لأحكام المادة الخامسة من هذا القانون، والتي لا يجيز القانون لغيرهم القيام بها. كما يترتب البطلان على أي إجراء يجرى بالمخالفة لهذه الاختصاصات.
فعلى سبيل المثال، يجوز لسلطة التحقيق المختصة إصدار أمر لأي من مأموري الضبط القضائي أصحاب الاختصاص العام بضبط وإحضار أحد المتهمين بارتكاب جريمة بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وكذلك بتفتيشه وتفتيش مسكنه. بينما لا يجوز أن يمتد الإذن إلى البحث أو التفتيش أو الدخول أو النفاذ إلى برامج الحاسب الآلي وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية، ولا يمتد لضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات أو المعلومات أو أنظمة المعلومات، ولا يجوز لسلطة التحقيق أن تأذن له بأي مما تقدم. ويترتب البطلان على أي إجراء يجرى بالمخالفة لذلك. إن نتج عن ذلك أدلة مادية أو رقمية تكون تلك الأدلة غير مشروعة، منعدمة القيمة في الإثبات الجنائي، ولا يجوز الاستناد إلى أي منها في إسناد الاتهام أثناء مرحلة التحقيق أو في القضاء بالإدانة في مرحلة المحاكمة. ويقتصر الإذن بالقيام بأي من هذه الأعمال على مأمور الضبط القضائي المختص وفقًا لأحكام المادة الخامسة من القانون دون غيره.
يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة (9) من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020. نصت اللائحة على أن “تحوز الأدلة الرقمية ذات القيمة والحجية للأدلة الجنائية المادية فى الإثبات الجنائي إذا توافرت فيها الشروط والضوابط الآتية:
1- أن تتم عملية جمع أو الحصول أو استخراج أو استنباط الأدلة الرقمية محل الواقعة باستخدام التقنيات التى تضمن عدم تغيير أو تحديث أو محو أو تحريف للكتابة أو البيانات والمعلومات، أو أي تغيير أو تحديث أو إتلاف للأجهزة أو المعدات أو البيانات والمعلومات، أو أنظمة المعلومات أو البرامج أو الدعامات الإلكترونية وغيرها. ومنها على الأخص تقنية Digital Images Hash، Write Blocker، وغيرها من التقنيات المماثلة.
2- أن تكون الأدلة الرقمية ذات صلة بالواقعة وفى إطار الموضوع المطلوب إثباته أو نفيه، وفقًا لنطاق قرار جهة التحقيق أو المحكمة المختصة.
3- أن يتم جمع الدليل الرقمي واستخراجه وحفظه وتحريزه بمعرفة مأموري الضبط القضائي المخول لهم التعامل في هذه النوعية من الأدلة، أو الخبراء أو المتخصصين المنتدبين من جهات التحقيق أو المحاكمة، على أن يبين فى محاضر الضبط أو التقارير الفنية على نوع ومواصفات البرامج والأدوات والأجهزة والمعدات التي تم استخدامها، مع توثيق كود وخوارزم Hash الناتج عن استخراج نسخ مماثلة ومطابقة للأصل من الدليل الرقمي بمحضر الضبط أو تقرير الفحص الفني، مع ضمان استمرار الحفاظ على الأصل دون عبث به.
4- في حالة تعذر فحص نسخة الدليل الرقمي وعدم إمكانية التحفظ على الأجهزة محل الفحص لأي سبب يتم فحص الأصل ويثبت ذلك كله في محضر الضبط أو تقرير الفحص والتحليل.
5- أن يتم توثيق الأدلة الرقمية بمحضر إجراءات من قبل المختص قبل عمليات الفحص والتحليل له وكذا توثيق مكان ضبطه ومكان حفظه ومكان التعامل معه ومواصفاته.
وحيث أن وزير العدل لم تصدر عنه أي قرارات حتى الآن بشأن تخويل آخرين من غير العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات – تحددها تلك الجهات – صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة لجرائم هذا القانون المتعلقة بأعمال وظائفهم، من ثم يكون مأمورو الضبط القضائي من العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الواردة أسماؤهم في قرار وزير العدل رقم 861 لسنة 2021، هم وحدهم حتى الآن، دون غيرهم، من يجوز أن تصدر لهم من جهة التحقيق المختصة أي من الأوامر القضائية المؤقتة المنصوص عليها في المادة السادسة من هذا القانون. تشمل تلك الأوامر ضبط، أو سحب، أو جمع، أو التحفظ على البيانات والمعلومات، أو البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب، وقواعد البيانات، وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية. وهم وحدهم أيضًا المنوط بهم تنفيذها دون غيرهم، ويترتب البطلان الإجرائي على أي أوامر قضائية تصدر لغيرهم، باعتبارها إجراءات ماسة بالحرية الشخصية، والحق في الخصوصية، وحرمة الحياة الخاصة.
وحيث تنص المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري” وتنص المادة 332 من ذات القانون على أن “إذا كان البطلان راجعًا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضى به المحكمة ولو بغير طلب.” كما تنص المادة 336 من ذات القانون أيضًا على أن “إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، ولزوم إعادته متى أمكن ذلك”.
من المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن “من المقرر أن النص في المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري يدل في صريح لفظه وواضح معناه على أن الشارع يرتب البطلان على عدم مراعاة أي إجراء من الإجراءات الجوهرية التي يقررها دون سواها، وإذ كان ذلك، وكان الشارع لم يورد معيارًا ضابطًا يميز به الإجراء الجوهري عن غيره من الإجراءات التي لم يقصد بها سوى الإرشاد والتوجيه للقائم بالإجراء، فإنه يتعين لتحديد ذلك الرجوع إلى علة التشريع، فإذا كان الغرض من الإجراء المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة للمتهم أو غيره من الخصوم فإن الإجراء يكون جوهريًا يترتب البطلان على عدم مراعاته، أما إذا كان الغرض منه هو مجرد التوجيه والإرشاد للقائم به، فلا يعد جوهريًا ولا يترتب البطلان على عدم مراعاته.”
(الطعن بالنقض رقم 20844 لسنة 59 ق – جلسة 11-3-1990)
وحيث تنص المادة 57 من الدستور الساري لجمهورية مصر العربية على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك.”
يفهم من ذلك أن المشرِّع الدستوري قد كفل الحماية اللازمة لحرمة الحياة الخاصة باعتبارها أحد الحقوق الإنسانية والدستورية، والتي من صورها حرمة المراسلات الإلكترونية وجميع وسائل الاتصالات، وسريتها وحظر مصادرة أي منها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها. جاء هذا النص عامًا مطلقًا دون قيد أو تخصيص، ولم يتضمن سوى حالة استثنائية وحيدة، وهي وجود أمر قضائي مسبب، ومحدد المدة بالاطلاع عليها، أو رقابتها، وفقًا للأحوال التي يبينها القانون.
ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن “المشرع الدستوري – توفيقًا بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه – قد أجاز تفتيش الشخص أو السكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركًا للمشرِّع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها.”
(المحكمة الدستورية العليا – الدعوى رقم 5 لسنة 4 ق دستورية – جلسة 2-6-1984)
ولما كان المستقر عليه فقهًا أن كل إجراء يمس بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور هو إجراء جوهري بطبيعته، يهدف لحماية مصلحة المجتمع بصورة عامة، ومصلحة المتهم بصورة خاصة، ممثلة في حريته الشخصية، وحرمة حياته الخاصة، وحرمة مراسلاته ووسائل اتصاله، وكذلك أصل البراءة المفترض فيه؛ واستنادًا لذلك يكون إجراء ضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم، وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما إجراء جوهري لا مراء فيه. يترتب على مخالفة هذا الإجراء البطلان، ويمتد ذلك لجميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، والتي من بينها بطلان أي دليل يستمد من هذا الإجراء الباطل.
ولما كان الثابت من أوراق الدعوى وعلى وجه خاص الإذن الصادر من النيابة العامة المؤرخ (…) أن مأمور الضبط القائم بضبط وتفتيش المتهم، وضبط هاتفه المحمول، وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، بناءًا على هذا الإذن، هو ضابط شرطة برتبة (…) من العاملين بوحدة مباحث قسم شرطة (…) وليس من بين العاملين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات المخولين حصرًا بصفة الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون، والمختصين دون غيرهم بتنفيذ أي الأوامر القضائية المؤقتة، المنصوص عليها في المادة السادسة من هذا القانون، والتي من بينها، ضبط، أو سحب، أو جمع، أو التحفظ على البيانات والمعلومات، أو البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب، وقواعد البيانات، وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية.
ومن ثم يكون إذن النيابة العامة سالف البيان قد صدر لغير مختص، بالمخالفة لنص المادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مما يترتب عليه بطلان هذا الإذن، وبطلان ما قام به مأمور الضبط القضائي – غير المختص – من ضبط لجهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وعدم الاعتداد بشهادته، وبطلان كل ما زعمت النيابة العامة أنه يشكل دليلًا أو قرينة أو دلالة مستمدة من هذا الإجراء الباطل.
وحيث تنص الفقرة الأولى من المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسًا من أجل هذه الواقعة وحدها،” وحيث جاءت أوراق الدعوى خالية من أي دليل يصح معه إسناد الاتهام للمتهم بارتكاب الجرائم المنسوبة إليه سوى ما نتح عن هذا الإجراء الباطل، وهو يستلزم القضاء ببراءة المتهم من الاتهامات المسندة إليه.
الدفع ببطلان ضبط وتفتيش جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات لعدم صدور إذن قضائي مسبب من النيابة العامة بضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما.
أحالت النيابة العامة المتهم للمحاكمة على سند القول أن السيد مأمور الضبط القضائي أثناء تفقده للحالة الأمنية أدرك ارتكاب إحدى جرائم تقنية المعلومات وهي جريمة (…) ونظرًا لتواجد المتهم في مكان ارتكابها، فتوجه إليه وضبطه، وفتشه، وضبط هاتفه المحمول، وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وفتشهما، وتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما. وزعمت النيابة العامة أن البيانات والمعلومات والمراسلات الخاصة بالمتهم تشكل دليلًا على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالمواد (…) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأسندت إليه الاتهام بارتكابها، وأقامت الدعوى الجنائية الماثلة.
وحيث تنص المادة (57) من الدستور الساري لجمهورية مصر العربية على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك.”
وحيث أن المادة (1) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 تنص على أنه “في تطبيق أحكام هذا القانون يُقصد بالألفاظ والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منهما: (…) بيانات شخصية: أي بيانات متعلقة بشخص طبيعي محدد أو يمكن تحديده، بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الربط بينها وبين بيانات أخرى.
المعالجة الإلكترونية: أي عملية إلكترونية أو تقنية تتم كليًا أو جزئيًا لكتابة أو تجميع، أو تسجيل، أو حفظ، أو تخزين، أو دمج، أو عرض، أو إرسال، أو استقبال، أو تداول، أو نشر، أو محو، أو تغيير، أو تعديل، أو استرجاع، أو استنباط للبيانات والمعلومات الإلكترونية، وذلك باستخدام أي وسيط من الوسائط أو الحاسبات أو الأجهزة الأخرى الإلكترونية أو المغناطيسية أو الضوئية أو ما يُستحدث من تقنيات أو وسائط أخرى.
تقنية المعلومات: أي وسيلة أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة تُستخدم لتخزين، واسترجاع، وترتيب، وتنظيم، ومعالجة، وتطوير، وتبادل المعلومات أو البيانات، ويشمل ذلك كل ما يرتبط بالوسيلة أو الوسائل المستخدمة سلكيًا أو لاسلكيًا. (…)
المستخدم: كل شخص طبيعي أو اعتباري، يستعمل خدمات تقنية المعلومات أو يستفيد منها بأي صورة كانت.
البرنامج المعلوماتي: مجموعة الأوامر والتعليمات المعبر عنها بأية لغة أو رمز أو إشارة، والتي تتخذ أي شكل من الأشكال، ويمكن استخدامها بطريق مباشر أو غير مباشر في حاسب آلي لأداء وظيفة أو تحقيق نتيجة سواء كانت هذه الأوامر والتعليمات في شكلها الأصلي أو في أي شكل آخر تظهر فيه من خلال حاسب آلي، أو نظام معلوماتي.
النظام المعلوماتي: مجموعة برامج وأدوات معدة لغرض إدارة ومعالجة البيانات والمعلومات، أو تقديم خدمة معلوماتية.
شبكة معلوماتية: مجموعة من الأجهزة أو نظم المعلومات مرتبطة معًا، ويمكنها تبادل المعلومات والاتصالات فيما بينها، ومنها الشبكات الخاصة والعامة وشبكات المعلومات الدولية، والتطبيقات المستخدمة عليها.
الموقع: مجال أو مكان افتراضي له عنوان محدد على شبكة معلوماتية، يهدف إلى إتاحة البيانات والمعلومات للعامة أو الخاصة. (…)
الحساب الخاص: مجموعة من المعلومات الخاصة بشخص طبيعي أو اعتباري، تخول له الحق دون غيره الدخول على الخدمات المتاحة أو استخدامها من خلال موقع أو نظام معلوماتي.
البريد الإلكتروني: وسيلة لتبادل رسائل إلكترونية على عنوان محدد، بين أكثر من شخص طبيعي أو اعتباري، عبر شبكة معلوماتية، أو غيرها من وسائل الربط الإلكترونية، من خلال أجهزة الحاسب الآلي وما في حكمها. (…)
الدليل الرقمي: أي معلومات إلكترونية لها قوة أو قيمة ثبوتية مخزنة أو منقولة أو مستخرجة أو مأخوذة من أجهزة الحاسب أو الشبكات المعلوماتية وما في حكمها، ويمكن تجميعها وتحليلها باستخدام أجهزة أو برامج أو تطبيقات تكنولوجية خاصة.
المحتوى: أي بيانات تؤدى بذاتها، أو مجتمعة مع بيانات أو معلومات أخرى إلى تكوين معلومة أو تحديد توجه أو اتجاه أو تصور أو معنى أو الإشارة إلى بيانات أخرى. (…)
حركة الاتصال (بيانات المرور): بيانات ينتجها نظام معلوماتي تبين مصدر الاتصال، وجهته والوجهة المرسل منها والمرسل إليها والطريق الذي سلكه، وساعته وتاريخه وحجمه ومدته، ونوع الخدمة. (…)
الحاسب: كل جهاز أو معدة تقنية تكون قادرة على التخزين، وأداء عمليات منطقية، أو حسابية، وتستخدم لتسجيل بيانات أو معلومات، أو تخزينها، أو تحويلها، أو تخليقها، أو استرجاعها، أو ترتيبها، أو معالجتها، أو تطويرها، أو تبادلها، أو تحليلها، أو للاتصالات.
دعامة إلكترونية: أي وسيط مادي لحفظ وتداول البيانات والمعلومات الإلكترونية ومنها الأقراص المدمجة أو الأقراص الضوئية والذاكرة الإلكترونية أو ما في حكمه.”
وحيث أن المادة (6) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 تنص على أن “لجهة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا، لمأموري الضبط القضائي المختصين، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بواحد أو أكثر مما يأتي:
١- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. ويتم تسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
٢- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلي برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
٣- أن تأمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني. وفي كل الأحوال، يحب أن يكون أمر جهة التحقيق المختصة مسببًا. ويكون استئناف الأوامر المتقدمة أمام المحكمة الجنائية المختصة منعقدة في غرفة المشورة في المواعيد، ووفقًا للإجراءات المقررة بقانون الإجراءات الجنائية.”
يفهم من ذلك أن المشرِّع الدستوري قد كفل الحماية اللازمة لحرمة الحياة الخاصة باعتبارها أحد الحقوق الإنسانية والدستورية، والتي من صورها حرمة المراسلات الإلكترونية وجميع وسائل الاتصالات، وسريتها وحظر مصادرة أي منها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها. جاء هذا النص عامًا مطلقًا دون قيد أو تخصيص، ولم يتضمن سوى حالة استثنائية وحيدة، هي وجود أمر قضائي مسبب، ومحدد المدة بالاطلاع عليها، أو رقابتها، وفقًا للأحوال التى يبينها القانون.
ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن “المشرِّع الدستوري – توفيقًا بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه – قد أجاز تفتيش الشخص أو السكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها، تاركًا للمشرِّع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها.”
(المحكمة الدستورية العليا – الدعوى رقم 5 لسنة 4 ق دستورية – جلسة 2-6-1984)
استنادًا لما تقدم يكون المشرِّع العادي قد نظم هذا الاستثناء فأجاز ضبط أو تفتيشه الأجهزة الإلكترونية وغيرها من وسائل الاتصالات وما تحتويه من مراسلات، أو التحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيها، في حالة وحيدة دون غيرها. تتمثل تلك الحالة في صدور أمر قضائي مسبب من جهة التحقيق المختصة (النيابة العامة / قاضي التحقيق/ محكمة الموضوع) لمأموري الضبط القضائي المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون فقط دون غيرهم، وألا تزيد مدة الأمر/ الإذن عن ثلاثين يومًا، ويجوز تجديدها لمرة واحدة، وأن يتضمن هذا الأمر إجراء واحد أو أكثر من الإجراءات الآتية على سبيل الحصر:
- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. وتسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
- أمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني.
استنادًا لتلك الضمانات الدستورية والقانونية يكون المشرِّع الدستوري ومن بعده المشرع العادي قد أقر استثناء وحيد على الحق في الخصوصية وما يتضمنه من حرمة المراسلات الإلكترونية وجميع وسائل الاتصالات، وسريتها وحظر مصادرة أي منها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها. هذا الاستثناء هو صدور أمر قضائي مسبب على النحو سالف البيان، دون أن يمتد ذلك إلى أي استثناء آخر، كحالة التلبس أو غيرها، والتي هي استثناء يرد على الحق في الحرية الشخصية فقط، دون أن يمتد إلى حرمة المسكن أو حرمة المراسلات ووسائل الاتصالات.
استثنى الدستور الساري في المادة 54 حالة التلبس بالجريمة من الحق في الحرية الشخصية وصونها وعدم المساس بها؛ فأباح بموجبها القبض على الشخص وتفتيشه، بالإضافة إلى الاستثناء الآخر المتمثل في صدور أمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. كما لم ينص المشرِّع الدستوري في المادة 57 من الدستور على اعتبار أن حالة التلبس تعد استثناء على الحق في الخصوصية وما يتضمنه من حرمة المراسلات الإلكترونية وجميع وسائل الاتصالات، وسريتها وحظر مصادرة أي منها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها. اقتصر الاستثناء فقط على الأمر القضائي المسبب وفقًا للضوابط المنصوص عليها. جاء نص هذه المادة عامًا مطلقًا دون أي قيد أو تخصيص.
يعني هذا أن النص الدستوري يستلزم في جميع الأحوال صدور أمر قضائي مسبب – وفقًا للضوابط السالف بيانها – للدخول أو النفاذ أو التفتيش أو الضبط أو الاطلاع أو الرقابة أو جمع أو سحب البيانات أو مصادرة أي من وسائل الاتصال أو المراسلات أو المحادثات الإلكترونية دون استثناء. وذلك صونًا للحق الدستوري في الخصوصية وحرمة المراسلات والمحادثات ووسائل الاتصال.
دلالة ذلك ما أقرته المحكمة الدستورية العليا في شأن حكمها بعدم دستورية نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية التي كانت تبيح تفتيش المساكن في حالة التلبس دون إذن قضائي. استقرت المحكمة على أن: “وحيث إن المشرع الدستوري -توفيقًا بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركًا للمشرع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها. ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من الدستور على أنه الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع. ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقًا لأحكام القانون. ثم نصت المادة 44 من الدستور على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقًا لأحكام القانون. وهذا النص الأخير وإن كان قد ميز بين دخول المساكن وبين تفتيشها إلا أنه جمعهما في ضمانات واحدة متى كانا يمثلان انتهاكًا لحرمة المساكن التي قدسها الدستور.
وحيث أنه يبين من المقابلة بين المادتين 41، 44 من الدستور سالفتي الذكر أن المشرع الدستوري قد فرق في الحكم بين تفتيش الأشخاص وتفتيش المساكن فيما يتعلق بضرورة أن يتم التفتيش في الحالين بأمر قضائي ممن له سلطة التحقيق أو من القاضي المختص كضمانة أساسية لحصول التفتيش تحت إشراف مسبق من القضاء. فقد استثنت المادة 41 من الدستور من هذه الضمانة حالة التلبس بالجريمة بالنسبة للقبض على الشخص وتفتيشه فضلًا عن عدم اشتراطها تسبيب أمر القاضي المختص أو النيابة العامة بالتفتيش. في حين أن المادة 44 من الدستور لم تستثن حالة التلبس من ضرورة صدور أمر قضائي مسبب ممن له سلطة التحقيق أو من القاضي المختص بتفتيش المسكن سواء قام بالآمر بنفسه أم أذن لمأمور الضبط القضائي بإجرائه. فجاء نص المادة 44 من الدستور المشار إليه عامًا مطلقًا لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستوري يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائي المسبب وذلك صونًا لحرمة المسكن التي تنبثق من الحرية الشخصية التي تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذي يأوي إليه وهو موضع سره وسكينته.
ولذلك حرص الدستور – في الظروف التي صدر فيها- على التأكيد على عدم انتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائي مسبب دون أن يستثن من ذلك حالة التلبس بالجريمة التى لا تجيز- وفقًا للمادة 41 من الدستور- سوى القبض على الشخص وتفتيشه أينما وجد. يؤكد ذلك أن مشروع لجنة الحريات التي شكلت بمجلس الشعب عند إعداد الدستور كان يضمن نص المادة 44 استثناء حالة التلبس من حكمها غير أن هذا الاستثناء قد أسقط في المشروع النهائي لهذه المادة وصدر الدستور متضمنًا نص المادة 44 الحالي حرصًا منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه.
لما كان ما تقدم وكان نص المادة 44 من الدستور واضح الدلالة – على ما سبق ذكره- على عدم استثناء حالة التلبس من الضمانتين اللتين أوردهما- أي صدور أمر قضائي وأن يكون الأمر مسببًا- فلا يحق القول باستثناء حالة التلبس من حكم هاتين الضمانتين قياسًا على إخراجها من ضمانة صدور الأمر القضائي فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه، ذلك بأن الاستثناء لا يقاس عليه كما أنه لا محل للقياس عند وجود النص الدستوري الواضح الدلالة . ولا يغير من ذلك ما جاء بعجز المادة 44 من الدستور بعد إيرادها هاتين الضمانتين سالفتي الذكر من أن ذلك وفقًا لأحكام القانون لأن هذه العبارة لا تعني تفويض المشرع العادي في إخراج حالة التلبس بالجريمة من الخضوع للضمانتين اللتين اشترطها الدستور في المادة 44 سالفة الذكر، والقول بغير ذلك إهدار لهاتين الضمانتين وتعليق أعمالهما على إرادة المشرع العادى وهو ما لا يفيده نص المادة 44 من الدستور وإنما تشير عبارة وفقًا لأحكام القانون إلى الإحالة إلى القانون العادي في تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور الأمر بالتفتيش وبيان كيفية صدوره وتسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التي يتم بها هذا التفتيش.
لما كان ذلك وكانت المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950- المطعون فيها- تنص على أن لمأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم ويضبط فيه الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة إذا اتضح له من امارات قوية أنها موجودة فيه مما مفاده تخويل مأمور الضبط القضائي الحق في إجراء تفتيش مسكن المتهم في حالة التلبس بجناية أو جنحة دون أن يصدر له أمر قضائي مسبب ممن يملك سلطة التحقيق وهو ما يخالف حكم المادة 44 من الدستور على ما سلف بيانه، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية.”
(المحكمة الدستورية العليا – الدعوى رقم 5 لسنة 4 ق دستورية – جلسة 2-6-1984)
وحيث تنص المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري،” وتنص المادة 332 من ذات القانون على أن “إذا كان البطلان راجعًا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب.” كما تنص المادة 336 من ذات القانون أيضًا على أن “إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، ولزوم إعادته متى أمكن ذلك.”
ومن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن “من المقرر أن النص في المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري يدل في صريح لفظه وواضح معناه على أن الشارع يرتب البطلان على عدم مراعاة أي إجراء من الإجراءات الجوهرية التي يقررها دون سواها، وإذ كان ذلك، وكان الشارع لم يورد معيارًا ضابطًا يميز به الإجراء الجوهري عن غيره من الإجراءات التي لم يقصد بها سوى الإرشاد والتوجيه للقائم بالإجراء، فإنه يتعين لتحديد ذلك الرجوع إلى علة التشريع، فإذا كان الغرض من الإجراء المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة للمتهم أو غيره من الخصوم فإن الإجراء يكون جوهريًا يترتب البطلان على عدم مراعاته، أما إذا كان الغرض منه هو مجرد التوجيه والإرشاد للقائم به، فلا يعد جوهريًا ولا يترتب البطلان على عدم مراعاته.”
(الطعن بالنقض رقم 20844 لسنة 59 ق – جلسة 11-3-1990)
ولما كان المستقر عليه فقهًا أن كل إجراء يمس بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور هو إجراء جوهري بطبيعته، يهدف لحماية مصلحة المجتمع بصورة عامة، ومصلحة المتهم بصورة خاصة، ممثلة في حريته الشخصية، وحرمة حياته الخاصة، وحرمة مراسلاته ووسائل اتصاله، وكذلك أصل البراءة المفترض فيه؛ واستنادًا لذلك يكون إجراء ضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم، وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما إجراء جوهري لا مراء فيه، يترتب على مخالفته البطلان، ويمتد ذلك لجميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، والتي من بينها بطلان أي دليل يستمد من هذا الإجراء الباطل.
ولما كان الثابت من أوراق الدعوى أن مأمور الضبط القائم بضبط وتفتيش المتهم، وضبط هاتفه المحمول، وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، قد أقر في محضره أنه قام بتلك الإجراءات دون أن يسبقها صدور إذن قضائي مسبب له بضبط الهاتف المحمول الخاص بالمتهم وكذلك جهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وأنه استند في قيامه بما تقدم إلى زعمه بتوافر المتهم في حالة من حالات التلبس بعد استيقافه لمدى ظهر عليه من مظاهر الشك والريبة على حد زعم مأمور الضبط. ويؤيد ذلك خلو أوراق الدعوى من أي أمر قضائي صدر لمأمور الضبط أو لغيره بضبط أو تفتيش المتهم أو هاتفه أو حاسوبه الشخصي. ومن ثم يكون ما قام به مأمور الضبط القضائي من إجراءات – على النحو سالف البيان – مخالفًا لنص المادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. يترتب على ذلك بطلان هذه الإجراءات، وبطلان ما قام به مأمور الضبط القضائي من ضبط لجهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وعدم الاعتداد بشهادته، وبطلان كل ما زعمت النيابة العامة أنه يشكل دليلًا أو قرينة أو دلالة مستمدة من هذا الإجراء الباطل.
وحيث تنص الفقرة الأولى من المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسًا من أجل هذه الواقعة وحدها،” وحيث جاءت أوراق الدعوى خالية من أي دليل يصح معه إسناد الاتهام للمتهم بارتكاب الجرائم المنسوبة إليه سوى ما نتح عن هذا الإجراء الباطل، وهو يستلزم القضاء ببراءة المتهم من الاتهامات المسندة إليه.
الدفع ببطلان تفتيش النيابة العامة ودخولها ونفاذها إلى البيانات الشخصية والمراسلات الإلكترونية والبرامج والنظم المعلوماتية الموجودة على هاتف المتهم وبطلان الدليل المستمد منها لمخالفتها الإجراءات المنصوص في المادتين (6) و(11) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمواد (6) و(9) و(10) من لائحته التنفيذية.
أحالت النيابة العامة المتهم للمحاكمة على سند القول أن السيد مأمور الضبط القضائي، نفاذًا لإذن النيابة العامة الصادر له، قام بضبط المتهم، وفتشه، وضبط بحوزته هاتفه المحمول، ذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بشأن إحدى جرائم تقنية المعلومات. وأثناء عرض المضبوطات على النيابة العامة أثبت السيد المحقق في تحقيقاته قيامه بنفسه بتفتيش هاتف المتهم، والنفاذ إلى التطبيقات الموجودة على الهاتف، والاطلاع على محتواها والبحث فيه، ومن بينها سجل المكالمات الهاتفية، والمحادثات الخاصة على تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر” وكذلك البريد الإلكتروني، وسجل الصور شخصية الموجودة على الهاتف، وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيه، وأثبتها في محضره، وقام بتحريز الهاتف. ومن ثم زعمت النيابة العامة أن البيانات والمعلومات والمراسلات الخاصة بالمتهم تشكل دليلًا على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالمواد (…) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأسندت إليه الاتهام بارتكابها، وأقامت الدعوى الجنائية الماثلة.
وحيث أن المقرر بموجب نص المادة (5) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 أن “يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص منح صفة الضبطية القضائية للعاملين بالجهاز أو غيرهم ممن تحددهم جهات الأمن القومي، بالنسبة إلى الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والمتعلقة بأعمال وظائفهم.”
وتنص المادة (6) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 على أن “لجهة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا، لمأموري الضبط القضائي المختصين، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بواحد أو أكثر مما يأتي:
١- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أى مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. ويتم تسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
٢- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
٣- أن تأمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني. وفي كل الأحوال، يحب أن يكون أمر جهة التحقيق المختصة مسببًا. ويكون استئناف الأوامر المتقدمة أمام المحكمة الجنائية المختصة منعقدة في غرفة المشورة في المواعيد، ووفقًا للإجراءات المقررة بقانون الإجراءات الجنائية.”
كما تنص المادة (11) من ذات القانون على أن “يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط أو الدعامات الإلكترونية أو من النظام المعلوماتي أو من برامج الحاسب ، أو من أي وسيلة لتقنية المعلومات ذات قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية لهذا القانون.”
وحيث تنص المادة (6) من اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020، على أن “يقوم الخبراء وفقًا للمادتين رقمي (1) ، (10) من القانون بتنفيذ المهام الفنية والتقنية التي يتم تكليفهم بها من جهات التحقيق أو الجهات القضائية المختصة أو من الجهات المعنية بمكافحة جرائم تقنية المعلومات بشأن الجرائم موضوع هذا القانون.”
وتنص المادة (9) من ذات اللائحة على أن “تحوز الأدلة الرقمية ذات القيمة والحجية للأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي إذا توافرت فيها الشروط والضوابط الآتية:
1- أن تتم عملية جمع أو الحصول أو استخراج أو استنباط الأدلة الرقمية محل الواقعة باستخدام التقنيات التي تضمن عدم تغيير أو تحديث أو محو أو تحريف للكتابة أو البيانات والمعلومات، أو أي تغيير أو تحديث أو إتلاف للأجهزة أو المعدات أو البيانات والمعلومات، أو أنظمة المعلومات أو البرامج أو الدعامات الالكترونية وغيرها. ومنها على الأخص تقنية Digital Images Hash، Write Blocker، وغيرها من التقنيات المماثلة.
2- أن تكون الأدلة الرقمية ذات صلة بالواقعة وفى إطار الموضوع المطلوب إثباته أو نفيه، وفقًا لنطاق قرار جهة التحقيق أو المحكمة المختصة.
3- أن يتم جمع الدليل الرقمي واستخراجه وحفظه وتحريزه بمعرفة مأموري الضبط القضائي المخول لهم التعامل في هذه النوعية من الأدلة ، أو الخبراء أو المتخصصين المنتدبين من جهات التحقيق أو المحاكمة، على أن يبين فى محاضر الضبط، أو التقارير الفنية على نوع ومواصفات البرامج والأدوات والأجهزة والمعدات التي تم استخدامها، مع توثيق كود وخوارزم Hash الناتج عن استخراج نسخ مماثلة ومطابقة للأصل من الدليل الرقمي بمحضر الضبط أو تقرير الفحص الفني، مع ضمان استمرار الحفاظ على الأصل دون عبث به.
4- في حالة تعذر فحص نسخة الدليل الرقمي وعدم إمكانية التحفظ على الأجهزة محل الفحص لأي سبب يتم فحص الأصل ويثبت ذلك كله في محضر الضبط أو تقرير الفحص والتحليل.
5- أن يتم توثيق الأدلة الرقمية بمحضر إجراءات من قبل المختص قبل عمليات الفحص والتحليل له وكذا توثيق مكان ضبطه ومكان حفظه ومكان التعامل معه ومواصفاته.
كما تنص المادة (10) من اللائحة التنفيذية على أن “يتم توصيف وتوثيق الدليل الرقمي من خلال طباعة نسخ من الملفات المخزن عليها أو تصويرها بأي وسيلة مرئية أو رقمية، واعتمادها من الأشخاص القائمين على جمع أو استخراج أو الحصول أو التحليل للأدلة الرقمية ، مع تدوين البيانات التالية على كل منها:
1 – تاريخ ووقت الطباعة والتصوير.
2- اسم وتوقيع الشخص الذي قام بالطباعة والتصوير.
3- اسم أو نوع نظام التشغيل ورقم الإصدار الخاص به.
4- اسم البرنامج ونوع الإصدار أو الأوامر المستعملة لإعداد النسخ.
5- البيانات والمعلومات الخاصة بمحتوى الدليل المضبوط.
6- بيانات الأجهزة والمعدات والبرامج والأدوات المستخدمة.
استنادًا لما تقدم يكون المشرِّع قد وضع تنظيمًا قانونيًا للأدلة الرقمية، ورسم طريقًا محددًا لكيفية ضبطها واستخراجها وجمعها، حتى تحوز حجيتها في الإثبات الجنائي. فأجاز المشرِّع ضبط أو تفتيش الأجهزة الإلكترونية وغيرها من وسائل الاتصالات وما تحتويه من مراسلات، أو التحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيها، في حالة وحيدة دون غيرها. تتمثل تلك الحالة في صدور أمر قضائي مسبب من جهة التحقيق المختصة لمأموري الضبط القضائي المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون فقط دون غيرهم، وألا تزيد مدة الأمر/ الإذن عن ثلاثين يومًا، ويجوز تجديدها لمرة واحدة، وأن يتضمن هذا الأمر إجراء واحد أو أكثر من الإجراءات الآتية على سبيل الحصر:
- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. وتسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
- أمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني.
إضافة إلى وجوب توافر هذه الشروط الآتية مجتمعة، حتى يحوز الدليل الرقمي ذات القيمة والحجية للأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي:
- أن تتم عملية جمع أو الحصول أو استخراج أو استنباط الأدلة الرقمية محل الواقعة باستخدام التقنيات التي تضمن عدم تغيير أو تحديث أو محو أو تحريف للكتابة أو البيانات والمعلومات، أو أي تغيير أو تحديث أو إتلاف للأجهزة أو المعدات أو البيانات والمعلومات، أو أنظمة المعلومات أو البرامج أو الدعامات الالكترونية وغيرها. ومنها على الأخص تقنية Digital Images Hash، Write Blocker، وغيرها من التقنيات المماثلة.
- أن تكون الأدلة الرقمية ذات صلة بالواقعة وفى إطار الموضوع المطلوب إثباته أو نفيه، وفقًا لنطاق قرار جهة التحقيق أو المحكمة المختصة.
- أن يتم جمع الدليل الرقمي واستخراجه وحفظه وتحريزه بمعرفة مأموري الضبط القضائي المخول لهم التعامل في هذه النوعية من الأدلة ، أو الخبراء أو المتخصصين المنتدبين من جهات التحقيق أو المحاكمة، على أن يبين في محاضر الضبط، أو التقارير الفنية على نوع ومواصفات البرامج والأدوات والأجهزة والمعدات التي تم استخدامها، مع توثيق كود وخوارزم Hash الناتج عن استخراج نسخ مماثلة ومطابقة للأصل من الدليل الرقمي بمحضر الضبط أو تقرير الفحص الفني، مع ضمان استمرار الحفاظ على الأصل دون عبث به.
- في حالة تعذر فحص نسخة الدليل الرقمي وعدم إمكانية التحفظ على الأجهزة محل الفحص لأي سبب يتم فحص الأصل ويثبت ذلك كله في محضر الضبط أو تقرير الفحص والتحليل.
- أن يتم توثيق الأدلة الرقمية بمحضر إجراءات من قبل المختص قبل عمليات الفحص والتحليل له وكذا توثيق مكان ضبطه ومكان حفظه ومكان التعامل معه ومواصفاته.
- يتم توصيف وتوثيق الدليل الرقمي من خلال طباعة نسخ من الملفات المخزن عليها أو تصويرها بأي وسيلة مرئية أو رقمية، واعتمادها من الأشخاص القائمين على جمع أو استخراج أو الحصول أو التحليل للأدلة الرقمية ، مع تدوين البيانات التالية على كل منها:
1.6 تاريخ ووقت الطباعة والتصوير.
2.6 اسم وتوقيع الشخص الذي قام بالطباعة والتصوير.
3.6 اسم أو نوع نظام التشغيل ورقم الإصدار الخاص به.
4.6 اسم البرنامج ونوع الإصدار أو الأوامر المستعملة لإعداد النسخ.
5.6 البيانات والمعلومات الخاصة بمحتوى الدليل المضبوط.
6.6 بيانات الأجهزة والمعدات والبرامج والأدوات المستخدمة.
وحيث أن الثابت من أوراق الدعوى أن السيد المحقق لم يراعي الضوابط المنصوص عليها في المادة الحادية عشر من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ولا المادتين التاسعة والعاشرة من اللائحة التنفيذية لذات القانون؛ فمن ناحية قد قام بنفسه بتفتيش هاتف المتهم، والنفاذ إلى التطبيقات الموجودة على الهاتف، والاطلاع على محتواها والبحث فيه، ومن بينها سجل المكالمات الهاتفية، والمحادثات الخاصة على تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر” وكذلك البريد الإلكتروني، وسجل الصور شخصية الموجودة على الهاتف، وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيه، وأثبتها في محضره، وذلك كله دون أمر أو انتداب أحد مأموري الضبط القضائي المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون والمخول لهم التعامل مع هذه الأدلة لامتلاكهم الخبرة الفنية في هذا الشأن للقيام بهذه الإجراءات. ومن ناحية أخرى – بالفرض في الجدلي في الزعم بصحة الإجراء السابق – فإنه لم يتوافر في هذه الإجراءات أي من الضوابط المنصوص عليها في المادتين التاسعة والعاشرة من اللائحة التنفيذية للقانون، التي اشترط المشرِّع وجوب توافرها مجتمعة حتى يحوز الدليل الرقمي ذات القيمة والحجية للأدلة الجنائية المادية في الإثبات الجنائي.
ومن ثم يكون ما قام به السيد المحقق من إجراءات على النحو سالف البيان مخالفًا لنصوص المادتين (6) و(11) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمواد (6) و(9) و(10) من لائحته التنفيذية، وبطلان كل ما زعمت النيابة العامة أنه يشكل دليلاً أو قرينة أو دلالة مستمدة من هذا الإجراء الباطل.
وحيث تنص الفقرة الأولى من المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسًا من أجل هذه الواقعة وحدها،” وحيث جاءت أوراق الدعوى خالية من أي دليل يصح معه إسناد الاتهام للمتهم بارتكاب الجرائم المنسوبة إليه سوى ما نتح عن هذا الإجراء الباطل، وهو يستلزم القضاء ببراءة المتهم من الاتهامات المسندة إليه.
الدفع ببطلان ضبط وتفتيش الهاتف المحمول الخاص بالمتهم وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات، لتجاوز حدود الإذن القضائي، الذي اقتصر على ضبط وسحب والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة في سجل المكالمات والبريد الإلكتروني الخاص بهاتف المتهم دون غيرهم.
أحالت النيابة العامة المتهم للمحاكمة على سند القول أن السيد مأمور الضبط القضائي المختص، نفاذًا لإذن النيابة العامة الصادر له، قام بضبط المتهم، وفتشه، وضبط هاتفه المحمول، وفتشه، وقام بالنفاذ إلى التطبيقات الموجودة على الهاتف، والاطلاع على محتواها والبحث فيه، ومن بينها سجل المكالمات الهاتفية، والمحادثات الخاصة على تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر” وكذلك البريد الإلكتروني، وسجل الصور شخصية الموجودة على الهاتف، وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيه، وقام بتحريز الهاتف، وأثبت ما تقدم في محضر ضبط وأعد تقريره الفني على النحو المقرر قانونًا، وذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بشأن إحدى جرائم تقنية المعلومات، التي زعمت أن تلك المراسلات الخاصة بالمتهم على تطبيق “واتساب” تشكل دليلاً على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالمواد (…) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأسندت إليه الاتهام بارتكابها، وأقامت الدعوى الجنائية الماثلة.
ولما كان الثابت من أوراق الدعوى أن النيابة العامة أثناء تحقيقها في الشكوى المقدمة من شركة (…) التي يعمل لحسابها المتهم بشأن اختراقه لموقعها الإلكتروني المسمى (…) على شبكة الإنترنت باستخدام بريده الإلكتروني المسمى (…) وتغييره وتشويهه لتصميم هذا الموقع الإلكتروني، وإخفاءه للبيانات الموجودة عليه، قد أصدرت أمرًا قضائيًا بضبط وتفتيش المتهم، وضبط ما قد يحوزه من هواتف محمولة، والنفاذ إلى بريده الإلكتروني، وسجل المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة إليه، والاطلاع على محتواهما والبحث فيهما وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، إلا أن مأمور الضبط القضائي المختص قانونًا والمأذون له بضبط المتهم وهاتفه المحمول وتفتيشهما على النحو المبين بالأمر القضائي الصادر له قام بالاطلاع على محتواهما والبحث فيه، وامتد ذلك إلى المحادثات الخاصة على تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر” وسجل الصور شخصية الموجودة على الهاتف، وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيه، وانتهى في محضره وتقريره الفني إلى وجود مراسلات بين المتهم والممثل القانوني للشركة الشاكية عبر تطبيق “واتساب” تفيد إخطار الأخير باختراق الموقع الإلكتروني للشركة وتغيير تصميمه ومحو بياناته، وهو ما اعتبرته النيابة العامة دليلًا على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالمواد (…) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، فأسندت إليه الاتهام بارتكابها، وأقامت الدعوى الجنائية الماثلة.
وحيث تنص المادة 57 من الدستور الساري لجمهورية مصر العربية على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك”.
يفهم من ذلك أن المشرع الدستوري قد كفل الحماية اللازمة لحرمة الحياة الخاصة باعتبارها أحد الحقوق الإنسانية والدستورية، والتي من صورها حرمة المراسلات الإلكترونية وجميع وسائل الاتصالات، وسريتها وحظر مصادرة أي منها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها. جاء هذا النص عامًا مطلقًا دون قيد أو تخصيص، ولم يتضمن سوى حالة استثنائية وحيدة، وهي وجود أمر قضائي مسبب، ومحدد المدة بالاطلاع عليها، أو رقابتها، وفقًا للأحوال التى يبينها القانون.
ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن “المشرع الدستوري – توفيقًا بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه – قد أجاز تفتيش الشخص أو السكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها تاركًا للمشرع العادي أن يحدد الجرائم التي يجوز فيها التفتيش والإجراءات التي يتم بها.”
(المحكمة الدستورية العليا – الدعوى رقم 5 لسنة 4 ق دستورية – جلسة 2-6-1984)
وحيث تنص المادة (6) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 على أن “لجهة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا، لمأموري الضبط القضائي المختصين، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بواحد أو أكثر مما يأتي:
١- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. ويتم تسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
٢- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
٣- أن تأمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني. وفي كل الأحوال، يحب أن يكون أمر جهة التحقيق المختصة مسببًا. ويكون استئناف الأوامر المتقدمة أمام المحكمة الجنائية المختصة منعقدة في غرفة المشورة في المواعيد، ووفقًا للإجراءات المقررة بقانون الإجراءات الجنائية”.
استنادًا لذلك يكون المشرِّع قد وضع تنظيمًا قانونيًا للأدلة الرقمية، ورسم طريقًا محددًا لكيفية ضبطها واستخراجها وجمعها، حتى تحوز حجيتها في الإثبات الجنائي. فأجاز المشرِّع ضبط أو تفتيش الأجهزة الإلكترونية وغيرها من وسائل الاتصالات وما تحتويه من مراسلات، أو التحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيها، في حالة وحيدة دون غيرها. تتمثل تلك الحالة في صدور أمر قضائي مسبب من جهة التحقيق المختصة لمأموري الضبط القضائي المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون فقط دون غيرهم، وألا تزيد مدة الأمر/ الإذن عن ثلاثين يومًا، ويجوز تجديدها لمرة واحدة، وأن يتضمن هذا الأمر إجراء واحد أو أكثر من الإجراءات الآتية على سبيل الحصر:
- ضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه. وتسليم أدلتها الرقمية للجهة مصدرة الأمر على ألا يؤثر ذلك على استمرارية النظم وتقديم الخدمة أن كان لها مقتضٍ.
- البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط.
- أمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني.
وحيث أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض “أنه لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها، وأنه إذا ظهر أثناء تفتيش صحيح وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها بشرط أن تظهر عرضًا أثناء التفتيش ودون سعي يستهدف البحث عنها، فإن مؤدى كل ما تقدم ولازمه واستصحابًا للغاية التي تغياها المشرع وعناها من وضع ضوابط للتفتيش على النحو الذي أورده في نص المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية فإنه يتعين الالتزام والتقيد بتلك الضوابط والحدود في كل تفتيش صحيح يجريه مأمور الضبط القضائي سواء أجرى التفتيش على مقتضى حكم المادتين 34 و 46 من قانون الإجراءات الجنائية أو بموجب إذن من النيابة العامة وسواء جرى التفتيش كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق وفقًا للمادة 46 من القانون المذكور أو كان تفتيشًا وقائيًا لازمًا ضرورة كوسيلة من وسائل التوقي والتحوط الواجب توفيرها أمانًا من شر المقبوض عليه إذا حدثته نفسه استرجاع حريته بالاعتداء بما قد يكون لديه من سلاح على من يقبض عليه (…) وكل ذلك لضمان عدم تعسف رجل الضبط القضائي في تنفيذ كل تفتيش صحيح يجريه والالتزام بحدود التفتيش وعدم مجاوزة الغرض منه.”
(نقض جلسة 23-11-2009، مجموعة أحكام النقض، س 60، ص 305، رقم 65، الطعن رقم 4677 لسنة 72 ق)
وحيث تنص المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري.” وتنص المادة 332 من ذات القانون على أن “إذا كان البطلان راجعًا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم فى الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، جاز التمسك به فى أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب.” كما تنص المادة 336 من ذات القانون أيضًا على أن “إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة، ولزوم إعادته متى أمكن ذلك.”
ومن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن “من المقرر أن النص في المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري يدل في صريح لفظه وواضح معناه على أن الشارع يرتب البطلان على عدم مراعاة أي إجراء من الإجراءات الجوهرية التي يقررها دون سواها، وإذ كان ذلك، وكان الشارع لم يورد معيارًا ضابطًا يميز به الإجراء الجوهري عن غيره من الإجراءات التي لم يقصد بها سوى الإرشاد والتوجيه للقائم بالإجراء، فإنه يتعين لتحديد ذلك الرجوع إلى علة التشريع، فإذا كان الغرض من الإجراء المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة للمتهم أو غيره من الخصوم فإن الإجراء يكون جوهريًا يترتب البطلان على عدم مراعاته، أما إذا كان الغرض منه هو مجرد التوجيه والإرشاد للقائم به، فلا يعد جوهريًا ولا يترتب البطلان على عدم مراعاته.”
(الطعن بالنقض رقم 20844 لسنة 59 ق – جلسة 11-3-1990)
ولما كان المستقر عليه فقهًا أن كل إجراء يمس بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور هو إجراء جوهري بطبيعته، يهدف لحماية مصلحة المجتمع بصورة عامة، ومصلحة المتهم بصورة خاصة، ممثلة في حريته الشخصية، وحرمة حياته الخاصة، وحرمة مراسلاته ووسائل اتصاله، وكذلك أصل البراءة المفترض فيه؛ واستنادًا لذلك يكون إجراء ضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم، وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما إجراء جوهري لا مراء فيه، يترتب على مخالفته البطلان، ويمتد ذلك لجميع الآثار التى تترتب عليه مباشرة، والتي من بينها بطلان أي دليل يستمد من هذا الإجراء الباطل.
ومن ثم يكون مأمور الضبط القضائي تجاوز الغرض من الأمر القضائي الصادر له على النحو سالف البيان ولم يلتزم بحدود التفتيش المأذون له به، وتعسف في تنفيذه وامتد نطاق تفتيشه إلا ما لم يأذن له به فقام فقام بالاطلاع والبحث في المحادثات الخاصة بالمتهم على تطبيقي “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر” وسجل الصور شخصية الموجودة على الهاتف، وجمع البيانات والمعلومات الموجودة فيهم على النحو الثابت في محضره. وانتهى في محضره وتقريره الفني إلى وجود مراسلات بين المتهم والممثل القانوني للشركة الشاكية عبر تطبيق “واتساب” تفيد إخطار الأخير باختراق الموقع الإلكتروني للشركة وتغيير تصميمه ومحو بياناته، وهو ما يترتب عليه حتمًا بطلان هذا التفتيش وبطلان الدليل المستمد منه واستبعاده وكذلك بطلان شهادة مأمور الضبط القائم بالتفتيش، وبطلان ما زعمت النيابة العامة أنه يشكل دليلًا أو قرينة أو دلالة مستمدة من هذا الإجراء الباطل. ولا يجوز القول بأن ما أسفر عنه من المراسلات الخاصة بالمتهم المشار إليه عبر تطبيق “واتساب” قد ظهرت عرضًا، فهو سلوك لا يتصور عقلًا ولا منطقًا، إنما كان نتاج سعي من مأمور الضبط القضائي يستهدف البحث في تلك المراسلات عبر الدخول والنفاذ إلى هذا التطبيق والاطلاع على محتوى المراسلات الموجودة عليه متجاوزًا بذلك نطاق الأمر القضائي ومنتهكًا لحرمة وخصوصية مراسلات المتهم، من دون مسوغ قانوني.
وحيث تنص الفقرة الأولى من المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “إذا كانت الواقعة غير ثابتة أو كان القانون لا يعاقب عليها تحكم المحكمة ببراءة المتهم ويفرج عنه إن كان محبوسًا من أجل هذه الواقعة وحدها،” وحيث جاءت أوراق الدعوى خالية من أي دليل يصح معه إسناد الاتهام للمتهم بارتكاب الجرائم المنسوبة إليه سوى ما نتح عن هذا الإجراء الباطل، وهو يستلزم القضاء ببراءة المتهم من الاتهامات المسندة إليه.
الدفع ببطلان الحكم المستأنف نتيجة للخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال في شأن اطمئنان الحكم لصحة إجراءات ضبط الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وما نتج عنها من دليل مزعوم استند إليه الحكم في إدانة المتهم.
قضى الحكم المستأنف بإدانة المتهم استنادًا إلى اطمئنانه لصحة إجراءات ضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وما نتج عنها من دليل مزعوم استند إليه في إدانة المتهم وأيده بأقوال مأمور الضبط الواردة بتحقيقات النيابة العامة، على الرغم من تمسك دفاع المتهم ببطلان إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش هاتف المتهم وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات لصدوره لمأمور ضبط قضائي غير مختص بتنفيذ الأوامر القضائية المنصوص عليها بالمادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وهو دفاع جوهري يغير وجه الرأي في الدعوى، وقد قرع به سمع محكمة أول درجة، وجاءت أسباب الحكم المستأنف في الرد على هذا الدفع مشوبة بالخطأ في تطبيق القانون ومشيدة على استدلال شابه الفساد.
إن كان هناك قول بأن المشرِّع يبيح لمأمور الضبط صاحب الاختصاص العام القيام بجميع الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وعلى نحو خاص المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة، فيما يتعلق بالبحث والتفتيش والنفاذ وضبط وسحب البيانات والأدلة الرقمية أو إجراءات الحجب، فهو رأي وإن كان متسقًا مع أحكام قانون الإجراءات الجنائية وبعض القوانين الجنائية الخاصة، إلا أنه غير متسق مع أحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، نظرًا لما تضمنه الأخير من أحكام وقواعد إجرائية خاصة تسري على الجرائم المعاقب عليها بموجبه.
أما إذا افترضنا جدلًا امتداد هذا الاتجاه على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وأن المشرِّع أباح لمأمور الضبط صاحب الاختصاص العام القيام بكافة الإجراءات في هذا القانون، وعلى نحو خاص المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة فيما يتعلق بالبحث والتفتيش والنفاذ وضبط وسحب البيانات والأدلة الرقمية أو إجراءات الحجب، فسنكون – حسب وصف المحكمة الدستورية العليا – بصدد “خطأ في تأويل هذا النص وفهمه على غير معناه الحقيقي، وتطبيق غير صحيح لأحكامه، إضافة إلى كون ذلك يمثل خوضًا في بواعث التشريع ومدى ملائمته ومناقشة لدوافعه، وتدخلًا في السياسة التشريعية التي ينتهجها المشرِّع لتنظيم أوضاع بعينها.”
(حكم المحكمة الدستورية العليا، جلسة 11-11-2021 – الدعوى رقم ٣١ لسنة ٤٢ ق دستورية)
كما سنكون أيضًا بصدد “عبث ولغو، وهو ما يتنزه عنه المشرِّع ويخرج عن مقصده” وهذا هو التعبير الذي اعتادت محكمة النقض المصرية وتواترت أحكامها على أن تصف به محاولة تأويل وتفسير إدارة المشرِّع على نحو غير منطقي.
(الطعن بالنقض رقم ٨٥٢٨ لسنة ٨٨ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٩/٠٥/١٢، والطعن بالنقض رقم ٧٥٧٩ لسنة ٨٩ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢٠/١١/٠٧)
وذلك استنادًا إلى أمور من بينها قاعدة الخاص يقيد العام؛ وتعني هذه القاعدة القانونية أنه “إذا أورد المشرِّع تنظيمًا خاصًا بمسألة قانونية محددة وردت الإشارة إليها بصفة عامة في قانون آخر، فإنه يتعين إطراح الإشارة العامة وتطبيق التنظيم الخاص.”
(الطعن بالنقض رقم ٩٧٥٥ لسنة ٨١ ق – الدوائر المدنية – جلسة ٢٠١٨/١٠/١٣)
فالقانون العام هو الذي يسري على عموم الأفراد أو الجرائم، أما القانون الخاص فهو الذي يسري على طائفة خاصة من الأفراد أو الجرائم، وحال وجود تعارض بين مسألة أو إجراء ورد في القانونين العام والخاص، فتكون أولوية التطبيق للقانون الخاص دون العام باعتباره القاعدة القانونية الحاكمة لهذه المسألة أو هذا الإجراء. وقد استقر قضاء محكمة النقض وتواترت أحكامها على أنه “لا يرجع في تفسير القانون إلى قواعد القانون العام مادام أنه توجد نصوص خاصة لتنظيم الإجراءات في القانون الخاص، باعتبار أن القانون الخاص يقيد القانون العام ويعتبر استثناءًا عليه وقيدًا وإطارًا في تفسيره وتأويله.”
(الطعن بالنقض رقم ٤٣٦٥ لسنة ٧٠ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٠٨/٠٧/١٩)
من ثم فقد بات من المؤكد خضوع الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم المعلومات كافة وما يتعلق بها من إجراءات إلى أحكام ونصوص هذا القانون، باعتبارها النصوص الخاصة والحاكمة لهذه الإجراءات دون غيرها من نصوص أخرى عامة تنظم ذات الإجراءات، سواء وردت بقانون الإجراءات الجنائية أو غيره من القوانين.
واستنادًا أيضًا إلى قاعدة التشريع اللاحق ينسخ السابق؛ حيث تنص المادة الثانية من القانون المدني باعتباره الشريعة العامة على أنه “لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.” ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن “الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني هو أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغيًا للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقبا في الزمان، واختلفا في المضمون. إذ أن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون الحقهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدِّل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها.”
(حكم المحكمة الدستورية العليا – الدعويين 114 و 115 لسنة 24 ق دستورية – جلسة 2-11-2003)
وحيث أن صورة الإلغاء الضمني للتشريع لا تتحقق إلا إذا ورد كل من النص القديم والنص الجديد على محل واحد، مما يستحيل تطبيقهما معًا عليه، وفي هذه الحالة يفهم ضمنًا أن التشريع الجديد ألغى التشريع القديم، على أن يقتصر هذا الإلغاء على ما يقوم فيه التعارض بين التشريعين بصورة يستحيل معها الجمع بينهما؛ فإذا كان التعارض بينهما تامًا كاملًا اعُتبِّر التشريع الجديد ناسخًا للتشريع القديم كله، أما إذا كان التعارض جزئيًا فوقع بين بعض أحكام التشريعين فقط تحدد الإلغاء بالأحكام المتعارضة فقط، وذلك كله مرهون بأن تكون قواعد كلا التشريعين القديم والجديد قواعد عامة، أو أن تكون قواعد كلا التشريعين قواعد خاصة، أما إذا كان التشريع الجديد تشريعًا خاصًا والقديم عامًا فلا يستخلص من ذلك أن التشريع الجديد نسخ القديم، بل بقي التشريع القديم ساريًا ويعتبر التشريع الجديد استثناءًا من حكمه، وناسخًا لما خصصه فقط.
(أ.محمد كمال عبد العزيز – التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه – مصادر الالتزام، ط3، 2003، ص 208)
وقد استقر قضاء محكمة النقض، سواء الأحكام صادرة عن الدوائر المدنية أو الدوائر الجنائية، على أنه “لا يجوز إلغاء نص تشريع إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساوٍ له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.”
(الطعن بالنقض رقم ١١٥٠٥ لسنة ٨٨ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٩/١١/٠٢، والطعن رقم ١٠٠٠٤ لسنة ٨٥ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٦/٠٥/١٩، والطعن رقم ١٦٢٧ لسنة ٤١ ق – الدوائر الجنائية – جلسة ١٩٧٢/٠٣/٠٦)
وجاء في قضاءها أيضًا أن “النص التشريعي الذي يتضمن قاعدة عامة يجوز إلغاؤه بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق وأن قرر قواعد ذلك التشريع، ويقصد بالتعارض في هذا الخصوص أن يكون النصين واردين على محل واحد ويستحيل إعمالهما فيه معًا.”
(الطعن بالنقض رقم ١٠٦٢ لسنة ٥٨ ق – دوائر الإيجارات – جلسة ١٩٩٣/٠٦/٠٦)
ومن ثم يكون قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فور سريانه قانون خاص بهذه الطائفة من الجرائم، متضمنًا أحكامها العامة، والإجرائية، والختامية، والانتقالية، والجرائم التي يعاقب عليها وعقوباتها. وقد أصبح استثناءًا من أحكام قانون الإجراءات الجنائية، ونسخ كل نص خصصه ونظمه على النحو الوارد فيه، وعلى وجه خاص ما ورد في الباب الثاني في المواد من الخامسة حتى الحادية عشر، ومن بينهم الأحكام التي حدد بموجبها مأموري الضبط القضائي المختصين بتنفيذ أحكامه الإجرائية، واختصاصاتهم، على نحو يستحيل معه سريان كل نص يتعارض مع ذلك بقانون الإجراءات الجنائية باعتباره التشريع العام السابق.
واستنادًا أيضًا إلى عدم جواز القياس فيما يتعلق بالقواعد والأحكام الإجرائية لهذا القانون على غيرها من القواعد؛ حيث يعد القياس بمثابة وسيلة يستكمل بها ما يشوب القانون من نقص أو مسائل لم ينظمها، عن طريق استعارة الحل الذي قرره القانون لمسألة مماثلة. وإذا كان الأصل العام في كل سلوك هو الحرية والإباحة فإن “حماية الحرية الفردية اقتضت منح المشرِّع وحده سلطة التجريم والعقاب، والتي تمثل قيدًا على الحقوق والحريات، ونظرًا لكون هذا القيد هو استثناء على الأصل العام، فبطبيعة الحال لا يجوز التوسع فيه، ولا يجوز القياس على الاستثناء، كما لا يقتصر عدم جواز القياس في القوانين الجنائية على التجريم والعقاب فقط، بل يمتد لكل القواعد والأحكام الإجرائية التي يترتب عليها المساس بحريات الأفراد وحقوقهم.”
( د. أحمد فتحي سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – دار الشروق – ط2 – 2000 – ص 453 ما بعدها.)
كما أن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض هو أن “يلتزم القاضي في تفسير النصوص التشريعية الاستثنائية على عبارة النص، ولا يجاوزها، فلا يجوز له القياس لمد حكم النص إلى أمور سكت عنها أو يضيف إلى عباراته أمرًا لم يرد فيه من شأنه أن يؤدي إلى التوسع في تطبيق النص.”
(الطعن بالنقض رقم ٥٤٠٦ لسنة ٨٦ قضائية – الدوائر التجارية – جلسة ٢٠٢١/٠٧/٠٨)
ومن ثم تعد أي محاولة لتبرير امتداد اختصاص مأمور الضبط صاحب الاختصاص العام للقيام بأي من الإجراءات المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وعلى نحو خاص المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة، هو قياس على استثناء غير جائز قانونًا، ويترتب عليه البطلان لمساسه بحقوق وحريات الأفراد بالمخالفة لنصوص هذا القانون.
واستنادًا أيضًا إلى ذاتية القواعد الإجرائية المنصوص عليها بقانون جرائم تقنية المعلومات، حيث أنه لم يقترن بقانون إصدار يحيل من خلاله تنظيم بعض المسائل لقوانين أخرى سارية تضع لها أحكامًا مغايرة، واقتصرت أحكامه الانتقالية والختامية – في الباب الرابع – على مهلة تقنين الأوضاع للمخاطبين بأحكامه، ومدة إصدار اللائحة التنفيذية وتاريخي إصداره وسريانه، كما جاء الباب الثاني منه تحت عنوان “الأحكام والقواعد الإجرائية”. يتضمن الباب المواد من الخامسة حتى الحادية عشر، دون أن يشير المشرِّع في أي منهم من قريب أو بعيد إلى الإحالة لقانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون إجرائي آخر، وذلك على عكس ما جاء في الباب الثالث الذي حمل عنوان “الجرائم والعقوبات”.
فنصت المادة الثانية عشر من القانون – المدرجة كأول مواد هذا الباب – على أنه “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، ومراعاة أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦، يعاقب على الجرائم التالية بالعقوبات المبينة قرين كل جريمة،” كما أن ما يمكن فهمه واستخلاصه بشكل جلّي من المذكرة الإيضاحية للقانون، والتقارير البرلمانية المتعلقة بإقراره، وأخصها تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبيّ لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي، أنهم قد أكدوا على أن فلسفة هذا القانون وأحد أهدافه هي وضع تنظيم إجرائي دقيق ينظم إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تحديد حالات التصالح وإجراءاته وتنظيم عمل الخبراء المتخصصين العاملين في مجال جرائم مكافحة تقنية المعلومات، والقرارات والأوامر الجنائية المتعلقة بتنفيذ أحكام القانون.
ويفهّم من ذلك أن إرادة المشرِّع في هذا القانون قد اتجهت بوضوح إلى الاقتصار على مواده فيما تضمنته من أحكام وقواعد إجرائية، دون أي يحيل تنظيم كل أو بعض منها إلى أي قانون آخر، وعلى نحو خاص فيما استحدثه من أحكام وقواعد تتعلق بالضبط القضائي للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكامه، وإجراءات إصدار الأوامر القضائية المؤقتة وتنفيذها، وإجراءات وقرارات حجب المواقع الإلكترونية، والتظلم منها، والمنع من السفر والخبراء المختصين والأدلة الرقمية، والقول بغير ذلك يعد تدخلًا في السياسة التشريعية التي ينتهجها المشرِّع لتنظيم أوضاع بعينها، وهو ما تنأى عنه السلطة القضائية.
ومن ثم يكون قضاء الحكم المستأنف بإدانة المتهم، استنادًا إلى اطمئنانه لصحة إجراءات ضبط جهاز الحاسب الشخصي الخاص بالمتهم وهاتفه المحمول، وتفتيشهما، والتحفظ على البيانات والمعلومات الموجودة فيهما، وما نتج عنها من دليل مزعوم استند إليه في إدانة المتهم وأيده بأقوال مأمور الضبط الواردة بتحقيقات النيابة العامة مشوبًا بالخطأ في تطبيق القانون ومشيدًا على استدلال شابه الفساد؛ لكون الأمر القضائي الصادر من النيابة العامة قد صدر لمأمور ضبط قضائي غير مختص بتنفيذ الأوامر القضائية المنصوص عليها بالمادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وهو ما يترتب عليه حتمًا بطلان إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش هاتف المتهم وجهاز الحاسب الشخصي الخاص به، وبطلان ما تلى ذلك من إجراءات.